Translate واقي77-

الخميس، 17 فبراير 2022

الجاحظ البخلاء /البيان والتبيين / / المختار في الرد على النصارى



البخلاء   المقدمة رب أنعمت فزد
تولاك الله بحفظه وأعانك على شكره ووفقك لطاعته وجعلك من الفائزين برحمته ذكرت - حفظك الله أنك قرأت كتابي في تصنيف حيل لصوص النهار وفي تفصيل حيل سراق الليل وأنك سددت به كل خلل وحصنت به كل عورة وتقدمت بما أفادك من لطائف الخدع ونبهك عليه من غرائب الحيل فيما عسى ألا يبلغه كيد ولا يحوزه مكر وذكرت أن موقع نفعه عظيم وأن التقدم في درسه واجب وقلت: اذكر لي نوادر البخلاء واحتجاج الأشحاء وما يجوز من ذلك في باب الهزل وما يجوز منه في باب الجد لأجعل الهزل مستراحا والراحة جماما فإن للجد كدا يمنع من معاودته ولا بد لمن التمس نفعه من مراجعته.
وذكرت ملح الحزامي واحتجاج الكندي ورسالة سهل بن هارون وكلام ابن غزوان وخطبة الحارثي وكل ما حضرني من أعاجيبهم ولم سموا البخل صلاحاً والشح اقتصاداً ولما حاموا على المنع ونسبوه إلى الحزم ولما نصبوا للمواساة وقرنوها بالتضييع ولما جعلوا الجود سرفاً والأثرة جهلاً ولم زهدوا في الحمد وقل احتفالهم بالذم ولم استضعفوا من هش للذكر وارتاح للبذل ولم حكموا بالقوة لمن لا يميل إلى ثناء ولا ينحرف عن هجاء ولم احتجوا بظلف العيش على لينه وبحلوه على مره ولم لم يستحيوا من رفض الطيبات في رحالهم مع استهتارهم بها في رحال غيرهم ولم تتايعوا في البخل ولم اختاروا ما يوجب ذلك الاسم مع أنفتهم من ذلك الاسم ولم رغبوا في الكسب مع زهدهم في الإنفاق ولم عملوا في الغنى عمل الخائف من زوال الغنى ولم يفعلوا في الغنى عمل الراجي لدوام الغنى ولم وفروا نصيب الخوف وبخسوا نصيب الرجاء مع طول السلامة وشمول العافية والمعافى أكثر من المبتلى وليست الحوائج أقل من الفوائد.
فكيف يدعوا إلى السعادة من خص نفسه بالشقوة بل كيف ينتحل نصيحة العامة من بدأ بغش الخاصة ولم احتجوا مع شدة عقولهم بما أجمعت الأمة على تقبيحه ولم فخروا مع اتساع معرفتهم بما أطبقوا على تهجينه وكيف يفطن عند الاعتلال له ويتغلغل عند الاحتجاج عنه إلى الغابات البعيدة والمعاني اللطيفة ولا يفطن لظاهر قبحه وشناعة اسمه وخمول ذكره وسوء أثره على أهله وكيف وهو الذي يجمع له بين الكد وقلة المرفق وبين السهر وخشونة المضجع وبين طول الاغتراب وطول قلة الانتفاع ومع علمه لأن وارثه أعدى له من عدوه وأنه أحق بما له من وليه أو ليس لو أظهر الجهل والغباوة وانتحل الغفلة والحماقة ثم احتج بتلك المعاني الشداد وبالألفاظ الحسان وجودة الاختصار وبتقريب المعنى وبسهولة المخرج وإصابة الموضع لكان ما ظهر من معانيه وبيانه مكذباً لما ظهر من جهله ونقصانه ولم جاز أن يبصر بعقله البعيد الغامض ويعيا عن القريب الجليل وقلت: فبين لي ما الشيء الذي خبل عقولهم وأفسد أذهانهم وأغشى تلك الأبصار ونقض ذلك الاعتدال وما الشيء الذي له عاندوا الحق وخالفوا الأمم وما هذا التركيب المتضاد والمزاج المتنافي وما هذا الغباء الشديد الذي إلى جنبه فطنة عجيبة وما هذا السبب الذي خفي به الجليل الواضح وأدرك به الدقيق الغامض وقلت: وليس عجبي ممن خلع عذاره في البخل وأبدى صفحته للذم ولم يرض من القول إلا بمقارعة الخصم ولا من الاحتجاج إلا بما رسم في الكتب ولا عجبي من مغلوب على عقله مسخر لإظهار عيبه كعجبي ممن قد فطن لبخله وعرف إفراط شحه وهو في ذلك يجاهد نفسه ويغلب طبعه.
ولربما ظن أن قد فطن له وعرف ما عنده فموه شيئاً لا يقبل التمويه ورقع خرقاً لا يقبل الرقع.
فلوا أنه كما فطن لعيبه وفطن لمن فطن لعيبه فطن لضعفه عن علاج نفسه وعن تقويم أخلاطه وعن استرجاع ما سلف من عاداته وعن قلبه أخلاقه المدخولة إلى أن تعود سليمة لترك تكلف ما لا يستطيعه ولربح الإنفاق على من يذمه ولما وضع على نفسه الرقباء ولا أحضر مائدته الشعراء ولا خالط برد الآفاق ولا لابس الموكلين بالأخبار ولا استراح من كد الكلفة ودخل في غمار الأمة.
وبعد فما باله يفطن لعيوب الناس إذا أطعموه ولا يفطن لعيب نفسه إذا أطعمهم وإن كان عيبه مكشوفاً وعيب من أطعمه مستوراً ولم سخت نفس أحدهم بالكثير من التبر وشحت بالقليل من الطعم وقد علم أن الذي منع يسير في جنب ما بذل وأنه لو شاء أن يحصل بالقليل مما جاد به أضعاف ما بخل به كان ذلك عتيداً ويسيرا موجوداً وقلت: ولا بد من أن تعرفني الهنات التي نمت على المتكلفين ودلت على حقائق المتموهين وهتكت عن أستار الأدعياء وفرقت بين الحقيقة والرياء وفصلت بين البهرج المتزخرف والمطبوع المبتهل لتقف - زعمت - عندها ولتعرض نفسك عليها ولتتوهم مواقعها وعواقبها.
فإن نبهك التصفح لها على عيب قد أغفلته عرفت مكانه فاجتنبته.
فإن كان عتيداً ظاهراً معروفاً عندك نظرت: فأن كان احتمالك فاضلاً على بخلك دمت على إطعامهم وعلى اكتساب المحبة بمؤاكلتهم وإن كان اكترائك غامر الاجتهاد سترت نفسك وانفردت يطيب زادك ودخلت مع الغمار وعشت عيش المستورين.
وإن كانت الحروب بينك وبين طباعك سجالاً وكانت أسبابكما أمثالاً وأشكالاً أجبت الحزم إلى ترك التعرض وأجبت الاحتياط إلى رفض التكلف ورأيت أن من حصل السلامة من الذم فقد غنم وأن من آثر الثقة على التغرير فقد حزم.
وذكرت أنك إلى معرفة هذا الباب أحوج وأن ذا المروءة إلى هذا العلم أفقر وأنى إن حصنت من الذم عرضك بعد أن حصنت من اللصوص مالك فقد بلغت لك ما لم يبلغه أب بار ولا أم رءوم.
وسألت أن أكتب لك علة أن الرجل أحق ببيته من الغريب وأولى بأخيه من البعيد وأن البعيد أحق بالغيرة والقريب أولى بالأنفة وأن الاستزادة في النسل كالاستزادة في الحرث إلا أن العادة هي التي أوحشت منه والديانة هي التي حرمته ولأن الناس يتزيدن أيضاً في استعظامه وينتحلون أكثر مما عندهم في استشناعه.
وعلة الجهجاه في تحسين الكذب بمرتبة الصدق في مواضع وفي تقبيح الصدق في مواضع وفي إلحاق الكذب بمرتبة الصدق وفي حط الصدق إلى موضع الكذب وأن الناس يظلمون الكذب بتناسي مناقبه وتذكر مثالبه ويحابون الصدق بتذكر منافعه وبتناسي مضاره وإنهم لو وازنوا بين مرافقهما وعدلوا بين خصالهما لما فرقوا بينهما هذا التفريق ولما رأوهما بهذه العيون.
ومذهب صحصح في تفضيل النسيان على كثير من الذكر وأن الغباء في الجملة أنفع من الفطنة في الجملة وأن عيش البهائم أحسن موقعاً من النفوس من عيش العقلاء وإنك لو أسمنت بهيمة ورجلاً ذا مروءةً أو امرأةً ذات عقل وهمة وأخرى ذات غباء وغفلة لكان الشحم إلى البهيمة أسرع وعن ذات العقل والهمة أبطأ.
ولأن العقل مقرون بالحذر والاهتمام ولأن الغباء مقرون بفراغ البال والأمن فلذلك البهيمة تقنو شحماً في الأيام اليسيرة.
ولا تجد ذلك لذي الهمة البعيدة.
ومتوقع البلاء في البلاء وإن سلم منه.
والعاقل في الرجاء إلى أن يدركه البلاء.
ولولا أنك تجد هذه الأبواب وأكثر منها مصورة في كتابي الذي سمي كتاب المسائل لأتيت على كثير منه في هذا الكتاب.
فأما ما سألت من احتجاج الأشحاء ونوادر أحاديث البخلاء فسأوجدك ذلك في قصصهم - إن شاء الله تعالى - مفرقاً وفي احتجاجاتهم مجملاً فهو أجمع لهذا الباب من وصف ما عندي دون ما انتهى إلى من أخبارهم على وجهها وعلى أن الكتاب أيضاً يصير أقصر ويصير العار فيه أقل.
ولك في هذا الكتاب ثلاثة أشياء: تبين حجة طريفة أو تعرف حيلة لطيفة أو استفادة نادرة عجيبة.
وأنت في ضحك منه إذا شئت وفي لهو إذا مللت الجد.
وأنا أزعم أن البكاء صالح للطبائع ومحمود المغبة إذا وافق الموضع ولم يجاوز المقدار ولم يعدل عن الجهة ودليل على الرقة والبعد من القسوة.
وربما عد من الوفاة وشدة الوجد على الأولياء.
وهو من أعظم ما تقرب به العابدون واسترحم به الخائفون.
وقال بعض الحكماء لرجل اشتد جزعه من بكاء صبي له: لا تجزع فإنه أفتح لجرمه وأصح لبصره.
وضرب عامر بن قيس بيده على عينه فقال: جامدة شاخصة لا تندى! وقيل لصفوان بن محرز عند طول بكائه وتذكر أحزانه: إن طول البكاء يورث العمى.
فقال: ذلك لها شهادة.
فبكى حتى عمى.
وقد مدح بالبكاء ناس كثير: منهم يحيى البكاء وهيثم البكاء.
وكان صفوان بن محرز يسمى البكاء.
وإذا كان البكاء الذي ما دام صاحبه فيه فإنه في بلاء - وربما أعمى البصر وأفسد الدماغ ودل على السخف وقضى على صاحبه بالهلع وشبه بالأمة اللكعاء وبالحدث الضرع - ولو كان الضحك قبيحاً من الضاحك وقبيحاً من المضحك لما قيل للزهرة والحبرة والحلي والقصر المبنى: كأنه يضحك ضحكاً.
وقد قال الله جل ذكره: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا}.
فوضع الضحك بحذاء الموت.
وإنه لا يضيف الله إلى نفسه القبيح ولا يمن على خلقه بالنقص.
وكيف لا يكون موقعه من سرور النفس عظيماً ومن مصلحة الطباع كبيراً وهو شيء في أصل الطباع وفي أساس التركيب.
لأن الضحك أول خير يظهر من الصبي.
وقد تطيب نفسه وعليه ينبت شحمه ويكثر دمه الذي هو علة سروره ومادة قوته.
ولفضل خصال الضحك عند العرب تسمى أولادها بالضحاك وببسام وبطلق وبطليق.
وقد ضحك النبي ﷺ ومزح.
وضحك الصالحون ومزحوا.
وإذا مدحوا قالوا: هو ضحوك السن وبسام العشيات وهش إلى الضيف وذو أريحية واهتزاز.
وإذا قالوا: هو عبوس وهو كالح وهو قطوب وهو شتيم المحيا وهو مكفهر أبداً وهو كريه ومقبض الوجه وحامض الوجه وكأنما وجهه بالخل منضوح! وللمزح موضع وله مقدار متى جازها أحد وقصر عنهما أحد صار الفاضل خطلاً والتقصير نقصاً.
ومتى أريد بالمزح النفع وبالضحك الشيء الذي له جعل الضحك صار المزح جداً والضحك وقاراً.
وهذا كتاب لا أغرك منه ولا أستر عنك عيبه.
لأنه لا يجوز أن يكمل لما تريده ولا يجوز أن يوفى حقه كما ينبغي له: لأن هاهنا أحاديث كثيرة متى أطلعنا منها حرفاً عرف أصحابها وإن لم نسمهم ولم نرد ذلك بهم.
وسواء سميناهم أو ذكرنا ما يدل على أسمائهم.
منهم الصديق والولي والمستور والمتجمل.
وليس يفي حسن الفائدة لكم بقبح الجناية عليهم.
فهذا باب يسقط البتة ويختل به الكتاب لا محالة.
وهو أكثرها باباً وأعجبها منك موقعاً - وأحاديث أخر ليس لها شهرة ولو شهرت لما كان فيها دليل على أربابها ولا هي مفيدة أصحابها.
وليس يتوفر أبداً حسنها إلا بأن تعرف أهلها وحتى تتصل بمستحقها وبمعادنها واللائقين بها.
وفي قطع ما بينها وبين عناصرها ومعانيها سقوط نصف الملحة وذهاب شطر النادرة.
ولو أن رجلاً ألزق نادرة بأبي الحارث جمين والهيثم بن مطهر وبمزيد وابن الأحمر ثم كانت باردة لجرت على أحسن ما يكون.
ولو ولد نادرة حارة في نفسها مليحة في معناها ثم أضافها إلى صالح بن حنين وإلى ابن النواء وإلى بعض البغضاء لعادت باردة ولصارت فاترة فإن الفاتر شر من البارد.
وكما أنك لو ولدت كلاماً في الزهد وموعظة للناس ثم قلت: هذا من كلام بكر بن عبد الله المزني وعامر بن عبد قيس العنبري ومورق العجلي ويزيد الرقاشي لتضاعف حسنه ولأحدث له ذلك النسب نضارة ورفعة لم تكن له.
ولو قلت: قالها أبو كعب الصوفي أو عبد المؤمن أو أبي نواس الشاعر أو حسين الخليع لما كان لها إلا مالها في نفسها.
وبالحرى أن تغلط في مقدارها فتبخس من حقها.
وقد كتبنا لك أحاديث كثيرة مضافة إلى أربابها وأحاديث كثيرة غير مضافة إلى أربابها إما بالخوف منهم وإما بالإكرام لهم.
ولولا أنك سألتني هذا الكتاب لما تكلفته ولما وضعت كلامي موضع الضيم والنقمة.
فإن كانت لائمة أو عجز فعليك وإن عذر فلي دونك.
رسالة سهل بن هارون أبي محمد بن راهبون إلى عمه
من آل راهبون حين ذموا مذهبه في البخل وتتبعوا كلامه في الكتب: بسم الله الرحمن الرحيم أصلح الله أمركم وجمع شملكم وعلمكم الخير وجعلكم من أهله! قال الأحنف بن قيس: يا معشر بني تميم لا تسرعوا إلى الفتنة فإن أسرع الناس إلى القتال أقلهم حياء من الفرار.
وقد كانوا يقولون: إذا أردت أن ترى العيوب جمة فتأمل عياباً فإنه يعيب بفضل ما فيه من العيب.
وأول العيب أن تعيب ما ليس بعيب.
وقبيح أن تنهى عن مرشد أو تغري بمشفق.
وما أردنا بما قلنا إلا هدايتكم وتقويمكم وإلا إصلاح فسادكم وإبقاء النعمة عليكم ولئن أخطأنا سبيل إرشادكم فما أخطأنا سبيل حسن النية فيما بيننا وبينكم.
ثم قد تعلمون أنا ما أوصيناكم إلا بما قد اخترناه لأنفسنا قبلكم وشهرنا به في الآفاق دونكم.
فما أحقكم في تقديم حرمتنا بكم أن ترعوا حق قصدنا بذلك إليكم وتنبيهنا على ذكر العيوب براً وفضلاً لرأينا أن في أنفسنا عن ذلك شغلاً.
وإن من أعظم الشقوة وأبعد من السعادة أن لا يزال يتذكر زلل المعلمين ويتناسى سوء استماع المتعلمين ويستعظم غلط العاذلين ولا يحفل بتعمد المعذولين.
عبتموني بقولي لخادمي: أجيدي عجنه خميراً كما أجدته فطيراً ليكون أطيب لطعمه وأزيد في ريعه.
وقد قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه ورحمه - لأهله: أملكوا العجين فإنه أريع الطحنتين.
وعبتم على قولي: من لم يعرف مواقع السرف في الموجود الرخيص لم يعرف مواقع الاقتصاد في الممتنع الغالي: فلقد أتيت من ماء الوضوء بكيلة يدل حجمها على مبلغ الكفاية وأشف من الكفاية.
فلما صرت إلى تفريق أجزائه على الأعضاء وإلى التوفير عليها من وظيفة الماء وجدت في الأعضاء فضلاً على الماء فعلمت أن لو كنت مكنت الاقتصاد في أوائله ورغبت عن التهاون به في ابتدائه لخرج آخره على كفاية أوله ولكان نصيب العضو الأول كنصيب الآخر.
فعبتموني بذلك وشنعتموه بجهدكم وقبحتموه.
وقد قال الحسن عند ذكر السرف: إنه ليكون في الماعونين الماء والكلإ.
فلم يرض بذكر الماء حتى أردفه بالكلإ.
وعبتموني حين ختمت على سد عظيم وفيه شيء ثمين من فاكهة نفيسة ومن رطبة غريبة على عبدنهم وصبي جشع وأمة لكعاء وزوجة خرقاء.
وليس من أصل الأدب ولا في ترتيب الحكم ولا في عادات القادة ولا في تدبير السادة أن يستوي في نفيس المأكول وغريب المشروب وثمين الملبوس وخطير المركوب والناعم من كل فن واللباب من كل شكل التابع والمتبوع والسيد والمسود.
كما لا تستوي مواضعهم في المجلس ومواقع أسمائهم في العنوانات وما يستقبلون به من التحيات.
وكيف وهم لا يفقدون من ذلك ما يفقد القادر ولا يكترثون له اكتراث العارف من شاء أطعم كلبه الدجاج المسمن وأعلف حماره السمسم المقشر! فعبتموني بالختم وقد ختم بعض الأئمة على مزود سويق.
وختم على كيس فارغ وقال: طينة وعبتموني حين قلت للغلام: إذا زدت في الرق فزد في الإنضاج لتجمع بين التأدم باللحم والمرق ولتجمع مع الإرتفاق بالمرق الطيب.
وقد قال النبي ﷺ: ( إذا طبختم لحماً فزيدوا في الماء فإن لم يصب أحدكم لحماً أصاب مرقاً ).
وعبتموني بخصف النعال وبتصدير القميص وحين زعمت أن المخصوفة أبقى وأوطأ وأوقى وأنفى للكبر وأشبه بالنسك وأن الترقيع من الحزم وأن الاجتماع مع الحفظ وأن التفرق مع التصنيع.
وقد كان النبي ﷺ يخصف نعله ويرقع ثوبه.
ولقد لفقت سعدى بنت عواف إزار طلحة وهو جواد قريش وهو طلحة الفياض.
وكان في ثوب عمر رقاع أدم.
وقال: من لم يستحى من الخلال خفت مؤنته وقل كبره.
وقالوا: لا جديد لمن لا يلبس الخلق.
وبعث زياد رجلاً يرتاد له محدثاً واشترط على الرائد أن يكون عاقلاً مسدداً.
فأتاه به موافقاً.
فقال: أكنت ذا معرفة به قال: لا ولا رأيته قبل ساعته.
قال: أفناقلته الكلام وفاتحته الأمور قبل أن توصله إلي قال: لا.
قال: فلم اخترته على جميع من رأيته قال: يومنا يوم قائظ ولم أزل أتعرف عقول الناس بطعامهم ولباسهم في مثل هذا اليوم.
ورأيت ثياب الناس جددا وثيابه لبسا فظننت به الحزم.
وقد علمنا أن الخلق في موضعه مثل الجديد في موضعه.
وقد جعل الله عز وجل لكل شيء قدرا وبوأ له موضعاً كما جعل لكل دهر رجالا ولكل مقام مقالا.
وقد أحيا بالسم ومات بالغذاء وأغص بالماء وقتل بالدواء.
فترقيع الثوب يجمع مع الإصلاح التواضع.
وخلاف ذلك يجمع مع الإسراف التكبر.
وقد زعموا أن الإصلاح أحد الكسبين كما زعموا أن قلة العيال أحد اليسارتين.
وقد جبر الأحنف يد عنز.
وأمر بذلك النعمان.
وقال عمر: من أكل بيضة فقد أكل دجاجة.
وقال رجل لبعض السادة: أهدي إليك دجاجة فقال: إن كان لا بد فاجعلها بياضة.
وعد أبو الدرداء العراق حر البهيمة.
وعبتموني حين قلت: لا يغترن أحد بطول عمره وتقيس ظهره ورقة عظمه ووهن قوته أن يرى أكرومته ولا يحرجه ذلك إلى إخراج ماله من يديه وتحويله إلى ملك غيره وإلى تحكيم السرف فيه وتسليط الشهوات عليه فلعله أن يكون معمراً وهو لا يدري وممدوداً له في السن وهو لا يشعر.
ولعله أن يرزق الولد على اليأس أو يحدث عليه بعض مخبآت الدهور مما لا يخطر على البال ولا تدركه العقول فيسترده ممن لا يرده ويظهر الشكوى إلى من لا يرحمه أضعف ما كان عن الطلب واقبح ما يكون به الكسب.
فعبتموني بذلك وقد قال عمرو بن العاص: اعمل لدنياك عمل من يعيش أبدأ واعمل لآخرتك عمل من يموت غداً.
وعبتموني حين زعمت أن التبذير إلى أن التبذير إلى مال القمار ومال الميراث وإلى مال الالتقاط وحباء الملوك أسرع وأن الحفظ إلى المال المكتسب والغنى المجتلب وإلى ما يعرض فيه لذهاب الدين واهتضام العرض ونصب البدن واهتمام القلب أسرع وأن من لم يحسب ذهاب نفقته لم يحسب دخله ومن لم يحسب الدخل فقد أضاع الأصل وأن من لم يعرف للغنى قدره فقد أذن بالفقر وطاب نفساً بالذل.
وزعمت أن كسب الحلال مضمن بالإنفاق في الحلال وأن الخبيث ينزع إلى الخبيث وأن الطيب يدعو إلى الطيب وأن الإنفاق في الهوى حجاب دون الحقوق وأن الإنفاق في الحقوق حجاز دون الهوى.
فعبتم على هذا القول.
وقد قال معاوية: لم أر تبذيراً قط إلا وإلى جانبه حق مضيع.
وقد قال الحسن: إذا أردتم أن تعرفوا من أين أصاب ماله فانظروا في أي شيء ينفقه فإن الخبيث ينفق في السرف.
وقلت لكم بالشفقة مني عليكم وبحسن النظر لكم وبحفظكم لآبائكم ولما يجب في جواركم وفي ممالحتكم وملابستكم: أنتم في دار الآفات والجوائح غير مأمونات.
حنيفة من طريق فإن أحاطت بمال أحدكم آفة لم يرجع إلى بقية فأحرزوا النعمة باختلاف الأمكنة حنيفة من طريق فإن البلية لا تجري في الجميع إلا مع موت الجميع.
وقد قال عمر رضي الله عنه في العبد والأمة وفي ملك الشاة والبعير وفي الشيء الحقير اليسير: فرقوا بين المنايا.
وقال ابن سيرين لبعض البحريين: كيف تصنعون بأموالكم قال: نفرقها في السفن فإن عطب بعض سلم بعض.
ولولا أن السلامة أكثر لما حملنا خزائننا في البحر.
قال ابن سيرين: تحسبها خرقاء وهي صناع.
وقلت لكم عند إشفاقي عليكم: إن للغنى سكراً وإن للمال لنزوةً.
فمن لم يحفظ الغنى من سكر العنى فقد أضاعه ومن لم يرتبط المال بخوف الفقر فقد أهمله.
فعبتموني بذلك.
وقال زيد بن جبلة: ليس أحد أفقر من غني أمن الفقر.
وسكر الغنى أشد من سكر الخمر.
وقلتم: قد لزم الحث على الحقوق والتزهيد في الفضول حتى صار يستعمل ذلك في أشعاره بعد رسائله وفي خطبه بعد سائر كلامه.
فمن ذلك قوله في يحيى بن خالد: عدو تلاد المال فيما ينوبه منوع إذا ما منعه كان أحزما ومن ذلك قوله في محمد بن زياد: وخليقتان تقى وفضل تحرم وإهانة في حقه للمال وعبتموني حين زعمت أني أقدم المال على العلم لأن المال به يغاث العالم وبه تقوم النفوس قبل أن تعرف فضيلة العلم وأن الأصل أحق بالتفضيل من الفرع وأني قلت: وإن كنا نستبين الأمور بالنفوس فإنا بالكفاية نستبين وبالخلة نعمى.
وقلتم: وكيف تقول هذا وقد قيل لرئيس الحكماء ومقدم الأدباء: آلعلماء أفضل أم الأغنياء قال: بل العلماء.
قيل: فما بال العلماء يأتون أبواب الأغنياء أكثر مما يأتي الأغنياء أبواب العلماء قال: لمعرفة العلماء بفضل الغنى ولجهل الأغنياء بفضل العلم.
فقلت: حالهما هي القاضية بينهما.
وكيف يستوي شيء ترى حاجة الجميع إليه وشيء يغي بعضهم فيه عن بعض وعبتموني حين قلت: إن فضل الغني على القوت إنما هو كفضل الآلة حنيفة الدار إن احتيج إليها استعملت وإن استغنى عنها كانت عدة.
وقد قال الحضين بن المنذر: وددت أن لي مثل أحد ذهباً لا أنتفع منه بشيء.
قيل: فما ينفعك من ذلك قال: لكثرة من يخدمني عليه.
وقال أيضاً: عليك بطلب الغنى فلو لم يكن لك فيه إلا أنه عز في قلبك وذل في قلب غيرك لكان الحظ فيه جسيماً والنفع فيه عظيماً.
ولسنا ندع سيرة الأنبياء وتعليم الخلفاء وتأديب الحكماء لأصحاب الأهواء: كان رسول الله ﷺ يأمر الأغنياء باتخاذ الغنم والفقراء باتخاذ الدجاج.
وقال: درهمك لمعاشك ودينك لمعادك ".
فقسموا الأمور كلها على الدين والدنيا.
ثم جعلوا أحد قسمي الجميع الدرهم.
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: إني لأبغض أهل البيت ينفقون رزق الأيام في اليوم.
وكانوا يبغضون أهل البيت اللحمين.
وكان هشام يقول: ضع الدرهم على الدرهم يكون مالاً.
ونهى أبو الأسود الدؤلي وكان حكيماً أديباً وداهياً أريباً عن جودكم هذا المولد وعن كرمكم هذا المستحدث.
فقال لابنه: إذا بسط الله لك الرزق فابسط وإذا قبض فاقبض.
ولا تجاود الله فإن الله أجود منك.
وقال: درهم من حل يخرج في حق خير من عشرة آلاف قبضاً.
وتلقط عرنداً من بزيم فقال: تضيعون مثل هذا وهو قوت امرئ مسلم يوماً إلى الليل! وتلقط أبو الدرداء حبات حنطة فنهاه بعض المسرفين.
فقال: ليهن ابن العبسية! إن مرفقة المرء رفقه في معيشته.
فلستم علي تردون ولا رأي تفندون.
فقدموا النظر قبل العزم.
وتذكروا ما عليكم قبل أن تذكروا ما لكم.
والسلام.
نبدأ بأهل خراسان لإكثار الناس في أهل خراسان.
ونخص بذلك أهل مرو بقدر ما خصوا به.
قال أصحابنا: يقول المروزي للزائر إذا أتاه وللجليس إذا طال جلوسه: تغذيت اليوم فإن قال: نعم قال: لولا أنك تغديت لغديتك بغداء طيب.
وإن قال: لا قال: لو كنت تغديت لسقيتك خمس أقداح.
فلا يصير في يده على الوجهين قليل ولا كثير.
وكنت في منزل ابن أبي كريمة وأصله من مرو.
فرآني أتوضأ من كوز خزف فقال: سبحان الله تتوضأ بالعذب والبئر لك معرضة! قلت: ليس بعذب إنما هو من ماء البئر.
قال: فتفسد علينا كوزنا بالملوحة! فلم أدر كيف أتخلص منه وحدثني عمرو بن نهيوي قال: تغديت يوماً عند الكندي.
فدخل عليه رجل كان له جاراً وكان لي صديقاً.
فلم يعرض عليه الطعام ونحن نأكل.
وكان أبخل من خلق الله.
قال: فاستحييت منه فقلت: سبحان الله لو دنوت فأصبت معنا مما نأكل! قال: قد والله فعلت.
فقال الكندي: ما بعد الله شيء! قال عمر: فكتفه والله كتفاً لا يستطيع معه قبضاً ولا بسطاً وتركه.
ولو مد يده لكان كافراً ولو مد يده لكان كافراً أو لكان قد جعل مع الله - جل ذكره - شيئاً! وليس هذا الحديث لأهل مرو ولكنه من شكل الحديث الأول.
وقال ثمامة: لم أر الديك في بلدة قط فلا وهو لاقط يأخذ الحبة بمنقاره ثم يلفظها قدام الدجاجة فلا ديكة مرو فإني رأيت ديكة مرو تسلب الدجاج ما في مناقيرها من الحب! قال: فعلمت أن بخلهم شيء في طبع البلاد وفي جواهر الماء.
فمن ثم عتم جميع حيوانهم.
فحدثت بهذا الحديث أحمد بن رشيد فقال: كنت عند شيخ من أهل مرو وصبي له صغير يلعب بين يديه فقلت له إما عابثاً وإما ممتحناً: أطعمني من خبزكم قال: لا تريده هو مر! فقلت: فاسقني من مائكم قال: لا تريده هو مالح! قلت: هات من كذا وكذا قال: لا تريده هو كذا وكذا! إلى أن عددت أصنافاً كثيرة.
كل ذلك يمنعنيه ويبغضه إلي! فضحك أبوه وقال: ما ذنبنا هذا من علمه ما تسمع! يعني أن البخل طبع فيهم وفي أعراقهم وطينتهم.
وزعم أصحابنا أن خراسانية ترافقوا في منزل وصبروا عن الإرتفاق بالمصباح ما أمكن الصبر ثم إنهم تناهدوا وتخارجوا.
وأبى واحد منهم أن يغينهم وأن يدخل في العزم معهم.
فكانوا إذا جاء المصباح شدوا عينيه بمنديل! ولا يزال ولا يزالون كذلك إلى أن يناموا ويطفئوا المصباح.
فإذا أطفئوا أطلقوا عينيه! ورأيت أنا حمارة منهم زهاء خمسين رجلاً يتغدون على مباقل بحضرة قرية الأعراب في طريق الكوفة وهم حجاج.
فلم أر من جميع الخمسين رجلين يأكلان معاً وهم في ذلك متقاربون يحدث بعضهم بعضاً.
وهذا الذي رأيته منهم من غريب ما يتفق للناس.
حدثني مويس بن عمران قال رجل منهم لصاحبه وكانا إما متزاملين وإما مترافقين: لم لا نتطاعم فإن لم نتطاعم فإن يد الله مع الجماعة وفي الاجتماع البركة.
وما زالوا يقولون: طعام الإثنين يكفي ثلاثة وطعام الثلاثة يكفي الأربعة.
فقال له صاحبه: لولا أني أعلم أنك آكل مني لأدخلت لك هذا الكلام في باب النصيحة.
فلما كان الغد وأعاد عليه القول قال له: يا عبد الله معك رغيف ومعي رغيف.
ولولا أنك تريد أكثر ما كان حرصك على مؤاكلتي! تريد الحديث والمؤانسة اجعل الطبق واحداً ويكون رغيف كل منا قدام صاحبه.
وما أشك أنك إذا أكلت رغيفك ونصف رغيفي ستجده مباركاً! غنما كان ينبغي أن أكون أجده أنا لا أنت.
وقال خاقان بن صبيح: دخلت على رجل من أهل خراسان ليلاً وإذا هو قد أتانا بمسرجة فيها فتيلة في غاية الدقة وإذا هو قد ألقى في دهن المسرجة شيئاً من ملح وقد علق على عمود المنارة عوداً بخيط وقد حز فيه حتى صار فيه مكان للرباط.
فكان المصباح إذا كاد ينطفئ أشخص رأس الفتيلة بذلك.
قال: فقلت له: ما بال العود مربوطاً قال: هذا عود قد تشرب الدهن.
فإن ضاع ولم يحفظ احتجنا إلى واحد عطشان.
فإذا كان هذا دأبنا ودأبه ضاع من دهننا في الشهر بقدر كفاية ليلة.
قال: فبينا أنا أتعجب في نفسي وأسأل الله - جل ذكره - العافية والستر إذ دخل شيخ من أهل مرو فنظر إلى العود فقال: يا أبا فلان فررت من شيء ووقعت في شبيه به.
أما تعلم أن الريح والشمس تأخذان من سائر الأشياء أو ليس قد كان البارحة عند إطفاء السراج أروى وهو عند إسراجك الليلة أعطش قد كنت أنا جاهلاً مثلك حتى وفقني الله إلى ما هو أرشد.
- عافاك الله! - بدل العود إبرة أو مسلة صغيرة.
وعلى أن العود والخلال والقصبة ربما تعلقت بها الشعرة من قطن الفتيلة إذا سويناها بها فتشخص معها.
وربما كان ذلك سبباً لانطفاء السراج.
والحديد أملس.
وهو مع ذلك غير نشاف.
قال خاقان: ففي تلك الليلة عرفت فضل أهل خراسان على سائر الناس وفضل أهل مرو على أهل خراسان! قال مثنى بن بشير: دخل أبو عبد الله المروزي على شيخ من أهل خراسان وإذا هو قد استصبح في مسرجة خزف من هذه الخزفية الخضر.
فقال له الشيخ: لا يجيء والله منك أمر صالح أبداً! عاتبتك في مسارج الحجارة فأعتبتني بالخزف.
أو علمت أن الخزف والحجارة يحسوان الدهن حسواً قال: جعلت فداك! دفعتها إلى صديق لي دهان فألقاها في المصفاة شهراً حتى رويت من الدهن رياً لا تحتاج معه أبداً إلى شيء.
قال: ليس هذا أريد هذا دواؤه يسير.
وقد وقعت عليه.
ولكن ما علمت أن موضع النار من المسجة في طرف الفتيلة لا ينفك من إحراق النار وتجفيفه وتنشيف ما فيه ومتى ابتل بالدهن وتسقاه عادت النار عليه فأكلته.
هذا دأبهما.
فلو قست ما يشرب ذلك المكان من الدهن بما يستمده طرف الفتيلة منه لعلمت أن ذلك أكثره.
وبعد هذا فإن ذلك الموضع من الفتيلة والمسرجة لا يزال سائلاً جارياً.
ويقال: إنك متى وضعت مسرجة فيها مصباح وأخرى لا مصباح فيها لم تلبث إلا ليلة أو ليلتين حتى ترى السفلى ملآنة دهناً.
واعتبر أيضاً ذلك بالملح الذي يوضع تحت المسرجة والنخالة التي توضع هناك لتسويتها وتصويبها كيف تجدهما ينعصران دهناً.
وهذا كله خسران وغبن لا يتهاون به إلا أصحاب الفساد.
على أن المفسدين غنما يطعمون الناس ويسقون الناس وهم على حال يستخلفون شيئاً وإن كان روثاً.
وأنت إنما تطعم النار وتسقي النار.
ومن أطعم النار جعله الله يوم القيامة طعاماً للنار! قال الشيخ: فكيف أصنع جعلت فداك! قال: تتخذ قنديلاً.
فإن الزجاج أحفظ من غيره.
والزجاج لا يعرف الرشح ولا النشف ولا يقبل الأوساخ التي لا تزول إلا بالدلك الشديد أو بإحراق النار.
وأيهما كان فإنه يعيد المسرجة إلى العطش الأول.
وازجاج أبقى على الماء والتراب من الذهب الإبريز.
وهو مع ذلك مصنوع والذهب مخلوق.
فإن فضلت الذهب بالصلابة فضلت الزجاج بالصفاء.
والزجاج مجل والذهب ستار.
ولأن الفتيلة إنما تكون في وسطه فلا تحمي جوانبه بوهج المصباح كما تحمي بموضع النار من المسرجة.
وإذا وقع شعاع النار على جوهر الزجاج صار المصباح والقنديل مصباحاً واحداً ورد الضياء كل واحد منهما على صاحبه.
واعتبر ذلك بالشعاع الذي يسقط على وجه المرآة أو على وجه الماء أو على الزجاجة ثم انظر كيف يتضاعف نوره.
وإن كان سقوطه على عين إنسان أعشاه وربما أعماه.
وقال جل ذكره: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء}.
والزيت في الزجاجة نور على نور وضوء على ضوء مضاعف.
هذا مع فضل حسن القنديل على حسن مسارج الحجارة والخزف.
وأبو عبد الله هذا كان من أطيب الخلق وأملحهم بخلاً وأشدهم أدباً.
دخل على ذي اليمينين طاهر بن الحسن وقد كان يعرفه بخراسان بسبب الكلام.
فقال له: منذ كم أنت مقيم بالعراق يا أبا عبد الله فقال: أنا بالعراق منذ عشرين سنةً.
وأنا أصوم الدهر منذ أربعين سنة.
قال: فضحك طاهر وقال: سألناك يا أبا عبد الله عن مسألة وأجبتنا عن مسألتين! ومن أعاجيب أهل مرو ما سمعناه من مشايخنا على وجه الدهر.
وذلك أن رجلاً من أهل مرو كان لا يزال يحج ويتجر وينزل على رجل من أهل العراق فيكرمه ويكفيه مؤنته.
ثم كان كثيراً ما يقول لذلك العراقي: ليت أني رأيتك بمرو حتى أكافئك لقديم إحسانك وما تجدد لي من البر في كل قدمة.
فأما هاهنا فقد أغناك الله عني.
قال: فعرضت لذلك العراقي بعد دهر طويل حاجة في تلك الناحية.
فكان مما هون عليه مكابدة السفر ووحشة الاغتراب مكان المروزي هناك.
فلما قدم مضى نحوه في ثياب سفره وفي عمامته وقلنسوته وكسائه ليحط رحله عنده كما يصنع الرجل بثقته وموضع أنسه.
فلما وجده قاعداً في أصحابه أكب عليه وعانقه.
فلم يره أثبته وسأل به سؤال من رآه قط.
قال العراقي في نفسه: لعل إنكاره إياي لمكان القناع.
فرمى بقناعته وابتدأ مسألته.
فكان له أنكر.
فقال: لعله أن يكون إنما أتي من قبل العمامة فنزعها.
ثم انتسب وجدد مسألته فوجده أشد ما كان إنكاراً.
قال: فلعله إنما أتي من قبل القلنسوة.
وعلم المروزي أنه لم يبق شيء يتعلق به المتغافل والمتجاهل.
قال: لو خرجت من جلدك لم أعرفك!.
وزعموا أنهم ربما ترافقوا وتزاملوا فتناهدوا وتلازقوا في شراء اللحم.
وإذا اشتروا اللحم قسموه قبل الطبخ وأخذ كل إنسان منهم نصيبه فشكه بخوصة أو بخيط ثم أرسله في خل القدر والتوابل.
فإذا طبخوا تناول كل إنسان خيطه وقد علمه بعلامة.
ثم اقتسموا المرق.
ثم لا يزال أحدهم يسل من الخيط القطعة بعد القطعة حتى يبقى الحبل لا شيء فيه.
ثم يجمعون خيوطهم.
فإن أعادوا الملازقة أعادوا تلك الخيوط لأنها قد تشربت الدسم ورويت.
وليس تناهدهم من طريق الرغبة في المشاركة ولكن لأن بضاعة كل واحد منهم لا تبلغ مقدار الذي يحتمل أن يطبخ وحده ولأن المؤنة تخف أيضاً في الحطب والخل والثوم والتوابل.
ولأن القدر الواحدة أمكن من أن يقدر كل واحد منهم على قدر.
فإنما يختارون السكباج لأنه أبقى على الأيام وأبعد من الفساد.
حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن سيار النظام قال: قلت مرة لجار كان لي من أهل خراسان: أعرني مقلاكم فإني أحتاج إليه.
قال: قد كان لنا مقلى ولكنه سرق.
فاستعرت من جار لي آخر فلم يلبث الخراساني أن سمع نشيش اللحم في المقلى وشم الطباهج.
فقال لي كالمغضب: ما في الأرض أعجب منك: لو كنت خبرتني أنك خبرتني أنك تريده للحم أو لشحم لوجدتني أسرع! إنما خشيتك تريده للباقلى.
وحديد المقلى يحترق إذا كان الذي يقلى فيه ليس بدسم.
وكيف لا أعيرك إذا أردت الطباهج والمقلى بعد الرد من وقال أبو إسحاق إبراهيم بن سيار النظام: دعانا جار لنا فأطعمنا تمراً وسمناً سلاءً ونحن على خوان ليس عليه إلا ما ذكرت والخراساني معنا يأكل.
فرايته يقطر السمن على الخوان حتى أكثر من ذلك.
فقلت لرجل إلى جنبي: ما لأبي فلان يضيع سمن القوم ويسيء المؤاكلة ويغرف فوق الحق قال: وما عرفت علته قلت: لا والله! قال: الخوان خوانه فهو يريد أن يدسمه ليكون كالدبغ له.
ولقد طلق امرأته وهي أم أولاده لأنه رآها غسلت خواناً له بماء حار.
فقال لها: هلا مسحته! وقال أبو نواس: كان معنا في السفينة ونحن نريد بغداد رجل من أهل خراسان.
وكان من عقلائهم وفهمائهم.
وكان يأكل وحده فقلت له: لم تأكل لوحدك قال: ليس علي في هذا الموضع مسألة.
إنما المسألة على من أكل مع الجماعة لأن ذلك هو التكلف.
وأكلي وحدي هو الأصل.
وأكلي مع غيري زيادة في الأصل.
وحدثني إبراهيم بن السندي قال: كان على ربع الشاذروان شيخ لنا من أهل خراسان.
وكان مصححاً بعيداً من الفساد ومن الرشا ومن الحكم بالهوى.
وكان حفياً جداً.
وكذلك كان في إمساكه وفي بخله وتدنيقه في نفقاته وكلن لا يأكل إلا ما لابد منه ولا يشرب إلا ونشهد أن محمداً عبده ورسوله لابد منه.
غير أنه كان في غداة كل جمعة يحمل معه منديلاً فيه جردقتان وقطع لحم سكباج مبرد وقطع جبن وزيتونات وصرة فيها ملح وأخرى فيها أشنان وأربع بيضات ليس منها بد.
ومعه خلال.
ويمضي وحده حتى يدخل بعض بساتين الكرخ.
ويطلب موضعاً تحت شجرة وسط خضرة وعلى ماء جار.
فإذا وجد ذلك جلس وبسط بين يديه المنديل وأكل من هذا مرة ومن هذا مرة.
فإن وجد قيم ذلك البستان رمى إليه بدرهم ثم قال: اشتر لي بهذا أو أعطني بهذا رطباً إن كان في زمان الرطب أو عنباً إن كان في زمان العنب.
ويقول له: إياك إياك أن تحابيني ولكن تجود لي فإنك إن فعلت لم آكله ولم أعد إليك.
واحذر الغبن فإن المغبون لا محمود ولا مأجور.
فإن أتاه به أكل كل سيء معه وكل شيء أتى به.
ثم تخلل وغسل يديه.
ثم يمشي مقدار مائة خطوة.
ثم يضع جنبه فينام إلى وقت الجمعة.
ثم ينتبه فيغتسل ويمضي إلى المسجد.
هذا كان دأبه كل جمعة.
قال إبراهيم: فبينا هو يوماً من أيامه يأكل في بعض المواضع إذ مر به رجل فسلم عليه فرد السلام.
ثم قال: هلم - عافاك الله! فلما نظر إلى الرجل قد انثنى راجعاً يريد أن يطفر الجدول أو يعدي النهر قال له: مكانك فإن العجلة من عمل الشيطان! فوقف الرجل فأقبل عليه الخراساني وقال: تريد ماذا قال: أريد أن أتغدى.
قال: ولم ذلك وكيف طمعت في هذا ومن أباح لك مالي قال الرجل: أو ليس قد دعوتني قال: ويلك! لو ظننت أنك هكذا أحمق ما رددت عليك السلام.
الآيين فيما نحن فيه أن نكون إذا كنت أنا الجالس وأنت المار تبدأ أنت فتسلم.
فأقول أنا حينئذ مجيباً لك: وعليكم السلام.
فإن كنت لا آكل شيئاً أنا وسكت أنتن ومضيت أنت وقعدت أنا على حالي! وإن كنت آكل فهاهنا بيان آخر: وهو أن أبدأ أنا فأقول: هلم وتجيب أنت فتقول: هنيئاً.
فيكون كلام بكلام.
فأما كلام بفعال وقول بأكل فهذا ليس من الإنصاف! وهذا يخرج علينا فضلاً كثيراً! قال: فورد على الرجل شيء لم يكن في حسابه.
فشهر بذلك في تلك الناحية وقيل له: قد أعفيناك من السلام ومن تكلف الرد.
قال: ما بي إلى ذلك حاجة.
إنما هو أن أعفي أنا نفسي من هلم وقد استقام الأمر! ومثل هذا الحديث ما حدثني به محمد بن يسير عن وال كان بفارس إما أن يكون جالداً أخا مهرويه أو غيره.
قال: بينا هو يوماً في مجلس وهو مشغول بحسابه وأمره وقد احتجب جهده إذ نجم شاعر من بين يديه فأنشده شعراً مدحه فيه وقرظه ومجده.
فلما فرغ قال: قد أحسنت.
ثم أقبل على كاتبه فقال: أعطه عشرة آلاف درهم.
ففرح الشاعر فرحاً قد يستطار له.
فلما رأى حاله قال: وإني لأرى هذا القول قد وقع منك هذا الموقع اجعلها عشرين ألف درهم.
وكاد الشاعر يخرج من جلده! فلما رأى فرحه قد تضاعف قال: وإن فرحك ليتضاعف على قدر تضاعف القول! أعطه يا فلان أربعين ألفاً.
فكاد الفرح يقتله.
فلما رجعت إليه نفسه قال له: أنت - جعلت فداك! - رجل كريم.
وأنا أعلم أنك كلما رأيتني قد ازددت فرحاً زدتني في الجائزة.
وقبول هذا منك لا يكون إلا من قلة الشكر له! ثم دعا له وخرج.
قال: فأقبل عليه كاتبه فقال: سبحان الله! هذا كان يرضى منك بأربعين درهماً تأمر له بأربعين ألف درهم! قال: ويلك! وتريد أن تعطيه شيئاً قال: ومن إنفاذ أمرك بد قال: يا أحمق إنما هذا رجل سرنا بكلام! هو حين زعم أني أحسن من القمر وأشد من الأسد وأن لساني أقطع من السيف وأن أمري أنفذ من السنان جعل في يدي من هذا شيئاً أرجع به إلى شيء نعلم أنه قد كذب ولكنه قد سرنا حين كذب لنا.
فنحن أيضاً نسره بالقول ونأمر له بالجوائز وإن كان كذباً.
فيكون كذب بكذب وقول بقول.
فأما أن يكون كذب بصدق وقول ويقال إن هذا المثل الذي قد جرى على ألسنة العوام من قولهم: ينظر إلي شزراً كأني أكلت اثنين وأطعمته واحداً إنما هو لأهل مرو.
قال: وقال المروزي: لو لا أنني أبني مدينة لبنيت آرياً لدابتي.
قال: وقلت لأحمد بن هشام وهو يبني داره ببغداد: إذا أراد الله ذهاب مال رجل سلط عليه الطين والماء.
قال: لا بل إذا أراد الله ذهاب مال رجل جعله يرجو الخلف! والله ما أهلك الناس ولا أقفر بيوتهم ولا ترك دورهم بلاقع إلا الإيمان بالخلف! وما رأيت جنة قط أوقى من اليأس! قال: وسمع رجل من المراوزة الحسن وهو يحث الناس على المعروف ويأمر بالصدقة ويقول: ما نقص مال قط من زكاة ويعدهم سرعة الخلف.
فتصدق بماله كله فافتقر.
فانتظر سنة وسنة.
فلما لم ير شيئاً بكر على الحسن فقال: حسن ما صنعت بي! ضمنت لي الخلف فأنفقت على عدتك.
وأنا اليوم مذ كذا وكذا سنة أنتظر ما وعدت لا أرى منه قليلاً ولا كثيراً! هذا يحل لك آللص كان يصنع بي أكثر من هذا والخلف يكون معجلاً ومؤجلاً.
ومن تصدق وتشرط الشروط استحق الحرمان.
ولو كان هذا على ما توهمه المروزي لكانت المحنة فيه ساقطة ولترك الناس التجارة ولما بقي فقير أصبح ثمامة شديد الغم حين احترقت داره.
وكان كلما دخل عليه إنسان قال: الحريق سريع الخلف! فلما كثر ذلك القول منهم قال: فلنستحرق الله! اللهم إني أستحرقك فأحرق كل شيء لنا!.
وليس هذا الحديث من حديث المراوزة ولكنا ضممناه إلى ما يشاكله.
قال سجادة وهو أبو سعيد سجادة: إن من المراوزة إذا لبسوا الخفاف في الستة الأشهر التي لا ينزعون فيها خفافهم يمشون على صدور أقدامهم ثلاثة أشهر مخافة أن تنجرد نعال خفافهم أو تنقب.
وحكى أبو إسحاق إبراهيم بن سيار النظام عن جاره المروزي أنه كان لا يلبس خفاً ولا نعلاً إلى أن يذهب النبق اليابس لكثرة النوى في الطريق والأسواق.
قال: ورآني مرة مصصت قصب سكر فجمعت ما مصصت ماءه لأرمي به.
فقال: إن كنت لا ينور لك ولا عيال فهبه لمن تنور وعليه عيال.
وإياك أن تعود نفسك هذه العادة في أيام خفة ظهرك فإنك لا تدري ما يأتيك من العيال. قصة أهل البصرة من المسجديين
قال أصحابنا منة المسجديين: اجتمع ناس في المسجد ممن ينتحل الاقتصاد في النفقة والتنمية للمال من أصحاب الجمع والمنع.
وقد كان هذا المذهب صار عندهم كالنسب الذي يجمع على التحاب وكان الذي يجمع على التناصر.
وكانوا إذا التقوا في حلقهم تذاكروا هذا الباب وتطارحوة وتدارسوه.
فقال شيخ منهم: ماء بئرنا - كما قد علمتم - ملح أجاج لا يقربه الحمار ولا تسيغه الإبل وتموت عليه النخل.
والنهر منا بعيد.
وفي تكلف العذب علينا مؤنة.
فكنا نمزج منه للحمار فاعتل عنه وانتفض علينا من أجله.
فصرنا بعد ذلك نسقيه العذب صرفاً.
وكنت أنا والنعجة كثيراً ما نغتسل بالعذب مخافة أن يعتري جلودنا منه مثل ما اعترى جوف الحمار.
فكان ذلك الماء العذب الصافي يذهب باطلاً.
ثم انفتح لي باب من الإصلاح فعمدت إلى ذلك المتوضأ فجعلت في ناحية منه حفرة وصهرجتها وملستها حتى صارت كأنها صخرة منقورة.
وصوبت إليها المسيل.
فنحن الآن إذا اغتسلنا صار الماء إليها صافياً لم يخالطه شيء.
والحمار أيضاً لا تقزز له منه.
وليس علينا حرج في سقيه منه.
وما علمنا أن كتاباً حرمه ولا سنة نهت عنه.
فربحنا هذه منذ أيام وأسقطنا مؤنة عن النفس والمال مال القوم.
وهذا بتوفيق الله ومنه.
فأقبل عليهم شيخ فقال: هل شعرتم بموت مريم الصناع فإنها كانت من ذوات الاقتصاد وصاحبة إصلاح.
قالوا: فحدثنا عنها.
قال: نوادرها كثيرة وحديثها طويل.
ولكني أخبركم عن واحدة فيها كفاية.
قالوا: وما هي قال: زوجت ابنتها وهي بنت اثنتي عشرة فحلتها الذهب والفضة وكستها المروى والوشي والقز والخز وعلقت المعصفر ودقت الطيب وعظمت أمرها من قدرها عند الأحماء.
فقال لها زوجها: أنى هذا يا مريم قالت: هو من عند الله.
قال: دعي عنك الجملة وهاتي التفسير.
والله ما كنت ذات مال قديماً ولا ورثته حديثاً.
وما أنت بخائنة في نفسك ولا في مال بعلك.
إلا أن تكوني قد وقعت على كنز! وكيف دار الأمر فقد أسقطت عني مؤنة وكفيتني هذه النائبة.
قالت: اعلم أني منذ يوم ولدتها إلى أن زوجتها كنت أرفع من دقيق كل عجنة حفنة.
وكنا - كما قد علمت - نخبز في كل يوم مرة.
فإذا اجتمع من ذلك مكوك بعته.
قال زوجها: ثبت الله رأيك وأرشدك! ولقد أسعد الله من كنت له سكناً وبارك لمن جعلت له إلفاً! ولهذا وشبهه قال رسول الله ﷺ: من الذود إلى الذود إبل.
وإني لأرجو أن يخرج ولدك على عرقك الصالح وعلى مذهبك المحمود.
فنهض القوم بأجمعهم إلى جنازتها وصلوا عليها.
ثم انكفؤا إلى زوجها فعزوه على مصيبته وشاركوه في حزنه.
ثم اندفع شيخ منهم فقال: يا قوم لا تحقروا صغار الأمور فإن كل كبير صغير.
ومتى شاء الله أن يعظم صغيراً عظمه وأن يكثر قليلاً كثره.
وهل بيوت الأموال إلا درهم إلى درهم وهم الذهب إلا قيراط إلى جنب قيراط وليس كذلك رمل عالج وماء البحر وهل اجتمعت أموال بيوت إلا بدرهم من هاهنا ودرهم من هاهنا فقد رأيت صاحب سفط قد اعتقد مائة جريب في أرض العرب ولربما رأيته يبيع الفلفل بقيراط الحمص بقيراط فأعلم أنه لم يربح في ذلك الفلفل إلا الحبة والحبتين من خشب الفلفل.
فلم يزل يجمع من الصغار الكبار حتى اجتمع ما اشترى به مائة جريب!.
ثم قال: اشتكيت أياماً صدري من سعال كان أصابني فأمرني قوم بالفانيذ السكري.
وأشار على آخرون بالحريرة تتخذ من النشاستج والسكر ودهن اللوز وأشباه ذلك.
فاستثقلت المؤنة وكرهت الكلفة ورجوت العافية.
فبينا أنا أدافع اِلأيام إذ قال لي بعض الموفقين: عليك بماء النخالة فاحسه حاراً.
فحسوت فإذا هو طيب جداً وإذا هو يعصم: فما جعت ولا اشتهيت الغذاء في ذلك اليوم إلى الظهر.
ثم ما فرعت من غدائي وغسل يدي حتى فقلت للعجوز: لم لا تطبخين لعيالنا في كل غداة نخالة فإن ماءها جلاء للصدر وقوتها غذاء وعصمة ثم تجففين بعد النخالة فتعود كما كانت.
فتبيعين إذا الجميع بمثل الثمن الأول ونكون قد ربحنا فضل ما بين الحالين! قالت: أرجو أن يكون الله قد جمع بهذا السعال مصالح كثيرة لما فتح الله لك بهذه النخالة التي فيها صلاح بدنك معاشك! وما أشك أن تلك المشهورة كانت من التوفيق! قال القوم: صدقت مثل هذا لا يكتسب بالرأي ولا يكون إلا سماويا.
! ثم أقبل عليهم شيخ فقال: كنا نلقي من الحراق والقداحة جهداً لأن الحجارة كانت إذا انكسرت حروفها واستدارت كلت ولم تقدح قدح خير وأصلدت فلم تور وربما أعجلنا المطر والوكف.
وقد كان الحجر أيضاً يأخذ من حروف القداحة حتى يدعها كالقوس.
فكنت أشتري المرقشيتا بالغلاء والقداحة الغليظة بالثمن الموجع.
وكان علينا أيضاً في صنعة الحراق وفي معالجة القطنة مؤنة وله ريح كريهة.
والحراق لا يجيء من الحرق المصبوغة ولا من الحرق الوسخة ولا من الكتان ولا من الخلقان.
فكنا نشتريه بأغلى الثمن.
فتذاكرنا منذ أيام أهل البدو والأعراب وقدحهم النار بالمرخ والعفار.
فزعم لنا صديقنا الثوري وهو - ما علمت - أحد المرشدين أن عراجين الأعذاق تنوب عن ذلك أجمع.
وعلمني كيف تعالج.
ونحن نؤتى بها من أرضنا بلا كلفة.
فالخادم اليوم لا تقدح ولا توري إلا بالعرجون.
قال القوم: قد مرت بنا اليوم فوائد كثيرة.
ولهذا قال الأول: مذاكرة الرجال تلقح الألباب.
ثم اندفع شيخ منهم فقال: لم أرى في وضع الأمور في مواضعها وفي توفيتها غاية حقوقها كمعاذة العنبرية.
قالوا: وما شان معاذة هذه قال: أهدى إليها العام ابن عم لها أضحية.
فرأيتها كئيبة حزينة مفكرة مطرقة.
فقلت لها: مالك يا معاذة قالت: أنا امرأة أرملة وليس لي قيم.
ولا عهد لي بتدبير لحم الأضاحي.
وقد ذهب الذين كانوا يدبرونه ويقومون بحقه.
وقد خفت أن يضيع بعض هذه الشاة.
ولست أعرف وضع جميع أجزائها في أماكنها.
وقد علمت أن الله لم يخلق فيها ولا غيرها شيئاً لا منفعة فيه.
ولكن المرء يعجز لا محالة.
ولست أخاف من تضييع القليل إلا أنه يجر تضييع الكثير.
أما القرن فالوجه فيه معروف وهو أن يجعل كالخطاف ويسمر في جذع من جذوع السقف فيعلق عليه الزبل والكيران وكل ما خيف عليه من الفأر والنمل والسنانير وبنات وردان والحيات وغير ذلك.
وأما المصران فإنه لأوتار المندفة.
وبنا إلى ذلك أعظم الحاجة.
وأما قحف الرأس واللحيان وسائر العظام فسبيله أن يكسر بعد أن يعرق ثم يطبخ.
فما ارتفع من الدسم كان للمصباح وللإدام وللعصيدة ولغير ذلك.
ثم تؤخذ تلك العظام فيوقد بها.
فلم يرى الناس وقوداً قط أصفى ولا أحسن لهباً منها.
وإذا كانت كذلك فهي أسرع في القدر لقلة ما يخالطها من الدخان.
وأما الإهاب فالجلد نفسه حراب.
وللصوف وجوه لا تدفع.
وأما الفرث والبعر فحطب إذا جفف عجيب.
ثم قالت: بقي الآن علينا الانتفاع بالدم.
وقد علمت أن الله عز وجل لم يحرم من الدم المسفوح إلا أكله وشربه وأن له مواضع يجوز فيها ولا يمنع منها.
وإن أنا لم أقع على علم ذلك حتى يوضع موضع الانتفاع به صار كية في قلبي وقدي في عيني وهما لا يزال يعاودني.
فلم ألبث أن رأيتها قد تطلقت وتبسمت.
فقلت: ينبغي أن يكون قد انفتح لك باب الرأي في الدم.
قالت: أجل ذكرت أن عندي قدوراً شامية جدداً.
وقد زعموا أنه ليس شيء أدبغ ولا أزيد في قوتها من التلطيخ بالدم الحار الدسم.
وقد استرحت الآن إذ وقع كل شيء موقعه! قال: ثم لقيتها بعد ستة أشهر فقلت لها: كيف كان قديد تلك الشاة قالت: بأبي أنت! لم يجيء وقت القديد بعد! لنا في الشحم والألية والجنوب والعظم المعروق وغير ذلك معاش! ولكل شيء إبان! فقبض صاحب الحمار والماء العذب قبضة من حصى ثم ضرب بها الأرض.
ثم قال: لا تعلم قصة زبيدة بن حميد: وأما زبيدة بن حميد الصيرفي فإنه استلف من بقال كان على باب داره درهمين وقيراطاً.
فلما قضاه بعد ستة أشهر قضاه درهمين وثلاث حبات شعير.
فاغتاظ البقال فقال: سبحان الله! أنت رب مائة ألف دينار وأنا بقال لا أملك مائة فلس وإنما أعيش بكدي وباستفضال الحبة والحبتين.
صاح على بابك حمال والمال لم يحضرك وغاب وكيلك فنقدت عنك درهمين وأربع شعيرات.
فقضيتني بعد ستة أشهر درهمين وثلاث شعيرات.
فقال زبيدة: يا مجنون! أسلفتني في الصيف فقضيتك في الشتاء.
وثلاث شعيرات شتوية ندية أرزن من أربع شعيرات يابسة صيفية.
وما أشك أن معك فضلاً! وحدثني أبو الأصبغ بن ربعي قال: دخلت عليه بعد أن ضرب غلمانه بيوم فقلت له: ما هذا الضرب المبرح وهذا الخلق السيء هؤلاء غلمان ولهم حرمة وكفاية وتربية.
وإنما هم ولد.
هؤلاء كانوا إلى غير هذا أحوج.
قال: إنك لست تدري أنهم أكلوا كل جوارشن كان عندي! قال أبو الأصبغ: فخرجت إلى رئيس غلمانه فقلت: ويلك! مالك وللجوارشن وما رغبتك فيه قال: جعلت فداك! ما أقدر أن أكلمك من الجوع إلا وأنا متكئ! الجوارشن! ما أصنع به هو نفسه ليس يشبع ولا نحتاج إلى الجوارشن ونحن الذين إنما نسمع بالشبع سماعاً من أفواه الناس! ما نصنع بالجوارشن واشتد على غلمانه في تصفية الماء وفي تبريده وتزميله لأصحابه وزواره.
فقال له غازي أبو مجاهد: جعلت فداك! مر بتزميل الخبز وتكثيره فإن الطعام قبل الشراب.
وقال مرة: يا غلام هات خوان النرد وهو يريد تحت النرد فقال له غازي: نحن إلى خوان الخبز أحوج.
وسكر زبيدة ليلة فكسا صديقاً له قميصاً.
فلما صار القميص على النديم خاف البدوات وعلم أن ذلك من هفوات السكر.
فمضى من ساعته إلى منزله فجعله بركاناً لامرأته.
فلما أصبح سأل عن القميص وتفقده فقيل له: إنك قد كسوته فلاناً.
فبعث إليه ثم أقبل عليه فقال: ما علمت أن هبة السكران وشراءه وبيعه وصدقته وطلاقه لا يجوز وبعد فإني أكره ألا يكون لي حمد وأن يوجه الناس هذا مني السكر.
فرده علي حتى أهبه لك صاحياً عن طيب نفس فإني أكره أن يذهب شيء من مالي باطلاً.
فلما رآه قد صمم أقبل عليه فقال: يا هناه! إن الناس يمزحون ويلعبون ولا يؤاخذون بشيء من ذلك.
فرد القميص عافاك الله! قال له الرجل: إني والله قد خفت هذا بعينه فلم أضع جنبي إلى الأرض حتى جيبته لامرأتي.
وقد زدت في الكمين وحذفت المقاديم.
فإن أردت بعد هذا كله أن تأخذه فخذه.
فقال: نعم آخذه لأنه يصلح لامرأتي كما يصلح لامرأتك.
قال: فإنه عند الصباغ.
قال: فهاته.
قال: ليس أنا أسلمته إليه.
فلما علم أنه قد وقع قال: بأبي وأمي رسول الله ﷺ حيث يقول: جُمع الشر كله في بيت و أغلق عليه فكان مفتاحه السُكر.
قصة ليلى الناعطية: وأما ليلى الناعطية صاحبة الغالية من الشيعة فإنها ما زالت ترقع قميصاً لها وتلبسه حتى صار القميص الرقاع وذهب القميص الأول.
ورفت كساءها ولبسته حتى صارت لا تلبس إلا الرفو وذهب جميع الكساء.
وسمعت قول الشاعر: البس قميصك ما اهتديت لجيبه فإذا أضلك جيبه فاستبدل فقالت: إني إذا الخرقاء! أنا والله أحوص الفتق وأرقع الخرق وخرق الخرق! ومضيت أنا وأبو إسحاق النظام وعمرو بن نهيوي نريد الحديث في الجبان ولنتناظر في شيء فلما جاوزنا الخندق جلسنا في فناء حائطه.
وله ظل شديد السواد بارد ناعم.
وذلك لثخن الساتر واكتناز الأجزاء ولبعد مسقط الشمس من أصل حائطه.
فطال بنا الحديث فجرينا في ضروب من الكلام.
فما شعرنا إلا والنهار قد انتصف ونحن في يوم قائظ.
فلما صرنا في الرجوع ووجدت مس الشمس وقعها على الرأس أيقنت بالبرسام.
فقلت لأبي إسحاق والوليد إلى جنبي يسمع كلامي: الباطنة منا بعيدة وهذا يوم منكر ونحن في ساعة تذيب كل شيء.
والرأي أن نميل إلى منزل الوليد فنقيل فيه ونأكل ما حضر فإنه يوم تخفيف.
فإذا أبردنا تفرقنا وإلا فهو الموت ليس دونه شيء.
قال الوليد رافعاً صوته: أما على هذا الوجه الذي أنكرته علينا - رحمك الله هل ها هنا إلا الحاجة والضرورة قال: إنك أخرجته مخرج الهزء.
وقلت: وكيف أخرجه مخرج الهزء وحياتي في يدك مع معرفتي بك فغضب ونتر يده من أيدينا وفارقنا.
ولا والله ما اعتذر إلينا مما ركبنا به إلى الساعة.
ولم أر من يجعل الأسى حجة في المنع إلا هو وإلا من أبي مازن إلى جبل الغمر.
وكان جبل خرج ليلاً من موضع كان فيه فخاف الطائف ولم يأمن المستقفي فقال: لو دققت الباب على أبي مازن فبت عنده في أدنى بيت أو في دهليزه ولم ألزمه من مؤنتي شيئاً.
حتى إذا انصدع عمود الصبح خرجت في أوائل المدلجين.
فدق عليه الباب دق واثق ودق مدل ودق من يخاف أن يدركه الطائف أو يقفوه المستقفي وفي قلبه عز الكفاية والثقة بإسقاط المؤنة.
فلم يشك أبو مازن أنه دق صاحب هدية.
فنزل سريعاً.
فلما فتح الباب وبصر بجبل بصر بملك الموت! فلما رآه جبل واجماً لا يحير كلمة قال له: إني خفت معرة الطائف وعجلة المستقفي فملت إليك لأبيت عندك.
فتساكر أبو مازن وأراه أن وجومه إنما كان بسبب السكر.
فخلع جوارحه وخبل لسانه وقال: سكران والله أنا والله سكران! قال له جبل: كن كيف شئت.
نحن في أيام الفصل لا شتاء ولا صيف.
ولست أحتاج إلى سطح فأغم عيالك بالحر ولست أحتاج إلى لحاف فأكلفك أن تؤثرني بالدثار.
وأنا كما ترى ثمل من الشراب شبعان من الطعام.
ومن منزل فلان خرجت وهو أخصب الناس دخلاً.
وإنما أريد أن تدعني أغفي في دهليزك إغفاءة واحدة ثم أقوم في أوائل المبكرين.
قال أبو مازن وأرخى عينيه وفكيه ولسانه ثم قال: سكران والله! أنا سكران! لا والله ما أعقل أين أنا! والله إن أفهم ما تقول! ثم أغلق الباب في وجهه ودخل لا يشك أن عذره قد وضح وأنه قد ألطف النظر حتى وقع على هذه الحيلة! وإن وجدتم في هذا الكتاب لحناً أو كلاماً غير معرب ولفظاً معدولاً عن جهته فاعلموا أنا إنما تركنا ذلك لأن الإعراب يبغض هذا الباب ويخرجه من حده.
إلا أن أحكي كلاماً من كلام متعاقلي البخلاء وأشحاء العلماء كسهل بن هارون وأشباهه.
قصة أحمد بن خلف: ومن طياب البخلاء أحمد بن خلف اليزيدي.
ترك أبوه في منزله يوم مات ألفي ألف درهم وستمائة ألف درهم وأربعين ومائة ألف دينار.
فاقتسمها هو وأخوه حاتم قبل دفنه.
وأخذ أحمد وحده ألف ألف وثلثمائة ألف درهم وسبعين ألف دينار ذهباً عيناً مثاقيل وازنة جياداً سوى العروض.
فقلت له وقد ورث هذا المال كله: ما أبطأ بك الليلة قال لا والله إلا أني تعيشت البارحة في البيت! فقلت لأصحابنا: لولا أنه بعيد العهد بالأكل في بيته وأن ذلك غريب منه لما احتاج إلى هذا الاستثناء وإلى هذه الشريطة.
وأين يتعشى الناس إلا في منازلهم وإنما يقول الرجل عند مثل هذه المسألة: لا والله إلا أن فلاناً حبسني ولا والله إلا أن فلاناً عزم علي.
فأما ما يستثنى ويشترط فهذا ما لا يكون إلا على ما ذكرناه قبل.
وقال لي مبتدئاً مرة عن غير مشورة وعن غير سبب جرى: انظر أن تتخذ لعيالك في الشتاء من هذه المثلثة فإنها عظيمة البركة كثيرة النزل.
وهي تنوب عن الغداء.
ولها نفخة تغني عن العشاء.
وكل شيء من الأحساء فهو يغني عن طلب النبيذ وشرب الماء.
ومن تحسى الحار عرق.
والعرق يبيض الجلد ويخرج من الجوف.
وهي تملأ النفس وتمنع من التشهي.
وهي أيضاً تدفئ فتقوم لك في أجوافهم مقام فحم الكانون من خارج.
وحسو طار يغني عن الوقود وعن لبس الحشو.
والوقود يسود كل شيء وييبسه.
وهو سريع في الهضم وصاحبه معرض للحريق ويذهب في ثمنه المال العظيم.
وشر شيء فيه أن من تعوده لم يدفئه شيء سواه.
فعليك يا أبا عثمان بالمثلثة! واعلم أنها لا تكون إلا في منازل المشيخة وأصحاب التجربة.
فخذها من حكيم مجرب ومن ناصح مشفق.
وكان لا يفارق منازل إخوانه.
وإخوانه مخاصيب مناويب أصحاب نفح وترف.
وكانوا يتحفونه ويدللونه ويفكهونه ويحكمونه.
ولم يشكوا أنه سيدعوهم مرة وأن يجعلوا بيته نزهة ونشوة.
فلما طال تغافله وطالت مدافعته وعرضوا له بذلك فتغافل صرحوا له.
فلما امتنع قالوا: اجعلها دعوة ليس لها أخت.
فلما أكلوا وغسلوا أيديهم أقبل عليهم فقال: أسألكم بالله الذي لا شيء أعظم منه أنا الساعة أيسر وأغنى أو قبل أن تأكلوا طعامي قالوا: ما نشك أنك حين كنت والطعام في ملكك أغنى وأيسر.
قال: فأنا الساعة أقرب إلى الفقر أم تلك الساعة قالوا: بل أنت الساعة أقرب إلى الفقر.
قال: فمن يلومني على ترك دعوة قوم قربوني من الفقر وباعدوني من الغنى وكلما دعوتهم أكثر كنت من الفقر أقرب ومن الغنى أبعد وفي قياسه هذا أن من رأيه أن يهجر كل من استسقاه شربة ماء أو تناول من حائطه لبنة ومن خليط دابته عوداً.
ومر بأصحاب الجداء وذلك في زمان التوليد.
فأطعمه الزمان في الرخص وتحركت شهوته على قدر إمكانه عنده.
فبعث غلاماً له يقال له ثقف وهو معروف ليشتري له جدياً.
فوقف غير بعيد.
فلم يلبث أن رجع الغلام يحضر وهو يشير بيده ويومئ برأسه: أن اذهب ولا تقف.
فلم يبرح.
فلما دنا منه قال: ويلك تهزأ بي كأني مطلوب! قال: هذا أطرفه! الجدي بعشرة! أنت من ذي البابة مر الآن مرمر! فإذا غلامه يرى أن من المنكر أن يشتري جدي بعشرة دراهم! والجدي بعشرة إنما ينكر عندنا بالبصرة لكثرة الخير ورخص السعر.
فأما في العساكر فإن أنكر ذلك منكر فإنما ينكره من ولا تقولوا الآن: قد والله أساء أبو عثمان إلى صديقه بل تناوله بالسوء حتى بدأ بنفسه.
ومن كانت هذه صفته وهذا مذهبه فغير مأمون على جليسه.
وأي الرجال المهذب هذا والله الشيوع والتبوع والبذاء وقلة الوفاء.
اعلموا أني لم ألتمس بهذه الأحاديث عنه إلا موافقته وطلب رضاه ومحبته.
ولقد خفت أن أكون عند كثير من الناس دسيساً من قبله وكميناً من كمائنه.
وذلك أن أحب الأصحاب إله أبلغهم قولاً في إياس الناس مما قبله وأجودهم حسماً لأسباب الطمع في ماله.
على أني إن أحسنت بجهدي فسيجعل شكري موقوفاً.
وإن جاوز كتابي هذا حدود العراق شكر وإلا أمسك.
لأن شهرته بالقبيح عند نفسه في هذا الإقليم قد أغنته عن التنويه والتنبيه على مذهبه.
وكيف وهو يرى أن سهل بن هارون وإسماعيل بن غزوان كانا من المسرفين وأن الثوري والكندي يستوجبان الحجر.
وبلغني أنه قال: لو لم تعرفوا من كرامة الملائكة على الله إلا أنه لم يبتلهم بالنفقة ولا بقول العيال: هات لعرفتم حالهم ومنزلتهم.
وحدثني صاحب لي قال: دخلت على فلان بن فلان وإذا المائدة موضوعة بعد وإذا القوم قد أكلوا ورفعوا أيديهم.
فمددت يدي لآكل فقال: أجهز على الجرحى ولا تتعرض للأصحاء! يقول: اعرض للدجاجة التي قد نيل منها وللفرخ المنزوع الفخذ.
فأما الصحيح فلا تتعرض له.
وكذلك الرغيف الذي قد نيل منها وللفرخ المنزوع الفخذ.
فأما الصحيح فلا تتعرض له.
وكذلك الرغيف الذي قد نيل منه وأصابه بعض المرق.
وقال لي الرجل: أكلنا عنده يوماً وأبوه حاضر وبني له يجيئ ويذهب.
فاختلف مراراً.
كل ذلك يرانا نأكل.
فقال الصبي: كم تأكلون لا أطعم الله بطونكم! فقال أبوه وهو جد الصبي: ابني ورب الكعبة! وحدثني صاحب مسلحة باب الكرخ قال: قال لي صاحب الحمام: ألا أعجبك من صالح بن عفان كان يجئ كل سحر فيدخل الحمام.
فإذا غبت عن إجانة النورة مسح أرفاغه.
ثم يتستر بالمئزر.
ثم يقوم فيغسله في غمار الناس.
ثم يجئ بعد في مثل تلك الساعة فيطلي ساقيه وبعض فخذيه.
ثم يجلس ويتزر بالمئزر.
فإذا وجد غفلة غسله.
ثم يعود في مثل ذلك الوقت فيمسح قطعة أخرى من جسده.
فلا يزال يطلي في كل سحر حتى ذهب مني بطلية.
قال: ولقد رأيته وإن في زيق سراويله نورة.
وكان لا يرى الطبخ في القدور الشامية ولا تبريد الماء في الجرار المذارية لأن هذه ترشح وتلك تنشف.
حدثني أبو الجهجاه النوشرواني قال: حدثني أبو الأحوص الشاعر قال: كنا نفطر عند الباسياني.
فكان يرفع يديه قبلنا ويستلقي على فراشه ويقول: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا}.
حديث خالد بن يزيد: وهذا خالد بن يزيد مولى المهالبة.
هو خالويه المكدى.
وكان قد بلغ في البخل والتكدية وفي كثرة المال المبالغ التي لم يبلغها أحد.
وكان ينزل في شق بني تميم فلم يعرفوه.
فوقف عليه ذات يوم سال وهو في مجلس من مجالسهم.
فأدخل يده في الكيس ليخرج فلساً وفلوس البصرة كبار.
فغلط بدرهم بغلى.
فلم يفطن حتى وضعه في يد السائل.
فلما فطن استرده وأعطاه الفلس.
فقيل له: هذا لا نظنه يحل.
وهو بهد قبيح! قال: قبيح عند من إني لم أجمع هذا المال بعقولكم فأفرقه بعقولكم! ليس هذا من مساكين الدراهم.
هذا من مساكين الفلوس! والله ما أعرفه إلا بالفراسة.
قالوا: وإنك لتعرف المكدين قال: وكيف لا أعرفهم! لم يبق في الأرض مخطراني ولا مستعرض الأقفية ولا شحاذ ولا كاغاني ولا بانوان ولا قرسي ولا عواء ولا مشعب ولا مزيدي ولا إسطيل إلا وقد كان تحت يدي.
ولقد أكلت الزكوري ثلاثين سنة.
ولم يبق في الأرض كعبي ولا مكد إلا وقد أخذت العرافة عليه.
وإنما أراد بهذا أن يؤيسهم من ماله حين عرف حرصهم وجشعهم وسوء جوارهم.
وكان قاصاً متكلماً بليغاً داهياً.
وكان أبو سليمان الأعور وأبو سعيد المدائني القاصان من غلمانه.
وهو الذي قال لابنه عند موته: إني قد تركت لك ما تأكله إن حفظته وما لا تأكله إن ضيعته.
ولما ورثتك من العرف الصالح وأشهدتك من صواب التدبير وعودتك من عيش المقتصدين خير لك معين من هذا المال.
وقد دفعت إليك آلة لحفظ المال عليك بكل حيلة.
ثم إن لم يكن لك معين من نفسك ما انتفعت بشيء من ذلك.
بل يعود ذلك النهي كله إغراء لك وذلك المنع تهجينا لطاعتك.
قد بلغت في البر منقطع التراب وفي البحر أقصى مبلغ السفن.
فلا عليك ألا ترى ذا القرنين.
ودع عنك مذاهب ابن شرية فإنه لا يعرف إلا ظاهر الخبر.
ولو رآني تميم الداري لأخذ عني صفة الروم.
ولا أنا أهدى من القطا ومن دعيميص ومن رافع المخش.
إني قد بت بالقفز مع الغول وتزوجت السعلاة وجاوبت الهاتف ورغت عن الجن إلى الجن واصطدت الشق وجاوبت النسناس وصحبني الرئي.
وعرفت خدع الكاهن وتدسيس العراف وإلام يذهب الخطاط والعياف وما يقول أصحاب الأكتاف.
وعرفت التنجيم والزجر والطرق والفكر.
إن هذا المال لم أجمعه من القصص والتكدية ومن احتيال النهار ومكابدة الليل.
ولا يجمع مثله أبداً إلا من معاناة ركوب البحر ومن عمل السلطان أو من كيمياء الذهب والفضة.
قد عرفت الرأس حق معرفته وفهمت كسر الإكسير على حقيقته.
ولولا علمي بضيق صدرك ولولا أن أكون سبباً لتلف نفسك لعلمتك الساعة الشيء الذي بلغ بقارون وبه تبنكت خاتون.
والله ما يتسع صدرك عندي لسر صديق فكيف ما لا يحتمله عزم ولا يتسع له صدر وحرز سر الحديث وحبس كنوز الجواهر أهون من خزن العلم.
ولو كنت عندي مأموناً على نفسك لأجريت الأرواح في الأجساد وأنت تبصر ما كنت لا تفهمه بالوصف ولا تحقه بالذكر.
ولكني سألقي عليك علم الإدراك وسبك الرخام وصنعة الفسيفساء وأسرار السيوف القلعية وعقاقير السيوف اليمانية وعمل الفرعوني وصنعة التلطيف على وجهه إن أقامني الله من صرعتي هذه.
ولست أرضاك وإن كنت فوق البنين ولا أثق بك وإن كنت لاحقاً بالآباء لأني لم أبالغ في محبتك.
ني قد لابست السلاطين والمساكين وخدمت الخلفاء والمكدين وخالطت النساك والفتاك وعمرت السجون كما عمرت مجالس الذكر وحلبت الدهر أشطره وصادفت دهراً كثير الأعاجيب.
فلولا أني دخلت من كل باب وجريت مع كل ريح وعرفت السراء والضراء حتى مثلت لي التجارب عواقب الأمور وقربتني من غوامض التدبير لما أمكنني جمع ما أخلفه لك ولا حفظ ما حبسته عليك.
ولم أحمد نفسي على جمعه كما حمدتها على حفظه لأن بعض هذا المال لم أنله بالحزم والكيس.
قد حفظته عليك من فتنة الأبناء ومن فتنة النساء ومن فتنة الثناء ومن فتنة الرياء ومن أيدي الوكلاء فإنهم الداء العياء.
ولست أوصيك بحفظه لفضل حبي لك ولكن لفضل بغضي للقاضي: إن الله - جل ذكره - لم يسلط القضاة على أموال الأولاد إلا عقوبة للأولاد لأن أباه إن كان غنياً قادراً أحب أن يريه غناه وقدرته وإن كان فقيراً عاجزاً أحب أن يستريح من شينه ومن حمل مؤنته.
وإن كان فلا هم شكروا من جمع لهم وكفاهم ووقاهم وغرسهم ولا هم صبروا على من أوجب الله حقه عليهم.
والحق لا يوصف عاجله بالحلاوة كما لا يوصف عاجل الباطل بالمرارة.
فإن كنت فالقاضي لك.
وإن لم تكن منهم فالله لك.
فإن سلكت سبيلي صار مال غيرك وديعةً عندك وصرت الحافظ على غيرك.
وإن خالفت سبيلي صار مالك وديعةً عند غيرك وصار غيرك الحافظ.
وإنك يوم تطمع أن تضيع مالك ويحفظه غيرك لجشع الطمع مخذول الأمل.
احتال الآباء في حبس الأموال على أولادهم بالوقف فاحتالت القضاة على أولادهم بالإستحجار.
ما أسرعهم إلى إطلاق الحجر وإلى إيناس الرشد إذا أرادوا الشراء منهم! وأبطأهم عنهم إذا أرادوا أن تكون أموالهم جائزة لصنائعهم! يا بن الخبيثة! إنك وإن كنت فوق أبناء هذا الزمان فإن الكفاية قد مسختك ومعرفتك بكثرة ما أخلف قد أفسدتك.
وزاد في ذلك أن كنت بكرى وعجزة أمك.
أنا لو ذهب مالي لجلست قاصاً أو طفت في الآفاق - كما كنت - مكدياً: اللحية وافرة بيضاء والحلق جهير طل والسمت حسن والقبول على واقع! إن سألت عيني الدمع أجابت.
والقليل من رحمة الناس خير من المال الكثير.
وصرت محتالاً بالنهار واستعملت صناعة سل عني صعاليك الجبل وزواقيل الشام وزط الآجام ورؤس الأكراد ومردة الأعراب وفتاك نهر بط ولصوص القفص! وسل عني القيقانية والقطرية.
وسل عني المتشبهة وذباجي الجزيرة: كيف بطشي ساعة البطش وكيف حيلتي ساعة الحيلة وكيف أنا عند الجولة وكيف ثبات جناني عند رؤية الطليعة وكيف يقظتي إذا كنت ربيئة وكيف كلامي عند السلطان إذا أخذت وكيف صبري إذا جلدت وكيف قلة ضجري إذا حبست وكيف رسفاني.
في القيد إذا أثقلت! فكم من ديماس قد نقبته وكم من مطبق قد أفضيته وكم من سجن قد كابدته.
وأنت غلام لسانك فوق عقلك وذكاؤك فوق حزمك.
لم تعجمك الضراء ولم تزل في السراء.
والمال واسع وذرعك ضيق.
وليس شيء أخوف عليك عندي من حسن الظن بالناس فإنهم شمالك على يمينك وسمعك على بصرك.
وخف عباد الله على حسب ما ترجو الله فأول ما وقع في روعي أن مالي محفوظ علي وأن النماء لازم لي وأن الله سيحفظ عقبي من بعدي.
إني لما غلبتني يوماً شهوتي وأخرجت يوماً درهماً لقضاء وطري ووقعت عني على سكت وعلى اسم الله المكتوب عليه قلت في نفسي: إني إذاً لمن الخاسرين الضالين: لئن أنا أخرجت من يدي ومن بيتي شيئاً عليه لا إله إلا الله أخذت بدله شيئاً ليس عليه شيء! والله إن المؤمن لينزع خاتمه للأمر يريده وعليه حسبي الله أو توكلت على الله فيظن أنه قد خرج من كنف الله - جل ذكره - حتى يرد الخاتم في موضعه! وإنما هو خاتم واحد.
وأنا أريد أن أخرج في كل يوم درهماً عليه الإسلام كما هو! إن هذا لعظيم!.
ومات من ساعته.
وكفنه ابنه ببعض خلقانه وغسله بماء البئر ودفنه من غير أن يصرخ له أو يلحد له ورجع.
فلما صار في المنزل نظر إلى جرة خضراء معلقة.
قال: أي شيء في هذه الجرة قالوا: ليس اليوم فيها شيء.
قال: فأي شيء فيها قبل اليوم قالوا: سمن.
قال: وما كان يصنه به قالوا: كنا في الشتاء نلقي له في البرمة شيئاً من دقيق نعمله له فكان ربما برقه بشيء من سمن.
قال: تقولون ولا تفعلون! السمن أخو العسل.
وهل أفسد الناس أموالهم إلا في السمن والعسل والله إني لولا أن للجرة ثمناً لما كسرتها إلا على قبره! قالوا: فخرج فوق أبيه وما كنا نظن أن فوقه مزيداً! المخطراني الذي يأتيك في زي ناسك ويريك أن بابك قد قور لسانه من أصله لأنه كان مؤذناً هناك.
ثم يفتح فاه كما يصنع من تثاءب فلا ترى له لساناً البتة! ولسانه في الحقيقة كلسان الثور! وأنا أحد من خدع بذلك.
ولابد للمخطراني أن يكون معه واحد يعبر عنه أو لوح أو والكاغاني الذي يتجنن ويتصارع ويزبد حتى لا يشك أنه مجنون لا دواء له لشدة ما ينزل بنفسه وحتى يتعجب من بقاء مثله على مثل علته.
والبانوان الذي يقف على الباب ويسل الغلق ويقول: بانوا! وتفسير ذلك بالعربية: يا مولاي! والقرسي الذي يعصب ساقه وذراعه عصباً شديداً ويبيت على ذلك ليلة.
فإذا تورم واختنق الدم مسحه بشيء من صابون ودم الأخوين وقطر عليه شيئاً من سمن وأطبق عليه خرقة وكشف بعضه.
فلا يشك من رآه أن به الإكلة أو بلية شبه الإكلة.
والمشعب الذي يحتال للصبي حين يولد: بأن يعميه أو يجعله أعسم أو أعضد ليسأل الناس به أهله.
وربما جاءت به أمه وأبوه ليتولى ذلك منه بالغرم الثقيل.
لأنه يصير حينئذ عقدة وغلة: فإما أن يكتسبا به وإما أن يكرياه بكراء معلوم.
وربما أكروا أولادهم ممن يمضي إلى إفريقية فيسأل بهم الطريق أجمع بالمال العظيم.
فإن كان ثقة مليئاً وإلا أقام بالأولاد والأجرة كفيلاً.
والعواء الذي يسأل بين المغرب والعشاء.
وربما طرب إن كان له صوت حسن وحلق شجي.
والإسطيل هو المتعامي: إن شاء أراك أنه منخسف العينين وإن شاء أراك أن بهما ماء وإن شاء أراك أنه لا يبصر للخسف ولريح السبل.
والمزيدي الذي يعارضك وهو ذو هيئة وفي ثياب صالحة.
وكأنه قد هاب من الحياء والمعدس الذي يقف على الميت يسأل في كفنه ويقف في طريق مكة على الحمار الميت والبعير الميت يدعى أنه كان له ويزعم أنه قد أحصر وقد تعلم لغة الخراسانية واليمانية والإفريقية وتعرف تلك المدن والسكك والرجال.
وهو متى شاء كان من إفريقية ومتى شاء كان من أهل فرغانة ومتى شاء كان من أي مخاليف اليمن شاء! والمكدى صاحب الكداء.
والكعبي أضيف إلى أبي كعب الموصلي وكان عريفهم بعد خالويه سنة على ماء.
والزكوري هو خبز الصدقة كان على سجني أو على سائل.
هذا تفسير ما ذكر خالويه فقط.
وهم أضعاف ما ذكرنا في العدد.
ولم يكن يجوز أن نتكلف شيئاً ليس من الكتاب في شيء.
رفع يحيى بن عبد الله بن خالد بن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد رغيفاً من خوانه بيده ثم رطله والقوم يأكلون.
ثم قال: يزعمون أن خبزي صغار.
أي ابن.
.
.
يأكل من هذا الخبز رغيفين وكنت أنا وأبو إسحاق إبراهيم بن سيار النظام وقطرب النحوي وأبو الفتح مؤدب منصور ابن زياد على خوان فلان بن فلان.
والخوان من جزعة.
والغضار صيني ملمع أو خلنجية كيماكية.
والألوان طيبة شهية وغذية قدية.
وكل رغيف في بياض الفضة كأنه البدر وكأنه مرآة مجلوة.
ولكنه على قدر عدد الرءوس.
فأكل كل إنسان رغيفه إلا كسرة.
ولم يشبعوا فيرفعوا أيديهم.
ولم يغدوا بشيء فيتموا أكلهم.
والأيدي معلقة.
وإنما هم في تنقير وتنتيف! فلما طال ذلك عليهم أقبل الرجل على أبي الفتح وتحت القصعة رقاقة فقال: يا أبا الفتح خذ ذلك الرغيف فقطعه وقسمه على أصحابنا.
فتغافل أبو الفتح.
فلما أعاد عليه القول الرابعة قال: مالك - ويلك! - لا تقطعه بينهم قطع الله أوصالك! قال: يبتلي على يدي غيري أصلحك الله! فخجلناه مرة وضحكنا مرة وما ضحكنا صاحبنا ولا خجل.
وزرته أنا والمكي.
وكنت أنا على حمار مكار والمكي على حمار مستعار.
فصار الحمار إلى أسوأ من حال المذود! فكلم المكي غلمانه فقال: لا أريد منكم التبن فما فوقه.
اسقوه ماء فقط.
فسقوه ماء بئر فلم يشربه الحمار وقد مات عطشاً.
فأقبل المكي عليه فقال: أصلحك الله! إنهم يسقون حماري ماء بئر ومنزل صاحب الحمار على شارع دجلة فهو لا يعرف إلا العذب.
قال: فامزجوه له يا غلام! فمزجوه فلم يشربه.
فأعاد المسألة فأمكنه من أذن من لا يسمع إلا ما يشتهي.
وقال لي مرة: يا أخي إن ناساً من الناس يغمسون اللقمة إلى أصبارها في المري.
فأقول: هؤلاء قوم يحبون الملوحة ولا يحبون الحامض! فما ألبث أن أرى أحدهم يأخذ حرف الجردقة فيغمسها في الخل الحاذق ويغرقها فيه! وربما رأيت أحدهم يمسكها في الخل بعد التغريق ساعة فأقول: هؤلاء قوم يجمعون حب الحموضة إلى حب الملوحة.
ثم لا ألبث أنة أراهم يصنعون مثل ذلك بالخردل والخردل لا يرام! قل لي: أي شيء طبائع هؤلاء وأي ضرب هم وما دواؤهم وأي شيء علاجهم فلما رأيت مذهبه وحمقه وغلبة البخل عليه وقهره له قلت: ما لهم عندي علاج هو أنجع فيهم من أن يمنعوا الصباغ كله! لا والله إن هو غيره! وصديق كنا قد ابتلينا بمؤاكلته.
وقد كان ظن أنا قد عرفناه بالبخل على الطعام.
وهجس ذلك في نفسه وتوهم أنا قد تذاكرناه أمره.
فكان يتزيد في تكثير الطعام وفي إظهار الحرص على أن يؤكل.
حتى قال: من رفع يده قبل القوم غرمناه ديناراً.
فترى بغضه إن غرمناه ديناراً.
وظاهر لا ئمته محتمل في رضا قلبه وما يرجو من نفع ذلك له.
ولقد خبرني خباز لبعض أصحابنا أنه جلده على إنضاج الخبز وأنه قال له: أنضج خبزي الذي يوضع بين يدي واجعل خبز من يأكل معي على مقدار بين المقدارين.
وأما خبز العيال والضيف فلا تقربنه من النار إلا بقدر ما يصير العجين رغيفاً وبقدر ما يتماسك فقط! فكلفه العويص.
فلما أعجزه ذلك جلده حد الزاني الحر! فحدثت بهذا الحديث عبد الله العروضي فقال: ألم تعرف شأن الجدي ضرب الشواء ثمانين سوطاً لمكان الإنضاج! وذلك أنه قال له: ضع الجدي في التنور حين تضع الخوان حتى أستبطئك أنا في إنضاجه.
وتقول أنت: بقي قليل! ثم تجيئنا به وكأني قد أعجلتك! فإذا وضع بين أيديهم غير منضج احتسبت عليهم بإحضار الجدي.
فإذا لم يأكلوه أعدته إلى التنور ثم أحضرتناه الغد بارداً.
فيقوم الجدي الواحد مقام جديين! فجاء به الشواء يوماً نضيجاً فعمل فيه القوم.
فجلده ثمانين جلدة جلد القاذف الحر! وحدثني أحمد بن المثنى عن صديق لي وله ضخم البدن كثير العلم فاشي الغلة عظيم الولايات أنه إذا دعا على مائدته بفضل دجاجة أو بفضل رقاق أو غير ذلك رد الخادم مع الخباز إلى القهرمان حتى يصك له بذلك إلى صاحب المطبخ! ولقد رأيته مرة وقد تناول دجاجة فشقها نصفين فألقى نصفها إلى الذي عن يمينه ونصفها إلى الذي عن شماله.
ثم قال: يا غلام! جئني بواحدة رخصة فإن هذه كانت عضلة جداً.
فحسبت أن أقل ما عند الرجلين ألا يعودا إلى مائدته أبداً.
فوجدتهما قد فخرا علي بما وكانوا ربما خصوه فوضعوه بين يديه الدراجة السمينة والدجاجة الرخصة.
فانطفأت الشمعة في ليلة من تلك الليالي.
فأغار على الأسواري على بعض ما بين يديه واغتنم الظلمة.
وعمل على أن الليل أخفى للويل! ففطن له وما هو بالفطن إلا في هذا الباب.
وقال: كذلك الملوك كانت لا تأكل مع السوقة! وحثني أحمد بن المثنى أنهم كانوا يعمدون إلى الجرادق التي ترفع عن مائدته: فما كان منها ملطخاً دلك دلكاً شديداً وما كان منها قد ذهب جانب منه قطع بسكين من ترابيع الرغيف مثل ذلك لئلا يشك من رآه أنهم قد تعمدوا ذلك.
وما كان من الأنصاف والأرباع جعل بعضه للثريد وقطع بعضه كالأصابع وجعل مع بعض القلايا.
ولقد رأيت رجلاً ضخماً فخم اللفظ فخم المعاني تربية في ظل ملك مع علوهم ولسان عضب ومعرفة بالغامض من العيوب والدقيق من المحاسن مع شدة تسرع إلى أعراض الناس وضيق صدر بما تعرف من عيوبهم.
وإن ثريدته لبلقاء إلا أن بياضها ناصع ولونها الآخر أصهب! ما رأيت ذلك مرة ولا مرتين.
وكنت قد هممت قبل ذلك لأن أعاتبه على الشيء يستأثر به ويختص به وأن أحتمل ثقل تلك النصيحة وبشاعتها في حظه وفي النظر له.
ورأيت أن ذلك لا يكون إلا من حاق الإخلاص ومن فرط الإخاء من الإخوان.
فلما رأيت البلقة هان علي التحجيل والغرة.
ورأيت أن ترك الكلام أفضل وأن الموعظة لغو.
وقد زعم أبو الحسن المدائني أن ثريدة مالك بن المنذر كانت بلقاء.
ولعل ذلك أن يكون باطلاً.
وأما أنا فقد رأيت بعيني من هذا الرجل ما لا أخبرك به وهو شيء لم أره إلا فيه ولا سمعت به في غيره.
ولسنا من تسمية الأصحاب المتهتكين ولا غيرهم من المستورين في شيء.
أما الصاحب فإنا لا نسميه لحرمته وواجب حقه.
والآخر لا نسميه ليستر الله عليه ولما يجب لمن كان في مثل حاله.
وإنما نسمي من خرج من هاتين الحالتين.
ولربما سمينا الصاحب إذا كان ممن يمازج بهذا ورأيناه يتظرف ويحمل ذلك الظرف سلماً إلى منع شينه.
قصة أبي جعفر: ولم أر مثل أبي جعفر الطرسوسي: زار قوماً فأكرموه وطيبوه وجعلوا في شاربه وسبلته غالية.
فحكته شفته العليا فأدخل إصبعه فحكها من باطن الشفة مخافة أن تأخذ إصبعه من الغالية شيئاً إذا حكها من فوق! وهذا وشبهه إنما يطيب جداً إذا رأيت الحكاية بعينك لأن الكتاب لا يصور لك كل شيء ولا يأتي لك على كنهه وعلى حدوده وحقائقه.
قصة الحزامي: وأما أبو محمد الحزامي عبد الله بن كاسب كاتب مويس وكاتب داود بن أبي داود فإنه كان أبخل من برأ الله وأطيب من برأ الله.
وكان له في البخل كلام.
وهو أحد من ينصره ويفضله ويحتج له ويدعو إليه.
وإنه رآني مرة في تشرين الأول وقد بكر البرد شيئاً.
فلبست كساء لي قومسياً خفيفاً قد نيل منه.
فقال لي: ما أقبح السرف بالعاقل وأسمج الجهل بالحكيم! ما ضننت أن إهمال النفس وسوء السياسة بلغ بك ما أرى! قلت: وأي شيء أنكرت منا مذ اليوم وما كان هذا قولك فينا بالأمس.
فقال: لبسك هذا الكساء قبل أوانه.
قلت: قد حدث من البرد بمقداره.
ولو كان هذا البرد الحادث في تموز وآب لكان إباناً لهذا الكساء.
قال: إن كان ذلك كذلك فاجعل بدل هذه المبطنة جبة محشوة فإنها تقوم هذا المقام وتكون قد خرجت من الخطأ.
فأما لبس الصوف اليوم فهو اليوم غير جائز.
قلت: ولم قال: لأن غبار آخر الصيف يتداخله ويسكن في خلله.
فإذا أمطر الناس وندى الهواء وابتل كل شيء ابتل ذلك الغبار.
وإنما الغبار تراب إلا أنه لباب التراب.
وهو مالح ويتقبض عند ذلك عليه الكساء ويتكرش لأنه صوف فينضم أجزاؤه عليه فيأكله أكل القادح ويعمل فيه عمل السوس.
ولهو أسرع فيه من الأرضة في الجذوع النجرانية! ولكن أخر لبسه حتى إذا أمطر الناس وسكن الغبار وتلبد التراب وحط المطر ما كان في الهواء من الغبار وغسله وصفاه فالبسه حينئذ على بركة الله! وكان يقع إلى عياله بالكوفة كل سنة مرة فيشتري لهم من الحب مقدار طبيخهم وقوت سنتهم.
فإذا نظر إلى حب هذا وإلى حب هذا وقام على سعر اكتال من كل واحد منها كيلة معلومة ثم وزنها بالميزان واشترى أثقلها وزناً.
وكان لا يختار على البلدي والموصلي شيئاً إلا أن يتقارب السعر.
وكان على كل حال يفر من الميساني إلا أن يضطر إليه ويقول: هو ناعم ضعيف ونار المعدة شيطان! فإنما ينبغي لنا أن نطعم الحجر وما أشبه الحجر! وقلت له مرة: أعلمت أن خبز البلدي ينبت عليه شيء شبيه بالطين والتراب والغبار المتراكم قال: حبذا ذلك من خبز! وليته قد أشبه الأرض بأكثر من هذا المقدار! وكان إذا كان جديد القميص ومغسوله ثم أتوه بكل بخور في الأرض لم يتبخر مخافة أن يسود دخان العود بياض قميصه.
فإن اتسخ فأتى بالبخور لم يرض بالتبخر واستقصاء ما في العود من القتار حتى يدعو بدهن فيمسح به صدره وبطنه وداخلة إزاره.
ثم يتبخر ليكون أعلق للبخور! وكان يقول: حبذا الشتاء فإنه يحفظ عليك رائحة البخور ولا يحمض فيه النبيذ إن ترك مفتوحاً ولا يفسد فيه مرق إن بقي أياماً.
وكان لا يتبخر إلا في منازل أصحابه.
فإذا كان في الصيف دعا بثيابه فلبسها على قميصه لكيلا يضيع من البخور شيء.
وقال مرة: إن للشيب سهكة.
وبياض الشعر هو موته وسواده حياته: ألا ترى أن موضع دبرة الحمار الأسود لا ينبت إلا أبيض! والناس لا يرضون منا في هذا العسكر إلا بالعناق واللثام والطيب غال وعادته رديئة! وينبغي لمن كان أيضاً عنده أن يحرسه ويحفظه من عياله.
وإن العطار ليختمه على أخص غلمانه به.
فلست أرى شيئاً هو خير من اتخاذ مشط صندل فإن ريحه طيبة.
والشعر سريع القبول منه! وأقل ما يصنع أن ينفي سهك الشيب.
فصرنا في حال لنا ولا علينا.
واستلف منه على الأسواري مائة درهم.
فجاءني وهو حزين منكسر.
فقلت له: إنما يحزن من لا يجد بداً من إسلاف الصديق مخافة ألا يرجع إليه ماله ولا يعد ذلك هبة منه أو رجل يخاف الشكية فهو إن لم يسلف كرماً أسلف خوفاً.
وهذا باب الشهرة فيه قرة عينك.
وأنا واثق باعتزامك وتصميمك وبقلة المبالاة بتخيل الناس لك.
فما وجه انكسارك واغتمامك قال: اللهم غفراً! ليس ذاك بي.
إنما في أني قد كنت أظن أن أطماع الناس قد صارت بمعزل عني وآيسة مني وأني قد أحكمت هذا الباب وأتقنته وأودعت قلوبهم اليأس وقطعت أسباب الخواطر.
فأراني واحداً منهم! إن من أسباب إفلاس المرء طمع الناس فيه لأنهم إذا طمعوا فيه احتالوا له الحيل ونصبوا له الشرك.
وإذا يئسوا منه فقد أمن.
وهذا المذهب من على استضعاف شديد.
وما أشك أني عنده غمر وأني كبعض من يأكل ماله وهو مع هذا خليط وعشير.
وإذا كان مثله لم يعرفني ولم يتقرر عنده مذهبي فما ظنك بالجيران بل ما ظنك بالمعارف أراني أنفخ في غير فحم وأقدح بزند مصلد! ما أخوفني أن أكون قد قصد إلي بقول! ما أخوفني أن يكون الله في سمائه قد قصد إلى أن يفقرني! قال: ويقولون: ثوبك على صاحبك أحسن منه عليك! فما يقولون إن كان أقصر مني أليس يتخيل في قميصي وإن كان طويلاً جداً وأنا قصير جداً فلبسه أليس يصير آية للسابلين فمن أسوأ أثراً على صديقه ممن جعله ضحكة للناس ما ينبغي لي أن أكسوه حتى أعلم أنه فيه مثلي.
ومتى يتفق هذا وإلى ذلك محيى وممات.
وكان يقول: أشتهي اللحم الذي قد تهرأ وأشتهي أيضاً الذي فيه بعض الصلابة.
وقلت له مرة: ما أشبهك بالذي قال: أشتهي لحم دجاجتين.
قال: وما تصنع بذلك القائل هو ذا أنا أشتهي لحم دجاجتين واحدة خلاسية مسمنة وأخرى خوامزكه رخصة.
وقلت له مرة: قد رضيت بأن يقال: عبد الله بخيل قال: لا أعدمني الله هذا الاسم! قلت: وكيف قال: لا يقال: فلان بخيل إلا وهو ذو مال.
فسلم إلى المال وادعني بأي اسم شئت! قلت: ولا يقال أيضاً: فلا سخي إلا وهو ذو مال.
فقد جمع هذا الاسم الحمد والمال واسم البخل يجمع المال والذم.
فقد أخذت أخسهما وأوضعهما.
قال: وبينهما فرق.
قلت: فهاته.
قال: في قولهم: بخيل تثبيت لإقامة المال في ملكه.
وفي قولهم: سخي إخبار عن خروج المال من ملكه.
واسم البخيل اسم فيه حفظ وذم واسم السخي اسم فيه تضييع وحمد.
والمال زاهر نافع مكرم لأهله معز.
والحمد ريح وسخرية واستماعك له ضعف وفسولة.
وما أقل غناء الحمد والله عنه إذا جاع وكنا عند داود بن أبي داود بواسط أيام ولايته كسكر! فأتته من البصرة هدايا فيها زقاق دبس.
فقسمها بيننا.
فكل ما أخذ منها الحزامى أعطى غيره.
فأنكرت ذلك من مذهبه ولم أعرف جهة تدبيره.
فقلت للمكي: قد علمت أن الحزامى إنما يجزع من الإعطاء وهو عدو.
فأما الأخذ فهو ضالته وأمنيته! وإنه لو أعطى أفاعى سجستان وثعابين مصر وحيات الأهواز لأخذها إذا كان اسم الأخذ واقعاً عليها! فعساه أراد التفضيل في القسمة.
قال: أنا كاتبه وصداقتي أقدم.
وما ذلك به.
هاهنا أمرا ما نقع عليه.
فلم يلبث أن دخل علينا.
فسألته عن ذلك.
فتعصر قليلاً.
ثم باح بسره.
قال: وضيعته أضعاف ربحه.
وأخذه عندي من أسباب الإدبار.
قلت: أول وضائعه احتمال السكر.
قال: هذا لم يخطر لي قط على بال.
قلت: فهات إذا ما عندك.
قال: أول ذلك كراء الحمال.
ثم هو على خطر حتى يصير إلى المنزل.
فإذا صار إلى المنزل صار سبباً لطلب العصيدة والأرز والبستندود.
فإن بعته فراراً من هذا صيرتموني شهرة وتركتموني عنده آية.
وإن أنا حبسته ذهب في العصائد وأشباه العصائد.
وجذب ذلك شراء السمن ثم جذب السمن غيره وصار هذا الدبس أضر علينا من العيال.
وإن أنا جعلته نبيذاً احتجت إلى كراء القدور وإلى شراء الحب وإلى شراء الماء وإلى كراء من يوقد تحته وإلى التفرغ له.
فإن وليت ذلك الخادم اسود ثوبها وغرمنا ثمن الأشنان والصابون وازدادت في الطمع على قدر الزيادة في العمل.
فإن فسد ذهبت النفقة باطلاً ولم نستخلف منها عوضاً بوجه من جميع الوجوه.
لأن خل الداذي يخضب اللحم ويغير الطعم ويسود المرق ولا يصلح إلا للاصطباغ.
وهذا إذا استحال خلاً.
وأكثر ذلك أن يحول عن النبيذ ولا يصير إلى الخل.
وإن سليم - وأعوذ بالله! - وجاد وصفا لم نجد بداً من شربه ولم تطب أنفسنا بتركه.
فإن قعدت في البيت أشرب منه لم يمكن إلا بترك سلاف الفارسي المعسل والدجاج المسمن وجداء كسكر وفاكهة الجبل والنقل الهش والريحان الغض عند من لا يغيض ماله ولا تنقطع مادته وعند من لا أبالي على أي قطرية سقط مع فوت الحديث المؤنس والسماع الحسن.
وعلى أني إن جلست في البيت أشربه لم يكن لي بد من واحد.
وذلك الواحد لابد له من دريهم لحم ومن طسوج نقل وقيراط ريحان ومن أبزار للقدر ومن حطب للوقود.
وهذا كله غرم.
وهو بعد هذا شؤم وحرفة وخروج من العادة الحسنة.
فإن كان ذلك النديم غير موافق فأهل الحبس أحسن حالاً مني.
وإن كان - وأعوذ بالله! - موافقاً فقد فتح الله على مالي باباً من التلف لأنه حينئذ يسير في مالي كسيري في مال من هو وإذا علم الصديق أن عندي داذياً أو نبيذاً دق الباب دق المدل.
فإن حجبناه فبلاء وإن أدخلناه فشقاء.
وإن بدا لي في استحسان حديث الناس كما يستحسن مني من أكون عنده فقد شاركت المسرفين وفارقت إخواني من المصلحين وصرت من ألوان الشياطين.
فإذا صرت كذلك فقد ذهب كسبي من مال غيري وصار غيري يكتسب مني.
وأنا لو ابتليت بأحدهما لم أقم له فكيف إذا ابتليت بأن أعطي ولا آخذ! أعوذ بالله من الخذلان بعد العصمة ومن الحور بعد الكور! لو كان هذا في الحداثة كان أهون.
هذا الدوشاب دسيس من الحرفة وكيد من الشيطان وخدعة من الحسود! وهو الحلاوة التي تعقب المرارة! ما أخوفني أن يكون أبو سليمان قد مل منادمتي فهو يحتال لي الحيل! وكنا مرة في موضع حشمة وفي جماعة كثيرة والقوم سكوت والمجلس كبير وهو بعيد المكان مني.
وأقبل على المكي وقال والقوم يسمعون فقال: يا أبا عثمان من أبخل أصحابنا قلت: أبو الهذيل.
قال: ثم من قلت: صاحب لنا لا أسميه.
قال الحزامي من بعيد: إنما يعنيني! ثم قال: حسدتم للمقتصدين تدبيرهم ونماء أموالهم ودوام نعمتهم.
فالتمستم تهجينهم بهذا اللقب وأدخلتم المكر عليهم بهذا النبز.
تظلمون المتلف لماله باسم الجود إدارة له عن شينه وتظلمون المصلح لماله باسم البخل حسدا منكم لنعمته.
فلا المفسد ينجو ولا المصلح يسلم.
فتكلم يوماً فما زال يدخل كلاماً في كلام حتى أدخل الاعتذار من ذلك في عرض كلامه.
فكان مما احتج به في شدة رؤية الأكيل عليه وفي نفوره منه أن قال: نظر خالد المهزول في الجاهلية يوماً إلى ناس يأكلون وإلى إبل تجتر.
فقال لأصحابه: أتروني بمثل هذه العين التي أرى بها الناس والإبل قالوا: نعم.
فحلف بإلهه ألا يأكل بقلاً وإن مات هزالاً.
وكان يغتذى اللبن ويصيب من الشراب.
فأضمره ذلك وأيبسه.
فلما دق جسمه واشتد هزاله سمي المهزول.
ثم قال خالد: هأنذا مبتلي بالمضغ ومحمول على تحريك اللحيين ومضطر إلى مناسبة البهائم ومحتمل ما في ذلك من السخف والعجز.
ما أبالي! احتمله فيمن ليس لي منه بد ولي عنه مذهب.
ليأكل كل امرئ في منزله وفي موضع أمنه وأنسه ودون ستره وبابه.
هذا ما بلغنا عن خالد بن عبد الله القسري واحتجاجه.
فأما خالد المهزول فهو أحد الخالدين.
وهما سيدا بني أسد.
وفيه وفي خالد بن نضلة يقول الأسود بن يعفر: وقبلك مات الخالدان كلاهما.
عميد بني جحوان وابن المضلل.
وقيل الحارثي بالأمس: والله إنك لتضع الطعام فتجيده وتعظم عليك النفقة وتكثر منه.
وإنك لتغالي بالخباز والطباخ والشواء والخباص ثم أنت مع هذا كله لا تشهده عدوا لتغمه ولا ولياً فتسره ولا جاهلاً لتعرفه ولا زائر لتعظمه ولا شاكراً لتثبته.
وأنت تعلم أنه حين يتنحى من بين يديك ويغيب عن عينيك فقد صار نهباً مقسماً ومتوزعاً مستهلكاً.
فلو أحضرته من ينفع شكره ويبقي على الأيام ذكره ومن يمتعك بالحديث الحسن والاستماع ومن يمتد به الأكل ويقصر به الدهر - لكان ذلك أولى بك وأشبه بالذي قدمته يدك.
وبعد فلم تبيح مصون الطعام لمن لا يحمدك ومن إن حمدك لم يحسن أن يحمدك ومن لا يفضل بين الشهي الغذى وبين الغليظ الزهم قال: يمنعني من ذلك ما قال أبو الفاتك.
قالوا: ومن أبو الفاتك قال: قاضي الفتيان.
وإني لم آكل مع أحد قط إلا رأيت منه بعض ماذمه وبعض ما شنعه وقبحه.
فشيء يقبح بالشطار فما ظنك به إذا كان في أصحابه المروءات وأهل البيوتات قالوا: فما قال أبو الفاتك قال: قال أبو فاتك: الفتى لا يكون نشافاً ولا نشالاً ولا مرسالاً ولا لكاماً ولا مصاصاً ولا نفاضاً ولا دلاكاً ولا مقوراً ولا مغربلاً ولا محلقما ولا مسوغاً ولا مبلعماً ولا مخضراً.
والله إني لأفضل الدهاقين حين عابوا الحسو وتقززوا من التعرق وبهرجوا صاحب التمشيش وحين أكلوا بالبارجين وقطعوا بالسكين ولزموا عند الطعام السكتة وتركوا الخوض واختاروا الزمزمة.
أنا والله أحتمل الضيف والضيفن ولا أحتمل اللعموظ ولا الجردبيل.
والواغل أهون على من الراشن.
ومن يشك أن الوحدة خير من جليس السوء وأن جليس السوء خير من أكيل السوء لأن كل أكيل جليس وليس كل جليس أكيلاً.
فإن كان لابد من المؤاكلة ولابد من المشاركة فمع من لا يستأثر علي بالمخ ولا ينتهز بيضة البقيلة ولا يلتهم كبد الدجاجة ولا يبادر إلى دماغ رأس السلاءة ولا يختطف كلية الجدي ولا يزدرد قانصة الكركي ولا ينتزع شاكلة الحمل ولا يقتطع سرة الشصر ولا بعرض لعيون الرءوس ولا يستولي على صدور الدجاج ولا يسابق إلى أسقاط الفراخ ولا يتناول إلا ما بين يديه ولا يلاحظ ما بين يدي غيره ولا يتشهى الغرائب ولا يمتحن الإخوان بالأمور الثمينة ولا يهتك أستار الناس: بأن يتشهى ما عسى ألا يكون موجوداً.
وكيف تصلح الدنيا وكيف يطيب العيش مع من إذا رأى جزورية التقط الأكباد والأسنمة وإذا عاين بقرية استولى على العرق والقطنة وإن أتوا بجنب شواء اكتسح كل شيء عليه لا يرحم ذا سن لضعفه ولا يرق على حدث لحدة شهوته ولا ينظر للعيال ولا يبالي كيف دارت بهم الحال - وإن كان لابد من ذلك فمع من لا يجعل نصيبه في مالي أكثر من نصيبي.
وأشد من كل ما وصفنا وأخبث من كل ما عددنا أن الطباخ ربما أتى باللون الطريف وربما قدم الشيء الغريب والعادة في مثل ذلك اللون أن يكون لطيف الشخص صغير الحجم وليس كالطفيشلية ولا كالهريسة ولا كالفجلية ولا كالكرنبية.
وربما عجل عليه فقدمه حاراً ممتنعاً.
وربما كان من جوهر بطيء الفطور وأصحابي في سهولة ازدراد الحار عليهم في طباع النعام وأنا في شدة الحار على في طباع السباع.
فإن انتظرت إلى أن يمكن أتوا على آخره.
وإن بدرت مخافة الفوت وأردت أن أشاركهم في بعضه لم آمن ضرره.
والحار ربما قتل وربما أعقم وربما أبال الدم.
ثم قال: هذا علي الأسواري أكل مع عيسى بن سلمان بن علي.
فوضعت قدامكم سمكة عجيبة فائقة السمن.
فحاط بطنها لحظة فإذا هو يكتنز شحماً وقد كان غص بلقمة وهو لمستسق ففرغ من الشراب وقد غرف من بطنها كل إنسان منهم بلقمته غرفة.
وكان عيسى ينتخب الأكلة ويختار منهم كل منهوم فيه ومفتون به.
فلما خاف على الأسواري الإخفاق وأشفق من الفوت وكان أقربهم إليه عيسى استلب من يده اللقمة بأسرع من خطفة البازي وانحدار العقاب من غير أن يكون أكل عنده قبل مرته.
فقيل له: ويحك! استلبت لقمة الأمير من يده وقد رفعها غليه وشحا لها فاه من غير مؤانسة ولا ممازحة سالفة!.
قال: لم يكن الأمر كذلك.
وكذب من قال ذلك! ولكنا أهوينا أيدينا معاً فوقعت يدي في مقدم الشحمة ووقعت يده في مؤخر الشحمة معاً والشحم ملتبس بالأمعاء.
فلما رفعنا أيدينا معاً كنت أنا أسرع حركة وكانت الأمعاء متصلة غير متباينة.
فتحول كل شيء كلن في لقمته بتلك الجذبة إلى لقمتي لاتصال الجنس والجوهر بالجوهر.
وأنا كيف أؤاكل أقواماً يصنعون هذا الصنيع ثم يحتجون له بمثل هذه الحجج ثم قال: إنكم تشيرون علي بملابسة شرار الخلق وأنذال الناس وبكل عياب متعتب ووثاب على أعراض الناس متسرع.
وهؤلاء لم يرضوا إلا أن يدعوهم الناس ولا يدعوا الناس وأن يأكلوا ولا يطعموا وأن يتحدثوا عن غيرهم ولا يبالون أن يتحدث عنهم وهم شرار الناس.
ثم قال: أجلس معاوية وهو في مرتبة الحلافة وفي السطح من قريش وفي نبل الهمة وإصابة الرأي وجودة البيان وكمال الجسم وفي تمام النفس عند الجولة وعند تقصف الرماح وتقطع السيوف - رجلاً على مائدته مجهول الدار غير معروف النسب ولا مذكور بيوم صالح.
فأبصر في لقمته شعرة فقال: خذ الشعرة من لقمتك.
ولا وجه لهذا القول إلا محض النصيحة والشفقة.
فقال الرجل: وإنك لتراعيني مراعاة من يبصر معها الشعرة! لا جلست لك على مائدة ما حييت ولا حكيتها عنك ما بقيت! فلم يدر الناس أي أمري معاوية كان أحسن وأجمل: تغافله عنه أم شفقته عليه فكان هذا جزاءه منه وشكره له.
ثم قال: وكيف أطعم من إن رأيته يقصر في الأكل فقلت له: كل ولا تقصر في الأكل قال: يفطن لفضل ما بين التقصير وغيره! وإن قصر فلم أنشطه ولم أحثه قال: لولا أنه وافق هواه! ثم قال: ومد رجل من بني تميم يده إلى صاحب الشراب يستسقيه وهو على خوان المهلب فلم يره الساقي فلم يفطن له.
ففعل ذلك مراراً والمهلب يراه وقد أمسك عن الأكل إلى أن يسيغ لقمته بالشراب.
فلما طال ذلك على المهلب قال: اسقه يا غلام ما أحب من الشراب.
فلما سقاه استقله وطلب الزيادة منه.
وكان المهلب أوصاهم بالإقلال من الماء والإكثار من الخبز.
قال التميمي: إنك لسريع إلى السقي سريع إلى الزيادة! وحبس يده عن الطعام.
فقال المهلب: أله عن هذا إليها الرجل فإن هذا لا ينفعك ولا يضرنا! أردنا أمراً وأردت خلافه.
ثم قال: وفي الجارود بن أبي سبرة لكم واعظ وفي أبي الحارث جمين زاجر فقد كانا يدعيان إلى الطعام وإلى الإكرام لظرفهما وحلاوتهما وحسن حديثهما وقصر يومهما.
وكانا يتشهيان الغرائب ويقترحان الطرائف ويكلفان الناس المؤن الثقال ويمتحنان ما عندهم بالكلف الشداد.
فكان جزاؤهم من إحسانهم ما قد علمتم.
قال: ومن ذلك أن بلال بن أبي بردة كان رجلاً عياباً وكان إلى أعراض الأشراف متسرعاً.
فقال للجارود: كيف طعام عبد الله بن أبي عثمان قال: يعرف وينكر.
قال: فكيف هو عليه قال يلاحظ اللقم وينتهر السائل.
قال: فكيف طعام سلم بن قتيبة قال: طعام ثلاثة وإن كانوا أربعة جاعوا.
قال: فكيف طعام تسنيم بن الحواري قال: نقط العروس.
قال: فكيف طعام المنجاب بن أبي عيينة قال: يقول: لا خير في ثلاث أصابع في صفحة - حتى أتى على عامة أهل البصرة وعلى من كان يؤثره بالدعوة وبالأنسة والخاصة ويحكمه في ماله.
فلم ينج منه إلا من كان يبعده كما لم يبتل به إلا من كان يقربه! وهذا أبو شعيب القلال في تقريب موبس له وأنسه به وفي إحسانه إليه مع سخائه على المأكول وغض طرفه عن الأكيل وقلة مبالاته بالحفظ وقلة احتفاله بجمع الكثير - سئل عنه أبو شعيب فزعم أنه لم ير قط أشح منه على الطعام.
قيل: وكيف قال: يدلك على ذلك أنه يصنعه صنعة ويهيئه تهيئة من لا يريد أن يمس فضلاً على غير ذلك! وكيف يجترئ الضرس على إفساد ذلك الحسن ونقض ذلك النظم وعلى تفريق ذلك التأليف! وقد علم أن حسنه يحشم وأن جماله يهيب منه.
فلو كان سخياً لم يمنع منه بهذا السلاح ولم يجعل دونه الجنن.
فحول إحسانه إساءة وبذله منعاً واستدعاءه إليه نهياً.
قال: ثم قيل لأبي الحارث جمين: كيف وجه محمد بن يحيى على غدائه قال: أما عيناه فعينا مجنون! وقال فيه أيضاً: لو كان في كفه كر خردل ثم لعب الأبلى بالأكرة لما سقطت من بين أصابعه حبة واحدة! وقيل له أيضاً: فكيف سخاؤه على الخبز خاصة قال: والله لو ألقي إليه من الطعام بقدر ما إذا حبس نزف السحاب ما تجافي عن الرغيف! وكان أبو نواس يرتعي على خوان إسماعيل بن نيبخت كما ترتعي الإبل في الحمض بعد طول الخلة! ثم كان جزاؤه منه أنه قال: خبز إسماعيل كالوش ي إذا ما شق يرفي وقال: وكان أبو الشمقمق يعيب في طعام جعفر بن أبي زهير وكان له ضيفاً.
وهو مع ذلك يقول: رأيت الخبز عز لديك حتى حسبت الخبز في جو السحاب.
وما روحتنا لتذب عنا ولكن خفت مرزئة الذباب.
وقيل للجماز: رأيناك في دهليز فلان وبين يديك قصعة وأنت تأكل.
فمن أي شيء كانت القصعة وأي شيء كان فيها قال: قيء كلب في قحف خنزير! وقيل لرجل من العرب قد نزلت بجميع الفبائل فكيف رأيت خذاعة قال: جوع وأحاديث.
ونزل عمرو بن معد يكرب برجل من بني المغيرة وهم أكثر قريش طعاماً.
فأتاه بما حضر.
وقد كان فيما أتاه به فضل.
فقال لعمر بن الخطاب وهم أخواله: لئام بني المغيرة يا أمير المؤمنين! قال: وكيف قال نزلت بهم فما قروني غير قرنين وكعب ثور.
قال عمر: إن ذلك لشبعة.
وكم رأينا من الأعراب من نزل برب صرمة فأتاه بلبن وتمر وحيس وخبز وسمن سلاء.
فبات ليلته ثم أصبح يهجوه: كيف لم ينحر له - وهو لا يعرف - بعيراً من ذوده أو من صرمته! ولو نحر هذا البأس لكل كلب مر به بعيراً من مخافة لسانه لما دار الأسبوع إلا وهو يتعرض للسابلة يتكفف الناس ويسألهم العلق! وسأل زياد عن رجل من أصحابه فقيل: إنه لملازم وما يغب غداء الأمير.
فقال زياد: فليغبه فإن ذلك مما يضر بالعيال.
فألزموه الغب.
فعابوا زياداً بذلك.
وزعموا أنه استثقل حضوره في كل يوم وأراد أن يزجر به غيره فيسقط عن نفسه وعن ماله مؤنة عظيمة.
وإنما كان ذلك من زياد على جهة النظر للعيالات وكما ينظر الراعي للرعية وعلى مذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
" وقد قال الحسن: تشبه زياد بعمر فأفرط وتشبه الحجاج بزياد فأهلك الناس " - فجعلتم ذلك عنتاً منه.
وقال يوسف بن عمر لقوام موائده: أعظموا الثريدة فإنها لقمة الدرداء: فقد يحضر طعامكم الشيخ الذي قد ذهب فمه والصبي الذي لم ينبت فمه.
وأطعموه ما تعرقون فإنه أنجع وأشفى للقوم.
فقلتم: إنما أراد العجلة والراحة بسرعة الفراغ وأن يكيدهم بالثريد ويملأ صدورهم بالعراق.
وقد قال رسول الله ﷺ: سيد الطعام الثريد ومثل عائشة في النساء مثل الثريد في الطعام وليعظم صنعة الثريد في أعين قريش سموا عمرو بن عبد مناف حتى غلب عليه الاسم المشتق له من ذلك.
وقال عوف بن القعقاع لمولاه: اتخذ لنا طعاماً يشبع فضله أهل الموسم.
قلتم: فلما رأى الخبز الرقاق والغلاظ والشواء والألوان واستطراف الناس للون بعد اللون ودوام أكلهم لدوام الطرف وأن ذلك لو كان لوناً واحداً لكان اقل لأكلهم قال: فهلا فعلته طعام يد ولم تجعله طعام يدين! فقلتم: اتسع ثم ضاق حين أراد إطعامهم الثريد والحيس وكل ما يؤكل بيد دون يدين.
والقعقاع عربي كره لمولاه أن يرغب عن طعام العرب إلى طعام العجم.
وأراد دوام قومه على مثل ما كانوا عليه وعلى أن الثروة تفنخهم وتفسدهم وأن الذي فتح عليهم من باب الترفه أشد عليهم مما غلق عليهم من باب فضول اللذة.
وقد فعل عمر من جهة التأدب أكثر من ذلك حين دعى إلى عرس فرأى قدراً صفراء وأخرى حمراء وواحدة مرة وأخرى حلوة وواحدة محمضة.
فكازها كلها في قدر عظيمة وقال إن العرب إذا أكلت هذا قتل بعضها بعضاً.
تفسير كلام أبي فاتك: أما قوله: الفتى لا يكون نشالاً فالنشال عنده الذي يتناول من القدر ويأكل قبل النضج وقبل أن تنزل القدر ويتتام القوم.
والنشاف: الذي يأخذ حرف الجردقة فيفتحه ثم يغمسه في رأس القدر ويشربه الدسم يستأثر بذلك دون أصحابه.
والمرسال: رجلان: أحدهما إذا وضع في لقمة هريسة أو ثريدة أو حيسة أو أرزة أرسلها في جوف حلقه إرسالاً.
والرجل الآخر: هو الذي إذا مشى في أشب من فسيل أو شجر قبض على رأسه السعفة أو على راس الغصن لينحيها عن وجهه.
وإذا قضى وطره أرسلها من يده.
فهي لا محالة تصك وجه صاحبه الذي يتلوه لا يحفل بذلك ولا يعرف ما فيه.
وأما اللكام: فالذي في فيه اللقمة ثم يلكمها بأخرى قبل إجادة مضغها أو ابتلاعها.
والمصاص الذي بمص جوف قصبة العظم بعد أن استخرج مخه واستأثر به دون أصحابه.
وأما النفاض: فالذي إذا فرغ من غسل يده في الطست نفض يديه من الماء فنضح على أصحابه.
وأما الدلاك: فالذي لا يجيد تنقية يديه بالأشنان ويجيد دلكهما بالمنديل.
وله أيضاً تفسير آخر - وليس هو الذي نظنه - وهو مليح.
وسيقع في موضعه إن شاء الله.
والمقور: الذي يقور الجرادق.
والمغربل: الذي يأخذ وعاء الملح فيديره غدارة الغربال ليجمع أبازيره يستأثر به دون والمحلقم: الذي يتكلم واللقمة قد بلغت حلقومه.
نقول لهذا: قبيح! دع الكلام إلى وقت إمكانه.
والمسوغ: الذي يعظم اللقم فلا يزال قد غص ولا يزال يسيغه بالماء.
والمبلعم: الذي يأخذ حروف الرغيف أو يغمز ظهر التمرة بإبهامه ليحملا له من الزبد والسمن ومن اللبإ واللبن ومن البيض النيم برشت أكثر.
والمخضر: الذي يدلك يده بالأشنان من الغمر والودك حتى إذا اخضر وأسود من الدرن دلك به شفته.
هذا تفسير ما ذكر الحارثي من كلام أبي فاتك.
فأما ما ذكره هو فإن اللطاع: معروف وهو الذي يلطع إصبعه ثم يعيدها في مرق القوم أو لبنهم أو سويقهم وما أشبه ذلك.
والقطاع: الذي يعض على اللقمة فيقطع نصفها ثم يغمس النصف الآخر في الصباغ.
والنهاش: وهو معروف.
وهو الذي ينهش اللحم كما ينهش السبع.
والمداد: الذي ربما عض على العصب التي لم تنضج وهو يمدها بفيه ويده توترها له.
فربما قطعها بنترة فيكون لها انتضاح على ثوب المؤاكل.
وهو الذي إذا أكل مع أصحابه الرطب أو والدفاع: الذي إذا وقع في القصعة عظم فصار مما يليه نحاه بلقمته من الخبز حتى تصير مكانه قطعة من لحم وهو في ذلك كأنه يطلب بلقمته تشريب المرق دون إراغة اللحم.
والمحول: هو الذي إذا رأى كثرة النوى بين يديه احتال له حتى يخلطه بنوى صاحه.
وأما ما ذكره من الضيف والضيفن فإن الضيفن ضيف الضيف.
وأنشد أبو زيد: إذا جاء ضيف جاء للضيف ضيفن فأودى بما يقرى الضيوف الضيافن وأما قوله: الواغل أهون علي من الراشن فإنه يزعم أن طفيلي الشراب أهون علي من طفيلي الطعام.
وقول الناس: فلا طفيلي ليس من أصول كلام العرب: ليس كالرأشن واللعموظ.
وأهل مكة يسمونه البرقي.
وكان بالكوفة رجل من بني عبد الله بن غطفان يسمى طفيلاً.
كان أبعد الناس نجعة في طلب الولائم والأعراس.
فقيل له لذلك: طفيل العرائس وصار ذلك نبزاً له ولقباً لا يعرف بغيره.
فصار كل من كانت تلك طعمته يقال له: طفيلي.
هذا من قول أبي اليقظان.
ثم قال الحارثي: وأعجب من كل عجب وأطرف من كل طريف أنكم تشيرون علي بإطعام الأكلة ودفعي إلى الناس مالي وأنتم أترك لهذا مني.
فإن زعمتم أني أكثر مالاً وأعد عدة فليس من حالي وحالكم في التقارب أن أطعم أبداً وأنتم تأكلون أبداً.
فإذا أتيتم في أموالكم من البدل والإطعام على قدر احتمالكم عرفت بذلك أن الخير أردتم وإلى تربيي ذهبتم.
وإلا فإنكم إنما تحلبون حلباً لكم شطره.
بل أنتم كما قال الشاعر: يحب الخور من مال الندامى ويكره أن يفارقه الفلوس ثم قال: والله إني لو لم أترك مؤاكلة الناس وإطعامهم إلا لسوء رعة على الأسواري لتركته.
وما ظنكم برجل نهش بضعة لحم تعرقاً فبلغ ضرسه وهو لا يعلم! فعل ذلك عند إبراهيم بن الخطاب مولى سليمان.
وكان إذا أكل ذهب عقله وجحظت عينه وسكر وسدر وانبهر وتربد وجهه وعصب ولم يسمع ولم يبصر! فلما رأيت ما يعتريه وما يعتري الطعام منه صرت لا آذن له إلا ونحن نأكل التمر والجوز والباقلى.
ولم يفجأني قط وأنا آكل تمراً إلا استفه سفاً وحساه حسواً وذرابه ذرواً ولا وجده كثيراً إلا تناول القصعة كجمجمة الثور ثم يأخذ بحضنيها ويقلها من الأرض! ثم لا يزال ينهشها طولاً وعرضاً ورفعاً وخفضاً حتى يأتي عليها جميعاً! ثم لا يقع غضبه إلا على الأنصاف والأتلاف! ولم يفصل تمرة قط من تمرة.
وكان صاحب جمل ولم يكن يرضى بالتفاريق ولا رمى بنواة قط ولا نزع قمعاً ولا نفى عنه قشراً ولا نتشه مخافة السوس والدود! ثم ما رأيته قط إلا وكأنه طالب ثأر وشحشحان صاحب طائلة! وكأنه عاشق مغتلم أو جائع مقرور! والله يا إخوتي لو رأيت رجلاً يفسد طين الردغة ويضيع ماء البحر لصرفت عنه وجهي! فإذا كان أصحاب النظر وأهل الديانة والفلسفة هذه سيرتهم وهكذا أدبهم فما ظنكم بمن لا يعد ما يعدون ولا يبلغ من الأدب حيث يبلغون! قصة الكندي: حدثني عمرو بن نهيوي قال: كان الكندي لا يزال يقول للساكن وربما قال للجار: إن في الدار امرأة حمل.
والوحمى ربما أسقطت من ريح القدر الطيبة! فإذا طبختم فردوا شهوتها ولو بغرفة أو لعقة فإن النفس يردها اليسير! فإن لم تفعل ذلك بعد إعلامي إياك فكفارتك - إن قال: فكان ربما يوافى إلى منزله من قصاع السكان والجيران ما يكفيه الأيام وإن كان أكثرهم يفطن ويتغافل.
وكان الكندي يقول لعياله: أنتم أحسن حالاً من أرباب هذه الضياع: إنما لكل بيت منهم لون واحد.
وعندكم ألوان! قال: وكنت أتغدى عنده يوماً إذ دخل عليه جار له.
وكان الجار لي صديقاً.
فلم يعرض عليه الغداء.
فاستحييت أنا منه.
فقلت: لو أصبت معنا مما نأكل! قال: قد والله فعلت.
قال الكندي: ما بعد الله شيء! قال: فكتفه والله - يا أبا عثمان - كتفاً لا يستطيع معه قبضاً ولا بسطاً وتركه! ولو أكل لشهد عليه بالكفر ولكان عنده قد جعل مع الله شيئاً! قال عمرو: بينا أنا ذات يوم عنده إذ سمع صوت انقلاب جرة من الدار الأخرى.
فصاح: أي قصاف! فقالت مجيبة له: بئر وحياتك! فكانت الجارية في الذكاء أكثر منه في الاستقصاء.
قال معبد: نزلنا دار الكندي أكثر من سنة نروج له الكراء ونقضي له الحوائج ونفى له بالشرط.
قلت: قد فهمت ترويج الكراء وقضاء الحوائج فما معنى الوفاء بالشرط قال: في شرطه على السكان أن يكون له روث الدابة وبعر الشاة ونشوار العلوفة وألا يخرجوا عظماً ولا يخرجوا كساحة وأن يكون له نوى التمر وقشور الرمان والغرفة من كل قدر تطبخ للحبلى وكان في ذلك يتنزل عليهم.
فكانوا لطيبه وإفراط بخله وحسن حديثه يحتملون ذلك.
قال معبد: فبينا أنا كذلك إذ قدم ابن عم لي ومعه ابن له إذا رقعة منه قد جاءتني: " إن كان مقام هذين القادمين ليلة أو ليلتين احتملنا ذلك وإن كان إطماع السكان في الليلة الواحدة يجر علينا الطمع في الليالي الكثيرة ".
فكتبت إليه: " ليس مقامهما عندنا إلا شهراً أو نحوه ".
فكتب إلى: " إن دارك بثلاثين درهماً.
وأنتم ستة لكل رأس خمسة.
فإذ قد زدت رجلين فلابد من زيادة خمستين.
فالدار عليك من يومك هذا بأربعين! ".
فكتبت إليه: " وما يضرك من مقامهما وثقل أبدانهما على الأرض التي تحمل الجبال وثقل مؤنتهما على دونك فاكتب إلي بعذرك لأعرفه ".
ولم أدر أني أهجم على ما هجمت وأني أقع منه فيما وقعت! فكتب إلي: " الخصال التي تدعوا إلى ذلك كثيرة.
وهي قائمة معروفة: من ذلك سرعة امتلاء البالوعة وما تنقيتها من شدة المؤنة.
ومن ذلك أن الأقدام إذا كثرت كثر المشي على ظهور السطوح الطينة وعلى أرض البيوت المجصصة والصعود على الدرج الكثيرة: فينقشر لذلك الطين وينقلع الجص وينكسر العتب مع انثناء الأجذاع لكثرة الوطء وتكسرها لفرط " وإذا كثر الدخول والخروج والفتح والإغلاق والإقفال وجذب الأقفال تهشمت الأبواب وتقلعت الرزات ".
" وإذا كثر الصبيان وتضاعف البوش نزعت مسامير الأبواب وقلعت كل ضبة ونزعت كل رزة وكسرت كل جوزة وحفر فيها آبار الددن وهشموا بلاطها بالمداحي.
هذا مع تخريب الحيطان بالأوتاد وخشب الرفوف ".
" وإذا كثر العيال والزوار والضيفان والندماء احتيج من صب الماء واتخاذ الحببة القاطرة والجرار الراشحة إلى أضعاف ما كانوا عليه.
فكم من حائط قد تأكل أسفله وتناثر أعلاه واسترخى أساسه وتداعى بنيانه من قطر حب ورشح جر ومن فضل ماء البئر ومن سوء التدبير ".
" وعلى قدر كثرتهم يحتاجون من الخبيز والطبيخ ومن الوقود والتسخين.
والنار لا تبقي ولا تذر.
وإنما الدور حطب لها.
وكل شيء فيها من متاع فهو أكل لها.
فكم من حريق قد أتى على أصل الغلة فكلفتم أهلها أغلظ النفقة.
وربما كان ذلك عند غاية العسرة وشدة الحال.
وربما تعدت تلك الجناية إلى دور الجيران وإلى مجاورة الأبدان والأموال ".
" فلو ترك الناس حينئذ رب الدار وقدر بليته ومقدار مصيبته لكان عسى ذلك أن يكون " نعم ثم يتخذون المطابخ في العلالي على ظهور السطوح وإن كان في أرض الدار فضل وفي صحنها متسع مع ما في ذلك من الخطار بالأنفس والتغرير بالأموال وتعرض الحرم ليلة الحريق لأهل الفساد وهجومهم مع ذلك على سر مكتوم وخبئ مستور من ضيف مستخف ورب دار متوار ومن شراب مكروه ومن كتاب متهم ومن مال جم أريد دفنه فأعجل الحريق أهله عن ذلك فيه ومن حالات كثيرة وأمور لا يحب الناس أن يعرفوا بها ".
" ثم لا ينصبون التنانير ولا يمكنون للقدور إلا على متن السطح حيث ليس بينها وبين القصب والخشب إلا الطين الرقيق والشيء لا يقي.
هذا مع خفة المؤنة في أحكامها وأمن القلوب من المتالف بسببها ".
" فإن كنتم تقدمون على ذلك منا ومنكم وأنتم ذاكرون فهذا عجب! وإن كنتم لم تحفلوا بما عليكم في أموالنا ونسيتم ما عليكم في أموالكم فهذا أعجب! ".
" ثم إن كثيراً منكم يدافع بالكراء ويماطل بالأداء.
حتى إذا جمعت أشهر عليه فر وخلى أربابها جياعاً يتندمون على ما كان من حسن تقاضيهم وإحسانهم.
فكان جزاؤهم وشكرهم اقتطاع حقوقهم والذهاب بأقواتهم ".
" ويسكنها الساكن حين يسكنها وقد كسحناها ونظفناها لتحسن في عين المستأجر وليرغب " ثم لا يدع مترساً إلا سرقه ولا سلماً إلا حمله ولا نقصاً إلا أخذه ولا برادة إلا مضى بها معه.
ولا يدع دق الثوب والدق في الهاون والميجان في أرض الدار ".
" ويدق على الأجذاع والحواضن والرواشن ".
" وإن كانت الدار مقرمدة أبو بالأجر مفروشة وقد كان صاحبها جعل في ناحية منها صخرة ليكون الدق عليها ولتكون واقية دونها دعاهم التهاون والقسوة والغش والفسولة إلى أن يدقوا حيث جلسوا وإلى ألا يحفلوا بما أفسدوا! لم يعط قط لذلك أرشاً ولا استحل صاحب الدار ولا استغفر الله منه في السر! " " ثم يستكثر من نفسه في السنة إخراج عشرة دراهم ولا يستكثر من رب الدار ألف دينار في الشراء.
يذكر ما يصير إلينا مع قلته ولا يذكر ما يصير إليه مع كثرته! " " هذا والأيام التي تنقض المبرم وتبلى الجدة وتفرق الجميع المجتمع عاملة في الدور كما تعمل في الصخور وتأخذ من المنازل كما تأخذ من كل رطب ويابس وكما تجعل الرطب يابساً هشيماً والهشيم مضمحلاً ".
" ولا نهدام المنازل غاية قريبة ومدة قصيرة.
والساكن فيها هو كان المتمتع بها والمنتفع بمرافقها.
وهو الذي أبلى جدتها وتحلاها.
وبه هرمت وذهب عمرها لسوء تدبيره ".
" فإذا قسمنا الغرم عند انهدامها بإعادتها وبعد ابتنائها وغرم ما بين ذلك من مرمتها وإصلاحها ثم قابلنا بذلك ما أخذنا من غلاتها وارتفقنا به من إكرائها خرج على المسكن من الخسران بقدر ما حصل للساكن من الربح.
إلا أن الدراهم التي أخرجناها من النفقة كانت جملة والتي أخذناها على جهة الغلة جاءت مقطعة ".
" وهذا مع سوء القضاء والإحواج إلى طول الاقتضاء ومع بغض الساكن للمسكن وحب المسكن للساكن لأن المسكن يحب صحة بدن الساكن ونفاق سوقه إن كان تاجراً وتحرك صناعته إن كان صانعاً ومحبة الساكن أن يشغل الله عنه المسكن كيف شاء: إن شاء شغله بعينه وإن شاء بزمانه وإن شاء بحبس وإن شاء بموت! " " ومدار مناه أن يشغل عنه.
ثم لا يبالي كيف كان ذلك الشغل! إلا أنه كلما كان أشد كان أحب إليه وكان أجدر أن يأمن وأخلق لأن يسكن.
وعلى أنه إن فترت سوقه أو كسدت صناعته ألح في طلب التخفيف من أصل الغلة والحطيطة مما حصل عليه من الأجرة.
وعلى أنه إن أتاه الله بالأرباح في تجارته والنفاق في صناعته لم ير أن يزيد قيراطاً في ضريبته ولا أن يعجل فلساً قبل وقته ".
" ثم إن كانت الغلة صحاحاً دفع أكثرها مقطعة.
وإن كانت أنصافاً وأرباعاً دفعها قراضة مفتتة.
ثم لا يدع مزأبقاً ولا مكحلاً ولا زائفاً ولا ديناراً بهرجاً إلا دسه فيه ودلسه عليه واحتال بكل حيلة وتأتي له بكل سبب.
فإن ردوا عليه بعد ذلك شيئاً حلف بالغموس إنه ليس من دراهمه ولا من ماله ولا رآه قط ولا كان في ملكه ".
" فإن كان الرسول جارية رب الدار أفسدها.
وإن كان غلاماً خدعه.
هذا مع الإشراف على الجيران والتعرض للجارات ومع اصطياد طيورهم وتعريضنا لشكايتهم! " " وربما استضعف عقولهم وطمع في فسادهم وغبنهم.
فلا يزال يضرب لهم بالأسلاف ويغريهم بالشهوات ويفتح لهم أبواباً من النفقات ليغبنهم ويربح عليهم.
حتى إذا استوثق منهم أعجلهم وحزق بهم حتى يتقوه ببيع بعض الدار أو باسترهان الجميع ليربح مع الذهاب بالأصل السلامة - مع طول مقامه - من الكراء.
وربما جعله بيعاً في الظاهر ورهناً في الباطن.
فحينئذ يفظ بهم دون المهلة ويدعيها قبل الوقت! " " وربما بلغ من استضعافه واستثقاله لأداء الكراء أن يدعي أن له شقيصاً وأن له يداً ليصير خصماً من الخصوم ومنازعاً غير غاصب ".
" وربما اكترى المنزل وفيه مرمة فاشترى بعض ما يصلحها.
ثم يتوخى عاملاً جيد الكسوة وجيراناً آنية وآلة.
فإذا شغل العامل وغفل اشتمل على كل ما قدر عليه وتركهم يتسكعون! " " وربما استأجر إلى جنبسجن لينقب أهله إليه وإلى جنب صراف لينقب عليه طلباً لطول المهلة والستر ولطول المدة والأمن ".
وربما جنى الساكن ما يدعو إلى هدم دار المسكن: بأن يقتل قتيلاً أو يجرح شريفاً.
فيأتي السلطان الدار وأربابها إما غيب وإما أيتام وإما ضعفاء فلا يصنع شيئاً دون أن يسويها بالأرض! " " وبعد فالدور ملقاة وأربابها منكوبون وملقون.
وهم أشد الناس اغتراراً بالناس وأبعدهم غاية من سلامة الصدور.
وذلك أن من دفع داره ونقضها وساجها وأبوابها مع حديدها وذهب سقوفها إلى مجهول لا يعرف فقد وضعها في مواضع الغرر وعلى أعظم الخطر.
وقد صار في معنى المودع وصار المكتري في موضع المودع.
ثم ليست الخيانة وسوء الولاية إلى شيء من الودائع أسرع منها إلى الدور ".
" وأيضاً إن أصلح السكان حالاً من إذا وجد في الدار مرمة ففوضوا إليه النفقة وأن يكون ذلك محسوباً له عند الأهلة يشفف في البناء ويزيد في الحساب ".
" فما ظنك بقزم هؤلاء أصلحهم وهم خيارهم! " " وأنتم أيضاً إنما اكتريتم مستغلات غيرنا بأكثر مما اكتريتموها مناً.
فسيروا فينا كسيرتكم فيهم " وربما بنيتم في الأرض.
فإذا صار البناء بنيانكم وإن كانت الأرض لغيركم ادعيتم الشركة وجعلتموه كالإجارة وحتى تصيروه كتلاد مال أو موروث سلف ".
" وجرم آخر: وهو أنكم أهلكتم أصول أموالنا وأخربتم غلاتنا وحططتم بسوء معاملتكم أثمان دورنا ومستغلاتنا حتى سقطت غلات الدور من أعين المياسير وأهل الثروة ومن أعين العوام والحشوة وحتى يدافعوكم بكل حيلة وصرفوا أموالهم في كل وجه وحتى قال عبيد الله بن الحسن قولاً أرسله مثلاً وعاد علينا حجة وضرراً.
وذلك أنه قال: غلة الدار مسكة وغلة النخل كفاف.
وإنما الغلة غلة الزرع والنسولتين ".
" وإنما جر ذلك علينا حسن اقتضائنا وصبرنا على سوء قضائكم وأنتم تقطعونها علينا وهي عليكم مجملة وتلووننا بها وهي عليكم حالة.
فصارت لذلك غلات الدور - وإن كانت أكثر ثمناً ودخلاً - أقل ثمناً وأخبث أصلاً من سائر الغلات ".
" وأنتم شر علينا من الهند والروم ومن الترك والديلم إذ كنتم أحضر أذى وأدوم شراً ".
" ثم كانت هذه صفتكم وحليتكم ومعاملتكم في شيء لابد لكم منه فكيف كنتم لو امتحنكم بما لكم عنه مندوحة والوجوه لكم فيه معرضة وأنتم فيها بالخيار وليس عليكم طريق الاضطرار " " وهذا مع قولكم: إن نزول دور الكراء أصوب من نزول دور الشراء.
وقلتم: لأن صاحب الشراء قد أغلق رهنه وأشرط نفسه وصار بها ممتحناً وبثمنها مرتهناً ".
" ومن اتخذ داراً فقد أقام كفيلاً لا يخفر وزعيماً لا يغرم.
وإن غاب عنها حن إليها.
وإن أقام فيها ألزمته المؤن وعرضته للفتن إن أساءوا جواره وأنكر مكانه وبعد مصلاه ومات عنه سوقه وتفاوتت حوائجه ورأى أنه قد أخطأ في اختيارها على سواها وأنه لم يوفق لرشده حين آثرها على غيرها.
وإن من كان كذلك فهو عبد داره وخول جاره ".
" وإن صاحب الكراء الخيار في يده والأمر إليه: فكل دار هي له متنزه إن شاء ومتجر إن شاء ومسكن إن شاء.
لم يحتمل فيها اليسير من الذل ولا القليل من الضيم ولا يعرف الهوان ولا يسام الخسف ولا يحترس من الحساد ولا يداري المتعللين ".
" وصاحب الشراء يجرع المرار ويسقى بكأس الغيظ ويكد لطلب الحوائج ويحتمل الذلة وإن كان ذا أنفة.
إن عفا عفا على كظم.
ولا يوجه ذلك منه إلا إلى العجز.
وإن رام المكافأة تعرض لأكثر مما أنكره.
قال رسول الله ﷺ: (الجار قبل الدار والرفيق قبل الطريق ).
" وزعمتم أن تسقط الكراء أهون إذ كان شيئاً بعد شيء وأن الشدائد إذا وقعت جملة " ومال الشراء يخرج جملة وثلمته في المال واسعة وطعنته نافذة.
ليس كل خرق يرقع ولا كل خارج يرجع ".
" وأنه قد أمن من الحرق والغرق وميل أسطون وانقصاف سهم واسترخاء أساس وسقوط سترة وسوء جوار وحسد مشاكل ".
" وإنه إما لا يزال في بلاء وإما أن يكون متوقعاً لبلاء ".
" وقلتم: إن كان تاجراً فتصريف ثمن الدار في وجوه التجارات أربح وتحويله في أصناف البياعات أكيس.
وإن لم يكن تاجراً ففيما وصفناه له ناه وفيما عددنا له زاجر ".
" فلم يمنعكم حرمة المساكنة وحق المجاورة والحاجة إلى السكنى وموافقة المنزل أن أشرتم على الناس بترك الشراء! وفي كساد الدور فساد لأثمان الدور وجراءة للمستأجر واستحطاط من الغلة وخسران في أصل المال ".
" وزعمتم أنكم قد أحسنتم إلينا حين حثثتم الناس على الكراء لما في ذلك من الرخاء والنماء! فأنتم لم تريدوا نفعنا بترغيبهم في الكراء بل إنما أردتم أن تضرونا بتزهيدكم في الشراء! " " وليس ينبغي أن يحكم على كل قوم إلا بسبيلهم وبالذي يغلب عليهم من أعمالهم.
فهذه الخصال المذمومة كلها فيكم وكلها حجة عليكم وكلها داعية تهمتكم وأخذ الحذر منكم.
وليست لكم خصلة محمودة ولا خلة فيما بيننا وبينكم مرضية! " " وقد أريناكم أن كم النازلين كحكم المقيمين وأن كل زيادة فلها نصيب من الغلة ".
" ولو تغافلت لك - يا أخا أهل البصرة - عن زيادة رجلين لم أبعدك - على قدر ما رأيت منك - أن تلزمني ذلك - فيما يتبين - حتى يصير كراء الواحد ككراء الألف وتصير الإقامة كالظعن والتفريغ كالشغل! " " وعلى أني لو كنت أمسكت عن تقاضيك وتغافلت عن تعريفك ما عليك لذهب الإحسان إليك باطلاً إذ كنت لا ترى للزيادة قدراً ".
" وقد قال الأول: والكفر مخبثة لنفس المنعم.
وقال الآخر: تبدلت بالمعروف نكراً وربما تنكر للمعروف من كان يكفر ".
" أنت تطالبني ببغض المعتزلة للشيعة وبما بين أهل الكوفة والبصرة وبالعداوة التي بين أسد وكندة وبما في قلب الساكن من استثقال المسكن! وسيعين الله عليك.
والسلام ".
قال إسماعيل بن غزوان: لله در الكندي! ما كان أحكمه وأحضر حجته وأنصح جيبه وأدوم طريقته! رأيته وقد أقبل على جماعة ما فيها إلا مفسد أو من يزين الفساد لأهله: من شاعر بوده أن الناس كلهم قد جازوا حد المسرفين إلى حدود المجانين! ومن صاحب تنقيع واستئكال ومن ملاق متقرب.
فقال: تسمون من منع المال من وجوده الخطأ وحصنه خوفاً من الغيلة وحفظه إشفاقاً من الذلة بخيلاً! تريدون بذلك ذمه وشينه! وتسمون من جهل فضل الغني ولم يعرف ذلة الفقر وأعطى في السرف وتهاون بالخطأ وابتذل النعمة وأهان نفسه بإكرام غيره جواداً! تريدون بذلك حمده ومدحه! فاتهموا على أنفسكم من قدمكم على نفسه فإن من أخطأ على نفسه فهو أجدر أن يخطئ على غيره ومن أخطأ في ظاهر دنياه وفيما يوجد في العين كان أجدر أن يخطئ في باطن دينه وفيما يوجد بالعقل.
فمدحتم من جمع صنوف الخطإ وذممتم من جمع صنوف الصواب! فاحذروهم كل الحذر ولا تأمنوهم على حال! قال إسماعيل: وسمعت الكندي يقول: إنما المال لمن حفظه وإنما الغني لمن تمسك به.
ولحفظ المال بنيت الحيطان وغلقت الأبواب واتخذت الصناديق وعملت الأقفال ونقشت الرسوم فلم تتخذون هذه الوقايات دون المال وأنتم آفته وأنتم سوسه وقادحه وقد قال الأول: احرس أخاك إلا من نفسه.
ولكن احسب أنك قد أخذته في الجواسق وأودعته الصخور ولم يشعر به صديق ولا رسول ولا معين من لك بألا تكون أشد عليه من السارق وأعدى عليه من الغاصب واجعلك قد حصنته من كل يد لا تملكه كيف لك من أن تحصنه من اليد التي تملكه وهي عليه أقدر ودواعيها أكثر وقد علمنا أن حفظ المال أشد من جمعه.
وهل أتى الناس إلا من أنفسهم ثم ثقاتهم والمال لمن حفظه والحسرة لمن أتلفه.
وإنفاقه هو إتلافه وإن حسنتموه بهذا الاسم وزينتموه بهذا اللقب! وزعمتم أنما سمينا البخل صلاحاً والشح اقتصاداً كما سمى قوم الهزيمة انحيازاً والبذاء عارضة والعزل عن الولاية صرفاً والجائر على أهل الخراج مستقصياً! بل أنتم الذين سميتم السرف جوداً والنفج أريحية وسوء نظر المرء لنفسه ولعقبه كرماً! قال رسول الله ﷺ: ) ابدأ بمن تعول (
وأنت تريد أن تغني عيال غيرك بإفقار عيالك وتسعد الغريب بشقوة القريب وتنفصل على من لا يعدل عنك ومن لو أعطيته أبداً قد علمتم ما قال صاحبنا لأخي تغلب فإنه قال: " يا أخا تغلب إني والله كنت أجري ما جرى هذا الغيل وأجري وقد انقطع النيل.
إني والله لو أعطيتك لما وصلت إليك حتى أتجاوز من هو أحق بذلك منك.
إني لو أمكنت الناس من مالي لنزعوا داري طوبة طوبة! إنه والله ما بقي معي منه إلا ما منعته الناس ".
ولكني أقول: والله إن لو أمكنت الناس من نفسي لادعوا رقي بعد سلب نعمتي.
قال إسماعيل: وسمعته يقول: عجبت لمن قلت دراهمه كيف ينام! ولكن لا يستوي من لم ينم سروراً ومن لم ينم غماً.
ثم قال: قال رسول الله ﷺ في وصية المرء يوم فقره وحاجته وقبل أن يغرغر: ) الثلث والثلث كثير (.
- فاستحسنت الفقهاء وتمنى الصالحون أن ننقص من الثلث شيئاً لاستكثار رسول الله ﷺ الثلث ولقوله: ) إنك إن تدع عيالك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس(.
ورسول الله ﷺ لم يرحم عيالنا إلا بفضل رحمته لنا.
فكيف تأمروني أن أوثر أنفسكم على نفسي وأقدم عيالكم على عيالي وأن أعتقد الثناء بدلاً من الغنى وأن أكنز الريح وأصطنع السراب بدلاً من الذهب والفضة! قال إسماعيل: وسمعته يقول لعياله وأصحابه: اصبروا عن الرطب عند ابتدائه وأوائله وعن باكورات الفاكهة فإن للنفس عند كل طارف نزوة وعند كل هاجم نزوة.
وللقادم حلاوة وفرحة وللجديد بشاشة وغرة فإنك متى رددتها ارتدت ومتى ردعتها ارتدعت.
والنفس عزوف ونفور ألوف.
وما حملتها احتملت وإن أهملتها فسدت.
فإن تكف جميع دواعيها وتحسم جميع خواطرها في أول ردة صارت أقل عدداً وأضعف قوة.
فإذا أثر ذلك فيها فعظها في تلك الباكورة بالغلاء والقلة فإن ذكر الغلاء والقلة حجة صحيحة وعلة عاملة في الطبيعة.
فإذا أجابتك في الباكورة فسمها مثل ذلك في أوائل كثرتها واضرب نقصان الشهوة ونقصان قوة الغلبة بمقدار ما حدث لها من الرخص والكثرة.
فلست تلقى على هذا الحساب من معالجة الشهوة عندك إلا مثل ما لقيت منها في نومك حتى تنقضي أيام الفاكهة وأنت على مثل ابتداء حالك وعلى أول مجاهدتك لشهوتك! ومتى لم تعد أيضاً الشهوة فتنة والهوى عدواً اغتررت بهما وضعفت عنهما وأتمنتهما على نفسك.
وهما أحضر عدو وشر دخيل.
فاضمنوا لي النزوة الأولى أضمن لكم تمام الصبر وعاقبة اليسر وثبات العز في قلوبكم والغنى في أعقابكم ودوام تعظيم الناس لكم فإنه لو لم يكن من منفعة الغني إلا أنك لا تزال معظماً عند من لم ينل منك قط درهماً لكان الفضل في ذلك بيتاً والربح ظاهراً.
ولو لم يكن من بركة الثروة ومن منفعة اليسر إلا أن رب المال الكثير لو اتصل بملك كبير في جلسائه من هو أوجب حرمة وأقدم صحبة وأصدق محبة وأمتع إمتاعاً وأكثر فائدة وصواباً إلا أنه خفيف الحال قليل ذات اليد ثم أراد ذلك الملك أن يقسم مالاً أو يوزع بينهم طرفاً لجعل حظ الموسر أكثر وإن كان في كل شيء دون أصحابه وحظ المخفف أقل وإن كان في كل شيء فوق أصحابه.
قد ذكرنا رسالة سهل بن هارون ومذهب الحزامى وقصص الكندي وأحاديث الحارثي واحتجاجهم وطرائف نحلهم وبدائع حيلهم.
قصة محمد بن أبي المؤمل: قلت لمحمد بن أبي المؤمل: أراك تطعم الطعام وتتخذه وتنفق المال وتجود به.
وليس بين قلة الخبز وكثرته كثير ربح.
والناس يبخلون من قل عدد خبزه ورأوا أرض خوانه.
وعلى أني أرى وأنت لو لم تتكلف ولم تحمل على مالك بإجادته والتكثير منه ثم أكلت وحدك لم يلمك الناس ولم يكثروا لذلك منك ولم يقضوا عليك بالبخل ولا بالسخاء وعشت سليماً موفوراً وكنت كواحد من عرض الناس.
وأنت لم تنفق الحرائب وتبذل المصون إلا وأنت راغب في الذكر والشكر وإلا لتخزن الأجر.
فقد صرنا لقلة عدد خبزك من بين الأشياء نرضى لك من الغنيمة بالإياب ومن غنم الحمد والشكر بالسلامة من الذم واللوم! فزد في عدد خبزك شيئاً فإن بتلك الزيادة القليلة ينقلب ذلك اللوم شكراً وذلك الذم حمداً.
أعلمت أنك لست تخرج من هذا الأمر بعد الكلفة العظيمة سالماً لا لك ولا عليك فانظر في هذا الأمر رحمك الله! قال: يا أبا عثمان أنت تخطئ وخطأ العاقل أبداً يكون عظيماً وإن كان في العذر قليلاً لأنه إذا أخطأ أخطأ بتفقه وإحكام.
فعلى قدر التفكر والتكلف يبعد من الرشاد ويذهب عن سبيل الصواب.
وما أشك أنك قد نصحت بمبلغ الرأي منك.
ولكن خف ما خوفتك وإنه مخوف! بل الذي أصنع أدل على سخاء النفس بالمأكول وأدل على الاحتيال ليبالغوا لأن الخبر إذا كثر على الموائد ورث ذلك النفس صدوداً ولأن كل شيء من المأكول وغير المأكول إذا ملأ العين ملا الصدر.
وفي ذلك موت الشهوة وتسكين الحركة! ولو أن رجلاً جلس على بيدر تمر فائق وعلى كدس كمثرى منعوت وعلى مائة قنو موز موصوف لم يكن أكله إلا قدر استطرافه ولم يكن أكله إلا على قدر أكله إذا أتي بذلك في طبق نظيف مع خادم نظيف عليه منديل نظيف.
وبعد فأصحابنا آنسون واثقون مسترسلون يعلمون أن الطعام لهم اتخذ وأن أكلهم له أوفق من تمزيق الخدم والأتباع له.
ولو احتاجوا لدعوا به ولم يحتشموا منه ولكان الأقل منهم أن يجربوا ذلك المرة والمرتين وألا يقضوا علينا بالبخل دون أن يروه.
فإن كانوا محتشمين وقد بسطناهم وساء ظنهم بنا مع ما يرون من الكلفة لهم فهؤلاء أصحاب تجن وتسرع.
وليس في طاقتي إعتاب المتجني ولا رد المتسرع.
قلت له: إني قد رأيت أكلهم في منازلهم وعند إخوانهم وفي حالات كثيرة ومواضع مختلفة.
ورأيت أكلهم عندك فرأيت شيئاً متفاوتاً وأمراً متفاقماً.
فاحسب أن البخل عليهم غالب وان الضعف لهم شامل وأن سوء الظن يسرع إليهم خاصة.
ثم لا تداوي هذا الأمر بما لا مؤنة فيه وبالشيء الذي لا قدر له أو تدع دعاءهم والإرسال إليهم والحرص على إجابتهم.
والقوم ليس يلقون أنفسهم عليك.
وإنما يجيئونك بالاستحباب منك.
فإن أحببت أن تمتحن ما قال: فإن الخبز إذا كثر على الخوان فالفاضل مما يأكلون لا يسلم من التلطخ والتغمير.
والجردقة الغمرة والرقاقة المتلطخة لا أقدر أن أنظر إليها.
وأستحيي أيضاً من إعادتها.
فيذهب ذلك الفضل باطلاً.
والله لا يحب الباطل! قلت: فإن ناساً يأمرون بمسحه ويجعلون الثريدة منه.
فلو أخذت بزيهم وسلكت سبيلهم أتى ذلك لك على ما تريد ونريد.
قال: أفلست أعلم كيف الثريد ومن أي شيء هي - وكيف أمنع نفسي التوهم وأحول بينها وبين التذكير ولعل القوم الحواري المتلطخ مقام الخشكار النظيف.
وعلى أن المسح والدلك يأتي على ما تعلق به الدسم.
قال: عيالي - يرحمك الله! - عيالان: واحد أعظمه عن هذا وأرفعه عنه وىخر لم يبلغ عندي أن يترف بالحواري! قلت: فاجعل إذاً جميع خبزك الخشكار فإن فضل ما بينه وبين الحواري في الحسن والطيب لا يقوم بفضل ما بين الحمد والذم.
قال: فهاهنا رأي هو أعدل الأمور وأقصدها: وهو أنا نحضر هذه الزيادة من الخبز على طبق ويكون قريباً حيث تناله اليد فلا يحتاج أحد مع قربه منه إلى أن يدعو به ويكون قربه من يده قلت: فالمانع من طلبه هو المانع من تحويله.
فأطعني وأخرج هذه الزيادة من مالك كيف شئت.
واعلم أن هذه المقايسة وطول هذه المذاكرة أضر علينا مما نهيتك عنه وأردتك على خلافه.
فلما حضر وقت الغداء صوت بغلامه - وكان ضخماً جهير الصوت صاحب تقعير وتفخيم وتشديق وهمز وجزم: يا مبشر! هات من الخبز تمام عدد الرءوس! قلت: ومن فرض لهم هذه الفريضة ومن جزم عليهم هذا الجزم أرأيت إن لم يشبع أحدهم رغيفه أليس لا بد له من أن يعول على رغيف صاحبه أو يتنحى وعليه بقية أو يعلق يده منتظراً للعادة فقد عاد الأمر وبطل ما تناظرنا فيه.
قال: لا أعلم إلا ترك الطعام البتة أهون علينا من هذه الخصومة! قلت: هذا ما لا شك فيه.
وقد علمت عندي بالصواب وأخذت لنفسك بالثقة إن وفيت بهذا القول.
وكان أكثر ما يقول: يا غلام هات شيئاً من قليلة وأقل منها وأعد لنا ماء بارداً وأكثر منه! وكان يقول: قد تغير كل شيء من أمر الدنيا وحال عن أمره وتبدل حتى المؤاكلة.
قاتل الله رجالاً كنا نؤاكلهم: ما رأيت قصعة قط رفعت من بين أيديهم إلا وفيها فضل! وكانوا يعلمون أن إحضار الجدي إنما هو شيء من آيين الموائد الرفعية وإنما جعل كالعاقبة والخاتمة وكالعلامة للبسر والفراغ وأنه لم يحضر للتمزيق والتخريب وأن أهله لو أرادوا به السوء لقدموه قبل كل شيء لتقع الحدة به.
بل ما أكل منه إذا جيء به إلا العابث وإلا الذي لو لم يره لقد كان يرفع يده ولم ينتظر غيره! ولذلك قال أبو الحارث جمين حين رآه لا يمس: هذا المدفوع عنه! ولولا أنه على ذلك شاهد الناس لما قال ما قال.
ولقد كانوا يتحامون بيضة البقيلة ويدعها كل واحد منهم لصاحبه حتى إن القصعة لقد كنت وإن البيض خاصة لعلي حاله.
وأنت اليوم إذا أردت أن تمتع عينك بنظرة واحدة منها ومن بيض السلاءة لم تقدر على ذلك! لا جرم لقد كان تركه ناس كثير ما بهم إلا أن يكونوا شركاء من ساءت رعته.
وكان يقول: الآدام أعداء للخبز وأعداها له المالح.
فلولا أن الله انتقم منه وأعان عليه بطلب صاحبه الماء وإكثاره منه لظننت أنه سيأتي على الحرث والنسل! وكان مع هذا يقول: لو شرب الناس الماء على الطعام ما اتخموا.
وأقلهم عليه شرباً أكثرهم عنه تخماً.
وذلك أن الرجل لا يعرف مقدار ما أكل حتى ينال من الماء.
وربما كان شبعان وهو لا يدري.
فإذا ازداد على مقدار الحاجة بشم.
وإذا نال من الماء شيئاً بعد شيء عرفه ذلك مقدار الحاجات فلم يزد إلا بقدر المصلحة.
والأطباء يعلمون ما أقول حقاً.
ولكنهم يعلمون أنهم لو أخذوا بهذا الرأي لتعطلوا ولذهب المكسب! وما حاجة الناس إلى المعالجين إذا صحت أبدانهم وفي قول جميع الناس: إن ماء دجلة أمرأ من الفرات وإن ماء مهران أمرأ من ماء نهر بلخ وفي قول العرب: هذا ماء نمير يصلح عليه المال دليل على أن الماء يمرئ حتى قالوا: إن الماء الذي يكون عليه النفاطات أمرأ من الماء الذي يكون عليه القيارات.
فعليكم بشرب الماء على الغداء فإن ذلك أمرأ.
وكان يقول: ما بال الرجل إذا قال: يا غلام أسقني ماء أو أسق فلاناً ماء أتاه بقلة على قدر الري فإذا قال: أطعمني شيئاً أو قال: هات لفلان طعاماً أتاه من الخبز بما يفضل عن الجماعة والطعام والشراب أخوان متحالفان ومتآزران وكان يقول: لولا رخص الماء وغلاء الخبز لما كلبوا على الخبز وزهدوا في الماء.
والناس أشد شيء تعظيماً للمأكول إذا كثر ثمنه أو كان قليلاً في أصل منبته وموضع عنصره.
هذا الجزر الصافي وهذا الباقلى الأخضر العباسي أطيب من كمثرى خراسان ومن الموز البستاني! ولكنهم لقصر همتهم لا يتشهون إلا على قدر الثمن ولا يحنون إلى الشيء إلا على قدر القلة.
وهذه العوام في شهوات الأطعمة إنما تذهب مع التقليد أو مع العادة أو على قدر ما يعظم وأنا لست أطعم الجزر المسلوق بالخل والزيت والمري دون الكمأة بالزبد والفلفل لمكان الرخص أو لموضع الاستفضال ولكن لمكان طيبه في الحقيقة ولأنه مالح الطبيعة علم ذلك من علم وجهل ذلك من جهل! وكان في منزله فربما دخل عليه الصديق له وقد كان تقدمه الزائر أو الزائران - وكان يستعمل على خوانه من الخدع والمكايد والتدبير ما لم يبلغ بعضه قيس بن زهير والمهلب ابن أبي صفرة وخازم بن أبي خزيمة وهرثمة بن أعين.
وكان عنده فيه من الاحتيال ما لا يعرفه عمرو بن العاص ولا المغيرة بن شعبة.
وكان كثيراً ما يمسك الخلال بيده ليؤيس الداخل عليه من غدائه! - فإذا دخل عليه الصديق له وقد عزم على إطعام الزائر والزائرين قبله وضاق صدره بالثالث وإن كان قد دعاه وطلب إليه - أراد أن يحتال له أو الرابع إن ابتلي كل واحد منهما بصاحبه.
فيقول عند أول دخوله وخلع نعله وهو رافع صوته بالتنويه وبالتشنيع: هات يا مبشر لفلان شيئاًيطعم منه! هات له شيئاً ينال منه! هات له شيئاً! اتكالاً! على خجله أو غضبه أو أنفته وطمعاً في أن يقول: قد فعلت! فإن أخطأ ذلك الشقي وضعف قلبه وحصر وقال: قد فعلت وعلم أنه قد أحرزه وحصله وألقاه وراء ظهره لم يرض أيضاً بذلك حتى يقول: بأي شيء تغذيت فلا بد له من أن يكذب أو ينتحل المعاريض.
فإذا استوثق منه رباطاً وتركه لا يستطيع أن يترمرم لم يرض بذلك حتى قول في حديث له: كنا عند فلان فدخل عليه فلان فدعاه إلى غدائه فامتنع.
ثم بدا له فقال: في طعامكم بقيلة أنتم تجيدونها ثم تناول فلا يزال في وثاقه وفي سد الأبواب عليه وفي منعه البدوات.
حتى إذاً بلغ الغاية قال: يا مبشر أما إذ تغدى فلان واكتفى فهات لنا شيئاً نبعث به فإذا وضعوا الطعام أقبل على أشهدهم حياء أو على أكلاً فسأله عن حديث حسن أو عن خبر طويل! ولا يسأله إلا عن حديث يحتاج فيه إلى الإشارة باليد أو الرأس! كل ذلك ليشغله! فإذا هم أكلوا صدراً أظهر الفتور والتشاغل والتنقر كالشعبان الممتلئ وهو في ذلك غير رافع يده ولا قاطع أكله! إنما هو النتف بعد النتف وتعليق اليد في خلل ذلك فلا بد من أن ينقبض بعضهم ويرفع يده.
وربما شمل ذلك جماعتهم.
فإذا علم أنه قد أحرزهم واحتال لهم حتى يقلعهم من مواضعهم من حوال الخوان ويعيدهم إلى مواضع من مجالسهم وقال: إنما الأكل تارات والشرب تارات.
وكان كثيراً ما يقول لأصحابه إذا بكروا عليه: لم لا نشرب أقداحاً على الريق فإنها تقتل الديدان وتحفش لأنفسنا قليلاً فإنها تأتي على جمبع الفضول وتشتهي الطعام بعد ساعة وسكره أطيب من سكر الكظة.
والشراب على المليلة بلاء.
وهو بعد ذلك دليل على أن نبيذي خالص.
ومن لم يشرب على الريق فهو نكس في الفتوة ودعى في أصحاب النبيذ! وإنما يخاف على كبده من سورة الشراب على الريق من بعد عهده باللحم.
وهذه الصبحة تغسل عنكم الأوضار وتنفي التخم.
وليس دواء الخمار إلا الشرب بالكبار.
والأعشى كان أعلم به حيث يقول: وكأس شريت على لذة وأخرى تداويت منها بها وهذا - حفظك الله - هو اليوم الذي كانوا لا يعاينون فيه لقمة واحدة ولا يدخل أجوافهم من النقل ما يزن خردلة! وهو يوم سروره التام لأنه قد ربح المرزئة وتمتع بالمنادمة! واشترى مرة شبوطة وهو ببغداد وأخذها فائقة عظيمة.
وغالى بها وارتفع في ثمنها.
وكان قد بعد عهده بأكل السمك وهو بصري لا يصبر عنه.
فكان قد أكبر أمر هذه السمكة لكثرة ثمنها ولسمنها وعظمها ولشدة شهوته لها! فحين ظن عند نفسه أنه قد خلا بها وتفرد بأطايبها وحسر عن ذراعيه وصمد صمدها هجمت عليه ومعي السدري! فلما رآه رأى الموت الأحمر والطاعون الجارف ورأى الحتم المقضي ورأى قاصمة الظهر وأيقن بالشر وعلم أنه قد ابتلي بالتنين! فلم يلبثه السدري حتى قور السرة بالمبال! فاقبل علي فقال لي: يا أبا عثمان السدري يعجبه السرر! فما فصلت الكلمة من فيه حتى قبض على القفا فانتزع الجانبين جميعاً! فأقبل علي فقال: والسدري يعجبه الأقفاء! فما فرغ من كلامه إلا والسدري قد اجترف المتن كله! فقال: يا أبا عثمان والسدري يعجبه المتون! ولم يظن أن السدري يعرف فضيلة ذنب الشبوط وعذوبة لحمه.
وظن أنه سيسلم له.
وظن معرفة ذلك من الغامض.
فلم يدر إلا والسدري قد اكتسح ما على الوجهين جميعاً! ولولا أن السدري أبطره وأثقله وأكمده وملأ صدره وملاه غيظاً لقد كان أدرك معه طرفاً لأنه كان من الأكلة.
ولكن الغيظ كان من أعوان السدري عليه.
فلما أكل السدري جميع أطايبها وبقي هو في النظارة ولم يبق في يده مما كان يأمله في تلك السمكة إلا الغيظ الشديد والغرم الثقيل ظن أن في سائر السمكة ما يشبعه ويشفي من كرمه.
فبذلك كان عزاؤه.
وذلك هو الذي كان يمسك بأرماقه وحشاشات نفسه! فتولد الغيظ في جوفه وأقلقته الرعدة فخبثت نفسه.
فما زال يقئ ويسلح! ثم ركبته الحمى! وصحت توبته وثم عزمه في ألا يؤاكل رغيباً أبداً ولا زهيداً ولا يشتري سمكة أبداً رخيصة ولا غالية وإن أهدوها إليه ألا يقبلها وإن وجدها مطروحة لا يمسها.
فهذا ما كان حضرني من حديث ابن أبي المؤمل.
وقد مات.
عفا الله عنا وعنه! قصة أسد بن جاني
فأما أسد بن جاني فكان يجعل سريره في الشتاء من قصب مقشر لأن البراغيث تزلق عن ليط القصب لفرط لينه وملاسته.
وكان إذا دخل الصيف وحر عليه بيته أثاره حتى يغرق المسحاة.
ثم يصب عليه جراراً كثيرة من ماء البئر.
ويتوطؤه حتى يستوي.
فلا يزال ذلك البيت بارداً ما دام ندياً.
فإذا امتد به الندى ودام برده بدوامه اكتفى بذلك التبريد صيفته.
وإن جف قبل انقضاء الصيف وعاد عليه الحر عاد عليه بالإثارة والصب.
وكان يقول: خيشتي أرض وماء خيشتي من بئري وبيتي أبرد ومؤنتي أخف.
وأنا أفضلهم أيضاً بفضل الحكمة وجودة الآلة.
وكان طبيباً فأكسد مرة فقال له قائل: السنة وبئة والأمراض فاشية وأنت عالم ولك صبر وخدمة ولك بيان ومعرفة.
فمن أين تؤتى في هذا الكساد قال: أما واحدة فإني عندهم مسلم وقد اعتقد القوم قبل أن أتطيب لا بل قبل أن أخلق أن المسلمين لا يفلحون في الطب! واسمي أسد وكان ينبغي أن يكون اسمي صليباً ومرايل ويوحنا وبيرا وكنيتي أبو الحارث وكان ينبغي أن تكون أبو عيسى وأبو زكريا وأبو إبراهيم.
وعلى رداء قطن أبيض وكان ينبغي أنت يكون رداء حرير أسود.
ولفظي لفظ عربي وكان ينبغي أن تكون لغتي لغة أهل جنديسابور.
قال الخليل السلولي: أقبل علي يوماً الثوري وكان يملك خمسمائة جريب ما بين كرسي الصدقة إلى نهر مرة.
ولا يشتري إلا كل غرة وكل أرض مشهورة بكريم التربة وشرف الموضع والغلة الكثيرة.
قال: فأقبل علي يوماً فقال لي: هل اصطبغت بماء الزيتون قط قال: قلت: لا والله لو فعلته ما نسيته! قال: قلت: أجل إني والله لو فعلته لما نسيته! وكان يقول لعياله: لا تلقوا نوى التمر والرطب وتعودوا ابتلاعه وخذوا حلوقكم بتسويغه فإن النوى يعقد الشحم في البطن ويدفئ الكليتين بذلك الشحم! واعتبروا ذلك ببطون الصفايا وجميع ما يعتلف النوى! والله لو حملتم أنفسكم على البزر والنوى وعى قضم الشعير واعتلاف القت لوجدتموها سريعة القبول! وقد يأكل الناس القت قداحاً والشعير فريكا ونوى البسر الأخضر ونوى العجوة.
فإنما بقيت الآن عليكم عقبة واحدة: لو رغبتم في الدفإلا لتمستم الشحم.
وكيف لا تطلبون شيئاً يغنيكم عن دخان الوقود وعن شناعة العكر وعن ثقل الغرم والشحم يفرح القلب ويبيض الوجه.
والنار تسود الوجه.
أنا أقدر أن أبتلع النوى وأعلفه النساء.
ولكني أقول ذلك بالنظر مني لكم.
وكان يقول: كلوا الباقلي بقشوره فإن الباقلي يقول: من أكلني بقشوري فقد أكلني ومن أكلني بغير قشوري فأنا الذي أكله! فما حاجتكم إلى أن تصيروا طعاماً لطعامكم وأكلاً لما جعل أكلاً لكم وكان يعين مالاً عظيماً.
ولم يكن له وارث.
فكان يسخر ببعضهم فيقول عند الإشهاد: قد علمتم أن لا وارث لي.
فإذا مت فهذا المال لفلان! فكان قوم كثير يحرصون على مبايعته لهذا.
وقد رأيته أنا زماناً من الدهر ما رأيته قط إلا ونعله في يده أو يمشي طول نهاره في نعل مقطوعة العقب شديدة على صاحبها! قال: فهو ذا المجوس يرتعون البصرة وبغداد وفارس والأهواز والدنيا كلها بنعال سندية.
فقيل له: إن المجوسي لا يستحل في دينه المشركة فأنت لا تجده أبداً إلا حافياً أو لابساً نعلاً سندية.
وأنت مسلم ومالك كثير.
قال: فمن كان ماله كثيراً فلابد له من أن يفتح كيسه للنفقات وللسراق قالوا: فليس هاتين منزلة قال الخليل: جلس الثوري إلى حلقة المصلحين في المسجد.
فسمع رجلاً من مياسيرهم يقول: بطنوا كل شيء لكم فإنه أبقى.
ولأمر جعل الله دار الآخرة باقية ودار الدنيا فانية.
ثم قال: ربما رأيت المبطنة الواحدة تقطع أربعة أقمصة والعمامة الواحدة تقطع أربعة أزر ليس ذلك إلا لتعاون الطي وترافد الأثناء.
فبطنوا البواري وبطنوا الحصر وبطنوا البسط وبطنوا الغداء بشربة باردة! ل فقال الثوري: لم افهم مما قلت إلا هذا الحرف وحده! قال الخليل: حم الثوري وحم عياله وخادمه فلم يقدروا مع شدة الحمى على أكل الخبز.
فربح كيلة تلك الأيام من الدقيق ففرح بذلك وقال: لو كان منزلي سوق الأهواز أو نطاة خيبر أو وادي الجحفة لرجوت أن أستفضل كل سنة مائة دينار! وكان يقول: أول الإصلاح - وهو من الواجب - خصف النعل واستجادة الطراق وتشحيمها في كل الأيام وعقد ذؤابة الشراك من زي النساك لكيلا يطأ عليه إنسان فيقطعه.
ومن الإصلاح الواجب قلب خرقة القلنسوة إذا اتسخت وغسلها من اتساخها بعد القلب.
واجعلها حبرة فإنها مما له مرجوع! ومن ذلك اتخاذ قميص الصيف جبة في الشتاء واتخاذ الشاة اللبون إذا كان عندك حمار.
واتخاذ الحمار الجامع خير من غلة ألف دينار: لأنه لرحلك وبه يدرك البعيد من حوائجك وعليه يطحن فتستفضل عليه ما يربحه عليك الطحان.
وينقل عليه حوائجه وحوائجك حتى الحطب.
ويستقي عليه الماء.
وهذه كلها مؤن إذا اجتمعت كانت في السنة مالاً كثيراً ثم قال: أشهد إن الرفق يمن وإن الخرق شؤم.
واشتريت ملاءة مذارية فلبستها ما شاء الله رداء وملحفة.
ثم احتجت إلى طيلسان فقطعتها - يعلم الله! - فلبسته ما شاء الله.
ثم احتجت إلى جبة فجعلته - يعلم الله! - ظهار جبة محشوة فلبستها ما شاء الله.
ثم أخرجت ما كان فيها من الصحيح فجعلته مخاد وجعلت قطنها للقناديل.
ثم جعلت ما دون خرق المخاد للقلائس.
ثم عمدت إلى أصح ما بقي فبعته من أصحاب الصينيات والصلاحيات.
وجعلت السقاطات وما قد صار وقد رأيته وسمعت منه في البخل كلاماً كثيراً.
وكان من البصريين ينزل في بغداد مسجد ابن رغبان.
ولم أر شيخاً ذا ثروة اجتمع عنده وإليه من البخلاء ما اجتمع له: منهم إسماعيل بن غزوان وجعفر بن سعيد وخاقان بن صبيح وأبو يعقوب الأعور وعبد الله العروضي والحزامي عبد الله بن كاسب.
وأبو عبد الرحمن هذا شديد البخل شديد العارضة عضب اللسان.
وكان يحتج للبخل ويوصي به ويدعو إليه.
وما علمت أن أحداً جرد في ذلك كتاباً إلا سهل بن هارون.
وأبو عبد الرحمن هذا هو الذي قال لابنه: أبي بني إن إنفاق القراريط يفتح عليك أبواب الدوانيق وإنفاق الدوانيق يفتح عليك أبواب الدراهم وإنفاق الدراهم يفتح عليك أبواب الدنانير.
والعشرات تفتح عليك أبواب المئين والمئون تفتح عليك أبواب الألوف حتى يأتي ذلك على الفرع والأصل ويطمس على العين والأثر ويحتمل القليل والكثير! أي بني إنما صار تأويل الدرهم: دار لهم وتأويل الدينار: يدني إلى النار الدرهم إذا خرج إلى غير خلف وإلى غير بدل دار لهم على دوانق مخرجة.
وقيل: إن الدينار يدني إلى النار لأنه إذا أنفقته في غير خلف وأخرج إلى غير دل بقيت مخفقاً معدماً وققيراً مبلطاً.
فيخرج الخارج وتدعو الضرورة إلى المكاسب الردية والطعم الخبيثة.
والخبيث من الكسب يسقط وهذا تأويل الذي تأوله للدرهم والدينار ليس له إنما هذا شيء كان يتكلم به عبد الأعلى إذا قيل له: لم سمي الكلب قليطاً قال: لأنه قل ولطى! وإذا قيل له: لم سمي الكلب سلوقياً قال: لأنه يستل ويلقي! وإذا قيل له: لم سمي العصفور عصفوراً قال: لأنه عصى وفر! وعبد الأعلى هذا هو الذي كان يقول في قصصه: الفقير.
.
.
مرفقته سلبة وجردقته فلقة وسمكته سلته في طيب له كثير.
وبعض المفسرين يزعم أن نوحاً النبي عليه السلام إنما سمي نوحاً لأنه كان ينوح على نفسه وأن آدم سمي آدم لأنه حذي من أديم الأرض - وقالوا: كان لونه في أدمته لون الأرض - وأن المسيح سمي المسيح لأنه مسح بدهن البركة.
وقال بعضهم: لأنه كان لا يقيم في البلد الواحد.
وكان كأنه ماسح يمسح الأرض.
ثم رجع الحديث إلى أعاجيب أبي عبد الرحمن: وكان أبو عبد الرحمن: وكان أبو الرحمن يعجب بالرءوس ويحمدها ويصفها.
وكان لا يأكل اللحم إلا يوم أضحي أو من بقية أضحيته أو يكون في عرس أو دعوة أو سفرة.
وكان سمى الرأس عرساً لما يجتمع فيه من الألوان الطيبة.
وكان يسميه مرة الجامع ومرة الكامل.
وكان يقول: الرأس شيء واحد.
وهو ذو ألوان عجيبة وطعوم مختلفة.
وكل قدر وكل شواه فإنما هو شيء واحد.
والرأس فيه الدماغ فطعم الدماغ على حدة.
وفيه العينان وطعمهما شيء على حدة.
وفيه الشحمة التي بين أصل الأذن ومؤخر العين وطعمها على حدة.
على أن هذه الشحمة خاصة أطيب من المخ ونعم من الزبد وأدسم من السلاء.
وفي الرأس اللسان وطعمه شيء على حدة.
وفيه الخيشوم والغضروف الذي في الخيشوم وطعمهما شيء على حدة.
وفيه لحم الخدين وطعمه شيء على حدة - حتى يقسم أسقاطه الباقية.
ويقول: الرأس سيد البدن: وفيه الدماغ وهو معدن العقل ومنه يتفرق العصب الذي فيه الحس وبه قوام البدن.
وإنما القلب باب العقل - كما أن النفس هي المدركة والعين هي باب الألوان والنفس هي السامعة الذائقة وإنما الأنف والأذن بابان.
ولولا أن العقل في الرأس لما ذهب العقل من الضربة تصيبه.
وفي الرأس الحواس الخمس.
وكان ينشد قول الشاعر: وكان يقول: الناس لم يقولوا: هذا رأس الأمر وفلان رأس الكتيبة وهو رأس القوم وهم رؤوس الناس وخراطيمهم وأنفهم ويستقوا من الرأس الرياسة والرئيس - وقد رأس القوم فلان - إلا والرأس هو المثل وهو المقدم.
وكان إذا فرغ من أكل الرأس عمد إلى القحف وإلى الجبين فوضعه بقرب بيوت النمل والذر.
فإذا اجتمعت فيه أخذه فنفضه في طست فيها ماء.
فلا يزال يعيد ذلك في تلك المواضع حتى يقلع أصل النمل والذر من داره.
فإذا فرغ من ذلك ألقاه في الحطب ليوقد به سائر الحطب.
وكان إذا كان يوم الرءوس أقعد ابنه معه على الخوان.
إلا أن ذلك بعد تشرط طويل وبعد أن يقف به على ما يريد! وكان فيما يقول له: إياك ونهم الصبيان وشره الزراع وأخلاق النوائح.
ودع عنك خبط الملاحين والفعلة ونهش الأعراب والمهنة.
وكل ما بين يديك فإنما حقك الذي وقع لك وصار أقرب إليك.
وأعلم أنه إذا كان في الطعام شيء طريف ولقمة كريمة ومضغة شهية فإنما ذلك للشيخ المعظم والصبي المدلل.
ولست واحداً منهما.
فأنت قد تأتي الدعوات والولائم وتدخل منازل الإخوان وعهدك باللحم قريب وإخوانك أشد قرماً إليه منك.
وإنما هو رأس واحد.
فلا عليك أن تتجافى عن بعض وتصيب بعضاً.
وأنا بعد أكره لك الموالاة بين اللحم فإن الله يبغض أهل البيت اللحمين.
وكان يقول: إياكم وهذه المجازر فإن لها ضراوة كضراوة الخمر.
وكان يقول: مدمن اللحم كمدمن الخمر.
وقال الشيخ ورأى رجلاً يأكل اللحم فقال: لحم يأكل لحماً! أف لهذا عملاً! وذكر هرم بن قطبة اللحم فقال: وإنه ليقتل السباع.
وقال المهلب: لحم وارد على غير قاوم هذا الموت الأحمر.
وقال الأول: أهلك الرجال الأحمران: اللحم والخمر وأهلك النساء الأحمران: الذهب والزعفران.
أي بني عود نفسك الأثرة ومجاهدة الهوى والشهوة.
ولا تنهش نهش الأفاعي ولا تخضم خضم البراذين ولا تدم الأكل إدامة النعاج ولا تلقم لقم الجمال قال أبو ذر لمن بذل من أصحاب رسول الله ﷺ: يخضمون ونقضم والموعد الله.
إن الله قد فضلك.
فجعلك إنساناً فلا تجعل نفسك بهيمة ولا سبعاً.
واحذر سرعة الكظة وسرف البطنة.
وقد قال بعض الحكماء: إذا كنت بطيناً فعد نفسك في الزمني.
واعلم أن الشبع داعية البشم وأن البشم داعية السقم وأن السقم داعية الموت.
ومن مات هذه الميتة فقد مات ميتة لئيمة.
وهو قاتل نفسه وقاتل نفسه ألوم من قاتل غيره.
وأعجب إن أردت العجب! وقد قال الله جل ذكره: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ}.
- وسواء قتلنا أنفسنا أو قتل بعضنا بعضاً كان ذلك للآية تأويلاً.
أي بني إن القاتل والمقتول في النار.
ولو سألت حذاق الأطباء لأخبروك أن عامة أهل القبور إنما ماتوا بالتخم.
واعرف خطأ من قال: أكلة وموتة! وخذ بقول من قال: رب أكلة تمنع أكلات.
وقد قال الحسن: يا بن آدم كل في ثلث بطنك واشرب في ثلث بطنك ودع الثلث للتفكر والتنفس.
وقال بكر بن عبد الله المزني: ما وجدت طعم العيش حتى استبدلت الخمص بالكظة وحتى لم ألبس من ثيابي ما يستخدمني وحتى لم آكل إلا ما لا أغسل يدي منه.
يا بني والله ما أدى حق الركوع ولا وظيفة السجود ذو كظة ولا خشع الله ذو بطنة.
والصوم مصحة والوجبات عيش الصالحين.
ثم قال: لأمر ما طالت أعمار الهند وصحت أبدان الأعراب.
لله در الحارث ابن كلدة حين زعم أن الدواء هو الأزم وأن الداء هو إدخال الطعام في أثر الطعام! أي بني لم صفت أذهان العرب ولم صدقت أحساس العرب ولم صححت أبدان الرهبان مع طول الإقامة في الصوامع وحتى لم تعرف النقرس ولا وجع المفاصل ولا الأورام إلا لقلة الرزق من الطعام وخفة الزاد والتبلغ باليسير.
أي بني إن نسيم الدنيا وروح الحياة أفضل من أن تبيت كظيظاً وأن تكون لقصر العمر حليفاً.
وكيف لا ترغب في تدبير يجمع لك صحة البدن وذكاء الذهن وصلاح المعى وكثرة المال والقرب من عيش الملائكة أي بني لم صار الضب أطول شيء عمراً إلا لأنه إنما يعيش بالنسيم ولم زعم الرسول ﷺ أن الصوم وجاء إلا ليجعل الجوع حجازاً دون الشهوات.
افهم تأدب الله فإنه لم يقصد به إلا مثلك.
أي بني قد بلغت تسعين عاماً ما نقص لي سن ولا تحرك لي عظم ولا انتشر لي عصب ولا عرف دنين أذن ولا سيلان عين ولا سلس بول! ما لذلك علة إلا التخفيف من الزاد.
فإن كنت تحب الحياة فهذه سبيل الحياة وإن كنت تحب الموت فلا يبعد الله إلا من ظلم.
هذه كانت وصيته في يوم الرءوس وحده! فلم يكن لعياله إلا التقمم ومص العظم! وكان لا يشتري الرأس إلا في زيادة الشهر لمكان زيادة الدماغ.
وكان لا يشتري إلا راس فتي لوفارة الدماغ لأن دماغ الفتي أوفر ويكون مخه أنقص ومخ المسن أوفر ودماغه أنقص.
وتزعم الأعراب والعرب أن النطفة إذا وقعت في الرحم في أول الهلال خرج الولد قوياً ضخماً وإذا كان في المحاق خرج ضئيلاً شختاً.
وأنشد قول الشاعر: لقحت في الهلال عن قبل الطه ر وقد لاح للصباح بشير ثم نمى ولم ترضع فلوا ورضاع المحج عيب كبير وكان أبو عبد الرحمن يشتري ذلك الرأس من جميع رءاسي بغداد إلا من رءاسي مسجد ابن رغبان.
وكان لا يشتريه إلا يوم سبت.
واختلط عليه الأمر قيما بين الشتاء والصيف.
فكان مرة يشتريه في هذا الزمان ومرة يشتريه في هذا الزمان.
وأما زهده في رءوس مسجد ابن رغبان فإن البصريين يختارون لحم الماعز الخصي على الضأن كله.
ورءوس الضأن أشحم وألحم وأرخص رخصاً وأطيب.
ورأس التيس أكثر لحماً من رأس الخصي لأن الخصي من الماعز يعرق جلده ويقل لحم رأسه.
ولا يبلغ جلده وإن كان ماعزاً في الثمن عشر ما يبلغ جلد التيس.
ولا يكون رأسه إلا دوناً.
ولذلك تخطاه إلى غيره.
وأما اختياره شراء الرءوس يوم السبت فإن القصابين يذبحون يوم الجمعة أكثر فتكثر الرءوس يوم السبت على قدر الفضل فيما يذبحون ولأن العوام والتجار والصناع لا يقومون إلى أكل الرءوس يوم السبت مع قرب عهدهم بأكل اللحم يوم الجمعة ولأن عامتهم قد بقيت عنده فضلة فهي تمنعه من الشهوة ولأن الناس لا يكادون يجمعون على خوان واحد بين الرءوس واللحم.
وأما اختلاط التدبير عليه في فرق ما بين الشتاء والصيف فوجه ذلك أن العلل كانت تتصور له وتعرض له الدواعي على قدر قرمه وحركة شهوته صيفاً وافق ذلك أم شتاء.
فإن اشتراه في الصيف فلأن اللحم في الصيف ارخص.
والرءوس تابعة للحم ولأن الناس في الشتاء لها آكل وهم لها في القيظ أترك.
فكان يختار الرخص على حسن الموقع.
فإذا قويت دواعيها في الشتاء قال: راس واحد شتوي كرأسين صيفيين! لأن المعلوفة غير الراعية.
وما أكل الكسب في الحبس موثقاً غير ما أكل الحشيش في الصحراء مطلقاً.
وكان على ثقة أنه سيأتي عليه في الشتاء مع صحته وبدنه وفي شك من استبقائه في الصيف.
ولنقصان شهوات الناس للرءوس في الصيف كان يخاف جريرة تلك البقية وجناية تلك الفضلة وكان يقول: إن أكلتها بعد الشبع لم آمن العطب وإن تركتها لهم في الصيف ولم يعرفوا العلة طلبوا ذلك مني في الشتاء.
حثني المكي قال: كنت يوماً عند العنبري إذ جاءت جارية أمه ومعها كوز فارغ.
فقالت: قالت أمك: بلغني أن عندك مزملة ويومنا يوم حار.
فابعث إلي بشربة منها في هذا الكوز.
قال: كذبت! أمي اعقل من أن تبعث بكوز فارغ ونرده ملآن! اذهبي فاملئيه من ماء حبكم وفرغيه في حبنا.
ثم املئيه من ماء مزملتنا حتى يعود شيء بشيء! قال المكي: فإذا هو يريد أن تدفع جوهراً بجوهر وعرضاً بعرض حتى لا تربح أمه إلا صرف ما بين العرضين الذي هو البرد والحر.
فأما عدد الجواهر والأعراض فمثلاً بمثل.
وقال المكي: دخلت عليه يوماً وإذا عنده جلة تمر وإذا ظئره جالسة قبالته.
فلما أكل تمرة رمى بنواتها إليها فأخذتها فمصتها ساعة ثم عزلتها.
فقلت للمكي: أكان يدع على النواة من جسم التمر شيئاً قال: والله لقد رأيتها لاكت نواة مرة بعد أن مصتها فصاح بها صيحة لو كانت قتلت قتيلاً ما كان عنده أكثر من ذلك! وما كانت إلا في أن تناول الأعراض وتسلم إليه الجوهر.
وكانت تأخذ حلاوة النواة وتودعها ندوة الريق.
قال الخليل: كان أبو قطبة يستغل ثلاثة آلاف دينار.
وكان من البخل يؤخر تنقية بالوعته إلى يوم المطر الشديد وسيل المثاعب ليكتري رجلاً واحداً فقط يخرج ما فيها ويصبه في الطريق فيجترفه السيل ويؤديه إلى القناة! وكان بين موضع بئره والصب قدر مائتي ذراع.
فكان لمكان زيادة درهمين يحتمل الانتظار شهراً أو شهرين وإن هو جرى في الطريق وأوذي به الناس! وقال: ونظر يوماً إلى الكساحين وهو معنا جالس في رجال من قريش وهم يخرجون ما في بالوعته ويرمون به في الطريق وسيل المثاعب يحتمله فقال: أليس البط والجداء والدجاج والفراخ والدراج وخبز الشعير والصحناء والكراث والجواف جميعاً يصير إلى ما ترون فلم يغالي بشيء بصير هو والرخيص في معنى واحد قال: وهم ثلاثة إخوة: أبو قطبة والطيل وبابي من ولد عتاب بن أسيد - واحد منهم كان يحتج عن حمزة ويقول: استشهد قبل أن يحج.
والآخر كان يضحي عن أبي بكر وعمر ويقول: أخطأ السنة في ترك الضحية.
وكان الآخر يفطر عن عائشة أيام التشريق ويقول: غلطت - رحمها الله - في صومها أيام العيد.
فمن صام عن أبيه وأمه فأنا أفطر عن عائشة.
حدثتني امرأة تعرف الأمور قالت: كان في الحي مأتم اجتمع فيه عجائز من عجائز الحي.
فلما رأين أن أهل المأتم قد أقمن المناحة اعتزلن وتحدثن.
فبينا هن في حديثهن إذ ذكرن بر الأبناء بالأمهات وإنفاقهم عليهن.
وذكرت كل واحدة منهن ما يوليها ابنها.
فقالت واحدة منهن وأم فيلويه ساكتة - وكانت امرأة صالحة وابنها يظهر النسك ويدين بالبخل وله حانوت في مقبرة بني حصين يبيع فيها الأسقاط.
- قالت: فأقبلت على أم فيلويه قلت لها: ما لك لا تحدثين معنا عن ابنك كما يتحدثن وكيف صنع فيلويه فيما بينك وبينه قالت: كان يجري علي في كل أضحى درهماً! فقالت: وقد قطعه أيضاً! قالت: ما كان يجري علي إلا ذاك.
ولقد ربما أدخل أضحى! فقالت: فقلت: يا أم فيلويه وكيف يدخل أضحى في أضحى قد يقول الناس: إن فلاناً أدخل شهراً في شهر ويوماً في يوم.
فأما أضحى في أضحى فهذا لا يشركه فيه أحد!
قصة تمام بن جعفر
كان تمام بن جعفر بخيلاً على الطعام مفرط البخل.
وكان يقبل على كل من أكل خبزه بكل علة ويطالبه بكل طائلة وحتى ربما استخرج عليه أنه لابن جلاد الدم.
وكان إن قال له نديم له: ما في الأرض أحد أمشي مني ولا على ظهرها أحد أقوى على الحضر مني! قال: وما يمنعك من ذلك وأنت تأكل أكل عشرة وهل يحمل الرجل إلا البطن لا حمد الله من يحمدك! فإن قال: لا والله إن أقدر أن أمشي لأني أضعف الخلق عنه وإني لأنبهر من مشى ثلاثين خطوة! قال: وكيف تمشي وقد جعلت في بطنك ما يحمله عشرون حمالاً! وهل ينطلق الناس إلا مع خفة الأكل وأي بطين بقدر على الحركة وإن الكظيظ ليعجز عن الركوع والسجود فإن شكا ضرسه وقال: ما نمت البارحة مع وجعه وضربانه قال: عجبت كيف اشتكيت واحداً وكيف لم تشتك الجميع! وكيف بقيت إلى اليوم في فيك حاكة! وأي ضرس يقوى على الدرس والطحن! والله إن الأرحاء السورية لتكل وإن الميجان الغليظ ليتعبه الدق! ولقد استبطأت لك هذه العلة! ارفق فإن الرفق يمن ولا تخرق بنفسك فإن الخرق شؤم! وإن قال: لا والله إن اشتكيت ضرساً لي قط ولا تجلجل لي سن عن موضعه منذ عرفت نفسي قال: يا مجنون! لأن كثرة المضغ تشد العمور وتقوي الأسنان وتدبغ اللثة وتغدو أصولها.
وإعفاء الأضراس من المضغ يريحها.
وإنما الفم جزء من الإنسان.
وكما الإنسان نفسه إذا تحرك وعمل قوى وإذا طال سكونه تفتخ واسترخى فكذلك الأضراس.
ولكن رفقاً! فإن الإتعاب ينقص القوة.
ولكل شيء مقدار ونهاية.
فهذا ضرسك لا تشتكيه بطنك أيضاً لا تشتكيه فإن قال: والله إن أروى من الماء.
وما أظن أن في الدنيا أحداً أشرب مني للماء قال: لابد للتراب من ماء ولابد للطين من ماء يبله ويرو.
أوليست الحاجة على قدر كثرته وقلته والله لو شربت ماء الفرات ما استكثرته لك مع ما أرى من شدة أكلك وعظم لقمتك! تدري ما قد تصنع أنت والله تلعب! أنت لست ترى نفسك! فسل عنك من يصدقك حتى تعلم أن ماء فإن قال: ما شربت اليوم ماء البتة وما شربت أمس بمقدار نصف رطل وما في الأرض إنسان أقل شرباً مني للماء قال: لأنك لا تدع لشرب الماء موضعاً! ولأنك تكنز في جوفك كنزاً لا يجد الماء معه مدخلاً! والعجب لا تتخم لأن من لا يشرب الماء على الخوان لا يدري مقدار ما أكل ومن جاوز مقدار الكفاية كان حرياً بالتخمة.
فإن قال: ما أنام الليل كله وقد أهلكني الأرق قال: وتدعك الكظة والنفخة والقرقرة أن تنام والله لو لم يكن إلا العطش الذي ينبه الناس لما نمت.
ومن شرب كثيراً بال كثيراً.
ومن كان الليل كله بين شرب وبول كيف يأخذه النوم فإن قال: ما هو إلا أن أضع رأسي فإنما أنا حجر ملقى إلى الصبح قال: ذلك لأن الطعام يسكن ويخدر ويحير ويبل الدماغ ويبل العروق ويسترخي عليه جميع البدن.
ولو كان في الحق لكان ينبغي أن تنام الليل والنهار! فإن قال: أصبحت وأنا لا أشتهي شيئاً قال: إياك أن تأكل قليلاً ولا كثيراً فإن أكل القليل على غير شهوة أضر من الكثير مع الشهوة.
قال الخوان: ويل لي ممن قال: لا أريد! وبعد وكيف تشتهي الطعام اليوم وأنت قد أكلت بالأمس طعام عشرة! وكان كثيراً ما يقول لندمائه: إياكم والأكل على الخمار فإن دواء الخمار الشراب.
الخمار تخمة.
والمتخم إذا أكل مات لا محالة.
وإياكم والإكثار في عقب الحجامة والفصد والحمام.
وعليكم بالتخفيف في الصيف كله.
واجتنبوا اللحم خاصة.
وكان يقول: ليس يفسد الناس إلا الناس: هذا الذي يتكلم بالكلام البارد وبالطرف المستنكرة لو لم يصب من يضحك له وبعض من يشكره ويتضاحك له - أوليس هو عنده إلا أن يظهر العجب له - لما تكلف النوادر.
ألا أهلك قول الناس للأكول النهم وللرغيب الشره: فلان حسن الأكل! هو الذي أهلكه وزاد في رغبته حتى جعل ذلك صناعة وحتى ربما أكل - لمكان قولهم وتقريبهم وتعجبهم - ما لا يطيقه فيقتل.
فلا يزال قد هجم على قوم فأكل زادهم وتركهم بلا زاد! فلو قالوا بدل قولهم: فلان حسن الأكل: فلان أقبح الناس أكلاً كان ذلك صلاحاً لفريقين.
ولا يزال البخيل على الطعام قد دعا الرغيب البطن واتخذ له الطعام الطيب لفي عن نفسه المقالة وليكذب عن نفسه تلك الظنون.
ولو كان شدة الضرس يعد في المناقب ويمدح صاحبه في المجالس لكان الأنبياء آكل الخلق ولخصهم الله - جل ذكره - من الرغب بما لم يعطه أحداً من العالمين.
وكيف وفي مأثور الحديث: ( إن المؤمن يأكل في معي واحد وإن المنافق يأكل في سبعة أمعاء ).
أولسنا قد نراهم يشتمون بالنهم وبالرغب وبكثرة الأكل ويمدحون بالزهادة وبقلة الطعام أوليس قد قال النبي ﷺ: من أدله على الحسناء القتين وقد ساب رجل أيوب ابن سليمان بن عبد الملك فقال في بعض ما يسبه: ماتت أمك بغراً وأبوك بشماً! وبعد فهل سمعتم بأحد قط فخر بشدة أكل أبيه فقال: أنا ابن آكل العرب بل قد رأينا أصحاب النبيذ والفتيان يتمدحون بكثرة الشرب كما يتمدحون بقلة الرزق.
ولذلك قالت العرب: قال الشاعر: تكفيه فلذة كبد إن ألم بها من الشواء ويروي شربه الغمر وقال: لا يتأرى لما في القدر يطلبه ولا تراه أمام القوم يقتفر وقال: لا يغمز الساق من أين ولا وصم ولا يعض على شرسوفه الصفر والصفر هي حيات البطون إنما تكون من الفضول والتخم ومن الفساد والبشم.
وشرب مرة نبيذ وغناه المغنى فشق قميصه من الطرب.
فقال لمولى له له يقال له المحلول وهو إلى جنبه: شق أيضاً أنت - ويلك - قميصك! - والمحلول هذا من الآيات - قال: لا والله لا أشقه وليس لي غيره.
قال: فشقه وأنا أكسوك غداً.
قال: فأنا أشقه غداً.
قال: أنا ما أصنع فلم أسمع بإنسان يقايس ويناظر في الوقت الذي إنما يشق فيه القميص من غلبة الطرب غيره وغير مولاه محلول.
دخل على الأعمى على يوسف بن كل خير وقد تغدى.
فقال: يا جارية هاتي لأبي الحسن غداء.
قالت: لم يبق عندنا شيء.
قال: هاتي - ويلك! - ما كان فليس من أبي الحسن حشمة! ولم يشك على أنه سيؤتي برغيف ملطخ وبرقاقة ملطخة وبسكر وبقية مرق وبعرق وبفضلة شواء وببقايا ما يفضل في الجامات والسكرجات.
فجاءت بطبق ليس عليه إلا رغيف أرز قاحل لا شيء غيره.
فلما وضعوا الخوان بين يديه فأجال يده فيه وهو أعمى فلم يقع إلا على ذلك الرغيف وقد عل أن قوله: ليس منه حشمة لا يكون إلا مع القليل.
فلم يظن أن الأمربلغ ذلك.
فلما لم يجد غيره قال: ويلكم! ولأكل هذا بمره رفعتم الحشمة كلها والكلام لم يقع إلا على هذا حدثني محمد بن حسان الأسود قال: أخبرني زكريا القطان قال: كان للغزال قطعة أرض قدام حانوتي فأكرى نصفها من سماك يسقط عنه ما استطاع من مؤنة الكراء.
قال: وكان الغزال أعجوبة في البخل.
وكان يجيء من منزله ومعه رغيف في كمه.
فكان أكثر دهره يأكله بلا أدم.
فإذا أعيا عليه الأمر أخذ من ساكنه جوافة بحبة وأثبت عليها فلساً في حسابه! فإذا أراد أن يتغدى أخذ الجوافة فمسحها على وجه الرغيف ثم عض عليه! وربما فتح بطن الجوافة فيطر جنبيها وبطنها باللقمة بعد اللقمة! فإذا خاف أن ينهكها ذلك وينضم بطنها طلب من ذلك السماك شيئاً من ملح السمك فحشا جوفها لينفخها وليوهم أن هذا هو ملحها الذي ملحت به! ولربما غلبته شهوته فكدم طرف أنفها وأخذ من طرف الأرنبة ما يسيغ به لقمته! وكان ذلك منه لا يكون إلا في آخر لقمة ليطيب فمه بها! ثم يضعها في ناحية.
فإذا اشترى من امرأة غزلاً أدخل تلك الجوافة في ثمن الغزل من طريق إدخال العروض وحسبها عليها بفلس فيسترجع رأس المال ويفضل الأدم.
وروى أصحابنا عن عبد الله بن المقفع قال: كان ابن جذام الشيء يجلس إلي.
وكان ربما انصرف معي إلى المنزل فيتغذى معنا ويقيم إلى أن يبرد.
وكنت أعرفه بشدة البخل وكثرة المال.
فألح علي في الاستزارة وصممت عليه في الامتناع.
فقال: جعلت فداك! أنت تظن أني ممن يتكلف وأنت تشفق علي! لا والله! إن هي إلا كسيرات يابسة وملح وماء الحب! فظننت أنه يريد اختلابي بتهوين الأمر عليه.
وقلت: إن هذا كقول الرجل: يا غلام أطعمنا كسرة وأطعم السائل خمس تمرات.
ومعناه أضعاف ما وقع اللفظ عليه.
وما أظن أن أحداً يدعو مثلي إلى الحربية من الباطنة ثم يأتيه بكسرات وملح.
فلما صرت عنده وقربه إلي إذ وقف سائل بالباب فقال: أطعمونا مما تأكلون أطعمكم الله من طعام الجنة! قال: بورك فيك! فأعاد الكلام فأعاد عليه مثل ذلك القول.
فأعاد عليه السائل فقال: اذهب - ويلك! - فقد ردوا عليك.
فقال السائل: سبحان الله! ما رأيت كاليوم أحداً يرد من لقمة والطعام بين يديه! قال: اذهب - ويلك! - وإلا خرجت إليك والله فدققت ساقيه! فقلت للسائل: اذهب وأرح نفسك فإنك لو تعرف من صدق وعبده مثل الذي أعرف لما وقفت طرفة عين بعد رده إياك! وكان أبو يعقوب الذقنان يقول: ما فاتني اللحم منذ ملكت المال.
وكان إذا كان يوم الجمعة اشترى لحم بقر بدرهم واشترى بصلاً بدانق وباذنجاناً بدانق وقرعة بدانق.
فإذا كان أيام الجزر فجزر بدانق! وطبخه كله سكباجاً.
فأكل وعياله يومئذ خبزهم بشيء من رأس القدر وما ينقطع في القدر من البصل والباذنجان والجزر والقرع والشحم واللحم.
فإذا كان يوم السبت ثردوا خبزهم في المرق.
فإذا كان يوم الأحد أكلوا البصل.
فإذا كان يوم الاثنين أكلوا الجزر.
فإذا كان يوم الثلاثاء أكلوا القرع.
فإذا كان يوم الأربعاء أكلوا الباذنجان.
فإذا كان يوم الخميس أكلوا اللحم.
فلهذا كان يقول: ما فاتني اللحم منذ ملكت المال! قال أصحابنا: نزلنا بناس من أهل الجزيرة وإذا هم في بلاد باردة وإذا حطبهم شر حطب وإذا الأرض كلها غابة واحدة طرفاء.
فقلنا: ما في الأرض أكرم من الطرفاء.
قالوا: هو كريم ومن كرمه نفر.
فقلنا: وما الذي تفرون منه قالوا: دخان الطرفاء يهضم الطعام وعيالنا كثير! وقد عاب ناس أهل المازح والمديبر بأمور: منها أن خشكانهم من دقيق شعير وحشوه الذي فيه من الجوز والسكر من دقيق خشكار.
وأهل المازج لا يعرفون بالبخل.
ولكنهم أسوأ الناس حالاً.
فتقديرهم على قدر عيشهم.
وإنما نحكي عن البخلاء الذين جمعوا بين البخل واليسر وبين خصب البلاد وعيش أهل الجدب.
فأما من يضيق على نفسه لأنه لا يعرف إلا الضيق فليس سبيله سبيل القوم.
قال المكي: كان لأبي عم يقال له سليمان الكثري.
سمى بذلك لكثرة ماله.
وكان يقربني وأنا صبي إلى أن بلغت.
ولم يهب لي مع ذلك التقريب شيئاً قط.
وكان قد جاوز في ذلك حد البخلاء.
فدخلت عليه يوماً وإذا قدامه قطع دار صيني لا تسوى قيراطاً.
فلما نال حاجته منها مددت يدي لآخذ منها قطعة.
فلما نظر إلي قبضت يدي! فقال: لا تنقبض وانبسط واسترسل.
وليحسن ظنك فإن حالك عندي على ما تحب! فخذه كله فهو لك بزوبره وبحذافيره! وهو لك جميعاً! نفسي بذلك سخية! والله أعلم أني مسرور بما وصل إليك من الخير! فتركته بين يديه وقمت من عنده وجعلت وجهي كما أنا إلى العراق! فما رأيته وما رآني حتى مات.
وقال المكي: سمعني سليمان وأنا أنشد شعر امرئ القيس: لنا غنم نسوقها غزار كأن قرون جلتها العصي فتملأ بيتنا أقطاً وسمناً وحسبك من غنىً شبع وروي قال: لو كان الذي قال ليحيى بن خالد حين نقب في أبي قبيس وزاد في داره: عمدت إلى شيخ الجبال فزعزعته وثلمت فيه.
وقال حين عوتب في قلة الضحك وشدة القطوب: إن الذي يمنعني من الضحك أن الإنسان أقرب ما يكون من البذل إذا ضحك وطابت نفسه! صحبني محفوظ النقاش من مسجد الجامع ليلاً.
فلما صرت قرب منزله - وكان منزله أقرب إلى مسجد الجامع من منزلي - سألني أن أبيت عنده.
وقال: أين تذهب في هذا المطر والبرد ومنزلي منزلك وأنت في ظلمة وليس معك نار وعندي لباً لم ير الناس مثله وتمر ناهيك به جودة لا تصلح إلا له! فملت معه فأبطأ ساعة.
ثم جاءني بجام لبإ وطبق تمر.
فلما مددت قال: يا أبا عثمان إنه لبإ وغلظه! وهو الليل وركوده! ثم ليلة مطر ورطوبة وأنت رجل قد طعنت في السن.
ولم تزل تشكو من الفالج طرفاً.
وما زال الغليل يسرع إليك.
وأنت في الأصل لست بصاحب عشاء! فإن أكلت اللبأ ولم تبالغ كنت لا آكلاً ولا تاركاً وحرشت طباعك.
ثم قطعت الأكل أشهى ما كان إليك.
وإن بالغت بتنا في ليلة سوء من الاهتمام بأمرك ولم نعد لك نبيذاً ولا عسلاً.
وإنما قلت هذا الكلام لئلا تقول غداً: كان وكان! والله وقد وقعت بين نابي أسد! لأني لو لم أجئك به وقد ذكرته لك قلت: بخل به وبدا له فيه.
وإن جئت به ولم أحذرك منه ولم أذكرك كل ما عليك فيه قلت: لم يشفق علي ولم ينصح.
فقد برئت إليك من الأمرين جميعاً.
وإن شئت فأكلة وموتة! وإن شئت فبعض الاحتمال ونوم على سلامة! فما ضحكت قط كضحكي تلك الليلة.
ولقد أكلته جميعاً فما هضمه إلا الضحك والنشاط والسرور فيما أظن.
ولو كان معي من يفهم طيب ما تكلم به لأتى على الضحك أو لقضى علي.
ولكن ضحك من كان وحده لا يكون على شطر مشاركة الأصحاب.
وقال أبو القماقم: أول الإصلاح ألا يرد ما صار في يدي لك فإن كان ما صار في يدي لي فهو لي وإن لم يكن لي فأنا أحق به ممن صيره في يدي! ومن أخرج من يده شيئاً إلى يد غيره من غير ضرورة فقد أباحه لمن صيره إليه! وتعريفك إياه مثل إباحته.
وقالت له امرأة: ويحك يا أبا القماقم! إني قد تزوجت زوجاً نهارياً والساعة وقته.
وليست على هيئته.
فاشتر لي بهذا الرغيف أساً وبهذا الفلس دهناً فإنك تؤجر! فعسى الله أن يلقي محبتي في قلبه فيرزقني على يدك شيئاً أعيش به فقد والله ساءت حالي وبلغ المجهود مني - فأخذهما وجعله وجهه! فرأته بعد أيام فقالت: سبحان الله! أما رحمتني مما صنعت بي! قال: ويحك! سقط والله مني الفلس فمن الغم أكلت الرغيف! وتعشق واحدة فلم يزل يتبعها ويبكي بين يديها حتى رحمته.
وكانت مكثرة وكان مقلاً.
فاستهداها هريسة وقال: أنتم أحذق بها! فلما كان بعد أيام تشهى عليها رءوساً.
فلما كان بعد قليل طلب منها حيسة.
فلما كان بعد ذلك تشهى عليها طفيشلية.
قالت المرأة: رأيت عشق الناس يكون في القلب وفي الكبد وفي الأحشاء.
وعشقك أنت ليس يجاوز معدتك! وقال أبو الأصبغ: ألح أبو القماقم على قوم عند الخطبة إليهم يسأل عن مال امرأة ويحصيه ويسأل عنه.
فقالوا: قد أخبرناك بما لها فأنت أي شيء مالك قال: وما سؤالكم عن مالي الذي لها يكفيني ويكفيها! سمعت شيخاً من مشايخ الأبلة يزعم أن فقراء أهل البصرة أفضل من فقراء أهل الأبلة.
قلت: بأي شيء فضلتم قال: هم أشد تعظيماً للأغنياء وأعرف بالواجب.
ووقع بين رجلين أبليين كلام فأسمع أحدهما صاحبه كلاماً غليظاً فرد عليه مثل كلامه.
فرأيتهم قد أنكروا ذلك إنكاراً شديداً ولم أر لذلك سبباً.
فقلت: لم أنكرتم أن يقول له مثل ما قال قالوا: لأنه أكثر منه مالاً.
وإذا جوزنا هذا له جوزنا لفقرائنا أن يكافئوا أغنياءنا ففي هذا الفساد كله! وقال حمدان بن صباح: كيف صار رياح يسمعني ولا أسمعه أفهو أكثر مالاً مني ثم قال: ويكون الزائر من أهل البصرة عند الأبلى مقيماً مطمئناً.
فإذا جاء المد قالوا: ما رأينا مداً قط ارتفع ارتفاعه.
وما أطيب السير في المد! والسير في المد إلى البصرة أطيب من السير في الجزر إلى الأبلة! فلا يزالون به حتى أن من الرأي أن يغتنم ذلك المد بعينه! كان أحمد الخاركي بخيلاً وكان نفاجاً.
وهذا أغيظ ما يكون.
وكان يتخذ لكل جبة أربعة أزرار ليرى الناس أن عليه جبتين ويشتري الأعذاق والعراجين والسعف من الكلاء فإذا جاء الحمال إلى بابه تركه ساعة يوهم الناس أن له من الأرضين ما يحتمل أن يكون ذلك كله منها.
وكان يكتري قدور الخمارين التي تكون للنبيذ ثم يتحرى أعظمها ويهرب من الحمالين بالكراء كي يصيحوا بالباب: يشترون الداذي والسكر ويحبسون الحمالين بالكراء! وليس في منزله رطل دبس! وسمع قول الشاعر: رأيت الخبز عز لديك حتى حسبت الخبز في جو السحاب وما روحتنا عنا ولكن خفت مرزئة الذباب فقال: ولم ذب عنهم لعنه الله! ما أعلم إلا أنه شهى إليهم الطعام ونظف لهم القصاع وفرغهم له وسخرهم عليه! ثم ألا تركها تقع في قصاعهم وتسقط على آنافهم وعيونهم! هو والله أهل لما هو أعظم من هذا! كم ترون من مرة قد أمرت الجارية أن تلقي في القصعة الذبابة والذبابتين والثلاثة حتى يتقزز بعضهم ويكفي الله شره! قال: وأما قوله: رأيت الخبز عز لديك حتى قال: فإن لم أعز هذا الشيء الذي هو قوام أهل الأرض وأصل الأقوات وأمير الأغذية فأي شيء أعز إي والله إني أعزه وأعزه وأعزه وأعزه مدى النفس ما حملت عيني الماء.
وبلغ من نفجه مع ذلك ما أخبرني به إبراهيم بن هانئ قال: كنت عنده يوماً إذ مر به بعض الباعة فصاح الخوخ الخوخ! فقلت: وقد جاء الخوخ بعد قال: نعم قد جاء وقد أكثرنا منه.
فدعاني الغيظ عليه إلى أن دعوت البياع وأقبلت على ابن الخاركي فقلت: ويحك! نحن لم نسمع به بعد وأنت قد أكثرت منه! وقد تعلم أن أصحابنا أترف منك! ثم أقبلت على البياع فقلت: كيف تبيع الخوخ فقال: ستة بدرهم قلت: أنت ممن يشتري ست خوخات بدرهم وأنت تعلم أنه بياع بعد أيام مائتين بدرهم ثم تقول: وقد أكثرنا منه وهذا يقول: ستة بدرهم قال: وأي شيء أرخص من ستة أشياء بشيء كان غلام صالح بن عفان يطلب منه لبيت الحمار بالليل.
فكان يعطيه كل ليلة ثلاثة أفلس - والفلوس أربعة طسوج - ويقول: طسوج يفضل وحبة تنقص وبينهما يرمي الرامي! وكان يقول لابنه: تعطي صاحب الحمام وصاحب المعبر لكل واحد منهما طسوجاً وهو إذا لم ير معك إلا ثلاثة أفلس لم يردك قال أبو كعب: دعا موسى بن جناح جماعة من جيرانه ليفطروا عنده في شهر رمضان.
وكنت فيهم.
فلما صلينا المغرب ونجز ابن جناح أقبل علينا ثم قال: لا تعجلوا فإن العجلة من الشيطان.
وكيف لا تعجلون وقد قال الله جل ذكره: وكان الإنسان عجولاً وقال: خلق الإنسان من عجل - اسمعوا ما أقول فإن فيما أقول حسن المؤاكلة والبعد من الأثرة والعاقبة الرشيدة والسيرة المحمودة.
وإذا مد أحدكم يده إلى الماء فاستسقى - وقد أتيتم ببهطة أو بجوذابة أو بعصيدة أو ببعض ما يجري في الحلق ولا يساغ بالماء ولا يحتاج فيه إلى مضغ وهو طعام يد لا طعام يدين وليست على أهل اليد منه مؤنة وهو مما يذهب سريعاً - فأمسكوا حتى يفرغ صاحبكم فإنكم تجمعون عليه خصالاً: منها أنكم تنغصون عليه بتلك السرعة إذا علم أنه لا يفرغ إلا مع فراغكم.
ومنها أنكم تخنقونه ولا يجد بداً من مكافأتكم فلعله أن يتسرع إلى لقمة حارة فيموت وأنتم ترونه.
وأدنى ذلك أن تبعثوه على الحرص وعلى عظم اللقم.
ولهذا ما قال الأعرابي حين قيل له: لم تبدأ بأكل اللحم الذي فوق الثريد قال: لأن اللحم ظاعن والثريد مقيم! قال أبو كعب: فربما نسي بعضنا فمد يده إلى القصعة وقد مد يده صاحبه إلى الماء فيقول له موسى: يدك يا ناسي! ولولا شيء لقلت لك: يا متغافل! قال: وأتانا بارزة.
ولو شاء إنسان أن يعد حبها لعده لتفرقه ولقلته.
قال: فنثروا عليها ليلة من ذلك مقدار نصف سكرة.
فوقعت ليلتئذ في قطعة وكنت إلى جنبه فسمع صوتها حين مضغتها فضرب يده على جنبي ثم قال: اجرش يا أبا كعب اجرش! قلت: ويلك! أما تتقي الله! كيف أجرش جزءاً لا يتجزأ. قصة ابن العقدى
كان ابن العقدى ربما استزار أصحابه إلى البستان.
وكنت لا أظنه ممن يحتمل قلبه ذلك على حال.
فسألت ذات يوم بعض زواره فقلت: احك لي أمرك.
قال: وتستر علي قلت: نعم ما دمت بالبصرة.
قال: يشتري لنا أرزاً بقشره ويحمله معه ليس معه شيء مما خلق الله إلا ذلك الأرز! فإذا صرنا إلى أرضه كلف أكاره أن يجشه في مجشة له ثم ذراه ثم غربله ثم جش الواش منه.
فإذا فرغ من الشراء والحمل ثم من الجش ثم من التذرية ثم من الإدارة والغربلة ثم من جش الواش ثم من تذريته ثم من إدارته وغربلته كلف الأكار أن يطحنه على ثوره وفي رحاه.
فإذا طحنه كلفه أن يغلي له الماء وأن يحتطب له.
ثم يكلفه العجن لأنه بالماء الحار أكثر نزلاً.
ثم كلف الأكار أن يخبزه.
وقبل ذلك ما قد كلفهم أن ينصبوا له الشصوص للسمك ويسكروا الدرياجة على صغار السمك لا يدخلوا في السواقي فيدخلوا أيديهم في حجرة الشلابي والرمان.
فإن أصبنا من السمك شيئاً جعله كباباً على نار الخبز تحت الطابق حتى لا يحتاج من الحطب إلى كثير.
فلا نزال منذ غدوة إلى الليل في كد وجوع وانتظار.
ثم لا يكون عشاؤنا إلا خبز أرز أسود غير منخول - بالشلابي.
ولو قدر على غير ذلك فعل.
قلت له: فلم لا يتخذ موضع مذار من بعض دقاق أرضه فيذري لكم الأرز ثم يكون الخيار في يده إن أراد أن يعجل عليكم الطعام أطعمكم الفرد أو إن أحب أن يتأنى ليطعمكم الجوهري.
قال: والله لئن سمع هذا وعرفه ليتكلفه.
الله الله فينا فإنا قوم مساكين! ولو قدرنا على شيء لم نحتمل هذا البلاء! حدثني المكي قال: بت عند إسماعيل بن غزوان.
وإنما بيتني عنده حين علم أني تعشيت عند مويس وحملت معي قربة نبيذ.
فلما مضى من الليل أكثره وركبني النوم جعلت فراشي البساط ومرفقتي يدي وليس في البيت إلا مصلى له ومرفقة ومخدة.
فأخذ المخدة فرمى بها إلي فأبيتها ورددتها عليه.
وأبى وأبيت.
فقال: سبحان الله! يكون أن تتوسد مرفقك وعندي فضل مخدة فأخذتها فوضعتها تحت خدي فمنعني من النوم إنكاري للموضع ويبس فراشي.
وظن أني قد نمت.
فجاء قليلاً قليلاً حتى سل المخدة من تحت رأسي.
فلما رأيته قد مضى بها ضحكت وقلت: قد كنت عن هذا غنياً! قال: إنما جئت لأسوي رأسك! قلت: إني لم أكلمك حتى وليت بها.
قال: كنت لهذا جئت فلما صارت المخدة في يدي نسيت ما جئت له! والنبيذ - ما علمت - والله يذهب بالحفظ أجمع! وحدثني الحزامي والمكي والعروضي قالوا: سمعنا إسماعيل يقول: أوليس قد أجمعوا على أن البخلاء في الجملة أعقل من الأسخياء في الجملة ها نحن أولاء عندك جماعة فينا من يزعم أنه سخي وفينا من يزعم أنه بخيل.
فانظر أي الفريقين أعقل هأنذا وسهل بن هارون وخاقان بن صبيح وجعفر بن سعيد والحزامي والعروضي وأبو يعقوب الخريمي فهل معك إلا أبو إسحاق وحدثني المكي قال: قلت لإسماعيل مرة: لم أر أحداً قط أنفق على الناس من ماله فلما احتاج إليهم آسوه.
قال: لو كان ما يصنعون لله رضاً وللحق موافقاً لما جمع الله لهم الغدر واللؤم من أقطار الأرض.
ولو كان هذا الإنفاق في حقه لما ابتلاهم الله - جل ذكره - من جميع خلقه.
حدثني تمام بن أبي نعيم قال: كان لنا جار وكان له عرس.
فجعل طعامه كله فالوذقا.
فقيل له: إن المؤنة تعظم قال: أحتمل ثقل الغرم بتعجيل الراحة لعن الله النساء! ما أشك أن من أطاعهن شر منهن.
وحديث سمعناه على وجه الدهر: زعموا أن رجلاً قد بلغ في البخل غايته وصار إماماً وأنه كان إذا صار في يده الدرهم خاطبه وناجاه وفداه واستنبطه.
وكان مما يقول له: كم من أرض قد قطعت! وكم من كيس قد فارقت! وكم من خامل رفعت! ومن رفيع قد أخملت! لك عندي ألا تعرى ولا تضحي! - ثم يلقيه في كيسه ويقول له: اسكن على اسم الله في مكان لا تهان ولا تذل ولا تزعج منه! - وأنه لم يدخل فيه درهماً قط فأخرجه وأن أهله ألحوا عليه في شهوة وأكثروا عليه في إنفاق درهم فدافعهم ما أمكن ذلك.
ثم حمل درهماً فقط.
فبينا هو ذاهب إذ رأى حواء قد أرسل على نفسه أفعى لدرهم يأخذه.
فقال في نفسه: أتلف شيئاً تبذل فيه النفس بأكلة أو شربة والله ما هذا إلا موعظة لي من الله! فرجع إلى أهله ورد الدرهم إلى كيسه - فكان أهله منه في بلاء.
وكانوا يتمون موته والخلاص بالموت أو الحياة.
فلما مات وظنوا أنهم قد استراحوا منه قدم ابنه فاستولى على ماله وداره.
ثم قال: ما كان أدم أبى فإن أكثر الفساد إنما يكون في الإدام.
قالوا: كان يأتدم بجبنة عنده.
قال: أرونيها.
فإذا فيها حز كالجدول من أثر مسح اللقمة! قال: ما هذه الحفرة قالوا: كان لا يقطع الجبن وإنما كان يمسح على ظهره فيحفر كما ترى! قال: فبهذا أهلكني وبهذا أقعدني هذا المقعد! لو علمت ذلك ما صليت عليه! قالوا: فأنت كيف تريد أن تصنع قال: أضعها من بعيد فأشير إليها باللقمة! ولا يعجبني هذا الحرف الأخير لأن الإفراط لا غاية له.
وإنما نحكي ما كان في الناس وما يجوز أن يكون فيهم أو حجة أو طريقة.
فأما مثل هذا الحرف فليس مما نذكره.
وأما سائر حديث هذا الرجل فإنه من البابة.
قال ابن جهانة الثقفية: عجبت ممن يمنع النبيذ طالبه لأن النبيذ إنما يطلب ليوم فصد أو يوم حجامة أو يوم زيارة زائر أو يوم أكل سمك طري أو يوم شربة دواء.
ولم نر أحداً طلبه وعنده نبيذ ولا ليدخره ويحتكره ولا لبيعه ويعتقد منه.
وهو شيء يحسن طلبه وتحسن هبته ويحسن موقعه.
وهو في الأصل كثير رخيص فما وجه منعه ما يمنعه عندي إلا من لاحظ له في أخلاق الكرام! وعلى أني لست أوجل - بما أهب منه - على نبيذي النقصان لأني إذا احتجت عن ندمائي بقدر ما أخرجت من نبيذي رجع إلى نبيذي على حاله وكنت قد تحمدت بما لا يضرني فمن ترك التحمد بما لا يضره كان من التحمد بما يضره أبعد.
فذكر ابن جهانة ماله من الكرم بهبة نبيذه ولم يذكر ما عليه من اللؤم بحجب ندمائه.
قال الأصمعي أو غيره: حمل بعض الناس مدينيا على برذون فأقامه على الارى.
فانتبه من نومه فوجده يعتلف.
ثم نام فانتبه فوجده يعتلف.
فصاح بغلامه: يا بن أم! بعه وإلا فهبه وإلا فرده وإلا فاذبحه! أنام ولا ينام! يذهب بحر مالي! ما أراد إلا استئصالي! قال أبو الحسن المدائني: كان بالمدائن تمار وكان بخيلاً.
وكان غلامه إذا دخل الحانوت يحتال فربما احتبس.
فاتهمه بأكل التمر فسأله يوماً فأنكر.
فدعا بقطنة بيضاء ثم قال: امضغها.
فمضغها.
فلما أخرجها وجد فيها حلاوة وصفرة قال: هذا دأبك كل يوم وأنا لا أعلم! أخرج من داري! وكان عندنا رجل من بني أسد إذا صعد ابن الأكار إلى نخلة له ليلقط له رطباً ملأ فاه ماء.
فسخروا به وقالوا له: إنه يشربه ويأكل شيئاً على النخلة.
فإذا أراد أن ينزل بآل في يده ثم أمسكه في فيه! والرطب أهون على أولاد الأكرة وعلى أولاد غير الأكرة من أن يحتمل فيه أحد شطر هذا المكروه ولا بعضه.
قال: فكان بعدها يملأ فاه من ماء أصفر أو أحمر أو أخضر لكي لا يقدر على مثله في رءوس النخل! وحدثني المصري وكان جار الداردريشي وماله لا يحصى.
قال: فانتهر سائلاً ذات يوم وأنا عنده.
ثم وقف عليه آخر فانتهره إلا أن ذلك بغيظ وحنق.
قال: فأقبلت عليه فقلت له: ما أبغض إليك السؤال! قال: أجل عامة من ترى منهم أيسر مني.
قال: فقلت: ما أظنك أبغضتهم لهذا.
قال: كل هؤلاء لو قدروا على داري لهدموها وعلى حياتي لنزعوها! أنا لو طاوعتهم فأعطيتهم كما سألوني كنت قد صرت مثلهم منذ زمان! فكيف تظن بغضي يكون لمن أرادني على هذا وكان أخوه شريكه في كل شيء.
وكان في البخل مثله.
فوضع أخوه في يوم جمعة بين أيدينا ونحن على بابه طبق رطب يساوي بالبصرة دانقين.
فينا نحن نأكل إذ جاء أخوه فلم يسلم ولم يتكلم حتى دخل الدار.
فأنكرنا ذلك.
وكان يفرط في إظهار البشر ويجعل البشر وقاية دون ماله.
وكان يعلم أنه إن جمع بين المنع والكبر قتل.
قال: ولم نعرف علته ولم يعرفها أخوه.
فلما كان الجمعة الأخرى دعا أيضاً أخوه بطبق رطب.
فبينا نحن نأكل إذ خرج من الدار ولم يسلم ولم يقف.
فأنكرنا ذلك ولم ندر أيضاً ما قصته.
فلما أن كان في الجمعة الثالثة ورأى مثل ذلك كتب إلى أخيه: يا أخي! كانت الشركة بيني وبينك حين لم يكثر الولد ومع الكثرة يقع الاختلاف.
ولست آمن أن يخرج ولدي وولدك إلى مكروه.
وها هنا أموال باسمي ولك شطرها وأموال باسمك ولي شطرها وصامت في منزلي وصامت في منزلك لا نعرف فضل بعض ذلك على بعض.
وإن طرقنا أمر الله ما ركدت الحرب بين هؤلاء الفتية وطال الصخب بين هؤلاء النسوة.
فالرأي أن تتقدم اليوم فيما يحسم منهم هذا السبب.
فلما قرأ أخوه كتابه تعاظمه ذلك وهاله وقلب الرأي ظهراً لبطن فلم يزده التقليب إلا جهلاً.
فجمع ولده وغلظ عليهم وقال: عسى أن يكون أحد منكم قد أخطأ بكلمة واحدة أو يكون هذا البلاء من جرائر النساء.
فلما عرف براءة ساحة القوم تمشى إليه حافياً راجلاً فقال: ما يدعوك إلى القسمة والتمييز أدع صلحاء أهل المسجد الساعة حتى أشهدهم بأني وكيل لك في هذه الضياع وحول كل شيء في منزلي إلى منزلك وجرب ذلك مني الساعة.
فإن وجدتني أروغ وأعتل فدونك - فحاجتي الآن أن تخبرني بذنبي.
قال: مالك من ذنب وما من القسمة من بد.
فأقام عنده فلما طال عليه الأمر وبلغ منه الجهد قال له: حدثني عن وضعك أطباق الرطب وبسطك الحصر في السكك وإحضارك الماء البارد وجمعك الناس على بابي في كل جمعة! كأنك ظننت أنا كنا عن هذه المكرمة عمياً! إنك إذا أطعمتهم اليم البرني أطعمتهم غداً السكر وبعد غد الهلبات.
ثم يصير ذلك أيام الجمع في سائر أيام الأسبوع.
ثم يتحول الرطب إلى الغداء ثم يؤدي الغداء إلى العشاء.
ثم تصير إلى الكساء ثم الأجداء ثم الحملان ثم اصطناع الصنائع! والله إني لأرثي لبيوت الأموال لخراج المملكة من هذا فكيف بمال تاجر جمعه من الحبات والقراريط والدوانيق والأرباع والأنصاف قال: جعلت فداك! تريد ألا آكل رطبة أبداً فضلاً على غير ذلك فلا والله لا كلمتهم أبداً! قال: إياك أن تخطئ مرتين: مرة في إطماعهم فيك ومرة في اكتساب عداوتهم.
أخرج من هذا الأمر على حساب ما دخلت فيه وتسلم تسلم.
كان أبو الهذيل أهدى إلى مويس دجاجة.
وكانت دجاجته التي أهداها دون ما كان يتخذ لمويس.
ولكنه بكرمه وبحسن خلقه أظهر التعجب من سمنها وطيب لحمها.
وكان يعرف بالإمساك الشديد.
فقال: وكيف رأيت يا أبا عمران تلك الدجاجة قال: كانت عجباً من العجب! فيقول: وتدري ما جنسها وتدري ما سنها فإن الدجاجة إنما تطيب بالجنس والسن.
وتدري بأي شيء كنا نسمنها.
- فلا يزال في هذا والآخر يضحك ضحكاً نعرفه نحن ولا يعرفه أبو الهذيل.
وكان أبو الهذيل أسلم الناس صدراً وأوسعهم خلقاً وأسهلهمسهولة.
فإن ذكروا دجاجة قال: أين كانت يا أبا عمران من تلك الدجاجة فإن ذكروا بطة أو عناقاً أو جزوراً أو بقرة قال: فأين كانت هذه الجزور في الجزر من تلك الدجاجة في الدجاج وإن استسمن أبو الهذيل شيئاً من الطير والبهائم قال: لا والله ولا تلك الدجاجة! وإن ذكروا عذوبة الشحم قال: عذوبة الشحم في البقر والبط وبطون السمك والدجاج ولا سيما ذلك الجنس من الدجاج.
وإن ذكروا ميلاد شيء أو قدوم إنسان قال: كان ذلك بعد أن أهديتها لك بسنة وما كان بين قدوم فلان وبين البعثة بتلك الدجاجة إلا يوم.
وكانت مثلاً في كل شيء وتاريخاً في كل شيء! وأقبل مرة على محمد بن الجهم وأنا وأصحابنا عنده فقال: إني رجل منخرق الكفين لا أليق شيئاً.
ويدي هذه صناع في الكسب ولكنها في الإنفاق خرقاء! كم تظن من مائة ألف درهم قسمتها على الإخوان في مجلس أبو عثمان يعلم ذلك! أسألك بالله يا أبا عثمان هل تعلم ذلك فقلت: يا أبا الهذيل ما نشك فيما تقول - فلم يرض باحتضاري هذا الكلام حتى وكان أبو سعيد المدائني إماماً في البخل عندنا بالبصرة.
وكان من كبار المغتنين ومياسيرهم.
وكان شديد العقل شديد العارضة حاضر الحجة بعيد الروية.
وكنت أتعجب من تفسير أصحابنا لقول العرب في لؤم اللئيم الراضع: قال أصحابنا: كل لئيم بخيل وليس كل بخيل لئيماً لأن اسم اللئيم يقع على البخل وعلى قلة الشكر وعلى مهانة النفس وعلى أن له في ذلك عرفاً متقدماً.
قال أبو زيد: هو لئيم وملائم.
فاللئيم ما فسرت والملام الذي يقوم بعذر اللئيم.
فأما اللئيم الراضع فالذي لا يحلب في الإناء ويرضع الخلف مخافة أن يضيع من اللبن شيء.
قال ثوب بن شحمة العنبري في امرأته الهمدانية: وحديث لا مجة التي حدثتني تدع الإناء تشرباً للقادم القادمان: الخلفان المقدمان.
فلما بلغه ذلك عنها طلقها.
فلما طلقها قيل له: إن البخل إنما يعيب الرجال ومتى سمعت بامرأة هجيت في البخل قال: ليس ذلك بي.
أخاف أن تلد لي مثلها.
قال رافع بن هريم: .
.
.
.
.
.
.
.
.
تحلب قاعداً وتلمج أحياناً وقبعك حاضر يدعوا الله أن يجعله صاحب شاء ولا يجعله صاحب إبل وأن يرتضع من الخلف وإن كان معه إناء.
والعربي يماري على صاحبه فيقول: إن كنت كاذباً فاحتلبت قاعداً: أي أبدلك الله بكرم الإبل لؤم الغنم.
فكيف يتعجب من لؤم الراضع وصنع أبو سعيد المدائني أعظم من ذلك اصطبغ من دون خل وهو قائم حتى فني ولم يخرج منه قليلاً ولا كثيراً.
وكانت له حلقة يقعد فيها أصحاب الغنية والبخلاء الذين يتذاكرون الإصلاح.
فبلغهم أن أبا سعيد يأتي الحربية في كل يوم ليقتضي رجلاً هناك خمسة دراهم فضلت عليه وقالوا: هذا خطأ عظيم وتضييع كثير.
وإنما الحزم أن يتشدد في غير تضييع.
وصاحبنا هذا قد رجع على نفسه بضروب من البلاء.
فاجتمعوا عليه على طريق التفرغ له والاستفادة منه.
قالوا: نراك تصنع شيئاً لا نعرفه والخطأ منك أعظم منه من غيرك.
قد أشكل علينا هذا الأمر فأخبرنا عنه فقد ضاقت صدورنا به: خبرنا عن مضيك إلى الحربية لتقتضي خمسة دراهم فواحدة: أنا لا نأمن عليك انتقاض بدنك وقد خلا ما خلا من سنك وأن تعتل فتدع التقاضي الكثير بسبب القليل.
وثانية: أنك إن تنصب هذا النصب فلا بد لك من أن تزداد في العشاء إن كنت ممن يتعشى أو تتعشى إن وبعد فإنك تحتاج أن تشق وسط السوق وعليك ثيابك والحمولة تستقبلك.
فمن هاهنا نترة ومن هاهنا جذبة فإذا الثوب قد أودى.
ومن ذلك أن نعلك تنقب وترق وساق سراويلك تتسخ وتبلى ولعلك أن تعثر في نعلك فتقدها قداً ولعلك أن تهرتها هرتاً.
وبعد فاقتضاء القليل أدلى بك إلى هذا لو بلغت منه شيئاً.
وإنك أفضل إلا أنا نحب أنك تجاى عن الأمر بشيء فليس كلنا يثق لك بالصواب في كل شيء.
قال أبو سعيد: أما ما ذكرتم من انتفاض البدن فإن الذي أخاف على بدني من الدعة ومن قلة الحركة أكثر.
وما رأيت أصح أبداناً من الحمالين والطوافين.
والقوم قبلى إن يموتوا لم يكن لهم تلك عادة.
أو ليس يقول الناس: والله لفلان أصح من الجلاوزة - يعني اختلاف الجلاوزة في العدو -.
ولربما أقمت في المنزل لبعض الأمر فأكثر الصعود والنزول خوفاً من قلة الحركة.
وأما التشاغل بالبعيد عن القريب فإني لا أعرض للبعيد حتى أفرغ من القريب.
وأما ما ذكرتم من الزيادة في الطعام فقد أيقنت نفسي واطمأن قلبي على أنه ليس لنفسي عندي إلا ما لها وأنها إن حاسبتني أيام النصب حاسبتها أيام الراحة فستعلم حينئذ أين أيام الحربية من أيام ثقيف وأما ما ذكرتم من تلقى الحمولة ومن مزاحمة أهل السوق ومن النتر والجذب فأنا أقطع عرض وأما ما ذكرتم من شأن النعل والسراويل فإني من لدن خروجي من منزلي إلى أن أقرب من باب صاحبي فإنما نعلي في يدي وسروايلي في كمي! فإذا صرت إليه لبستهما! فإذا فصلت من عنده خلعتهما! فهما في ذلك اليوم أودع أبداناً وأحسن حالاً! بقي الآن لكم مما ذكرتم شيء قالوا: لا.
قال: فها هنا واحدة تفي بجميع ما ذكرتم.
قالوا: وما هي إذا علم القريب الدار ومن لي عليه ألوف الدنانير شدة مطالبتي للبعيد الدار ومن ليس لي عليه إلا الفلوس أتي بحقي ولم يطمع نفسه في مالي.
وهذا تدبير يجمع لي إلى رجوع مالي طول راحة بدني.
ثم أنا بالخيار في ترك الراحة لأني أقسمها على الأشغال حينئذ كيف شئت.
وأخرى أن هذا القليل لو لم يكن فضلة من كثير وموصلاً بدين لي مشهور لجاز أن أتجافى عنه.
فأما أن أدع شيئاً يطمع في فضول ما يبقي على الغرماء فهذا ما لا يجوز.
فقاموا وقالوا بأجمعهم: لا والله لا سألناك عن مشكلة! حدثني أحمد المكي أخو محمد المكي - وكان متصلاً بأبي سعيد - نسيت القنية ونسيت صنعة المال لأعاجيب أبي سعيد وحديثه قال أحمد: قلت له مرة: والله إنك لكثير المال وإنك لتعرف ما نجهل وإن قميصك وسخ فلم لا تأمر بغسله قال: فلو كنت قليل المال وأجهل ما تعرف كيف كان قولك لي إني قد فكرت في هذا منذ ستة أشهر فما وضح لي بعد الأمر فيه.
أقول مرة: الثوب إذا اتسخ أكل البدن كما يأكل الصدأ الحديد والثوب إذا ترادفه العرق وجف وتراكم عليه الوسخ ولبد أكل السلك وأحرق الغزل.
هذا مع نتن ريحه وقبح منظره.
وبعد فإني رجل آتي أبواب الغرماء وغلمان غرمائي جبابرة.
فما ظنك بهم إذا رأوني في أطمار وسخة وأسمال درنة وحال حداد جبهوا مرة وحجبوا مرة فيرجع ذلك علينا بمضرة.
من إصلاح المال أن ينفي عنه كل ما أعان على حبسه مع ما يدخل من الغيظ ويلقي من كان كذلك من المكروه.
فإذا اجتمعت هذه الخواطر هممت نغسلها فإذا همت به عارضني معارض يوهمني أنه أتاني من جهة الحزم ومن قبل العقل فقال: أول ذلك الغرم الذي يكون في الماء والصابون.
والجارية إذا ازدادت عناء ازدادت أكلاً.
والصابون نورة والنورة تأكل الثوب.
وإن انحزق لا يزال الثوب على خطر حتى يسلم إلى العصر والدق.
ثم إذا ألقي على الرسن فهو بعرض الجذبة والنترة والعلق.
ولابد من الجلوس يومئذ في البيت.
ومتى جلست في البيت فتحوا علينا أبواباً من النفقة وأبواباً من الشهوات.
والثياب لابد لها من دق.
فإن نحن دققناها في المنزل قطعناها.
وإن نحن أسلمناها إلى القصار فغرم على غرم.
وعلى أنه ربما أنزل بها من المكروه ما هو أشد.
وما جلست في المنزل قط إلا أرجف بي الغرماء وادعوا على الأمراض والأحداث.
وفي ذلك لهم فساد والتواء وطمع لم يكن عندهم.
فإذا أنا لبستها وقد ابيضت وحسنت وخفت وطابت تبينت عند ذلك وسخ جسدي وكثرة شعري وقد كان بعض ذلك موصولاً ببعض فعرفته فاستبان لي ما لم يكن يستبين واكترثت لما لم أكن اكترثت له فيصير ذلك مدعاة إلى دخول الحمام.
فإن دخلته فغرم ثقيل مع المخاطرة بالثياب.
ولي امرأة جميلة شابة.
فإذا رأتني قد أطليت وغسلت رأسي وبيضت ثوبي عارضتني بالتطيب وتلبس أحسن ثيابها! مع أمور كثيرة نسي بعضها أحمد وبعضها أنا.
وكان أبو سعيد هذا مع بخله أشد الناس نفساً وأحماهم أنفاً.
بلغ من أمره في ذلك ومن بلوغه فيه أنه أتى رجلاً من ثقيف يقتضيه ألف دينار وقد حل عليه المال.
فكان ربما أطال عنده الجلوس.
ويحضر عنده الغداء فيتغدى معه.
وهو في ذلك يقتضيه.
فلما طال عليه المطل قال له يوماً وهو على خوانه: إن لهذا المال زكاة مؤداة وقد علمنا أنا حين أخرجنا هذا المال من أيدينا أنه معرض للذهاب وللمنازعة الطويلة ولأن يقع في الميراث.
ثم رضينا منك بالريح اليسير بالذي ظنناه بك من حسن القضاء.
ولولا ذلك لم نرض بهذا المال.
وهذا المال إذا كان شرطه أن يرجع بعد سنة فرفهت عنك بحسن المطالبة شهراً أو شهرين ثم مكث عندي إلى أن أصبت له مثلك شهراً أو شهرين سحق فضله وخرج علينا فضل.
ومثلك يكتفي بالقليل.
وقد طال اقتضائي وطال تغافلك.
يقول هذا الكلام وهو في ذلك لا يقطع الأكل - فأقبل عليه رجل من ثقيف فعرض له بأنه لو أراد التقاضي محضاً لكان ذلك في المسجد ولم يكن في الموضع الذي يحضر فيه الغداء.
فقطع الأكل ثم نزا في وجهه الدم ونظر إليه نظر الجمل الصول ثم كاد يطير! ثم أقبل عليه فقال: لا أم لك! أنا إنما اصطبغت من دن خل حتى فني من حسن العقل.
وأحببت الغنى بفضل بغضي للفقر وأبغضت الفقر بفضل أنفتي من احتمال الذل.
تعرض لي - لا أم لك! - بأني أرغب في غدائه.
والله ما أكلت معه إلا ليستحي من حرمة المؤاكلة وليصير كرمه سبباً لتعجيل الحاجة.
ثم نهض بالصك وعليه طينته فاعترض بها الحائط حتى كسرها.
ثم تفل في الكتاب وحك بعضه ببعض.
ثم مزقه ورمى به.
ثم قال لكل من شهد المجلس: هذه ألف دينار كانت لي على أبي فلان اشهدوا جميعاً أني قد قبضت منه وأنه برئ من كل شيء أطالبه.
ثم نهض.
فلما صنع ما صنع أقبل الغريم على صاحبه فقال: ما دعاك إلى هذا الكلام ثم تقول لهذا الرجل على مائدتي! وتقدم بهذا الكلام على من لا تعرف كيف موقع الأمور منه وبعد فقد والله أردت مطله إلى أن أبيع الثمر ورجونا حلاوته.
فقد أحسنت إليه وأسأت إلينا وعجلت عليه ماله.
اذهب يا غلام فاضرب بذلك الثمر السوق فيعه بما بلغ! فأخذ ماله كملاً.
ثم ركب إليه فأبى أن يأخذه.
فلما كثر الأمر في ذلك قال: أظن الذي دعا صاحبك إلى ما قال أنه عربي وأنا مولى.
فإن جعلت شفعاءك من الموالي أخذت هذا المال وإن لم تفعل فإني لا آخذه.
فجمع الثقفي كل شعوبي بالبصرة حتى طلبوا إليه حتى أخذ المال.
وكان أبو سعيد ينهى خادمه أن تخرج الكساحة من الدار وأمرها أن تجمعها من دور السكان وتلقيها على كساحتهم.
فإذا كان في الحين جلس وجاءت الخادم ومعها زبيل فعزلت بين يديه من الكساحة زبيلاً ثم فتشت واحداً واحداً.
فإن أصاب قطع دراهم وصرة فيها نفقة والدينار أو قطعة حلي - فسبيل ذلك معروف.
وأما ما وجد فيه من الصوف فكان وجهه أن يباع - إذا اجتمع - من أصحاب البراذع.
وكذلك قطع الأكسية.
وما كان من خرق الثياب فمن أصحاب الصينيات والصلاحيات.
وما كان من قشور الرمان فمن الصباغين والدباغين.
وما كان من القوارير فمن أصحاب الزجاج.
وما كان من نوى التمر فمن أصحاب الحشوف.
وما كان من نوى الخوخ فمن أصحاب الغرس.
وما كان من المسامير وقطع الحديد فللحدادين.
وما كان من القراطيس فللطراز.
وما كان من الصحف فلرءوس الجرار.
وما كان من قطع الخشب فللا كافين.
وما كان من قطع العظام فللوقود.
وما كان من قطع الخرق فللتنانير الجدد.
وما كان من إشكنج فهو مجموع للبناء ثم يحرك ويثار ويخلل حتى يجتمع قماشه.
ثم يعزل للتنور.
وما كان من قطع القار بيع من القيار.
وإذا بقي التراب خالصاً وأراد أن يضرب منه اللبن للبيع وللحاجة إليه لم يتكلف الماء ولكن يأمر جميع من في الدار ألا يتوضئوا ولا يغتسلوا إلا عليه.
فإذا ابتل ضربه لبناً! وكان يقول: من لم يتعرف الاقتصاد تعرفي فلا يتعرض له.
وذهب من ساكن له شيء كبعض ما يسرق من البيوت.
فقال لهم: اطرحوا الليلة تراباً فعسى أن يندم من أخذه فيلقيه في التراب.
ولا ينكر مجيئه إلى ذلك المكان لكثرة من يجيء لذلك.
فاتفق أن طرح ذلك الشيء المسروق في التراب - وكانوا يطرحونه على كناسته - فرآه قبل أن يراه المسروق منه.
فأخذ منه كراء الكساحة! فهذا حديث أبي سعيد! تمشى قوم إلى الأصمعي مع تاجر كان اشترى ثمرته بخسران كان ناله وسأله حسن النظر والحطيطة.
فقال الأصمعي: أسمعتم بالقسمة الضيزى هي والله ما تريدون شيخكم عليه! اشترى مني على أن يكون الخسران علي والربح له! هذا وأبيكم تجارة أبي العنبس! اذهبوا فاشتروا على طعام العراق على هذا الشرط! على أني والله ما أدري أصادق هو أم كاذب.
وها هنا واحدة وهي لكم دوني ولابد من أن أحتمل لكم إذ لم تحتملوا لي.
والله ما مشيتم معه إلا وأنتم توجبون حقه وتوجبون رفده.
لو كنت أوجب له مثل ما توجبون لقد كنت أغنيته عنكم.
وأنا لا أعرفه ولا يصريني بحق.
فهلموا نتوزع هذه الفضلة بيننا بالسوية.
هذا أحسن ممن احتمل حقاً لا يجب عليه في رضا من يجب ذلك عليه.
فقاموا ولم يعودوا.
فخرج إليه التاجر من حقه وأيس مما قبله.
حدثني جعفر ابن أخت واصل قال: قلت لأبي عيينة: قد أحسن الذي سأل امرأته عن اللحم فقالت: أكله السنور.
فوزن السنور ثم قال: هذا اللحم فأين السنور قال: كأنك تعرض بي! قال: قلت: إنك والله أهل ذلك: شيخ قد قارب المائة وعليه فاضلة وعياله قليل ويعطي الأموال على مذاكرة العلم والعلم لذته وصناعته.
ثم يرقي إلى جوف منزله! وأنت رجل لك في البستان ورجل في أصحاب الفسيل ورجل في السوق ورجل في الكلاء: تطلب من هذا وقر جص ومن هذا وقر آجر ومن هذا قطعة ساج.
ومن هذا هكذا! ما هذا الحرص وما هذا الكد وما هذا الشغل لو كنت شاباً بعيد الأمل كيف كنت تكون ولو كنت مديناً كثير العيال كيف كنت تكون وقد رأيتك فيما حدث تلبس الأطمار وتمشي حافياً نصف النهار - قال: ثم أجمجم.
بلغني أنك فقدت قطعة بطيخ فألححت في المسألة عنها فقيل لك: أكلها السنور.
فرميت بباقي القطعة قدام السنور لتمتحن صدقهم من كذبهم! فلما لم يأكله غرمتهم ثمن البطيخة كما هي! قالوا لك: كان الليل.
فإن لم تكن التي أكلته من سنانير الجيران وكان الذي أكله سنورنا هذا فإنك رميت إليه بالقطعة وهو شبعان منه.
فأنظرنا ولا تغرمنا نمتحنه في حال غير هذه.
فأبيت إلا إغرامهم! قال: ويلك! إني والله ما أصل إلى منعهم من الفساد إلا ببعض.
وقد قال زياد في خطبته: إني والله ما أصل منكم إلى أخذ الحق حتى أخوض الباطل إليكم خوضاً.
وأما ما لمتني عليه اتفاقاً فإنما ذهبت إلى قوله: لو أن في يدي فسيلة ثم قيل لي: إن القيامة تقوم الساع لبادرتها فغرستها.
وقد قال أبو الدرداء في وجعه الذي مات فيه: زوجوني فإني أكره أن ألقي الله قال مكرز: العجز فراش وطئ لا يستوطئه إلا الفشل الدثور.
وقال عبد الله بن وهب: حب الهويني يكسب النصب.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إياكم والراحة فإنها غفلة.
وقال: لو أن الصبر والشكر بعيران ما باليت أيهما أركب.
وقال: تمعددوا واخشوشنوا واقطعوا الركب واركبوا الخيل نزوا.
وقال لعمرو بن معد يكرب حين شكا إليه الحقاء: كذبت عليك الظهائر.
وقال: احتفوا فإنكم لا تدرون متى تكو الحفلة.
وقال: إن يكن الشغل مجهدة فإن الفراغ مفسدة.
وقال لسعيد بن حاتم: احذر النعمة كحذرك من المعصية ولهي أخوفهما عليك عندي.
وقال: أحذركم عاقبة الفراغ فإنه أجمع لأبواب المكروه من الشغل.
وقال أكثم بن صيفي: ما أحب أني مكفي كل أمر الدنيا.
قالوا: وإن أسمنت وألبنت قال: نعم أكره عادة العجز.
أفتراني أدع وصايا الأنبياء وقول الخلفاء وتأديب العرب وآخذ بقولك وتغدى محمد بن الأشعث عند يحيى بن خالد.
فتذاكروا الزيت وفضل ما بينه وبين السمن وفضل ما بين الأنفاق وزيت الماء.
فقال محمد: عندي زيت لم ير الناس مثله.
قال يحيى: لا تؤتي منه بشيء فدعا يحيى غلامه.
فقال: إذا دخلت الخزانة فانظر الجرة الرابعة عن يمينك إذا دخلت فجئنا منه بشيء.
قال يحيى: ما يعجبني السيد يعرف موضع زيته وزيتونه.
وقرب خباز أسد بن عبد الله إليه وهو على خراسان شواء قد أنضجه نضجاً وكان يعجبه ما رطب من الشواء.
فقال لخبازه: أتظن أن صنيعك يخفى علي إنك لست تبالغ في إنضاجه لتطييبه ولكن تستحلب جميع دسمه فتنتفع بذلك منه! فبلغت أخاه فقال: رب جهل خير من علم! وكان رجل يغشى طعام الجوهري وكان يتحرى وقته ولا يخطئ.
فإذا دخل والقوم يأكلون وحين وضع الخوان قال: لعن الله القدرية! من كان يستطيع أن يصرفني عن أكل الطعام وقد كان في اللوح المحفوظ أني سآكله فلما أكثر من ذلك قال له رياح: تعال بالعشي أو بالغداة.
فإن وجدت شيئاً فالعن القدرية والعن آباءهم وأمهاتهم! وجاء غلام إلى خالد بن صفوان بطبق خوخ - إما أن يكون هدية وإما أن غلامه جاء به من البستان - فلما وضعه بين يديه قال: لولا أني أعلم أنك قد أكلت منه لأطعمتك واحدة! وقال رمضان: كنت مع شيخ أهوازي في جعفرية.
وكنت في الذنب وكان في الصدر.
فلما جاء وقت الغداء أخرج من سلة له دجاجة وفرخاً واحداً مبرداً.
وأقبل يأكل ويتحدث ولا يعرض علي.
وليس في السفينة غيري وغيره! فرآني أنظر إليه مرة وإلى ما بين يديه مرة.
فتوهم أني أشتهيه واستبطئه.
فقال لي: لم تحدق النظر من كان عنده أكل مثلي ومن لك يكن عنده نظر مثلك!.
قال: ثم نظر إلي وأنا أنظر إليه فقال: يا هناه أنا رجل حسن الأكل لا آكل إلا طيب الطعام.
وأنا أخاف أن تكون عينك مالحة وعين مثلك سريعة.
فاصرف عني وجهك.
قال: فوثبت عليه فقبضت على لحيته بيدي اليسرى ثم تناولت الدجاجة بيدي اليمنى.
فما زلت أضرب بها رأسه حتى تقطعت في يدي! ثم تحول إلى مكاني فمسح وجهه ولحيته.
ثم أقبل علي فقال: قد أخرتك أن عينك مالحة وأنك ستصيبني بعين! قلت: وما شبه هذا من العين قال إنما العين مكروه يحدث.
فقد أنزلت بنا عينك أعظم المكروه! فضحكت ضحكاً ما ضحكت مثله.
وتكالمنا حتى كأنه لم يقل قبيحاً وحتى كأني لم أفرط عليه.
هذه ملتقطات أحاديث أصحابنا وأحاديثنا وما رأينا بعيوننا.
فأما أحاديث الأصمعي وأبي عبيدة وأبي الحسن فإني لم أجد منها ما يصلح لهذا الموضع إلا ما قد كتبته في هذا الكتاب وهي بضعة عشر حديثاً.
قالوا: كان للمغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل الثقفي وهو على الكوفة جدي يوضع على مائدته بعد الطعام.
ولم يكن أحد يمسه إذ كان هو لا يمسه! فأقدم عليه أعرابي يوماً ولم يعرف سيرة أصحابنا فيه فلم يرض بأكل لحمه حتى تعرق عظمه.
فقال له المغيرة: يا هذا! تطالب عظام هذا الجدي بذحل هل نطحتك أمه وكان الأصمعي يقول: إنما قال: يا هذا! تطالب عظام هذا البائس بذحل هل نطحتك أمه.
قال: وكان على شرطته عبد الرحمن بن طارق فقال لرجل من الشرط: إن أقدمت على جدي الأمير أسقطت عنك نوبة سنة.
فبلغه ذلك فشكاه إلى الحجاج فعزله وولي مكانه زياد بن جديد.
فكان أثقل عليه من عبد الرحمن.
ولم يقدر على عزله إذ كان من قبل الحجاج.
فكان المغيرة إذا خطب قال: يا أهل الكوفة! من بغاكم الغوائل وسعى بكم إلى أميركم فلعنه الله ولعن أمه العوراء! وكانت أم زياد عوراء.
فكان الناس يقولون: ما رأينا تعريضاَ قط أطيب من تعريضه!.
قالوا: وكان لزياد الحارثي جدي لا يمسه ولا يمسه أحد! فعشي في شهر رمضان قوماً فيهم أشعب.
فعرض أشعب للجدي من بينهم.
فقال زياد: أما لأهل السجن إمام يصلي بهم قالوا: لا.
قال: فليصل بهم أشعب.
فقال أشعب: أو غير هذا - أصلح الله الأمير - قال: وما هو قال: أحلف بالمحرجات ألا آكل لحم جدي أبداً! قالوا: دعا عبد الملك بن قيس الذئبي رجلاً من أشراف أهل البصرة.
وكان عبد الملك بخيلاً على الطعام جواداً بالدراهم.
فاستصحب الرجل ساكناً.
فلما رآه عبد الملك ضاق به ذرعاً.
فأقبل عليه فقال له: ألف درهم خير لك من احتباسك علينا! واحتمل غرم ألف درهم ولم يحتمل أكل رغيف! وتناول أعرابي من بين يدي سليمان بن عبد الملك دجاجة فقال له: يكفيك ما بين يديك وما يليك.
قال الأعرابي: ومنها شيء حمى قال: فخذها لا بورك لك فيها! قال: وكان معاوية تعجبه القبة.
وتغدى معه ذات يوم صعصعة بن صوحان فتناولها صعصعة من بين يدي معاوية.
قال معاوية: إنك لبعيد النجعة! قال صعصعة: من أدب انتجع! وقال: دخل هشام بن عبد الملك حائطاً له فيه فاكهة وأشجار وثمار ومعه أصحابه.
فجعلوا يأكلون ويدعون بالبركة! فقال هشام: يا غلام! اقلع هذا واغرس مكانه الزيتون! قال: وكان المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل الثقفي يأكل تمراً هو وأصحابه.
فانطفأ السراج.
وكانوا يلقون النوى في طست.
فسمع صوت نواتين فقال: من هذا الذي يلعب بكعبين وقالوا: باع حويطب بن عبد العزى داراً من معاوية بخمسة وأربعين ألف دينار.
فقيل له: أصبحت كثير المال.
قال: وما منفعة خمسة وأربعين ألفاً مع ستة من العيال وقالوا: سأل خالد بن صفوان رجل فأعطاه درهماً فاستقله السائل فقال: يا أحمق! إن الدرهم عشر العشرة وإن العشرة عشر المائة وإن المائة عشر الألف وإن الألف عشر العشرة الآلاف.
أما ترى كيف ارتفع الدرهم إلى دية مسلم! قالوا: كان بلال بن أبي بردة قد خاف الجذام وهو والي البصرة.
فوصفوا له الاستنقاع في السمن.
وكان يفطر الناس في شهر رمضان.
فكانوا يجلسون حلقاً وتوضع لهم الموائد.
فإذا أقام المؤذن نهض بلال إلى الصلاة ويستحي الآخرون.
فإذا قاموا إلى الصلاة جاء الخبازون فرفعوا الطعام! قال: واحتقن عمر بن يزيد الأسدي بحقنة فيها أدهان.
فلما أدهان.
فلما حركته بطنه كره أن يأتي الحلاء فتذهب تلك الأدهان.
فكان يجلس في الطست ويقول: صفوا هذا فإنه يصلح للسراج! قال: وخبرنا جار له قال: رأيته يتخلل من الطعام بخلال واحد شهراً كلما تغدى حذف من وقالوا: كان ذراع الذراع مع خالد بن صفوان.
فوضعوا بين يديه دجاجة وبين يديه شيء من زيتون.
فجعل يلحظ الدجاجة.
فقال: كأنك تهم بها! قال: ومن يمنعني قال: إذا أصير أنا وأنت في مالي سواء! قال: ومد يده أبو الأشهب إلى شيء بين يدي نميلة بن مرة السعدي فقال: إذا أفردت بشيء فلا تعترض لغيره.
قالوا: ومات وعليه للدقاق وحده ثمانون ألف درهم لكثرة طعامه! وقالوا: كان الحكم بن أيوب الثقفي عاملاً للحجاج على البصرة.
واستعمل على العرق جرير بن بيهس المازني ولقب جرير العطرق.
فخرج الحكم يتنزه وهو باليمامة.
فدعا العطرق إلى غدائه.
فكل معه فتناول دراجة كانت بين يديه.
فعزله وولي مكانه نويرة المازني.
فقال نويرة وهو ابن عم العطرق: قد كان في العرق صيد لو قنعت به فيه غنى لك عن دراجة الحكم وفي عوارض لا تنفك تأكلها لو كان يشفيك لحم الجزر من قرم! وفي وطاب مملاة مثممة فيها الصريح الذي يشفي من القرم ولما ولي مكانه نويرة بلغه أنه ابن عم له فعزله.
فقال نويرة: ولا ساق سراق العراقة صالح بني ولا كلفت ذنب العطرق وتناول رجل من قدام أمير كان لنا ضخم بيضة فقال: خذها فإنها بيضة العقر.
فلم يزل محجوباً حتى مات.
وأتي ضيعة له يتنزه إليها ومعه خمسة رجال من خاصته وقد حملوا معه طعام خمسمائة وثقل عليه أن يأكلوا معه واشتد جوعه فجلس على مشارة بقل.
فأقبل ينتزع الفجلة فيطوي جزرتها بعرقها ثم يأكلها من غير أن تغسل من كلب الجوع ويقول لواحد منهم كان أقرب الخمسة إليه مجلساً: لو ذهب هؤلاء الثقلاء لقد أكلنا! قالوا: وأكل عبد الرحمن بن أبي بكرة على خوان معاوية فرأى لقم عبد الرحمن.
فلما كان بالعشي وراح إليه أبو بكرة قال: ما فعل ابنك التلقامة قال: اعتل.
قال: مثله لا يعدم العلة! وأكل أعرابي مع أبي الأسود الدؤلي فرأى له لقماً منكراً وهاله ما يصنع.
قال له: ما اسمك قال لقمان.
قال: صدق أهلك أنت لقمان! قالوا: وكان له دكان لا يسع إلا مقعده وطبيقاً يوضع بين يديه وجعله مرتفعاً ولم يجعل له عتباً كي لا يرتقي إليه أحد.
قالوا: فكان أعرابي يتحين وقته ويأتيه على فرس فيصير كأنه معه على الدكان.
فأخذ دبة وجعل فيها حصى واتكأ عليها.
فإذا رأى الأعرابي قد أقبل أراه كأنه يحول متكأه.
فإذا قعقعت الدبة بالحصى نفر الفرس.
قالوا: فلم يزل الأعرابي يدينه ويقعقع هو به حتى نفر منه فصرعه.
فكان لا يعود بعد ذلك إليه. رسالة أبي العاص بن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي إلى الثقفي
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإن جلوسك إلى الأصمعي وعجبك بسهل بن هارون واسترجاحك إسماعيل بن غزوان وطعمك على مويس بن عمران وخلطتك بابن مشارك واختلافك إلى ابن التوأم وإكثارك من ذكر المال وإصلاحه والقيام عليه واصطناعه وإطنابك في وصف النرويج والتثمير وحسن التعهد والتوفير - دليل على خبئ سوء وشاهد على عيب وإدبار بعد أن كنت تستثقل ذكرهم وتستشنع فعلهم وتتعجب من مذهبهم وتسرف في ذمهم.
وليس يلهج بذكر الجمع إلا من قد عزم على الجمع ولا يأنس بالبخلاء إلا المستوحش من وفي تحفظك قول سهل بن هارون: " في الاستعداد في حال المهلة وفي الأخذ بالثقة وأن أقبح التفريط ما جاء مع طول المدة وأن الحزم كل الحزم والصواب كل الصواب أن يستظهر على الحدثان وأن يجعل ما فضل عن قوام الأبدان ردءاً دون صروف الزمان وأنا لا نسب إلى الحكمة حتى نحوط أصل النعمة بأن نجعل دون فضولها جنة " - شاهد على عجبك بمذهبه وبرهان على ميلك إلى سبيله.
وفي استحسانك رواية الأصمعي في " أن أكثر أهل النار النساء والفقراء وأن أكثر أهل الجنة البله والأغنياء وأن أرباب الدثور هم الذين ذهبوا بالأجور " - برهان على صحة حكمنا عليك ودليل على صواب رأينا فيك.
وفي تفضيلك كلام ابن غزوان حين قال: " تنعمتم بالطعام الطيب وبالثياب الفاخرة وبالشراب الرقيق وبالغناء المطرب وتنعمنا بعز الثروة وبصواب النظر في العاقبة وبكثرة المال والأمن من سوء الحال ومن ذل الرغبة إلى الرجال والعجز عن مصلحة العيال - فتلك لذتكم وهذه لذتنا.
وهذا رأينا في التسلم من الذم وذاك رأيهم في التعرض للحمد.
وإنما ينتفع بالحمد السليم الفارغ البال ويسر باللذات الصحيح الصادق الحس.
فأما الفقير فما والطعام الذي آثرتموه يعود رجيعاً والشراب يصير بولاً والبناء يعود نقضاً.
والغناء ريح هابة ومسقط للمروءة وسخافة تفسد ورنة تسير.
فلذتكم فيما حوى لكم الفقر ونقض المروءة ولذتنا فيما حوى لنا الغنى وبنى المروءة.
فنحن في بناء وأنتم في هدم ونحن في إبرام وأنتم في نقض ونحن في التماس العز الدائم مع فوت بعض اللذة وأنتم في التعرض للذل الدائم مع فوت كل مروءة ".
وقد فهمنا معنى حكايتك وما لهجت به من روايتك.
والدليل على انتقاض طباعك وإدباز أمرك استحسانك ضد ما كنت تستحسن وعشقك لما لم تزل تمقت.
فبعداً وسحقاً! ولا يبعد الله إلا من ظلم! والشاعر أبصر بكم حيث يقول: فإن سمعت بهلك للبخيل فقل: بعداً وسحقاً له من هالك مودى! تراثه جنة للوارثين إذا أودى وجثمانه للتراب والدود وقال آخر: تبلى محاسن وجهه في قبره والمال بين عدوه مقسوم والحمد لله الذي لم يمتني حتى أرانيك وكيلاً في مالك وأجيراً لوارثك.
وهل تزيد حال من أنفق جميع ماله ورأى المكروه في عياله وظهر فقره وشمت به عدوه على أكثر من انصراف المؤنسين عنه وعلى بغض عياله وعلى خشونة الملبس وخشونة المأكل وهذا كله مجتمع في مسك البخيل ومصبوب على هامة الشحيح ومعجل للئيم وملازم للمنوع ألا إن المنفق قد ربح المحمدة وتمتع بالنعمة ولم يعطل المقدرة ووفى كل خصلة من هذه حقها ووفر عليها نصيبها والممسك معذب بحصر نفسه وبالكد لغيره مع لزوم الحجة وسقوط الهمة والتعرض للذم والإهانة ومع تحكيم المرة السوداء في نفسه وتسلطيها على عرضه وتمكينها من عيشه وسرور قلبه.
ولقد سرى إليك عرق ولقد دخل أعراقك جور ولقد عمل فيها قادح ولقد غالها غول وما هذا المذهب من أخلاق صميم ثقيف ولا من شيم أعرقت فيها قريش.
ولقد عرض إقراف ولقد أفسدتك هجنة.
ولقد قال معاوية: من لم يكن من بني عبد المطلب جواداً فهو دخيل ومن لم يكن من آل الزبير شجاعاً فهو لزيق ومن لم يكن من بني المغيرة تياهاً فهو سنيد.
وقال سلم بن قتيبة: إذا رأيت الثقفي يعز من غير طعام ويكسب لغير إنفاق فبهرجه ثم بهرجه.
وقال بلال بن أبي بردة: لولا شباب ثقيف وسفهاؤهم ما كان لأهل البصرة مال.
إن الله جواد لا يبخل وصدوق لا يكذب ووفي لا يغدر وحليم لا يعجل وعدل لا يظلم.
وقد أمرنا بالجود ونهانا عن البخل وأمرنا بالصدق ونهانا عن الكذب وأمرنا بالحلم ونهانا عن العجلة وأمرنا بالعدل ونهانا عن الظلم وأمرنا بالوفاء ونهانا عن الغدر.
فلم يأمرنا إلا بما اختار لنفسه ولم يزجرنا إلا عما لم يرضه لنفسه.
وقد قالوا بأجمعهم: إن الله أجود الأجودين وأمجد الأمجدين كما قالوا: أرحم الرحمين وأحسن الخالقين.
وقالوا في التأديب لسائليهم والتعليم لأجوادهم: لا تجاودوا الله فإن الله - جل ذكره - أجود وأمجد.
وذكر نفسه - جل جلاله وتقدست أسماؤه - فقال: {ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} و {ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}.
وقال: {ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}.
وذكروا النبي ﷺ فقالوا: لم يضع درهماً على درهم ولا لبنة على لبنة.
وملك جزيرة العرب فقبض الصدقات وجبيت له الأموال ما بين غدران العراق إلى شحر عمان إلى أقصى مخاليف اليمن.
ثم توفي وعليه دين ودرعه مرهونة.
ولم يسأل حاجة قط فقال: لا.
وكان إذا سئل أعطى وإذا وعد أو أطمع كان وعده كالعيان وإطماعه كالإنجاز.
ومدحته الشعراء بالجود وذكرته الخطباء بالسماح.
ولقد كان يهب للرجل الواحد الضاجعة من الشاء والعرج من الإبل - وكان أكثر ما يهب الملك من العرب مائة بعير فيقال: وهب هنيدة.
وإنما يقال ذلك إذا أريد بالقول غاية المدح - ولقد وهب لرجل ألف بعير.
فلما رآها تزدحم وفخرت هاشم على سائر قريش فقالوا: نحن أطعم الطعام وأضرب للهام.
وذكرها بعض العلماء فقالوا: أجواد أمجاد ذوو السنة حداد.
وأجمعت الأمم كلها بخيلها وسخيها وممزوجها على ذم البخل وحمد الجود كما أجمعوا على ذم الكذب وحمد الصدق.
وقالوا: أفضل الجود الجود بالمجهود.
وحتى قالوا في جهد المقل وفيمن أخرج الجهد وأعطى الكل.
وحتى جعلوا لمن جاد بنفسه فضيلة على من جاد بماله فقال الفرزدق: على ساعة لو كان في القوم حاتم على جوده ضنت به نفس حاتم ولم يكن الفرزدق ليضرب المثل في هذا الموضع بكعب بن مامة وقد جاد بحوبائه عند المصافنة.
فما رأينا عربياً سفه حلم حاتم لجوده بجميع ماله ولا رأينا أحداً منهم سفه حلم كعب على جوده بنفسه بل جعلوا ذلك من كعب لإياد مفخراً.
وجعلوا ذلك من حاتم طيئ مأثرة لقحطان على عدنان ثم للعرب على العجم ثم لسكان جزيرة العرب ولأهل تلك البرية على سائر الجزائر والترب.
فمن أراد أن يخالف ما وصف اله - جل ذكره - به نفسه وما منح من ذلك نبيه ﷺ وما فطر على تفضيله العرب قاطبة والأمم كافة لم يكن عندنا فيه إلا إكفاره واستسقاطه.
ولم نر الأمة أبغضت جواداً قط ولا حقرته بل أحبته وأعظمته بل أحبت عقبه وأعظمت من أجله رهطه.
ولا وجدناهم أبغضوا جواداً لمجاوزته حد الجود إلى السرف ولا حقرته.
بل وجدناهم يتعلمون مناقبه ويتدارسون محاسنه.
وحتى أضافوا إليه من نوادر الجميل ما لم يفعله ونحلوه من غرائب الكرم ما لم يكن يبلغه.
ولذلك زعموا أن الثناء في الدنيا يضاعف كما تضاعف الحسنات في الآخرة.
نعم وحتى أضافوا إليه كل مديح شارد وكل معروف مجهول الصاحب.
ثم وجدنا هؤلاء بأعيانهم للبخيل على ضد هذه الصفة وعلى خلاف هذا المذهب: وجدناهم يبغضونه مرة ويحقرونه مرة ويبغضون بفضل بغضه ولده ويحتقرون بفضل احتقارهم له رهطه ويضيفون إليه من نوادر اللؤم ما لم يبلغه ومن غرائب البخل ما لم يفعله.
وحتى ضاعفوا عليه من سوء الثناء بقدر ما ضاعفوا للجواد من حسن الثناء.
وعلى أنا لا نجد الجوائح إلى أموال الأسخياء أسرع منها إلى أموال البخلاء ولا رأينا عدد من افتقر من البخلاء أقل.
والبخيل عند الناس ليس هو الذي يبخل على نفسه فقط فقد يستحق عندهم اسم البخيل ويستوجب الذم من لا يدع لنفسه هوى إلا ركبه ولا حاجة إلا قضاها ولا شهوة إلا ركبها وبلغ فيها غايته.
وإنما يقع عليه اسم البخيل إذا كان زاهداً في كل ما أوجب الشكر ونوه وقد يعلق البخيل على نفسه من المؤن ويلزمها من الكلف ويتخذ من الجواري والخدم ومن الدواب والحشم ومن الآنية العجيبة ومن البزة الفاخرة.
والشارة الحسنة ما يربى على نفقة السخي المثري ويضعف على جود الجواد الكريم.
فيذهب ماله وهو مذموم ويتغير حاله وهو ملوم.
وربما غلب عليه حب القيان واستهتر بالخصيان.
وربما أفرط في حب الصيد واستولى عليه حب المراكب.
وربما كان إتلافه في العرس والخرس والوليمة وإسرافه في الإعذار وفي العقيقة والوكيرة.
وربما ذهبت أمواله في الوضائع والودائع.
وربما كان شديد البخل شديد الحب للذكر ويكون بخله أوشج ولؤمه أقبح فينفق أمواله ويتلف خزائنه ولم يخرج كفافاً ولم ينج سليماً.
كأنك لم تر بخيلاً مخدوعاً وبخيلاً مضعوفاً وبخيلاً مضياعاً وبخيلاً نفاجاً وبخيلاً ذهب ماله في البناء وبخيلاً ذهب ماله في الكيمياء وبخيلاً أنفق ماله في طمع كاذب وعلى أمل خائب وفي طلب الولايات والدخول في القبالات وكانت فتنته بما يؤمل من الإمرة فوق فتنته بما قد حواه من الذهب والفضة.
قد رأيناه ينفق على مائدته وفاكهته ألف درهم في كل يوم وعنده في كل يوم عرس ولأن يطعن طاعن في الإسلام أهون عليه من أن يطعن طاعن في الرغيف الثاني ولشق عصا الدين وإنما صارت الآفات إلى أموال البخلاء أسرع والجوائح عليهم أكلب لأنهم أقل توكلاً وأسوأ بالله ظناً.
والجواد إما أن يكون متوكلاً وإما أن يكون أحسن بالله ظناً.
وهو على كل حال بالمتوكل أشبه وإلى ما أشبهه أنزع.
وكيفما دار أمره ورجعت الحال به فليس ممن يتكل على حزمه ويلجأ إلى كيسه ويرجع إلى جودة احتياطه وشدة احتراسه.
واعتلال البخيل بالحدثان وسوء الظن بتقلب الزمان إنما هو كناية عن سوء الظن بخالق الحدثان وبالذي يحدث الأزمان وأهل الزمان.
وهل تجري الأحداث إلا على تقدير المحدث لها وهل تختلف الأزمنة إلا على تصريف من دبرها أولسنا وإن جهلنا أسبابها فقد أيقنا بأنها تجري إلى غاياتها والدليل على أنه ليس بهم خوف الفقر وأن الجمع والمنع إما أن يكون عادة منهم أو طبيعة فيهم أنك قد تجد الملك بخيلاً ومملكته أوسع وخرجه أدر وعدوه أسكن.
وتجد أحزم منه جواداً وإن كانت مملكته أضيق وخرجه أقل وعدوه أشد حركة.
وقد علمنا أن الزنج أقصر الناس مرة وروية وأذهلهم عن معرفة العاقبة.
فلو كان سخاؤهم إنما هو لكلال حدهم وتكون الروم أبخل من الصقالبة وكان ينبغي في الرجال في الجملة وكان ينبغي أن يكون أقل البخلاء عقلاً أعقل من أشد الأجواد عقلاً وكان ينبغي للكلب - وهو قالوا: " هو أسخى من لا فظة " و " الأم من كلب على جيفة " و " الأم من كلب على عرق ".
وقالوا: " أجع كلبك يتبعك " و " نعم كلب في بؤس أهله " ونشهد أن محمداً عبده ورسوله " سمن كلبك يأكلك " و " أحرص من كلب على عقي صبي " و " أجوع من كلبة حومل " و " لهو أبذأ من كلب " " حش فلان من خرء الكلب " و " اخسأ! " كما يقال للكلب و " كالكلب في الآرى: لا هو يعتلف ولا هو يترك الدابة تعتلف ".
وقال الشاعر: سرت ما سرت من ليلها ثم عرست على رجل بالعرج ألأم من كلب وقال الله جل ذكره: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث}.
وكان ينبغي في هذا القياس أن يكون المراوزة أعقل البرية وأهل خراسان أدرى البرية.
ونحن لا نجد الجواد يفر من اسم السرف إلى الجود كما نجد البخيل يفر من اسم البخل إلى الاقتصاد.
ونجد الشجاع يفر من اسم المنهزم والمستحي يفر من اسم الخجل.
ولو قيل لخطيب ثابت الجنان: وقاح لجزع - فلو لم يكن من فضيلة الجود إلا أن جميع المتجاوزين لحدود أصناف الخير يكرهون اسم تلك الفضلة - إلا الجواد لقد كان في ذلك ما يبين قدره ويظهر فضله.
المال فاتن والنفس راغبة والأموال ممنوعة وهي على ما منعت حريصة.
وللنفوس في المكاثرة علة معروفة لأن من لا فكرة له ولا روية موكل بتعظيم ذي الثروة وإن لم تكن منه منالة.
وقد قال الأول: وزادها كلفاً بالحب أن منعت أحب شيء إلى الإنسان ما منعا وفي بعض كتب الفرس: كل عزيز تحت القدرة فهو ليل.
وقالت معاذة العدوية: كل مقدور عليه فمقلي أو محقور.
ولو كانوا لأولادهم يجمعون ولهم يكدون ومن أجلهم يحرصون لجعلوا لهم كثيراً مما يطلبون ولتركوا محاسبتهم في كثير مما يشتهون.
وهذا بعض ما بغض بعض المورثين إلى الوارثين وزهد الأخلاف في طول عمر الأسلاف.
ولو كانوا لأولادهم يمهدون ولهم يجمعون لما جمع الخصيان الأموال ولما كنز الرهبان الكنوز ولاستراح العاقر من ذل الرغبة ولسلم العقيم من كد الحرص.
وكيف ونحن نجده بعد أن يموت ابنه الذي كان يعتل به والذي من أجله كان يجمع على حاله في الطلب والحرص وعلى مثل ما كان عليه من الجمع والمنع.
والعامة لم تقصر في الطلب والحكرة والبخلاء لم يحدوا شيئاً من جهدهم ولا أعفوا بعد قدرتهم ولا قصروا في شيء من الحرص والحصر لأنهم في دار قلعة وبعرض نقلة.
حتى لو فالبخيل مجتهد والعامي غير مقصر.
فمن لم يستعن على ما وصفنا بطبيعة قوية وبشهوة شديدة وبنظر شاف كان إما عامياً وإما بخيلاً شقياً - ففيم اعتلالهم بأولادهم واحتجاجهم بخوف التلون من أزمنتهم قال رسول الله ﷺ لوافد كذب عنده كذبة وكان جواداً: لولا خصلة ومقك الله عليها لشردت بك من وافد قوم.
وقيل للنبي ﷺ: هل لك في بيض النساء وأدم الإبل قال: ومن هم قال: بنو مدلج.
قال: يمنعني من ذاك قراهم الضيف وصلتهم الرحم.
وقال لهم أيضاً: إذا نحروا ثجوا وإذا لبوا عجوا.
وقال للأنصار: من سيدكم قالوا: الحر بن قيس على أنه يزن فينا ببخل فقال: وأي داء أدوأ من البخل ثم جعله من أدوإ الداء.
وقال للأنصار: أما والله ما علمتكم إلا لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع.
وقال: كفى بالمرء حرصاً ركوبه البحر.
وقال: لو أن لابن آدم واديين من مال لابتغى ثالثاً ولا يشبع ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب.
وقال: السخاء من الحياء والحياء من الإيمان.
وقال: إن الله جواد يحب الجود.
وقال: أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً.
وقال: لا توكي فيوكي عليك.
وقال: لا تحص فيحصى عليك.
وقالوا: لا ينفعك من زاد ما تبقى.
ولم يسم الذهب والفضة بالحجرين إلا وهو يريد أن يضع من أقدارهما ومن فتنة الناس بهما.
وقال لقيس بن عاصم: إنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت وما لبست فأبليت أو أعطيت فأمضيت.
وما سوى ذلك فللوارث.
وقال النمر بن تولب: وحثت على جمع ومنع ونفسها لها في صروف الدهر حق كذوب وكائن رأينا من كريم مرزإ أخي ثقة طلق اليدين وهوب شهدت وفاتوني.
وكنت حبستني فقيراً إلى أن يشهدوا وتغيبي أعاذل إن يصبح صداي بقفرة بعيداً نآني صاحبي وقريبي ترى أن ما أبقيت لم أك ربه وأن الذي أمضيت كان نصيبي وذي إبل يسعى ويحسبها له أخي نصب في رعيها ودءوب وذي وغدا رب سواه يسوقها وبدل أحجار وجال قليب وقال أيضاً: قامت تباكي أن سبأت لفتية زقاً وخابية بعود مقطع وقريت في مقري قلائص أربعاً وقريت بعد قرى قلائص أربع أتبكيا من كل شيء هين سفه بكاء العين ما لم تدمع لا تطرديهم عن فراشي إنه لابد يوماً أن سيخلو مضجعي هلا سألت بعادياء وبيته والخيل والخمر التي لم تمنع وقال الحارث بن حلزة: بينا الفتى يسعى ويسعى له تاح له من أمره خالج يترك ما رقح من عيشه يعبث فيه همج هامج لا تكسع الشول بأغبارها إنك لا تدري من الناتج وقال الهذلي: إن الكرام مناهبو نعم المجد كلهم فناهب أخلف وأتلف كل شي ء ذرعته الريح ذاهب وقالت امرأة: أنت وهبت الفتية السلاهب وإبلاً يحار فيها الحالب وغنماً مثل الجراد الهارب متاع أيام وكل ذاهب وقال تميم بن مقبل: وقال الخطيئة: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس وجاء في الأثر: إن أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة.
وفي المثل: اصنع الخير ولو إلى كلب: وقال في الحث على القليل فضلاً على الكثير: قال الله جل ذكره: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}.
وقالت عائشة في حبة عنب: إن فيها لمثاقيل ذر.
ولذلك قالوا في المثل: من حقر حرم.
وقال سلم بن قتيبة: يستحي أحدهم من تقريب القليل من الطعام ويأبى أعظم منه.
وقال: جهد المرء أكثر من عفوه.
وقدم رسول الله ﷺ جهد المقل على عفو المكثر وإن كان مبلغ جهده قليلاً ومبلغ عفو المكثر كثيراً.
وقالوا: لا يمنعك من معروف صغره.
وقال النبي ﷺ: اتقوا النار ولو بشق تمرة.
وقال: لا تحقروا اللقمة فإنها تعود كالجبل العظيم لقول الله جل ذكره: {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}.
وقال: لا تردوه ولو بصلة حبل.
وقالت العرب: أتاكم أخوكم يستتمكم فأتموا له.
وقالوا: مانع الإتمام ألوم.
وقالوا: البخيل إن سأل ألحف وإن سئل سوف.
وقالوا: إن سئل جحد وإن أعطى حقد.
وقالوا: يرد قبل أن يسمع ويغضب قبل أن يفهم.
وقالوا: البخيل إذا سئل ارتز وإذا سئل الجواد اهتز.
وقال النبي ﷺ: ( ينادي كل يوم مناديان من السماء: يقول أحدهما: اللهم عجل لمنفق خلفاً ويقول الآخر: اللهم عجل لممسك تلفاً ).
وقالوا: شر الثلاثة المليم يمنع دره ودر غيره.
وقال الله جل ذكره: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ}.
وقالوا في المثل - إن ألجأك الدهر إلى بخيل: شر ما ألجأك إلى مخة عرقوب.
وقال: النبي ﷺ: ( قل العدل وأعط الفضل ).
وقال النبي ﷺ: ( أنهاكم عن عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات ).
وقال الله عز وجل: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}.
وقال: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}.
وقال: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
وقالوا في الصبر على النائبة وفي عاقبة الصبر: عند الصباح يحمد القوم السري.
وقالوا: الغمرات ثم ينجلين.
وقال الخريمي: ودون الندى في كل قلب ثنية بها مصعد حزن ومنحدر سهل وود الفتى في كل نيل ينيله - إذا ما انقضى - لو أن نائله جزل وقالوا: خير الناس خير الناس للناس وشر الناس شر الناس للناس.
وقالوا: خير مالك ما نفعك.
وقالوا عجباً لفرط الكبرة مع شباب الرغبة! كلنا يأمل مداً في الأجل والمنايا هي آفات الأمل وقال عبيد الله بن عكراش: زمن خون ووارث شفون وكاسب زون.
فلا تأمن الخون وكن وارث الشفون.
وقال: يهرم ابن آدم ويشب معه خصلتان: الحرص والأمل.
وكانوا يعيبون من يأكل وحده وقالوا: ما أكل ابن عمر وحده قط.
وقالوا: ما أكل الحسن وحده قط.
وسمع مجاشع الربعي قولهم: الشحيح أعذر من الظالم فقال: أخزى الله أمرين خيرهما الشح.
وقال بكر بن عبد الله المزني: لو كان هذا المسجد مفعماً بالرجال ثم قيل لي: من خيرهم لقلت: خيرهم لهم.
وقال النبي ﷺ: ( ألا أنبئكم بشراركم قالوا: بلى يا رسول الله
قال: من نزل وحده ومنع رفده وجلد عبده ).
وقالت امرأة عند جنازة رجل: أما والله ما كان مالك لبطنك ولا أمرك لعرسك.
فلما بلغت الرسالة ابن التوأم كره أن يجيب أبا العاص لما في ذلك من المناقشة والمباينة وخاف أن يترقى الأمر إلى أكثر من ذلك.
فكتب هذه وبعث بها إلى الثقفي: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد بلغني ما كان من ذكر أبي العاص لنا وتنويهه بأسمائنا وتشنيعه علينا.
وليس يمنعنا من جوابه إلا أنه إن أجابنا لم يكن جوابنا إياه على قوله الثاني أحق بالترك من جوابنا له على قوله الأول.
فإن نحن جعلنا لابتدائه جواباً وجعلنا لجوابه الثاني جواباً خرجنا إلى التهاتر وصرنا إلى التخابر.
ومن خرج إلى ذلك فقد رضي باللجاج حظاً وبالسخف نصيباً.
وليس يحترس من أسباب اللجاج إلا من عرف أسباب البلوى.
ومن وقاه الله سوء التكفي وسخفه وعصمه من سوء التصميم ونكده فقد اعتدلت طباعه وتساوت خواطره.
ومن قامت أخلاطه على الاعتدال وتكافأت خواطره في الوزن لم يعرف من الأعمال إلا الاقتصاد ولم يجد أفعاله أبداً إلا بين التقصير والإفراط لأن الموزون لا يولد إلا موزوناً كما أن المختلف لا يولد إلا مختلفاً.
فالمتابع لا يثنيه زجر وليست له غاية دون التلف.
والمتكفي ليس له مأتى ولا جهة ولا له رقية ولا فيه حيلة.
وكل متلون في الأرض فمنحل العقد ميسر لكل ريح.
فدع عنك خلطة الإمعة فإنه حارص لا خير فيه واجتنب ركوب الجموح ذي النزوات فإن غايته القتل الزؤاف ولا في الحرون ذي التصمم.
والمتلون شر من المصمم إذ كنت لا تعرف له حالاً يقصد إليها ولا جهة يعمل عليها.
ولذلك صار العاقل يخدع العاقل ولا يخدع الأحمق لأن أبواب تدبير العاقل وحيلة معروفة وطرق خواطره مسلوكه ومذاهبه محصورة معدودة.وليس لتدبير الأحمق وحيله جهة واحدة من أخطأها كذب.
والخبر الصادق عن الشيء الواحد واحد.
والخبز الكاذب عن الشيء الواحد لا يحصى له عدد ولا يوقف منه على حد.
والمصمم قتله بالإجهاز والمتلون قتله بالتعذيب.
فإن قلنا فليس إليه نقصد وإن احتججنا فليسنا عليه نرد.
ولكنا إليك نقصد بالقول وإليك نريد بالمشورة.
وقد قالوا: احفظ سرك فإن سرك من دمك.
وسواء ذهاب نفسك وذهاب ما به يكون قوام نفسك.
قال المنجاب العنبري: " ليس بكبير ما أصلحه المال ".
وفقد الشيء الذي به تصلح الأمور أعظم من الأمور.
ولهذا قالوا في الإبل: " لو لم يكن فيها إلا أنها رقوء الدم " - فالشيء الذي هو ثمن الإبل وغير الإبل أحق بالصون.
وقد قضوا بأن حفظ المال أشد من جمعه.
ولذلك قال الشاعر: وحفظك مالاً قد عنيت بجمعه أشد من الجمع الذي أنت طالبه ولذلك قال مشتري الأرض لبائعها حين قال له البائع: دفعتها إليك بطيئة الإجابة عظيمة المؤنة.
- قال: دفعتها إليك بطيئة الاجتماع سريعة التفرق.
والدرهم هو القطب الذي تدور عليه رحى الدنيا.
واعلم أن التخلص من نزوات الدرهم وتقلبه - من سكر الغنى - وتفلته شديد.
فلو كان إذ تفلت كان حارسه صحيح العقل سليم الجوارح لرده في عقاله ولشده بوثاق.
ولكنا وجدنا ضعفه عن ضبطه بقدر قلقه في ولا تغتر يقولهم: مال صامت فإنه أنطق من كل خطيب وأنم من كل نمام.
فلا تكترث بقولهم: هذين الحجرين فتتوهم جمودهما وسكونهما وقلة ظعنهما وطول إقامتهما فإن عملهما وهما ساكنان ونقضهما للطبائع وهما ثابتان أكثر من صنيع السم الناقع والسبع العادي.
فإن كنت لا تكتفي بصنيعه حتى تمده ولا تحتال فيه حتى يحتال له فالقبر خير لك من الفقر والسجن خير لك من الذل.
وقولي هذا مرة يعقب حلاوة الأبد.
فخذ لنفسك بالثقة.
فقولك الماضي حلو يعقب مرارة الأبد.
فخذ لنفسك بالثقة.
ولا ترض أن يكون الحرباء الراكب العود أحزم منك فإن الشاعر يقول: أني أتيح لها حرباء تنضبة لا يرسل الساق إلا ممسكاً ساقا واحذر أن تخرج من مالك درهماً حتى ترى مكانه خيراً منه.
ولا تنظر إلى كثرته فإن رمل عالج فلو أخذ منه ولم يرد عليه لذهب عن آخره.
إن القوم قد أكثروا في ذكر الجود وتفضيله وفي ذكر الكرم وتشريفه وسموا السرف جوداً وجعلوه كرماً.
وكيف يكون كذلك وهو نتاج ما بين الضعف والنفج وكيف والعطاء لا يكون سرفاً إلا بعد مجاوزة الحق وليس وراء الحق إلى الباطل كرم.
وإذا كان الباطل كرماً كان الحق لؤماً.
والسرف - حفظك الله - معصية.
وإذا كانت معصية الله كرماً كانت طاعته لؤماً.
ولئن جمعهما اسم واحد وشملهما حكم واحد ومضادة الحق للباطل كمضادة الصدق للكذب والوفاء للغدر والجور للعدل والعلم للجهل ليجمعن هذه الخصال اسم واحد وليشملنها حكم واحد.
وقد وجنا الله عاب السرف وعاب الحمية وعاب المعصية.
ووجدناه خص السرف بما لم يخص به الحمية لأنه ليس حب المرء لرهطه من المعصية ولا أنفقته من الضيم من حمية الجاهلية.
وإنما المعصية ما جاوز الحق والحمية المعيبة ما تعدى القصد.
فوجدنا اسم الأنفة قد يقع محموداً ومذموماً وما وجدنا اسم المعصية ولا اسم السرف يقع أبداً إلا مذموماً.
وإنما يسر باسم السرف جاهل لا علم له أو رجل إنما يسر به لأن أحداً لا يسميه مسرفاً حتى يكون عنده قد جاوز حد الجود وحكم له بالحق ثم أردفه بالباطل.
فإن سر من غير هذا الوجه فقد شارك المادح في الخطإ وشاكله في وضع الشيء في غير موضعه.
وقد أكثروا في ذكر الكرم.
وما الكرم إلا كبعض الخصال المحمودة التي لم يعدمها بعض الذم.
وليس شيء يخلوا من بعض النقص والوهن.
وقد زعم الأولون أن الكرم يسبب الغبا وأن الغبا يسبب البله وأنه ليس وراء البله إلا العته.
وقد حكوا عن كسرى أنه قال: " احذروا صولة الكريم إذا جاع واللئيم إذا شبع " - وسواء جاع فظلم وأحفظ وعسف أم جاع وكذب وضرع وأسف.
وسواء جاع فظلم غيره أم جاع فظلم نفسه.
والظلم لؤم.
وإن كان الظلم ليس بلؤم فالإنصاف ليس بكرم.
فالجود إذا كان لله كان شكراً له والشكر كرم.
ولن يكون الجود - إذا كان معصية - كرماً.
فكيف يتكرم من يتوصل بأياديك إلى معصيتك وبنعمتك إلى سخطك فليس الكرم إلا الطاعة.
وليس اللؤم إلا المعصية وليس بجود ما جاوز الحق وليس بكرم ما خالف الشكر.
ولئن كان مجاوز الحق كريماً ليكونن المقصر دونه كريماً.
فإن قضيتم بقول العامة فالعامة ليست بقدوة.
وكيف يكون قدوة من لا ينظر ولا يحصل ولا يفكر ولا يمثل وإن قضيتم بأقاويل الشعراء وما كان عليه أهل الجاهلية الجهلاء فما قبحوه مما لا يشك في حسنه أكثر من أن نقف عليه أو نتشاغل باستقصائه.
على أنه ليس بجود إلا ما أوجب الشكر كما أنه ليس ببخل إلا ما أوجب اللؤم.
ولن تكون العطية نعمة على المعطى حتى تراود بها نفس ذلك المعطى.
ولن يجب عليه الشكر إلا مع شريطة القصد.
وكل من كان جوده يرجع إليه ولولا رجوعه إليه لما جاد عليك ولو تهيأ له ذلك المعنى في سواك لما قصد إليك - فإنما جعلك معبراً لدرك حاجته ومركباً لبلوغ محبته.
ولولا بعض القول لوجب لك عليه حق يجب به الشكر.
فليس يجب لمن كان كذلك شكر وإن انتفعت بذلك منه إذا كان لنفسه عمل لأنه لو تهيأ له ذلك النفع في غيرك لما تخطاه إليك.
وإنما يوصف بالجود في الحقيقة ويشكر على النفع في حجة العقل - الذي إن جاد عليك فلك جاد ونفعك أراد من غير أن يرجع إليه جوده بشيء من المنافع على جهة من الجهات وهو الله وحده لا شريك له.
فإن شكرنا للناس على بعض ما قد جرى لنا على أيديهم فإنما هو لأمرين: أحدهما التعبد وقد نعبد الله بتعظيم الوالدين وإن كانا شيطانين وتعظيم من هو أسن منا وإن كنا أفضل منه.
والآخر لأن النفس ما لم تحصل الأمور وتميز المعاني فالسابق إليها حب من جرى لها على يده خير وإن كان لم يردها ولم يقصد إليها.
ووجدنا عطية الرجل لصاحبه لا تخلوا أن تكون لله أو لغير الله.
فإن كانت لله فثوابه على الله.
وكيف يجب علي في حجة العقل شكره وهو لو صادف ابن سبيل غيري لما حملني ولا أعطاني - وإما أن يكون إعطاؤه إياي للذكر.
فإذا كان الأمر كذلك فإنما جعلني سلماً إلى تجارته وسبباً إلى بغيته أو يكون إعطاؤه إياي من طريق الرحمة والرقة ولما يجد في فؤاده من الغصة والألم فإن كان لذلك أعطى فإنما داوى نفسه من دائه وكان كالذي رفه من خناقه.
وإنه كان إنما أعطاني من خوف يدي أو لساني أو اجترار معونتي ونصرتي فسبيله سبيل جميع ما وصفنا وفصلنا.
فلاسم الجود موضعان: أحدهما حقيقة والآخر مجاز.
فالحقيقة ما كان من الله والمجاز المشتق له من هذا الاسم.
وما كان لله كان ممدوحاً وكان لله طاعة.
فإذا لم تكن العطية من الله ولا لله فليس يجوز هذا فيما سموه جوداً فما ظنك بما سموه سرفاً أفهم ما أنا مورده عليك وواصفه لك: إن التربح والتكسب والإستئكال بالخديعة والطعم الخبيثة فاشيةغالبة ومستفيضة ظاهرة.
على أن كثيراً ممن يضاف اليوم إلى النزاهة والتكرم وغلى الصيانة والتوقي ليأخذ من ذلك بنصيب واف.
فما ظنك بدهماء الناس وجمهورهم بل ما ظنك بالشعراء والخطباء الذين إنما تعلموا المنطق لصناعة التكسب وهؤلاء قوم بودهم أن أرباب الأموال قد جاوزوا حد السلامة غلى الغفلة حتى لا يكون للأموال حارس ولا دونها مانع.
فاحذرهم ولا تنظر إلى بزة أحدهم فإن المسكين أقنع منه ولا تنظر غل موكبه فإن السائل أعف منه.
واعلم أنه مسك مسكين وإن كان في ثياب جواد وروحه روح نذل وإن كان في جرم ملك.
وإن اختلفت وجوه مسألتهم واختلفت أقدار مطالبهم فهو مسكين.
إلا أن واحداً يطلب العلق وآخر يطلب الخرق وآخر يطلب الدوانيق وآخر يطلب الألوف.
فجهة هذا هي جهة هذا وطعمة هذا هي طعمة هذا.
وإنما يختلفون في أقدار ما يطلبون على قدر الحذق والسبب.
فأحذر رقاهم وما نصبوا لك من الشرك واحرس نعمتك وما دسوا لها من الدواهي.
واعمل على أن سحرهم يسترق الذهن ويختطف البصر.
قال رسول الله ﷺ: إن من البيان لسحراً.
وسمع عمر بن عبد العزيز رجلاً يتكلم في حاجة فقال: هذا والله سحر الحلال.
وقد قال رسول الله ﷺ: لا خلابة - واحذر احتمال مديحهم فإن محتمل المديح في وجهه كمادح نفسه.
إن مالك لا يسع مريديه ولا يبلغ رضا طالبيه.
ولو أرضيتهم بإسخاط مثلهم لكان ذلك خسرانا مبيناً.
فكيف ومن يسخط أضعاف من يرضى وهجاء الساخط أضر من فقد مديح الراضي.
وعلى أنهم إذا اعتوروك بمشاقصهم وتداولوك بسهامهم لم تر ممن أرضيته بإشخاطهم أحداً يناضل عنك ولا يهاجي شاعراً دونك.
بل يخليك غرضاً لسهامهم ودريئة لنبالهم.
ثم يقول: وما كان عليه لو أرضاهم! فكيف يرضيهم ورضا الجميع شيء لا ينال إني أحذرك مصارع المخدوعين وأرفعك عن مضاجع المغبونين.
إنك لست كمن لم يزل يقاسي تعذر الأمور ويتجرع مرارة العيش ويتحمل ثقل الكد ويشرب بكأس الذل حتى كان يمرن على ذلك جلده ويسكن عليه قلبه.
وفقر مثلك مضاعف الألم وجزع من لم يعرف الألم أشد.
ومن لم يزل فقيراً فهو لا يعرف الشامتين ولا يدخله المكروه من سرور الحاسدين ولا يلام على فقره ولا يصير موعظة لغيره وحديثاً يبقى ذكره ويلعنه بعد الممات ولده.
ودعني من حكايات المستأكلين ورقي الخادعين فما زال الناس يحفظون أموالهم من مواقع السرف ويخبئونها من وجوه التبذير.
ودعني مما لا نراه إلا في الأشعار المتكلفة والأخبار المولدة والكتب الموضوعة.
فقد قال بعض أهل زماننا: ذهبت المكارم إلا من الكتب! فخذ فيما تعلم ودع نفسك مما لا تعلم.
هل رأيت أحداً قط أنفق ماله على قوم كان غناهم سبب فقره أنه سلم عليهم حين افتقر فردوا عليه - فضلاً على غير ذلك أولست قد رأيتهم بين محمق ومحتجب عنه وبين من يقول: فهلا أنزل حاجته بفلان الذي كان يفضله ويقدمه ويؤثره ويخصه - ثم لعل بعضهم أن يتجنى عليه ذنوباً ليجعلها عذراً في منعه وسبباً إلى حرمانه.
قال الله جل ذكره: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ}.
فأنا القائم عليك بالموعظة والزجر والأمر والنهي وأنت سالم العقل والعرض وافر المال حسن الحال.
فاتق أن أقوم غداً على رأسك بالتقريع والتعبير والتوبيخ والتأنيب وأنت عليل القلب مختل العرض.
عديم من المال سيئ الحال.
ليس جهد البلاء مد الأعناق وانتظار وقع السيوف لأن الوقت قصير والحس مغمور.
ولكن جهد البلاء أن تظهر الخلة وتطول المدة وتعجز الحيلة ثم لا تعدم صديقاً مؤنباً وابن عم شامتاً وجاراً حاسراً وولياً قد تحول عدواً وزوجة مختلعة وجارية مستبيعة وعبداً يحقرك وولداً ينتهرك.
فانظر أين موقع فوت الثناء من موقع ما عددنا عليك من البلاء على أن الثناء طعم ولعلك ألا تطعمه والحمد أرزاق ولعلك ألا تحرمه.
وما يضيع من إحسان الناس أكثر.
وعلى أن الحفظ قد ذهب بموت أهله.
ألا ترى أن الشعر لما كسد أفحم أهله ولما دخل النقص على كل شيء أخ الشعر منه بنصيبه ولما تحولت الدولة في العجم - والعجم لا تحوط الأنساب ولا تحفظ المقامات - لأن من كان في الريف والكفاية وكان مغموراً بسكر الغنى كثر نسيانه وقلت خواطره.
ومن احتاج تحركت همته وكثر تنقيره.
وعيب الغني أنه يورث البلادة وفضيلة الفقر أنه يبعث الفكر.
وإن أنت صحبت الغني بإهمال النفس أسكرك الغني.
وسكر الغني سبة المستأكلين وتهمة الخداعين.
وإن كنت لا ترضى بحظ النائم وبعيش البهائم وأحببت أن تجمع مع تمام نفس المثري ومع عز الغني وسرور القدرة فطنة المخف وخواطر المقل ومعرفة الهارب واستدلال الطالب - اقتصدت في الإنفاق وكنت معداً للحدثان ومحترساً من كل خداع.
لست تبلغ حيل لصوص النهار وحيل سراق الليل و حيل طراق البلدان وحيل أصحاب الكيمياء وحيل التجار في الأسواق والصناع في جميع الصناعات وحيل أصحاب الحروب وحيل المستأكلين والمتكسبين ولو جمعت الخبر والسحر والتمائم و السم لكانت حيلهم في الناس أشد تغلغلاً وأعرض وأسرى في عمق البدن وأدخل إلى سويداء القلب وإلى أم الدماغ وإلى صميم الكبد ولهي أدق مسلكاً وأبعد غاية من العرق الساري والشبه النازع ولو اتخذت الحيطان الرفيعة الثخينة والأقفال المحكمة الوثيقة ولو اتخذت الممارق والجواسق والأبواب الشداد والحرس المتناوبين بأغلظ المؤن وأشد الكلف وتركت التقدم فيما هو أحضر ضرراً وأدوم شراً ولا غرم عليك في الحراسة فيه ولا مشقة عليك في التحفظ منه.
إنك إن فتحت لهم على نفسك مثل سم الخياط جعلوا فيه نهجاً ولقي رحباً.
فأحكم بابك ولو جعلت الباب مبهماً والقفل مصمتاً لتسوروا عليك من فوقك.
ولو رفعت سمكة إلى العيوق لنقبوا عليك من تحتك.
قال أبو الدرداء: نعم صومعة المؤمن بيته.
وقال ابن سيرين: العزلة عبادة.
حلاوة حديثهم تدعو إلى الاستكثار منهم وتدعو إلى إحضار غرائب شهواتهم.
فمن ذلك قول بعضهم لبعض أصحابه: كل رخلة واشرب مشعلاً ثم تجشأ واحدة لو أن عليها رحى لطحنت! ومن ذلك قول الآخر حين دخل على قوم وهم يشربون وعندهم قيلن فقالوا: اقترح أي صوت شئت قال: أقترح نشيش مقلي! ومن ذلك قول المديني: من تصبح بسبع موزات وبقدح من لبن الأوراك تجشأ بخور الكعبة.
ومن ذلك قولهم لبعض هؤلاء وقدامهم خبيص: أيما أطيب هذا أو الفالوذج أواللوزينج قال: لا أقضي على غائب.
ومن ذلك كلام الجارود بن أبي سبرة لبلال بن أبي بردة حين قال له: صف لي عبد الأعلى وطعامه.
قال: يأتيه الخباز فيمثل بين يديه فيقول: ما عندك فيقول: عندي جدي كذا وعناق كذا وبطة كذا - حتى يأتي على جميع ما عنده.
قال: وما يدعوه إلى هذا قال: ليقتصر كل امرئ في الأكل حتى إذا أتي بالذي يشتهي بلغ منه حاجته.
قال: ثم ماذا قال: ثم يؤتى بالمائدة فيتضايقون حتى يخوي تخوية الظليم.
فيجدون ويهزل حتى إذا فتروا أكل أكل الجائع المقرور.
وقال آخر: أشتهي ثريدة دكناء من الفلفل ورقطاء من الحمص ذات جفافين من اللحم لها جناحان من العراق أضرب فيها ضرب اليتيم عند وصي السوء! وسئل بعضهم عن حظوظ البلدان في الطعام وما قسم لكل قوم منه فقال: ذهبت الروم بالجشيم والحشو وذهبت فارس بالبارد والحلو.
وقال عمر: لفارس الشفارج والحموض.
فقال دوسر المديني: لنا الهرائس والقلايا ولأهل البدو اللبأ والسلاء والجراد والكمأة والخبزة في الرائب والتمر بالزبد.
وقد قال الشاعر: ألا ليت خبزاً قد تسربل رائباً وخيلاً من البرني فرسانها الزبد ولهم البرمة والخلاصة والحيس والوطيئة.
وقال أعرابي: أتينا ببر كأفواه البعران فخبزنا منه خبزة زيت في النار فجعل الجمر يتحدر عنها تحدر الحشو عن البطان.
ثم ثردناها فجعل الثريد يجول في الإهالة جولان الضبعان في ونعت السويق بأنه من عدد المسافر وطعام العجلان وغذاء المبكر وبلغة المريض.
يشد فؤاد الحزين ويرد من نفس المحدود.
وحيد في السمين ومنعوت في الطيب.
قفاره يجلو البلغم ومسمونه يصفي الدم إن شئت كان ثريداً وإن شئت كان خبيصاً وإن شئت كان طعاماً وإن شئت كان شراباً.
وقيل لبعض هؤلاء اللعامظة والمستأكلين والسفافين المقفعين ورئي سميناً: ما أسمنك قال: أكلي الحار وشربي القار والاتكاء على شمالي وأكلي من غير مالي.
وقد قال الشاعر: وإن امتلأ البطن في حسب الفتى قليل الغناء وهو في الجسم صالح وقيل لآخر: ما أسمنك قال: قلة الفكرة وطول الدعة والنوم على الكظة.
وقال الحجاج للغضبان بن القبعثري: ما أسمنك قال: القيد والرتعة.
ومن كان في ضيافة الأمير سمن.
وقيل لآخر: إنك لحسن السمنة.
قال: آكل لباب البر وصغار المعز وأدهن بخام البنفسج وألبس الكتان.
والله لو كان من يسأل يعطى لما قام كرم العطية بلؤم المسألة.
ومدار الصواب على طيب المكسبة والاقتصاد في النفقة.
وقد قال بعض العرب: اللهم إني أعوذ بك من بعض الرزق حين رأى نافجة من ماله من صداق أمه.
وأي سائل كان ألحف مسألة من الخطيئة وألأم ومن ألأم من جرير بن الخطفي وأبخل ومن أمنع من كثير وأشح من ابن هرمة ومن كان يشق غبار ابن أبي حفصة ومن كان يصطلي بنار أبي العتاهية ومن كأبي نواس في بخله أو كان كأبي يعقوب الخريمي في دقة نظره وكثرة كسبه ومن كان أكثر نحراً لجزرة لم تخلق من ابن هرمة وأطعن برمح لم ينبت وأطعم لطعام لم يزرع من الخريمي فأين أنت عن ابن يسير وأين تذهب عن ابن أبي كريمة ولم تقصر في ذكر الرقاشي ولم تذكر سره إن الأعرابي شر من الحاضر سائل جبار وثابة ملاق إن مدح كذب وإن هجا كذب وإن سب كذب وإن طمع كذب.
لا يعرفه إلا نطف أو أحمق ولا يعطيه غلا من يحبه ولا يحبه غلا من هو في طباعه.
ما أبطأكم عن البذل في الحق! وأسرعكم إلى البذل في الباطل! فإن كنتم الشعراء تفضلون وإلى قولهم ترجعون فقد قال الشاعر: قليل المال تصلحه فيبقى ولا يبقى الكثير على الفساد وقد قال الشماخ بن ضرار: وقال أحيحة بن الجلاح: استغن أو مت ولا يغررك ذو نشب من ابن عم ولا عم ولا خال إني أكب على الزوراء أعمرها إن الكريم على الأقوام ذو مال وقال أيضاً: استغن عن كل ذي قربى وذي رحم إن الغني من استغنى عن الناس والبس عدوك في رفق وفي دعة لباس ذي إربة للدهر لباس ولا يغرنك أضغان مزملة قد يضرب الدبر الدامي بأحلاس وقال سهل بن هارون: إذا امرؤ ضاق عني لم يضق خلقي من أن يراني غنياً عنه بالياس فلا يراني إذا لم يرع آصرتي مستمر يا درراً منه بإبساس لا أطلب المال كي أغني بفضلته ما كان مطلبه فقراً إلى الناس وقال أبو العتاهية: أنت ما استغنيت عن صا - حبك الدهر أخوه فلو أني أشاء نعمت بالاً وباكرني صبوح أو نشيل
ولاعبني على الأنماط لعس على أنيابهن الزنجبيل ولكني خلقت إزاء مال فأبخل بعد ذلك أو أنيل وقال آخر: أبا مصلح أصلح ولا تك مفسداً فإن صلاح المال خير من الفقر ألم تر أن المرء يزداد عزة على قومه أن يعلموا أنه مثري وقال عروة بن الورد: ذريني للغنى أسعى فإني رأيت الناس شرهم الفقير وأبعدهم وأهونهم عليهم وإن أمسى له نسب وخير ويقصى في الندى وتزدريه حليلته وينهره الصغير وتلقى ذا الغنى وله جلال يكاد فؤاد صاحبه يطير قليل ذنبه والذنب جم ولكن الغني رب غفور وقال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: فلعلي أن يكثر المال عندي ويعرى من المغارم ظهري ويرى أعبد لنا وأواق ومناصيف من خوادم عشر وتجر الأذيال في نعمة زو ل تقولان: ضع عصاك لدهر وى كأن من يكن له نشب يح بب ومن يفتقر يعش عيش ضر ويجنب سر النجى ولكن أخا الفقر محضر كل شر وقال آخر: وللمال مني جانب لا أضيعه وللهو مني والبطالة جانب وقال الأخنس بن شهاب: وقد عشت دهراً والغواة صحابتي أولئك إخواني الذين أصاحب فأديت عني ما استعرت من الصبا وللمال مني اليوم راع وكاسب وقال ابن أذينة الثقفي: أطعت العرس في الشهوات حتى أعادتني عسيفاً عبد عبد إذا ما جئتها قد بعت عتقاً تعانق أو تقبل أو تفدى من يجمع المال ولا يثبه ويترك العام لعام جدبه يهن على الناس هوان كلبه وقد قيل في المثل: الكد قبل المد وقال لقيط: الغزو أدر للقاح وأحد للسلاح.
وقال أبو المعافى: وإن التواني أنكح العجز بنته وساق إليها حين زوجها مهراً فراشاً وطيئاً ثم قال لها: اتكي فقصركما - لابد - أن تلدا الفقرا وقال عثمان بن أبي العاص: ساعة لدنياك وساعة لآخرتك.
وقال رسول الله ﷺ: أنهاكم عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال.
وقال: خير الصدقة ما أبقى غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول.
وقال النبي ﷺ: ( الثلث. والثلث كثير إنك إن تدع ولدك أغنياء خير من أن يتكففوا الناس ).
وقال ابن عباس: وددت أن الناس غضوا من الثلث شيئاً لقول النبي عليه السلام: الثلث.
والثلث كثير.
وقال النبي ﷺ: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت.
وأنتم ترون أن المجد والكرم أن أفقر نفسي بإغناء غيري وأن أحوط عيال غيري بإضاعة عيالي! كتاركة بيضها بالعراء وملبسة بيض أخرى جناحا وقال آخر: كمفسد أدناه ومصلح غيره ولم يأتمر في ذاك أمر صلاح وقال آخر: كمرضعة أولاد أخرى وضيعت بنيها ولم ترقع بذلك مرقعا وقال الله تبارك وتعالى: {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ}.
وقال: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ}.
فأذن في العفو ولم يأذن في الجهد وأذن في الفضول ولم يأذن في الأصول.
وأراد كعب بن مالك أن يتصدق بماله.فقال له النبي ﷺ: أمسك عليك مالك.
فالنبي ﷺ يمنعه من إخراج ماله في الصدقة وأنتم تأمرونه بإخراجه في السرف والتبذير! وخرج غيلان بن سلمة من جميع ماله فأكرهه عمر على الرجوع فيه وقال: لو مت لرجمت قبرك كما يرجم قبر أبي رغال.
وقال الله جل وعز: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ}.
وقال النبي ﷺ: يكفيك ما بلغك المحل.
وقال: ما قل وكفى خير مما كثر وألهى.
وقال الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}.
وقال النبي ﷺ: إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.
وقال الله جل ذكره: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا}.
ولذلك قالوا: خير مالك ما نفعك وخير الأمور أواسطها وشر السير الحقحقة والحسنة بين السيئتين.
وقالوا: دين الله بين المقصر والغالي.
وقالوا حنيفة المثل: بينهما يرمى الرامي.
وقالوا: عليك بالسداد والاقتصاد ولا وكس ولا شطط.
وقالوا: بين الممخة والعجفاء.
وقالوا: لا تكن حلواً فتبتلع ولا مراً فتلفظ.
وقالوا في المثل: ليس الري عن التشاف.
وقالوا: يا عاد اذكر حلاً.
وقالوا: الرشف أنقع للظمآن.
وقالوا: القليل الدائم أكثر من الكثير المنقطع.
وقال أبو الدرداء: إني لأستجم نفسي ببعض الباطل كراهة أن أحمل عليها من الحق ما ملها.
وقال الشاعر: وإني لحلو تعتريني مرارة وإني لصعب الرأس غير جموح وقالوا في عدل المصلح ولائمة المقتصد: الشحيح أعذر من الظالم.
وقالوا: ليس من العدل سرعة العذل.
وقالوا: لعل له عذراً وأنت تلوم.
وقالوا: رب لائم مليم.
وقال الأحنف: رب ملوم لا ذنب له.
وقال: إعطاء السائل تضرية وإعطاء الملحف مشاركة.
وقال النبي ﷺ: لا تصلح المسألة إلا في ثلاث: فقر مدقع وغرم مفظع ودم موجع.
وقال الشاعر: الحر يلحى والعصا للعبد وليس للملحف غير الرد وقالوا: إذا جد السؤال جد المنع.
وقالوا: احذر إعطاء المخدوعين وبذل المغبونين فإن المغبون لا محمود ولا مأجور.
ولذلك قالوا: لا تكن أدنى العيرين إلى السهم.
يقول: إذا أعطيت السائلين مالك صارت مقاتلك أظهر لأعدائك من مقاتلهم.
وقالوا: الفرار بقراب أكيس.
وقال أبو الأسود: ليس من العز أن تتعرض للذل ولا من الكرم أن تستدعي اللؤم.
ومن أخرج ماله من يده افتقر ومن افتقر فلا بد له من أن يضرع والضرع لؤم.
وإن كان الجود شقيق الكرم فالأنفة أولى بالكرم.
وقد قال الأول: اللهم لا تنزلي ماء سوء فأكون امرأ سوء.
وقد قال الشاعر: واخط مع الدهر إذا ما خطا واجر مع الدهر كما يجري وقد قال الآخر: يا ليت لي نعلين من جلد الضبع وشركاً من ثغرها لا تنقطع وقد صدق قول القائل: من احتاج اغتفر ومن اقتضى تجوز.
وقيل لريسيموس: تأكل في السوق قال: إن جاع ريسيموس في السوق أكل في السوق.
وقال: من أجدب انتجع ومن جاع جشع.
وقال: احذروا نفار النعمة فإنها نوار وليس كل شارد بمردود ولا كل ناد بمصروف وقال علي بن أبي طالب: قلما أدبر شيء فأقبل.
وقالوا: رب أكلة تمنع أكلات ورب عجلة تهب ريثاً.
وعابوا من قال: أكلة وموتة.
وقالوا: لا تطلب أثراً بعد عين.
وقالوا: لا تكن كمن تغلبه نفسه على ما يظن ولا يغلبها على ما يستيقن.
فانظر كيف تخرج الدرهم ولم تخرجه.
وقالوا: شر من المررئة سوء الخلف.
وقال الشاعر: إن يكن ما به أصبت جليلاً فذهاب العزاء فيه أجل ولأن تفتقر بجائحة نازلة خير لك من أن تفتقر بجناية مكتسبة.
ومن كان سبباً لذهاب وفره لم تعدمه الحسرة من نفسه واللائمة من غيره وقلة الرحمة وكثرة الشماتة مع الإثم الموبق والهوان على الصاحب.
وذكر عمر بن الخطاب فتيان قرش وسرفهم في الإنفاق ومسابقتهم في التبذير فقال: لخرقة أحدهم أشد علي من عيلته يقول: إن إغناء الفقير أهون علي من إصلاح الفاسد.
ولا تكن على نفسك أشأم من خوتعة وعلى أهلك أشأم من البسوس وعلى قومك أشأم من عطر مشم.
ومن سلط الشهوات على ماله وحكم الهوى في ذات يده فبقي حسيراً فلا يلومن إلا نفسه.
وطوبى لك يوم تقدر على قديم تنتفع به.
وقال بعض الشعراء: أرى كل قوم يمنعون حريمهم وليس لأصحاب النبيذ حريم أخوفهم إذا ما دارت الكأس بينهم وكلهم رث الوصال سئوم فهذا بياني لم أقل بجهالة ولكنني بالفاسقين عليم وقد كان هذا المعنى في أصحاب النبيذ أوجد.
فأما اليوم فقد استوى الناس.
قال الأضبط بن قريع لما انتقل في القبائل فأساءوا جواره بعد أن تأذى ببني سعد: بكل وا بنو سعد.
خذ بقولي ودع قول أبي العاص.
وخذ بقول من قال: عش ولا تغتر وبقول من قال: لا تطلب أثراً بعد عين وبقول من قال: املأ حبك من أول مطرة ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
أخوك من صدقك ومن أتاك من جهة عقلك ولم يأتك من جهة شهوتك.
وأخوك من احتمل ثقل نصيحتك في حظك ولم تأمن لائمته إياك في غدك.
إن أخاك الصدق من لن يخدعك ومن يضير نفسه لينفعك وقال عبيد بن الأبرص: واعلمن علماً يقيناً أنه ومن يرجى لك من ليس معك ولا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك وعين من عقلك على طباعك أو ما كان لك أخ نصيح ووزير شفيق.
والزوجة الصالحة عون صدق.
والسعيد من وعظ بغيرة.
فإن أنت لم ترزق من هذا الخصال صل واحدة فلابد لك من نكبة موجعة يبقى أثرها ويلوح لك ذكرها.
ولذلك قالوا: خير مالك ما نفعك.
ولذلك قالوا: لم يذهب من مالك ما وعظك.
إن المال محروص عليه ومطلوب في قعر البحار وفي رءوس الجبال وفي دغل الغياض ومطلوب في الوعورة ا يطلب في السهولة.
وسواء فيها بطون الأودية وظهور الطرق ومشارق الأرض ومغاربها.
فطلبت بالعز وطلبت بالذل وطلبت بالوفاء وطلبت بالغدر وطلبت بالنسك كما طلبت بالفتك وطلبت بالصدق كما طلبت بالكذب وطلبت بالبذاء وطلبت بالملق - فلم تترك فيها حيلة ولا رقية حتى طلبت بالكفر بالله كما طلبت بالإيمان.
وطلبت بالسخف كما طلبت بالنبل.
فقد نصبوا الفخاخ بكل موضع ونصبوا الشرك بكل ربع.
وقد طلبك من لا يقصر دون الظفر.
وحسدك من لا ينام دون الشفاء.
وقد يهدأ الطالب الطوائل والمطلوب بذات نفسه ولا يهدأ الحريص.
يقال إنه ليس في الأرض بلدة واسطة ولا بادية شاسعة ولا طرف من الأطراف إلا وأنت واجد بها المديني والبصري والحيري.
وقد ترى شنف الفقراء للأغنياء وتسرع الرغبة إلى الملوك وبغض الماشي للراكب وعموم الحسد في المتفاوتين.
وإن لم تستعمل الحذر وتأخذ بنصيبك من المداراة وتتعلم الحزم وتجالس أصحاب الاقتصاد وتعرف الدهور - ودهرك خاصة - وتمثل لنفسك الغير حتى تتوهم نفسك فقيراً ضائعاً وحتى تتهم شمالك على يمينك وسمعك على بصرك ولا يكون أحد أتهم عند نفسك من ثقتك ولا أولى بأخذ الحذر منه من أمينك - اختطفت اختطافاً واستلبت استلاباً وذوبوا مالك وتحيفوه وألزموه السل ولم يداووه.
وقد قالوا: بلي المال ربه وإن كان أحمق.
فلا تكونن دون ذلك الأحمق.
وقالوا: لا تعدم صناع ثلة.
فلا تكونن دون تلك الصناع.
وقد قال الأول في المال المضيع المسلط عليه شهوات العيال: ليس لها راع ولكن حلبة.
وليس مالك المال المعفى من الأضراس فيقال فيه: مرعىً ولا أكولة وعشب ولا بعير.
فقصاراك مع الإصلاح أن يقوم ببطنك وبحوائجك وبما ينوبك.
ولا بقاء للمال على قلة الرعي وكثرة الحلب.
فكس في أمرك وتقدم في حفظ مالك فإن من حفظ ماله فقد حفظ الأكرمين.
والأكرمان: الدين والعرض.
وقد قيل: للرمي يراش السهم وعند النطاح تغلب القرناء.
وإذا رأت العرب مستأكلاً وافق غمراً قالت: ليس عليك نسجه فاسحب وخرق.
وقد قال رسول الله ﷺ: (الناس كلهم سواء كأسنان المشط والمرء كثير بأخيه) ولا خير لك في صحبة من لا يرى لك ما يرى لنفسه.
فتعرف شأن أصحابك ومعنى جلسائك.
فإن كانوا في هذه الصفة فاستعمل الحزم وإن كانوا في خلاف ذلك عملت على حسب ذلك.
إني لست أمرك إلا بما أمرك به القرآن.
ولست أوصيك إلا بما أوصاك به الرسول.
ولا أعظك إلا بما وعظ به الصالحون بعضهم بعضاً.
قال رسول الله ﷺ: (اعقلها وتوكل).
وقال مطرف بن الشخير: من نام تحت صدف مائل وهو ينوي التوكل فليرم بنفسه من طمار وهو ينوي التوكل! فأين التوقي الذي أمر الله به وأين التغرير الذي نهى عنه ومن طمع في السلامة من غير تسلم فقد وضع الطمع في موضع الأماني.
وإنما ينجز الله الطمع إذا كان فيما أمر به وإنما يحقق من الأمل ما كان هو المسبب له.
وفر عمر من الطاعون فقال له أبو عبيدة: أتفر من قدر الله قال نعم إلى قدر الله وقيل له: هل ينفع الحذر من القدر فقال: لو كان الحذر لا ينفع لكان الأمر به لغواً.
فإبلاء العذر هو التوكل.
وقال رسول الله ﷺ لرجل قال في خصومة: حسبي الله: أبل الله عذراً فإذا أعجزك أمر فقل: حسبي الله.
وقال الشاعر: ومن يك مثلي ذا عيال ومقتراً من المال يطرح نفسه كل مطرح ليبلي عذراً أو ليبلغ حاجة ومبلغ نفس عذرها مثل منجح وقال الآخر: فإن لم يكن القاضي قضى غير عادل فبعد أمور لا ألوم لها نفسي وقال زهير البابي: إن كان التوكل أن أكون متى أخرجت مالي أيقنت بالخلف وجعلت الخلف مالاً يرجع في كيسي ومتى ما لم أحفظه أيقنت بأنه محفوظ فإني أشهدكم أني لم أتوكل قط.
إنما التوكل أن تعلم أنك متى أخذت بأدب الله أنك تتقلب في الخير فتجزى بذلك إما عاجلاً وإما آجلاً - ثم قال: فلم تجر أبو بكر ولم تجر عمر ولم تجر عثمان ولم تجر الزبير ولم تجر عبد الرحمن ولم علم عمر الناس يتجرون وكيف يشترون ويبيعون ولم قال عمر: إذا اشتريت جملاً فاجعله ضخماً فإن لم يبعه الخبر باعه المنظر ولم قال عمر: فرقوا بين المنايا واجعلوا الرأس رأسين.
ولم قال عثمان حين سئل عن كثرة أرباحه قال: لم أرو من ربح قط.
ولم قيل: لا تشتر عيباً ولا شيباً وهل حجر علي بن أبي طالب على ابن أخيه عبد الله بن جعفر إلا في إخراج المال في غير حقه وإعطائه في هواه وهل كان ذلك إلا في طلب الذكر والتماس الشكر وهل قال أحد: إن إنفاقه كان في الخمور والقمار وفي الفسولة والفجور وهل كان إلا فيما تسمونه جوداً وتعدونه كرماً ومن رأى أن يحجر على الكرام لكرمهم رأى أن يحجر على الحلماء لحلمهم.
وأي إمام بعد أبي بكر تريدون وبأي سلف بعد علي تفتدون.
وكيف نرجو الوفاء والقيام بالحق والصبر على النائبة من عند لعموظ مستأكل وملاق مخادع ومنهوم بالطعام شره لا يبالي بأي شيء أخذ الدرهم ومن أي وجه أصاب الدينار ولا يكترث للمنة ولا يبالي أن يكون أبداً منهوماً منعوماً عليه وليس يبالي - إذا أكل - كيف كان ذلك الطعام وكيف كان سببه وما حكمه فإن كان مالك قليلاً فإنما هو قوام عيالك وإن كان كثيراً فاجعل الفاضل لعدة نوائبك.
ولا يأمن الأيام إلا المضلل ولا يغتر بالسلامة إلا المغفل.
فأحذر طوارق البلاء وخدع رجال الدهاء.
سمنك في أديمك وغثك خير من سمين غيرك لو وجدته فكيف ودونه أسل حداد وأبواب شداد قالت امرأة لبعض العرب: إن تزوجتني كفيتك فأنشأ يقول: وما خير مال ليس نافع أهله وليس لشيخ الحي في أمره أمر وقال المعلوط القريعي: أبا هانئ لا تسأل الناس والتمس بكفيك ستر الله فالله واسع فلو تسأل الناس التراب لأوشكوا إذا قلت: هاتوا أن يملوا فيمنعوا ثم رجع إلى أحاديث البخلاء وإلى طرف معانيهم وكلامهم.
قال ابن حسان: كان عندنا رجل مقل و كان له أخ مكثر وكان مفرط البخل شديد النفح فقال له يوماً أخوه: ويحك! أنا فقير معيل وأنت غني خفيف الظهر لا تعينني على الزمان و لا تواسيني ببعض مالك و لا تتفرج لي عن شيء! و الله ما رأيت قط ولا سمعت أنحل منك! قال: ويحك! ليس الأمر كما تظن ولا المال كما تحسب ولا أنا كما تقول في البخل ولا في اليسر والله لو ملكت ألف ألف درهم لوهبت لك خمسمائة ألف درهم.
يا هؤلاء فرجل يهب في ضربة واحدة خمسمائة الف درهم يقال له: بخيل! وأما صاحب الثريدة البلقاء فليس عجبي من بلقة ثريدته وسائر ما كان يظهر على خوانه كعجبي من شيء واحد وكيف ضبطه وحصره وقوي عليه مع كثرة أحاديثه وصنوف مذاهبه وذلك أني في كثرة ما جالسته وفي كثرة ما كان فيه يفنن من الأحاديث لم أره خبر أن رجلاً وهب لرجل درهماً واحداً! فقد كان يفنن في الحزم والعزم وفي الحلم والعلم وفي جميع المعاني إلا ذكر الجود فإني لم أسمع هذا الاسم منه قط: خرج هذا الباب من لسانه كما خرج من قلبه! ويؤكد ما قلت ما حدثني به طاهر الأسير فإنه قال: ومما يدل على أن الروم أبخل الأمم أنك لا تجد للجود في لغتهم اسماً.
يقول: إنما يسمى الناس ما يحتاجون إلى استعماله.
ومع الاستغناء يسقط التكلف.
وقد زعم ناس أن مما يدل على غش الفرس أنه ليس للنصيحة في لغتهم اسم واحد يجمع المعاني التي يقع عليها هذا الاسم.
وقول القائل: نصيحة ليس يراد به سلامة القلب فقد يكون أن يكون الرجل سليم الصدر ولم يحدث سبب من أجله يقصد إلى المشورة عليك بالذي هو أرد عليك - على حسب رأيه فيك - وجهاً لنفعك.
ففي لغتهم اسم للسلامة واسم لإرادة الخير وحسن المشورة وحملك بالرأي على الصواب.
فللنصيحة عندهم أسماء مختلفة إذا اجتمعت دلت على ما يدل عليه الاسم الواحد في لغة العرب.
فمن قضى عليهم بالغش من هذا الوجه فقد ظلم.
وحدثني إبراهيم بن عبد العزيز قال: تغديت مع راشد الأعور فأتونا بجام فيه بيان سبخي الذي يقال له الدراج فجعلت آخذ الواحدة فأقطع رأسها ثم أعزله ثم أشقها باثنين من قبل بطنها فآخذ شوكة الصلب والأضلاع فأعزلها وأرمي بما في بطنها وبطرف الذنب والجناح.
ثم أجمعها في لقمة واحدة وآكلها.
وكان راشد يأخذ البياحة فيقطعها قطعتين فيجعل قطعة في لقمة لا يلقي رأساً ولا ذنباً - فصبر لي على لقم عدة.
فلما بلغت المجهود منه قال: أي بني إذا أكلت الطعام فكل خيره بشره! قال: وكان يقول: لم أنتفع بأكل التمر إلا مع الزنج وأهل أصبهان.
فأما الزنجي فإنه لا يتخير وأنا أتخير.
وأما الأصبهاني فإنه يقبض القبضة ولا يأكل من غيرها ولا ينظر إلى ما بين يديه حتى يفرغ من القبضة. وهذا عدل. والتخير قرفة وجور. لا جرم أن الذي يبقى من التمر لا ينتفع به العيال إذا كان قدام من يتخير.
وكان يقول: ليس من الأدب أن تجول يدك في الطبق وإنما هو تمر وما أصاب.
وزعم سري بن مكرم وهو ابن أخي موسى بن جناح قال: كان موسى يأمرنا ألا نأكل ما دام أحد منا مشغولاً بشرب الماء وطلبه.
فلما رآنا لا نطاوعه دعا ليلة بالماء ثم خط بإصبعه خطاً وأحاديثه في صدر هذا الكتاب.
وهذا منها.
وقال المكي لبعض من كان يتعشى ويفطر عند الباسياني: ويحكم! كيف تسيغون طعامه وأنتم تسمعونه يقول: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا}.
ثم ترونه لا يقرؤها إلا وأنتم على العشاء ولا يقرأ غير هذه الآية.
أنتم والله ضد الذي قال: ألبان إبل تعلة بن مسافر ما دام يملكها على حرام وطعام عمران بن أوفى مثله ما دام يسلك في البطون طعام إن الذين يسوغ في أعناقهم زاد يمن عليهم للئام قال: فمتى تعجب أعجب من خمسين رجلاً من العرب فيهم أبو رافع الكلابي وهو شاعر ندى يفطرون عند أبي عثمان الأعور.
فإفطاري من طعام نصراني أشد من إفطاري من طعام مسلم يقرأ القرآن ويقول الحق.
وحدثني أبو المنجوف السدوسي قال: كنت مع أبي ومعنا شيخ من موالي الحي.
فمررنا بناطور على نهر الأبلة ونحن تعبون.
فجلسنا إليه.
فلم يلبث أن جاءنا بطبق عليه رطب سكر وجيسوان أسود فوضعه بين أيدينا.
فأكل الشيخ الذي كان معنا.
فلما رأيت أبي لا يأكل لم آكل وبي إلى ذلك حاجة.
فأقبل الناطور على أبي فقال: لم لا تأكل قال: والله إني لأشتهيه.
ولكن لا أظن صاحب الأرض أباح لك طعام الناس من الغريب.
فلو جئتنا بشيء من السهريز والبرني لأكلنا.
فقال مولانا وهو شيخ كبير السن: ولكني أنا لم أنظر في شيء من هذا قط.
قال المكي: دخل إسماعيل بن غزوان إلى بعض المساجد يصلي.
فوجد الصف تاماً فلم يستطع أن يقوم وحده.
فجذب ثوب شيخ في الصف ليتأخر فيقوم معه.
فلما تأخر الشيخ ورأى الفرج تقدم فقام في موضع الشيخ وترك الشيخ قائماً خلفه ينظر في قفاه ويدعو الله عليه.
وكان ثمامة يحتشم أن يقعد على خوانه من لا يأنس به.
ومن رأيه أن يأكل بعض غلمانه معه.
فحبس قاسم التمار يوماً على غدائه بعض من يحتشمه.
فاحتمل ذلك ثمامة في نفسه.
ثم عاد بعد ذلك إلى مثلها ففعل ذلك مراراً حتى ضج ثمامة واستفرغ صبره.
فأقبل عليه فقال: ما يدعوك إلى هذا لو أردتم لكان لساني مطلقاً وكان رسولي يؤدي عني.
فلم تحبس على طعامي من لا آنس به قال: إنما أريد أن اسخيك فأنفي عنك التبخيل وسوء الظن.
فلما أن كان بعد ذلك أراد بعضهم الانصراف قال له قاسم: أين تريد قال: قد تحرك بطني فأريد المنزل.
قال: فلم لا تتوضأ هاهنا فإن الكنيف خال نظيف والغلام فارغ نشيط وليس من أبي معن حشمة ومنزله منزل إخوانه! فدخل الرجل فتوضأ.
فلما كان بعد أيام حبس آخر.
فلما كان بعد ذلك حبس آخر! فاغتاظ ثمامة وبلغ في الغيظ مبلغاً لم يكن على مثله قط.
ثم قال: هذا يحبسهم على غدائي لأن يسخيني بحبسهم على أن يخرءوا عندي! لمه لأن من لم يخرأ الناس عنده فهو بخيل على الطعام! وقد سمعتهم يقولون: فلان يكره أن يؤكل عنده.
ولم أسمع أحداً قط قال: فلان يكره أن يخرأ عنده! وكان قاسم شديد الأكل شديد الخبط قذر المؤاكلة.
وكان أسخى الناس على طعام غيره وأبخل الناس على طعام نفسه.
وكان يعمل عمل رجل لم يسمع بالحشمة ولا بالتجمل قط.
فكان لا يرضى بسوء أدبه على طعام ثمامة حتى يجر معه ابنه إبراهيم.
وكان بينه وبين إبراهيم ابنه في القذر ما بينه وبين جميع العالمين! فكانا إذا تقابلا على خوان ثمامة لم يكن لأحد على أيمانهما وشمائلهما حظ في الطيبات! فأتوه يوماً بقصعة ضخمة فيها ثريدة كهيئة الصومعة مكللة بإكليل من عراق بأكثر ما يكون من العراق.
فأخذ قاسم الذي يستقبله ثم أخذ يمنة وأخذ ما بين يدي من كان بينه وبين ثمامة حتى لم يدع إلا عرقاً قدام ثمامة.
ثم مال على جانبه الأيسر فصنع مثل ذلك الصنيع.
وعارضه ابنه وحاكاه! فلما أن نظر ثمامة إلى الثريدة مكشوفة القناع مسلوبة عارية واللحم كله بين يديه وبين يدي ابنه إلا قطعة واحدة بين يديه تناولها فوضعها قدام إبراهيم ابنه ولم يدفعها.
واحتسب بها في الكرامة والبر.
فقال قاسم لما فرغ من غدائه: أما رأيتم إكرام ثمامة لابني وكيف خصه فلما حكى هذا لي قلت: ويلك! ما أظن أن في الأرض عرقاً أشام على عيالك منه! فلما حكى هذا لي قلت: ويلك! ما أظن أن في الأرض عرقاً أشأم على عيالك منه! هذا أحرجه الغيظ وهذا الغيظ لا يتركه حتى يتشفى منك.
فإن قدر لك على ذنب فقد والله هلكت.
وإن لم يقدر أقدره لك الغيظ.
وأبواب التجني كثيرة.
وليس أحد إلا وفيه ما إن شئت جعلته ذنباً.
فكيف وأنت ذنوب من قرنك إلى قدمك! وكان ثمامة يفطر أيام كان في أصحاب الفساطيط ناساً.
فكثروا عليه وأتوه بالرقاع والشفاعات.
وفي حشوة المتكلمين أخلاق قبيحة وفيهم على أهل الكلام وعلى أرباب الصناعات محنة عظيمة.
فلما رأى ثمامة ما قد دهمه أقبل عليهم وهم يتعشون فقال: إن الله عز وجل لا يستحيي من الحق.
كلكم واجب الحق.
ومن لم تجئنا شفاعته فأكرمه كمن تقدمت شفاعته.
كما أنا لو فكذلك أنتم إذا أعجزنا أو بدا لنا فليس بعضكم أحق بالحرمان من بعض أو بالحمل عليه أو بالاعتذار إليه من بعض.
ومتى قربتكم وفتحت بابي لكم وباعدت من هو أكثر منكم عدداً وأغلقت بابي دونهم لم يكن في إدخالي إياكم عذر لي ولا في منع الآخرين حجة.
فانصرفوا ولا تعودوا! قال أبو محمد العروضي: وقعت بين قوم عربدة فقام المغني يحجز بينهم وكان شيخاً معيلاً بخيلاً.
فمسك رجل بحلقه فعصره فصاح: معيشتي! معيشتي! فتبسم وتركه.
وحثني ابن كريمة قال: وهبوا للكناني المغني خابية فارغة.
فلما كان عند انصرافه وضعوها له على الباب.
ولم يكن عنده كراء حمالها.
وأدركه ما يدرك المغنين من التيه فلم يحملها.
فكان يركلها ركلة فتدحرج وتدور بمبلغ حمية الركلة.
ويقوم من ناحية كي لا يراه إنسان ويرى ما يصنع.
ثم يدنو منها ثم يركلها أخرى فتدحرج وتدور ويقف من ناحية.
فلم يزل يفعل ذلك إلى أن بلغ بها المنزل! قالوا: كان عبد النور كاتب إبراهيم بن عبد الله بن الحسن قد استخفى بالبصرة في عبد القيس من أمير المؤمنين أبي جعفر وعماله.
وكان في غرفة قدامها جناح.
وكان لا يطلع رأسه منها.
فلما سكن الطلب شيئاً وثبت عنده حسن جوار القوم صار يجلس في الجناح يرضى بأن يسمع الصوت ولا يرى الشخص لما في ذلك من الأنس عند طول الوحشة.
فلما طالت به الأيام ومرت أيام السلامة جعل في الجناح خرقاً بقدر عينه.
فلما طالت الأيام صار ينظر من شق باب كان مسموراً.
ثم ما زال يفتحه الأول فالأول إلى أن صار يخرج رأسه ويبدي وجهه.
فلما لم ير شيئاً يريبه قعد في الدهليز.
فلما زاد في الأنس جلس على باب الدار! ثم صلى معهم في مصلاهم ودخل.
ثم صلى بعد ذلك وجلس.
والقوم عرب.
وكانوا يفيضون في الحديث ويذكرون من الشعر الشاهد والمثل ومن الخبر الأيام والمقامات.
وهو في ذلك ساكت إذا أقبل عليه ذات يوم فتى منهم خرج عن أدبهم وأغفل بعض ما راضوه به من سيرتهم فقال له: يا شيخ إنا قوم نخوض في بعض ضروب فربما تكلمنا بالمثلبة وأنشدنا الهجاء.
فلوا أعلمتنا ممن أنت تجنبنا كل ما يسوءك.
ولو اجتنبنا أشعار الهجاء كلها وأخبار المثلب بأسرها لم نأمن أن يكون ثناؤنا ومديحنا لبعض العرب مما يسوءك.
فلو عرفتنا نسبك كفيناك سماع ما يسوءك من هجاء قومك ومن مديح عدوك.
فلطمه شيخ منهم وقال: لا أم لك! محنة كمحنة الخوارج وتنقير كتنقير العيابين ولم لا تدع ما يريبك إلى مالا يريبك فتسكت إلا عما توقن بأنه يسره.
قال: وقال عبد النور: ثم إن موضعي نبا بي لبعض الأمر.
فتحولت إلى شق بني تميم فنزلت برجل فأخذته بالثقة وأكمنت نفسي إلى أن أعرف سبيل القوم.
وكان للرجل كنيف إلى جانب داره يشرع في طريق لا ينفذ.
إلا أن من مر في ذلك الشارع رأى مسقط الغائط من خلاء ذلك الجناح.
وكان صاحب الدار ضيق العيش فاتسع بنزولي عليه.
فكان القوم إذا مروا به ينظرون إلى موضع الزبل والغائط فلا يذهب قلبي إلى شيء مما كانوا يذهبون إليه.
فبينا أنا جالس ذات يوم إذا أنا بأصوات ملتفة على الباب وإذا صاحبي ينتفي ويعتذر وإذا الجيران قد اجتمعوا إليه وقالوا: ما هذا الثلط الذي يسقط من جناحك بعد أن كنا لا نرى إلا شيئاً كالبعر من يبس الكعك وهذا ثلط يعبر عن أكل غض! ولولا أنك انتجعت على بعض من تستر وتواري لأظهرته.
وقد قال الأول: الستر دون الفاحشات ولا يلقاك دون الخير من ستر ولولا أن هذا طلبة السلطان لما توارى.
فلسنا نأمن من أن يجر على الحي بلية.
ولست تبالي - إذا حسنت حالك في عاجل أيامك - إلام يفضي بك الحال وما تلقى عشيرتك.
فإما أن تخرجه إلينا وإما أن تخرجه عنا.
قال عبد النور: فقلت: هذه والله القيافة ولا قيافة بني مدلج! إنا لله! خرجت من الجنة إلى النار! وقلت: هذا وعيد. وقد اعذر من انذر.
فلم أظن أن اللؤم يبلغ ما رأيت من هؤلاء ولا ظننت أن الكرم يبلغ ما رأيت من أولئك! شهدت الأصمعي يوماً وأقبل على جلسائه يسألهم عن عيشهم وعما يأكلون ويشربون.
فأقبل على الذي عن يمينه فقال: أبا فلان ما أدمك قال: اللحم.
قال: أكل يوم لحم قال: نعم.
قال: وفيه الصفراء والبيضاء والحمراء والكدراء والحامضة والحلوة والمرة قال: نعم.
قال: بئس العيش هذا! ليس هذا عيش آل الخطاب.
كان عمر بن الخطاب رحمة الله عليه ورضوانه يضرب على هذا.
وكان يقول: مد من اللحم كمد من الخمر.
ثم سأل الذي يليه قال: أبا فلان ما أدمك قال: الآدام الكثير والألوان الطيبة.
قال: أفي آدامك سمن قال: نعم.
قال فتجمع السمن والسمين على مائدة قال: نعم.
قال: ليس هذا عيش آل الخطاب.
كان ابن الخطاب رحمة الله عله ورضوانه يضرب على هذا.
وكان إذا وجد القدور المختلفة الطعوم كدرها في قدر واحدة وقال: إن العرب لو أكلت هذا لقتل بعضها بعضاً.
ثم يقبل على الآخر فيقول: أبا فلان ما أدمك قال: اللحم السمين والجداء الرضع.
قال: فتأكله بالحوارى قال: نعم.
قال: ليس هذا عيش آل الخطاب.
كان ابن الخطاب يضرب على هذا.
أو ما سمعته يقول: أتروني لا أعرف الطعام الطيب لباب البر بصغار المعزى.
ألا تراه كيف ينتفي من أكله وينتحل معرفته ثم يقبل على الذي يليه فيقول: أبا فلان ما أدمك فيقول: أكثر ما نأكل لحوم الجزور ونتخذ منها هذه القلايا ونجعل بعضها شواء.
قال: أفتأكل من أكبادها وأسمنتها وتتخذ لك الصباغ قال: نعم.
قال: ليس هذا عيش آل الخطاب.
كان ابن الخطاب يضرب على هذا.
أو ما سمعته يقول: أتروني لا أقدر أتخذ أكباداً وأفلاذاً وصلائق وصناباً ألا تراه كيف ينكر أكله ويستحسن معرفته ثم يقول للذي يليه: أبا فلان ما أدمك فيقول: الشبارقات والأخبصة والفالوذجات.
قال: طعام العجم وعيش كسرى ولباب البر بلعاب النحل بخالص السمن - حتى أتى على آخرهم.
كل ذلك يقول: بئس العيش هذا! ليس هذا عيش آل الخطاب.
كان ابن الخطاب يضرب على هذا.
فلما انقضى كلامه أقبل عليه بعضهم فقال: يا أبا سعيد ما أدمك قال: يوماً لبن ويوماً زيت ويوماً سمن ويوماً تمر ويوماً جبن ويوماً قفار ويوماً لحم.
عيش آل الخطاب.
ثم قال: قال أبو الأشهب: كان الحسن يشتري لأهله كل يوم بنصف درهم لحماً.
فإن غلا فبدرهم.
فلما حبس عطاؤه كانت مرقته بشحم.
ونبئت عن رجل من قريش أنه كان يقول: من لم يحسن يمنع لم يحسن يعطى وأنه قال لابنه: أي بني إنك إن أعطيت في غير موضع الإعطاء أوشك أن تستعطي الناس فلا تعطي.
ثم أقبل علينا فقال: هل علمتم أن اليأس أقل من القناعة وأعز.
إن الطمع لا يزال طمعاً وصاحب الطمع لا ينتظر الأسباب ولا يعرف الطمع الكاذب من الصادق.
والعيال عيالان: شهوة مفسدة وضرس طحون.
وأكل الشهوة أثقل من أكل الضرس.
وقد زعموا أن العيال سوس المال وأنه لا مال لذي عيال.
وأنا أقول: إن الشهوة تبلغ ما لا يبلغ السوس وتأتي على ما يقصر دونه العيال.
وقد قال الحسن: ما عال أحد قط عن قصد.
وقيل ليشخ من أهل البصرة: مالك لا ينمي لك مال قال: " لأني اتخذت العيال قبل المال واتخذ الناس المال قبل العيال ".
وقد رأيت من تقدم عياله ماله فجبره الإصلاح ورفده الاقتصاد وأعانه حسن التدبير.
وقال: أر لشهواني تدبيراً ولا لشره صبراً.
وقال إياس بن معاوية: إن الرجل يكون عليه ألف فينفق ألفاً فيصلح فتصلح له الغلة.
ويكون عليه ألفان فينفق ألفين فيصلح فتصلح له الغلة.
ويكون عليه ألفان فينفق ثلاثة آلاف فيتبع العقار في فضل النفقة.
وذكر الحديث عن أبي لينة قال: كنت أرى زياداً وهو أمير يمر بنا على بغلة في عنقها حبل من ليف مدرج على عنقها.
وكان سلم بن قتيبة يركب بغلة وحده ومعه أربعة آلاف رابطة.
ورآه الفضل بن عيسى على حمار وهو أمير فقال: بذلة نبي وقعود جبار! ولو شاء أبو سيارة أن يدفع بالعرب على جمل مهري أو فرس عتيق لفعل.
ولكنه أراد هدى الصالحين.
وحمل عمر على برذون فهملج تحته.
فنزل عنه.
فقال لأصحابه: جنبوني هذا الشيطان.
ثم قال لأصحابه: لا تطلبوا العز بغير ما أعزكم الله به.
قد كنت أعجب من بعض السلف حيث قال: ما أعرف شيئاً مما كان الناس عليه إلا الأذان.
وأنا أقول ذلك.
ولم يزل الناس في هبوط ما ترفعوا بالإسراف وما رفعوا البنيان للمطاولة.
وإن من أعجب ما رأيت في هذا الزمان أو سمعت مفاخرة مويس بن عمران لأبي عبيد الله بن سليمان في أيهما كان أسبق إلى ركوب البراذين! وما للتاجر وللبرذون وما ركوب التاجر للبراذين إلا كركوب العرب للبقر! ولو كانوا إذا جلسوا في الخيوش واتخذوا الحمامات في الدور وأقاموا وظائف الثلج والريحان واتخذوا القيان والخصيان استرد الناس ودائعهم واسترجعت القضاة أموال الأيتام والحشرية منهم لعادوا إلى دينهم وعيشهم واقتصادهم.
وإذا رآهم أصحاب الغلات وأهل الشرف والبيوتات أنفوا أن يكونوا دونهم في البزة والهيئة.
فهلكوا وأهلكوا.
زعم أبو يعقوب الخريمي أن جعفر بن يحيى أراد يوماً حاجة كان طريقه إليها على باب الأصمعي وأنه دفع إلى خادم له كيساً فيه ألف دينار وقال له: سأنزل في رجعتي إلى الأصمعي.
وسيحدثني ويضحكني.
فإذا رأيتني قد ضحكت فضع الكيس بين يديه.
فلما دخل فرأى حباً مقطوع الرأس وجرة مكسورة العروة وقصعة مشعبة وجفنة أعشاراً ورآه على مصلى بال وعليه بركان أجرد - غمز غلامه بعينه ألا يضع الكيس بين يديه ولا يدفع إليه شيئاً.
فلم يدع الأصمعي شيئاً مما يضحك الثكلان والغضبان إلا أورده عليه فما تبسم فقال له إنسان: ما أدري من أي أمر يك أعجب أمن صبرك على الضحك وقد أورد عليك ما لا يصبر على مثله أم من تركك إعطاءه وقد كنت عزمت على إعطائه وهذا خلاف ما أعرفك به! قال: ويلك! من استرعى الذئب فقد ظلم. ومن زرع سبخة حصد الفقر.
إني والله لو علمت أنه يكتم المعروف بالفعل لما ارتفقت بنشره له باللسان.
وأين يقع مديح اللسان من مديح آثار الغنى على الإنسان فاللسان قد يكذب والحال لا تكذب.
لله در نصيب حيث يقول: فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب أعلمت أن ناووس أبرويز أمدح له من شعر زهير لآل سنان بن أبي حارثة لأن الشاعر يكذب ويصدق وبنيان لا يكذب مرة ويصدق مرة.
فلست بعائد إلى هذا بمعروف أبداً.
كان الأصمعي يتعوذ بالله من الاستقراض والاستقراض.
فأنعم الله عليه حتى صار هو المستقرض منه والمستفرض ما عنده.
فاتفق أن أتاه في يوم واحد رجلان.
وكان أحدهما يطلب الفرض والآخر يطلب القرض.
هجما عليه معاً فأثقله ذلك وملأ صدره! ثم أقبل على صاحب السلف فقال: " تتبدل الأفعال بتبدل الحال.
ولكل زمان تدبير ولكل شيء مقدار والله في كل يوم في شأن.
كان الفقيه يمر باللقطة فيتجاوزها ولا يتناولها كي يمتحن بحفظها سواه إذ كان جل الناس في ذلك الدهر يريدون الأمانة ويحوطون اللقطة.
فلما تبدلوا وفسدوا وجب على الفقيه إحرازها والحفظ لها وأن يصبر على ما نابه من المحنة واختبر به من الكلفة ".
" وقد بلغني أن رجلاً أتي صديقاً له يستقرض منه مالاً فتركه بالباب ثم خرج إليه مؤتزراً.
فقال له: مالك قال: جئت للقتال والطام والخصومة والصخب.
قال: ولم قال: لأنك في أخذ مالي بين حالين: إما أن تذهب به.
وإما أن تمطلني به.
فلو أخذته على طريق البر والصلة لاعتددت عليك بحق ولوجب عليك به شكر.
وإذا أخذته من طريق السلف كانت العادة في الديون والسيرة في الأسلاف الرد أو التقاضي.
وإذا تقاضيتك أغضبتك وإذا أغضبتك أسمعتني ما أكره فتجمع على المطل وسوء اللفظ والوحشة وإفساد اليد في الأسلاف وأنت أظلم فأغضب كما غضبت.
فإذا نقلتني إلى حالك فعلت فعلك وصرت أنا وأنت كما قال العربي: أنا تئق وصاحبي مئق - فما ظنك بمئق من الغيظ مملوء من الغضب لاقى متأقاً من الموق مملوءاً من الكفران - ولكني أدخل إلى المنزل فأخرج إليك مؤتزراً فأعجل لك اليوم ما أخرته إلى غد.
وقد علمت أن ضرب الموعظة دون ضرب الحقد والسخيمة فتربح صرف ما بين الألمين وفضل ما بين الشتمين ".
" وبعد فأنا أضن بصداقتي لك وأشح على نصيبي منك من أن أعرضه للفساد وأن أعينك على القطيعة.
فلا تلمني على أن كنت عندي واحداً من أهل عصرك.
فإن كنت عند نفسك فوقهم وبعيداً من مذهبهم فلا تكلف الناس علم الغيب فتظلمهم ".
ثم قال: " وما زالت العارية مؤداة والوديعة محفوظة.
فلما قالوا: أحق الخيل بالركض المعار بعد أم كان يقال: أحق الخيل بالصون المعار وبعد المؤمنين قيل لبعضهم: ارفق به قال: إنه عارية وقال الآخر: فاقتل! - فسدت العارية واستد هذا الباب.
ولما قالوا: واخفض جناحك إن مشيت تخشعاً حتى تصيب وديعة ليتيم " " وحين أكلت الأمانات الأمناء والأوصياء ورتع فيها المعدلون والصارفون وجب حفظها ودفنها وكان أكل الأرض لها خيراً من أكل الخئون الفاجر واللئيم الغادر.
وهذا مع قول أكثم بن صيفي في ذلك الدهر: لو سئلت العارية: أين تذهبين قالت: أكسب أهلي ذماً ".
" وأنا اليوم أنهي عن العارية والوديعة وعن القرض والفرض وأكره أن يخالف قولي فعلي.
أما القرض فما أنبأتك وأما الفرض فليس يسعه إلا بيت المال.
ولو وهبت لك درهماً واحداً لفتحت على مالي باباً لا تسده الجبال والرمال ولو استطعت أن أجعل دونه ردماً كردم ياجوج ومأجوج ".
" إن الناس فاغرة أفواههم نحوه من عنده دراهم فليس يمنعهم من النهس إلا اليأس.
وإن طعموا لم تبق راغية ولا ثاغية ولا سبد ولا لبد ولا صامت ولا ناطق إلا ابتلعوه والتهموه! أتدري ما تريد بشيخك إنما تريد أن تفقره.
فإذا أفقرته فقد قتلته.
وقد تعلم ما جاء في قتل النفس المؤمنة "! فلم أشبه قول الأصمعي لهذا الرجل حين قال: " أنا أضن بك وأشح على نصيبي منك من أن أعرضه للفساد " إلا بقول ثمامة حين قال لابن سافري: " بالنظر مني أقول لك والشفقة مني أسبك ".
وذلك أنه ندم فرأى أن هذا القول يجعل ذلك منه يداً ونعمة.
وشهدت ثمامة وقد أتاه رجل قال: لي إليك حاجة فقال ثمامة: ولي إليك أيضاً حاجة.
قال: وما حاجتك قال: لست أذكرها لك حتى تضمن لي قضاءها.
قال: نعم.
قال: فحاجتي ألا تسألني هذه الحاجة.
قال: إنك لا تدري ما هي قال: بلى قد دريت.
قال: فما هي قال: هي حاجة.
وليس يكون الشيء حاجة إلا وهي تخرج إلى شيء من الكلفة.
قال: فقد رجعت عما أعطيتك.
قال: لكني لا أرد ما أخذت.
فأقبل عليه آخر فقال: لي حاجة إلى منصور بن النعمان.
قال: قل.
لي حاجة إلى ثمامة بن أشرس لأني أنا الذي أقضي لك الحاجة ومنصور يقضيها لي.
فالحاجة أنا أقضيها لك وغيري يقضيها لي.
ثم قال: فأنا لا أتكلم في الولايات ولا أتكلم في الدراهم لأن الدراهم من قلوب الناس ولأن الحوائج تنقض.
فمن سألته اليوم أن يعطيك سألني غداً أن أعطي غيرك.
فتعجيلي تلك العطية لك أروح لي.
ليس عندي دراهم ولو كان عندي دراهم لكانت نوائبي القائمة الساعة تستغرقها.
ولكن أؤنب لكم من شئتم.
علي لكم من التأنيب كل ما تريدون! قلت له فإذا أتيت رجلاً في أمر لم تتقدم فيه بمسألة كيف يكون جوابه لك فضحك حتى وجاء مرة أبو همام المسوط يكلمه في مرمة داره التي تطوع ببنائها في رباط عبادان فقال: ذكرتني الطعن وكنت ناسياً.
قد كنت عزمت على هدمها حين بلغني أن الجبرية قد نزلتها.
قال: سبحان الله! تهدم مكرمة وداراً قد وقفتها للسبيل قال: فتعجب من ذا قد أردت أن أهدم المسجد الذي كنت بنيته ليزيد بن هاشم حين ترك أن يبنيه في الشارع وبناه في الرائغ وحين بلغني أنه يخلط في الكلام ويعين البشرية على المعتزلة.
فلو أراده أبو همام وجد من ثمامة مربداً جميع مساحة الأرض! وكان حين يسوي لك اللفظ لا ينظر في صلاح المعاني من فسادها.
وتمشى رجل إلى الغاضري قال: إن صديقك القادمي قد قطع عليه الطريق.
قال: فأي شيء تريد قال: أن تخلف عليه.
قال: فليس عليه قطع الطريق بل على قطع! وأتى ابن سكاب الصيرفي صديق له يستلف منه مالاً فقال: لو شئت أن أقول لقلت وأن أعتل اعتللت وأن أستعير بعض كلام من يستلف منه إخوانه فعلت.
وليس أرى شيئاً خيراً من التصحيح وقشر العصا وليس أفعل.
فإن التمست لي عذراً فهو أروح لقلبك وإن لم تفعل فهو شر لك.
وضاق الفيض بن يزيد ضيقاً شديداً فقال: والله ما عندنا من شيء نعول عليه وقد بلغ السكين العظم.
والبيع لا يكون إلا مع طول المدة.
والرأي أن ننزل هذه النائبة بمحمد بن عباد فإنه يعرف الحال وصحة المعاملة وحسن القضاء وما لنا من السبب المنتظر فلو كتبت إليه كتاباً لسره ذلك ولسد منا هذه الخلة القائمة الساعة.
فتناول القلم والقرطاس ليكتب إليه كتاب الواثق المدل لا يشك أنه سيتلقى حاجته بمثل ما كان هو المتلقي لها منه - ومضى بعض من كان في المجلس إلى محمد بن عباد ليبشره بسرعة ورود حاجة الفيض إليه.
فأتاه أمر لا يقوم به.
فأمر بالكتابة إليه ليشغله بحاجته إليه عن حاجته إليه.
فكتب إليه: مالي يضعف والدخل قليل والعيال كثير والسعر غال.
وأرزاقنا من الديوان قد احتبست.
وقد تفتحت علينا من أبواب النوائب في هذه الأيام ما لم يكن لنا في حساب.
فإن رأيت أن تبعث إلي بما أمكنك فعجل به فإن بنا إليه أعظم الحاجة فورد الكتاب على الفيض قبل نفوذ كتابه إليه.
فلما قرأه استرجع وكتب إليه: يا أخي تضاعفت على المصيبة حتى جمعت خلة عيالك إلى خلة عيالي.
وقد كنت على الاحتيال لهم.
وسأضطرب في وجوه الحيل غير هذا الاضطراب.
وسأتحرك في بيع ما عندي ولو ببعض الطرح.
فلما رجع الكتاب على ابن عباد سكن وألقي صاحبه في أشد الحركة وأتعب التعب.
وكان رجل من أبناء الحربية له سخاء وأريحية.
وكان يكثر استزارة ابن عباد ويتلف عليه من الأموال من طريق الرغبة في الأدباء وفي مشايخ الظرفاء.
وكان يظن بكرمه أن زيارته ابن عباد في منزله زيادة في المؤانسة.
وقد كان بلغه إمساكه ولكنه لم يظن أنه لا حيلة في سببه.
فأتاه يوماً متطرئاً قال: جئتك من غير دعاء.
وقد رضيت بما حضر.
قال: فليس يحضر شيء.
وقولك: بما حضر لا بد من أن يقع على شيء! قال: فقطعة مالح قال: وقطعه مالح ليس هي شيء قال بلى فنحن نشرب على الريق قال: لو كان عندنا نبيذ كنا في عرس.
قال: فأنا أبعث إلى نبيذ.
قال: فإذا صرت إلى تحويل النبيذ فحول أيضاً ما يصلح للنبيذ! قال: ليس يمنعني من ذلك ومن إحضار النقل والريحان إلا أن أحتسب لك هذه الزورة بدعوة.
وليس يجوز ذلك إلا بأن يكون لك فيها أثر.
فقال محمد: فقد انفتح لي باب لكم فيه صلاح وليس على فيه فساد: في هذه النخلة زوج ورشان.
ولهما فرخان مدركان.
فإن نحن وجدنا إنساناً يصعدها - فإنها سحيقة منجردة - ولم يطيرا - فإنهما قد صارا ناهضين - جعلنا الواحد طباهجة والآخر جردناجاً فإنه يوم فطلبوا في الجيران إنساناً يصعد تلك النخلة فلم يقدروا عليه.
فدلوهم على أكار لبعض أهل الحربية.
فما زال الرسول يطلبه حتى وقع عليه.
فلما جاء ونظر إلى النخلة قال: هذه لا تصعد ولا يرتقي عليها إلا بالتبليا والبربند.
فكيف أرومها أنا بلا سبب فسألوه أن يلتمس لهم ذلك.
فذهب فغبر ملياً.
ثم أتاهم به.
فلما صار في أعلاها طار أحدهما وأنزل الآخر.
فكان هو الطباهج والجردناج وهو الغداء وهو العشاء! وكتب إبراهيم بن سيابة إلى صديق له يساويه في الأدب ويرتفع عليه في الحال - وكان كثير المال كثير الصامت - يستسلف منه بعض ما يرتفق به إلى أن يأتيه بعض ما يؤمل.
فكتب إليه صديقه هذا يعتذر ويقول: إن المال مكذوب له وعليه.
والناس يضيفون إلى الناس في هذا الباب ما ليس عندهم.
وأنا اليوم مضيق وليست الحال كما نحب.
وأحق من عذر الصديق العاقل.
فلما ورد كتابه على ابن سبابة كتب إليه: إن كنت كاذباً فجعلك الله صادقاً وإن كنت ملوماً فجعلك الله معذوراً.
قال عمرو الجاحظ: احتجنا عند التطويل وحين صار طويلاً كبيراً إلى أن يكون قد دخل فيه من علم العرب وطعامهم وما يتمادحون به وما يتهاجون به شيء وإن قل ليكون الكتاب قد انتظم جمل هذا الباب.
ولولا أن يخرج من مقدار شهوة الناس لكان الخبر عن العرب والأعراب أكثر من جميع هذا الكتاب.
الطعام ضروب.
والدعوة اسم جامع.
وكذلك الزلة.
ثم منه العرس والخرس والإعذار والوكيرة والنقيعة.
والمأدبة اسم لكل طعام دعيت إليه الجماعات.
قال الشاعر: نحن في المشتاة ندعو الجفلى لا ترى الآدب فينا ينتقر وجاء في الحديث: القرآن مأدبة الله.
وقد زعم ناس أن العرس هو الوليمة لقول النبي ﷺ لعبد الرحمن: أولم ولو بشاة.
وكان ابن عوف والأصمعي من بعده يذمان عمرو بن عبيد ويقولون: لا يجيب الولائم يجعلان طعام الإملاك والأعراس والسبوع والختان وليمة.
والعرس معروف.
إلا أن المفضل الضبي زعم أن هذا الاسم مأخوذ من قولهم: لا عطر بعد عروس.
وكان الأصمعي يجعل العروس رجلاً بعينه كان بنى على أهله فلم تتعطر له.
فسمى بعد ذلك كل بان على أهله بذلك الاسم.
ومثل هذا لا يثبت إلا بأن يستفيض في الشعر ويظهر في الخبر.
وأما الخرس فالطعام الذي يتخذ صبيحة الولادة للرجال والنساء.
وزعموا أن أصل ذلك مأخوذ من الخرسة.
والخرسة طعام النفساء.
قالت جارية ولدت حين لم يكن لها من يخدمها ويمارس لها ما يمارس للنفساء: تخرسي لا مخرسة لك.
وفي الخرسة يقول مساور الوراق: إذا أسدية ولدت غلاماً فبشرها بلؤم في الغلام تخرسها نساء بني دبير بأخبث ما يجدن من الطعام وقال ابن قميئة: شركم حاضر وخيركم د ر خروس من الأرانب بكر فالخروس هي صاحبة الخرسة.
والأعذار طعام الختان.
يقال: صبي معذور وصبي معذر جميعاً.
وقال بعض أصحاب النبي ﷺ وهو يريد تقاربهم في الأسنان: كنا إعذار عام واحد.
وقال النابغة: فنكحن أبكاراً وهن بإمة أعجلنهن مظنة الإعذار فزعموا أنهم سموا طعام الإعذار بالإعذار للملابسة والمجاورة.
كان الأصمعي يقول: قد كان للعرب كلام على معان.
فإذا ابتدلت تلك المعاني لم تتكلم بذلك الكلام.
فمن ذلك قول الناس اليوم: ساق إليها صداقها.
وإنما كان هذا يقال حين كان الصداق إبلا وغنماً.
وفي قياس قول الأصمعي أن أصحاب التمر الذين كان التمر دياتهم ومهورهم كانوا لا يقولون: ساق فلان صداقه.
قال: ومن ذلك قول الناس اليوم: " قد بنى فلان البارحة على أهله ".
وإنما كان هذا القول لمن كان يضرب على أهله في تلك الليلة قبته وخيمته.
وذلك هو بناؤه.
ولذلك قال الأول: لو نزل الغيث أبنين امرأً كانت له قبة سحق بجاد وكان الأصمعي يعد من هذا أشياء ليس لذكرها هاهنا وجه.
ومن طعامهم الوكيرة.
وهو طعام البناء.
كان الرجل يطعم من يبني له.
وإذا فرغ من بنائه تبرك بإطعام أصحابه ودعائهم.
ولذلك قال قائلهم: خير طعام شهد العشيرة العرس والإعذار والوكيرة ويسمون ما ينحرون من الإبل والجزر من عرض المغنم النقيعة.
قال الشاعر: والعقيقة دعوة على لحم الكبش الذي يعق عن الصبي.
والعقيقة اسم للشعر نفسه.
والأشعار هي العقائق.
وقولهم: عقوا عنه أي احلقوا عقيقته.
ويقولون: عق عنه وعق عليه.
فسمى الكبش - لقرب الجوار وسبب المتلبس - عقيقة.
ثم سموا ذلك الطعام باسم الكبش.
وكان الأصمعي يقول: لا يقولن أحدكم: أكلت ملة بل يقول: أكلت خبزة وإنما الملة موضع الخبزة.
وكذلك يقول في الراوية والمزادة يقول: الراوية هو الجمل.
وزعموا أنهم اشتقوا الراوية للشعر من ذلك.
فأما الدعاء إلى هذه الأصناف فمنه المذموم ومنه الممدوح.
فالمذموم النقرى والممدوح الجفلى.
وذلك أن صاحب المأدبة وولى الدعوة إذا جاء رسوله والقوم في أحويتهم وأنديتهم فقالوا: أجيبوا إلى طعام فلان.
فجعلهم جفلة واحدة وهي الجفالة.
فذلك هو المحمود.
وإذا انتقر فقال: قم أنت يا فلان وقم أنت يا فلان فدعا بعضاً وترك بعضاً فقد انتقر.
قال الهذلي: وليلة يصطلى بالفرث جازرها يخص بالنقرى المثرين داعيها يقول: لا يدعوا فيها أصحاب الثروة وأهل المكافأة.
وهذا قبيح.
وقال في ذلك بعض ظرفائنا: لو كان مكوكان في كفه من خردل ما سقطت واحدة وقال طرفة بن العبد: نحن في المشتاة ندعو الجفلى لا ترى الآدب فينا ينتقر ولما غزا بسطام بن قيس الشيباني مالك بن المنتفق الضبي وأثبته عاصم بن خليفة الضبي شد عليه فطعنه وهو يقول: وهذا وفي الجفلة لا يدعوني ويروى: في الحفلة لا يدعوني.
كأنه حقد عليه حين كان يدعو أهل المجلس ويدعه.
والطعام المذموم عندهم ضربان: أحدهما طعام المجاوع والحطمات والضرائك والسباريت واللئام والجبناء والفقراء والضعفاء.
من ذلك: الفث والدعاع والهبيد والقرامة والقرة والعسوم ومنقع البرم والقصيد والقد والحيات.
فأما الفظ فإنه وإن كان شراباً كريهاً فليس يدخل في هذا الباب.
وكذلك المجدوح.
فأما الفظ فإنه عصارة الفرث إذا أصابهم العطش في المفارز.
وأما المجدوح فإنهم إذا بلغ العطش منهم المجهود نحروا الإبل وتلقوا ألبابها بالجفان كي لا يضيع من دمائها شيء.
فإذا برد الدم ضربوه بأيديهم وجدحوه بالعيدان جدحاً حتى ينقطع فينعزل ماؤه من ثقله كما يخلص الزبد وقال الشاعر: لم تأكل الفث والدعاع ولم تجن هبيداً بجنبة مهتبد وقال أمية بن أبي الصلت: ولا يتنازعون عنان شرك ولا أقوات أهلهم العسوم ولا قرن يقزز من طعام ولا نصب ولا مولى عديم وقال معاوية بن أبي ربيعة الجرمي في الفترة وهو يعير بني أسد وناسا من هوازن وهما ابنا القملية: ألم تر جرماً أمجدت وأبوكم مع الشعر في قص الملبد شارع إذا قرة جاءت يقول: أصيب بها سوى القمل إني من هوازن ضارع والقرامة نحاتة القرون والأظلاف والمناسم وبرادتها.
والعلهز القردان ترض وتعجن بالدم.
والقرة الدقيق المختلط بالشعر.
كان الرجل منهم لا يحلق رأسه إلا وعلى رأسه قبضة من دقيق للأكل.
فهو معيب.
وفي أكل الحيات بقوله ابن مناذر: فإياكم والريف لا يقربنه فإن لديه الحيف والموت قاضيا وقال القطامي في أكلهم القد: تضيفت في طل وريح تلفني وفي طرمساء غير ذات كواكب إلى حيزبون توقد النار بعد ما تلفعت الظلماء من كل جانب فسلمت والتسليم ليس يسرها ولكنه حق على كل جائب فلما تنازعنا الحديث سألتها من الحي قالت: معشر من محارب ومن المشتوين القد في كل شتوة وإن كان ريف الناس ليس بناضب وقال الراعي: بكى منذر من أن يضاف وطارق يشد من الجوع والإزار على الحشا إلى ضوء نار يشتوي القد أهلها وقد تكرم الأضياف والقد يشتوي وقد يضيقون في شراب غير المجدوح والفظ في المغازي والأسفار فيمدحون من آثر صاحبه ولا يذمون من أخذ حقه منه.
وهو ماء المصافنة.
والمصافنة مقاسمة هذا الماء بعينه.
وذلك أن الماء إذا نقص عن الري اقتسموه بالسواء.
ولم يكن للرئيس ولا لصاحب المرباع والصفي وفضول المقاسم فضل على أخس القوم.
وهذا خلق عام ومكرمة عامة في الرؤساء.
قال الفرزدق: على ساعة لو أن في القوم حاتماً على جوده ضننت به نفس حاتم وبذلك المذهب من الأثرة مدح الشاعر كعب بن يمامة حين آثر بنصيبه رفيقه النمري فقال: ما كان من سوقة أسقى على ظمإ خمراً بماء إذا ناجودها بردا من ابن مامة كعب ثم عي به زو المنية إلا حرة وقدى أو في على الماء كعب ثم قيل له: رد كعب إنك وراد فما وردا وفي المصافنة يقول الأسدي: كأن أطيطا يا بنة القوم لم ينخ قلائص يحكيها الحني المنقح ولم يسق قوماً فارسي على الحصى صباب الأداوي والمطيات جنح ويزعمون أن الحصاة التي إن غمرها الماء في الإناء كانت نصيب احدهم تسمى المقلة.
وهذا الحرف سمعته من البغداديين.
ولم أسمعه من أصحابنا.
وقد برئت إليك منه.
وقال ابن جحوش في المصافنة: ولما تعاورنا الإداوة أجهشت إلى الماء نفس العنبري الجراضم وآثرته لما رأيت الذي به على النفس أخشى لاحقات الملاوم وقد يصيب القوم في باديتهم ومواضعهم من الجهد ما لم يسمع به في أمة من الأمم ولا في ناحية من النواحي.
وإن أحدهم ليجوع حتى يشد على بطنه الحجارة وحتى يعتصم بشده معاقد الإزار وينزع عمامته من رأسه فيشد بها بطنه وإنما عمامته تاجه.
والأعرابي يجد في رأسه من البرد إذا كان حاسراً ما لا يجده أحد لطول ملازمته العمامة ولكثرة طيها وتضاعف أثنائها.
ولربما اعتم بعمامتين.
ولربما كانت على قلنسوة حدرية.
وقال مصعب بن عمير الليثي: سيروا فقد جن الظلام عليكم فباست امرئ يرجو القرى عند عاصم دفعنا إليه وهو كالذيخ خاطيا نشد على أكبادنا بالعمائم وقال الراعي في ذلك: يشب لركب منهم من ورائهم فكلهم أمسى إلى ضوئها سرى إلى ضوء نار يشتوي القد أهلها وقد تكرم الأضياف والقد يشتوى فلما أناخوا واشتكينا إليهم بكوا وكلا الخصمين مما به بكى بكى منذر من أن يضاف وطارق يشد من الجوع الإزار على الحشا ومما يدل على ما هم فيه من الجهد وعلى امتداحهم بالأثرة قول الغنوي: إذا الماء بعد اليوم يمذق بعضه ببعض ويبلى شح نفس وجودها وأنا مقار حين يبتكر الغضى إذا الأرض أمست وهي جدب جنودها وقال في ذلك العجير السلولي: من النهديات الماء بالماء بعد ما رمى بالمقاري كل قار ومعتم وقال آخر في مثل هذا: لنا إبل يروين يوماً عيالنا ثلاث فإن يكثرن يوماً فأربع يمدهم بالماء لا من هوانهم ولكن إذا ما قل شيء يوسع على أنها يغشى أولئك بيتها على اللحم حتى يذهب الشر أجمع وقال أبو سعيد الخدري: أخذت حجراً فعصبته على بطني من الجوع وأتيت النبي ﷺ أسأله.
فلما سمعته وهو يخطب: من يستعف يعفه الله ومن يستعن يعنه الله رجعت ولم أسأله.
قال أعرابي: جعت حتى سمعت من مسامعي دوياً.
فخرجت أريغ الصبد فإذا بمغارة وإذا هو جرو ذئب.
فذبحته وأكلته وادهنت واحتذيت.
ولما قدم المغيرة القادسية على سعد بسبعين من الظهر وعند سعد ضيق شديد من الحال وذكر الأصمعي عن عثمان الشحام عن أبي رجاء العطاردي قال: لما بلغنا أن النبي ﷺ قد أخذ في القتل هربنا فاشتوينا فخذ أرنب دفيناً وألقينا عليها جمالنا.
فلا أنسى تلك الأكلة! وكان الأصمعي إذا حدث بهذا الحديث قال: نعم الإدام الجوع ونعم شعار المسلمين التخفيف.
وذكروا عن عبد الملك بن عمير عن رجل من بني عذرة قال: خرجت زائراً لأخوال لي بهجر.
فإذا هم في برث أحمر بأقصى هجر في طلوع القمر.
فذكروا أن أتاناً تعتاد نخلة فترفع يديها وتعطو بفيها وتأخذ الحلقان والمنسبتة والمنصفة والمعوة.
فتنكبت قوسي وتقلدت جفيري.
فإذا قد أقبلت.
فرميتها فخرت لفيها.
فأدركت فقورت سرتها ومعرفتها.
فقدحت ناري وجمعت حطي ثم دفنتها.
ثم أدركني ما يدرك الشباب من النوم.
فما استيقظت إلا بحر الشمس في ظهري.
ثم كشفت عنها.
فإذا لها غطيط من الودك كتداعي طيء وغطيف وغطفان.
ثم قمت إلى الرطب وقد ضربه برد السحر.
فجنيت المعوة والحلقان.
فجعلت أضع الشحمة بين الرطبتين والرطبة بين الشحمتين فأظن الشحمة سمنة ثم سلاءة وأحسبها من حلاوتها شهدة أحدرها من الطور.
وأنا أتهم هذا الحديث لأن فيه ما لا يجوز أن يتكلم به عربي يعرف مذاهب العرب.
وهو من وقال مديني لأعرابي أي شيء تدعون وأي شيء تأكلون قال: نأكل ما دب ودرج إلا أم حبين.
فقال المديني: لتهن أم حبين العافية.
وقال الأصمعي: تعرق أعرابي عظماً.
فلما أراد أن يلقيه - وله بنون ثلاثة - قال له أحدهم: أعطينه.
قال: وما تصنع به قال: أتعرقه حتى لا تجد فيه ذرة مقيلاً.
قال: ما قلت شيئاً! قال الثاني: أعطينه.
قال: وما تصنع به قال أتعرقه حتى لا تدري ألعامه ذلك هو أم للعام الذي قبله.
قال: ما قلت شيئاً! قال الثالث: أعطينه.
قال: وما تصنع به قال أجعله مخة إدام.
قال: أنت له! وقال الآخر: فإنك لم تشبه لقيطا وفعله وإن كنت أطعمت الأرز مع التمر وقال الآخر: إذا انغاص منها بعضها لم تجد لها دوياً لما قد كان منها مدانيا وإن حاولوا أن يشبعوها رأيتها على الشعب لا تزداد إلا تداعيا معوذة الإرحال لم توف مرقباً ولم تمتط الجون الثلاث الأثافيا ولا اجترعت من نحو مكة سقة إلينا ولا جازت بها العيس واديا أتتنا تزيجها الجاذيف نحونا وتعقب فيما بين ذاك المراديا فقلت: لمن هذي القدور التي أرى تهيل عليها الريح ترباً وسافيا فقالوا: وهل يخفى على كل ناظر قدور رقاش إن تأمل رائيا فقلت: متى باللحم عهد قدوركم فقالوا: إذا ما لم يكن عواريا من أضحى إلى الأضحى وإلا فإنها تكون بنسج العنكبوت كما هيا فلما استبان الجهد لي في وجوههم وشكواهم أدخلتهم في عياليا فكنت إذا ما استشرفوني مقبلا أشاروا جميعاً لجة وتداعيا ومما قالوا في صفة قدورهم وجفانهم وطعامهم مما أنا كاتبه لك.
وهم وإن كانوا في بلاد جدب فإنهم أحسن الناس حالاً في الخصب.
فلا تظنن أن كل ما يصفون به قدورهم وجفانهم وثريدهم وحيسهم باطل.
وحثني الأصمعي قال: سألت المنتجع بن نبهان عن خصب البادية فقال: ربما رأيت الكلب يتخطى الخلاصة - وهي له معرضة - شبعاً.
وقال الأفوه الأودي: تهنا لثعلبة بن قيس جفنة يأوي إليها في الشتاء الجوع وكأنما فيها المذانب حلقة ودم الدلاء على دلوج ينزع وقال معن بن أوس وهو يذكر قدر سعيد بن العاص في بعض ما يمدحه: أخو شتوات لا تزال قدوره تحل على أرجائها ثم ترحل إذا ما امتطاها الموقدون رأيتها لو شك قراها وهي بالجزل تشعل سمعت لها لغطاً إذا ما تغطمطت كهدر الجمال رزما حين تجفل ترى البازل الكوماء فيها بأسرها مقبضة في قعرها ما تجلجل كأن الكهول الشهب في حجراتها تغطرش في تيارها حين يحفل إذا التطمت أمواجها فكأنها غوائب دهم في المحلة قبل إذا احتدمت أمواجها فكأنما يزعزعها من شدة الغل أفكل تظل رواسيها ركوداً مقيمة لمن نابه فيها معاش ومأكل وضاف الفرزدق أبا السحماء سحيم بن عامر أحد بني عمرو بن مرثد فأحمده وذكر في إحماده قدره فقال: سألنا عن أبي السحماء حتى أتينا خير مطروق لسارى وقام إلى سلافة مسلحب رثيم الأنف مربوب بقار تدور عليهم والقدر تغلي بأبيض من سديف الكوم وارى كأن تطلع الترعيب فيها عذارى يطلعن إلى عذارى وقال الكميت في صفة القدر: إوز تغمس في لجة تغيب مراراً وتطفو مرارا كأن الغطامط من غليها أراجيز أسلم تهجو غفارا وأما ما ذكروا من صفات القدور من تعير بعضهم بعضاً فهو كما أنشدني محمد بن يسير قال: لما قال الأول: إن لنا قدراً ذراعان عرضها وللطول منها أذرع وشبار قال الآخر: وما هذه أخزى اله هذه قدراً! ولكني أقول: بوأت للورى فوضعتها برابية من بين ميث وأجرع جعلت لها هضب الرجام وطخفة وغولاً أثافي دونها لم تنزع بقدر كأن الليل شحنة قعرها ترى الفيل طافياً لم يقطع وقدر كحيزوم النعامة أحمشت بأجذال خشب زال عنها هشيمها قال ميسرة أبو الدرداء: وما حيزوم النعامة والله ما تشبع هذه الفرزدق.
ولكني أقول: وقدر كجوف الليل أحمشت غليها ترى الفيل طافياً لم يفصل وقال عبد الله بن الزبير يمدح أسماء بن خارجة: ألم تر أن المجد أرسل يبتغي حليف صفاء قابلاً لا يزايله تخير أسماء بن حصن فبطنت بفعل العلا أيمانه وشمائله ومما يجوز في هذا الباب وإن لم يكن فيه صفة قدر قول الفرزدق في العذافر ابن زيد أحد بني تميم اللات بن ثعلبة: لعمرك ما الأرزاق يوم اكتيالها بأكثر خيراً من خوان العذافر ولو ضافه الدجال يلتمس القرى وحل على خبازه بالعساكر بعدة يأجوج ومأجوج جوعاً لأشبعهم شهراً غداء العذافر وقال ابن عبدل في بشر بن مروان بن الحكم: ولو شاء بشر كان من دون بابه طماطم سود أو صقالبة حمر ولكن بشراً أسهل الباب للتي يكون لبشر عندها الحمد والأجر وقالوا في مناقضات أشعارهم في القدور قال الرقاشي: لنا من عطاء الله دهماء جونة تناول بعد الأقربين الأقاصيا جعلنا ألالاً والرجام وطففة لها فاستقلت فوقهن أثافيا مؤدية عنا حقوق محمد إذا ما أتانا بائس الحال طاويا أتى ابن يسير كي ينفس كربه إذا لم يرح وافي مع الصبح غاديا فأجابه ابن يسير فقال: وثرماء ثلماء النواحي ولا يرى بها أحد عيباً سوى ذاك باديا ينادي ببعض بعضهم عند طلعتي ألا أبشروا هذا اليسيري جائيا وقال ابن يسير في ذلك: قدر الرقاشي لم تنقر بمنقار مثل القدور ولم تفتض من غار لكن قدر أبي حفض إذا نسبت يوماً ربيبة آجام وأنهار فاعترض بينهما أبو نواس الحسن بن هانئ الحكمي يذكر قدر الرقاشي بالهجاء أيضاً فقال: ودهماء تثفيها رقاش إذا شتت مركبة الآذان أم عيال يغص بحيزوم البعوضة صدرها وتنزلها عفواً بغير جعال هي القدر قدر الشيخ بكر بن وائل ربيع اليتامى عام كل هزال وقال فيها أيضاً: رأيت قدور الناس سوداً من الصلى وقدر الرقاشيين زهراء كالبدر ولو جئتها ملأى عبيطاً مجزلاً لأخرجت ما فيها على طرف الظفر يثبتها للمعتفي بفنائهم ثلاث كحظ الثاء من نقط الحبر تبين في محراثها أن عوده سليم صحيح لم يصبه أذى الجمر تروح على حي الرباب ودارم وسعد وتعروها قراضبة الفزر وللحي عمرو نفحة من سجالها وتغلب والبيض اللهاميم من بكر إذا ما تنادوا بالرحيل سعى بها أمامهم الحولى من ولد الذر وقال بعض التميميين وهو بهجو ابن جبار: لو أن قدراً بكت من طول ما حبست على الحفوف بكت قدر ابن جبار ما مسها دسم مذ فض معدنها ولا رأت بعد نار القين من نار والشعوبية والآزاد مردية المبغضون لآل النبي ﷺ وأصحابه ممن فتح الفتوح ورفاغة عيشهم.
وهم أحسن الأمم حالاً مع الغيث وأسوئهم حالاً إذا خفت السحاب.
حتى ربما طبق الغث الأرض باكلإ والماء.
فعند ذلك يقول المصرم والمقتر: مرعى ولا أكولة وعشب ولا بعير وكلاً تيجع له كبد المصرم.
ولذلك قال شاعرهم: فجنبك الجيوش أبا زنيب وجاد على مسارحك السحاب وإذا نظرت في أشعارهم علمت أنهم قد أكلوا الطيب وعرفوه لأن الناعم من الطعام لا يكون إلا عند أهل الثراء وأصحاب العيش.
فقال زياد بن فياض يذكر الدرمك وهو الحواري: ولا قد فتى قيس بن عيلان ماجداً إذا الحرب هرتها الكماة الفوارس فقام إلى البرك الهجان بسيفه وطارت حذار السيف دهم قناعس فصادف حد السيف قباء جلعداً فكاست وفيها ذو غرارين نايس فأطعمها شحماً ولحماً ودرمكاً ولم يثننا عنه النسيم الحنادس وقال: تظل في درمك وفاكهة وفي شواء ما شئت أو مرقه وقال جرير: وقال النمر بن تولب: لها ما تشتهي عسل مصفى وإن شاءت فحواري بسمن ومن أشرف ما عرفوه من الطعام - ولم يطعم الناس أحد منهم ذلك الطعام إلا عبد الله بن جدعان - وهو الفالوذق.
مدحه بذلك أمية بن أبي الصلت فقال: إلى ردح من الشيزى عليها لباب البر يلبك بالشهادة ولهم الثريد.
وهو في أشرافهم عام.
وغلب على هاشم حين هشم الخبز لقومه.
وقد مدح به في شعر مشهور وهو قوله: عمرو العلا هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف ومن الطعام الممدوح الحيس.
وتزعم مخزوم أن أول من حارس الحيس سويد بن هرمى.
وقال الشاعر: وإذا تكون شديدة أدعى لها وإذا يحاس الحيس يدعى جندب والخبز عندهم ممدوح.
وكان عبد الله بن حبيب العنبري أحد بني سمرة يقال له آكل الخبز لأنه كان لا يأكل التمر ولا يرغب في اللبن.
وكان سيد بني العنبر في زمانه.
وهم إذا فخروا قالوا: منا آكل الخبز ومنا مجير الطير يعني ثوب بن شحمة العنبري.
قرتني عبيد تمرها وقريتها سنام مصراة قليل ركوبها فهل يستوي شحم السنام إذا شتا وتمر جواثي حين يلقى عسيبها وليس يكون فوق عقر الإبل وإطعام السنام شيء.
والعقر هو النجدة واللبن هو الرسل.
قال الهذلي: لو أن عندي من قريم رجلاً لمنعوني نجدة ورسلا وقال الهزلي: ألا إن خير الناس رسلاً ونجدة وقال المرار بن سعيد الفقعسي: لهم إبل لا من ديات ولم تكن مهوراً ولا من مكسب غير طائل ولكن حماها من شماطيط غارة خلال العوالي فارس غير مائل مخيسه في كل رسل ونجدة ومعروفة ألوانها في المعاقب وقد وصفوا الثريد فقال الراعي: فباتت تعد النجم في مستحيرة سريع على أيدى الرجل جمودها وقال آخر: وقال ابن هرم: إلى أن أتاهم بشيزية تعد كواكبها الشبك وقال كامل بن عكرمة: فقرب بينهم خبزاً ركودا كساها الشحم ينهمر إنهمارا يدف بها غلاماه جميعاً تردهما إلى الأرض انهصارا فأصبح سورهم فيها وعلمن لو أن العلم صنفها شيارا فهذا في صفة الثريد.
وقال بشر بن أبي خازم: ترى ودك السديف على لحاهم كلون الرار لبده الصقيع وقال الآخر: جلا الأذفر الأحوى من المسك فرقه وطيب الدهان رأسه فهو أنزع إذا النفر السود اليمانون حاولوا له حوك برديه أرقوا وأوسعوا وقال الزبير بن عبد المطلب: فإنا قد خلقنا إذ خلقنا لنا الحبراة والمسك الفتيت ثيابهم شمال أو عباء بها دنس كما دنس الحميت فميز - كما ترى بين لباس الأشراف وأهل الثروة وغيرهم.
وقال الأعشى: والمشرف العود فأكنافه ما بين حمران فينصوب خير لها إن خشيت جحرة من ربها زيد بن أيوب متكئاً تقرع أبوابه يسعى عليه العبد بالكوب وقال أبو الصلت بن ربيعة: اشرب هنيئاً عليك التاج مرتفقاً في رأس غمدان داراً منك محلالا وليس هذا من باب الإفراط كقول جران العود حين وصف نفسه وعشيقته فقال: فأصبح في حيث التقينا غنيمةً سوار وخلخال ومرط ومطرف ومنقطعات من عقود تركنها كجمر الغضى في بعض ما تتخطرف ومن ذلك قول عدي بن زيد: يا لبينى أوقدي النار إن من تهوين قد حارا رب نار بت أرقبها تقضم الهندي والغاران أرى في الهوى ناراً لظبية أوقدت يشب ويذكى بعد وهن وقودها تشب بعيدان اليلنجوج موهناً وبالرند أحيناً فذاك وقودها قد ذكرنا الطعام الممدوح ما هو وذكرنا أحد صنفي الطعام المذموم.
والصنف الآخر الجزيرة التي تعاب مجاشع بن درام وكنحو السخينة التي تعاب بها قريش.
قال خداش بن زهير: يا شدةً ما شددنا غير كاذبة على سخينة لولا الليل والحرم وقال عبد الله بن همام: إذاً لضربتهم حتى يعودوا بمكة يلعقون بها السخينا وقال جرير: وضع الخزير فقيل: أين مجاشع فشحا جحافله هجف هبلع والخزير لم يكن من طعامهم.
وله حديث.
والسخينة كانت من طعام قريش.
وتهجى الأنصار وعبد القيس وعذرة وكل من كان يقرب النخل - بأكل التمر.
فقال الفرزدق: لست بسعد على فيه حبرة ولست بعبد حقيبته التمر وتهجا أسد بأكل الكلاب وبأكل لحوم الناس.
والعرب إذا وجدت رجلاً من القبيلة قد أتى قبيحاً ألزمت ذلك القبيلة كلها.
كما تمدح القبيلة بفعل جميل وإن لم يكن ذلك إلا بواحد منها: فتهجوا قريشاً بالسخينة وعبد القيس بالتمر وذلك عام في الحيين جميعاً.
وهما من صالح الأغذية والأقوات.
كما تهجو بأكل الكلاب والناس وإن كان ذلك إنما كان من رجل واحد فلعلك إذا أردت التحصيل تجده معذوراً.
قال الشاعر: يا فقعسي لما أكلته لمه لو خافك الله عليه حرمه فما أكلت لحمه ولا دمه وقال في ذلك مساور بن هند: إذا أسدية ولدت غلاماً فبشرها بلؤم في الغلام تخرسها نساء بني دبير بأخبث ما يجدن من الطعام ترى أظفار أعقد ملقات براثنها على وضم الثمام وقال: بني أسد عن يمحل العام فقعس فهذا إذاً دهر الكلاب وعامها إذا أسدى جاع يوماً ببلدة وكان سمينا كلبه فهو آكله وتهجى أسد وهذيل والعنبر وبأهلة بأكل لحوم الناس.
قال الشاعر في هذيل: وأنتم أكلتم سحفة ابن مخدم زماناً فما يأمنكم أحد بعد تداعوا له من بين خمس وأربع وقد نصل الأظفار وانسبأ الجلد وقال حسان فيهم: إن سرك الغدر صرفا لا مزاج له فأت الرجيع وسل عن دار لحيان قوم تواصوا بأكل الجار بينهم فالشاة والكلب والإنسان سيان وهجا شاعر بلعنبر وهو يريد ثوب بن شحمة.
وفيه حديث: عجلتم ما صدكم علاجي من العنوق ومن النعاج حتى أكلتم طفلة كالعاج ولما عير ثوب بن شحمة بأكل الفتى العنبري لحم المرأة سكت إلى أن نزل هو من الجبل فقال: يا بنت عمى ما أدراك ما حسبي إذ لا تجن خبيث الزاد أضلاع إني لذو مرة تخشى بوادره عند الصباح بنصل السيف قراع فهجا ثوب بن شحمة بأكل لحوم المرأة.
وكان ثوب هذا أكرم نفساً عندهم من أن يطعم طعاماً خبيثاً ولو مات عندهم جوعاً.
وله قصص.
ولقد أسر حاتماً الطائي وظل عنده زماناً.
وقال الشاعر يهجوا بأهلة بمثل ذلك: إن عفاقا أكلته باهله تمششوا عظامه وكاهله وأصبحت أم عفاق ثاكله وهجيت بذلك أسد جميعاً بسبب رملة بنت فائد بن حبيب بن خالد بن نضلة حين أكلها زوجها وأخوها أبو أرب.
وقد زعموا أن ذاك إنما كان منهما من طريق الغيظ والغيرة.
فقال ابن دارة ينعى ذلك عليهم: أفي أن رويتم واحتلبتم شكيكم فخرتم وفيم الفقعسي من الفخر ورملة كانت زوجة لفريقكم وأخت فريق وهي مخزية الذكر أبا أرب كيف القرابة بينكم وإخوانكم من لحم أكفالها العجر وقال: عدمت نساء بعد رملة فائد - بني فقعس - تأتيكم بأمان وباتت عروسا ثم أصبح لحمها جلا في قدور بينكم وجفان يا صلت إن محل بيتك منتن فارحل فإن العود غير صليب وإذا دعاك إلى المعاقل فائد فاذكر مكان صدارها المسلوب والآن فادع أبا رجال إنها شنعاء لاحقة بأم حبيب وأبو رجال هذا عمها.
وقال في ذلك معروف الدبيري: إذا ما ضفت ليلا قفعسيا فلا تطعم له أبداً طعاما فإن اللحم إنسان فدعه وخير الزاد ما منع الحراما وهذا الباب يكثر ويطول.
وفيما ذكرنا دليل على ما قصدنا إليه من تصنيف الحالات.
فإن أردته مجموعاً فاطلبه في كتاب الشعوبية فإنه هناك مستقصىً.
والأعرابي إذا أراد القرى ولم ير ناراً نبح فيجاوبه الكلب فيتبع صوته.
ولذلك قال الشاعر: ومسنتنبح أهل الثرا يطلب القرى إلينا وممساه من الأرض نازح وقال الآخر: عوى حدس والليل مستحلس الندى لمستنبح بين الرميثة والحصر وعاو عوى والليل مستحلس الندى وقد زحفت للغور تالية النجم فمنهم من يبرز كلبه ليجيب ومنهم من يمنعه ذلك.
قال زياد الأعجم وهو يهجو بني عجل: وتكلم كلب الحي من خشية القرى وقدرك كالعذراء من دونها ستر وقال آخر: نزلنا بعمار فأشلي كلابه علينا فكدنا بين بيتيه نؤكل فقلت لأصحابي أسر إليهم: إذا اليوم أم يوم القيامة أطول وقال آخر: أعددت للضيفان كلباً ضارياً عندي وفضل هراوة من أرزن وقال أعشى بن تغلب: إذا حلت معاوية بن عمرو على الأطواء خنقت الكلابا وأنشدني ابن الأعرابي وزعم أنه من قول المجنون: ونار قد رفعت لغير خير رجاه لمن تأوبني الرعا تأوبني طويل الشخص منهم يجر ثقاله يرجو العشا فكان عشاءه عندي خزير بتمر مهينة فيه النوى أولاد جفنة حول قبر أبيهم قبر ابن مارية الكريم المفضل يغشون حتى ما تهر كلابهم لا يسألون عن السواد المقبل وقال المرار الحماني في كلبه: ألف الناس فما ينبحهم من أسيف يبتغي الخير وحر وقال عمران بن عصام: لعبد العزيز على قومه وغيرهم منن غامره فبابك ألين أبوابهم ودارك مأهولة عامرة وكلبك آنس بالمعتفين من الأم بابنتها الزائره وكفك حين ترى السائلي ن أندى من الليلة الماطرة وفي أنس الكلاب بالناس لطول الرؤية لهم شعر كثير.
وقال الشاعر: يا أم عمرو أنجزي الموعودا وارعي بذاك أمانة وعهودا ولقد طرقت كلاب أهلك بالضحا حتى تركت عقورهن رقودا رأتني كلاب الحي حتى ألفني ومدت نسوج العنكبوت على رحلي وقال الآخر: بات الحويرث والكلاب تشمه وسرت بأبيض كالهلال على الطوى هذا البيت يدخل في هذا الباب.
وقال الآخر: لو كنت أحمل خمراً يوم زرتكم لم ينكر الكلب أني صاحب الدار لكن أتيت وريح المسك تفغمني والعنبر الورد أذكيه على النار فأنكر الكلب ريحي حين أبصرني وكان يعرف ريح الزق والقار وقال هلال بن خثعم: إني لعف عن زيارة جارتي وإني لمشنوء إلى اغتيابها إذا غاب عنها بعلها لم أكن لها زءوراً ولم تأنس إلى كلابها وما أنا بالداري أحاديث بيتها ولا عالم في أي حوك ثيابها وقال ابن هرمة في فرح الكلب بالضيف لعادة النحر: وفرحة من كلاب الحي يتبعها محض يزف به الراعي وترعيب وقال ابن هرة: فجاء خفي الشخص قد رامه الطوى بضربة مسنون الغرارين قاضب فرحبت واستبشرت حين رأيته وتلك التي ألقى بها كل ثائب وفي منع الكلب من النباح يقول الراعي في الحطيئة: إلا قبح الله الحطيئة إنه على كل ضيف ضافه فهو سالح دفعت إليه وهو يخنق كلبه ألا كل كلب - لا أبا لك! نابح بكيت على مذق خبيث قريته ألا كل عبسي على الزاد نائح وقد قالوا في صفة أبواب أهل المقدرة والثروة إذا كانوا يقومون بحق النعمة.
قال الرجز: إن الندى حيث ترى الضغاطا وقال الآخر: يزدحم الناس على بابه والشرع السهل كثير الزحام وقال الآخر: وإذا افتقرت رأيت بابك خالياً وترى الغني يهدي لك الزوارا وليس هذا من الأول إنما هذا مثل قوله: ألم تر بيت الفقر يهجر أهله وبيت الغني يهدي له ويزار إذا ما قل مالك كنت فرداً وأي الناس زوار المقل والعرب تفضل الرجل الكسوب والغر الطلوب ويذمون المقيم الفشل والدثر والكسلان.
ولذلك قال شاعرهم وهو يمدح رجلاً: شتى مطالبه بعيد همه جواب أودية برود المضجع ومدح آخر نفسه فقال: فإن تأتيني في الشتاء وتلمسا مكان فراشي فهو بالليل بارد وقال آخر: إلى ملك لا ينقض النأي عزمه خروج تروك للفراش الممهد وقال الآخر: فذاك قصير الهم يملأ عزمه من النوم إذ ملقى فراشك بارد وقال الآخر: أبيض بسام برود مضجعه اللقمة الفرد مراراً تشبعه وهم يمدحون أصحاب النيران ويذمون أصحاب الإخماد.
قال الشاعر: وما إن كان أكثرهم سواماً ولكن كان أرحبهم ذراعا وقال مزرد بن ضرار: فأبصر ناري وهي شقراء أوقدت بعلياء نشر للعيون النواظر جعلها شقراء ليكون أضوء لها.
وكذلك النار إذا كان حطبها يابساً كان أشد لحمرة ناره.
وإذا كثر دخانه قل ضوءه.
وقال الآخر: ونار كسجر العود يرفع ضوءها مع الليل هبات الرياح الصوارد وكلماكان موضع النار أشد ارتفاعاً كان صاحبها أجود وأمجد لكثرة من يراها من البعد.
ألا ترى النابغة الجعدي حين يقول: منع الغدر فلم أهمم به وأخو الغدر إذا هم فعل خشية الله وأني رجل إنما ذكرى كنار بقبل وقالت الخنساء السلمية: وإن صخراً لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار وليس يمنعني من تفسير كل ما يمر إلا اتكالي على معرفتك.
وليس هذا الكتاب نفعه إلا لمن ومما يدل على كرم القوم أيمانهم الكريمة وأقسامهم الشريفة.
قال معدان بن جواس الكندي: إن كان ما بلغت عني فلامني صديقي وحزت من يدي الأنامل وكفنت وحدي منذراً في ردائه وصادف حوطاً من أعادي قاتل وقال الأشتر مالك بن الحارث في مثل ذلك أيضاً: بقيت وحدي وانحرفت عن العلا ولقيت أضيافي بوجه عبوس إن لم أشن على ابن حرب غارة لم تخل يوماً من نهاب نفوس خيلاً كأمثال السعالي شذباً تغدو ببيض في الكريهة شوس حمى الحديد عليهم فكانت لمعان برق أو شعاع شموس وقال ابن سيحان: حرام كنتي مني بسوء وأذكر صاحبي أبداً بذام لقد أحرمت ود بني مطيع حرام الدهن للرجل الحرام وحرهم الذي قد ستروه ومجلسهم بمعتلج الظلام وإن جنف الزمان مددت حبلاً متيناً من حبال بني هشام وريق عودهم أبداً رطيب إذا ما أغبر عيدان اللئام
=======
البيان والتبيين
البيان والتبيين
الجاحظ

نزل
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الكريم وسلم عونك اللهم وتيسيرك
اللهم إنا نعوذ بك من فتنة القول كما نعوذ بك من فتنة العمل ونعوذ بك من التكلف لما لا نحسن كما نعوذ بك من العجب بما نحسن ونعوذ بك من السلاطة والهذر كما نعوذ بك من العي والحصر وقديما تعوذوا بالله من شرهما وتضرعوا الى الله في السلامة منهما وقد قال النمر بن تولب أعذني رب من حصر وعي ومن نفس أعالجها علاجا وقال الهذلي ولا حصر بخطبته اذا ما عزت الخطب وقال مكي بن سوادة حصر مسهب جري جبان خير عي الرجال عي سكوت وقال الاخر مليء ببهر والتفات وسعلة ومسحة عثنون وفتل الأصابع ومما ذموا به العي قوله وما بي من عي ولا أنطق الخنا إذا جمع الأقوام في الخطب محفل وقال الراجز وهو يمتدح بدلوه علقت يا حارث عند الورد بجابى ء لا رفل التردي ولا عيي بابتناء المجد وهذا كقول بشار الاعمى وعي الفعال كعي المقال وفي الصمت عي كعي الكلم وهذا المذهب شبيه بما ذهب اليه شتيم بن خويلد في قوله
ولا يشعبون الصدع بعد تفاقم وفي رفق أيديكم لذي الصدع شاعب
وهذا كقول زبان بن سيار
ولسنا كأقوام أجدوا رياسة يرى مالها أولا يحس فعالها
يريغون في الخصب الأمور ونفعهم قليل إذ الأموال طال هزالها
وقلنا بلا عي وسسنا بطاقة إذ النار نار الحرب طال اشتعالها لانهم يجعلون العجز والعي من الخرق كانا في الجوارح أو في الألسنة وقال ابن أحمر الباهلي لو كنت ذا علم علمت وكيف لي بالعلم بعد تدبر الأمر وقالوا في الصمت كقولهم في النطق قال أحيحة بن الجلاح
والصمت أحسن بالفتى ما لم يكن عي يشينه
والقول ذو خطل اذا ما لم يكن لب يعينه
وقال محرز بن علقمة
لقد وارى المقابر من شريك كثير تحلم وقليل عاب
صموتا في المجالس غير عي جديرا حين ينطق بالصواب
وقال مكي بن سوادة
تسلم بالسكوت من العيوب فكان السكت أجلب للعيوب
ويرتجل الكلام وليس فيه سوى الهذيان من حشد الخطيب
وقال آخر
جمعت صنوف العي من كل وجهة وكنت حريا بالبلاغة من كثب
أبوك معم في الكلام ومخول وخالك وثاب الجراثيم في الخطب
وقال حميد بن ثور الهلالي أتانا ولم يعدله سحبان وائل بيانا وعلما بالذي هو قائل فما زال عنه اللقم حتى كأنه من العي لما أن تكلم باقل سحبان مثل في البيان وباقل مثل في العي ولهما أخبار وقال آخر ماذا رزئنا منك أم الأسود من رحب الصدر وعقل متلد وهي صناع باللسان واليد وقال اخر
لو صحبت شهرين دأبا لم تمل وجعلت تكثر قول لا و بل حبك للباطل قدما قد شغل كسبك عن عيالنا قلت أجل تضجرا مني وعيا بالحيل قال وقيل لبزرجمهر بن البختكان الفارسي أي شيء أستر للعي قال عقل يجمله قالوا فان لم يكن له عقل قال فمال يستره قالوا فان لم يكن له مال قال فاخوان يعبرون عنه قالوا فان لم يكن له اخوان يعبرون عنه قال فيكون ذا صمت قالوا فان لم يكن ذا صمت قال فموت وحي خير له من ان يكون في دار الحياة وسأل الله موسى ص حين بعثه الى فرعون بابلاغ رسالته والابانه عن حجته والافصاح عن أدلته فقال حين ذكر العقدة التي كانت في لسانه والحبسة التي كانت في بيانه واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي وأنبأنا الله تبارك وتعالى عن تعلق فرعون بكل سبب واستراحته الى كل شغب ونبهنا بذلك على مذهب كل جاحد معاند وعلى كل مختال مكايد حين خبرنا بقوله أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين وقال موسى عليه السلام وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فارسله معي رداء يصدقني وقال ويضيق صدري ولا ينطلق لساني رغبة منه في غاية الافصاح بالحجة والمبالغة في وضوح الدلالة لتكون الاعناق اليه أسرع وان كان قد يأتى من وراء الحاجة ويبلغ افهامهم على بعض المشقة ولله عز وجل ان يمتحن عباده بما يشاء من التخفيف والتثقيل ويبلو أخبارهم كيف أحب من المكروه والمحبوب ولكل زمان ضرب من المصلحة ونوع من المحنة وشكل من العبادة ومن الدليل على ان الله عز وجل حل تلك العقدة وأطلق ذلك التعقيد والحبسة قوله رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هرون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري الى قوله قد أوتيت سؤالك يا موسى فلم تقع الاستجابة على شيء من دعائه دون شيء لعموم الخبر وذكر الله تعالى جميل بلائه في تعليم البيان وعظيم نعمته في تقويم اللسان فقال الرحمن علم القران خلق الانسان علمه البيان وقال هذا بيان للناس ومدح القرآن بالبيان والافصاح وبحسن التفصيل والايضاح وبجودة الافهام وحكمة الابلاغ وسماه فرقانا وقال عربي مبين وقال وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وقال ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وقال وكل شيء فصلناه تفصيلا وذكر الله تعالى لنبيه حال قريش في بلاغة المنطق ورجاحة الأحلام وصحة العقول وذكر العرب وما فيها من الدهاء والنكراء والمكر ومن بلاغة الالسنة واللدد عند الخصومة فقال اذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد وقال لتنذر به قوما لدا وقال ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وقال أالهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون ثم ذكر خلابة ألسنتهم واستمالتهم الاسماع بحسن منطقهم فقال وإن يقولوا تسمع لقولهم ثم قال ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا مع قوله وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل وقال الشاعر في قوم يحسنون في القول ويسيئون في العمل قال ابو حفص أنشدني الاصمعي للمكعبر الضبي كسالى اذا لاقيتهم غير منطق يلهى به المحروب وهو عناء وقيل لذوهمان ما تقول في خزاعة قال جوع وأحاديث وفي شبيه بهذا المعنى قال أفنون بن صريم التغلبي لو أنني كنت من عاد ومن إرم غذي قيل ولقمان وذي جدن لما وقوا بأخيهم من مهولة أخا السكون ولا حادوا عن السنن أنى جزوا عامرا سوءا بفعلهم أم كيف يجزونني السوأى من الحسن أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به رئمان أنف أذا ما ضن باللبن ورئمان أصله الرقة والرحمة والرؤم أرق من الرؤف فقال رئمان أنف كأنها تبر ولدها بأنفها وتمنعه اللبن ولأن العرب تجعل الحديث والبسط والتأنيس والتلقي بالبشر من حقوق القرى ومن تمام الأكرام وقالوا تمام الضيافة الطلاقة عند أول وهلة واطالة الحديث عند المؤاكلة وقال شاعرهم وهو حاتم الطائي
سلي الجائع الغرثان يا أم منذر اذا ما أتاني بين ناري ومجزري
هل أبسط وجهي انه أول القرى وأبذل معروفي له دون منكري
وقال الاخر
إنك يا ابن جعفر خير فتى وخيرهم لطارق اذا أتى
ورب نضو طرق الحي سرى صادف زادا وحديثا ما اشتهى
إن الحديث جانب من القرى
وقال الآخر لحافي لحاف الضيف والبيت بيته ولم يلهني عنه غزال مقنع أحدثه ان الحديث من القرى وتعلم نفسي انه سوف يهجع ولذلك قال عمرو بن الاهتم فقلت له أهلا وسهلا ومرحبا فهذا مبيت صالح وصديق وقال الاخر أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمحل جديب و ما الخصب للأضياف ان يكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيب ثم قال الله تبارك وتعالى في باب اخر من صفة قريش والعرب أم تأمرهم أحلامهم بهذا وقال فاعتبروا يا أولي الالباب وقال أنظر كيف ضربوا لك الأمثال وقال وان كان مكرهم لتزول منه الجبال وعلى هذا المذهب قال وان يكادوا الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم وقد قال الشاعر يتقارضون اذا التقوا في موقف نظرا يزيل مواقع الأقدام وقال تبارك وتعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم لان مدار الامر على البيان والتبيين وعلى الافهام والتفهيم وكلما كان اللسان أبين كان أحمد كما انه كلما كان القلب أشد استبانة كان أحمد والمفهم لك والمتفهم عنك شريكان في الفضل إلا أن المفهم افضل من المتفهم وكذلك المعلم والمتعلم هكذا ظاهر هذه القضية وجمهور هذه الحكومة إلا في الخاص الذي لا يذكر والقليل الذي لا يشهر وضرب الله مثلا لعي اللسان ورداءة البيان حين شبه أهله بالنساء والولدان
وقال تعالى أومن ينشؤ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ولذلك قال النمر بن تولب وكل خليل عليه الرعاث والحبلات ضعيف ملق وليس حفظك الله مضرة سلاطة اللسان عند المنازعة وسقطات الخطل يوم اطالة الخطبة بأعظم مما يحدث عن العي من اختلال الحجة وعن الحصر من فوت درك الحاجة والناس لا يعيرون الخرس ولا يلومون من استولى على بيانه العجز وهم يذمون الحصر ويؤنيون العي فان تكلفا مع ذلك مقامات الخطباء وتعاطيا مناظرة البلغاء تضاعف عليهما الذم وترادف عليهما التأنيب ومماتنة العي الحصر للبليغ المصقع في سبيل مماتنة المنقطع المفحم للشاعر المفلق وأحدهما ألوم من صاحبة والالسنة اليه أسرع وليس اللجلاج والتمتام الالثغ والفأفاء وذو الحبسة والحكلة والرتة وذو اللفف والعجلة في سبيل الحصر في خطبته والعي في مناضلة خصومه كما ان سبيل المفحم عند الشعراء والبكى ء عند الخطباء خلاف سبيل المسهب الثرثار والخطل المكثار ثم اعلم ابقاك الله ان صاحب التشديق والتقعير والتقعيب من الخطباء والبلغاء مع سماحة التكلف وشنعة التزيد أعذر من عي يتكلف الخطابة ومن حصر يتعرض لاهل الاعتياد والدربة ومدار اللائمة ومستقر المذمة حيث رأيت بلاغة يخالطها التكلف وبيانا يمازحه التزيد الا ان تعاطي الحصر المنقوص مقام الدرب التام اقبح من تعاطي البليغ الخطيب ومن تشادق الاعرابي القح وانتحال المعروف ببعض الغزارة في المعاني والالفاظ وفي التحبير والارتجال انه البحر الذي لا ينزح والغمر الذي لا يسبر أيسر من انتحال الحصر المنخوب أنه في مسلاخ التام الموفر والجامع المحكك وان كان رسول الله قد قال أياي والتشادق وقال أبغضكم الي الثرثارون المتفيهقون وقال من بدا جفا وعاب الفدادين والمتزيدين في جهارة الصوت وانتحال سعة الاشداق ورحب الغلاصم وهدل الشفاه وأعلمنا ان ذلك في أهل الوبر أكثر وفي اهل المدر أقل فاذا عاب المدري بأكثر مما عاب به الوبري فما ظنك بالمولد القروي والمتكلف البلدي فالحصر المتكلف والعي المتزيد ألوم من البليغ المتكلف لاكثر مما عنده وهو أعذر لان الشبهة الداخلة عليه اقوى فمن أسوأ حالا أبقاك الله ممن يكون ألوم من المتشدقين ومن الثرثارين المتفيهقين وممن ذكره النبي نصا وجعل النهي عن مذهبه مفسرا وذكر مقته له وبغضه اياه ولما علم واصل بن عطاء انه ألثغ فاحش اللثغ وأن مخرج ذلك منه شنيع وأنه اذ كان داعية مقالة ورئيس نحلة وأنه يريد الاحتجاج على أرباب النحل وزعماء الملل وأنه لابد من مقارعة الابطال ومن الخطب الطوال وان البيان يحتاج الى تمييز وسياسة والى ترتيب ورياضة والى تمام الالة وإحكام الصنعة والى سهولة المخرج وجهارة المنطق وتكميل الحروف واقامة الوزن وان حاجة المنطق الى الطلاوة والحلاوة كحاجته الى الجلالة والفخامة وان ذلك من اكبر ما تستمال به القلوب وتنثني اليه الاعناق وتزين به المعاني وعلم واصل انه ليس معه ما ينوب عن البيان التام واللسان المتمكن والقوة المتصرفة كنحو ما أعطى الله نبيه موسى صلوات الله عليه من التوفيق والتسديد مع لباس التقوى وطابع النبوة ومع المحبة والاتساع في المعرفة ومع هدي النبيين وسمت المرسلين وما يغشيهم الله به من القبول والمهابة ولذلك قال بعض شعراء النبي لو لم تكن فيه آيات مبينة كانت بداهته تنبيك بالخبر ومع ما أعطى الله موسى عليه السلام من الحجة البالغة ومن العلامات الظاهرة والبرهانات الواضحة الى ان حل الله تلك العقدة ورفع تلك الحبسة وأسقط تلك المحنة ومن اجل الحاجة الى حسن البيان وإعطاء الحروف حقوقها من الفصاحة رام أبو حذيفة إسقاط الراء من كلامه وإخراجها من حروف منطقة فلم يزل يكابد ذلك ويغالبه ويناضله ويساجله ويتأنى لستره والراحة من هجنته حتى انتظم له ما حاول واتسق له ما أمل ولولا استفاضة هذا الخبر وظهور هذه الحال حتى صار لغرابته مثلا ولظرافته معلما لما استجزنا الاقرار به والتأكيد له ولست اعني خطبه المحفوظة ورسائله المخلدة لان ذلك يحتمل الصنعة وإنما عنيت محاجة الخصوم ومناقلة الاكفاء ومفاوضة الاخوان
واللثغة في الراء تكون بالغين والذال والياء والغين أقلها قبحا وأوجدها في كبار الناس وبلغائهم وأشرافهم وعلمائهم وكانت لثغة محمد بن شبيب المتكلم بالغين فاذا حمل على نفسه وقوم لسانه أخرج الراء وقد ذكر ذلك أبو الطروق الضبي فقال عليم بابدال الحروف وقامع لكل خطيب يقلب الحق باطله وكان واصل بن عطاء قبيح اللثغة شنيعها وكان طويل العنق جدا وفيه قال بشار الاعمى مالي أشايع غزالا له عنق كنقنق الدو إن ولى وان مثلا عنق الزرافة ما بالي وبالكم أتكفرون رجالا أكفروا رجلا فلما هجا واصلا وصوب رأي إبليس في تقديم النار على الطين وقال الارض مظلمة والنار مشرقة والنار معبودة مذ كانت النار وكان واصل بن عطاء غزالا وزعم ان جميع المسلمين كفروا بعد وفاة رسول الله فقيل له وعلي أيضا فأنشد وما شر الثلاثة أم عمرو بصاحبك الذى لا تصحبينا قال واصل بن عطاء عند ذلك أما لهذا الملحد الاعمى المشنف المتكنى بأبي معاذ من يقتله أما والله لولا ان الغيلة سجية من سجايا الغالية لبعثت اليه من يبعج بطنه على مضجعه ويقتله في جوف منزله وفي يوم حفله ثم كان لا يتولى ذلك منه إلى عقيلي أو سدوسي قال اسمعيل بن محمد الانصاري وعبد الكريم بن روح الغفاري قال أبو حفص عمر بن أبي عثمان الشمري الا تريان كيف تجنب الراء في كلامه هذا وأنتما للذي تريان من سلامته وقلة ظهور التكلف فيه لا تظنان به التكلف مع امتناعه من حرف كثير الدوران في الكلام ألا تريان انه حين لم يستطع ان يقول بشار وابن برد والمرعث جعل المشنف بدلا من المرعث والملحد بدلا من الكافر وقال إن الغيلة سجية من سجايا الغالية ولم يذكر المنصورية ولا المغيرية لمكان الراء وقال لبعثت اليه من يبعج بطنه ولم يقل لأرسلت اليه وقال على مضجعه ولم يقل على فراشه وكان اذا أراد ان يذكر البر قال القمح والحنطة والحنطة لغة كوفية والقمح لغة شامية هذا وهو يعلم أن لغة من قال بر أفصح من قال قمح أو حنطة قال المتنخل الهذلي لا در دري ان أطعمت نازلهم قرف الحني وعندي البر مكنون وقال أمية بن أبي الصلت في مديح عبد الله بن جدعان له داع بمكة مشمعل واخر فوق دارته ينادي الى ردح من الشيزى عليها لباب البر يلبك بالشهاد وقال بعض القرشيين يذكر قيس بن معد يكرب ومقدمه مكة في كلمة له قيس أبو الاشعث بطريق اليمن لا يسأل السائل عنه ابن من أشبع آل الله من بر عدن وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أترون اني لا اعرف رقيق العيش لباب البر بصغار المعزى وسمع الحسن رجلا يعيب الفالوذق فقال لباب البر بلعاب النحل بخالص السمن ما عاب هذا مسلم وقالت عائشة رضي الله عنها ما شبع رسول الله من هذه البرة السمراء حتى فارق الدنيا وأهل الامصار انما يتكلمون على لغة النازلة فيهم من العرب ولذلك تجد الاختلاف في ألفاظ أهل الكوفة والبصرة والشام ومصر حدثني أبو سعيد عبد الكريم بن روح قال قال أهل مكة لمحمد بن المناذر الشاعر ليست لكم معاشر اهل البصرة لغة فصيحة انما الفصاحة لنا أهل مكة فقال ابن المناذر أما ألفاظنا فأحكى الالفاظ للقران وأكثرها له موافقه فضعوا القران بعد هذا حيث شئتم أنتم تسمون القدر برمة وتجمعون البرمة على برام ونحن نقول قدر ونجمعها على قدور وقال الله عز وجل وجفان كالجواب وقدور راسيات وأنتم تسمون البيت اذا كان فوق البيت علية وتجمعون هذا الاسم على علالي ونحن نسميه غرفة ونجمعها على غرفات وغرف وقال الله تبارك وتعالى غرف من فوقها غرف مبنية وقال وهم في الغرفات امنون وأنتم تسمون الطلع الكافور والاغريض ونحن نسميه الطلع وقال الله عز وجل ونخل طلعها هضيم فعد عشر كلمات لم أحفظ أنا منها الا هذا الا ترى ان أهل المدينة لما نزل فيهم ناس من الفرس في قديم الدهر علقوا بألفاظ من ألفاظهم ولذلك يسمون البطيخ الخربز ويسمون السميط الروذق ويسمون المصوص المزوز ويسمون الشطرنج الاشترنج الى غير ذلك من الاسماء وكذا أهل الكوفة فانهم يسمون المسحاة بال وبال بالفارسية ولو علق ذلك لغة اهل البصرة اذ نزلوا بأدنى بلاد فارس وأقصى بلاد العرب كان ذلك أشبه اذ كان اهل الكوفة قد نزلوا بأدنى بلاط النبط وأقصى بلاد العرب ويسمي أهل الكوفة الحوك باذروج والباذروج بالفارسية والحوك كلمة عربية وأهل البصرة إذا التقت أربع طرق يسمونها مربعة ويسميها أهل الكوفة الجهار سو والجهار سو بالفارسية ويسمون السوق أو السويقة وازار والوازار بالفارسية ويسمون القثاء خيارا والخيار فارسية ويسمون المجذوم ويذي بالفارسية وقد يستخف الناس ألفاظا ويستعملونها وغيرها أحق بذلك منها ألا ترى ان الله تبارك وتعالى لم يذكر في القران الجوع إلا في موضع العقاب أو في موضع الفقر المدقع والعجز الظاهر والناس لا يذكرون السغب ويذكرون الجوع في حال القدرة والسلامة وكذلك ذكر المطر لانك لا تجد القرآن يلفظ به الا في موضع الانتقام والعامة وأكثر الخاصة لا يفصلون بين ذكر المطر وذكر الغيث ولفظ القرآن الذي عليه نزل انه اذا ذكر الابصار لم يقل الاسماع واذا ذكر سبع سموات لم يقل الارضين الا تراه لا يجمع الارض أرضين ولا السمع أسماعا والجاري على أفواه العامة غير ذلك لا يتفقدون من الالفاظ ما هو أحق بالذكر وأولى بالاستعمال وقد زعم بعض القراء انه لم يجد ذكر لفظ النكاح في القرآن إلا في موضع التزويج والعامة ربما استخفت أقل اللغتين وأضعفهما وتستعمل ما هو أقل في أصل اللغة استعمالا وتدع ما هو اظهر واكثر ولذلك صرنا نجد البيت من الشعر قد سار ولم يسر ما هو أجود منه وكذلك المثل السائر وقد يبلغ الفارس والجواد الغاية في الشهرة ولا يرزق ذلك الذكر والتنويه بعض من هو أولى بذلك منه ألا ترى ان العامة ابن القرية أشهر عندها في الخطابة من سحبان وائل وعبيد الله ابن الحر أذكر عندهم في الفروسية من زهير بن ذؤيب وكذلك مذهبهم في عنترة بن شداد وعتيبة بن الحارث بن شهاب وهم يضربون المثل بعمرو بن معد يكرب ولا يعرفون بسطام بن قيس وفي القران معان لا تكاد تفترق مثل الصلاة والزكاة والجوع والخوف والجنة والنار والرغبة والرهبة والمهاجرين والانصار والجن والانس قال قطرب أنشدني ضرار بن عمرو قول الشاعر في واصل ويجعل البر قمحا في تصرفه وجانب الراء حتى احتال للشعر ولم يطق مطرا والقول يعجله فعاد بالغيث اشفاقا من المطر قال وسألت عثمان البري كيف كان واصل يصنع في العدد وكيف كان يصنع بعشرة وعشرين وأربعين وكيف كان يصنع بالقمر والبدر ويوم الاربعاء وشهر رمضان وكيف كان يصنع بالمحرم وصفر وربيع الأول وربيع الآخر وجمادى الآخرة ورجب فقال مالي فيه قول الا ما قال صفوان ملقن ملهمم فيما يحاوله جم خواطره جواب آفاق وأنشدني ديسم قال أنشدني ابو محمد اليزيدي وخلة اللفظ في اليا آت إن فقدت كخلة اللفظ اللامات والألف وخصلة الراء فيها غير خافية فاعرف مواقعها في القول والصحف يزعم ان هذه الحروف اكثر تردادا من غيرها والحاجة اليها أشد واعتبر ذلك بأن تأخذ عدة رسائل وعدة خطب من جملة خطب الناس ورسائلهم فانك متى حصلت جميع حروفها وعددت كل شكل على حدة علمت ان هذه الحروف الحاجة اليها أشد ذكر ما جاء في تلقيب واصل بالغزال ومن نفي ذلك عنه قال ابو عثمان فمن ذلك ما أخبرنا به الاصمعي قال أنشدني المعتمر بن سليمان لاسحق بن سويد العدوي برئت من الخوارج لست منهم من الغزال منهم وابن باب ومن قوم اذا ذكروا عليا يردون السلام على السحاب ولكني أحب بكل قلبي وأعلم أن ذاك من الصواب رسول الله والصديق حبا به أرجو غدا حسن الماب وفي ذلك قال بشار
ما لي أشايع غزالا له عنق كنقيق الدو إن ولى وإن مثلا ومن ذلك قول معدان السميطى يوم تشفى النفوس من يعصر اللؤم م ويثنى بسامة الرحال وعدي وتيمها وثقيف وأمي وتغلب وهلال لا حرور ولا النوائب تنجو لا ولا صحب واصل الغزال وكان بشار كثير المديح لواصل بن عطاء قبل ان يدين بالرجعة ويكفر جميع الامة وكان قد قال في تفضيله على خالد بن صفوان وشبيب بن شيبة والفضل ابن عيسى يوم خطبوا عند عبد الله بن عمر بن عبد العزيز والي العراق أبا حذيفة قد أوتيت معجبة من خطبة بدهت من غير تقدير وإن قولا يروق الخالدين معا لمسكت مخرس عن كل تجبير لأنه كان مع ارتجاله الخطبة التي نزع منها الراء كانت مع ذلك أطول من خطبهم وقال بشار تكلفوا القول والاقوام قد حفلوا وحبروا خطبا ناهيك من خطب فقام مرتجلا تغلي بداهته كمرجل القين لما حف باللهب وجانب الراء لم يشعر به أحد قبل التصفح والإغراق في الطلب وقال في كلمة له يعني تلك الخطبة فهذا بديه لا كتحبير قائل اذا ما أراد القول زوره شهرا فلما انقلب عليهم بشار ومقاتله لهم بادية هجوه ونفوه فما زال غائبا حتى مات عمرو بن عبيد وقال صفوان الانصاري متى كان غزال له يا ابن حوشب غلام كعمرو أو كعيسى بن حاضر أما كان عثمان الطويل بن خالد أو القرم حفص نهية للمخاطر له خلف شعب الصين في كل ثغرة الى سوسها الاقصى وخلف البرابر رجال دعاة لا يفل عزيمهم تهكم جبار ولا كيد ماكر إذا قال مروا في الشتاء تطاوعوا وإن كان صيفا لم يخف شهر ناجر بهجرة أوطان وبذل وكلفة وشدة أخطار وكد المسافر فأنجح مسعاهم وأثقب زندهم وأورى بفلج للمخاصم قاهر وأوتاد أرض الله في كل بلدة وموضع فتياها وعلم التشاجر
وما كان سحبان يشق غبارهم ولا الشدق من حيي هلال بن عامر ولا الناطق النخار والشيخ دغفل إذا وصلوا أيمانهم بالمخاصر ولا القالة الأعلون رهط مكحل اذا نطقوا في الصلح بين العشائر بجمع من الجفين راض وساخط وقد زحفت براؤهم للمحاضر تلقب بالغزال واحد عصره فمن لليتامى والقبيل المكاثر ومن لحرري وآخر رافض وآخر مرجي وآخر حائر وأمر بمعروف وانكار منكر وتحصين دين الله من كل كافر يصيبون فصل القول في كل منطق كما طبقت في العظم مدية جازر تراهم كأن الطير فوق رؤوسهم على عمة معروفة في المعاشر وسيماهم معروفة في وجوههم وفي المشي حجاجا وفوق الاباعر وفي ركعة تأتي على الليل كله وظاهر قول في مثال الضمائر وفي قص هداب وإحفاء شارب وكور على شيب يضيء لناظر وعنفقه مصلومة ولنعله قبالان في ردن رحيب الخواطر فتلك علامات تحيط بوصفهم وليس جهول القوم في جرم خابر وفي واصل يقول صفوان فما مس دينارا ولا صر درهما ولا عرف الثوب الذي هو قاطعة وفيه يقول اسباط بن واصل الشيباني وأشهد ان الله سماك واصلا وأنك ميمون النقيبة والشيم ولما قام بشار يعذر ابليس في ان النار خير من الارض وذكر واصلا بما ذكره قال صفوان زعمت بأن النار أكرم عنصرا وفي الارض تحيا بالحجارة والزند ويخلق في أرحامها وأرومها أعاجيب لا تحصى بخط ولا عقد وفي القعر من لج البحار منافع من اللؤلؤ المكنون والعنبر الورد كذلك سر الارض في البحر كله وفي الغيضة الغناء والجبل الصلد ولا بد من أرض لكل مطهر وكل سبوح في الغمائر من جد كذاك وما ينساح في الارض ماشيا على بطنه مشي المجانب للقصد ويسري على جلد يقيم حزوزه تعمج ماء السيل في صبب حرد
وفي قلل الاجبال خلف مقطم زبرجد أملاك الورى ساعة الحشد وفي الحرة الرجلاء تلقى معادنا لهن مغارات تبجس بالنقد من الذهب الإبريز والفضة التي تروق وتصبي ذا القناعة والزهد وكل فلز من نحاس وآنك ومن زئبق حي ونوشادر يسدي وفيها زرانيخ ومكر ومرتك ومن مرقشيشا غير كاب ولا مكدي وفيها ضروب القار والشب والنهى وأصناف كبريت مطاولة الوقد ترى العرق منها في المقاطع لائحا كما قدت الحسناء حاشية البرد ومن إثمد جون وكلس وفضة ومن توتياء في معادنه هندي وفي كل أغوار البلاد معادن وفي ظاهر البيداء من مستوى نجد وكل يواقيت الانام وحليها من الارض والاحجار فاخرة المجد وفيها مقام الخل والركن والصفا ومستلم الحجاج من جنة الخلد وفي صخرة الخضر التي عند حوتها وفي الحجر المهمى لموسى على عمد وفي الصخرة الصماء تصدع آية لأم فصيل ذي رغاء وذي وجد مفاخر للطين الذى كان أصلنا ونحن بنوه غير شك ولا جحد فذلك تدبير ونفع وحكمة وأوضح برهان على الواحد الفرد أتجعل عمرا والنطاسي واصلا كأتباع ديصان وهم قمش المد وتفخر بالميلاد والعلج عاصم وتضحك من جيد الرئيس أبي جعد وتحكي لدى الأقوام شنعة رأيه لتصرف أهواء النفوس الى الرد وسميته الغزال في الشعر مطنبا ومولاك عند الظلم قصته مردى يقول ان مولاك ملاح لان الملاحين اذا تظلموا رفعوا المرادى فيا ابن حليف الطين واللؤم والعمى وأبعد خلق الله من طرق الرشد أتهجوا أبا بكر وتخلع بعده عليا وتعزو كل ذاك الى برد كأنك غضبان على الدين كله وطالب ذحل لا يبيت على حقد رجعت الى الامصار من بعد واصل وكنت شريدا في التهائم والنجد أتجعل ليلى الناعطية نحلة وكل عريق في التناسخ والرد عليك بدعد والصدوف وفرتني وحاضنتي كسف وزاملتي هند تواثب أقمارا وأنت مشوة وأقرب خلق الله من شبه القرد
ولذلك قال فيه حماد عجرد بعد ذلك ويا أقبح من قرد اذا ما عمى القرد ويقال انه لم يجزع من شيء قط جزعه من هذا البيت وذكره الشاعر وذكر أخويه لامه فقال لقد ولدت أم الأكيمة أعرجا واخر مقطوع القفا ناقص العضد وكانوا ثلاثة مختلفي الاباء والأم واحدة وكلهم ولد زمنا ولذلك قال بعض من يهجوه اذا دعاه الخال أقعى ونكص وهجنة الإقراف فيه بالخصص وقال الشاعر لا تشهدن بخارجي مطرف حتى ترى من نجله أفراسا وقال صفوان الانصاري في بشار وأخويه وكان يخاطب أمهم ولدت خلدا وذيخا في تشتمه وبعده خزرا يشتد في العضد ثلاثة من ثلاث فرقوا فرقا فاعرف بذلك عرق الخال من ولد وقال بعد ذلك سليمان الاعمى أخو مسلم بن الوليد الانصاري الشاعر في اعتذار بشار لابليس وهو يخبر عن كرم خصال الارض لابد للأرض ان طابت وان خبثت من ان تحيل اليها كل مغروس وتربة الأرض ان جيدت وان قحطت فحملها أبدا في إثر منفوس وبطنها بفلز الارض ذو خبر بكل جوهرة في الارض مرموس وكل آنية عمت مرافقها وكل منتقد فيها وملبوس وكل ماعونها كالملح مرفقة وكلها مضحك من قول ابليس وقال بعض خلفاء بغداد عجبت من ابليس في كبره وخبث ما أبداه من نيته تاه على ادم في سجدة وصار قوادا لذريته وذكره بهذا المعنى سليمان أخو مسلم الانصاري فقال يأبى السجود له من فرط نخوته وقد تحول في مسلاخ قواد وقال صفوان في شأن واصل وبشار وفي شأن النار والطين في كلمة له وفي جوفها للعبد أستر منزل وفي ظهرها يقضي فرائضه العبد
تمج لفاظ الملح مجا وتصطفي سبائك لا تصدى وان قدم العهد وليس بمحص كنه ما في بطونها حساب ولا خط و ان بلغ الجهد فسائل بعبد الله في يوم حفله وذاك مقام لا يشاهده وغد أقام شبيبا وابن صفوان قبله بقول خطيب لا يجانبه القصد وقام ابن عيسى ثم قفاه واصل فأبدع قولا ما له في الورى ند فما نقصته الراء اذ كان قادرا على تركها واللفظ مطرد سرد ففضل عبد الله خطبة واصل وضوعف في قسم الصلات له الشكد فأقنع كل القوم شكر حبائهم وقلل ذاك الضعف في عينه الزهد وقد كتبنا احتجاج من زعم ان واصل بن عطاء كان غزالا واحتجاج من دفع ذلك عنه ويزعم هؤلاء أن قول الناس واصل الغزال كما يقال خالد الحذاء وكما يقولون هشام الدستواني وانما قيل ذلك لان الاباضية كانت تبعث اليه من صدقاتها بثياب دستوانية فكان يكسوها الاعراب الذين يكونون بالحباب فأجابوه الى وقول الاباضية وكانوا قبل ذلك لا يزوجون الهجناء فأجابوه الى التسوية وزوجوا هجينا فقال الهجين في ذلك إنا وجدنا دستوانينا الصائمين المتبعدينا أفضل منكم حسبا ودينا أخزى الاله المتكبرينا أفيكم من ينكح الهجينا وإنما قيل ذلك لواصل لكثرة جلوسه في سوق الغزالين الى أبي عبد الله مولى قطن الهلالي وكذلك كانت حال خالد الحذاء الفقيه وكما قالوا أبو مسعود البدري لانه كان نازلا على ذلك الماء وكما قالوا أبو مالك السدي لانه كان يبيع الخمر في سدة المسجد وهذا الباب مستقصى في كتاب الاسماء والكنى وقد ذكرنا جملة منه في أنباء السرارى والمهيرات قال أبو عثمان ذكر الحروف التي تدخلها اللثغة وما يحضرني منها وهي أربعة أحرف القاف والسين واللام والراء فأما التي هي على الشين المعجمة فذلك شيء لا يصورة الخط لانه ليس من الحروف المعروفة
وانما هو مخرج من المخارج والمخارج لا تحصى ولايوقف عليها وكذلك القول في حروف كثيرة من حروف لغات العجم وليس ذلك في شيء اكثر منها في لغة الخوز وفي سواحل البحر من أسياف فارس ناس كثير كلامهم شبيه بالصفير فمن يستطيع ان يصور كثيرا من حروف الزمزمة وهي الحروف التي تظهر من فم المجوسي اذا ترك الافصاح عن معانيه واخذ في باب الكناية وهو على الطعام فاللثغة التي تعرض للسين تكون ثاء كقوله لابي يكسوم أبي يكثوم وكما يقولون بثرة اذا أرادوا بسرة وباثم الله إذا أرادوا بسم الله والثانية اللثغة التي تعرض للقاف فان صاحبها يجعل القاف طاء فاذا اراد أن يقول قلت له قال طلت له وأراد أن يقول قال لي قال طال لي وأما اللثغة التي تقع في اللام فان من أهلها من يجعل اللام ياء فيقول بدل قوله اعتللت اعتييت وبدل جمل جمي وآخرون يجعلون اللام كافا كالذي عرض لعمر أخى هلال فانه كان اذا اراد ان يقول ما العلة في هذا قال ما اكعكة في هذا فاما اللثغة التي تقع في الراء فان عددها يضعف على عدد لثغة اللام لان الذي يعرض لها أربعة أحرف فمنهم من اذا أراد ان يقول عمرو قال عمي فيجعل الراء ياء ومنهم من اذا أراد ان يقول عمرو قال عمغ فيجعل الراء غينا ومنهم من اذا أراد ان يقول عمرو قال عمذ فيجعل الراء ذالا واذا أنشد قول الشاعر وأستبدت مرة واحدة إنما العاجز من لا يستبد قال واستبدت مذة واحدة إنما العاجز من لا يستبد فمن هؤلاء علي بن جنيد بن فريدى ومنهم من يجعل الراء ظاء معجمة فيقول اذا أنشد هذا البيت واستبدت مرة واحدة انما العاجز من لا يستبد قال واستبدت مظة واحدة انما العاجز من لا يستبد ومنهم من يجعل الراء غينا معجمة فاذا اراد ان ينشد هذا البيت
واستبدت مرة واحدة انما العاجز من لا يستبد قال واستبدت مغة واحدة انما العاجز من لا يستبد كما أن الذي لثغته بالياء اذا اراد ان يقول واستبدت مرة واحدة قال واستبدت مية واحدى وأما اللثغة الخامسة التي كانت تعرض لواصل بن عطاء وسليمان بن يزيد العدوي الشاعر فليس الى تصويرها سبيل وكذلك اللثغة التي تعرض في الشين كنحو ما كان لمحمد بن الحجاج كاتب داود بن محمد كاتب أم جعفر فان تلك ايضا ليس لها صورة في الخط ترى بالعين وانما يصورها اللسان وتتأدى الى السمع وربما اجتمعت في الواحد لثغتان في حرفين كنحو لثغة شوشي صاحب عبد الله بن خالد الاموي فانه كان يجعل اللام ياء والراء ياء قال مرة موياي ويي ايي يريد مولاي ولي الري واللثغة في الراء اذا كانت بالياء فهي أحقرهن وأوضعهن لذي المروءة ثم التي على الظاء ثم التي على الذال فأما التي على الغين فهي أيسرهن ويقال ان صاحبها لو جهد نفسه جهده وأخذ لسانه وتكلف مخرج الراء على حقها والافصاح بها لم يكن بعيدا من ان تجيبه الطبيعة ويؤثر فيها ذلك التعهد أثرا حسنا وقد كانت لثغة محمد بن شبيب المتكلم بالغين وكان اذا شاء ان يقول عمر ولعمري وما أشبه ذلك على الصحة قاله ولكنه كان يستثقل التكلف والتهيؤ لذلك فقلت له اذا لم يكن المانع إلا هذا العذر فلست أشك أنك لو احتملت هذا التكلف والتتبع شهرا واحدا ان لسانك كان يستقيم أما من يعتريه اللثغ في الضاد ربما اعتراه أيضا في الصاد والراء حتى اذا أراد ان يقول مضر قال مضى فهذا وأشباهه لاحقون بشوشي وزعم ناس من العوام أن موسى صلوات الله وسلامه عليه كان ألثغ ولم يقفوا من الحروف التي كانت تعرض له في شيء بعينه فمنهم من جعل ذلك خلقة ومنهم من زعم أنه انما اعتراه حين قالت اسية بنت مراحم امرأة فرعون لفرعون لا تقتل طفلا لا يفرق الجمر من التمر فلما دعا له فرعون بهما جميعا تناول جمرة فأهوى بها الى فيه فاعتراه من ذلك ما اعتراه وأما اللثغة في الراء فتكون في الياء والذال والغين وهي اقلها قبحا
وأوجدها في ذي الشرف وكبار الناس وبلغائهم وأشرافهم وعلمائهم وكانت لثغة محمد بن شبيب المتكلم بالغين فاذا حمل على نفسه وقوم لسانه اخرج الراء على الصحة فتأتى له ذلك وكان يدع ذلك استثقالا أنا سمعت ذلك منه قال وكان الواقدي يروي عن بعض رجاله ان لسان موسى عليه السلام كانت عليه شامة فيها شعرات وليس يدل القران على شيء مما قالوا لانه ليس في قوله واحلل عقدة من لساني دليل على شيء دون شيء قال الاصمعي اذا تتعتع اللسان في التاء فهو تمتام واذا تتعتع في الفاء فهو فأفاء وانشد لرؤبة بن العاج ياحمد ذاك المنطق التمتام كأن وسواسك في اللمام حديث شيطان بني همام وبعضهم ينشد يا حمد ذات المنطق النمنام وليس ذاك بشيء وانما ذلك كما قاله ابو الزحف لست بفأفاء ولا تمتام ولا كثير الهجر في المنام وانشد أيضا للخولاني في كلمة له إن السياط تركن لاستك منطقا كمقالة التمتام ليس بمعرب فجعل الخولاني التمتام غير معرب عن معناه ولا مفصح بحاجته وقال أبو عبيدة اذا أدخل الرجل بعض كلامه في بعض فهو ألف وقيل بلسانه لفف وأنشدني لابي الزحف الراجز كأن فيه لففا اذا نطق من طول تحبيس وهم وأرق كأنه لما جلس وحده ولم يكن له من يسلمه وطال عليه ذلك أصابه لفف في لسانه وكان يزيد بن جابر قاضي الازارقة بعد المقعطل يقال له الصموت لانه لما طال صمته ثقل عليه الكلام فكان لسانه يلتوي ولا يكاد يبين وأخبرني محمد بن الجهم أن مثل هذا اعتراه أيام محاربة الزط من طول التفكر ولزوم الصمت قال وأنشدني الاصمعي حديث بني زط اذا ما لقيتهم كنزو الدبى في العرفج المتقارب قال ذلك حين كان في كلامهم عجلة وقال سلمة بن عياش كأن بني رالان اذا جاء جمعهم فراريج يلقى بينهن سويق
فقال ذلك لرقة أصواتهم وعجلة كلامهم وقال اللهبي في اللجلاج ليس خطيب القوم باللجلاج ولا الذي يزحل كالهلباج ورب بيداء وليل داج هتكته بالنص والإدلاج وقال محمد بن سلام الجمحي كان عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه اذا رأى الرجل يتلجلج في كلامه قال خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد ويقال في لسانه حبسة اذا كان الكلام يثقل عليه ولم يبلغ حد الفأفاء والتمتام ويقال في لسانه لكنة اذا أدخل بعض حروف العجم في حروف العرب وجذبت لسانه العادة الاولى الى المخرج الاول فاذا قالوا في لسانه حكله فانما يذهبون الى نقصان الة المنطق وعجز أداة اللفظ حتى لا تعرف معانيه الا بالاستدلال وقال رؤية بن العجاج لو أنني أوتيت علم الحكل علم سليمان كلام النمل وقال محمد بن ذؤيب في مديح عبد الملك بن صالح ويفهم قول الحكل لو أن ذرة تساود أخرى لم يفته سوادها وقال التيمي في هجائه لبني تغلب ولكن حكلا لا تبين ودينها عبادة أعلاج عليها البرانس قال سحيم بن حفص في الخطيب الذى تعرض له النحنحة والسعلة وذلك اذا انتفخ سحره وكبا زنده ونبا حده فقال نعوذ بالله من الإهمال ومن كلال الغرب في المقال ومن خطيب دائم السعال وأنشدني الاعرابي إن زيادا ليس بالبكي ولا بهياب كثير العي وأنشدني بعض أصحابنا ناديت هيذان والابواب مغلقة ومثل هيذان سني فتحة الباب كالهندواني لم يفلل مضاربه وجه جميل وقلب غير وجاب وقال الآخر اذا الله سني عقد شيء تيسرا وقال بشر بن معمر في مثل ذلك
ومن الكبائر مقول متتعتع جم التنحنح متعب ميهور وذلك أنه شهد ريسان أبا بجير بن ريسان يخطب وقد شهدت انا هذه الخطبة ولم أر جبانا قط أجرأ منه ولا جريئا قط أجبن منه وقال الاشل الازرقي من بعض اخوال عمران بن حطان الصفري القعدي في زيد بن جندب الايادي خطيب الازارقة واجتمعا في بعض المحافل فقال بعد ذلك الاشل البكري نحنح زيد وسعل لما رأى وقع الأسل ويل امه اذا ارتجل ثم أطال واحتفل وقد ذكر الشاعر زيد بن جندب الايادي الخطيب الازرقي في مرثيته لابي داود بن جرير الايادي حيث ذكره بالخطابة وضرب المثل بخطباء إياد فقال كقس أياد أو لقيط بن معبد وعذرة والمنطيق زيد بن جندب وزيد بن جندب هو الذي يقول في الاختلاف الذي وقع بين الازارقة قل للمحلين قدقرت عيونكم بفرقة القوم والبغضاء والهرب كنا اناسا على دين ففرقنا فرع الكلام وخلط الجد باللعب ما كان أغنى رجالا ضل سعيهم عن الجدال وأغناهم عن الخطب إني لأهونكم في الارض مضطربا مالي سوى فرسي والرمح من نشب وأما عذرة المذكور في البيت الاول فهو عذرة بن حجرة الخطيب الايادي ويدل على قدرة فيهم وعلى قدرة في اللسن والخطب قول شاعرهم وأي فتى صبر على الأين والظما اذا اعتصروا بلوح ماء فظاظها إذا ضرجوها ساعة بدمائها وحل عن الكوماء عقد شظاظها فانك ضحاك الى كل صاحب وأنطق من قس غداة عكاظها إذا شعب المولى مشاعب معشر فعذرة فيها اخذ بكظاظها فلم يضرب هذا الشاعر الايادي المثل لهذا الخطيب الايادي الا برجل من خطباء إياد وهو قس بن ساعدة ولم يضرب صاحب مرثية أبي داود بن جرير الايادي المثل الا بخطباء اياد فقط ولم يفتقر الى غيرهم حيث قال في عذرة بن حجرة كقس إياد أو لقيط بن معبد وعذرة والمنطيق زيد بن جندب
واول هذه المرثية قوله نعى ابن جرير جاهل بمصابه فعم نزارا بالبكا والتحوب نعاه لنا كالليث يحمي عرينه وكالبدر يغشى ضوؤه كل كوكب وأصبر من عود وأهدى اذاسرى من النجم في داج من الليل غيهب واضرب من حد السنان لسانه وأمضى من السيف الحسام المشطب زعيم نزار كلها وخطيبها اذا قال طأطا رأسه كل مشغب سليل قروم سادة ثم قالة يبزون يوم الجمع أهل المحصب كقس إياد أو لقيط بن معبد وعذرة والمنطيق زيد بن جندب في كلمة له طويلة وإياهم غنى الشاعر بقوله يرمون بالخطب الطوال وتارة وحي الملاحظ خيفة الرقباء قال أخبرني محمد بن عباد بن كاسب كاتب زهير ومولى بجيلة من سبى دابق وكان شاعرا راوية وطلابة للعلم علامة قال سمعت ابا دواد بن جرير يقول وقد جرى شيء من ذكر الخطب وتحبير الكلام واقتضابه وصعوبة ذلك المقام وأهواله فقال تخليص المعاني رفق والاستعانة بالغريب عجز والتشادق من غير أهل البادية بغض والنظر في عيون الناس عي ومس اللحية هلك والخروج مما بني عليه اول الكلام اسهاب وسمعته يقول رأس الخطابة الطبع وعمودها الدربة وجناحاها رواية الكلام وحليها الاعراب وبهاؤها تخير اللفظ والمحبة مقرونة بقلة الاستكراه وانشداني بيتا له في صفة خطباء اياد وهو قوله يرمون بالخطب الطوال وتارة وحي الملاحظ خيفة الرقباء فذكر المبسوط في موضعه والمحذوف في موضعه والموجز والكناية والوحي باللحظ ودلالة الاشارة وأنشدني له الثقة في كلمة له معروفة الجود أخشن مسا يا بني مطر من أن تبز كموه كف مستلب ما أعلم الناس أن الجود مدفعة للذم لكنه يأتي على النشب قال ثم لم يحفل بها فادعاها مسلم بن الوليد الانصاري أو ادعيت له وكان احد من يجيد قريض الشعر وتحبير الكلام وفي الخطباء من يكون شاعرا ويكون إذا تحدث أو وصف أو احتج بليغا مفوها بينا وربما كان خطيبا فقط وشاعرا فقط وبين اللسان فقط ومن الشعراء الخطباء الأبيناء الحكماء قس ين ساعدة الأيادي والخطباء كثير والشعراء اكثر منهم ومن يجمع الخطابة والشعر قليل ومنهم عمرو بن الاهتم المنقري وهو المكحل قالوا كأن شعره في مجالس الملوك حلل منشرة قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه قيل للاوسية اي منظر احسن قالت قصور بيض في حدائق خضر فأنشد عند ذلك عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه بيت عدي بن زيد العبادي كدمى العاج في المحاريب أو كالبيض في الروض زهره مستنير قال فقال قسامة بن زهير كلام عمرو بن الاهتم انق وشعره احسن هذا وقسامة أحد أبيناء العرب ومن الخطباء الشعراء البعيث المجاشعي واسمه خداش بن بشر بن لبيد ومن الخطباء الشعراء الكميت بن زيد الاسدي وكنيته ابو المستهل ومن الخطباء الشعراء الطرماح بن حكيم الطائي وكنيته ابو نفر قال القاسم بن معن قال محمد بن سهل راوية الكميت أنشدت الكميت قول الطرماح اذا قبضت نفس الطرماح أخلقت عرى المجد واسترخى عنان القصائد فقال الكميت إي والله وعنان الخطابة والرواية قال ابو عثمان الجاحظ ولم ير الناس اعجب حالا من الكميت والطرماح وكان الكميت عدنانيا عصبيا وكان الطرماح قحطانيا عصبيا وكان الكميت شيعيا من الغالية وكان الطرماح خارجيا من الصفرية وكان الكميت يتعصب لأهل الكوفة وكان الطرماح لأهل الشام وبينهما مع ذلك من الخاصة والمخالطة ما لم يكن بين نفسين قط ثم لم يجر بينهما صرم ولا جفوة ولا إعراض ولا شيء مما تدعو هذه الخصال اليه ولم ير الناس مثلهما إلا ما ذكروا من حال عبد الله بن زيد الاباضي وهشام بن الحكم الرافضي فانهما صارا الى المشاركة بعد الخلطة والمصاحبة وقد كانت الحال بين خالد بن صفوان وشبيب بن شيبة الحال التي تدعو الى المفارقة بعد المناقشة والمحاسدة للذي اجتمع فيهما من اتفاق الصناعة والقرابة والمجاورة فكان يقال لولا أنهما أحلم تميم لتباينا تباين النمر والأسد وكذلك كانت حال هشام بن حكم الرافضي وعبد الله بن زيد الاباضي إلا انهما فضلا على سائر المتضادين بما صارا اليه من الشركة في جميع تجارتهما وذكر خالد بن صفوان شبيب بن شيبة فقال ليس له صديق في السر ولا عدو في العلانية فلم يعارضه شبيب وتدل كلمة خالد هذه على أنه يحسن ان يسب سب الاشراف ومن الخطباء الشعراء عمران بن حطان وكنيته ابو شهاب احد بني عمرو بن شيبان اخوة سدوس فمن بني عمرو بن شيبان مع قلتهم من العلماء والخطباء والشعراء عمران بن حطان رئيس القعدة من الصفرية وصاحب فتياهم ومقرعهم عند اختلافهم ومنهم دغفل بن حنظلة النسابة الخطيب العلامة ومنهم القعقاع بن شور وسنذكر شأنهم اذا انتهينا الى موضع ذكرهم ان شاء الله تعالى ومن الخطباء الشعراء نصر بن سيار أحد بني ليث بن بكر صاحب خراسان وهو يعد في أصحاب الولايات وفي الحروب وفي التدبير وفي العقل وشدة الرأي ومن الخطباء الشعراء زيد بن جندب الأيادي وقد ذكرنا شأنه ومن الخطباء الشعراء عجلان بن سحبان الباهلي وسحبان هذا هو سحبان وائل وهو خطيب العرب ومن الخطباء الشعراء العلماء وممن قد تنافر اليه الاشراف أعشى همدان ومن الشعراء الخطباء عمران بن عصام العرني وهو الذي أشار على عبد الملك بخلع أخيه عبد العزيز والبيعة للوليد بن عبد الملك في خطبته المشهورة وقصيدته المذكورة وهو الذي لما بلغ عبد الملك بن مروان قتل الحجاج له قال ولم قتله ويله هلا رعى قوله فيه وبعثت من ولد الاغر معتب صقر يلوذ حمامه بالعرفج فاذا طبخت بناره أنضجتها وإذا طبخت بغيرها لم ينضج وهو الهزبر إذا أراد فريسة لم ينجها منه صياح الهجهج
ومن خطباء الامصار وشعرائهم والمولدين منهم بشار الأعمى وهو بشار ابن برد وكنيته ابو معاذ كان من احد موالي بني عقيل فان كان مولى أم ظباء على ما يقول بنو سدوس وما ذكره حماد عجرد فهو من موالي بني سدوس ويقال انه من أهل خراسان نازلا في بني عقيل وله مديح كثير في فرسان أهل خراسان ورجالاتهم وهو الذي يقول من خراسان وبيتي في الذرى ولدى المسعاة فرعي قد سبق ويقول وإني لمن قوم خراسان دارهم كرام وفرعي فيهم ناضر بسق وكان شاعرا راجزا سجاعا خطيبا صاحب منثور ومزدوج وله رسائل معروفة وأنشد عقبة بن رؤبة عقبة بن سلم رجزا يمتدحه فيه وبشار حاضر فأظهر بشار استحسان الارجوزة فقال عقبة بن رؤبة هذا طراز يا أبا معاذ لا تحسنه فقال بشارألمثلي يقال هذا الكلام أنا والله أرجز منك ومن أبيك ومن جدك ثم غدا على عقبة بن سلم بأرجوزته التي أولها يا طلل الحي بذات الصمد بالله خبر كيف كنت بعدي وهي التي يقول فيها إسلم وحييت أبا الملد لله أيامك في معد وفيها يقول الحر يلحى والعصا للعبد وليس للملحف مثل الرد ويقول فيها وصاحب كالدمل الممد حملته في رقعة من جلدي وما وراء رغبتي من زهدي أي لم أره زهدا فيه ولا رغبة ذهب الى قول الشاعر لقد كنت في قوم عليك أشحة بنفسك لولا أن من طاح طائح يودون لو خاطوا عليك جلودهم ولا تدفع الموت النفوس الشحائح والمطبوعات على الشعر من المولدين بشار العقيلي والسيد الحميري وأبو العتاهية وابن ابي عيينة وقد ذكر الناس في هذا الباب يحيى بن نوفل وسلما الخاسر وخلف بن خليفة وأبان بن عبد الحميد اللاحقي أولى بالطبع من هؤلاء وبشار أطبعهم كلهم
ومن الخطباء الشعراء وممن يؤلف الجيد ويصنع المناقلات الحسان ويؤلف الشعر والقصائد الشريفة مع بيان عجيب ورواية كثيرة وحسن دل وإشارة عيسى بن يزيد بن دأب احد بني ليث بن بكر وكنيته ابو الوليد ومن الخطباء الشعراء ممن كان يجمع الخطابة والشعر الجيد والرسائل الفاخرة مع البيان الحسن كلثوم بن عمرو العتابي وكنيته ابو عمرو وعلى ألفاظه وحذوه ومثاله في البديع يقول جميع من يتكلف مثل ذلك من شعراء المولدين كنحو منصور النمري ومسلم بن الوليد الانصاري وأشباههما وكان العتابي يحتذي حذو بشار في البديع ولم يكن في المولدين أصوب بديعا من بشار وابن هرمة والعتابي من ولد عمرو بن كلثوم ولذلك قال إني امرؤ هدم الإقتار مأثرتي واجتاح ما بنت الايام من خطري أيام عمرو بن كلثوم يسوده حيا ربيعة والأفناء من مضر أرومة عطلتني من مكارمها كالقوس عطلها الرامي من الوتر ودل في هذه القصيدة على انه كان قصيرا قوله نهى ظراف الغواني عن مواصلتي ما يفجأ العين من شيبي ومن قصري ومن الخطباء الشعراء الذين جمعوا الشعر والخطب والرسائل الطوال والقصار والكتب الكبار المجلدة والسير الحسان المولدة والاخبار المدونة سهل بن هرون بن راهيبوني الكاتب صاحب كتاب ثعلة وعفرة في معارضة كتاب كليلة ودمنة وكتاب الأخوان وكتاب المسائل وكتاب المخزومي والهذلية وغير ذلك من الكتب ومن الخطباء الشعراء على بن ابرهيم بن جبلة بن مخرمة ولا أعلمه يكنى الا أبا الحسن وسنذكر كلام قس بن ساعدة وشأن لقيط بن معبد وهند بنت الخس وجمعة بنت حابس وخطباء إياد اذا صرنا الى ذكر خطباء القبائل ان شاء الله ولإياد وتميم في الخطب خصلة ليست لأحد من العرب لأن رسول الله هو الذي روى كلام قس بن ساعدة وموقفه على جمله بعكاظ وموعظته وهو الذي رواه لقريش والعرب وهو الذي عجب من حسنه وأظهر من تصويبه وهذا إسناد تعجز عنه الاماني وتنقطع دونه الامال وإنما وفق الله ذلك الكلام لقس ين ساعدة لاحتجاجه للتوحيد ولاظهاره معنى الاخلاص وإيمانه بالبعث ولذلك كان خطيب العرب قاطبة وكذلك ليس لأحد في ذلك مثل الذي لبني تميم لأن رسول الله لما سأل عمرو بن الأهتم عن الزبرقان بن بدر قال مانع لحوزته مطاع في أذينه فقال الزبرقان أما إنه قد علم أكثر مما قال لكنه حسدني شرفي فقال عمرو أما لئن قال ما قال فوالله ما علمته إلا ضيق الصدر زمر المروءة لئيم الخال حديث الغنى فلما رأى انه خالف قوله الاخر قوله الاول ورأى الانكار في عين رسول الله قال يا رسول الله رضيت فقلت أحسن ما علمت وغضبت فقلت أقبح ما علمت وما كذبت في الاولى ولقد صدقت في الاخرة فقال النبي عند ذلك إن من البيان لسحرا فهاتان الخصلتان خصت بهما إياد وتميم دون سائر القبائل ودخل الأحنف بن قيس على معاوية بن أبى سفيان فأشار له الى الوساد فقال له اجلس فجلس على الارض فقال معاوية ما منعك يا احنف من الجلوس على الوساد فقال يا أمير المؤمنين إن فيما أوصى به قيس بن عاصم المنقري ولده أن قال لا تغش السلطان حتى يملك ولا تقطعه حتى ينساك ولا تجلس له على فراش ولا وساد واجعل بينك وبينه مجلس رجل أو رجلين فانه عسى ان يأتي من هو أولى بذلك المجلس منك فتقام له فيكون قيامك زيادة له ونقصا عليك حسبي بهذا المجلس يا أمير المؤمنين لعله ان يأتي من هو أولى بذلك المجلس مني فقال معاوية لقد أوتيت تميم الحكمة مع رقة حواشي الكلام وأنشأ يقول ياأيها السائل عما مضى وعلم هذا الزمن العائب ان كنت تبغي العلم أو أهله أو شاهدا يخبر عن غائب فاعتبر الارض بسكانها واعتبر الصاحب بالصاحب وذهب الشاعر في مرثية أبي دؤاو في قوله وأصبر من عود وأهدى اذا سرى من النجم في داج من الليل غيهب
هذا شبيه بقول جبار بن سليمان بن مالك بن حعفر بن كلاب حين وقف على قبر عامر بن الطفيل فقال كان والله لا يضل حتى يضل النجم ولا يعطش حتى يعطش البعير ولا يهاب حتى يهاب السيل وكان والله خير ما يكون حين لا تظن نفس بنفس خيرا وكان زيد بن جندب أشغى أقلح ولولا ذلك لكان أخطب العرب قاطبة وقال عبيدة بن هلال اليشكري في هجائه له أشغى عفنباة وناب ذوعصل وقلح باد وسن قد نصل وقال عبيدة أيضا فيه ولفوك أشنع حين تنطق فاغرا من في قريح قد أصاب بريرا وقال الكميت تشبه بالهمام اثارها مشافر قرحا أكلن البريرا وقال أخو النمر بن تولب في شنعة أشداق الجمل كم ضربة لك تحكي فاقراسية من المصاعب في أشداقه شنع وفي الخطباء من كان أشغى ومن كان أروق ومن كان أشدق ومن كان أضجم ومن كان أفقم القراسية بعير أضجم والضجم اعوجاج في الفم والفقم مثله والروق ركوب السن الشفة وفي كل ذلك روينا الشاهد والمثل وروى الهيثم بن عدي عن أبي يعقوب الثقفي عن عبد الملك بن عمير قال قدم علينا الاحنف الكوفة مع مصعب بن الزبير فما رأيت خصلة تذم في رجل إلا وقد رأيتها فيه كان أصلع الرأس أحجن الانف أغضف الاذن متراكب الاسنان أشدق مائل الذقن ناتى ء الوجنة باخق العين خفيف العارضين أحنف الرجلين ولكنه اذا تكلم جلى عن نفسه ولو استطاع الهيثم ان يمنعه البيان أيضا لمنعه ولولا انه لم يجد بدا من ان يجعل له شيئا على حال لما أقر بأنه اذا تكلم جلى عن نفسه وقولنا في كلمته هذه كقول هند بنت عتبة حين أتاها نعي يزيد بن أبي سفيان وقال لها بعض المعزين إنا لنرجو ان يكون في معاوية خلف من يزيد فقالت هند ومثل معاوية لا يكون خلفا من أحد فوالله لو جمعت العرب من أقطارها ثم رمى به فيها لخرج من أي أعراضها شاء ولكنا نقول المثل الاحنف يقال إلا انه اذا تكلم جلى عن نفسه ثم رجع بنا القول الى الكلام الاول فيما يعتري اللسان من ضروب الآفات قال ابن الاعرابي طلق أبو رمادة امرأته حين وجدها لثغاء وخاف ان تجيئه بولد ألثغ فقال لثغاء تأتي بحيفس ألثغ تميس في الموشي والمصبغ وأنشد ابن الاعرابي كلمة جامعة لكثير من هذه المعاني وهو قول الشاعر أسكت ولا تنطق فأنت حبحاب كلك ذو عيب وأنت عياب إن صدق القوم فأنت كذاب أو نطق القوم فأنت هياب أو سكت القوم فأنت قبقاب أو أقدموا يوما فأنت وجاب وأنشدني ولست يزميجة في الفراش وجابة يحتمي أن يجيبا ولا ذي قلازم عند الحياض اذا ما الشريب اراب الشريبا وأنشدني رب غريب ناصح الجيب وابن أب متهم الغيب ورب عياب له منظر مشتمل الثوب على العيب وأنشد وأجرا من رأيت بظهر غيب على عيب الرجال ذوو العيوب وقال سهل بن هرون لو عرف الزنجي فرط حاجته الى ثناياه في اقامة الحروف وتكميل جميل البيان لما نزع ثناياه وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سهيل بن عمرو الخطيب يا رسول الله إنزع ثنيتيه السفليين حتى يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا أبدا وانما قال ذلك لأن سهيلا كان أعلم من شفته السفلى وقال خلاد بن يزيد الارقط خطب الجمحي خطبة نكاح أصاب فيها معانى الكلام وكان في كلامه صفير يخرج من موضع ثناياه المنزوعة فأجابه زيد بن على بن الحسين بكلام في جودة كلامه الا انه فضله بحسن المخرج والسلامة من الصفير فذكر عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر سلامة لفظ زيد بسلامة أسنانه فقال في كلمة له قلت قوادحها وتم عديدها فله بذاك مزية لا تنكر ويروى صحت مخارجها وتم حروفها وزعم يحيى بن نجيم بن معاوية بن زمعة احد رواة أهل البصرة قال قال يونس بن حبيب في تأويل قول الاحنف بن قيس أنا ابن الزافرية أرضعتني بثدي لا أجد ولا وخيم أتمتني فلم تنقص عظامي ولا صوني اذا اصطك الخصوم قال انما عنى بقوله عظامي أسنانه التي في فمه وهي التي اذا تمت تمت الحروف وقال يونس وكيف يقول مثله أتمتني فلم تنقص عظامي وهو يريد بالعظام عظام اليدين والرجلين وهو أحنف من رجليه جميعا مع قول الحتات له والله لانك ضئيل وان أمك لورهاء وكان أعرف بمواقع العيوب وأبصر بدقيقها وجليلها وكيف يقول ذلك وهو نصب عيون الاعداء والشعراء والاكفاء وهو أنف مضر الذي تعطس عنه وأبين العرب والعجم قاطبة قالوا ولم يتكلم معاوية على منبر جماعة مذ سقطت ثناياه في الطست قال أبو الحسن وغيره لما شق على معاوية سقوط مقادم فمه قال له يزيد بن معن السلمي واية ما بلغ أحد سنك الا أبغض بعضه بعضا ففوك أهون علينا من سمعك وبصرك فطابت نفسه وقال أبو الحسن المدايني لما شد عبد الملك اسنانه بالذهب قال لولا المنابر والنساء ما باليت متى سقطت قال وسألت مباركا الزنجي الفاشكار ولا أعلم زنجيا بلغ في الفشكرة مبلغه فقلت له لم ينزع الزنجي ثناياه ولم يحدد ناس منهم أسنانهم فقال أما أصحاب التحديد فللقتال والنهش ولانهم يأكلون لحوم الناس ومتى حارب ملك ملكا فأخذه قتيلا أو اسيرا أكله وكذلك اذا حارب بعضهم بعضا أكل الغالب منهم المغلوب وأما أصحاب القلع فانهم قالوا نظرنا الى مقادم أفواه الغنم فكر هنا ان تشبه مقادم أفواهنا مقادم أفواه الغنم فكم تظنهم حفظك الله فقدوا من المنافع العظام بفقد تلك الثنايا
وفي هذا كلام يقع في كتاب الحيوان وقال أبو الهندى في اللثغ سقيت أبا المطرح إذا تأنى وذو الرعثات منتصب يصيح شرابا يهرب الذبان عنه ويلثغ حين يشربه الفصيح وقال محمد بن الرومي مولى أمير المؤمنين قد صحت التجربة وقامت العبرة على ان سقوط جميع الاسنان أصلح في الابانة عن الحروف منه اذا سقط اكثرها وخالف احد شطريها الشطر الاخر وقد رأينا تصديق ذلك في أفواه قوم شاهدهم الناس بعد ان سقط جميع اسنانهم وبعد ان بقي منها الثلث أو الربع فممن سقط جميع اسنانه وكان معنى كلامه مفهوما الوليد بن هشام القحذمي صاحب الاخبار ومنهم ابو سفيان والعلاء بن لبيد التغلبي وكان ذا بيان ولسن وكان عبيد الله بن ابي غسان ظريفا يصرف لسانه كيف أحب وكان الالحاح على القيس قد برد اسنانه حتى كان لايرى احد منها شيئا الا ان تطلع في لحم اللثة وفي أصول منابت الاسنان وكان سفيان بن الابرد الكلي كثيرا ما يجمع بين القار والحار فتساقطت اسنانه جميعا وكان مع ذلك خطيبا بينا وقال اهل التجربة اذا كان في اللحم الذي فيه مغارز الاسنان تشمير وقصر سمك ذهبت الحروف وفسد البيان واذا وجد اللسان من جميع جهاته شيئا يقرعه ويصكه ولم يمر في هواء واسع المجال وكان لسانه يملأ جوبة فمه لم يضره سقوط اسنانه الا بالمقدار المغتفر والجزء المحتمل ويؤكد ذلك قول صاحب المنطق فانه زعم في كتاب الحيوان أن الطائر والسبع والبهيمة كلما كان لسانه الواحد منها اعرض كان أفصح وأبين وأحكى لم يلفن ولما يسمع كنحو الببغاء والغداف وغراب البين وما أشبه ذلك وكالذي يتهيأ من أفواه السنانير اذا تجاوبت من الحروف المقطعة المشاركة لمخارج حروف الناس فاما الغنم فليس يمكنها ان تقول الا ماء والميم والباء أول ما يتهيأ في افواه الاطفال كقولهم ماما وبابا لانهما خارجان من عمل اللسان وانهما يظهران بالتقاء الشفتين وليس شيء من الحروف أدخل في باب النقص والعجز من فم الاهتم من الفاء والسين اذا كانا في وسط الكلمة فاما الصاد فليس تخرج الا من الشدق الايمن الا ان يكون المتكلم أعسر يسرا مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخرج الضاد من اي شدقيه شاء فأما الايمن والاعسر والاضبط فليس يمكنهم ذلك الا بالاستكراه الشديد وكذلك الانفاس مقسومة المنخرين فحالا يكون الاسترواح ودفع البخار من الجوف من الشق الايمن وحالا يكون من الشق الايسر ولا يجتمعان على ذلك في وقت الا ان يستكره ذلك مستكره أو يتكلفه متكلف فاما اذا ترك أنفاسه على سجيتها لم يكن الا كما قالوا وقالوا الدليل على ان من سقط جميع أسنانه ان عظم اللسان نافع له قول كعب بن جعيل ليزيد بن معاوية حين أمره بهجاء الانصار فقال أر ادي انت الى الكفر بعد الايمان لا أهجو قوما نصروا رسول الله وآووه ولكني سأدلك على غلام في الحي كافر كان لسانه لسان ثور يعني الاخطل وجاء في الحديث أن الله تبارك وتعالى يبغض الرجل يتخلل بلسانه كما تتخلل الباقرة الخلى بلسانها قالوا ويدل على ذلك قول حسان بن ثابت حين قال له النبي مابقي من لسانك فاخرج لسانه حتى قرع بطرفه طرف أرنبته ثم قال والله إني لو وضعته على صخر لفلقه أو على شعر لحلقه وما يسرني به مقول من معد وأبوالسمط مروان بن أبي الجنوب بن مروان بن ابي حفصة وأبوه وابنه في نسق واحد يقرعون باطراف ألسنتهم اطراف انفهم وتقول الهند لولا ان الفيل مقلوب اللسان لكان أنطق من كل طائر يتهيأ في لسانه كثير من الحروف المقطعة المعروفة وقد ضرب الذين يزعمون أن ذهاب جميع الاسنان أصلح في الابانة عن الحروف من ذهاب الشطر أو الثلثين في ذلك مثلا فقالوا الحمام المقصوص جناحاه جميعا اجدر ان يطير من الذي يكون احدهما وافرا والاخر مقصوصا قالوا وعلة ذلك التعديل والاستواء واذا لم يكن كذلك ارتفع احد شقيه وانخفض الاخر فلم يجذف ولم يطر والقطا من الطير قد يتهيأ من أفواهها ان تقول قطا قطا وبذلك سميت ويتهيأ من أفواه الكلاب العينات والفا ات والواوات كنحو قولها وو وو وكنحو قولها عف عف قال الهيثم بن عدي قيل لصبي من أبوك قال وو وو لان أباه كان يسمى كلبا ولكل لغة حروف تدور في أكثر كلامها كنحو استعمال الروم للسين واستعمال الجرامقة للعين قال الاصمعي ليس للروم ضاد ولا للفرس ثاء ولا للسريان دال ومن ألفاظ العرب ألفاظ تنافر وإن كانت مجموعة في بيت شعر لم يستطع المنشد إنشادها الا ببعض استكراه فمن ذلك قول الشاعر وقبر حرب بمكان قفر وليس قرب قبر حرب قبر ولما رأى من لا علم له أن أحدا لا يستطيع ان ينشد هذين البيتين ثلاث مرات في نسق واحد فلا يتتعتع ولا يتلجلج وقيل لهم ان ذلك انما اعتراه اذ كان من أشعار الجن صدقوا بذلك ومن ذلك قول ابن بشير في أحمد بن يوسف حين أستبطأه هل معين على البكا والعويل أم معز على المصاب الجليل ميت مات وهو في ورق العيش مقيم به وظل ظليل في عداد الموتى وفي غامر الدنيا أبو جعفر أخي وخليلي لم يمت ميتة الوفاة ولكن مات من كل صالح وجميل لا أذيل الآمال بعدك إني بعدها الآمال حق بخيل كم لها موقفا بباب صديق رجعت من نداه بالتعطيل ثم قال لم يضرها والحمد لله شيء وانثنت نحو عرف نفس زهول فتفقد النصف الاخير من هذا البيت فانك ستجد بعض ألفاظه يتبرأ من بعض وأنشدني أبو العاصي قال أنشدني خلف الاحمر في هذا المعنى وبعض قريض القوم أولاد علة يكد لسان الناطق المتحفظ وقال ابو العاصي أنشدني في ذلك ابو البيداء الرياحي وشعر كبعر الكبش فرق بينه لسان دعي في القريض دخيل أما قول خلف وبعض قريض القوم أولاد علة فانه يقول اذ كان الشعر مستكرها وكانت الفاظ البيت من الشعر لا يقع بعضها مماثلا لبعض كان بينها من التنافر ما بين أولاد العلات واذا كانت الكلمة ليس موقعها الى جنب أختها مرضيا موافقا كان اللسان عند إنشاء ذلك الشعر مؤونة واجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء سهل المخارج فيعلم بذلك أنه أفرغ إفراغا جيدا وسبك سبكا واحدا فهو يجري على اللسان كما يحري على الدهان وأما قوله كبعر الكبش فانما ذهب إلى ان بعر الكبش يقع متفرقا غير مؤتلف ولا متجاور وكذلك حروف الكلام وأجزاء الشعر من البيت تراها متفقة لمسا ولينة المعاطف سهلة وتراها مختلفة متباينة ومتنافرة مستكرهة تشق على اللسان وتكده والاخرى تراها سهلة لينة ورطبة مؤاتية سلسة النظام خفيفة على اللسان حتى كأن البيت بأسره كلمة واحدة وحتى كأن الكلمة بأسرها حرف واحد قال سحيم بن حفص قالت بنت الحطيئة للحطيئة تركت قوما كراما ونزلت في بني كليب بعر الكبش فعابتهم بتفرق بيوتهم فقيل لهم فأنشدونا بعض ما لا تتنافر أجزاؤه ولا تتباين ألفاظه فقالوا قال الثقفي من كان ذا عضد يدرك ظلامته إن الذليل الذي ليست له عضد تنبو يداه اذا ما قل ناصره ويأنف الضيم إن أثرى له عدد وأنشدوا رمتني وستر الله بيني وبينها عشية أرام الكناس رميم رميم التي قالت لجارات بيتها ضمنت لكم أن لا يزال يهيم ألا رب يوم لو رمتني رميتها ولكن عهدي بالنضال قديم وأنشدوا ولست بزميجة في الفراش وجابة يحتمي ان يجيبا ولا ذي قلازم عند الحياض اذا ما الشريب أراب الشريبا قال نوفل بن سالم لرؤبة بن العجاج يا أبا الجحاف مت متى شئت قال وكيف ذلك قال رأيت عقبة بن رؤبة ينشد رجزا أعجبني قال إنه يقول لو كان لقوله قران وقال الشاعر مهاربة مناجبة قران منادبة كأنهم الأسود وأنشد ابن الاعرابي وبات يدرس شعرا لا قران له قد كان ثقفه حولا فما زادا وقال بشار فهذا بديه لا كتحبير قائل اذا ما أراد القول زوره شهرا
فهذا في افتراق الالفاظ فاما افتراق الحروف فان الجيم لا تقارن الظاء ولا القاف ولا الطاء ولا الغين بتقديم ولا تأخير والزاي لا تقارن الظاء ولا السين ولا الضاد ولا الذال بتقديم ولا تأخير وهذا باب كثير وقد يكتفى بذكر القليل حتى يستدل به على الغاية التي اليها يجري وقد يتكلم المغلاق الذي نشأ في سواد الكوفة بالعربية المعروفة ويكون لفظه متخيرا فاخرا ومعناه شريفا كريما ويعلم مع ذلك السامع لكلامه ومخارج حروفه أنه نبطي وكذلك اذا تكلم الخراساني على هذه الصفة فانك تعرف مع اعرابه وتخير ألفاظه في مخرج كلامه أنه خراساني وكذلك إن كان من كتاب الأهواز ومع هذا إنا نجد الحاكية من الناس يحكي ألفاظ سكان اليمن مع مخارج كلامهم لا يغادر من ذلك شيئا وكذلك تكون حكايته للخراساني والاهوازي والزنجي والسندي والحبشي وغير ذلك نعم حتى نجده كأنه اطبع منهم فأما اذا حكى كلام الفأفاء فكأنما قد جمعت كل اطرافه في كل فأفاء في الارض في لسان واحد كما أنك تجده يحكي الأعمى بصور ينشئها لوجهه وعينه وأعضائه لا تكاد تجد من ألف اعمى واحدا يجمع ذلك كله فكأنه قد جمع جميع طرف حركات العميان في أعمى واحد ولقد كان أبو دبوبة الزنجي مولى آل زياد يقف بباب الكوخ بحضرة المكارين فينهق فلا يبقى حمار مريض ولا هرم حسير ولا متعب بهير إلا نهق وقبل ذلك تسمع نهيق الحمار على الحقيقة فلا تنبعث لذلك ولا يتحرك منها متحرك حتى كان ابو دبوبة يحركه وكأنه قد جمع جميع الصور التي تجمع نهيق الحمار فجعلها في نهيق واحد وكذلك في نباح الكلاب ولذلك زعمت الاوائل ان الانسان انما قيل له العالم الصغير سليل العالم الكبير لانه يصور بيده كل صورة ويحكي بفمه كل حكاية ولانه يأكل النبات كما تأكل البهائم ويأكل الحيوان كما تأكل السباع وان فيه من أخلاق جميع اجناس الحيوان أشكالا وانما تهيأ وأمكن الحاكية بجميع مخارج الامم لما أعطى الله الانسان من الاستطاعة والتمكن وحين فضله على جميع الحيوان بالمنطق والعقل والاستطاعة فبطول استعمال التكلف ذلت لذلك جوارحه ومتى ترك شمائله ولسانه على سجيتها كان مقصورا بعادة المنشأ على الشكل الذي لم يزل فيه وهذه القضية مقصورة على هذه الجملة من مخارج الالفاظ وصور الحركات والسكون فاما حروف الكلام فان حكمها اذا تمكنت في الالسنة خلاف هذا الحكم ألا ترى ان السندي اذا جلب كبيرا فانه لا يستطيع الا أن يجعل الجيم زايا ولو أقام في عليا تميم وسفلى قيس وبين عجز هوازن خمسين عاما وكذلك النبطي القح خلاف المغلاق الذي نشأ في بلاد النبط لان النبطي القح يجعل الزاي سينا فاذا أراد ان يقول زورق قال سورق ويجعل العين همزة فاذا أراد ان يقول مشمعل قال مشمئل والنخاس يمتحن لسان الجارية اذا ظن أنها رومية وأهلها يزعمون أنها مولدة بان تقول ناعمة وتقول شمس ثلاث مرات متواليات والذي يعتري اللسان مما يمنع من البيان أمور منها اللثغة التي تعتري الصبيان الى ان ينشأوا وهو خلاف ما يعتري الشيخ الهرم الماج المسترخي الحنك المرتفع اللثة وخلاف ما يعتري أصحاب اللكن من العجم ومن نشأ من العرف مع العجم فمن اللكن ممن كان خطيبا أو شاعرا أو كاتبا داهيا زياد بن سلمى ابو امامة وهو زياد الاعجم قال ابو عبيدة كان ينشد قوله فتى زاده السلطان في الود رفعة إذا غير السلطان كل خليل قال كان يجعل السين شينا والطاء تاء فيقول فتى زاده الشلتان في الود رفعة ومنهم سحيم عبد بني الحسحاس قال له عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وانشده قصيدته التي أولها عميرة ودع إن تجهزت غاديا كفى الشيب والاسلام للمرء ناهيا لو كان شعرك كله مثل هذا لأجزتك قال ما سعرت يريد ما شعرت فجعل الشين المعجمة سينا غير معجمة
ومنهم عبيد الله بن زياد والي العراق قال لهانيء بن قبيصة أهروري سائر اليوم يريد أحروري ومنهم صهيب بن سنان النمري صاحب رسول الله كان يقول إنك لهائن يريد انك لحائن وصهيب بن سنان يرتضخ لكنه رومية وعبيد الله ابن زياد يرتضخ لكنة فارسية وقد اجتمعا على جعل الحاء هاء وازدا نقاذار لكنته نبطية وكان مثلهما في جعل الحاء هاء وبعضهم يروي أنه أملي على كاتب له فقال اكتب الهاصل ألف كر فكتبها الكاتب بالهاء كما لفظ بها فأعاد عليه كلام فأعاد عليه الكاتب فلما فطن لاجتماعهما على الجهل قال أنت لا تهسن ان تكتب وأنا لا أهسن ان أملى فاكتب الجاصل الف كر فكتبها بالجيم معجمة ومنهم ابو مسلم صاحب الدعوة كان جيد الالفاظ جيد المعاني وكان اذا أراد ان يقول قلت له قال كلت له فشارك في تحويل القاف كافا عبيد الله بن زياد كذلك خبرنا ابو عبيدة وانما اتى عبيد الله بن زياد في ذلك انه نشأ في الأساورة عند شيرويه الاسواري زوج أمه مرجانة وقد كان في ال زياد غير واحد يسمى شيرويه قال وفي دار شيرويه عاد على بن ابي طالب كرم الله وجهه زيادا في علة كانت به فهذا ما حضرنا من لكنة البلغاء والشعراء والرؤساء فاما لكنة العامة ومن لم يكن له حظ في المنطق فمثل قيل مولى زياد فانه مرة قال لزياد أهدوا الينا همار وهش يريد حمار وحش قال زياد وأي شيء تقول ويلك قال أهدو الينا أيرا يريد عيرا فقال زياد الاول أهون وقالت أم ولد لجرير بن الخطفى لبعض ولدها وقع الجردان في عجان أمكم أبدلت الذال دالا من الجرذان وضمت الجيم وجعلت العجين عجانا قال بعض الشعراء في أم ولد له يذكر لكنتها أكثر ما أسمع منها في السحر تذكيرها الانثى وتأنيث الذكر والسوأة السواء في ذكر القمر لانها كانت اذا أرادت ان تقول القمر قالت الكمر وقال ابن عباد ركبت عجوز سندية جملا فلما مشى تحتها متخلعا كهيئة حركة الجماع فقالت هذا الذمل يذكرنا بالسر تريد أنه يذكرها بالوطء فجعلت الشين سينا والجيم ذالا وهذا كثير وباب اخر من اللكنة كما قيل للنبطي لم ابتعت هذه الأتان قال أركبها وتلد لي فقد جاء بالمعنى بعينه ولم يبدل الحروف بغيرها ولا زاد فيها ولا نقص ولكنه فتح المكسور حين قال تلد لي ولم يقل تلد لي والصقلي يجعل الذال المعجمة دالا في الحروف باب البيان بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله قال بعض جهابذة الألفاظ ونقاد المعانى المعانى القائمة في صدور العباد المتصورة في أذهانهم المتخلجة في نفوسهم والمتصلة بخواطرهم والحادثة عن فكرهم مستورة خفية وبعيدة وحشية ومحجوبة مكنونة وموجودة في معنى معدومة لا يعرف الانسان ضمير صاحبه ولا حاجة أخيه وخليطه ولا معنى شريكه والمعاون له على أموره وعلى ما لا يبلغه من حاجات نفسه الا بغيره وانما تحيا تلك المعاني في ذكرهم لها واخبارهم عنها واستعمالهم اياها وهذه الخصال هي التي تقر بها من الفهم وتجلبها للعقل وتجعل الخفي منها ظاهرا والغائب شاهدا والبعيد قريبا وهي التي تخلص الملتبس وتحل المنعقد وتجعل المهمل مقيدا والمقيد مطلقا والمجهول معروفا والوحشي مألوفا والغفل موسوما والموسوم معلوما وعلى قدر وضوح الدلالة وصواب الاشارة وحسن الاختصار ودقة المدخل يكون اظهار المعنى وكلما كانت الدلالة أوضح وافصح وكانت الاشارة ابين وانور كان انفع وأنجع والدلالة الظاهرة على المعنى الخفي هو البيان الذي سمعت الله تبارك وتعالى يمدحه يدعو اليه ويحث عليه وبذلك نطق القران وبذلك تفاخرت العرب وتفاضلت وأصناف الاعجام والبيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجب دون الضمير حتى يفضي السامع الى حقيقته ويهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك البيان ومن اي جنس كان ذلك الدليل لان مدار الامر والغاية التي اليها يجرى القائل والسامع انما هو الفهم والافهام فبأي شيء بلغت الافهام وأوضحت عن المعنى فذاك هو البيان في ذلك الموضع ثم اعلم حفظك الله ان حكم المعاني خلاف حكم الالفاظ لان المعاني مبسوطة الى غير غاية وممتدة الى غير نهاية وأسماء المعاني مقصورة معدودة ومحصلة محدودة وجميع أصناف الدلالات على المعاني من لفظ وغير لفظ خمسة أشياء لا تنقص ولا تزيد أولها اللفظ ثم الاشارة ثم العقد ثم الخط ثم الحال وتسمى نصبة والنصبة هي الحال الدالة التي تقوم مقام تلك الاصناف ولا تقصر عن تلك الدلالات ولكل واحد من هذه الخمسة صورة بائنة من صورة صاحبتها وحلية مخالفة لحلية أختها وهي التي تكشف لك عن اعيان المعاني في الجملة ثم عن حقائقها في التفسير وعن أجناسها واقدارها وعن خاصها وعامها وعن طبقاتها في السار والضار وعما يكون منها لغوا بهرجا وساقطا مطرحا قال ابو عثمان وكان في الحق ان يكون هذا الباب في اول هذا الكتاب ولكنا أخرناه لبعض التدبير وقالوا البيان بصر والعي عمى كما ان العلم بصر والجهل عمى والبيان من نتاج العلم والعي من نتاج الجهل وقال سهل بن هرون العقل رائد الروح والعلم رائد العقل والبيان ترجمان العلم وقال صاحب المنطق حد الانسان ألحي الناطق المبين وقالوا حياة المروءة الصدق وحياة الروح العفاف وحياة الحلم العلم وحياة العلم البيان وقال يونس بن حبيب ليس لعي مروءة ولا لمنقوص البيان بهاء ولوحك بيافوخه عنان السماء وقالوا شعر الرجل قطعة من كلامه وظنه قطعة من علمه واختياره قطعة من عقله وقال ابن التوام الروح عماد البدن والعلم عماد الروح والبيان عماد العلم قد قلنا في الدلالة باللفظ فأما الاشارة فباليد وبالرأس وبالعين والحاجب والمنكب اذاتباعد الشخصان وبالثوب وبالسيف وقد يتهدد رافع السوط والسيف فيكون ذلك زاخرا رادعا ويكون وعيدا وتحذيرا والاشارة واللفظ شريكان ونعم العون هي له ونعم الترجمان هي عنه وما اكثر ما تنوب عن اللفظ وما تغني عن الخط وبعد فهل تعدو الاشارة ان تكون ذات صورة معروفة وحلية موصوفة على اختلاف في طبقاتها ودلالتها وفي الاشارة بالطرف والحاجب وغير ذلك من الجوارح مرفق كبير ومعونة حاضرة في أمور يسرها الناس من بعض ويخفونها من الجليس وغير الجليس ولولا الاشارة لم يتفاهم الناس معنى خاص الخاص ولجهلوا هذا الباب البتة ولولا ان تفسير هذه الكلمة يدخل في باب صناعة الكلام لفسرتها لكم وقد قال الشاعر في دلالات الاشارة أشارت بطرف العين خيفة أهلها إشارة مذعور ولم تتكلم فأيقنت ان الطرف قد قال مرحبا وأهلا وسهلا بالحبيب المتيم وقال الآخر وللقلب على القلب دليل حين يلقاه وفي الناس من الناس مقاييس وأشباه وفي العين غنى للمرء أن تنطق أفواه وقال الاخر ومعشر صيد ذوي تجلة ترى عليهم للندى أدلة وقال الآخر ترى عينها عيني فتعرف وحيها وتعرف عيني ما به الوحي يرجع وقال الاخر وعين الفتى تبدي الذي في ضميره وتعرف بالنجوى الحديث المغمسا وقال الآخر ألعين تبدي الذي في نفس صاحبها من المحبة أو بغض اذا كانا والعين تنطق والأفواه صامته حتى ترى من ضمير القلب تبيانا هذا ومبلغ الاشارة أبعد من مبلغ الصوت فهذا ايضا باب تتقدم فيه الاشارة الصوت والصوت هو الة اللفظ وهو الجوهر الذي يقوم به التقطيع وبه يوجد التأليف ولن تكون حركات اللسان لفظا ولا كلاما موزونا ولا منثورا الا بظهور الصوت ولا تكون الحروف كلاما الا بالتقطيع والتأليف وحسن الاشارة باليد والرأس من تمام حسن البيان باللسان مع الذي يكون مع الاشارة من الدل والشكل والتفتل والتثني واستدعاء الشهوة وغير ذلك من الامور قد قلنا في الدلالة بالاشارة فأما الخط فما ذكر الله تبارك وتعالى في كتابه من فضيلة الخط والانعام بمنافع الكتاب قوله لنبيه إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم وأقسم به في كتابه المنزل على نبيه المرسل حيث قال ن والقلم وما يسطرون ولذلك قالوا القلم احد اللسانين كما قالوا قلة العيال احد اليسارين وقالوا القلم أبقى أثرا واللسان اكثر هذرا وقال عبد الرحمن بن كيسان استعمال القلم أجدر ان يحض الذهن على تصحيح الكتاب من استعمال اللسان على تصحيح الكلام وقالوا اللسان مقصور على القريب الحاضر والقلم مطلق في الشاهد والغائب وهو للغابر الكائن مثله للقائم الراهن والكتاب يقرأ بكل مكان ويدرس في كل زمان واللسان لا يعدو سامعه ولا يتجاوزه الى غيره وأما القول في العقد وهو الحساب دون اللفظ والخط فالدليل على فضيلته وعظم قدر الانتفاع به قول الله عز وجل فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم وقال جل وتقدس الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان الشمس والقمر بحسبان وقال تبارك وتعالى هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق وقال تبارك وتعالى وجعلنا الليل والنهار ايتين فمحونا اية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب والحساب يشتمل على معان كثيرة ومنافع جليلة ولولا معرفة العباد بمعنى الحساب في الدنيا لما فهموا عن الله عز وجل ذكره معنى الحساب في الاخرة وفي عدم اللفظ وفساد الخط والجهل بالعقد فساد جل النعم وفقدان جمهور المنافع واختلال كل ما جعله الله عز وجل لنا قواما ومصلحة ونظاما واما النصبة فهي الحال الناطقة بغير اللفظ والمشيرة بغير اليد وذلك ظاهر في خلق السموات والارض وفي كل صامت وناطق وجامد ونام ومقيم وظاعن وزائد وناقص فالدلالة التي في الموات الجامد كالدلالة التي في الحيوان الناطق فالصامت ناطق من جهة الدلالة والعجماء معربة من جهة البرهان ولذلك قال الاول سل الارض فقل من أجرى أنهارك وغرس أشجارك وجنى ثمارك فان لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا وقال بعض الخطباء أشهد ان السموات والارض آيات دالات وشواهد قائمات كل يؤدي عنك الحجة ويعرب عنك بالربوبية موسومة باثار قدرتك ومعالم تدبيرك التي تجليت بها لخلقك فأوصلت الى القلوب من معرفتك ما انسها من وحشة الفكر ورجم الظنون فهي على اعترافها لك وذلها اليك شاهدة بأنك لا تحيط بك الصفات ولا تحدك الاوهام وان حظ المفكر فيك الاعتراف لك وقال خطيب من الخطباء حين قام على سرير الاسكندر وهو ميت الاسكندر كان أمس انطق منه اليوم وهو اليوم أوعظ منه امس ومتى دل الشيء على معنى فقد أخبر عنه وان كان صامتا وأشار اليه وان كان ساكتا وهذاالقول شائع في جميع اللغات ومتفق عليه مع افراط الاختلافات وأنشد ابو الرديني العكلي في تنسم الذئب للريح واستنشاقه واسترواحه يستخبر الريح اذا لم يسمع بمثل مقراع الصفا الموقع وقال عنبرة بن شداد العبسي وجعل نعيب الغراب خبرا للزاجر حرق الجناح كأن لحبي رأسه جلمان بالأخبار هش مولع وقال الراعي ان السماء وان الريح شاهدة والارض تشهد والأيام والبلد لقد جزيت بني بدر ببغيهم يوم الهباءة يوما ما له قود وقال نصيب في هذا المعنى يمدح سليمان بن عبد الملك أقول لركب صادرين لقيتهم قفا ذات أوشال ومولاك قارب قفوا خبرونا عن سليمان إنني لمعروفه من آل ودان طالب فعاجوا فأثنوا بالذي انت أهله ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب وهذا كثير جدا بسم الله الرحمن الرحيم قال علي بن أبى طالب كرم الله وجهه قيمة كل انسان ما يحسن فلو لم نقف من هذا الكتاب الا على هذه الكلمة لوجدناها كافية شافية ومجزية مغنية بل لوجدناها فاضلة على الكفاية وغير مقصرة عن الغاية وأحسن الكلام ما كان قليلة يغنيك عن كثيرة ومعناه في ظاهر لفظه وكان الله عز وجل قد ألبسه من الجلالة وغشاه من نور الحكمة على حسب نية صاحبه وتقوى قائله فاذا كان المعنى شريفا واللفظ بليغا وكان صحيح الطبع بعيدا من الاستكراه ومنزها عن الاختلال مصونا عن التكلف صنع في القلب صنيع الغيث في التربة الكريمة ومتى فصلت الكلمة على هذه الشريطة ونفذت من قائلها على هذه الصفة اصحبها الله من التوفيق ومنحها من التأييد ما لا يمتنع من تعظيمها به صدور الجبابرة ولا يذهل عن فهمها عقول الجهلة وقد قال عامر بن عبد القيس الكلمة اذا خرجت من القلب وقعت في القلب واذا خرجت من اللسان لم تجاوز الآذان قال الحسن رضي الله تعالى عنه وسمع متكلما يعظ فلم تقع موعظته بموضع من قلبه ولم يرق عندها يا هذا ان بقلبك لشرا أو بقلبي وقال علي بن الحسين ابن علي رضي الله عنهم لوكان الناس يعرفون جملة الحال في فضل الاستبانة وجملة الحال في صواب التبيين لأعربوا عن كل ما تخلج في صدورهم ولوجدوا من برد اليقين ما يغنيهم عن المنازعة الى كل حال سوى حالهم وعلى ان درك ذلك كان يعدمهم في الايام القليلة العدة والفكرة القصيرة المدة ولكنهم من بين مغمور بالجهل ومفتون بالعجب ومعدول بالهوى عن باب التثبت ومصروف بسوء العادة عن تفضيل التعلم وقد جمع محمد بن علي بن الحسين صلاح شأن الدنيا بحذافيرها في كلمتين فقال صلاح شأن جميع التعايش والتعاشر ملء مكيال ثلثاه فطنة وثلثه تغافل فلم يجعل لغير الفطنة نصيبا من الخير ولا حظا في الصلاح لان الانسان لا يتغافل إلا عن شيء قد فطن له وعرفه وذكر هذه الثلاثة الاخبار ابراهيم بن داحة عن محمد بن عمير وذكرها صالح بن علي الافقم عن محمد بن عمير وهؤلاء جميعا من مشايخ الشيع وكان ابن عمير أغلاهم وأخبرني ابراهيم بن السندى عن علي بن صالح الحاجب عن العباس بن محمد قال قيل لعبد الله بن عباس أنى لك هذا العلم قال قلب عقول ولسان سؤول وقد رووا هذا الكلام عن دغفل بن حنظلة العلامة وعبد الله أولى به منه والدليل على ذلك قول الحسن ان اول من عرف بالبصرة ابن عباس صعد المنبر فقرأ سورة البقرة ففسرها حرفا حرفا وكان مثجا يسيل غربا أخبرنا هشام بن حسان وغيره قال قيل للحسن يا أبا سعيد ان قوما زعموا انك تذم ابن عباس قالوا فبكى حتى اخضلت لحيته ثم قال ان ابن عباس كان من الاسلام بمكان وان ابن عباس كان من العلم بمكان وكان والله له لسان سؤول وقلب عقول وكان والله مثجا يسيل غربا قالوا وقال علي بن عبد الله بن عباس من لم يجد مس نقص الجهل في عقله وذل المعصية في قلبه ولم يستبن موضع الخلة في لسانه عند كلال حده عن حد خصمه فليس ممن يفزع عن ريبة ولا يرغب عن حال معجزة ولا يكترث لفصل ما بين حجة وشبهة قالوا وذكر محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بلاغة بعض أهله فقال اني لأكره ان يكون مقدار لسانه فاضلا عن مقدار علمه كما أكره ان يكون مقدار علمه فاضلا على مقدار عقله وهذا كلام شريف نافع فاحفظوا لفظه وتدبروا معناه ثم اعلموا ان المعنى الحقير الفاسد والدنيء الساقط يعشش في القلب ثم يبيض ثم يفرخ فاذا ضرب بجرانه ومكن لعروقه استفحل الفساد وبزل وتمكن الجهل وفرخ فعند ذلك يقوى داؤه ويمتنع دواؤه اللفظ الهجين الردي والمستكره الغبي أعلق باللسان وآلف للسمع وأشد التحاما بالقلب من اللفظ النبيه الشريف والمعنى الرفيع الكريم ولو جالست الجهال والنوكى والسخفاء والحمقى شهرا فقط لم تنق من أوضار كلامهم وخبال معانيهم بمجالسة أهل البيان والعقل دهرا لان الفساد أسرع الى الناس وأشد التحاما بالطبائع والانسان بالتعلم والتكلف وبطول الاختلاف الى العلماء ومدارسة كتب الحكماء يجود لفظه ويحسن أدبه وهو لا يحتاج في الجهل الى اكثر من ترك التعلم وفي فساد البيان الى اكثر من ترك التخير ومما يؤكد قول محمد بن علي بن عبد الله بن عباس قول بعض الحكماء حين قيل له متى يكون الادب شرا من عدمه قال اذا كثر الادب ونقصت القريحة وقد قال بعض الأولين من لم يكن عقله أغلب خصال الخير عليه كان حتفه في أغلب خصال الخير عليه وهذا كله قريب بعضه من بعض وذكر المغيرة بن شعبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال كان والله أفضل من ان يخدع وأعقل من ان يخدع وقال محمد بن علي بن عبد الله بن عباس كفاك من علم الدين ان تعلم ما لا يسع جهله وكفاك من علم الادب ان تروي الشاهد والمثل وكان عبد الرحمن بن اسحق القاضي يروي عن جده ابراهيم بن سلمة قال سمعت أبا مسلم يقول سمعت الامام ابراهيم بن محمد يقول يكفي من حظ البلاغة ان لا يؤتى السامع من سوء إفهام الناطق ولا يؤتى الناطق من سوء فهم السامع قال ابو عثمان واما انا فأستحسن هذا القول جدا بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ولا حول ولا قوة الا بالله وصلى الله على سيدنا محمد خاصة وعلى الانبياء عامة أخبرني أبو الزبير كاتب محمد بن حسان وحدثني محمد بن أبان ولا أدري كاتب من كان قالا قيل للفارسي ما البلاغة قال معرفة الفصل من الوصل وقيل لليوناني ما البلاغة قال تصحيح الاقسام واختيار الكلام وقيل للرومي ما البلاغة قال حسن الاقتضاب عند البداهة والغزارة يوم الاطالة وقيل للهندي ما البلاغة قال وضوح الدلالة وانتهاز الفرصة وحسن الاشارة وقال بعض اهل الهند جماع البلاغة البصر بالحجة والمعرفة بمواضع الفرصة ثم قال ومن البصر بالحجة والمعرفة بمواضع الفرصة ان تدع الافصاح بها الى الكناية عنها اذ كان الافصاح أوعر طريقة وربما كان الاضراب عنها صفحا أبلغ في الدرك وأحق بالنظر وقال مرة جماع البلاغة التماس حسن الموقع والمعرفة بساعات القول وقلة الحرف بما التبس من المعاني أو غمض وبماشرد عليك من اللفظ أو تعذر ثم قال وزين ذلك كله وبهاؤه وحلاوته وسناؤه ان تكون الشمائل موزونة والالفاظ معدلة واللهجة نقية فان جامع ذلك السن والسمت والجمال وطول الصمت فقد ثم كل التمام وكمل كل الكمال
وخالف عليه سهل بن هرون وكان سهل في نفسه عتيق الوجه حسن الاشارة بعيدا من الفدامة معتدل القامة مقبول الصورة يقضى له بالحكمة قبل الخبرة وبرقة الذهن قبل المخاطبة وبدقة المذهب قبل الامتحان وبالنبل قبل التكشف فلم يمنعه ذلك ان يقول ما هو الحق عنده وان أدخل ذلك على حاله النقص قال سهل بن هرون لو ان رجلين خطبا أو تحدثا أو احتجا أو وصفا وكان احدهما جميلا جليلا بهيا جسيما نبيلا وذا حسب شريفا وكان الاخر قليلا قميئا وباذ الهيئة دميما وخامل الذكر مجهولا ثم كان كلاهما في مقدار واحد من البلاغة وفي وزن واحد من الصواب لتصدع عنهما الجمع وعامتهم تقضي للقليل الدميم على النبيل الجسيم وللباذ الهيئة على ذي الهيئة ولشغلهم التعجب منه عن مساواة صاحبة ولصار التعجب منه سببا للعجب به ولكان الاكثار في شأنه علة للاكثار في مدحه لان النفوس كانت له أحقر ومن بيانه أيأس ومن حسده أبعد فاذا هجموا منه على ما لم يحتسبوه وظهر منه خلاف ما قدروه تضاعف حسن كلامه في صدورهم وكبر في عيونهم لأن الشيء من غير معدنه أغرب وكلما كان أغرب كان ابعد في الوهم وكلما كان أبعد في الوهم كان اظرف وكلما كان اظرف كان أعجب وكلما كان اعجب كان ابدع وانما ذلك كنوادر كلام الصبيان وملح المجانين فان ضحك السامعين من ذلك أشد وتعجبهم به اكثر والناس موكلون بتعظيم الغريب واستطراف البديع وليس لهم في الموجود الراهن المقيم وفيما تحت قدرتهم من الرأي والهوى مثل الذي معهم في الغريب القليل وفي النادر الشاذ وكل ما كان في ملك غيرهم وعلى ذلك زهد الجيران في عالمهم الاصحاب في الفائدة من صاحبهم وعلى هذه السبيل يستطرفون القادم عليهم ويرحلون الى النازح عنهم ويتركون من هو أعم نفعا واكثر في وجوه العلم تصرفا وأخف مؤونة واكثر فائدة ولذلك قدم بعض الناس الخارجي على العريق والطارف على التليد وكانوا يقولون اذا كان الخليفة بليغا والسيد خطيبا فإنك تجد جمهور الناس وأكثر الخاصة فيهما على أمرين إما رجلا يعطي كلامهما من التعظيم والتفضيل والاكبار والتبجيل على قدر حالهما في نفسه وموقعهما من قلبه وإما رجلا تعرض له التهمة لنفسه فيهما والخوف من ان يعطى تعظيمه لهما يوهمه من صواب قولهما وبلاغة كلامهما ما ليس عندهما حتى يفرط في الاشفاق ويسرف في التهمة فالأول يزيد في حقه للذي له في نفسه والاخر ينقصه من حقه لتهمته ولإشفاقه من ان يكون مخدوعا في أمره فاذا كان الحب يعمي عن المساوى ء فالبغض يعمي عن الحقائق والمحاسن وليس يعرف حقائق مقادير المعاني ومحصول حدود لطائف الامور الا عالم حكيم أو معتدل الاخلاط عليم والا القوى المنة لوثيق العقدة والذي لا يميل مع ما يستميل الجمهور الاعظم والسواد الاكثر وكان سهل بن هرون شديد الاطناب في وصف المأمون في البلاغة والجهارة وبالحلاوة والفخامة وجودة اللهجة والطلاوة واذا صرنا الى ذكر ما يحضرنا من تسمية خطباء بني هاشم وبلغاء رجال القبائل قلنا في وصفهما على حسب حالهما والفرق الذي بينهما ولاننا عسى ان نذكر حملة اسماء خطباء الجاهليين والاسلاميين والبدويين والحضريين وبعض ما يحضرنا من صفاتهم وأقدارهم ومقاماتهم وبالله التوفيق ثم رجع بنا القول الى ذكر الاشارة وروى ابو شمر عن معمر أبي الاشعث خلاف القول الاول في الاشارة والحركة عند الخطبة وعند منازعة الرجال ومناقلة الاكفاء وكان ابوشمر اذا نازع لم يحرك يديه ولا منكبيه ولم يقلب عينيه ولم يحرك رأسه حتى كأن كلامه انما يخرج من صدع صخرة وكان يقضي على صاحب الاشارة بالافتقار الى ذلك وبالعجز عن بلوغ ارادته وكان يقول ليس من المنطق ان تستعين عليه بغيره حتى كلمة ابرهيم بن سيار النظام عند ايوب بن جعفر فاضطره بالحجة وبالزيادة في المسألة حتى حرك يديه وحل حبوته وحبا اليه حتى أخذ بيديه ففي ذلك اليوم انتقل ايوب من قول ابي شمر الى قوم ابرهيم وكان الذي غر أبا شمر وموه له هذا الرأي ان اصحابه كانوا يستمعون منه ويسلمون له ويميلون اليه ويقبلون كل ما يورده عليهم ويثبته عندهمم فلما طال عليه توقيرهم له وترك مجاذبتهم إياه وخفت مؤونة الكلام عليه نسي حال منازعة الاكفاء ومجاذبة الخصوم وكان شيخا وقورا وزميتا ركينا وكان ذا تصرف في العلم ومذكورا بالفهم والحلم قال معمر ابو الاشعث قلت لبهلة الهندي ايام اجتلب يحيى بن خالد اطباء الهند مثل منكة وبازيكر وقلبرقل وسندباذ وفلان وفلان ما البلاغة عند اهل الهند قال بهلة عندنا في ذلك صحيفة مكتوبة لا أحسن ترجمتها لك ولم أعالج هذه الصناعة فأثق من نفسي بالقيام بخصائصها وتلخيص لطائف معانيها قال ابو الاشعث فلقيت بتلك الصحيفة التراجمة فاذا فيها اول البلاغة اجتماع الة البلاغة وذلك ان يكون الخطيب رابط الجأش ساكن الجوارح قليل اللحظ متخير اللفظ لا يكلم سيد الأمة بكلام الأمة ولا الملوك بكلام السوقة ويكون في قواه فضل للتصرف في كل طبقة ولا يدقق المعاني كل التدقيق ولا ينقح الالفاظ كل التنقيح ولا يصفيها كل التصفية ولا يهذبها غاية التهذيب ولا يفعل ذلك حتى يصادف حكميا أو فيلسوفا عليما ومن قد تعود حذف فضول الكلام واسقاط مشتركات الالفاظ قد نظر في صناعة المنطق على جهة الصناعة والمبالغة لا على جهة الاعتراض والتصفح وعلى جهة الاستطراف والتظرف وقال من علم حق المعنى ان يكون الاسم له طبقا وتلك الحال له وفقا ويكون الاسم له لا فاضلا ولا مفضولا ولا مقصرا ولا مشتركا ولا مضمنا ويكون مع ذلك ذاكرا لما عقد عليه اول كلامه ويكون تصفحه لمصادره في وزن تصفحه لموارده ويكون لفظه مؤنقا ولهول تلك المقامات معاودا ومدار الامر على إفهام كل قوم بقدر طاقتهم والحمل عليهم على اقدار منازلهم وان تواتيه الته وتتصرف معه أداته ويكون في التهمة لنفسه معتدلا وفي حسن الظن بها مقتصدا فانه ان تجاوز مقدارالحق في التهمة لنفسه ظلمها فأودعها ذلة المظلومين وان تجاوز الحق في مقدار حسن الظن بها أمنها فأودعها تهاون الآمنين ولكل ذلك مقدار من الشغل ولكل شغل مقدار من الوهن ولكل وهن مقدار من الجهل وقال ابراهيم بن هانيء وكان ماجنا خليعا كثير العبث متمردا ولولا ان كلامه هذا الذي أراد به الهزل يدخل في باب الجد لما جعلته صلة الكلام الماضي وليس في الارض لفظ يسقط البتة ولا معنى يبور حتى لا يصلح لمكان من الاماكن قال ابرهيم بن هانيء من تمام الة القصص ان يكون القاص اعمى ويكون شيخا بعيد مدى الصوت ومن تمام الة الزمر ان تكون الزامرة سوداء ومن تمام آلة المغني ان يكون فاره البرذون براق الثنايا عظيم الكبر سيء الحلق ومن تمام الة الخمار ان يكون ذميا ويكون اسمه أذين أو مازيار أو ازدانقاذار أو ميشا أو شلوما ويكون أرقط الثياب مختوم العنق ومن تمام الة الشعر ان يكون الشاعر اعرابيا ويكون الداعي الى الله صوفيا ومن تمام الة السؤدد ان يكون السيد ثقيل السمع عظيم الرأس ولذلك قال ابن سنان الجديدي لراشد بن سلمة الهذلي ما أنت بعظيم الرأس ولا ثقيل السمع فتكون سيدا ولا بأرسح فتكون فارسا وقال شبيب بن شيبة الخطيب لبعض فتيان بني منقر والله مامطلت مطل الفرسان ولا فتقت فتق السادة قال الشاعر تقلب رأسا لم يكن رأس سيد وكفا ككف الضب أو هي احقر فعاب صغر رأسه وصغر كفه كما عاب الشاعر كف عبد الله بن مطيع العدوي حين وجدها غليظة جافية فقال دعا ابن مطيع للبياع فجئنه الى بيعة قلبي لها غير آلف فناولني خشناء لما لمستها بكفي ليست من اكف الخلائف وهذا باب يقع في كتاب الجوارح مع ذكر البرص والعرج والعسر والادر والفلج والحدب والقرع وغير ذلك من علل الجوارح وهو وارد عليكم بعد هذا الكتاب ان شاء الله تعالى وقال ابرهيم بن هانيء ومن تمام آلة الحارس ان يكون زميتا قطوبا أبيض اللحية أقنى أجنى وصاحب تكلم بالفارسية وأخبرني ابراهيم بن السندى قال دخل العمانى الراجز على الرشيد لينشده شعرا وعليه قلنسوة طويلة وخف ساذج فقال إياك ان تنشدني الا وعليك عمامة عظيمة الكور وخفان دمالقان قال إبراهيم قال ابو نصر فبكر عليه من الغد وقد تزيا بزي الاعراب فأنشده ثم دنا منه فقبل يده وقال يا أمير المؤمنين قد والله أنشدت مروان ورأيت وجهه وقبلت يده وأخذت جائزته وأنشدت يزيد بن الوليد وإبراهيم بن الوليد ورأيت وجوههما وقبلت أيديهما وأخذت جوائزها وأنشدت السفاح ورأيت وجهه وقبلت يده وأخذت جائزته وأنشدت المهدى ورأيت وجهه وقبلت يده وأخذت جائزته وأنشدت الهادي ورأيت وجهه وقبلت يده وأخذت جائزته هذا الى كثير من أشباه الخلفاء وكبار الامراء والسادة الرؤساء ولا والله ان رأيت فيهم أبهى منظرا ولا أحسن وجها ولا انعم كفا ولا اندى راحة منك يا أمير المؤمنين ووالله لو ألقى في روعي أني أتحدث عنك ما قلت لك ما قلت فأعظم له الجائزة على شعره وأضعف له على كلامه وأقبل عليه فبسطه حتى تمنى والله جميع من حضر انهم قاموا ذلك المقام ثم رجع بنا القول الى الكلام الاول قال ابن الاعرابي قال معاوية بن أبي سفيان لصحار بن عياش العبدي ما هذه البلاغة التي فيكم قال شيء تجيش به صدورنا فتقذفه على ألسنتنا فقال له رجل من عرض القوم يا أمير المؤمنين هم بالبسر والرطب أبصر منهم بالخطب فقال له صحار أجل والله انا لنعلم ان الريح لتنفخه وان البرد ليعقده وان القمر ليصبغه وان الحر لينضجه فقال له معاوية ما تعدون البلاغة فيكم قال الايجاز قال له معاوية وما الايجاز قال له صحار ان تجيب فلا تبطى ء وأن تقول فلا تخطى ء فقال معاوية أو كذلك تقول قال صحار أقلني يا أمير المؤمنين لا تبطى ء ولا تخطى ء وشأن عبد القيس عجيب وذلك انهم بعد محاربة أياد تفرقوا فرقتين ففرقة وقعت بعمان وشق عمان وفيهم خطباء العرب وفرقة وقعت الى البحرين وشق البحرين وهم من أشعر قبيلة في العرب ولم يكونوا كذلك حين كانوا في سرة البادية وفي معدن الفصاحة وهذا عجب ومن خطبائهم المشهورين صعصعة بن صوحان وزيد بن صوحان وشيخان بن صوحان ومنهم صحار بن عياش وصحار بن شيعة عثمان وبنو صوحان من شيعة علي ومنهم مصقلة بن رقبة ورقبة بن مصقلة وكرب بن رقبة واذا صرنا الى ذكر الخطباء والنسابين ذكرنا من كلام كل واحد منهم بقدر ما يحضرنا وبالله التوفيق
قال لي ابن الاعرابي قال لي المفضل بن محمد الضبي قلت لأعرابي منا ما البلاغة قال الايجاز في غير عجز والاطناب في غير خطل قال ابن الاعرابي فقلت للمفضل ما الايجاز عندك قال حذف الفضول وتقريب البعيد قال ابن الاعرابي قيل لعبد الله بن عمر لو دعوت الله لنا بدعوات فقال اللهم ارحمنا وعافنا وارزقنا فقال رجل لو زدتنا يا أبا عبد الرحمن فقال نعوذ بالله من الاسهاب باب ذكر ناس من البلغاء والخطباء والانبياء والفقهاء والامراء ممن لا يكاد يسكت مع قلة الخطأ والزلل منهم زيد بن صولجان ومنهم ابو وائلة إياس بن معاوية المزني القاضي وصاحب الركن والمعروف بحودة الفراسة ولكثرة كلامه قال له عبد الله بن شبرومة أنا وأنت لا نتفق انت لا تشتهي ان تسكت وانا لا اشتهي ان اسمع واتى حلقة من حلق قريش في مسجد دمشق فاستولى على المجلس ورأوه احمر دميما باذ الهيئة قشيفا فاستهانوا به فلما عرفوه اعتذروا اليه وقالوا الذنب مقسوم بيننا وبينك اتيتنا في زي مسكين تكلمنا بكلام الملوك ورأيت ناسا يستحسنون جواب إياس حين قيل له ما فيك عيب غير انك معجب بقولك قال أفأعجبكم قولي قالوا نعم قال فانا احق بان اعجب بما اقول وبما يكون مني منكم والناس حفظك الله لم يضعوا ذكر العجب في هذا الموضع والمعيب عند الناس ليس هو الذي يعرف ما يكون منه من الحسن والمعرفة لا تدخل في باب التسمية بالعجب والعجب مذموم وقد جاء في الحديث ان المؤمن من ساءته سيئته وسرته حسنته وقيل لعمر فلان لا يعرف الشر قال ذلك أجدر ان يقع فيه وانما العجب اسراف الرجل في السرور بما يكون منه والافراط في استحسانه حتى يظهر ذلك منه في لفظه وفي شمائله وهو كالذي وصف به صعصعة بن صوحان المنذر بن الجارود عند علي بن ابي طالب كرم الله وجهه فقال أما والله انه مع ذلك لنظار في عطفيه تفال في شراكيه تعجبه حمرة برديه قال ابو الحسن قيل لاياس ما فيك عيب الا كثرة الكلام قال فتسمعون صوابا أم خطأ قالوا بل صوابا قال فالزيادة من الخير خير وليس كما قال للكلام غاية ولنشاط السامعين نهاية وما فضل عن مقدار الاحتمال ودعا إلى الاستثقال والملال فذلك الفاضل هو الهذر وهوالخطل وهو الاسهاب الذي سمعت الحكماء يعيبونه وذكر الاصمعي ان عمر بن هبيرة لما أراده على القضاء قال إني لا اصلح له قال وكيف ذاك قال لاني عيي ولأني دميم ولأني حديد قال ابن هبيرة أما الحدة فان السوط يقومك وأما الدمامة فاني لا اريد ان أحاسن بك احدا وأما العي فقد عبرت عما تريد فان كان إياس عند نفسه عييا فذاك أجدر ان يهجر الاكثار وبعد هذا فما نعلم أحدا رمى أياسا بالعي وإنما عابوه بالاكثار وذكر صالح بن سليمان عن عتبة بن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث قال ما رأيت عقول الناس إلا قريبا بعضها من بعض إلا ما كان من عقل الحجاج بن يوسف وإياس بن معاوية فان عقولهما كانت ترجح على عقول الناس كثيرا وقال قائل لاياس لم تعجل بالقضاء فقال له إياس كم لكفك من اصبع قال خمس قال عجلت قال لم يعجل من قال بعد ما قتل الشيء علما ويقينا قال إياس فهذا هو جوابي لك وكان كثيرا ما ينشد قول النابغة الجعدي أبى لي البلاء واني امروء إذا ما تبينت لم أرتب قال ومدح سلمة بن عياص سوار بن عبد الله بمثل ما وصف به إياس نفسه حين قال وأوقف عند الأمر ما لم يبن له وأمضى أذا ما شك ما كان ماضيا وكتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى الى عدي بن أرطاة ان قبلك رجلين من مزينة فول أحدهما قضاء البصرة يعني بكر بن عبد الله المزني وإياس بن معاوية فقال بكر والله ما أحسن القضاء فان كنت صادقا فما يحل لك ان توليني وان كنت كاذبا انها لأحراهما وكانوا اذا ذكروا البصرة قالوا شيخها الحسن وفتاها بكر وقال إياس بن معاوية لست بخب والخب لا يخدعني ولا يخدع ابن سيرين وهو يخدع أبي ويخدع الحسن ودخل الشام وهو غلام فتقدم خصما له وكان الخصم شيخا كبيرا الى بعض قضاة عبد الملك بن مروان فقال له القاضي أتتقدم شيخا كبيرا قال الحق اكبر منه قال أسكت قال فمن ينطق بحجتي قال لا أظنك تقول حقا حتى تقوم قال لا إله إلا الله أحقا هذا أم باطل فقام القاضي فدخل على عبد الملك من ساعته فخبره بالخبر فقال عبد الملك اقض حاجته الساعة وأخرجه من الشام لا يفسد علي الناس فاذا كان من إياس وهو غلام يخاف على جماعة أهل الشام فما ظنك به وقد كبرت سنه وعض ناجذه وجملة القول في إياس انه كان مفاخر مضر ومن مقدمي القضاة وكان فقيه البدن رقيق المسلك في الفطن وكان صادق الحدس نقابا وعجيب الفراسة ملهما وكان عفيف الطعم كريم المدخل والشيم وجيها عند الخلفاء مقدما عند الاكفاء وفي مزينة خير كثير ثم رجعنا الى القول الاول ومنهم ربيعة الرأي وكان لا يكاد يسكت قالوا وتكلم يوما فأكثر وأعجب بالذي كان منه فالتفت الى اعرابي كان عنده فقال يا اعرابي ما تعدون العي فيكم قال ما كنت فيه منذ اليوم وكان يقول الساكت بين النائم والاخرس ومنهم عبيد الله بن محمد بن حفص التيمي ومحمد بن حفص هو ابن عائشة ثم قيل لعبيد الله بن أبي عائشة وكان كثير العلم والسماع متصرفا في الخبر والاثر وكان من أجود قريش وكان لا يكاد يسكت وهو في ذلك كثير الفوائد وكان أبوه محمد بن حفص عظيم الشأن كثير العلم بعث اليه ميخاب خليفته في بعض الامر فأتاه في حلقته في المسجد فقال له في بعض كلامه أبو من أصلحك الله فقال له هلا عرفت هذا قبل مجيئك وان كان لا بد لك من هذا فاعترض من شئت فاسأله فقال له اني أريد ان تخليني قال أفي حاجة لك أم في حاجة لي قال بل في حاجة لي قال فالقني في المنزل قال فان الحاجة لك قال ما دون اخواني ستر ومنهم محمد بن مسعر العقيلي وكان كريما كريم المجالسة يذهب مذهب النساك وكان جوادا مر صديق له من بني هاشم بقصر له وبستان نفيس فبلغه انه استحسنه فوهبه له
ومنهم أحمد بن المعذل بن غيلان كان يذهب مذهب مالك وكان ذا بيان وتبحر في المعاني وتصرف في الالفاظ وممن كان يكثر الكلام جدا الفضل بن سهل ثم الحسن بن سهل في أيامه وحدثني محمد بن الجهم ودؤاد بن أبي دؤاد قالا جلس الحسن بن سهل في مصلى الجماعة لنعيم بن حازم فأقبل نعيم حافيا حاسرا وهو يقول ذنبي أعظم من السماء ذنبي أعظم من الهواء ذنبي أعظم من الماء قالا فقال الحسن بن سهل على رسلك تقدمت منك طاعة وكان آخر أمرك الى توبة وليس للذنب بينهما مكان وليس ذنبك في الذنوب بأعظم من عفو أمير المؤمنين في العفو ومن هؤلاء علي بن هشام وكان لا يسكت ولا أدرى كيف كان كلامه قال وحدثني مهدى بن ميمون قال حدثنا غيلان بن جرير قال كان مطرف بن عبد الله يقول لا تطعم طعامك من لا يشتهيه يقول لا تقبل بحديثك على من لا يقبل عليك بوجهه وقال عبد الله بن مسعود حدث الناس ما حدجوك باسماعهم ولحظوك بأبصارهم فإذا رأيت منهم فترة فأمسك قال وجعل السماك يوما يتكلم وجارية له حيث تسمع كلامه فلما انصرف اليها قال لها كيف سمعت كلامي قالت ما أحسنه لولا انك تكثر ترداده فقال أردده حتى يفهمه من لم يفهمه قالت الى ان يفهمه من لم يفهمه قد ملة من فهمه قال عباد بن عوام عن شعبة عن قتادة قال مكتوب في التوراة لا يعاد الحديث مرتين وسفيان بن عيينه عن الزهري قال إعادة الحديث أشد من نقل الصخر وقال بعض الحكماء من لم ينشط لحديثك فارفع عنه مؤونة الاستماع منك وجملة القول في الترداد انه ليس فيه حد ينتهي اليه ولا يؤتى الى وصفه وانما ذلك على قدر المستمعين له ومن يحضرة من العوام والخواص وقد رأينا الله عز وجل ردد ذكر قصة موسى وهود وهرون وشعيب وابراهيم ولوط وعاد وثمود وكذلك ذكر الجنة والنار وأمور كثيرة لانه خاطب جميع الامم من العرب وأصناف العجم واكثرهم غبي غافل أو معاند مشغول الفكر ساهي القلب واما حديث القصص والرقة فاني لم أر احدا يعيب ذلك وما سمعناه بأحد من الخطباء كان يرى إعادة بعض الالفاظ وترداد المعاني عيا إلا ما كان من النخار بن أوس العذري فانه كان إذا تكلم في الحمالات وفي الصفح والاحتمال وصلاح ذات البين وتخويف الفريقين من التفاني والبوار كان ربما ردد الكلام على طريق التهويل والتخويف وربما حمى فنخر قال ثمامة بن أشرس كان جعفر بن يحيى أنطق الناس قد جمع الهدوء والتمهل والجزالة والحلاوة وإفهاما يغنيه عن الاعادة ولو كان في الارض ناطق يستغني بمنطقه عن الاشارة لاستغنى جعفر عن الاشارة كما استغنى عن الاعادة وقال مرة ما رأيت احدا كان لا يتحبس ولا يتلجلج ولا يتنحنح ولا يرتقب لفظا قد استدعاه من بعد ولا يلتمس التخلص الى معنى قد تعصى عليه طلبه اشد اقتدارا ولا أقل تكلفا من جعفر بن يحيى وقال ثمامة قلت لجعفر بن يحيى ما البيان قال ان يكون الاسم يحيط بمعناك ويجلي عن مغزاك وتخرجه من الشركة ولا تستعين عليه بالفكرة والذي لابد منه ان يكون سليما من التكلف بعيدا من الصنعة بريئا من التعقيد غنيا عن التأويل وهذا هو تأويل قول الأصمعي البليغ من طبق المفصل وأغناك عن المفسر خبرني جعفر بن سعيد رضيع أيوب بن جعفر وحاجبه قال ذكرت لعمرو ابن مسعدة توقيعات جعفر بن يحيى قال قد قرأت لأم جعفر توقيعات في حواشي الكتب وأسافلها فوجدتها أجود اختصارا وأجمع للمعاني قال ووصف اعرابي أعرابيا بالايجاز والاصابة فقال كان والله يضع الهناء مواضع النقب يظنون انه نقل قول دريد بن الصمة في الخنساء بنت عمرو بن الشريد الى ذلك الموضع وكان دريد قال فيها ما إن رأيت ولا سمعت به كاليوم طالي أينق جرب متبذلا تبدو محاسنه يضع الهناء مواضع النقب ويقولون في إصابة عين المعنى بالكلام الموجز فلان يفل المحز ويصيب المفصل وأخذوا ذلك من صفة الجزار الحاذق فجعلوه مثلا للمصيب الموجز وأنشدني ابو قطن الغنوي وهو الذي يقال له شهيد الكرم وكان أبين من رأيته من أهل البدو والحضر فلو كنت مولى قيس عيلان لم تجد علي لمخلوق من الناس درهما ولكنني مولى قضاعة كلها فلست أبالي ان أدين وتغرما أولئك قوم بارك الله فيهم على كل حال ما أعف وأكرما جفاة المحز لا يصيبون مفصلا ولا يأكلون اللحم إلا تخذما يقول هم ملوك وأشباه الملوك ولهم كفاة فهم لا يحسنون إصابة المفصل وأنشد أبو عبيدة في مثل ذلك وصلع الرؤوس عظام البطون جفاة المحز غلاظ القصر وكذلك ليس براعي إبل ولا غنم ولا بجزار على ظهر وضم وقال الآخر وهو ابن الزبعري وفتيان صدق حسان الوجوه لا يجدون لشيء ألم من آل المغيرة لا يشهدون عند المجازر لحم الوضم وقال الراعي في المعنى الاول فطبقن عرض القف حتى لقينه كما طبقت في العظم مدية جازر وأنشد الاصمعي وكف فتى لم يعرف السلخ قبلها تجور يداه في الأديم وتجرح وأنشد الأصمعي لا يمسك العرف إلا ريث يرسله ولا يلاطم عند اللحم في السوق وقد فسر ذلك لبيد بن ربيعة وبينه وضرب المثل به حيث قال في الحكم بين عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة ياهرم ابن الاكرمين منصبا إنك قد أوتيت حكما معجبا فطبق المفصل واغنم طيبا يقول أحكم بين عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة بكلمة فصل وبأمر قاطع فتفصل بها بين الحق والباطل كما يفصل الجزار الحاذق مفصل العظمين وقد قال الشاعر في هرم قضى هرم يوم المريرة بينهم قضاء امرى ء بالأولية عالم قضى ثم ولى الحكم من كان أهله وليس ذنابى الريش مثل القوادم ويقال في الفحل اذا لم يحسن الضراب جمل عياياء وجمل طباقاء وقالت امرأة في الجاهلية تشكو زوجها زوجي عياياء طباقاء وكل داء له دواء حتى جعلوا ذلك مثلا للعي الفدم الذي لا يتجه للحجة وقال الشاعر طباقاء لم يشهد خصوما ولم يقد ركابا الى اكوارها حين تعكف وذكر زهير بن ابي سلمى الخطل فعابه فقال وذي خطل في القول يحسب أنه مصيب فما يلمم به فهو قائله عبأت له حلما وأكرمت غيره وأعرضت عنه وهو باد مقاتله وقال الشاعر شمس اذا خطل الحديث أوانس يرقبن كل مجذر تنبال وقال ابو الاسود الدؤلي واسم ابي الاسود ظالم بن عمرو وكان من المقدمين في العلم وشاعر سوء يهضب القول ظالما كما اقتم أعشى مظلم الليل حاطب وأنشد أعوذ بالله الاعز الاكرم من قولي الشيء الذي لم أعلم تخبط الاعمى الضرير الأيهم وقال ابرهيم بن هرمة في تطبيق المفصل وتلحق هذه بمعاني اخواتها قبل وعميمة قد سقت فيها عائرا غفلا وفيها عائرا موسوم طبقت مفصلها بغير حديدة فرأى العدو عناي حيث أقوم وهذه الصفات التي ذكرها ثمامة بن أشرس فوصف بها جعفر بن يحيى كان ثمامة بن أشرس قد انتظمها لنفسه واستولى عليها دون جميع أهل عصره وما علمت انه كان في زمانه قروي ولا بلدي كان بلغ من حسن الإفهام مع قلة عدد الحروف ولا من سهولة المخرج مع السلامة من التكلف ما كان بلغه وكان لفظه في وزن اشارته ومعناه في طبقة لفظه ولم يكن لفظه الى سمعك باسرع من معناه الى قلبك قال بعض الكتاب معاني ثمامة الظاهرة في الفاظه الواضحة في مخارج كلامه كما وصف الخزيمي شعر نفسه في مديح أبي دلف حيث يقول له كلم فيك معقولة الى القلوب كركب وقوف وأول هذه القصيدة
أبا دلف دلفت حاجتي اليك وما خلتها بالدلوف
ويظنون ان الخزيمي إنما احتذى في هذا البيت على أيوب بن القرية حين قال له بعض السلاطين ما أعددت لهذا الموقف قال ثلاثة حروف كأنهن ركب وقوف دنيا وآخرة ومعروف وحدثني صالح بن خاقان قال قال شبيب بن شيبة الناس موكلون بتفضيل جودة الابتداء وبمدح صاحبه وأنا موكل بتفضيل جودة القطع وبمدح صاحبه وحظ جودة القافية وإن كانت كلمة واحدة ارفع من حظ سائر البيت ثم قال شبيب فان ابتليت بمقام لا بد لك فيه من الاطالة فقدم إحكام البلوغ في طلب السلامة من الخطل قبل التقدم في إحكام البلوغ في شرف التجويد وإياك ان تعدل بالسلامة شيئا فان قليلا كافيا خير من كثير غير شاف ويقال انهم لم يروا قط خطيبا بلديا الا وهو في اول تكلفه لتلك المقامات كان مستثقلا مستصلفا ايام رياضته كلها الى ان يتوقح وتستجيب له المعاني ويتمكن من الالفاظ إلا شبيب بن شيبة فانه ابتدأ بحلاوة ورشاقة وسهولة وعذوبة فلم يزل يزداد منها حتى صار في كل موقف يبلغ بقليل الكلام مالا يبلغه الخطباء المصاقع بكثيرة قالوا ولما مات شبيب بن شيبة أتاهم صالح المري أو بعض من اتاهم للتعزية فقال رحمه الله على أديب الملوك وجليس الفقراء وأخي المساكين وقال الراجز اذا غدت سعد على شبيبها على فتاها وعلى خطيبها من مطلع الشمس الى مغيبها عجبت من كثرتها وطيبها حدثني صديق لي قال قلت للعتابي ما البلاغة قال كل من أفهمك حاجته من غير إعادة ولا حبسة ولا استعانة فهو بليغ فاذا اردت اللسان الذي يروق الالسنة ويفوق كل خطيب باظهار ما غمض من الحق وتصوير الباطل في صورة الحق قال فقلت له قد عرفت الاعادة و الحبسة فما الاستعانة قال أما تراه اذا تحدث قال عند مقاطع كلامه يا هناه ويا هذا وياهيه واسمع مني واستمع ألي وافهم عني أولست تفهم أو لست تعقل فهذا كله وما أشبهه عي وفساد قال عبد الكريم بن روح الغفاري حدثني عمر الشمري قال قيل لعمرو بن عبيد ما البلاغة قال ما بلغ بك الجنة وعدل بك عن النار وما بصرك مواقع رشدك وعواقب غيك قال السائل ليس هذا اريد قال من لم يحسن ان يستمع ومن لم يحسن القول قال ليس هذا اريد قال قال النبي إنا معشر الانبياء بكاء اي قليلو الكلام ومنه قيل رجل بكى وكانوا يكرهون ان يزيد منطق الرجل على عقله قال السائل ليس هذا أريد قال كانوا يخافون من فتنة القول ومن سقطات الكلام مالا يخافون من فتنة السكوت ومن سقطات الصمت قال السائل ليس هذا أريد قال عمرو فكأنك إنما تريد تحبير اللفظ في حسن الإفهام قال نعم قال انك ان اردت تقرير حجة الله في عقول المتكلمين وتخفيف المؤونة على المستمعين وتزيين تلك المعاني في قلوب المريدين بالالفاظ المستحسنة في الاذان المقبولة عند الاذهان رغبة في سرعة استجابتهم ونفي الشواغل عن قلوبهم بالموعظة الحسنة على الكتاب والسنة كنت قد أوتيت فصل الخطاب واستوجبت على الله جزيل الثواب قلت لعبد الكريم من هذا الذي صبر له عمرو هذا الصبر قال قد سألت عن ذلك أبا حفص فقال ومن كان يجترى ء عليه هذه الجرأة الا حفص ابن سالم قال عمر الشمري كان عمرو بن عبيد لا يكاد يتكلم فان تكلم لم يكد يطيل وكان يقول لا خير في المتكلم اذا كان كلامه لمن شهده دون نفسه واذا طال الكلام عرضت للمتكلم أسباب التكلف ولا خير في شيء يأتيك به التكلف وقال بعضهم وهو من أحسن ما اجتبيناه ودوناه لا يكون الكلام يستحق اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه ولفظه معناه فلا يكون لفظه الى سمعك أسبق من معناه الى قلبك وكان موسى بن عمران يقول لم أر انطق من ايوب بن جعفر ويحيى بن خالد وكان ثمامة يقول لم أر انطق من جعفر بن يحيى بن خالد وكان سهل بن هرون يقول لم أر انطق من المأمون أمير المؤمنين وقال ثمامة سمعت جعفر بن يحيى يقول لكتابه ان استطعتم ان يكون كلامكم كله مثل التوقيع فافعلوا وسمعت أبا العتاهية يقول لو شئت ان يكون حديثي كله شعرا موزونا لكان وقال اسحق بن حسان بن فوهة لم يفسر البلاغة تفسير ابن المقفع احد قط سئل ما البلاغة قال البلاغة اسم جامع لمعان تجري في وجوه كثيرة فمنها ما يكون في السكوت ومنها ما يكون في الاستماع ومنها ما يكون في الاشارة ومنها ما يكون في الحديث ومنها ما يكون في الاحتجاج ومنها ما يكون جوابا ومنها ما يكون ابتداء ومنها ما يكون شعرا ومنها ما يكون سجعا وخطبا ومنها ما يكون رسائل فعامة ما يكون من هذه الابواب الوحي فيها والاشارة الى المعنى والايجاز هو البلاغة فأما الخطب بين السماطين وفي اصلاح ذات البين فالاكثار في غير خطل والاطالة في غير املال وليكن في صدر كلامك دليل على حاجتك كما ان خير ابيات الشعر البيت الذي اذا سمعت صدره عرفت قافيته كأنه يقول فرق بين صدر خطبة النكاح وبين صدر خطبة العيد وخطبة الصلح وخطبة المواهب حتى يكون لكل فن من ذلك صدر يدل على عجزه فانه لا خير في كلام لا يدل على معناك ولا يشير الى مغزاك والى العمود الذي اليه قصدت والغرض الذي اليه نزعت قال فقيل له فان مل المستمع الاطالة التي ذكرت انهاحق ذلك الموقف قال اذا أعطيت كل مقام حقه وقمت بالذي يجب من سياسة ذلك المقام وأرضيت من يعرف حقوق الكلام فلا تهتم لما فاتك من رضا الحاسد والعدو فانه لا يرضيهما شيء وأما الجاهل فلست منه وليس منك ورضا جميع الناس شيء لا تناله وقد كان يقال رضا الناس شيء لا ينال قال والسنة في خطبة النكاح ان يطيل الخاطب ويقصر المجيب ألا ترى الى قيس بن خارجة بن سنان لما ضرب بصفيحة سيفه مؤخرة راحلتي الحاملين في شأن حمالة داحس والغبراء وقال مالي فيها ايها العشمتان قالا بل ما عندك قال عندي قرى كل نازل ورضا كل ساخط وخطبة من لدن تطلع الشمس الى ان تغرب آمر فيها بالتواصل وانهى فيها عن التقاطع قالوا فخطب يوما الى الليل فما أعاد فيها كلمة ولا معنى فقيل لابي يعقوب هلا أكتفي بالامر بالتواصل عن النهي عن التقاطع أو ليس الامر بالصلة هو النهي عن القطيعة قال أو ما علمت ان الكناية والتعريض لا يعملان في العقول عمل الافصاح والتكشف قال وسئل ابن المقفع عن قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يتصعدني كلام كما تصعدني خطبة النكاح قال ما أعرفه الا ان يكون اراد قرب الوجوه من الوجوه ونظر الحداق من قرب في اجواف الحداق ولانه اذا كان جالسا معهم كانوا كأنهم نظراء وأكفاء واذا علا المنبر صاروا سوقة ورعية وقد ذهب ذاهبون الى ان تأويل قول عمر يرجع الى ان الخطيب لا يجد بدا من تزكية الخاطب فلعله كره ان يمدحه بما ليس فيه فيكون قد قال زورا وغر القوم من صاحبه ولعمري ان هذا التأويل ليجوز اذا كان الخطيب موقوفا على الخطابة فأما عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأشباهه من الأئمة الراشدين رضوان الله تعالى عليهم اجمعين فلم يكونوا ليتكلفوا ذلك الا فيمن يستحق المدح وروى ابو مخنف عن الحارث الاعور قال والله لقد رأيت عليا وانه لخطب قاعدا كقائم ومحاربا كمسالم يريد بقوله قاعدا خطبة النكاح وقال الهيثم بن عدي لم تكن الخطباء تخطب قعودا الا في خطبة النكاح وكانوا يستحسنون ان يكون في الخطب يوم الحفل وفي الكلام يوم الجمع اي من القران فان ذلك مما يورث الكلام البهاء والوقار والرقة وحسن الموقع قال الهيثم قال عمران بن حطان ان اول خطبة خطبتها عند زياد أو قال عند ابن زياد فأعجب بها زياد وشهدها عمي وأبي ثم اني مررت ببعض المجالس فسمعت رجلا يقول لبعضهم هذا الفتى أخطب العرب لو كان في خطبته شيء من القران واكثر الخطباء لا يتمثلون في خطبهم الطوال بشيء من الشعر ولا يكرهونه في الرسائل الا ان تكون الى الخلفاء وسمعت مؤمل بن خاقان وذكر في خطبته تميم بن مر فقال ان تميما له الشرف القديم العود والعز الاقعس والعدد الهيضل وهي في الجاهلية القدام والذروة والسنام وقد قال الشاعر
فقلت له وأنكر بعض شأني ألم تعرف رقاب بني تميم
وكان المؤمل وأهله يخالفون جمهور بني سعد في المقالة فلشدة تحدبه على سعد وشفقته عليهم كان يناضل عند السلطان كل من سعى على أهل مقالتهم وان كان قوله خلاف قولهم حدبا عليهم وكان صالح المري القاص العابد البليغ كثيرا ما ينشد في قصصه وفي واعظه هذا البيت فبات يروي أصول الفسيل فعاش الفسيل ومات الرجل وأنشد الحسن في مجلسه وفي قصصه وفي مواعظه ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الاحياء وأنشد عبد الصمد بن الفضل بن عيسى بن أبان الرقاشي الخطيب القاص الشجاع إما في قصصه وإما في خطبه رحمه الله سبحانه وتعالى أرض تخيرها لطيب مقيلها كعب بن مامة وابن أم دؤاد جرت الرياح على محل ديارهم فكأنهم كانوا على ميعاد فأرى النعيم وكل ما يلهى به يوما يصيرإلى بلى ونفاد وقال ابوالحسن خطب عبد الله بن الحسن على منبر البصرة في العيد فأنشد في خطبته أين الملوك التي عن حظها غفلت حتى سقاها بكأس الموت ساقيها تلك المدائن بالآفاق خالية أمست خلاء وذاق الموت باليها وكان مالك بن دينار يقول في قصصه ما أشد فطام الكبير وهو كما قال القائل وتروض عرسك بعد ما هرمت ومن العناء رياضة الهرم ومثله ايضا قول صالح بن عبد القدوس والشيخ لا يترك اخلاقه حتى يوارى في ثرى رمسه اذا ارعوى عاد الى جهله كذي الضنى عاد الى نكسه قال كلثوم بن عمرو العتابي وكنت امرأ لو شئت ان تبلغ المدى بلغت بأدنى نعمة تستديمها ولكن فطام النفس أثقل محملا من الصخرة الصماء حين ترومها وكانوا يمدحون الجهير الصوت ويذمون الضئيل الصوت ولذلك تشادقوا في الكلام ومدحوا سعة الفم وذموا صغر الفم حدثني محمد بن بشير الشاعر قيل لاعرابي ما الجمال قال القامة وضخم الهامة ورحب الشدق وبعد الصوت وسأل جعفر بن سليمان أبا المخش عن ابنه المخش وكان جزع عليه جزعا شديدا قال صف لي المخش فقال كان أشدق خرطمانيا سائلا لعابه كأنما ينظر من قلتين كأن ترقوته بوان أو خالفة كأن منكبه كركرة جمل ثقال فقأ الله عيني ان كنت رأيت قبله أو بعده مثله قال وقلت لاعرابي ما الجمال قال غؤور العينين واشراف الحاجبين ورحب الشدقين قال دغفل بن حنظلة النسابة والخطيب العلامة حين سأله معاوية عن قبائل قريش فلما انتهى الى بني مخزوم قال معزى مطيرة عليها قشعريرة الا بني المغيرة فان فيهم تشادق الكلام ومصاهرة الكرام وقال الشاعر في عمرو بن سعيد الاشدق تشادق حتى مال بالقول شدقه وكل خطيب لا أبالك أشدق وأنشد ابو عبيدة وصلع الرؤوس عظام البطون رحاب الشداق طوال القصر وتكلم يوما عند معاوية الخطباء فأحسنوا فقال والله لأرمينهم بالخطيب الأشدق قم يا يزيد فتكلم وهذا القول وغيره من الاخبار والاشعار حجة لمن زعم أن عمرو بن سعيد لم يسم الاشدق للفقم ولا للقوة وقال يحيى بن نوفل في خالد بن عبد الله القسري بل السراويل من خوف ومن وهل واستطعم الماء لماجد في الهرب وألحن الناس كل الناس قاطبة وكان يولع بالتشديق في الخطب ويدلك على تفضيلهم سعة الاشداق وهجائهم ضيق الافواه قول الشاعر لحا الله أفواه الدبى من قبيلة إذا ذكرت في النائبات أمورها وقال الآخر وأفواه الدبى حاموا قليلا وليس أخو الحماية كالضجور وإنما شبه أفواههم بأفواه الدبى لصغر أفواههم وضيقها وعلى ذلك المعنى هجا عبدة بن الطبيب حيي بن هزال وابنيه فقال
تدعو بنيك عبادا وجرثمة يا فأرة شجها في الحجر محفار
وقد كان العباس بن عبد المطلب جهيرا جهير الصوت وقد مدح بذلك وقد نفع الله المسلمين بجهارة صوته يوم حنين حين ذهب الناس عن رسول الله فنادى العباس يا أصحاب سورة البقرة هذا رسول الله فتراجع القوم وأنزل الله عز وجل النصرة وأتى بالفتح اخبرني ابن الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس قال كان قيس ابن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف يمكو حول البيت فيسمع ذلك من حراء قال الله تعالى وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فالتصدية التصفيق والمكاء التصفير أو شبيه بالصفير ولذلك قال عنترة وحليل غانية تركت مجدلا تمكو فريصته كشدق الاعلم وقال العجير السلولي في شدة الصوت ومنهن قرعى كل باب كأنما به القوم يرجون الأذين نشور فجئت وخصمي يصرفون نيوبهم كما قصبت بين الشفار جزور لدى كل موثوق به عند مثلها له قدم في الناطقين خطير جهير وممتد العنان مناقل بصير بعورات الكلام خبير فظل رداء العصب ملقى كأنه سلى فرس تحت الرجال عقير لو ان الصخور الصم يسمعن صلقنا لرحن وفي اعراضهن فطور وقال مهلهل ولولا الريح اسمع أهل نجد صليل البيض تقرع بالذكور وفي شدة الصوت يقول الاعشى في وصفه الخطيب بذلك فيهم الخصب والسماحة والنجدة جمعا والخاطب الصلاق وقال بشار بن برد في ذلك ويهجو بعض الخطباء ومن عجب الايام ان قمت ناطقا وأنت ضئيل الصوت منتفخ السحر ووقع بين فتى من النصارى وبين ابن فهريز كلام فقال له الفتى ما ينبغي ان يكون في الارض رجل واحد أجهل منك وكان ابن فهريز في نفسه اكثر الناس علما وأدبا وكان حريصا على الجثلقة فقال للفتى وكيف حللت عندك هذا المحل قال لانك تعلم انا لا نتخذ الجاثليق الا مديد القامة وأنت قصير القامة ولا نتخذه الا جهير الصوت جيد الخلق وأنت دقيق الصوت رديء الخلق ولا نتخذه الا وهو وافر اللحية عظيمها وانت خفيف اللحية صغيرها وانت تعلم أنا لا نختار للجثلقة الا رجلا زاهدا في الرياسة وأنت أشد الناس عليها كلبا وأظهرهم لها طلبا فكيف لا تكون أجهل الناس وخصالك هذه كلها تمنع من الجثلقة وأنت قد شغلت في طلبها بالك وأسهرت فيها ليلك وقال ابو الحجناء في شدة الصوت إني اذا ما زبب الاشداق والتج حولى النقع واللقلاق ثبت الجنان مرجم وداق وجاء في الحديث من وقي شر لقلقه وقبقبه وذبذبه وقي الشر يعني لسانه وبطنه وفرجه وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بواكي خالد بن الوليد ابن المغيرة وما عليهن يرقن من دموعهن على ابي سليمان مالم يكن نقع أو لقلقه وجاء في الاثر ليس منا من حلق أو صلق أو سلق أو شق ومما مدح به العماني هرون الرشيد بالقصيد دون الرجز قوله جهير العطاس شديد النياط جهير الرواء جهير النغم ويخطو على الأين خطو الظليم ويعلو السماط بجسم عمم وكان الرشيد اذا طاف بالبيت جعل لازاره ذنبين عن يمين وشمال ثم طاف بأوسع من خطو الظليم وأسرع من رجع يد الارنب وقد اخبرني ابرهيم ابن السندي بمحصول ذرع ذلك الخطو الا اني احسبه فراسخ فيما رأيته يذهب اليه قال ابراهيم ونظر اليه اعرابي في تلك الحال والهيئة فقال خطو الظليم ريع ممسى فانشمر وحدثني ابراهيم السندى قال ما أتى عبد الملك بن صالح وفد الروم وهو في البلاد أقام على رأسه رجالا في السماطين لهم قصر وهام ومناكب وأجسام وشوارب وشعور فبينا هم قيام يكلمونه ومنهم رجل وجهه في قفا البطريق اذ عطس عطسة ضئيلة فلحظه عبد الملك فلم يدر أي شيء أنكر منه فلما مضى الوفد قال له ويلك هلا اذ كنت ضيق المنخر كز الخيشوم أتبعتها بصيحة تخلع بها قلب العلج وفي تفصيل الجهازة يقول شبة بن عقال بعقب خطبته عند سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس ألا ليت أم الجهم والله سامع ترى حيث كانت بالعراق مقامي عشية بذ الناس جهري ومنطقي وبذ كلام الناطقين كلامي وقال طحلاء يمدح معاوية بالجهارة وبجودة الخطبة ركوب المنابر وثابها معن بخطبته مجهر تريع اليه هوادي الكلام اذا ضل خطبته المهذر وزعموا ان أبا عطية عفيفا النصري في الحرب التي كانت بين ثقيف وبين بني نصر لما رأى الخيل بعقوتة يومئذ وأيس نادى يا صباحاه أتيتم يا بني نصر فألقت الحبالى أولادها من شدة صوته قالوا فقال ربيعة بن مسعود يصف تلك الحرب وصوت عفيف عقاما ضروسا بين عوف ومالك شديدا لظاها تترك الطفل أشيبا وكانت جعيل يوم عمرو أراكة أسود الغضا غادرن لحما متربا ويوم بمكروثاء شدت معتب بغاراتها قد كان يوما عصبصبا فأسقط أحبال النساء بصوته عفيف وقد نادى بنصر فطربا وكان أبو عروة الذي يقال له ابو عروة السباع يصيح بالسبع وقد احتمل الشاة فيخليها ويذهب هاربا على وجهه فضرب به الشاعر المثل وهو النابغة الجعدي فقال وأزجر الكاشح العدو اذا اغتابك عندي زجرا على أضم زجر أبي عروة السباع اذا أشفق ان يلتبسن بالغنم وأنشد ابو عمرو الشيباني لرجل من الخوارج بصف صيحة شبيب بن يزيد ابن نعيم قال ابو عبيدة وأبو الحسن كان شبيب يصيح في جنبات الجيش اذا أتاه فلا يلوي أحد على أحد وقال الشاعر فيه إن صاح يوما حسبت الصخر منحدرا والريح عاصفة والموج يلتطم قال أبو العاصي أنشدني ابو محرز خلف بن حيان وهو خلف الاحمر مولى الاشعريين في عيب التشادق له حنجر رحب وقول منقح وفصل خطاب ليس فيه تشادق اذا كان صوت المرء خلف لهاته وأنحى بأشداق لهن شقاشق وقبقب يحكي مقرما في هبابه فليس بمسبوق ولا هو سابق وقال الفرزدق شقاشق بين اشداق وهام وأنشد خلف وما في يديه غير شدق يميله وشقشقة خرساء ليس لها تعب متى رام قولا خالفته سجية وضرس كقعب القين ثلمه الشعب وأنشد أبوعمر بن العلاء وجائت قريش قريش البطاح هي العصب الأول الداخله يقودهم الفيل والزندبيل وذو الضرس والشفة المائلة وقال الشاعر في خالد بن سلمة المخزومي الخطيب فما كان قائلهم دغفل ولا الحيقطان ولا ذو الشفه وأنشد أصحابنا وقافية لجلجتها فرددتها لذي الضرس لو أرسلتها قطرت دما وقال الفرزدق أنا عند الناس أشعر العرب ولربما كان نزع ضرس أيسر علي من ان اقول بيت شعر وأنشدنا منيع فجئت ووهب كالخلاة تضمها الى الشدق أنياب لهن صريف فقعقعت لحيى خالد واهتضمته بحجة خصم بالخصوم عنيف وقال ابو يعقوب الثقفي عن عبد الملك بن عمير سئل الحارس بن ابي ربيعة عن علي بن ابي طالب كرم الله وجهه فقال كم كان له ما شئت من ضرس قاطع في العالم بكتاب الله والفقه في السنة والهجرة الى الله ورسوله والبسطة في العشيرة والنجدة في الحرب والبذل للماعون قال الاخر ولم تلفني فها ولم تلف حجتي ملجلجة أبغي لها من يقيمها ولا بت أزجيها قضيبا وتلتوى أراوغها طورا وطورا أضيمها وأنشدني ابو الرديني العكلي فتى كان يعلو مفرق الحق قوله اذا الخطباء الصيد عضل قيلها وقيل الخزيمى في تشادق علي بن الهيثم يا علي بن هيثم يا سماقا قد ملات الدنيا علينا بقاقا خل لحييك يسكنان ولاتضرب رب على تغلب بلحييك طاقا لا تشادق اذا تكلمت واعلم ان للناس كلهم أشداقا وكان على بن الهيثم جوادا بليغ اللسان والقلم قال لي ابو يعقوب الخزيمي ما رأيت كثلاثة رجال يأكلون الناس أكلا حتى اذا رأوا ثلاثة رجال ذابوا كما يذوب الملح في الماء أو الرصاص عند النار كان هشام بن الكلبي علامة نسابة وراوية للمثالب عيابة فاذا رأى الهيثم ابن عدي ذاب كما يذوب الرصاص عند النار وكان الهيثم بن عدي مفقعا نيا صاحب تفقيع وتقعير ويستولي على كلام اهل المجلس لا يحفل بشاعر ولا بخطيب فاذارأى موسى الضبي ذاب كما يذوب الرصاص عند النار وكان علويه المغني احد الناس في الرواية وفي الحكاية وفي صنعة الغناء وجودة الضرب وفي الاطراب وحسن الخلق فاذا رأى مخارقا ذاب كما يذوب الرصاص عند النار ثم رجع بنا القول الى ذكر التشديق وبعد الصوت قال ابو عبيدة كان عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب رديفا للملوك ورحالا اليهم وكان يقال له عروة الرحال فكان يوم أقبل مع ابن الجون يريد بني عامر فلما انتهى الى واردات مع الصبح قال له عروة انك قد عرفت طول صحبتي لك ونصيحتي اياك فأذن لي فأهتف بقومي هتفة قال نعم وثلاثا فقام فنادى يا صاحباه ثلاث مرات قال فسمعنا شيوخنا يزعمون انه اسمع اهل الشعب فتلببوا للحرب وعسبوا الربايا ينظرون من أين يأتي القوم قالوا وتقول الروم لولا ضجة أهل رومية وأصواتهم لسمع الناس جميعا صوت وجوب القرص في المغرب وأعيب عندهم من دقة الصوت وضيق مخرجه وضعف قوته ان يعترض الخطيب البهر والارتعاش والرعدة والعرق قال ابو الحسن قال سفيان بن عيينة تكلم صعصعة عند معاوية فعرق قال معاوية بهرك القول فقال صعصعة ان الجياد نضاحة بالماء والفرس إذا كان سريع العرق وكان هشا كان ذلك عيبا وكذلك هو في الكثرة واذا ابطأ ذلك وكان قليلا قيل قد كبا وهو فرس كاب وذلك عيب ايضا وأنشدني ابن الاعرابي لابي مسمار العكلي في شبيه بذلك قوله
لله در عامر اذا نطق في حفل إملاك وفي تلك الحلق ليس كقوم يعرفون بالشدق من خطب الناس ومما في الورق يلفقون القول تلفيق الخلق من كل نضاح الذفارى بالعرق اذا رمته الخطباء بالحدق وانما ذكر خطب الاملاك لانهم يذكرون انه يعرض للخطيب فيها من الحصر اكثر مما يعرض لصاحب المنبر ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ما يتصعدني كلام كما تتصعدني خطبة النكاح وقال العماني لاذفر هش ولا بكاب ولا بلجلاج ولا هياب وقال الكميت بن زيد وكان خطيبا ان للخطبة صعداء وهي على ذي اللب أرمى وقولهم أرمى وأربى سواء يقال فلان قد أرمي على المائة وأربى ولم أر الكميت افصح عن هذا المعنى ولا تخلص الى خاصته وانما يجترى ء على الخطبة الغمر الجاهل الماضي الذي لا يثنيه شيء أو المطبوع الحاذق الواثق بغزارته واقتدراه فالثقة تنفي عن قلبه كل خاطر يورث اللجلجة والنحنحة والانقطاع والبهر والعرق قال عبيد الله بن زياد وكان خطيبا على لكنة كانت فيه نعم الشيء الامارة لولا قعقعة البرد والتشدق للخطب وقيل لعبد الملك بن مروان عجل عليك الشيب يا أمير المؤمنين قال وكيف لا يعجل على وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة مرة أو مرتين يعني خطبة الجمعة وبعض ما يعرض من الامور قال بعض الكلابيين وإذا خطبت على الرجال فلا تكن خطل الكلام تقوله محتالا واعلم بأن من السكوت إبانة ومن التكلم ما يكون خبالا كلام بشر بن المعتمر حين مر بابرهيم بن جبلة بن مخرمة السكوني الخطيب وهو يعلم فتيانهم الخطابة فوقف بشر فظن ابرهيم أنه إنما وقف ليستفيد أو ليكون رجلا من النظارة فقال بشر أضربوا عما قال صفحا واطووا عنه كشحا ثم دفع اليهم صحيفة من تحبيره وتنميقه وكان أول ذلك الكلام خذ من نفسك ساعة نشاطك وفراع بالك واجابتها إياك فان قليل تلك الساعة اكرم جوهرا وأشرف حسبا واحسن في الاسماع وأحلى في الصدور وأسلم من فاحش الخطأ وأجلب لكل عين وغرة من لفظ شريف ومعنى بديع واعلم ان ذلك اجدى عليك مما يعطيك يومك الاطول بالكد والمطاولة والمجاهدة وبالتكلف والمعاودة ومهما اخطأك لم يخطئك ان يكون مقبولا قصدا وخفيفا على اللسان سهلا وكما خرج من ينبوعه ونجم من معدنه وإياك والتوعر فان التوعر يسلمك الى التعقيد والتعقيد هو الذي يستهلك معانيك ويشين ألفاظك ومن أراد معنى كريما فليلتمس له لفظا كريما فان حق المعنى الشريف اللفظ الشريف ومن حقهما ان تصونهما عما يفسدهما ويهجنهما وعما تعود من اجله الى ان تكون اسوأ حالا منك قبل ان تلتمس اظهارهما وترتهن نفسك بملابستهما وقضاء حقهما وكن في ثلاث منازل فان أولى الثلاث ان يكون لفظك رشيقا عذبا وفخما سهلا ويكون معناك ظاهرا مكشوفا وقريبا معروفا إما عند الخاصة ان كنت للخاصة قصدت وإما عند العامة ان كنت للعامة أردت والمعنى ليس يشرف بان يكون من معاني الخاصة وكذلك ليس يتضع بان يكون من معاني العامة وإنما مدار الشرف على الصواب واحراز المنفعة مع موافقة الحال وما يجب لكل مقام من المقال وكذلك اللفظ العامي والخاصي فان امكنك ان تبلغ من بيان لسانك وبلاغة قلمك ولطف مداخلك واقتدارك على نفسك على ان تفهم العامة معاني الخاصة وتكسوها الالفاظ الواسطة التي لا تلطف عن الدهماء ولا تجفو عن الاكفاء فانت البليغ التام قال بشر فلما قرئت على ابراهيم قال لي أنا احوج الى هذا من هؤلاء الفتيان قال ابو عثمان اما انا فلم أر قط امثل طريقة في البلاغة من الكتاب فانهم قد التمسوا من الالفاظ ما لم يكون متوعرا وحشيا ولا ساقطا سوقيا واذا سمعتموني أذكر العوام فاني لست أعني الفلاحين والحشوة والصناع والباعة ولست أعني الاكراد في الجبال وسكان الجزائر في البحار ولست أعني من الامم مثل اليبر والطيلسان ومثل موقان وجيلان ومثل الزنج وأمثال الزنج وانما الامم المذكورون من جميع الناس أربع العرب وفارس والهند والروم والباقون همج وأشباه الهمج وأما العوام من اهل ملتنا ودعوتنا ولغتنا وادبنا واخلاقنا فالطبقة التي عقولها واخلاقها فوق تلك الامم ولم يلبغوا منزلة الخاصة منا على ان الخاصة تتفاضل في الطبقات أيضا ثم رجع بنا القول الى بقية كلام بشر بن المعتمر والى ما ذكر من الاقسام قال بشر فان كانت المنزلة الاولى لا تواتيك ولا تعتريك ولا تسنح لك عند اول نظرك وفي اول تكلفك وتجد اللفظة لم تقع موقعها ولم تصر الى قرارها والى حقها من اماكنها المقسومة لها والقافية لم تحل في مركزها وفي نصابها ولم تصل بشكلها وكانت قلقة في مكانها نافرة من موضعها فلا تكرهها على اغتصاب الاماكن والنزول في غير اوطانها فانك اذا لم تتعاط قرض الشعر الموزون ولم تتكلف اختيار الكلام المنثور لم يعبك بترك ذلك احد وان انت تكلفتها ولم تكن حاذقا مطبوعا ولا محكما لسانك بصيرا مما عليك أو مالك عابك من انت اقل عيبا منه ورأى من هو دونك انه فوقك فان ابتليت بان تتكلف القول وتتعاطى الصنعة ولم تسمح لك الطباع في اول وهلة وتعصى عليك بعد إجالة الفكرة فلا تعجل ولا تضجر ودعه بياض يومك أوسواد ليلك وعاوده عند نشاطك وفراغ بالك فانك لا تعدم الاجابة والمواتاة ان كانت هناك طبيعة أو جريت من الصناعة على عرق فان تمنع عليك بعد ذلك من غير حادث شغل عرض ومن غير طول اهمال فالمنزلة الثالثة ان تتحول من هذه الصناعة الى اشهى الصناعات اليك واخفها عليك فانك لم تشتهه ولم تنازع اليه الا وبينكما نسب والشيء لا يحن الا الى ما يشاكله وان كانت المشاكلة قد تكون في طبقات لان النفوس لا تجود بمكنونها مع الرغبة ولا تسمح بمخزونها مع الرهبة كما تجود به مع المحبة والشهوة فهكذا هذا وقال ينبغي للمتكلم ان يعرف اقدار المعاني ويوازن بينها وبين اقدار المستمعين وبين اقدار الحالات فيجعل لكل طبقة من ذلك كلاما ولكل حالة من ذلك مقاما حتى يقسم اقدار الكلام على اقدار المعاني ويقسم اقدار المعاني على اقدار المقامات واقدار المستمعين على اقدار تلك الحالات فان كان الخطيب متكلما تجنب الفاظ المتكلمين كما انه ان عبر عن شيء من صناعة الكلام واصفا أو مجيبا أو سائلا كان اولى الالفاظ به الفاظ المتكلمين اذ كانوا لتلك العبارات أفهم والى تلك الالفاظ أميل واليها أحن وبها أشغف ولان كبار المتكلمين ورؤساء النظارين كانوا فوق اكثر الخطباء وابلغ من كثير من البلغاء وهم تخيروا تلك الالفاظ لتلك المعاني وهم اشتقوا لها من كلام العرب تلك الاسماء وهم اصطلحوا على تسمية ما لم يكن له في لغة العرب اسم فصاروا في ذلك سلفا لكل خلف وقدوة لكل تابع ولذلك قالوا العرض والجوهر وأيس وليس وفرقوا بين البطلان والتلاشي وذكروا الهذية والهوية والماهية واشباه ذلك وكما وضع الخليل ابن احمد لاوزان القصيد وقصار الارجاز القابا لم تكن العرب تتعارف تلك الاعاريض بتلك الالقاب وتلك الاوزان بتلك الاسماء كما ذكر الطويل والبسيط والمديد والوافر والكامل واشباه ذلك وكما ذكر الاوتاد والاسباب والخرم والزحاف وقد ذكرت العرب في أشعارها السناد والاقواء والاكفاء ولم اسمع الايطاء وقالوا في القصيد والرجز والسجع والخطب وذكروا حروف الروي والقوافي وقالوا هذا بيت وهذا مصراع وقد قال جندل الطهوي حين مدح شعره لم أقو فيهن ولم أساند وقال ذو الرمة وشعر قد أرقت له غريب أجانبه المساند والمحالا وقال أبو حزام العكلي بيوتا نصبنا لتقويمها جذول الربيئين في المربأه بيوتا على الهالها سجحة بغير السناد ولا المكفأه وكما سمى النحويون فذكروا الحال والظرف وما أشبه ذلك لانهم لو لم يضعوا هذه العلامات لم يستطيعوا تعريف القرويين وأبناء البلديين علم العروض والنحو وكذلك أصحاب الحساب قد اجتلبوا اسماء وجعلوها علامات للتفاهم قالوا وقبيح بالخطيب ان يقوم بخطبة العيد أو يوم السماطين أو على منبر جماعة أو في سدة دار الخلافة أو في يوم جمع وحفل إما في اصلاح بين العشائر واحتمال دماء القبائل واستلال تلك الضغائن والسخائم فيقول كما قال بعض من خطب على منبر ضخم الشان رفيع المكان ثم ان الله عز وجل بعد ان أنشأ الخلق وسواهم ومكن لهم لاشاهم فتلاشوا ولولا ان المتكلم افتقر الى ان يلفظ بالتلاشي لكان ينبغي ان يؤخذ فوق يده وخطب آخر في وسط دار الخلافة فقال في خطبته واخرجه الله من باب الليسية فأدخله في باب الايسية وقال مرة اخرى في خطبة له هذا فريق ما بين السار والضار والدفاع وقال مرة اخرى فدل ساتره على غامره ودل غامره على منحله فكاد ابرهيم ابن السندى يطير شفقا ويتقد غيظا هذا وابراهيم من المتكلمين والخطيب لم يكن من المتكلمين وانما جازت هذه الالفاظ في صناعة الكلام حين عجزت الاسماء عن اتساع المعاني وقد تحسن أيضا ألفاظ المتكلمين في مثل شعر ابي نواس وفي كل ما قالوه على جهة التظرف والتملح كقول أبي نواس وذات خد مورد قوهية المتجرد تأمل العين منها محاسنا ليس تنفد فبعضها قد تناهى وبعضها يتولد والحسن في كل عضو منها معاد مردد وكقوله يا عاقد القلب مني هلا تذكرت حلا تركت قلبي قليلا من القليل أقلا يكاد لا يتجزا أقل في اللفظ من لا وقد يتلمح الاعرابي بان يدخل في شعره شيئا من كلام الفارسية كقول العماني للرشيد في قصيدته التي مدحه فيها من يلقه من بطل مسرند في زغفة محكمة بالسرد يجول بين رأسه والكرد يعني العنق ويقول فيه أيضا
لما هوى بين غياض الاسد وصار في كف الهزبر الورد آلى يذوق الدهر آب سرد وكقول الاخر وولهني وقع الأسنة والقنا وكافر كوبات لها عجز قفد بأيدي رجال ما كلامي كلامهم يسومونني مردا وما أنا والمرد ومثل هذا موجود في شعر العذافر الكندي وغيره ويجوز أيضا ان يكون الشعر مثل شعر الحروشاذ وأسود بن أبي كريمة كما قال يزيد بن ربيعة ابن مفرغ آب ست نبيذ است عصارات زبيب است سمية روسبيد است وقال أسود بن أبي كريمة لزم الغرام ثوبي بكرة في يوم سبت فتمايلت عليهم ميل زنكي بمست قد حسا الداذي صرفا أو عقارا بايخست ثم كفتم ذو زياد ويحكم ان خر كفت إن جلدي دبغته أهل صنعاء بحفت وأبو عمرة عندي ان كور يذنمست جالس اندر مكناد ايا عمد بنهشت وكما لا ينبغي ان يكون اللفظ عاميا ساقطا سوقيا فكذلك لا ينبغي ان يكون غريبا وحشيا الا ان يكون المتكلم بدويا اعرابيا فان الوحشي من الكلام يفهمه الوحشي من الناس كما يفهم السوقي رطانة السوقي وكلام الناس في طبقات كما ان الناس أنفسهم في طبقات فمن الكلام الجزل والسخيف والمليح والحسن والقبيح والسميح والخفيف والثقيل وكله عربي وبكل قد تكلموا وبكل قد تمادحوا وتعايبوا قال زعم زاعم أنه لم يكن في كلامهم تفاضل ولا بينهم في ذلك تفاوت فلم ذكروا الغيبي والبكي والحصر والمفحم والخطل والمسهب والمتشدق والمتفهق والمهماز والثرثار والمكثار والمهماز ولم ذكروا الهجر والهذر والهذيان والتخليط وقالوا رجل تلقاعة وتلهاعة وفلان يتلهيع في خطبته وقالوا فلان يخطى ء في جوابه ويحيل في كلامه ويناقض في خبره ولولا ان هذه الامور قد كانت تكون في بعضهم دون بعض لما سمي ذلك البعض والبعض الآخر بهذه الاسماء وانا أقول انه ليس في الارض كلام هو أمتع ولا أنفع ولا انق ولا ألذ في الاسماع ولا أشد اتصالا بالعقول السليمة ولا أفتق للسان ولا أجود تقويما للبيان من طول استماع حديث الاعراب الفصحاء العقلاء والعلماء البلغاء وقد أصاب القوم في عامة ما وصفوا الا أني ازعم ان سخيف الالفاظ مشاكل لسخيف المعاني وقد يحتاج الى السخيف في بعض المواضع وربما أمتع بأكثر من امتاع الجزل الفخم ومن الالفاظ الشريفة الكريمة المعاني كما ان النادرة الباردة جدا قد تكون أطيب من النادرة الحارة جدا وانما الكرب الذي يخيم على القلوب ويأخذ بالأنفاس النادرة الفاترة التي لا هي حارة ولا هي باردة وكذلك الشعر الوسط والغناء الوسط وانما الشأن في الحار جدا والبارد جدا وكان محمد بن عباد بن كاسب يقول والله لفلان أثقل من مغن وسط وأبغض من ظريف وسط ومتى سمعت حفظك الله بنادرة من كلام الاعراب فاياك وان تحكيها الا مع إعرابها ومخارج ألفاظها فانك ان غيرتها بان تلحن في اعرابها وأخرجتها مخرج كلام المولدين والبلديين خرجت من تلك الحكاية وعليك فضل كبير وكذلك اذا سمعت بنادرة من نوادر العوام وملحة من ملح الحشوة والطغام فاياك وأن تستعمل فيها الاعراب أو ان تتخير لها لفظا حسنا أو تجعل لها من فيك مخرجا سريا فان ذلك يفسد الامتاع بها ويخرجها من صورتها ومن الذي أريدت له ويذهب استطابتهم اياها واستملاحهم لها ثم اعلم ان اقبح اللحن لحن اصحاب التقعير والتقعيب والتشديق والتمطيط والجهورة والتفخيم وأقبح من ذلك لحن الاعاريب النازلين على طرق السابلة وبقرب مجامع الاسواق ولاهل المدينة السنة ذلقة والفاظ حسنة وعبارة جيدة واللحن في عوامهم فاش وعلى من لم ينظر في النحو منهم غالب واللحن من الجواري الظراف ومن الكواعب النواهد ومن الشواب الملاح ومن ذوات الخدور الغرائر أيسر وربما استملح الرجل ذلك منهن ما لم تكن الجارية صاحبة تكلف ولكن اذا كان اللحن سجية سكان البلد وكما يستملحون اللثغاء اذا كانت حديثة السن ومقدودة مجدولة فاذا أسنت واكتهلت تغير ذلك الاستملاح وربما كان اسم الجارية غليم وصبية وما اشبه ذلك فاذا صارت كهلة جزلة وعجوزا شهلة وحملت اللحم وتراكم عليها الشحم وصار بنوها رجالا وبناتها نساء فما أقبح حينئذ ان يقال لها يا غليم كيف أصبحت ويا صبية كيف أمسيت ولأمر ما كنت العرب البنات فقالوا فعلت ام الفضل وقالت ام عمرو وذهبت ام حكيم نعم حتى دعاهم ذلك الى التقدم في تلك الكنى وقد فسرنا ذلك كله في كتاب الاسماء والكنى والالقاب والانباز وقد قال مالك بن أسماء في استملاح اللحن من بعض نسائه أمغطى مني على بصري للحب ام أنت أكمل الناس حسنا وحديث ألذه هو مما ينعت الناعتون يوزن وزنا منطق صائب وتلحن أحيانا وأحلى الحديث ما كان لحنا وهم يمدحون الحذق والرفق والتخلص الى حبات القلوب والى إصابة عيون المعاني ويقولون أصاب الهدف اذا أصاب الحق في الجملة ويقولون قرطس فلان وأصاب القرطاس اذا كان أجود اصابة من الاول فاذا قالوا رمى فاصاب الغرة وأصاب عين القرطاس فهو الذي ليس فوقه أحد ومن ذلك قولهم فلان يفل المحز ويصيب المفصل ويضع الهناء مواضع النقب وقال زرارة بن جزء حين أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتكلم عنده ورفع حاجته اليه أتيت أبا حفص ولا يستطيعه من الناس الا كالسنان طرير فوفقني الرحمن لما لقيته وللباب من دون الخصوم صرير قروم غيارى عند باب ممنع تنازع ملكا يهتدي ويجور فقلت له قولا أصاب فؤاده وبعض كلام القائلين غرور وفي شبيه ذلك يقول عبد الرحمن بن حسان حيث يقول
رجال أصحاء الجلود من الخنا وألسنة معروفة أين تذهب وفي اصابة فص الشيء وعينه يقول ذو الرمة في مديح بلال بن أبي بردة الاشعري تناخي عند خير فتى يمان اذا النكباء عارضت الشمالا وخيرهم مآثر أهل بيت وأكرمهم وإن كرموا فعالا وأبعدهم مسافة غور عقل إذا ما الأمر في الشبهات عالا ولبس بين أقوام فكل أعد له الشغازب والمحالا وكلهم ألد له كظاظ أعد لكل حال القوم حالا فصلت بحكمة فأصبت منها فصوص الحق فانفصل انفصالا وكان ابو سعيد الراي وهو شرشير المدني يعيب أبا حنيفة فقال الشاعر عندي مسائل لا شرشير يحسنها عند السؤال ولا أصحاب شرشير ولا يصيب فصوص الحق تعلمه إلا حنيفية كوفية الدور ومما قالوا في الايجاز وبلوغ المعاني بالالفاظ اليسيرة قال ثابت بن قطنة مازلت بعدك في هم يجيش به صدري وفي نصب قد كاد يبليني إني تذكرت قتلى لو شهدتهم في غمرة الموت لم يصلوا بها دوني لا أكثر القول فيما يهضبون به من الكلام قليل منه يكفيني وقال رجل من طيء ومدح كلام رجل فقال هذا كلام يكتفي بأولاه ويشتفي بآخره وقال ابو وجرة السعدي من سعد بن بكر يصف كلام رجل يكفي قليل كلامه وكثيره ثبت اذا طال النضال مصيب ومن كلامهم الموجز في أشعارهم قول العكلي في صفة قوس في كفه معطية منوع موثقة صابرة جزوع وقال الاخر ووصف سهم رام أصاب حمارا فقال حتى نجا من جوفه ومانجا وقال الآخر وهويصف ذئبا أطلس يخفي شخصه غبارة في شدقه شفرته وناره وهو الخبيث عينه فراره بهم بنى محارب مزدارة
ووصف الآخر ناقة فقال خرقاء إلا أنها صناع وقال الآخر ووصف سهما صاردا ألقى على مفطوحا غادر داء ونجا صحيحا وقال الآخر إنك يا ابن جعفر لا تفلح الليل أخفى والنهار أفضح وقالوا في المثل الليل أخفى للويل وقال رؤبة يصف حمارا حشرج في الجوف سحيلا أو سهق حتى يقال ناهق وما نهق وقال بعض ولد العباس بن مرداس السلمى في فرس أبي الاعور السلمى جاء كلمح البرق جاش ناظره يسبح أولاه ويطفو آخره فيما يمس الارض منه حافرة وقال الآخر إن سرك الأهون فابدأ بالأشد وقال العجاج يمكن السيف إذا الرمح انأطر من هامة الليث إذا الليث هتر كجمل البحر إذا خاض جسر غوارب اليم اذا اليم هدر حتى يقال جاسر وما جسر وقال الآخر يا دار قد غيرها بلاها كأنما بقلم محاها أخر بها عمران من بناها وكر ممساها على مغناها وطفقت سحابة تغشاها تبكي على عراصها عيناها قوله أخر بها عمران من بناها يقول عمرها بالخراب وأصل العمران مأخوذ من العمر وهو البقاء فاذا بقي الرجل في داره فقد عمرها فيقول ان مدة بقائه فيها أبلت منها لان الايام مؤثرة في الاشياء بالنقص والبلاء فلما بقي الخراب بها وقام مقام العمران في غيرها سمي بالعمران وقال غيره يا عجل الرحمن بالعذاب لعامرات البيت بالخراب يعني الفأر يقول هذا عمرانها كما يقول الرجل ما نرى من خيرك ورفدك الا ما يبلغنا من خطبك علينا وفتك في أعضادنا وقال الله عزوجل هذا نزلهم يوم الدين والعذاب لا يكون نزلا ولكنه لما أقام العذاب لهم في موضع النعيم لغيرهم سمي باسمه وقال الآخر فقلت أطعمني عمير تمرا فكان تمري كهرة وزبرا والتمر لا يكون كهرة وزبرا ولكنه على ذا وقال الله عز وجل ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا وليس في الجنة بكرة ولا عشي ولكن على مقدار البكر والعشيات وعلى هذا قول الله عز وجل وقال الذين في النار لخزنة جهنم والخزنة الحفظة وجهنم لا يضيع منها شيء فيحفظ ولا يختار دخولها انسان فيمنع منها ولكن لما قامت الملائكة مقام الحافظ الخازن سميت به وقال أبو عمرو بن العلاء اجتمع ثلاثة من الرواة فقال لهم قائل أي نصف بيت شعر أحكم وأوجز فقال أحدهم قول حميد بن ثور الهلالي وحسبك داء أن تصح وتسلما ولعل حميدا أخذه عن النمر بن تولب قال النمر يحب الفتى طول السلامة والغنى فكيف ترى طول السلامة يفعل وقال أبو العتاهية أسرع في نقض أمر تمامه ذهب الى كلام الاول كل ما أقام شخص وكل ما ازداد نقص ولو كان الناس يميتهم الداء إذا لأعاشهم الدواء وقال الثاني من الرواة الثلاثة بل قول أبي خراش الهذلي نوكل بالأدنى وإن حل ما يمضي وقال الثالث بل قول أبي ذؤيب الهذلي وإذا ترد إلى قليل تقنع فقال قائل هذا من مفاخر هذيل ان يكون ثلاثة من الرواة لم يصيبوا في جميع أشعار العرب إلا ثلاثة أنصاف إثنان منها لهذيل وحدها فقيل لهذا القائل إنما كان الشرط ان يأتوا بثلاثة أنصاف مستغنيات بأنفسها والنصف الذي لأبي ذؤيب لا يستغني بنفسه ولا يفهم السامع معنى هذا النصف حتى يكون موصولا بالنصف الاول لانك إذا أنشدت رجلا لم يسمع بالنصف الاول وسمع وإذا ترد الى قليل تقنع قال ومن هذه التي ترد الى قليل فتقنع وليس المضمن كالمطلق وليس هذا النصف مما رواه هذا العالم وانما الرواية قوله والدهر ليس بمعتب من يجزع ومما مدحوا به الايجاز والكلام الذي كالوحي والاشارة قول أبي دؤاد ابن جرير الايادي يرمون بالخطب الطوال وتارة وحي الملاحظ خيفة الرقباء فمدح كما ترى الاطالة في موضعها والحذف في موضعه ومما يدل على شغفهم وكلفهم وشدة حبهم للفهم والافهام قول الاسدي في صفة كلام رجل نعت له موضعا من تلك السباسب التي لا أمارة فيها بأقل اللفظ وأوجزه فوصف أيجاز الناعت وسرعة فهم المنعوت له فقال بضربة نعت لم تعد غير أنني عقول لأوصاف الرجال ذكورها وهو كقولهم لابن عباس أنى لك هذا العلم قال قلب عقول ولسان سؤول وقد قال الراجز ومهمهين فدفدين مرتين جبتهما بالنعت لا بالنعتين وقالوا في التحذير من ميسم الشعر ومن شدة وقع اللسان ومن بقاء أثره على الممدوح والمهجو قال امرؤ القيس بن حجر ولو عن نثا غيره جاءني وجرح اللسان كجرح اليد وقال طرفة بحسام سيفك أو لسانك والكلم الأصيل كأرغب الكلم قال وأنشدني محمد بن زياد لحوت شماسا كما تلحى العصي سبا لو أن السب يدمي لدمي من نفر كلهم نكس دني محامد الرذل مشاتيم السري مخابط العكم مواديع المطي متارك الرفيق بالخرق النطي وانشد محمد بن زياد تمنى أبو العفاق عندي هجمة تسهل مأوى ليلها بالكلاكل ولا عقل عندي غير طعن نوافز وضرب كأشداق الغصال الهوادل
وسب يود المرء لو مات قبله كصدع الصفا فلقته بالمعلول
وقال طرفة رأيت القوافي يتلجن موالجا تضايق عنها ان تولجها الإبر وقال الأخطل حتى أقروا وهم مني على مضض والقول ينفذ مالا تنفذ الإبر وقال العماني إذ هن في الريط وفي الموادع ترمى اليهن كبذر الزارع وقالوا الحرب أولها شكوى وأوسطها نجوى واخرها بلوى وكتب نصر بن سيار الى ابن هبيرة أيام تحرك أمير السواد بخراسان أرى خلل الرماد وميض جمر فيوشك ان يكون له اضطرام فان النار بالعودين تذكى وان الحرب أولها كلام فقلت من التعجب ليت شعري أأيقاظ أمية أم نيام فان كانوا لحينهم نياما فقل قوموا فقد حان القيام وقال بعض المولدين إذا نلت العطية بعد مطل فلا كانت وان كانت جزيله وسقيا للعطية ثم سقيا اذا سهلت وان كانت قليله وللشعراء ألسنة حداد على العورات موفيه دليله ومن عقل الكريم اذا اتقاهم وداراهم مداراة جميله اذا وضعوا مكاذبهم عليه وان كذبوا فليس لهن حيله وقالوا مذاكرة الرجال تلقيح لألبابها ومما قالوا في صفة اللسان قول الاسدي أنشدنيها ابن الأعرابي وأصبحت أعددت للنائبات عرضا بريئا وعضبا صقيلا ووقع لسان كحد السنان ورمحا طويل القناة عسولا وقال الأعشى أدافع عن أعراضكم وأعيركم لسانا كمقراض الخفاجي ملحبا وقال ابن هرمة قل للذي ظل ذا لونين يأكلني لقد خلوت بلحم عارم البشم
إياك لا ألزمن لحييك من لجم نكلا ينكل قراصا من اللجم إني امرؤ لا أصوغ الحلي تعمله كفاي لكن لساني صائغ الكلم وقال الراجز إني بغيت الشعر وابتغاني حتى وجدت الشعر في مكاني في عيبة مفتاحها لساني وأنشد إني وإن كان إزاري خلقا وبردتاي سملا قد أخلقا قد جعل الله لساني مطلقا بسم الله الرحمن الرحيم معنى البلاغة قال أبو عثمان والعتابي حين زعم أن كل من أفهمك حاجته فهو بليغ لم يعن أن كل من أفهمنا من معاشر المولدين والبلديين قصده ومعناه بالكلام الملحون والمعدول عن جهته والمصروف من حقه انه محكوم له بالبلاغة كيف كان بعد ان نكون قد فهمنا عنه معنى كلام النبطي الذي قيل له لم اشتريت هذه الأتان قال أركبها وتلد لي وقد علمنا ان معناه كان صحيحا وقد فهمنا قول الشيخ الفارسي حين قال لاهل مجلسه ما من شر من دين وانه قال حين قيل له ولم ذاك يا أبا فلان قال من جرى يتعلقون وما نشك انه قد ذهب مذهبا وانه كما قال معنى قول أبي الجهير الخرساني النخاس حين قال له الحجاج أتبيع الدواب المعيبة من جند السلطان قال شريكاتنا في هوازها وشريكاتنا في مداينها وكما تجيء تكون قال الحجاج ما تقول ويلك فقال بعض من قد كان اعتاد سماع الخطأ وكلام العلوج بالعربية حتى صار يفهم مثل ذلك يقول شركاؤنا بالاهواز والمدائن يبعثون الينا بهذه الدواب فنحن نبيعها على وجوهها وقلت لخادم لي في اي صناعة أسلم هذا الغلام قال أصحاب سند نعال يريد في اصحاب النعال السندية وكذلك قول الكاتب المغلاق للكاتب الذي دونه اكتب لي قل حطين وريحني منه فمن زعم ان البلاغة ان يكون السامع يفهم معنى القائل جعل الفصاحة واللكنة والخطأ والصواب والاغلاق والابانة والملحون والمعرب كله سواء وكله بيانا وكيف يكون ذلك كله بيانا ولولا طول مخالطة السامع للعجم وسماعه للفاسد من الكلام لما عرفه ونحن لم نفهم عنه الا للنقص الذي فينا وأهل هذه اللغة وأرباب هذا البيان لا يستدلون على معاني هؤلاء بكلامهم كما لا يعرفون رطانة الرومي والصقلبي وان كان هذا الاسم انما يستحقونه بأنا نفهم عنهم كثيرا من حوائجهم فنحن قد نفهم من حمحمة الفرس كثيرا من حاجاته ونفهم بضغاء السنور كثيرا من ارادته وكذلك الكلب والحمار والصبي الرضيع وانما عنى العتابي إفهامك العرب حاجتك على مجرى كلام الفصحاء وأصحاب هذه اللغة لا يفقهون قول القائل منها مكرة أخاك لا بطل وإذا عز أخاك فهن ومن لم يفهم هذا لم يفهم قولهم ذهبت الى أبو زيد ورأيت أبي عمرو ومتى وجد النحويون اعرابيا يفهم هذا وأشباهه بهرجوه ولم يسمعوا منه لأن ذلك يدل على طول إقامته في الدار التي تفسد اللغة وتنقص البيان لأن تلك اللغة انما انقادت واستوت واطردت وتكاملت بالخصال التي اجتمعت لها في تلك الجزيرة وفي تلك الجيرة ولفقد الخطأ من جميع الامم ولقد كان بين يزيد بن كثوة يوم قدم علينا البصرة وبينه يوم مات بون بعيد على انه قد كان وضع منزله في اخر موضع الفصاحة وأول موضع العجمة وكان لا ينفك من رواة ومذاكرين وزعم أصحابنا البصريون عن ابي عمرو بن العلاء انه قال لم أر قرويين أفصح من الحسن والحجاج وكان ما زعموا لا يبرئهما من اللحن وزعم أبو العاصي انه لم ير قرويا قط لا يلحن في حديثه وفيما يجري بينه وبين الناس إلا ما تفقده من أبي زيد النحوي ومن ابي سعيد المعلم وقد روى أصحابنا ان رجلا من البلدتين قال لاعرابي كيف أهلك قالها بكسر اللام قال صلبا لانه أجابه على فهمه ولم يعلم انه أراد المسألة عن أهله وعياله وسمعت ابن بشير وقال له المفضل العنبري اني عثرت البارحة بكتاب وقد التقطته وهو عندي وقد ذكروا ان فيه شعرا فان أردته وهبته لك قال ابن بشير اريده ان كان مقيدا قال والله ما أدري أكان مقيدا أو مغلولا ولو عرف التقييد لم يلتفت الى روايته وحكى الكسائي انه قال لغلام بالبادية من خلقك وجزم القاف فلم يدر ما قال ولم يجبه فرد عليه السؤال فقال الغلام لعلك تريد من خلقك وكان بعض الاعراب اذا سمع رجلا يقول نعم في الجواب قال نعم وشاء لان لغته نعم وقيل لعمر بن لجاء قل إنا من المجرمين منتقمون قال إنا من المجرمون منتقمين وأنشد الكسائي كلاما دار بينه وبين بعض فتيان البادية فقال عجبا ما عجب أعجبني من غلام حكمي أصلا قلت هل أحسنت ركبا نزلوا حضنا ما دونه قال هلا قلت بين ما هلا هل تزلوا قال حوبا ثم ولى عجلا لست أدري عندها ما قال لي أنعم ما قال لي أم قال لا تلك منه لغة تعجبني زادت القلب خبالا خبلا قال أبو الحسن قال مولى زياد لزياد أهدوا لنا همار وهش قال أي شيء تقول ويلك قال أهدوا لنا ايرا يريد أهدوا لنا عيرا قال زياد ويلك الاول خير وقال الشاعر يذكر جارية له لكناء أول ما أسمع منها في السحر تذكيرها الانثى وتأنيث الذكر والسوأة السواء في ذكر القمر فزياد قد فهم عن مولاه وصاحب الجارية قد فهم عن جاريته ولكنهما لم يفهما عنهما من إفهامها لهما ولكنهما لما طال مقامهما في الموضع الذي يكثر فيه سماعهما لهذا الضرب صارا يفهمان هذا الضرب من الكلام ذكر ما قالوا في مديح اللسان بالشعر الموزون واللفظ المنثور ما جاء في الاثر وصح به الخبر قال الشاعر أزى الناس في الاخلاق أهل تخلق وأخبارهم شتى فعرف ومنكر قريبا تدانيهم اذا ما رأيتهم ومختلفا ما بينهم حين تخبر فلا تحمدن الدهر ظاهر صفحة من المرء ما لمم تبل ما ليس يظهر فما المرء إلا الأصغران لسانه ومعقوله والجسم خلق مصور وما الزين في ثوب تراه وإنما يزين الفتى مخبوره حين يخبر فان طرة راقتك منهم فربما أمر مذاق العود والعود أخضر
وقال سويد بن أبي كاهل في ذلك ودعتني برقاها انها تنزل الأعصم من رأس اليفع تسمع الحداث قولا حسنا لو أرادوا غيره لم يستطع ولسانا صيرفيا صارما كحسام السيف ما مس قطع وقال جرير وليس لسيفي في العظام بقية ولا السيف أشوى وقعة من لسانيا وقال الاخر وجرح السيف تدمله فيبرى ويبقى الدهر ما جرح اللسان وقال الاخر أبا ضبيعة لا تعجل بسيئة الى ابن عمك واذكره باحسان إما تراني وأثوابي مقاربة ليست بخز ولا من نسج كتان فان في المجد هماتي وفي لغتي علوية ولساني غير لحان وفيما مدحوا به الاعرابي اذا كان أديبا أنشدني ابن أبي خزيمة واسمه أسود ألا زعمت عفراء بالشام أنني غلام جوار لا غلام حروب وإني لاهدى بالأوانس كالدمى وإني بأطراف القنا للعوب وإني على ما كان من عنجهيتي ولوثة اعرابيتي لأديب وقال ابن هرمة لله درك من فتى فجعت به يوم البقيع حوادث الأيام هش أذا نزل الوفود ببابه سهل الحجاب مؤدب الخدام فاذا رأيت شقيقه وصديقه لم تدر أيهما أخو الأرحام وقال كعب بن سعد الغنوي حبيب الى الزوار غشيان بيته جميل المحيا شب وهو أديب اذا ما تراآه الرجال تحفظوا فلم تنطق العوراء وهو قريب وقال الحارثي وتعلم أنى ماجد وتروعها بقية أعرابية في مهاجر وقال الآخرلآخر
وان امرأ في الناس يعطي ظلامة ويمنع نصف الحق منه لراضع أألموت يخشى اثكل الله أمه أم العيش يرجو نفعه وهو ضائع ويطعم ما لم يندفع في مريثه ويمسح أعلى بطنه وهو جائع وأن العقول فاعلمن أسنة حداد النواحي ارهفتها المواقع ويقول كأن لسانه لسان ثور وحدثني من سمع أعرابيا مدح رجلا برقة اللسان فقال كان والله لسانه أرق من ورقة وألين من سرقة وقال النبي لحسان بن ثابت مابقي من لسانك فاخرج لسانه حتى ضرب بطرفه أرنبته ثم قال رالله ما يسرني به مقول من معد والله لو وضعته على صخر لفلقه أو على شعر لحلقه قال وسمعت اعرابيا يصف لسان رجل فقال كان يشول بلسانه شولان البروق ويتخلل به تخلل الحية وأظن هذا الاعرابي أبا وجيه العكلي ووصف أعرابي رجلا فقال أتيناه فاخرج لسانه كأنه مخراق لاعب وقال العباس بن عبد المطلب للنبي يا رسول الله فيم الجمال قال في اللسان وكان مجاشع بن درام خطيبا سليطا وكان نهشل بكيئا منزورا فلما خرجا من عند بعض الملوك عذله مجاشع في تركه الكلام فقال له نهشل اني والله لا أحسن تكذابك ولا تأثامك تشول بلسانك شولان البروق وقالوا على جميع الخلق مرتبة الملائكة ثم الانس ثم الجن وإنما صار لهؤلاء المزية على جميع الخلق بالعقل وبالاستطاعة على التصرف وبالمنطق وقال خالد بن صفوان ما الانسان لولا اللسان الا صورة ممثلة أو بهيمة مهملة وقال رجل لخالد بن صفوان ما لي اذا رأيتكم تتذاكرون الاخبار وتتدارسون الآثار وتتناشدون الاشعار وقع علي النوم قال لانك حمار في مسلاخ انسان وقال صاحب المنطق حد الانسان الحي الناطق المبين وقال الاعور الشني وكائن ترى من صامت لك معجب زيادته أو نقصه في التكلم لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم تبق الا صورة اللحم والدم ولما دخل ضمرة بن ضمرة على النعمان بن المنذر زرى عليه للذي رأى من دمامته وقصره وقلته فقال النعمان تسمع بالمعيدي لا ان تراه فقال أبيت اللعن ان الرجال لا تكال بالفقزان ولا توزن بميزان وليست بمسوك يستقى بها وانما المرء بأصغريه بقلبه ولسانه ان صال صال بجنان وان قال قال ببيان واليمانية تجعل هذا للصقعب النهدي فان كان ذلك كذلك فقد أقروا ان نهدا من معد وكان يقال عقل المرء مدفون بلسانه باب في ذكر اللسان وقال أبو الحسن قال الحسن لسان العاقل من وراء قلبه فاذا اراد الكلام تفكر فان كان له قال وان كان عليه سكت وقلب الجاهل من وراء لسانه فان هم بالكلام تكلم به له أو عليه وقال ابو عبيدة قال ابو الوجيه حدثني الفرزدق قال كنا في ضيافة معاوية بن ابي سفيان ومعنا كعب بن جعيل التغلبي فقال له يزيد ان ابن حسان يريد عبد الرحمن قد فضحنا فاهج الانصار قال أرادي انت الى الاشراك بعد الاسلام لا أهجو قوما نصروا رسول الله ولكني أدلك على غلام منا نصراني كأن لسانه لسان ثور يعني الاخطل وقال سعد بن أبي وقاص لعمر ابنه حين نطق مع القوم فبذهم وقد كانوا كلموه في الرضا عنه هذا الذي أغضبني عليه اني سمعت رسول الله يقول يكون قوم يأكلون الدنيا بألسنهم كما تلحس الارض البقرة بلسانها وقال معاوية لعمرو بن العاص يا عمرو ان أهل العراق قد أكرهوا عليا على أبي موسى وأنا واهل الشام راضون بك وقد ضم اليك رجل طويل اللسان قصير الرأي فأجد الحز وطبق المفصل ولا تلقه برأيك كله والعجب من قول ابن الزبير للاعراب سلاحكم رث وحديثكم غث وكيف يكون هذا وقد ذكروا أنه أحسن الناس حديثا وان أبا نضرة وعبد الله ابن ابي بكر انما كانا يحكيانه فلا أدري الا ان يكون حسن حديثه هو الذي ألقى الحسد بينه وبين كل حسن الحديث وقد ذكروا ان خالد بن صفوان تكلم في بعض الأمر فأجابه رجل من أهل المدينة بكلام لم يظن خالد ان الكلام كان عنده فلما طال بهما المجلس كان خالد عرض له ببعض الامر فقال المدني يا أبا صفوان ما من ذنب الا اتفاق الصناعتين ذكر ذلك الاصمعي قال فضال الازرق قال رجل من بني منقر تكلم خالد بن صفوان في صلح بكلام لم يسمع الناس قبله مثله واذا اعرابي في بت ما في رجليه حذاء فأجابه بكلام وددت والله أني كنت مت وان ذلك لم يكن فلما رأى خالد ما نزل بي قال كيف نجاريهم وانما نحكيهم وكيف نسابقهم وانما نجري على ما سبق الينا من أعراقهم وليفرخ روعك فانه من مقاعس ومقاعس لك فقلت يا أبا صفوان والله ما ألومك على الأولى ولا أدع حمدك على الاخرى قال ابو اليقظان قال عمر بن عبد العزيز ما كلمني رجل من بني أسد الا تمنيت ان يمد له في حجته حتى يكثر كلامه فأسمعه وقال يونس ليس في بني أسد الا خطيب أو شاعر أو قائف أو زاجر اوكاهن أو فارس قال وليس في هذيل الا شاعر أو رام أو شديد العدو الترجمان بن هزيم بن عدي بن ابي طحمة قال دعى رقبة بن مصقلة أو كرب بن رقبة الى مجلس ليتكلم فيه فراى مكان اعرابي في شملة فأنكر موضعه فسأل الذي عن يمينه عنه فخبره انه الذي أعدوه لجوابه فنهض مسرعا لا يلوي على شيء كراهة ان يجمع بين الديباجتين فيتضع عند الجميع وقال خلاد بن يزيد لم يكن أحد بعد أبي نضرة احسن حديثا من مسلم بن قتيبة قال وكان يزيد بن عمر بن هبيرة يقول احذفوا الحديث كما يحذفه مسلم بن قتيبة ويزعمون انه لم يروا محدثا قط صاحب آثار كان أجود حذفا وأحسن اختصار للحديث من سفيان بن عيينه سألوه مرة عن قول طاوس في زكاة الجراد فقال ابنه عنه زكاته أخذه وباب آخر وكانوا يمدحون شدة العارضة وقوة المسنة وظهور الحجة وثبات الجنان وكثرة الريق والعلو عن الخصم ويهجون بخلاف ذلك قال الشاعر طباقاء لم يشهد خصوما ولم يعش حميدا ولم يشهد حلالا ولا عطرا
قال ابو زييد الطائي وخطيب اذا تموت الأوجه يوما في مأقط مشهود وقال نافع بن خليفة الغنوي وخصم لدى باب الامير كأنهم قروم فشافيها الزوائر والهدر دلفت لهم دون المنى بملمة من الدر في أعقاب درتها شذر اذا القوم قالوا أدن منها وجدتها مطبقة يهماء ليس لها خصر وقال الأسلع بن قطاف الطهوي فداء لقومي كل معشر جارم طريد ومخذول بماجر مسلم هم أفحموا الخصم الذي يستفيدني وهم قصموا حجلي وهم حقنوا دمي بأيد يفرجن المضيق وألسن سلاط وجمع ذي زهاء عرمرم اذا شئت لم تعدم لدى الباب منهم جميل المحيا واضحا غير توأم وقال التميمي في ذلك أما رأيت الألسن السلاطا والجاه والأقدام والنشاطا ان الندى حيث ترى الضغاطا ذهب في البيت الأخير الى قول الشاعر يسقط الطير حيث ينتثر الحب وتغشى منازل الكرماء والى قول الآخر يرفض عن بيت الفقير ضيوفه وترى الغنى يهدى لك الزوارا وأنشد في المعنى الأول وخطيب قوم قدموه أمامهم ثقة به متخمط تياح جاوبت خطبته فظل كأنه لما خطبت مملح بملاح وأنشد أيضا أرقت لضوء برق في نشاص تلألأ في مملاة غصاص لواقح دلح بالماء سحم تمج الغيث من خلل الخصاص سل الخطباء هل سبحوا كسبحي بحور القول أو غاصوا مغاصي لساني بالنثير ويالقوافي وبالأسجاع أمهر في الغواص من الحوت الذي في لج بحر يجيد الغوص في لجج المغاص
لعمرك إنني لاعف نفسي وأستر بالتكرم من خصاص وأنشد لرجل من بني ناشب بن سليمان بن سلامة بن سعد بن مالك بن ثعلبة لنا قمر السماء وكل نجم يضيء لنا اذا القمران غارا ومن يفخر بغير أبي نزار فليس بأول الخطباء جارا وأنشد للأقرع إني امرؤ لا أقيل الخصم عثرته عند الأمير اذا ما خصمه طلعا ينير وجهي إذا جد الخصام بنا ووجه خصمي تراه الدهر ملتفعا وأنشد تراه بنصري في الحفيظة واثقا وان صد عني العين منه وحاجبه وان خطرت أيدي الكماة وجدتني نصورا اذا ما استيبس الريق عاصبه وقال ابن احمر وذكر الريق والاعتصام به هذا الثناء واجدر أن أصاحبه وقد يدوم ريق الطامع الأمل وقال الزبير بن العوام وهو يرقص ابنه عروة أبيض من آل أبي عتيق مبارك من ولد الصديق ألذه كما ألذ ريقي وقالت امرأة من بني أسد ألا بكر الناعي بخير بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد فمن كان يعيا بالجواب فانه أبو معقل لا حجر عنه ولا صدد أثاروا بصحراء الثوية قبره وما كنت أخشى ان تناءى به البلد وقال أوس بن حجر في فضالة بن كلدة أبا دليجة من يوصى بأرملة أم من لأشعث ذي هدمين طملال أم من يكون خطيب القوم إن حفلوا لدى الملوك أولي كيد وأقوال وقال أيضا في فضالة بن كلدة ألهفا على حسن آلائه على الجابر الحي والحارب ورقبته حتمات الملوك بين السرادق والحاجب ويكفي المقالة أهل الرجال غير معيب ولا عائب وأنشد أيضا
وخصم غضاب ينغضون رؤوسهم أولي قدم في الشغب صهب سبالها ضربت لهم أبط الشمال فأصبحت يرد غواة آخرين نكالها وقال شتيم بن خويلد وقلت لسيدنا يا حليم إنك لم تأس أسوا رفيقا أعنت عديا على شأوها تعادي فريقا وتبقى فريقا زجرت بها ليلة كلها فجئت بها مؤيدا خنفقيقا وأنشد لآدم مولى بلعنبر يقولها لابن له يا بأبي انت ويا فوق بأب يا بأبي خصيك من خصي وزب أنت الحبيب وكذا قول المحب جنبك الله معاريض الوصب حتى تفيد وتداوي ذا الجرب وذا الجنون من سعال وكلب والحدب حتى يستقيم ذو الحدب وتحمل الشاعر في اليوم العصب على مباهير كثيرات التعب وان أراد جدل صعب أرب خصومة تنقب أوساط الركب أطلعته من رتب الى رتب حتى ترى الأبصار أمثال الشهب ترمي بها أشوس ملحاح كلب مجرب الشدات ميمون مذب وقالت ابنة وثيمة ترثي أباها وثيمة بن عثمان الواهب المال التلا دلنا ويكفينا العظيمة ويكون مدرهنا إذا نزلت مجلحة عظيمة وآحمر افاق السما ء ولم تقع في الارض ديمه وتعذر الآكال حتى كان أحمدها الهشيمة لا ثلة ترعى ولا إبل ولا بقر مسيمه ألفيته مأوى الأرامل والمدفعه اليتيمه والدافع الخصم الألد اذا تفوضح في الخصومه بلسان لقمان بن عاد وفصل خطبته الحكيمه ألجمتهم بعد التدافع والتجاذب في الحكومه وكانت العرب تعظم شأن لقمان بن عاد الاكبر والأصغر ولقيم بن لقمان في النباهة والقدر وفي العلم والحكم وفي اللسان وفي الحلم وهذان غير لقمان الحكيم المذكور في القرآن على ما يقول المفسرون ولارتفاع قدره وعظم شأنه قال النمر بن تولب لقيم بن لقمان من اخته فكان بن أخت له وابنما ليالي حمق فاستحصنت عليه فغر بها مظلما فغر بها رجل محكم فجاءت به رجلا محكما وذلك ان أخت لقمان قالت لامرأة لقمان إني امرأة محمقة ولقمان رجل منجب محكم وأنا في ليلة طهري فهبي لي ليلتك ففعلت فباتت في بيت امرأة لقمان فوقع عليها فأحبلها بلقيم فلذلك قال النمر بن تولب ما قال والمرأة اذا ولدت الحمقى فهي محمقة ولا يعلم ذلك حتى يرى ولد زوجها غيرها اكياسا وقالت امرأة ذات بنات وما أبالي ان أكون محمقه اذا رأيت خصية معلقه وقال الآخر أزرى بسعيك ان كنت امرا حمقا من نسل ضاوية الاعراق محماق ولبعضهم في البنات قالت احدى القوابل أيا سحاب طرقي بخير وطرقي بخصية وأير ولا ترينا طرف البظير وقال آخر في انجاب الامهات وهو يخاطب بني اخوته عفاريتا علي وأكل مالي وحلما عن أناس آخرينا فهلا غير عمكم ظلمتم اذا ما كنتم متظلمينا فلو كنتم لكيسة أكاست وكيس الأم أكيس للبنينا وكان لنا فزارة عم سوء وكنت له كشر بني الأخينا ولبغض البنات هجر أبو حمزة الضبي خيمة امرأته وكان يقيل ويبيت عند جيران له حين ولدت امرأته بنتا فمر يوما بخبائها و اذاهي ترقصها وتقول ما لأبي حمزة لا يأتينا يظل في البيت الذي يلينا غضبان ان لا نلد البنينا تا لله ما ذلك في أيدينا وإنما نأخذ ما أعطينا ونحن كالأرض لزارعينا ننبت ما قد زرعوه فينا
فغدا الشيخ حتى ولج البيت فقبل رأس امرأته وابنتها وهذا الباب يقع في كتاب الانسان من كتاب الحيوان وفي فضل ما بين الذكر والانثى تاما وليس هذا الباب مما يدخل في باب البيان والتبيين ولكن قد يجرى السبب فيجري معه بقدر ما يكون تنشيطا لقارى ء الكتاب لان خروجه من الباب اذ اطال لبعض العلم كان ذلك اروح على قلبه وأزيد في نشاطه ان شاء الله وقد قال الاول في تعظيم شأن لقيم بن لقمان قومي اصبحيني فما صيغ الفتى حجرا لكن رهينة احجار وارماس قومي اصبحيني فان الدهر ذو غير أفنى لقيما وافنى آل مرماس اليوم خمر ويبد وفي غد خبر والدهر من بين إنعام وإيآس فاشرب على حدثان الدهر مرتفقا لا يصحب الهم قرع السن بالكاس وقال ابو الطمحان القيني في ذكر لقمان إن الزمان ولا تفنى عجائبه فيه تقطع ألاف وأقران أمست بنو القين أفراقا موزعة كأنهم من بقايا حي لقمان وقد ذكرت العرب هذه الامم البائدة والقرون السالفة ولبعضهم بقايا قليلة وهم أشلاء في العرب متفرقون مغمورون مثل جرهم وجاسم ووبار وعملاق وأميم وطسم وجديس ولقمان والهس ماس وبني الناصور وقيل بن عتر وذي جدن ويقال في بني الناصور ان أصلهم من الروم فأما ثمود فقد خبر الله عز وجل عنهم فقال وثمود فما أبقى وقال فهل ترى لهم من باقية انا أعجب من مسلم يصدق بالقران ويزعم ان في قبائل العرب من بقايا ثمود وكان أبو عبيدة يتأول قوله وثمود فما أبقى ان ذلك انما وقع على الاكثر وعلى الجمهور الاكبر وهذا التأويل أخرجه من أبي عبيدة سوء الرأي في القوم وليس له ان يجيء الى خبر عام مرسل غير مقيد وخبر مطلق غير مستثنى منه فيجعله خاصا كالمستثنى منه وأي شيء بقي لطاعن أو متأول بعد قوله فهل ترى لهم من باقية فكيف يقول ذلك اذا كنا نحن قد نرى منهم في كل حي باقية معاذ الله من ذلك ورووا أن الحجاج قال يوما على المنبر يزعمون أنا من بقايا ثمود وقد قال الله تبارك وتعالى وثمود فما أبقى
فأما الامم البائدة من العجم مثل كنعان ويونان وأشباه ذلك فكثير ولكن العجم ليست لها عناية بحفظ شأن الاموات ولا الاحياء وقال المسيب بن علس في ذكر لقمان وإليك أعملت المطية من سهل العراق وأنت بالقفر أنت الرئيس اذا هم نزلوا وتوجهوا كالاسد والنمر لو كنت من شيء سوى بشر كنت المنور ليلة القدر ولأنت أجود بالعطاء من الريان لما جاد بالقطر ولأنت أشجع من أسامة اذ نقع الصراخ ولج في الذعر ولأنت أبين حين تنطق من لقمان لما عي بالامر وقال لبيد بن ربيعة الجعفري وأخلف قسا ليتني ولو انني وأعيي على لقمان حكم التدبر فان تسألينا كيف نحن فاننا عصافير من هذا الانام المسحر وقال امرؤ القيس أرانا موضعين لامر غيب ونسحر بالطعام وبالشراب وقال الفرزدق لئن حومتي صانت معد حياضها لقد كان لقمان بن عاد يهابها وقال آخر إذا ما مات ميت من تميم فسرك ان يعيش فجيء بزاد بخبز أو بلحم أو بتمر أو الشيء الملفف في البجاد تراه يطوف الآفاق حرصا ليأكل رأس لقمان بن عاد وقال أفنون التغلبي لو أنني كنت من عاد ومن إرم ربيب قيل ولقمان وذي جدن وقال آخر ما لذة العيش والفتى للدهر والدهر ذو فنون أهلك طسما وقبل طسم أهلك عادا وذا جدون وأهل جاسم ومأرب وحي لقمان والنقون واليسر للعسر والتغني للفقر والحي للمنون
قال وهم وان كانوا يحبون البيان والطلاقة والتحبير والبلاغة والتخلص والرشاقة فانهم كانوا يكرهون السلاطة والهذر والتكلف والاسهاب والاكثار لما في ذلك من التزيد والمباهاة واتباع الهوى والمنافسة في العلو والقدر وكانوا يكرهون الفضول في البلاغة لأن ذلك يدعو الى السلاطة والسلاطة تدعو الى البذاء وكل مراء في الارض فانما هو من نتاج الفضول ومن حصل كلامه وميزه وحاسب نفسه وخالف الاثم والذم أشفق من الضراوة وسوء العادة وخاف ثمرة العجب وهجنة القبح وما في حب السمعة من الفتنة وما في الرياء من مجانبة الاخلاص ولقد دعا عبادة بن الصامت بالطعام بكلام ظن انه ترك فيه المحاسبة فقال أوس بن شداد انه قد ترك فيه المحاسبة فاسترجع ثم قال ما تكلمت بكلمة منذ بايعت رسول الله الا مزمومة مخطومة قال ورووا عن حماد بن سلمة عن أبي حمزة عن ابراهيم قال إنما يهلك الناس في فضول الكلام وفضول المال وقال دع المعاذر فان أكثرها مفاجر وانما صارت المعاذر كذلك لانها داعية الى التخلص بكل شيء وقال سلام بن مطيع قال لي أيوب إياك وحفظ الحديث خوفا عليه من العجب وقال ابراهيم النخعي دع الاعتذار فانه يخالط الكذب قالوا ونظر شاب وهو في دار ابن سيرين الى فرش في داره فقال ما بال تلك الآجرة أرفع من تلك الآجرة الاخرى فقال ابن سيرين يا ابن اخي ان فضول النظر يدعو الى فضول القول وزعم ابراهيم بن السندي قال أخبرني من سمع عيسى بن علي يقول فضول النظر من فضول الخواطر وفضول النظر يدعو الى فضول القول وفضول القول يدعو الى فضول العمل ومن تعود فضول الكلام ثم تدارك استصلاح لسانه خرج من استكراه القول وان أبطأ أخرجه إبطاؤه الى اقبح من الفضول قال أبو عمرو بن العلاء أنكح ضرار بن عمرو الضبي ابنته معبد بن زرارة فلما اخرجها اليه قال لها يا بنية امسكي عليك الفضلين قالت وما الفضلان قال فضل الغلمة وفضل الكلام
وضرار بن عمرو هو الذي قال من سره بنوه ساءته نفسه وهو الذي لما قال له المنذر كيف تخلصت يوم كذا وكذا وما الذي نجاك قال تأخير الأجل واكراهي نفسي على المق الطوال وكان اخوته قد استشالوه حتى ركب فرسه ورفع عقيرته بعكاظ فقال ألا إن خير حائل أم ألا فزوجوا الامهات وذلك انه صرع بين القنا فانشل عليه اخوته لأمه حتى أنقذوه باب الصمت كان اعرابي يجالس الشعبي يطيل الصمت فسئل عن طول صمته فقال اسمع فأعلم واسكت فأسلم وقالوا لو كان الكلام من فضة لكان السكوت من ذهب وقالوا مقتل المرء بين لحييه وفكيه وأخذ ابو بكر الصديق رضي الله عنه بطرف لسانه وقال هذا الذي أوردني الموارد وقالوا ليس شيء احق بطول سجن من لسان وقالوا اللسان سبع عقور وقال النبي وهل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم الا حصائد ألسنتهم وقال ابن الاعرابي عن بعض أشياخه تكلم رجل عند النبي فخطل كلامه فقال النبي ما اعطى العبد شرا من طلاقة اللسان وقال العايشي وخالد بن خداش حدثنا مهدي بن ميمون عن غيلان بن جرير عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال قدمنا على رسول الله في وفد فقلنا يا رسول الله انت سيدنا وانت اطولنا علينا طولا وانت الجفنة الغراء فقال النبي ايها الناس قولوا بقولكم ولا يستفزنكم الشيطان فانما انا عبد الله ورسوله وقال خالد بن عبد الله القسري لعمر بن عبد العزيز رحمه الله من كانت الخلافة زانته فقد زنتها ومن شرفته فقد شرفتها فأنت كما قال الشاعر وتزيدين اطيب الطيب طيبا ان تمسيه اين مثلك أينا واذا الدر زان حسن وجوه كان للدر حسن وجهك زينا قال عمر ان صاحبكم أعطى مقولا ولم يعط معقولا وقال الشاعر
لسانك معسول ونفسك شحة ودون الثريا من صديقك مالكا وأخبرنا باسناد له ان ناسا قالوا لابن عمر ادع الله لنا بدعوات فقال اللهم ارحمنا وعافنا وارزقنا فقالوا لو زدتنا يا ابا عبد الرحمن قال نعوذ بالله من الاسهاب وقال ابو الاسود الدؤلي في ذكر الاسهاب يقولها في الحارث بن عبد الله ابن أبي ربيعة بن المغيرة والحارث هو القباع وكان خطيبا من وجوه قريش ورجالهم وإنما سمي القباع لانه اتى بمكتل لاهل المدينة فقال ان هذا المكتل لقباع فسمى به والقباع الواسع الرأس القصير وقال الفرزدق لجرير وقبلك ما أعييت كاسر عينه زيادا فلم تقدر علي حبائله فأقسمت لا آتيه تسعين حجة ولو كسرت عنق القباع وكاهله قال ابو الاسود امير المؤمنين جزيت خيرا أرحنا من قباع بني المغيرة بلوناه فلمناه فأعيا علينا ما يمر لنا مريرة على ان الفتى نكح اكول ومسهاب مذاهبه كثيره وقال الشاعر إياك إياك المراء فانه الى الشر دعاء وللصرم جالب وقال ابو العتاهية والصمت اجمل بالفتى من منطق في غير حينه كل امرى ء في نفسه اعلى وأشرف من قرينه وكان سهل بن هرون يقول سياسة البلاغة اشد من البلاغة كما ان التوقي على الدواء اشد من الدواء وكانوا يأمرون بالتبين والتثبت وبالتحرز من زلل الكلام ومن زلل الرأي ومن الرأي الدبري والرأي الدبري هو الذي يعرض من الصواب بعد مضي الرأي الاول وفوت استدراكه وكانوا يأمرون بالتحلم والتعلم وبالتقدم في ذلك اشد التقدم وقال الاحنف قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه تفقهوا قبل ان تسودوا وكان يقول رضي الله عنه السؤدد مع السواد وأنشدوا لكثير عزة وفي الحلم والإسلام للمرء وازع وفي ترك طاعات الفؤاد المتيم ألوت بأصبعها وقالت إنما يكفيك مما لا ترى ما قد ترى وأنشد إبدأ بنفسك فانهها عن غيها فاذا انتهت عنه فأنت حكيم فهناك تعذر ان وعظت ويقتدى بالقول منك ويقبل التعليم قالوا وكان الاحنف أشد الناس سلطانا على نفسه وكان الحسن أترك لما نهى عنه وقال الآخر لا تعذراني في الإساءة انه شر الرجال من يسيء فيعذر وقال الكميت بن زيد الاسدي ولم يقل بعد زلة لهم عند المعاذير إنما حسبوا وأنشد الاحوص بن محمد قامت تخاصرني بقنتها خود تأطر غادة بكر كل يرى ان الشباب له في كل مبلغ لذة عذر وقال جرير في فوت الرأي ولا يتقون الشر حتى يصيبهم ولا يعرفون الامر إلا تدبرا ومدح النابغة ناسا بخلاف هذه الصفة فقال ولا يحسبون الخير لا شر بعده ولا يحسبون الشر ضربة لازب وأنشد هفا هفوة كانت من المرء بدعة وما مثله عن مثلها بسليم فان يك أخطا في أخيكم فربما أصاب التي فيها صلاح تميم وقال قائل عند يزيد بن عمر بن هبيرة والله ما أتى الحارث بن شريح بيوم خير قط فقال له الترجمان بن هزيم إلا يكن أتى بيوم خير فقد أتى بيوم شر وذهب الترجمان بن هزيم الى مثل معنى قول الشاعر وما خلقت بنو زمان الا اخيرا بعد خلق الناس طرا وما فعلت بنو زمان خيرا ولا فعلت بنو زمان شرا ومن هذا الجنس من الاحاديث وهو يدخل في باب الملح قال الاصمعي وصلت بالعلم ونلت بالملح قال رجل مرة أبي الذي قاد الجيوش وفتح الفتوح وخرج على الملوك واغتصب المنابر فقال له رجل من القوم لا جرم لقد أسر وقتل وصلب فقال له المفتخر بأبيه دعني من أسر أبي وقتله وصلبه أبوك أنت حدث نفسه بشيء من هذا قط قد سمعنا رواية القوم واحتجاجهم وأنا اوصيك ان لا تدع التماس البيان والتبيين ان ظننت ان لك فيهما طبيعة وانهما يناسبانك بعض المناسبة ويشاكلانك في بعض المشاكلة ولا تهمل طبيعتك فيستولي الاهمال على قوة القريحة ويستبد بها سوء العادة وان كنت ذا بيان وأحسست من نفسك بالنفوذ في الخطابة والبلاغة وبقوة المنة يوم الحفل فلا تقصر في التماس اعلاها سورة وأرفعها في البيان منزلة ولا يقطعنك تهييب الجلاء وتخويف الجبناء ولا تصرفنك الروايات المعدولة عن وجوهها والاحاديث المتناولة على أقبح مخارجها وكيف تطيعهم بهذه الروايات المعدولة والاخبار المدخولة وبهذا الرأي الذي ابتدعوه من قبل أنفسهم وقد سمعت الله تبارك وتعالى ذكر داود النبي صلوات الله عليه فقال واذكر عبدنا داود ذا الأيدي انه أواب الى قوله وفصل الخطاب فجمع له بالحكمة البراعة في العقل والرجاحة في الحلم والاتساع في العلم والصواب في الحكم وجمع له بفصل الخطاب تفصيل المجمل وتخليص الملتبس والبصر بالحز في موضع الحز والحسم في موصع الحسم وذكر رسول الله شعيبا النبي عليه السلام فقال كان شعيب خطيب الانبياء وذلك عند بعض ما حكاه الله عنه في كتابه وحلاه لاسماع عباده فكيف تهاب منزلة الخطباء وداود عليه السلام سلفك وشعيب أمامك مع ما تلونا عليك في صدر هذا الكتاب من القران الحكيم والاي الكريم وهذه خطب رسول الله مدونة محفوظة ومخلدة مشهورة وهذه خطب ابي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وقد كان لرسول الله شعراء ينافحون عنه وعن اصحابه بأمره وكان ثابت بن قيس بن الشماس الانصاري خطيب رسول الله لا يدفع ذلك أحد فأما ما ذكرتم من الاسهاب والتكلف والخطل والتزيد فانما يخرج الى الاسهاب المتكلف والى الخطل المتزيد فاما أرباب الكلام ورؤساء أهل البيان والمطبوعون المعاودون وأصحاب التحصيل والمحاسبة والتوقي والشفقة والذين يتكلمون في صلاح ذات البين وفي اطفاء نائرة أو في حمالة أو على منبر جماعة أو في عقد املاك بين مسلم ومسلمة فكيف يكون كلام هولاء يدعون الى السلاطة والمراء والى الهذر والبذاء والى النفج والرياء ولو كان هذا كما يقولون لكان علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما اكثر الناس فيما ذكرتم فلم خطب صعصعة ابن صوحان عند علي بن أبي طالب وقد كان ينبغي للحسن البصري ان يكون أحق التابعين بما ذكرتمم قال الاصمعي قيل لسعيد بن المسيب ههنا قوم نساك يعيبون إنشاد الشعر قال نسكوا نسكا أعجميا وزعمتم ان رسول الله قال شعبتان من شعب النفاق البذاء والبيان وشعبتان من شعب الايمان الحياء والعي ونحن نعوذ بالله من العي ونعوذ بالله ان يكون القران يحث على البيان ورسول الله يحث على العي ونعوذ بالله ان يجمع رسول الله بين البذاء والبيان وانما وقع النهي على كل شيء جاوز المقدار ووقع اسم العي على كل شيء قصر عن المقدار فالعي مذموم والخطل مذموم ودين الله تبارك وتعالى بين المقصر والغالي وههنا روايات كثيرة مدخولة وأحاديث معلولة ورووا ان رجلا مدح الحياء عند الاحنف وان الاحنف قال يم يعود ذلك ضعفا والخير لا يكون سببا للشر ولكنا نقول ان الحياء اسم لمقدار من المقادير ما زاد على ذلك المقدار فسمه ما احببت وكذلك الجود اسم لمقدار من المقادير فالسرف اسم لما فضل عن ذلك المقدار وللحزم مقدار فالجبن اسم لما فضل عن ذلك المقدار وللاقتصاد مقدار فالبخل اسم لما خرج عن ذلك المقدار وللشجاعة مقدار فالتهور والخور اسم لما جاوز ذلك المقدار وهذه الاحاديث ليست لعامتها أسانيد متصلة فان وجدتها متصلة لم تجدها محمودة واكثرها جاءت مطلقة ليس لها حامل محمود ولا مذموم فاذا كانت الكلمة حسنة استمتعنا بها على قدر ما فيها من الحسن فان اردت ان تتكلف هذه الصناعة وتنسب الى هذا الادب فقرضت قصيدة أو حبرت خطبة أو ألفت رسالة فاياك ان تدعوك ثقتك بنفسك ويدعوك عجبك بثمرة عقلك الى ان تنتحله وتدعيه ولكن اعرضه على العلماء في عرض رسائل أو أشعار اوخطب فان رأيت الاسماع تصغي له والعيون تحدج اليه ورأيت من يطلبه ويستحسنه فانتحله فان كان ذلك في ابتداء أمرك وفي اول تكلفك فلم تر له طالبا ولا مستحسنا فلعله ان يكون ما دام ريضا فضيبا تعنيسا ان يحل عندهم محل المتروك فان عاودت أمثال ذلك مرارا فوجدت الاسماع عنه منصرفة والقلوب لاهية فخد في غير هذه الصناعة واجعل رائدك الذي لا يكذبك حرصهم عليه أو زهدهم فيه وقال الشاعر ان الحديث تغر القوم خلوته حتى يلح بهم عي وإكثار وفي المثل المضروب كل مجر في الخلا مسر ولم يقولوا مسرور وكل صواب فلا تثق في كلامك برأي نفسك فأني ربما رأيت الرجل متماسكا وفوق المتماسك حتى اذا صار الى رأيه في شعره وفي كلامه وفي ابنه رأيته متهافتا وفوق المتهافت وكان زهير بن أبي سلمى وهو احد الثلاثة المتقدمين يسمي كبار قصائده الحوليات وقال نوح بن جرير قال الحطيئة خير الشعر الحولي المنقح وقال البعيث الشاعر وكان اخطب الناس اني والله ما أرسل الكلام قضيبا خشبيا وما أريد ان اخطب يوم الحفل الا بالبائت المحكك وكنت أظن ان قولهم محكك كلمة مولدة حتى سمعت قول الصعب بن علي الكناني أبلغ فزارة ان الذئب آكلها وجائع سغب شر من الذيب أدل اطلس ذو نفس محككة قد كان طار زمانا في اليعاسيب وتكلم يزيد بن أبان الرقاشي ثم تكلم الحسن واعرابيان حاضران فقال احدهما لصاحبه كيف رأيت الرجلين قال اما الاول فقاص مجيد واما الآخر فعربي محكك ونظر أعرابي الى الحسن فقال له رجل كيف تراه قال أرى خيشوم حر وأرادوا عبد الله بن وهب الراسبي على الكلام يوم عقدت له الخوارج الرياسة فقال وما انا والرأي الفطير والكلام القضيب ولما فرغوا من البيعة له قال دعوا الرأي يغب فان غبوبه يكشف لكم عن محضه وقيل لابن التوأم الرقاشي تكلم فقال ما أشتهى الخبز الا بائتا وقال عبيد الله بن سالم لرؤبة مت يا أبا الجحاف اذا شئت قال وكيف ذلك قال رأيت اليوم عقبة بن رؤبة ينشد شعرا له أعجبني فقال رؤبة نعم انه ليقول ولكن ليس لشعره قران وقال الشاعر مهاذبة مناجبة قران منادبة كأنهم الاسود وقال عمر بن لجاء لبعض الشعراء أنا أشعر منك قال وبم ذاك قال لاني أقول البيت وأخاه وتقول البيت وابن عمه وذكر بعضهم شعر النابغة الجعدي فقال مطرف بالاف وخمار بواف وكان الاصمعي يفضله من أجل ذلك وكان يقول الحطيئة عبد لشعره عاب شعره حين وجده كله متخيرا منتخبا مستويا لمكان الصنعة والتكلف والقيام عليه وقالوا لو كان شعر صالح بن عبد القدوس وسابق البربري كان مفرقا في أشعار كثيرة لصارت تلك الاشعار أرفع مما هي عليه بطبقات ولصار شعرهما نوادر سائرة في الافاق ولكن القصيدة اذا كانت كلها أمثالا لم تسر ولم تجر مجرى النوادر ومتى لم يخرج السامع من شيء الى شيء لم يكن لذلك النظام عنده موقع وقال بعض الشعراء لرجل انا اقول في كل ساعة قصيدة وأنت تقرضها في كل شهر فلم ذلك قال لاني لا اقبل من شيطاني مثل الذي تقبله من شيطانك قالوا وانشد عقبة بن رؤبة اباه رؤبة بن العجاج شعرا وقال له كيف تراه قال له يا بني ان أباك ليعرض له مثل هذا يمينا وشمالا فما يلتفت اليه وقد رووا ذلك في زهير وابنه كعب وقيل لعقيل بن علفة لم لا تطيل الهجاء قال يكفيك من القلادة ما أحاط بالعنق وقيل لابي المهوس لم لا تطيل الهجاء قال لم اجد المثل النادر الا بيتا واحدا ولم أجد الشعر السائر الا بيتا واحدا وقال مسلمة بن عبد الملك لنصيب يا أبا الحجناء اما تحسن الهجاء قال أما تراني أحسن مكان عافاك الله لا عافاك الله ولاموا الكميت بن زيد على الاطالة فقال انا على القصار اقدر وقيل للعجاج ما لك لا تحسن الهجاء قال هل في الارض صانع الا وهو على الافساد أقدر وقال رؤبة الهدم أسرع من البناء وهذه الحجج التي ذكروها عن نصيب والكميت والعجاج ورؤبة إنما ذكروها على وجه الاحتجاج لهم وهذا منهم جهل ان كانت هذه الاخبار صادقة وقد يكون الرجل له طبيعة في الحساب وليس له طبيعة في الكلام ويكون له طبيعة في التجارة وليس له طبيعة في الفلاحة ويكون له طبيعة في الحداء أو في التعبير أو في القراءة بالألحان وليس له طبيعة في الغناء وان كانت هذه الانواع كلها ترجع الى تأليف اللحون ويكون له طبيعة في الناي وليس له طبيعة في السرناي ويكون له طبيعة في قصبة الراعي ولا يكون له طبيعة في القصبتين المضمومتين ويكون له طبع في صناعة اللحون ولا يكون له طبع في غيرها ويكون له طبع في تأليف الرسائل والخطب والاسجاع ولا يكون له طبع في قرض بيت شعر ومثل هذا كثير جدا وكان عبد الحميد الاكبر وابن المقفع مع بلاغة أقلامهما وألسنتهما لا يستطيعان من الشعر الا ما لا يذكر مثله وقيل لابن المقفع في ذلك فقال الذي ارضاه لا يجيئني والذي يجيئني لا أرضاه وهذا الفرزدق وكان مشتهرا بالنساء وكان زير غوان وهو في ذلك ليس له بيت واحد في النسيب مذكور ومع حسده لجرير وجرير عفيف لم يعشق امرأة قط وهو مع ذلك أغزل الناس شعرا وفي الشعراء من لا يستطيع مجاوزة القصيد الى الرجز ومنهم من لا يستطيع مجاوزة الرجز الى القصيدة ومنهم من يجمعها كجرير وعمر بن لجاء وأبي النجم وحميد الارقط والعماني وليس الفرزدق في طواله بأشعر منه في قصاره وفي الشعراء من يخطب وفيهم من لا يستطيع الخطابة وكذلك حال الخطباء في قرض الشعر وشاعر نفسه قد تختلف حالاته وقال الفرزدق انا عند الناس أشعر الناس وربما مرت علي ساعة ونزع ضرسي أهون علي من ان أقول بيتا واحدا وقال العجاج لقد قلت أرجوزتي التي أولها بكيت والمحتزن البكي وإنما يأتي الصبا الصبي أطربا وأنت قنسري والدهر بالانسان دوري وأنا بالرمل فانثالت علي قوافيها انثيالا وأني لا أريد اليوم دونها في الايام الكثيرة فما أقدر عليه وقال لي أبو يعقوب الخزيمي خرجت من منزلي أريد الشماسية فابتدأت القول في مرثية لأبي التختاخ فرجعت والله وما امكنني بيت واحد وقال الشاعر وقد يقرض الشعر البكيء لسانه وتعيي القوافي المرء وهو خطيب
بسم الله الرحمن الرحيم
باب من القول في القوافي الظاهرة واللفظ الموجز من ملتقطات كلام النساك
قال بعض الناس من التوقي ترك الافراط في التوقي وقال بعضهم اذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون وقال الشاعر قدر الله وارد حين يقضى وروده فأرد ما يكون إن لم يكن ما تريده وقيل لأعرابي في شكاته كيف تجدك قال أجد ما لا أشتهي وأشتهي ما لا أجد وأنا في زمان من جاد لم يجد ومن وجد لم يجد وقال بعض النساك أنا لما لا أرجو أرجى مني لما أرجو وقال بعضهم أعجب من العجب ترك التعجب من العجب وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله لعبد بني مخزوم أني أخاف الله فيما تقلدت قال لست أخاف عليك ان تخاف وإنما أخاف عليك أن لا تخاف وقال الاحنف لمعاوية أخافك إن صدقتك وأخاف الله إن كذبتك وقال رجل من النساك لصاحب له وهو يجود بنفسه اما ذنوبي فاني أرجو لها مغفرة الله ولكني اخاف على بناتي الضيعة فقال له صاحبه فالذي ترجوه لمغفرة ذنوبك فارجه لحفظ بناتك وقال رجل من النساك لصاحب له مالي أراك حزينا قال كان عندي يتيم أربيه لأوجر فيه فمات فانقطع عنا أجره إذ بطل قيامنا بمؤونته فقال له صاحبه فاجتلب يتيما اخر يقوم لك مقام الاول قال أخاف ان لا أصيب يتيما في سوء خلقه قال له صاحبه اما انا فلو كنت في موضعك معه لا ذكرت سوء خلقه وقال اخر وسمعه ابو هريرة النحوي وهو يقول ما يمنعني من تعلم القران الا اني أخاف ان أضيعه قال اما انت فقد عجلت له التضييع ولعلك اذا تعلمته لم تضيعه وقال عمر ابن عبد العزيز لرجل من سيد قومك قال انا قال لوكنت كذلك لم تقل
باب آخر في حسن البيان
وقالوا في حسن البيان وفي التخلص من الخصم بالحق والباطل وفي تخليص الحق من الباطل وفي الاقرار بالحق وفي ترك الفخر بالباطل قال اعرابي وذكر حماس بن ثامل برئت الى الرحمن من كل صاحب أصاحبه إلا حماس بن ثامل وظني به بين السماطين أنه سينجو بحق أو سينجو بباطل وقال العجير السلولي وإن ابن زيد لا بن عمي وإنه لبلال أيدي جلة الشول بالدم طلوع الثنايا بالمطايا وإنه غداة المرادى للخطيب المقدم يسرك مظلوما ويرضيك ظالما ويكفيك ما حملته حين تغرم وقال ابن ربع الهذلي أعيني ألا فابكي رقيبة انه وصول لأرحام ومعطاء لسائل فأقسم لو أدركته لحميته وان كان لم يترك مقالا لقائل وقال بعض اليهود وهو الربيع بن أبي الحقيق من بني النضير وبعثه رسول الله الى خيبر فقتلوه سائل بنا خابر أكفائنا والعلم قد يلفى لدى السائل إنا اذا مالت دواعي الهوى وأنصت السامع للقائل واصطرع الناس بألبابهم نقضي بحكم عادل فاصل لا نجعل الباطل حقا ولا نلط دون الحق بالباطل نكره أن تسفه احلامنا فنخمل الدهر مع الخامل وقال الاخر وذكر حماسا ايضا أتاني حماس بابن ما هي يسوقه ليبغيه خيرا وليس بفاعل ليعطي عبسا مالنا وصدورنا من الغيظ تغلي مثل غلي المراجل وقافية قيلت لكم لم أجد لها جوابا اذا لم تضربوا بالمناصل فأنطق في حق بحق ولم يكن ليرحض عنكم قالة الخزي باطلي وقال عمرو بن معد يكرب فلو أن قومي أنطقتني رماحهم نطقت ولكن الرماح أجرت
وقال ابو عبيدة صاح رؤبة في بعض الحروب التي كانت بين تميم والازد يا معشر بني تميم أطلقوا من لساني قال أبصر رجلا منهم قد طعن فارسا طعنة فصاح لاعيا ولا شللا والعرب تقول عي أبأس من شلل كأن العي فوق كل زمانه وقالت الجهضمية ألا هلك الحلو الحلال الحلاحل ومن عنده علم وحلم ونائل وذوخطب يوما اذا القوم افحموا تصيب مرادي قوله ما يحاول بصير بعورات الكلام اذا التقى شريجان بين القوم حق وباطل أتي لما يأتي الكريم بسيفه وان أسلمته جنده والقبائل وليس بمعطاء الظلامة عن يد ولا دون أعلى سورة المجد قابل وأنشد ابو عبيدة في الخطيب يطول كلامه ويكون ذكورا لأول خطبته وللذي بنى عليه أمره وان شغب شاغب فقطع عليه كلامه أو حدث عند ذلك حدث يحتاج فيه الى تدبير اخر وصل الثاني من كلامه بالاول حتى لا يكون أحد كلاميه أجود من الآخر فان أحدثوا شغبا يقطع نظمها فانك وصال لما قطع الشغب ولو كنت نساجا سدوت خطابها بقول كطعم الشهد بالبارد العذب وقال نصيب وما بذلت ابتذال الثوب ودكم وعائد خلقا ما كان يبتذل وعلمك الشيء تهوى ان تبينه أشفى بقلبك من أخبار من تسل وقال الاخر لعمرك ماود اللسان بنافع اذا لم يكن أصل المودة في الصدر وقال الآخر تعلم فليس المرء يولد عالما وليس أخو علم كمن هو جاهل وان كبير القوم لا علم عنده صغير اذا التفت عليه المحافل وقال الآخر فتى مثل صفو الماء ليس بباخل عليك ولا مهد ملاما لباخل ولا قائل عوراء تؤذي رفيقه ولا رافع رأسا بعوراء قائل ولا مسلم مولى لأمر يصيبه ولا خالط حقا مصيبا بباطل ولا رافع أحدوثة السوء معجبا بها بين أيدي المجلس المتقابل ترى أهله في نعمة وهو شاحب طوي البطن مخماص الضحى والاصائل وقالت أخت يزيد بن الطثرية أرى الأثل من بطن العقيق مجاوري قريبا وقد غالت يزيد غوائله فتى قد قد السيف لا متضائل ولا رهل لباته وبآدله فتى لا يرى خرق القميص بخصره ولكنما توهي القميص كواهله اذا نزل الاضياف كان عذورا على الحي حتى تستقل مراجله مضى فورثناه دريس مفاضه وأبيض هنديا طويلا حمائلة يسرك مظلوما ويرضيك ظالما وكل الذي حملته فهو حامله أخو الجد ان جد الرجال وشمروا وذو باطل ان شئت ألهاك باطله باب شعر وغير ذلك من الكلام مما يدخل في باب الخطب قال الشاعر عجبت لأقوام يعيبون خطبتي وما منهم في موقف بخطيب وقال الآخر ان الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا لا يعجبنك من خطيب قوله حتى يكون مع اللسان أصيلا وأنشد الاخر أبر فما يزداد إلا حماقة ونوكا وإن كانت كثيرا مخارجه قد يكون رديء العقل جيد اللسان وكان ابو العباس الاعمى يقول اذا وصف الاسلام أحسن وصفه بفيه ويأبى قلبه ويهاجره وان قام قال الحق ما دام قائما تقي اللسان كافر بعد سائره يقول انه يتيه عن قوله ويأباه ويهجره ويقول الحق على منبره بلسانه وسائره كافر وقال قيس بن عاصم المنقري يذكر ما في بني منقر من الخطابة إني امرؤ لا يعتري خلقي دنس يفنده ولا أفن من منقر في بيت مكرمة والأصيل ينبت حوله الغصن خطباء حين يقوم قائلهم بيض الوجوه مصاقع لسن لا يفطنون لعيب جارهم وهم لحسن جوارهم فطن من هذا الباب وليس منه في الجملة قول الآخر أشارت بطرف العين خيفة أهلها إشارة مذعور ولم تتكلم فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبا وأهلا وسهلا بالحبيب المسلم وقال نصيب يقول فيحسن القول ابن ليلى ويفعل فوق أحسن ما يقول وقال اخر ألا رب خم ذي فنون علوته وان كان ألوى يشبه الحق باطله فهذا هو معنى قول العتابي البلاغة إظهار ما غمض من الحق وتصوير الباطل في صورة الحق وقال الشاعر وهو كما قال عجبت لإدلال العيي بنفسه وصمت الذي قد كان بالقول أعلما وفي الصمت ستر للعيي وإنما صحيفة لب المرء ان يتكلما وموضع الصحيفة من هذا البيت موضع ذكر العنوان في شعره الذي رثى به عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه يقول ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحا وقرآنا وأنشد أيضا ترى الفتيان كالنخل وما يدريك ما الدخل وكل في الهوى ليث وفيما نابه فسل وليس الشأن في الوصل ولكن ان يرى الفضل وقال كسرى أنو شروان لبزرجمهر أي الاشياء خير للمرء العيي قال عقل يعيش به قال فان لم يكن له عقل قال فاخوان يسترون عليه قال فان لم يكن له اخوان قال فمال يتحبب به الى الناس قال فان لم يكن له مال قال فعي صامت قال فان لم يكن ذلك قال فموت مريح وقال موسى بن يحيى بن خالد قال ابو علي رسائل المرء في كتبه أدل على مقدار عقله وأصدق شاهد على غيبه لك ومعناه فيك من أضعاف ذلك على المشافهة و المواجهة
باب آخر
ووصفوا كلامهم في أشعارهم فجعلوه كبرود العصب وكالحلل والمعاطف والديباج والوشي وأشباه ذلك وأنشدني أبو الجماهر جندب بن مدرك الهلالي لا يشترى الحمد امنية ولا يشترى الحمد بالمقصر ولكنما يشترى غاليا فمن يعط قيمته يشتر وممن يعتطف على مئزر فنعم الرداء على المئزر وأنشدني لابن ميادة نعم أنني مهد ثناء ومدحة كبرد يمان يربح البيع تاجره وأنشدني فان أهلك فقد أبقيت بعدي قوافي تعجب المتمئلينا لذيذات المقاطع محكمات لو ان الشعر يلبس لارتدينا وقال ابو قردودة يرثي ابن عمار قتيل النعمان ووصف كلامه وقد كان نهاه عن منادمته اني نهيت ابن عمار وقلت له لا تأمنن أحمر العينين والشعره إن الملوك متى تنزل بساحتهم تطر بنارك من نيرانهم شرره يا جفنة كإزاء الحوض قد هدموا ومنطقا مثل وشي اليمنة الحبره وقال الشاعر في مديح احمد بن ابي دؤاد وعويص من الامور بهيم غامض الشخص مظلم مستور قد تسهلت ما توعر منه بلسان يزينه التحبير مثل وشي البرود هلهله النسج وعند الحجاج در نثير حسن الصمت والمقاطع إما أنصت القوم والحديث يدور ثم من بعد لحظة تورث اليسر وعرض مهذب موفور مما يضم الى هذا وليس منه بعينه قول جميل بن معمر نمت في الروابي من معد وأفلجت على الخفرات الغر وهي وريد أناة على نيرين اضحى لداتها بلين بلاء الريط وهي جديد ومن هذا الشكل وليس منه بعينه قول الشاعر
على كل ذي نيرين زيد محاله محالا وفي أضلاعه زيد أضلعا وقال ابو يعقوب الخزيمي الاعور أول شعر قلته هذان البيتان بقلبي سقام لست أحسن وصفه على أنه ما كان فهو شديد تمر به الأيام تسحب ذيلها فتبلى له الأيام وهو جديد وقال آخر وهو ابو الاسود الدؤلي أبي القلب إلا ام عمرو وحبها عجوزا ومن يحبب عجوزا يفند كبرد اليماني قد تقادم عهده ورقعته ما شئت في العين واليد وقال ابن هرمة إن الأديم الذي أصبحت تعركه جهلا لذو نغل باد وذو حلم ولن يبط بأيدي الخالقين ولا أيدي الخوالق إلا جيد الأدم وفي غير هذا الباب وهو قريب منه قول ذي الرمة في قعر حجر من ذؤابة عامر إمام هدى مستبصر الحكم عادله كأن على أعطافه ماء مذهب اذا سمل السربال طارت رعابله وهو الذي يقول حوراء في دعج صفراء في نعج كأنها فضة قد مستها ذهب وقال الاعشى بيضاء ضحونها وصفراء العشية كالعراره وقال اخر قد علمت بيضاء صفراء الأصل لأغنين اليوم ما أغنى رجل وقال بشار بن برد وخذي ملابس زينة ومصبغات فهي أفخر واذا دخلت تقنعي بالحمر ان الحسن أحمر وهذان أعميان قد اهتديا من حقائق هذا الامر الى مالا يبلغه تمييز البصير ولبشار خاصة في هذا الباب ما ليس لاحد ولولا انه في كتاب الرجل والمرأة وفي باب القول في الانسان في كتاب الحيوان أليق وأذكى لذكرناه في هذا الموضع ومما ذكروا فيه الوزن قوله زني ألقوم حتى تعرفي عند وزنهم اذا رفع الميزان كيف أميل
وقال ابن الزبير الأسدي أعاذل غضي بعض لومك إنني أرى الموت لا يرضى بدين ولا رهن وإني أرى دهرا تغير صرفه ودنيا أراها لا تقوم على وزن باب آخر ويذكرون الكلام الموزون ويمدحون به ويفضلون اصابة المقادير ويذمون الخروج من التبويل قال جعفر بن سليمان ليس يطيب الطعام بكثرة الانفاق وجودة التوابل وانما الشأن في اصابة القدر وقال الشاعر وهو عارق بن أثال الطائي ما ان يزال ببغداد يزاحمنا على البراذين أشباه البراذين اعطاهم الله أموالا ومنزلة من الملوك بلا عقل ولا دين ما شئت من بغلة شقراء ناجية أو من أثاث وقول غير موزون وأنشد بعض الشعراء رأت رجلا أودى السفار بجسمه فلم يبق إلا منطق وحناجن اذا حسرت عنه العمامة راعها جميل الخفوق أغفلته الدواهن فإن أك معروق العظام فانني اذا ما وزنت القوم بالقوم وازن قال مالك بن أسماء في بعض نسائه وكانت تصيب الكلام كثيرا وربما لحنت أمغطى مني على بصري للحب أم انت أكمل الناس حسنا وحديث ألذة هو مما ينعت الناعتون يوزن وزنا منطق عاقل وتلحن أحيانا وخير الحديث ما كان لحنا وقال طرفه في المقدار وإصابته فسقى ديارك غير مفسدها صوب الربيع وديمة تهمي طلب الغيث على قدر الحاجة لان الفاضل ضار وقال النبي في دعائه اللهم اسقنا سقيا نافعا لان المطر ربما جاء في غير إبان الزراعات وربما جاء والتمر في الجرن والطعام في البيادر وربما كان في الكثرة مجاوزا لمقدار الحاجة وقال النبي اللهم حوالينا ولا علينا وقال بعض الشعراء لصاحبه أنا أشعر منك قال ولم قال لاني أقول البيت وأخاه وتقول البيت
وابن عمه وعاب رؤبة شعر ابنه عقبة فقال ليس له قران وجعل البيت أخا البيت اذا أشبه وكان حقه ان يوضع الى جنبه وعلى ذلك التأويل قال الاعشى أبا مسمع أقصر فان قصيدة متى تأتكم تلحق بها اخواتها قال الله عز وجل وما نريهم من آية إلا هي اكبر من اختها وقال عمرو بن معد يكرب وكل أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان وقالوا فيماهو ابعد معنى وأقل لفظا قال الهذلي أعامر لا الوك إلا مهندا وجلد أبي عجل وثيق القبائل وقالوا ما هو أبعد من هذا قال ابن عسلة الشيباني واسمه عبد المسيح وسماع مدجنة تعللنا حتى ننام تناوم العجم فصحوت والنمري يحسبها عم السماك وخالة النجم وقال أبو النجم فيما هو أبعد من هذا ووصف العير والمعيور الموضع الذي يكون فيه الأعيار وظل يوفي الأكم ابن خالها فهذا مما يدل على توسعهم في الكلام وحمل بعضه على بعض واشتقاق بعضه من بعض وقال النبي نعمت العمة لكم النخلة كأن بينها وبين الانسان تشابه وتشاكل من وجوه وقد ذكرنا ذلك في كتاب الزرع والنخل وفي مثل ذلك قال بعض الفصحاء شهدت بأن النمر بالزبد طيب وأن الحبارى خالة الكروان باب آخر من الشعر مما قالوا في الخطب واللسن والامتداح به والمديح عليه قال كعب الاشقري إلا أكن في الارض أخطب قائما فإني على ظهر الكميت خطيب وقال ثابت قطنة فإلا أكن فيكم خطيبا فإنني بسمر القنا والسيف جد لعوب وقالت ليلى الاخيلية
حتى اذا رفع اللواء رأيته تحت اللواء على الخميس زعيما وقال الاخر عجبت لأقوام يعيبون خطبتي وما منهم في مأقط بخطيب وقال دريد بن الصمة أبلغ نعيما وأوفى ان لقيتهما ان لم يكن كان في سمعيهما صمم فلا يزال شهاب يستضاء به يهدي المقانب ما لم يهلك الصمم عاري الأشاجع معصوب بلمته أمر الزعامة في عرنينه شمم وقال أبو العباس الاعمى مولى بني بكر بن عبد مناف في بني عبد شمس ليت شعري أفاح رائحة المسك ما إن اخال بالخيف أنسي حين غابت بنو أمية عنه والبهاليل من بني عبد شمس خطباء على المنابر فرسان عليها وقالة غير خرس لا يعابون صامتين وان قالوا أصابوا ولم يقولوا بلبس بحلوم اذا الحلوم استخفت ووجوه مثل الدنانير ملس وقال العجاج وحاصن من حاصنات ملس من الأذى ومن قراف الوقس وقال امرؤ القيس بن حجر ويارب يوم قد أروح مرجلا حبيبا الى البيض الكواعب أملسا وقال أبو العباس الاعمى ولم أر حيا مثل حي نحملوا الى الشام مظلومين منذ بريت أعز وأمضى حين تشتجر القنا وأعلم بالمسكين حيث يبيت وأرفق بالدنيا بأولى سياسة اذا كاد امر المسلمين يفوت اذا مات منهم سيد قام سيد بصبر بعورات الكلام زميت وقال آخر لا يغسل العرض من تدنسه والثوب إن مس مدنسا غسلا وزلة الرجل تستقال ولا يكاد رأي يقيلك الزللا وقال اخر في الزلل ألهفي اذا عصيت أبا يزيد ولهفي اذ أطعت أبا العلاء
كانت هفوة من غير ريح وكانت زلة من غير ماء وقال آخر فانك لم ينذرك أمر تخافه اذا كنت فيه جاهلا مثل خابر وقال ابن وابصة واسمه سالم في مقام قام فيه مع ناس من الخطباء يا أيها المتحلي غير شيمته ومن سجيته الاكثار والملق أعمد الى القصد فيما انت راكبه ان التخلق يأتي دونه الخلق صدت هنيدة لما جئت زائرها عني بمطروفة انسانها غرق وراعها الشيب في رأسي فقلت لها كذاك يصفر بعد الخضرة الورق بل موقف مثل حد السيف قمت به أحمي الذمار وترميني به الحدق فما زللت ولا ألفيت ذا خطل اذا الرجال على أمثالها زلقوا وأنشد أعرابي من باهلة سأعمل نص العيس حتى يكفني غنى المال يوما أو غنى الحدثان فللموت خير من حياة يرى لها على الحر بالإقلال وسم هوان متى يتكلم يلغ حكم كلامه وان لم يقل قالوا عديم بيان كأن الغنى في أهله بورك الغنى بغير لسان ناطق بلسان وفي مثلها في بعض الوجوه قول عروة بن الورد ذريني للغنى أسعى فاني رأيت الناس شرهم الفقير وأهونهم وأحقرهم لديهم وان أمسى له نسب وخير ويقصى في الندي وتزدريه حليلته وينهره الصغير ويلفى ذو الغنى وله جلال يكاد فؤاد صاحبه يطير قليل ذنبه والذنب جم ولكن للغنى رب غفور وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنه الهوى إله معبود وتلا قوله عز وجل أفرأيت من اتخد إلهه هواه وأضله الله على علم وقال ابو الاعور سعيد بن زيد بن عمرو بن تفيل تلك عرساي تنطقان على عمد إلى اليوم قول زور وهتر سألتاني الطلاق ان رأنا ما لي قليلا قد جئتماني بنكر فلعلي ان يكثر المال عندي ويعرى من المغارم ظهري
وترى أعبد لنا وأواق ومناصيف من خوادم عشر وتجر الأذيال في نعمة زول تقولان ضع عصاك لدهر ويكأن من يكن له نشب يحبب ومن يفتقر يعش عيش ضر ويجنب سر النجي ولكن أخا المال محضر كل سر قال عبيد بن الابرص في نحو هذا وليس كمثله تلك عرسي غضبى تريد زيالي ألبين تريد أم لدلال ان يكن طلبك الفراق فلا أحفل ان تعطفي صدور الجمال كنت بيضاء كالمهاة وإذ آتيك نشوان مرخيا أذيالي فاتركي مط حاجبيك وعيشي معنا بالرجاء والتأمال زعمت أنني كبرت وأني قل مالي وضن عني الموالي وصحا باطلي وأصبحت شيخا لا يواتي امثالها امثالي ان تريني تغير الرأس مني وعلا الشيب مفرقي وقذالي بينما أدخل الخباء على مهضومة الكشح طفلة كالغزال فتعاطيت جيدها ثم مالت ميلان الكثيب بين الرمال ثم قالت فدى لنفسك نفسي وفداء لمال أهلك مالي وخرج عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه من داره يوما وقد جاء عامر ابن عبد قيس فقعد في دهليزه فلما رأى شيخا دميما أشغى ثطا في عباءة فأنكره وانكر مكانه فقال يا اعرابي اين ربك قال بالمرصاد يقال ان عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه لم يفحمه احد قط غير عامر بن عبد قيس ونظر معاوية الى النخار بن أوس العذري الخطيب الناسب في عباءة في ناحية من مجلسه فأنكره وانكر مكانه زراية منه عليه فقال من هذا فقال النخار يا أمير المؤمنين ان العباءة لا تكلمك انما يكلمك من فيها قال ونظر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الى هرم بن قطبة ملتفا في بت في ناحية المسجد ورأى دمامته وقلته وعرف تقديم العرب له في الحكم والعلم فأحب ان يكشفه ويسبر ما عنده فقال أرأيت لو تنافرا اليك اليوم أيهما كنت تنفر يعني علقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل فقال يا امير المؤمنين لو قلت فيهما كلمة لأعدتها جذعة فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لهذا العقل تحاكمت اليك العرب ونظر عمر الى الأحنف وعنده الوفد والأحنف ملتف في بت له فترك جميع القوم واستنطقه فلما تبعق منه ما تعبق وتكلم بذلك الكلام البليغ المصيب وذهب ذلك المذهب لم يزل عنده في علياء ثم صار الى ان عقد له الرياسة ثابتا له ذلك الى ان فارق الدنيا ونظر النعمان بن المنذر الى ضمرة بن ضمرة فلما رأى دمامته وقلته قال تسمع بالمعيدي لا ان تراه هكذا تقول العرب فقال ضمرة أبيت اللعن ان الرجال لا تكال بالقفزان وانما المرء بأصغريه لا لسانه وقلبه وكان ضمرة خطيبا وكان فارسا شاعرا شريفا سيدا وكان لرمق بن زيد مدح أبا جبيلة الغساني وكان الرمق دميما قصيرا فلما أنشده وحاوره قال عسل طيب في ظرف سوء قال وتكلم علباء بن الهيثم السدوسي لدى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وكان علباء اعور دميما فلما رأى براعته وسمع بيانه أقبل عمر يصعد فيه بصره ويحدره فلما خرج قال عمر لكل أناس في جميلهم خبرة قال ابو عثمان وأنشدت سهل بن هرون قول سلمة بن خرشب وشعره الذي أرسل به الى سبيع التغلبي في شأن الرهن التي وضعت على يديه في قتال عبس وذبيان فقال سهل بن هرون والله لكأنه قد سمع رسالة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الى أبي موسى الأشعري في سياسة القضاء وتدبير الحكم والقصيدة قوله أبلغ سبيعا وأنت سيدنا قدما وأوفى رجالنا ذمما أن بغيضا وأن إخوتها ذبيان قد ضرموا الذي اضطرما نبئت أن حكموك بينهم فلا يقولن بئس ما حكما ان كنت ذا خبرة بشأنهم تعرف ذا حقهم ومن ظلما وتنزل الأمر في منازله حكما وعلما وتحضر الفهما ولا تبالي من المحق ولا المبطل لا إلة ولا ذمما فاحكم وأنت الحكيم بينهم لن تعدموا الحكم ثابتا صتما واصدع أديم السواء بينهم على رضى من رضي ومن رغما ان كان مالا ففض عدته مالا بمال وان دما فدما حتى ترى ظاهر الحكومة مثل الصبح جلى نهاره ظلما هذا وان لم تطق حكومتهم فانبذ اليهم أمورهم سلما وقال العايشي كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أعلم الناس بالشعر ولكنه اذ ابتلى بالحكم بين النجاشي والعجلاني وبين الحطيئة والزبرقان كره أن يتعرض للشعراء واستشهد رجالا للفريقين مثل حسان بن ثابت وغيره ممن تهون عليه سبالهم فاذا سمع كلامهم حكم بما يعلم وكان الذي ظهر من حكم ذلك الشاعر مقنعا للفريقين ويكون هو قد تخلص بعرضه سليما فلما رآه من لا علم له يسأل هذا وهذا ظن ان ذلك لجهله بما يعرف غيره ولقد أنشدوه شعرا لزهير وكان لشعره مقدما فلما انتهوا الى قوله وان الحق مقطعه ثلاث يمين أو نفار أو جلاء قال عمر كالمتعجب من علمه بالحقوق وتفصيله بينها واقامته أقسامها وان الحق مقطعه ثلاث يمين أو نفار أو جلاء وأنشدوه قصيدة عبدة بن الطبيب الطويلة التي على اللام فلما بلغ المنشد الى قوله والمرء ساع لأمر ليس يدركه والعيش شح واشفاق وتأميل قال عمر متعجبا والعيش شح وأشفاق وتأميل يعجبهم من حسن ما قسم وفصل وأنشدوه قصيدة أبي قيس بن الاسلت التي على العين وهو ساكت فلما انتهى المنشد الى قوله الكيس والقوة خير من الاشفاق والفهة والهاع أعاد عمر البيت وقال الكيس والقوة خير ال إشفاق والفهة والهاع وجعل عمر يردد البيت ويتعجب منه قال محمد بن سلام الجمحي عن بعض أشياخه قال كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لا يكاد يعرض له أمر الا أنشد فيه بيت شعر وقال عمر بن العلاء كان الشاعر في الجاهلية يقدم على الخطيب بفرط حاجتهم الى الشعر الذي يقيد عليهم مآثرهم ويفخم شأنهم ويهول على عدوهم ومن غزاهم ويهيب من فرسانهم ويخوف من كثرة عددهم ويهابهم شاعر غيرهم فيراقب شاعرهم فلما كثر الشعر والشعراء واتخذوا الشعر مكسبة ورحلوا الى السوقة وتسرعوا الى أعراض الناس صار الخطيب عندهم فوق الشاعر ولذلك قال الاول الشعر أدنى مروءة السري وأسرى مروءة الدني قال ولقد وضع قول الشعر من قدر النابغة الذبياني ولو كان في الدهر الاول ما زاده ذلك الا رفعة وروى مجالد عن الشعبي قال ما رأيت مثلي ما أشاء أن ألقى رجلا أعلم مني بشيء الا لقيته وقال الحسن البصري يكون الرجل عابدا ولا يكون عاقلا ويكون عابدا عاقلا ولا يكون عالما وكان مسلم بن يسار عاقلا عابدا عالما وكان يقال فقه الحسن وورع ابن سيرين وعقل مطرف وحفظ قتادة وذكرت البصرة فقيل شيخها الحسن وفتاها بكر بن عبد الله المزني والذين بثوا العلم في الدنيا اربعة قتادة والزهري والاعمش والكلبي وجمع سليمان بن عبد الملك بين قتادة والزهري فغلب قتادة الزهري فقيل لسليمان في ذلك فقال انه فقيه مليح فقال القحذمي لا ولكنه تعصب للقرشية ولانقطاعه اليهم ولروايته فضائلهم وكان الاصمعي يقول وصلت بالعلم ونلت بالملح وكان سهل بن هرون يقول اللسان البليغ والشعر الجيد لا يكاد ان يجتمعان في واحد وأعسر من ذلك ان يجتمع بلاغة الشعر وبلاغة القلم والمسجديون يقولون من تمنى رجلا حسن العقل وحسن اللسان وحسن القلم تمنى شيئا عسيرا باب إعابة العي والحمق وكانوا يعيبون النوك والعي والحمق وأخلاق النساء والصبيان قال الشاعر اذا ما كنت متخذا خليلا فلا تثقن بكل أخي إخاء فان خيرت بينهم فألصق بأهل العقل منهم والحياء فان العقل ليس له إذا ما تفاضلت الفضائل من كفاء
فان النوك للأحساب غول وأهون دائه داء العياء ومن ترك العواقب مهملات فأيسر سعيه سعي العناء فلا تثقن بالنوكى لشيء ولو كانوا بني ماء السماء فليسوا قابلي أدب فدعهم وكن من ذاك منقطع الرجاء وقال الآخر في التضييع والنوك فعش في حد أنوك ساعدته مقادير يخالفها الصواب ذهاب المال في حمد وأجر ذهاب لا يقال له ذهاب وأنشد في ذلك أرى زمنا نوكاه أسعد أهله ولكنما يشقى به كل عاقل مشى فوقه رجلاه والرأس تحته فكب الأعالي بارتفاع الأسافل وقال الاخر ولم أر مثل الفقر أوضع للفتى ولم أر مثل المال أرفع للرذل ولم أر عزا لامرى ء كعشيرة ولم أر ذلا مثل نأي عن الأهل ولم أر من عدم أضر على امرى ء اذا عاش وسط الناس من عدم العقل وقال الآخر تحامق مع الحمقى اذا ما لقيتهم ولا تلقهم بالعقل ان كنت ذا عقل فاني رأيت المرء يشقى بعقله كما كان قبل اليوم يسعد بالعقل وقال الآخر وأنزلني طول النوى دار غربة اذا شئت لاقيت امرأ لا أشاكله فحامقته حتى يقال سجية ولو كان ذا عقل لكنت أعاقله وقال بشر بن المعتمر وأنشد واذا الغبي رأيته مستغنيا أعيا الطبيب وحيلة المحتال وأنشدني آخر وللدهر ايام فكن في لباسه كلبسته يوما أجد وأخلقا وكن اكيس الكيسى اذا كنت فيهم وان كنت في الحمقى فكن انت أحمقا وأنشدني آخر ولا تقربي يا بنت عمي بوهة من القوم دفناسا غبيا مفندا
وان كان اعطى رأس ستين بكرة وحكما على حكم وعبدا مولدا ألا فاحذري لاتوردنك هجمة طوال الذرى جبسا من القوم قعددا وأنشدني آخر كسا الله حيي تغلب ابنة وائل من اللؤم أظفارا بطيئا نصولها اذا ارتحلوا عن دار ضيم تعاذلوا عليها وردوا وفدهم يستقيلها وأنشدني اخر وإن عناء ان تفهم جاهلا ويحسب جهلا انه منك افهم وقال جرير ولا يعرفون الشر حتى يصيبهم ولا يعرفون الامر الا تدبرا وقال الاعرج المعني الطائي لقد علم الاقوام أن قد قدرتم ولم تبدأ وهم بالمظالم أولا فكونوا كداعى كرة بعد فرة ألا رب من قد فر ئمت أقبلا فان أنتم لم تفعلوا فتبدلوا بكل سنان معشر العرب مغزلا وأعطوهم حكم الصبي بأهله واني لأرجو ان يقولوا بأن لا وأنشد ولا تحكما حكم الصبي فانه كثير على ظهر الطريق مجاهله سئل دغفل عن بني عامر فقال اعناق ظباء وأعجاز نساء قيل فما تقول في أهل اليمن قال سيد وأنوك باب في ذكر المعلمين من امثال العامة أحمق من معلم كتاب وقد ذكرهم صقلاب فقال وكيف يرجى العقل والرأي عند من يروح على انثى ويغدو على طفل وفي قول بعض الحكماء لا تستشيروا معلما ولا راعي غنم ولا كثير القعود مع النساء وقال لا تدع أم صبيك تضربه فانه أعقل منها وان كانت أسن منه وقد سمعنا في الامثال أحمق من راعي ضان ثمانين فاما استحماق رعاة الغنم في الجملة فكيف يكون ذلك صوابا وقد رعى الغنم عدة من جلة الانبياء عليهم السلام ولعمري ان الفدادين من أهل الوبر ورعاة الإبل ليتلومون على رعاة الغنم ويقول احدهم لصاحبه ان كنت كاذبا فحلبت قاعدا وقال الآخر ترى حالب المعزى اذا سر قاعدا وحالبهن القائم المتطاول قالت امرأة من غامد في هزيمة ربيعة بن مكدم لجمع غامد وحده ألا هل أتاها على نأيها بما فضحت قومها غامد تمنيتم مائتي فارس فردكم فارس واحد فليت لنا بارتباط الخيول ضأنا لها حالب قاعد وقد سمعنا قول بعضهم الحمق في الحاكة والمعلمين والغزالين قال والحاكة أقل وأسقط من ان يقال لهم حمقى وكذلك الغزالون لان الأحمق هو الذي يتكلم بالصواب الجيد ثم يجيء بخطأ فاحش والحائك ليس عنده صواب جيد في فعال ولا مقال الا ان يجعل جودة الحياكة من هذا الباب وليس هو من هذا في شيء باب آخر في الحمق ويقال فلان أحمق فاذا قالوا مائق فليس يريدون ذلك المعنى بعينه وكذلك اذا قالوا أنوك وكذلك اذا قالوا رقيع ويقولون فلان سليم الصدر ثم يقولون غبي ثم يقولون أبله وكذلك اذا قالوا معتوه ومسلوس وأشباه ذلك قال ابو عبيدة يقال للفارس شجاع فاذا تقدم ذلك قيل بطل فاذا تقدم شيئا قيل بهمة فاذا صار الى الغاية قيل اليس قال العجاج أليس عن حوبائه سخي وهذا المأخذ يجري في الصفات كلها من جود وبخل وصلاح وفساد ونقصان ورجحان وما زلت اسمع هذا القول في المعلمين والمعلمون عندي على ضربين منهم رجال ارتفعوا عن تعليم اولاد العامة الى تعليم اولاد الخاصة ومنهم رجال ارتفعوا عن تعليم أولاد الخاصة الى تعليم اولاد الملوك انفسهم المرشحين للخلافة فكيف تستطيع ان تزعم ان مثل علي بن حمزة الكسائي ومحمد بن المستنير الذي يقال له قطرب واشباه هؤلاء يقال لهم حمقى ولا يجوز هذا القول على هؤلاء ولا على الطبقة التي دونهم فان ذهبوا الى معلمي كتاتيب القرى فان لكل قوم حاشية وسفلة فما هم في ذلك الا كغيرهم وكيف تقول مثل ذلك في هؤلاء وفيهم الفقهاء والشعراء والخطباء مثل الكميت بن زيد وعبد الحميد الكاتب وقيس بن سعد وعطاء بن أبي رباح ومثل عبد الكريم بن ابي أمية وحسين المعلم وابي سعيد المعلم ومن المعلمين الضحاك بن مزاحم ابو معبد الجهني وعامر الشعبي فكانا يعلمان أولاد عبد الملك بن مروان وكان ابو معبد يعلم سعيدا ومنهم ابو سعيد المؤدب وهو غير ابي سعيد المعلم وكان يحدث عن هشام بن عروة وغيرهم ومنهم عبد الصمد بن عبد الاعلى وكان معلم ولد عتبة بن ابي سفيان وكان اسماعيل بن علي ألزم بعض بنيه عبد الله بن المقفع ليعلمه وكان ابو بكر عبد الله بن كيسان معلما ومنهم محمد بن السكن وما كان عندنا بالبصرة رجلان ادرى بصنوف العلم ولا احسن بيانا من ابي الوزير وابي عدنان المعلمين وحالهما من اول ما اذكر من ايام الصبا وقد قال الناس في ابي البيداء وفي ابي عبد الله الكاتب وفي الحجاج بن يوسف وابيه ما قالوا وقد أنشدوا مع هذا الخبر شاهدا من الشعر على ان الحجاج وأباه كانا معلمين بالطائف ثم رجع بنا القول الى الكلام الاول قالوا احق الناس بالرحمة عالم يجري عليه حكم جاهل وكتب الحجاج الى المهلب يعجله في حرب الازارقة ويسمعه فكتب اليه المهلب ان البلاء كل البلاء اي يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره باب في التشادق والاغراق في القول قال بعض الربانيين من الادباء واهل المعرفة من البلغاء ممن يكره التشادق والتعمق ويبغض الاغراق في القول والتكلف والاجتلاب ويعرف اكثر ادواء الكلام ودوائه وما يعتري المتكلم من الفتنة بحسن ما يقول وما يعرض للسامع من الافتتان بما يسمع والذي يورث الاقتدار من التحكم والتسلط والذي يمكن الحاذق والمطبوع من التمويه للمعاني والخلابة وحسن المنطق وقال في بعض مواعظه أنذركم حسن الالفاظ وحلاوة مخارج الكلام فان المعنى اذا اكتسى لفظا حسنا وأعاره البليغ مخرجا سهلا ومنحه المتكلم قولا متعشقا صار في قلبك احلى ولصدرك أملا والمعاني اذا كسيت الالفاظ الكريمة وألبست الاوصاف الرفيعة تحولت في العيون عن مقادير صورها وأربت على حقائق اقدارها بقدر ما زينت وعلى حسب ما زخرفت فقد صارت الالفاظ في معنى المعارض وصارت المعاني في معنى الجواري والقلب ضعيف وسلطان الهوى قوي ومدخل خدع الشيطان خفي فاذكر هذا الباب ولا تنسه وتأمله ولا تفرط فيه فان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لم يقل للاحنف بعد ان احتبسه حولا مجرما ليستكثر منه وليبالغ في تصفح حاله والتنقير عن شأنه ان رسول الله قد كان خوفنا كل منافق عليم وقد خفت ان تكون منهم إلا لما كان راعه من حسن منطقه ومال اليه لما رأى من رفقه وقلة تكلفه ولذلك قال رسول الله ان من البيان لسحرا وقال عمر بن عبد العزيز لرجل أحسن في طلب حاجة وتأتي لها بكلام وجيز ومنطق حسن هذا والله السحر الحلال وقال رسول الله لا خلابة فالقصد من ذلك ان تجتنب السوقي والوحشي ولا تجعل همك في تهذيب الالفاظ وشغلك في التخلص الى غرائب المعاني وفي الاقتصار بلاغ وفي التوسط مجانبة للوعورة والخروج من سبيل من لا يحاسب نفسه وقد قال الشاعر عليك بأوساط الامور فانها نجاة ولا تركب ذلولا ولا صعبا وقال الآخر لا تذهبن في الامور فرطا لا تسألن ان سألت شططا وكن من الناس جميعا وسطا وليكن كلامك بين المقصر والغالي فانك تسلم من الهجنة عند العلماء ومن فتنة الشيطان وقال أعرابي للحسن علمني دينا وسطا لا ذاهبا شطوطا ولا هابطا هبوطا فقال الحسن لئن قلت ذاك ان خير الامور أوسطها وجاء في الحديث خالطوا الناس وزايلوهم وقال عبد الله بن مسعود في خطبته وخير الامور أوساطها وما قل وكفى خير مما كثر وألهى نفس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها وقال علي بن ابي طالب كرم الله وجهه كن في الدنيا وسطا وامش جانبا وكانوا يقولون إكره الغلو كما تكره التقصير وكان رسول الله يقول لأصحابه قولوا بقولكم ولا يستحوذن عليكم الشيطان وكان يقول و هل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم الا حصائد ألسنتهم باب من الخطب القصار من خطب السلف ومواعظ النساك وتأديب من تأديب العلماء قال رجل لأبي هريرة النحوي أريد ان أتعلم العلم وأخاف ان أضيعه قال كفى بترك العلم إضاعة وسمع الأحنف رجلا يقول التعلم في الصغر كالنقش في الحجر فقال الاحنف الكبير اكبر الناس عقلا ولكنه أشغل قلبا وقال أبو الدرداء مالي أرى علماءكم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون وقال رسول الله ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلماء حتى اذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ولذلك قال عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه حين دلى زيد بن ثابت في القبر من سره ان يرى كيف ذهاب العلم فلينظر فهكذا ذهابه وقال بعض الشعراء لبعض العلماء أبعدت من يومك الفرار فما جاورت حيث انتهى بك القدر لوكان ينجي من الردى حذر نجاك مما أصابك الحذر يرحمك الله من أخي ثقة لم يك في صفو وده كدر فهكذا يفسد الزمان ويفنى نى العلم منه ويدرس الأثر وقال قتادة لو كان أحد مكتفيا من العلم لاكتفى نبي الله موسى عليه السلام اذ قال للعبد الصالح هل اتبعك على ان تعلمني مما علمت رشدا وقال ابو العباس التميمي قال طاؤس الكلمة الصالحة صدقة وعن عبد الله بن ثمامة بن انس عن أبيه عن النبي انه قال فضل لسانك تعبر به عن أخيك الذي لا لسان له صدقة ح وقال الخليل تكثر من العلم لتعرف وتقلل منه لتحفظ وقال الفضيل نعمت الهدية الكلمة من الحكمة يحفظها الرجل حتى يلقيها الى أخيه وكان يقال اجعل ما في الكتب بيت مال وما في قلبك للنفقة وكان يقال يكتب الرجل أحسن ما سمع ويحفظ أحسن ما كتب وقال أعرابي حرف في قلبك خير من عشرة في طومارك وقال عمر بن عبد العزيز ما قرن شيء بشيء أفضل من علم الى حلم ومن عفو الى قدرة وكان ميمون بن سياه إذا جلس الى قوم قال إنا قوم منقطع بنا فحدثونا احاديث نتجمل بها وفخر سليم مولى زياد بزياد عند معاوية فقال معاوية أسكت فوالله ما أدرك صاحبك شيئا بسيفه الا وقد أدركت اكثر منه بلساني وضرب الحجاج أعناق أسرى فلما قدموا اليه رجلا ليضرب عنقه قال والله لئن كنا أسأنا في الذنب فما أحسنت في العفو فقال الحجاج أف لهذه الجيف أما كان فيها أحد يحسن مثل هذا وأمسك عن القتل وقال بشير الرحال اني لأجد في قلبي حرا لا يذهبه الا برد العدل أو حر السنان وقدموا رجلا من الخوارج الى عبد الملك لتضرب عنقه ودخل على عبدالملك ابن صغير له قد ضربه المعلم وهو يبكي فهم عبد الملك بالمعلم فقال دعه يبكي فانه أفتح لجرمه وأصح لبصره وأذهب لصوته فقال له عبد الملك أما يشغلك ما انت فيه عن هذا قال ما ينبغي للمسلم ان يشغله عن قول الحق شيء فأمر بتخلية سبيله وقال إبراهيم بن أدهم أعربنا في كلامنا فما نلحن حرفا ولحنا في اعمالنا فما نعرب حرفا وأنشد نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا مانرقع وقال زياد على المنبر ان الرجل ليتكلم بالكلمة ما يقطع بها ذنب عنز مصور لو بلغت إمامه سفك بها دمه وعزل عمر زياد عن كتابه أبي موسى في بعض قدماته فقال له زياد أعن عجز أم عن خيانة قال لا عن واحدة منهما ولكن أكره ان احمل على العامة فضل عقلك وبلغ الحجاج موت اسماء ابن خارجة فقال هل سمعتم بالذي عاش ما شاء ومات حين شاء وكان يقال كدر الجماعة خير من صفو الفرقة قال ابو الحسن مر عمر بن ذر بعبد الله بن عياش المنتوف وقد كان سفه عليه ثم أعرض عنه فتعلق بثوبه فقال يا هناه انا لم نجد لك اذا عصيت الله فينا خيرا من ان نطيع الله فيك وهذا كلام أخذه عمر بن ذر عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حين قال عمر اني والله لا ادع حقا لله لشكاية تظهر ولا لغضب يحتمل ولا لمحاباة بشر وانك والله ما عاقبت من عصي الله فيك بمثل ان تطيع الله فيه وكتب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الى سعد بن أبي وقاص يا سعد بني وهيب ان الله اذا احب عبدا حببه الى خلقه فاعتبر منزلتك من الله بمنزلتك من الناس واعلم ان مالك عند الله مثل الذي لله عندك ومات لعمر بن ذر ابن فقال اي بني شغلني الحزن لك عن الحزن عليك وقال رجل من مجاشع كان الحسن يخطب في دم فينا فأجابه رجل فقال وقد تركت ذلك لله ولوجوهكم فقال الحسن لا تقل هكذا بل قل لله ثم لوجوهكم وآجرك الله ومر رجل بأبي بكر رضي الله تعالى عنه ومعه ثوب فقال أتبيع الثوب فقال لا عافاك الله فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه لقد علمتم لو كنتم تعلمون قل لا وعافاك الله وسأل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رجلا عن شيء فقال الله أعلم فقال عمر لقد شقينا ان كنا لا نعلم ان الله أعلم اذا سئل احدكم عن شيء لا يعلمه فليقل لا علم لي وكان ابو الدرداء يقول أبغض الناس إلي إن أظلمه من لا يستعين علي بأحد الا بالله وذكر ابن ذر الدنيا فقال كأنكم انما زادكم في حرصكم عليها ذم الله عز وجل لها ونظر أعرابي الى مال له كثير من الماشية وغيرها فقال ينعه ولكل ينعه استحشاف فباع ما هنالك من ماله ثم لزم ثغرا من ثغور المسلمين حتى مات فيه وتمنى قوم عند يزيد الرقاشي فقال أتمنى كما تمنيتم قالوا تمنه قال ليتنا لم نخلق وليتنا اذ خلقنا لم نعص وليتنا اذ عصينا لم نمت وليتنا اذ بعثنا لم نحاسب وليتنا اذ حوسبنا لم نعذب وليتنا اذ عذبنا لم نخلد وقال الحجاج ليت الله اذ خلقنا للآخرة كفانا امر الدنيا فرفع عنا الهم بالمأكل والمشرب والملبس والمنكح أوليته اذ وقعنا في هذه الدار كفانا أمر الآخرة فرفع عنا الاهتمام بما ينجي من عذابه فبلغ كلامهما عبد الله بن حسن بن حسن أو علي بن الحسين فقال ما علما شيئا في التمني ما اختار الله فهو خير قال ابو الدرداء من هو ان الدنيا على الله انه لا يعصى الا فيها ولا ينال ما عنده الا بتركها قال شريح الحدة كناية عن الجهل وقال أبو عبيدة العارضة كناية عن البذاء واذا قالوا فلان مقتصد فتلك كناية عن البخل واذا قالوا للعامل مستقص فهو كناية عن الجور وقال حبيب بن أوس الشاعر ابو تمام الطائي كذبتم ليس يزهى من له حسب ومن له نسب عمن له أدب اني لذو عجب منكم أردده فيكم وفي عجبي من زهوركم عجب لجاجة بي فيكم ليس يشبهها الا لجاجتكم في أنكم عرب وقيل لاعرابية مات ابنها ما احسن عزاءك عن ابنك قالت ان مصيبته آمنتني من المصائب بعده وقال سعيد بن عثمان بن عفان لطوبس المغني أينا أسن انا أو انت يا طويس فقال بأبي انت وأمي لقد شهدت زفاف امك المباركة الى ابيك الطيب فانظر الى حذقه والى معرفته بمخارج الكلام كيف لم يقل بزفاف امك الطيبة الى ابيك المبارك وهكذا كان وجه الكلام فقلب المعنى وقال رجل من اهل الشام كنت في حلقة أبي مسهر في مسجد دمشق فذكرنا الكلام وبراعته والصمت ونبالته قال كلا ان النجم ليس كالقمر انك تصف الصمت بالكلام ولا تصف الكلام بالصمت وقال الهيثم بن صالح لابنه وكان خطيبا يا بني اذا أقللت من الكلام أكثرت من الصواب واذا اكثرت من الكلام أقللت من الصواب قال يا أبت فان انا اكثرت واكثرت يعني كلاما وصوابا قال يا بني ما رأيت موعوظا أحق بأن يكون واعظا منك وقال ابن عباس لولا الوسواس ما باليت ان لا أكلم الناس وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ما تستبقوا من الدنيا تجدوه في الآخرة وقال رجل للحسن إني اكره الموت قال ذلك انك اخرت مالك ولو قدمته لسرك ان تلحق به وقال عامر بن الظرب العدواني الرأي نائم والهوى يقظان فمن هنا يغلب الهوى الرأي وقال مكتوب في الحكمة أشكر لمن انعم عليك وانعم على من شكر لك وقال ابو الدرداء ايها الناس لا يمنعكم سوء ما تعلمون منا ان تقبلوا احسن ما تسمعون منا وقال عبد الملك على المنبر ألا تنصفوننا يا معشر الرعية تريدون منا سيرة ابي بكر وعمر ولم تسيروا في انفسكم ولا فينا سيرة رعية ابي بكر وعمر نسأل الله ان يعين كلا على كل وقال رجل من العرب اربع لا يشبعن من اربع انثى من ذكر وعين من نظر وارض من مطر وأذن من خبر وقال موسى عليه السلام لأهله امكثوا اني انست نارا لعلي اتيكم منها بخبر فقال بعض المعترضين فقد قال أو اتيكم بشهاب قبس قال ابو عقيل لم يعرف موقع النار من ابناء السبيل ومن الجائع المقرور وقال لبيد بن ربيعة ومقام ضيق فرجته ببيان ولسان وجدل لو يقوم الفيل أو فياله زل عن مثل مقامي وزحل ولدى النعمان مني موطن بين فاثور أفاق فالدحل اذ دعتني عامر انصرها فالتقى الألسن كالنبل الدول فرميت القوم رشقا صائبا ليس بالعصل ولا بالمقثعل وانتضلنا وابن سلمى قاعد كعتيق الطير يغضي ويجل وقبيل من لكيز شاهد رهط مرجوم ورهط ابن المعل وقال وأبيض يجتاب الخروق على الوجى خطيبا اذا التف المجامع فاصلا وقال لبيد لوكان حي في الحياة مخلدا في الدهر أدركه أبو يكسوم بكتائب خرس تعود كبشها نطح الكباش شبيهة بنجوم ولقد بلوتك وابتليت خليقتي ولقد كفاك معلمي تعليمي وقد قال أيضا لبيد ذهب الذين يعاش في اكنافهم وبقيت في خلف كجلد الاجرب يتأكلون مغالة وخيانة ويعاب قائلهم وان لم يشغب وقال زيد بن جندب في ذكر الشغب ما كان اغنى رجالا ضل سعيهم عن الجدال وأغناهم عن الشغب وقال آخر في الشغب اني اذا عاقبت ذو عقاب وان تشاغبني فذو شغاب وقال احمر بن العمرد وكم حلها من تيحان سميذع مصافي الندى ساق بسهماء مطعم طوى البطن متلاف اذا هبت الصبا على الأمر غواص وفي الحي شيظم وقال هل لامني قوم لموقف سائل أو في مخاصمة اللجوج الاصيد وقال في التطبيق فلما ان بدا القعقاع لجت على شرك تناقله نقالا تعاورن الحديث وطبقته كما طبقت بالنعل المثالا وقال آخر لوكنت ذا علم علمت وكيف لي بالعلم بعد تدبر الامر وقال المعترض على أصحاب الخطابة والبلاغة قال لقمان لابنه يا بني اني قد ندمت على الكلام ولم أندم على السكوت وقال الشاعر ما ان ندمت على سكوتي مرة ولقد ندمت على الكلام مرارا وقال آخر خل جنبيك لرام وامض عنه بسلام مت بداء الصمت خير لك من داء الكلام إنما المسلم من ألجم فاه بلجام وقال آخر في التحذير والاحتراس اخفض الصوت ان نطقت بليل والتفت بالنهار قبل الكلام وقال في مثل ذلك
لا أسأل الناس عما في ضمائرهم ما في ضميري لهم مني سيكفيني وقال حمزة بن بيض لم يكن عن جناية لحقتني لا يساري ولا يميني جنتني بل جناها أخ علي كريم وعلى أهلها براقش تجني لان هذه الكلبة وهي براقش انما نبحت غزيا وقد مروا من ورائهم وقد رجعوا خائبين مخفقين فلما نبحتهم استدلوا بنباحها على أهلها فاستباحوهم ولو سكتت كانوا قد سلموا فضرب ابن بيض بها المثل وقال الاخطل تنق بلا شيء شيوخ محارب وما خلتها كانت تريش ولا تبري ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت فدل عليها صوتها حية النهر وقالوا الصمت حكم وقليل فاعله وقالوا استكثر من الهيبة صامت وقيل لرجل من كلب طويل الصمت بحق ما سمتكم العلماء خرس العرب فقال أسكت فاسلم وأسمع فاعلم وكانوا يقولون لا تعدلوا بالسلامة شيئا ولا تسمع الناس يقولون جلد فلان حين صمت ولا قتل حين سكت وتسمعهم يقولون جلد فلان حين قال كذا وكذا وقتل حين قال كذا وكذا وفي الحديث المأثور رحم الله من سكت فسلم أو قال خيرا فغنم والسلامة فوق الغنيمة لان السلامة أصل والغنيمة فرع وقال النبي ان الله يبغض البليغ الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل الباقرة بلسانها ح وقيل ان كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب وقال صاحب البلاغة والخطابة وأهل البيان وحب التبيين انما عاب النبي المتشادقين والثرثارين والذي يتخلل بلسانه كما تتخلل الباقرة بلسانها والاعرابي المتشادق وهو الذي يصنع بفكيه وشدقيه ما لا يستجيزه أهل الأدب من خطباء أهل المدر فمن تكلف ذلك منهم فهو أعيب والذم له ألزم وقد كان الرجل من العرب يقف الموقف فيرسل عدة أمثال سائرة ولم يكن الناس جميعا يتمثلون بها الا لما فيها من المرفق والانتفاع ومدار العلم على الشاهد والمثل وانما حثوا على الصمت لان العامة الى معرفة خطأ القول أسرع منهم الى معرفة خطأ الصمت ومعنى الصامت في صمته أخفى من معنى القائل في قوله والا فالسكوت عن قول الحق في معنى النطق بالباطل ولعمري ان الناس الى الكلام لأسرع لان في اصل التركيب ان الحاجة الى القول والعمل اكثر من الحاجة الى ترك العمل والسكوت عن جميع القول وليس الصمت كله أفضل من الكلام كله ولا الكلام كله أفضل من السكوت كله بل قد علمنا ان عامة الكلام أفضل من عامة السكوت وقد قال الله عز وجل سماعون للكذب أكالون للسحت فجعل سمعه وكذبه سواء وقال الشاعر بني عدي ألا ينهى سفيهكم إن السفيه اذا لم ينه مأمور وقال الآخر فان أنا لم آمر ولم أنه عنكما ضحكت له حتى يلج ويستشري وكيف يكون الصمت أنفع والايثار له أفضل ونفعه لا يكاد يجاوز رأس صاحبه ونفع الكلام يعم ويخص والرواة لم يرووا سكوت الصامتين كما روت كلام الناطقين وبالكلام أرسل الله انبياءه لا بالصمت ومواضع الصمت المحمودة قليلة ومواضع الكلام المحمودة كثيرة وطول الصمت يفسد البيان وقال بكر بن عبد الله المزني طول الصمت حبسه كما قال عمر ترك الحركة عقله واذا ترك الانسان القول ماتت خواطره وتبلدت نفسه وفسد حسه وكانوا يروون صبيانهم الارجاز ويعلمونهم المناقلات ويأمرونهم برفع الصوت وتحقيق الاعراب لان ذلك يفتق اللهات ويفتح الجرم واللسان اذا اكثرت تحريكه رق ولان واذا أقللت تقليبه وأطلت إسكاته جسأ وغلظ وقال عبابة الجعفي لولا الدربة وسوء العادة لأمرت فتياننا ان يماري بعضهم بعضا وأية جارحة منعتها الحركة ولم تمرنها على الاعمال أصابها من التعقد على حسب ذلك المنع فلم قال رسول الله للنابغة الجعدي لا يفضض الله فاك ولم قال لكعب بن مالك ما نسي الله لك مقالك ذلك ولم قال لهيذان بن شيخ رب خطيب من عبس ولم قال لحسان لما هيج الغطاريف على بني عبد مناف والله لشعرك أشد عليهم من وقع السهام في غبش الظلام ح
وما نشك انه عليه وعلى آله السلام قد نهى عن المراء وعن التزيد والتكلف وعن كل ما ضارع الرياء أو السمعة والنفج والبذخ وعن التهاتر والتشاغب وعن المغالبة والمماتنة فاما نفس البيان فكيف ينهي عنه وأبين الكلام كلام الله وهو الذي مدح التبيين وأهل التفصيل وفي هذا كفاية ان شاء الله قال دغفل بن حنظلة ان للعلم أربعا آفة ونكدا واضاعة واستجاعة فآفته النسيان ونكده الكذب واضاعته وضعه في غير موضعه واستجاعته انك لا تشبع منه وانما عاب الاستجاعة لسوء تدبير اكثر العلماء ولخرق سياسة اكثر الرواة لان الرواة اذا شغلوا عقولهم بالازدياد والجمع عن تحفظ ما قد حصلوه وتدبر ما قد دونوه كان ذلك الازدياد داعيا الى النقصان وذلك الربح سببا للخسران وقد جاء في الحديث منهومان لا يشبعان منهوم في العلم ومنهوم في المال وقالوا علم علمك وتعلم علم غيرك فاذا انت قد علمت ما جهلت وحفظت ما علمت وقال الخليل بن احمد اجعل تعليمك دراسة لعلمك واجعل مناظرة المتعلم تنبيها لك على ما ليس عندك وقال بعضهم وأظنه بكر بن عبد الله المزني لا تكدوا هذه القلوب ولا تهملوها فخير الكلام ما كان عقب الجمام ومن أكره بصره عشي وعاودوا الفكر عند نبوات القلوب واشحذوها بالمذاكرة ولا تيأسوا من إصابة الحكمة اذا امتحنتم ببعض الاستغلاق فان من أدام قرع الباب ولج وقال الشاعر اذا المرء أعيته المروءة ناشئا فمطلبها كهلا عليه شديد وقال الاحنف السؤدد مع السواد وتقول الحكماء من لم ينطق بالحكمة قبل الاربعين لم يبلغ فيها وأنشد ودون الندى في كل قلب ثنية لها مصعد حزن ومنحدر سهل وود الفتى في كل نيل ينيله اذا ما انقضى لو ان نائله جزل
وقال الهذلي وان سيادة الاقوام فاعلم لها صعداء مطلبها طويل أترجو ان تسود ولن تعنى وكيف يسود ذو الدعة البخيل صالح بن سليمان عن عتبة بن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال ما رأيت عقول الناس إلا قريبا بعضها من بعض الا ما كان من الحجاج وإياس ابن معاوية فان عقولهما كانت ترجح على عقول الناس أبو الحسن قال سمعت ابا الصغرى الحارثي يقول كان الحجاج أحمق بنى مدينة واسط في بادية النبط ثم قال لهم لا تدخلوها فلما مات دلفوا اليها من قريب سمعت قحطبة الجشمي يقول كان اهل البصرة لا يشكون انه لم يكن بالبصرة رجل أعقل من عبيد الله بن الحسن وعبيد الله بن سالم وقال معاوية لعمرو بن العاص ان أهل العراق قد قرنوا بك رجلا طويل اللسان قصير الرأي فأجد الحز وطبق المفصل واياك ان تلقاه برأيك كله باب ما قالوا فيه من الحديث الحسن الموجز المحذوف القليل الفضول قال الشاعر لها بشر مثل الحرير ومنطق رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر وقال ابن احمر تضع الحديث على مواضعه وكلامها من بعده نزر وقال الآخر حديث كطعم الشهد حلو صدوره وأعجازه الخطبان دون المحارم وقال بشار أنس غرائر ما هممن بريبة كظباء مكة صيدهن حرام يحسبن من أنس الحديث زوانيا ويصدهن عن الخنا الاسلام وقال بشار فنعمنا والعين حي كميت بحديث كنشوة الخندريس وقال بشار وكأن رفض حديثها قطع الرياض كسين زهرا وتخال ما جمعت عليه ثيابها ذهبا وعطرا وكأن تحت لسانها هاروت ينفث فيه سحرا وقال بشار العقيلي وفتاة صب الجمال عليها بحديث كلذة النشوان وقال بشار وبكر كنوار الرياض حديثها تروق بوجه واضح وقوام وقال بشار وحديث كأنه قطع الروض وفيه الصفراء والحمراء وقال الاخطل فأسرين خمسا ثم أصبحن غدوة يخبرن أخبارا ألذ من الخمر أخبرنا عامر بن صالح ان عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز كتب الى امرأته وعنده اخوان له ان عندي أبقاك ربك ضيفا واجبا حقهم كهولا ومردا طرقوا جارك الذي كان قدما لا يرى من كرامة الضيف بدا فلديه أضيافه قد قراهم وهم يشتهون تمرا وزبدا فلهذا جرى الحديث ولكن قد جعلنا بعض المزاحة جدا وأنشد الهذلي كروا الأحاديث عن ليلى اذا بعدت إن الأحاديث عن ليلى لتلهيني وقال الهذلي في حلاوة الحديث وإن حديثا منك لو تبذلينه جني النحل أو ألبان عوذ مطافل مطافيل ابكار حديث نتاجها تشاب بماء مثل ماء المفاصل وفي الكلام الموزون يقول عبد الله بن معاية بن عبد الله بن جعفر فالزم الصمت ان في الصمت حكما واذا أنت قلت قولا فزنه وقال ابو ذؤيب وسرب يطلى بالعجير كأنه دماء ظباء بالنحور ذبيح بذلت لهن القول انك واجد لما شئت من حلو الكلام فصيح وأنشد للحكم بن ريحان من بني عمرو بن كلاب ياأجدل الناس ان جادلته جدلا وأكثر الناس ان عاتبته عللا كأنما عسل رجعان منطقها ان كان رجع الكلام يشبه العسلا وقال القطامي وفي الخدور غمامات برقن لنا حتى تصيدننا من كل مصطاد فهن ينبذن من قول يصبن به مواقع الماء من ذي الغلة الصادي وقال الاخطل شمس اذا خطل الحديث أوانس يرقبن كل مرقب تنبال أنف كأن حديثهن تنادم بالكأس كل عقيلة مكسال وقال ابو العميثل لقيت ابنة السهمي زينب من غفر ونحن حرام مسى عاشرة العشر وإني وأياها لحتم مبيتنا جميعا ومسرانا مغذ وذو فتر فكلمتها ثنتين كالثلج منهما على اللوح والاخرى أحر من الجمر وانشد وإنا لتجري بيننا حين نلتقي حديثا له وشي كوشي المطارف حديث كطعم القطر في المحل يشتفى به من جوى في داخل القلب لاطف وقال الشماخ بن ضرار التغلبي يقر بعيني ان أنبأ أنها وان لم أنلها أيم لم تزوج وكنت اذا لاقيتها كان سرنا وما بيننا مثل الشواء الملهوج وقال جران العود فنلنا سقاطا من حديث كأنه جنى النحل أو ابكار كرم يقطف حديثا لو ان البقل يولى بمثله زها البقل واخضر العضاة المصيف وقال الكميت وحديثهن اذا التقين تهانف البيض الغرائر فاذا ضحكن عن العذاب لنا المسفات الثواغر كان التهلل بالتبسم لا الفهاهة بالقراقر وقال الآخر ولما تلاقينا جرى من عيوننا دموع كففناغربها بالأصابع ونلنا سقاطا من حديث كأنه جنى النحل ممزوجا بماء الوقائع
وقال الاشعث بن سمى هل تعرف المبدا الى السنام ناط به سواحر الكلام كلامهن برء ذي السقام وقال الراجز ووصف عيون الظباء بالسحر وذكرر قوسا صفراء فقال صفراء فرع خطموها بوتر لام ممر مثل حلقوم النغر حدت ظبات اسهم مثل الشرر فصرعتهن بأكناف الحفر حور العيون بابليات النظر يحسبها الناظر من وحش البشر ويروى البقر باب آخر من الاسجاع في الكلام قال عمر بن ذر الله المستعان على ألسنة تصف وقلوب تعرف وأعمال تخلف ولما مدح عتيبة بن مرداس عبد الله بن عباس قال لا أعطي من يعصي الرحمن ويطيع الشيطان ويقول البهتان وفي الحديث المأثور يقول العبد مالي مالي وانما لك من مالك ما أكلت فأفنيت أو أعطيت فأمضيت أو لبست فأبليت وقال النمر بن تولب أعاذل ان يصبح صداي بقفرة بعيدا فآتى صاحبي وقريبي ترى ان ما أبقيت لم أك ربه وأن الذي أنفقت كان نصيبي ووصف أعرابي رجلا فقال صغير القدر قصير الشبر ضيق الصدر لئيم النجر عظيم الكبر كثير الفخر ووصف بعض الخطباء رجلا فقال ما رأيت أضرب المثل ولا أركب لجمل ولا أصعد في قلل منه وسأل بعض الامراء رسولا قدم من جهة السند كيف رأيتم البلاد فقال ماؤها وشل ولصها بطل وتمرها دقل ان كثر الجند بها جاعوا وان قلوا بها ضاعوا وقيل لصعصعة بن معاوية من اين أقبلت قال من الفج العميق قيل فأين تريد قال البيت العتيق قيل هل من مطر قال نعم حتى عفا الاثر وانضر الشجر ودهده الحجر واستجار عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود بمحمد بن مروان بنصيبين وتزوج بها امرأة فقال محمد كيف ترى نصيبين قال كثيرة العقارب قليلة الاقارب وولى علاء الكلابي عملا خسيسا بعد ان كان على عمل جسيم فقال العنوق بعد النوق قال ونظر رجل من العباد الى باب بعض الملوك فقال باب جديد وموت عتيد ونزع شديد وسفر بعيد وقيل لبعض العرب أي شيء تمنى واي شيء أحب اليك قال لواء منشورا والجلوس على السرير والسلام عليك ايها الامير وقيل لآخر وصلى ركعتين وأطال فيهما وقد كان أمر بقتله أجزعت من الموت فقال ان أجزع فقد أرى كفنا منشور وسيفا مشهورا وقبرا محفورا وقال عبد الملك بن مروان لاعرابي ما أطيب الطعام قال بكرة سنمة معتبطة غير ضمنه في قدور رذمه بشفار خذمه في غداة شبمه فقال عبد الملك وأبيك لقد أطبت وقالوا لا تغتر بمناصحة الامير اذا غشك الوزير وقالوا من صادق الكتاب أغنوه ومن عاداهم أفقروه وقالوا اجعل قول الكذاب ريحا تكن مستريحا وقيل لعبد الصمد بن الفضل بن عيسى الرقاشي لم تؤثر السجع على المنثور وتلزم نفسك القوافي وإقامة الوزن قال ان كلامي لو كنت لا آمل فيه إلا سماع الشاهد لقل خلافي عليك ولكني أريد الغائب والحاضر والراهن والغابر فالحفظ اليه أسرع والآذان لسماعه انشط وهو أحق بالتقييد وبقلة التفلت وما تكلمت به العرب من جيد المنثور اكثر مما تكلمت به من جيد الموزون فلم يحفظ من المنثور عشره ولا ضاع من الموزون عشره قالوا فقد قيل للذي قال يا رسول الله أرأيت من لا شرب ولا أكل ولا صاح فاستهل أليس مثل ذلك بطل فقال رسول الله أسجع كسجع الجاهيلة ح قال عبد الصمد لو ان هذا المتكلم لم يرد الا الاقامة لهذا الوزن لما كان عليه بأس ولكنه عسى ان يكون أراد إبطالا لحق فتشادق في كلامه وقال غير عبد الصمد وجدنا الشعر من القصيد والرجز قد سمعه رسول الله واستحسنه وأمر به شعراءه وعامة اصحاب رسول الله قد قالوا شعرا قليلا كان ذلك أم كثيرا وسمعوا واستنشدوا فالسجع والمزدوج دون القصيد والرجز فكيف يحل ما هو اكثر ويحرم ما هو أقل وقال غيرهما اذا لم يطل ذلك ولم تكن القوافي مطلوبة مجتلبة أو ملتمسة متكلفة وكان ذلك كقول الاعرابي لعامل الماء حلبت ركابي وحرقت ثيابي وضربت صحابي ومنعت إبلي من الماء والكلاء قال أو سجع أيضا فقال الاعرابي فكيف أقول لانه لو قال حلبت إبلي أو جمالي أو نوقي أو بعراني أو صرمتي لكان لم يعبر عن حق معناه وانما حلبت ركابه فكيف يدع الركاب الى غير الركاب وكذا قوله حرقت ثيابي وضربت صحابي لان الكلام اذا قل وقع وقوعا لا يجوز تغييره واذا طال وجدت في القوافي ما يكون مجتلبا ومطلوبا مستكرها وفي الحديث المأثور ويدخل على من طعن في قوله تعالى تبت يد ابي لهب وزعم انه شعر لانه في تقدير مستفعلن مفاعلن وطعن في قوله عليه السلام هل انت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت فيقال له اعلم انك لو اعترضت أحاديث الناس وخطبهم ورسائلهم لوجدت فيها مثل مستفعلن فاعلن كثيرا وليس احد في الارض يجعل ذلك المقدار شعرا ولو ان رجلا من الباعة صاح من يشتري باذنجان لقد كان تكلم بكلام في وزن مستفعلن مفعولان فكيف يكون هذا شعرا وصاحبه لم يقصد الى الشعر ومثل هذا المقدار من الوزن قد يتهيأ في جميع الكلام واذا جاء المقدار الذي يعلم انه من نتاج الشعر والمعرفة بالاوزان والقصد اليها كان ذلك شعراء وهذا قريب والجواب فيه سهل بحمد الله وسمعت غلاما لصديق لي وكان قد سقى بطنه يقول لغلمان مولاه اذهبوا بي الى الطبيب و قولوا قد اكتوى وهذا الكلام يخرج وزنه فاعلاتن مفاعلن مرتين وقد علمت ان هذا الغلام لم يخطر بباله قط ان يقول بيت شعر ابدا ومثل هذا كثير لو تتبعته في كلام حاشيتك وغلمانك لوجدته وكان الذي كره الاسجاع بعينها وان كانت دون الشعر في التكلف والصنعة ان كهان العرب الذين كان اكثر اهل الجاهلية يتحاكمون اليهم وكانوا يدعون الكهانة وان مع كل واحد منهم رئيا من الجن مثل حازي جهينة ومثل شق وسطيح وعزى سلمة أشباههم كانوا يتكهنون ويحكمون بالاسجاع كقوله والارض والسماء والعقاب والصقعاء واقعة ببقعاء لقد نفر المجد بني العشراء للمجد والسناء وهذا الباب كثير ألا ترى إن ضمرة بن ضمرة وهرم بن قطبة والاقرع بن حابس ونفيل بن عبد العزي كانوا يحكمون وينفرون بالاسجاع وكذلك ربيعة ابن حذار فوقع النهي في ذلك لقرب عهدهم بالجاهلية ولبقيتها فيهم وفي صدور كثير منهم فلما زالت العلة زال التحريم وقد كان الخطباء تتكلم عند الخلفاء الراشدين فتكون في تلك الخطب أسجاع كثيرة فلم ينهوا منهم أحدا وكان الفضل بن عيسى الرقاشي سجاعا في قصصه وكان عمرو بن عبيد وهشام بن حسان وأبان بن أبي عياش يأتون مجلسه قال له داود بن ابي هند لولا انك تفسر القرآن برأيك لأتيناك في مجلسك قال فهل تراني أحرم حلالا وأحل حراما وانما كان يتلو الآية التي فيها ذكر النار والجنة والحشر والموت وأشباه ذلك وقد كان عبد الصمد الفضل وابو العباس القاسم بن يحيى وعامة قصاص البصرة وهم أخطب من الخطباء يجلس اليهم عامة الفقهاء وقد كان النهي ظاهرا عن مرثية أمية بن ابي الصلت لقتلى أهل بدر كقوله هلا بكيت على الكرام بني الكرام أولى الممادح وروى ناس شبيها بذلك في هجاء الاعشى لعلقمة بن علاثة فلما زالت العلة زال النهي وقال ابو واثلة بن خليفة في عبد الملك بن المهلب لقد صبرت للدل أعواد منبر تقوم عليها في يديك قضيب بكى المنبر الغربي إذ قمت فوقه فكادت مسامير الحديد تذوب رأيتك لما شبت أدركك الذي يصيب سراة الأزدحين تشيب سفاهة أحلام وبخل بنائل وفيك لمن عاب المزون عيوب وخطب الوليد بن عبد الملك فقال ان أمير المؤمنين عبد الملك كان يقول
ان الحجاج جلدة ما بين عيني ألا وانه جلدة وجهي كله وخطب الوليد بعد وفاة الحجاج وتوليته يزيد بن أبي مسلم فقال انما مثلي ومثل يزيد بن ابي مسلم بعد الحجاج كمن سقط منه درهم فأصاب دينارا شبيب بن شيبة قال حدثني خالد بن صفوان قال خطبنا يزيد بن المهلب بواسط فقال اني قد اسمع قول الرعاع قد جاء مسلمة وقد جاء العباس وقد جاء اهل الشام وما اهل الشام إلا تسعة أسياف سبعة منها معي واثنان علي واما مسلمة فجرادة صفراء واماالعباس فنسطوس بن نسطوس أتاكم في برابرة وصقالبة وجرامقة وجراجمة وأقباط وأنباط وأخلاط من الناس انما أقبل اليكم الفلاحون والاوباش كأشلاء اللحم والله ما لقوا أقواما قط كحدكم وحديدكم وعدكم و عديدكمأعيروني سواعدكم ساعة من نهار تصفقون بها خراطيمهم فانما هي غدوة أو روحة حتى يحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين ومدح ببشار هزار مرد العتكي بالخطب وركوبه المنابر بل رثاه وابنه فقال ما بال عينك دمعها مسكوب سهرت فانت بنومها محروب وكذاك من صحب الحوادث لم يزل تأتي عليه سلامة ونكوب يا أرض ويحك أكرميه فانه لم يبق للعتكي فيك ضريب أبهى على خشب المنابر قائما يوما وأحزم اذ تشب حروب خطباء البصرة كان سوار بن عبد الله أول تميمى خطب على منبر البصرة ثم خطب عبيد الله بن الحسن وولى منبر البصرة أربعة من القضاة فكانوا قضاة أمراء بلال وسوار وعبيد الله وأحمد بن رباح وكان بلال قاضيا بن قاض بن قاض وقال رؤبة فانت يا ابن القاضيين قاض معتزم على الطريق ماض وقال أبو الحسن المدائني كان عبيد الله بن الحسن حيث وفد على المهدي معزبا أعدله كلاما فبلغه ان الناس أعجبهم كلامه فقال لشبيب بن شيبة أني والله ما التفت الى هؤلاء ولكن سل لي عنها ابا عبيد الله الكاتب فسأله فقال ما أحسن ما تكلم به على أنه اخذ مواعظ الحسن ورسائل غيلان فلقح بينهما كلاما فاخبره بذلك شبيب فقال عبيد الله لا والله ان أخطأ حرفا واحدا وكان محمد بن سليمان له خطبة لا يغيرها وكان يقول ان الله وملائكته فكان يرفع الملائكة فقيل له في ذلك فقال خرجوا لها وجها ولم يكن يدع الرفع قال وصلى بنا زيمة نشكو النحر فخطب فلم يسمع من كلامه الا ذكر أميرالمؤمنين الرشيد وولي عهده محمد قال وكان زهير بن محمد الضبي يداريه اذا قرع المنبر وقال الشاعر أمير المؤمنين اليك نشكو وان كنا نقوم بغير عذر غفرت ذنوبنا وعفوت عنا وليست منك ان تعفو ببكر فان المنبر البصري يشكو على العلات اسحق بن شمر أضبي على خشبات ملك كمركب ثعلب ظهر الهزبر وقال بعض شعراء العسكر يهجو رجلا من أهل العسكر ما زلت تركب كل شيء قائم حتى أجترأت على ركوب المنبر ما زال منبرك الذي دنسته بالامس منك كحائض لم تطهر وقال آخر فما منبر دنسته باست افكل بزاك ولو طهرته بابن طاهر باب اسجاع عبد الله بن المبارك عن بعض أشياخه عن الشعبي قال قال عيسى بن مريم عليه السلام البر ثلاثة المنطق والمنظر والصمت فمن كان منطقه في غير ذكر فقد لغا ومن كان نظره في غير اعتبار فقدسها ومن كان صمته في غير فكر فقد لها وقال علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه أفضل العبادة الصمت وانتظار الفرج وقال يزيد بن المهلب وهو في الحبس والهفاه على طلبة بمائة ألف وفرج في وجبهة الاسد وقال عمر رضي الله تعالى عنه استغزروا الدموع بالتذكر وقال الشاعر ولا يبعث الاحزان مثل التذكر
حفص قال سمعت عيسى بن عمر يقول سمعنا الحسن يقول اقدعوا هذه النفوس فانها طلعة واعصوها فانكم ان أطعتموها ننزع بكم الى شر غاية وحادثوها بالذكر فانها سريعة الدثور قال فحدثت بهذا الحديث أبا عمر وبن العلاء فتعجب من كلامه وقال الشاعر سمعنا بهيجا اوجفت فذكرته ولا يبعث الاحزان مثل التذكر ومن الاسجاع قول أيوب بن القرية وقد كان دعي لكلام فاحتبس القول عليه فقال قد طال السمر وسقط القمر واشتد المطر فماذا ينتظر فاجابه فتى من عبد القيس فقال قد طال الارق وسقط الشفق وكثر اللثق فلينطق من نطق وقال أعرابي لرجل نحن والله اكل منكم للمأدوم واكسب منكم للمعدوم وأعطى منكم للمحروم ووصف اعرابي رجلا فقال ان رفدك لنحيح و ان خيرك لسريح وان منعك لمريح سريح وقال عبد الملك لاعرابي ما أطيب الطعام فقال بكرة سنمة في قدور رذمة يشفار خذمة في غداة شبمة فقال عبد الملك وأبيك لقد أطبت وسئل أعرابي فقيل له ما أشد البرد فقال ريح جربياء في طل عماء في غب سماء ودعا أعرابي فقال اللهم أني أسألك البقاء والنماء وطيب الاتاء وحط الاعداء ورفع الاولياء وقال ابرهيم النخعي لمنصور بن المعتمر سل مسألة الحمقى واحفظ حفظ الكيسي ووصفت عمه حاجز اللص حاجزا ففضلته وقالت كان حاجز لا يسبع ليلة يضاف ولا ينام ليلة يخاف ووصف بعضهم فرسا فقال أقبل بزبرة الاسد وأدبر بعجز الذئب ولما اجتمع الناس وقامت الخطباء لبيعة يزيد واظهر قوم الكراهة قام رجل يقال له يزيد بن المقنع فاخترط من سيفه شبرا ثم قال هذا أمير المؤمنين وأشار بيده الى معاوية فان مات فهذا واشار بيده الى يزيد فمن أبي فهذا واشار بيده الى سيفه فقال معاوية انت سيد الخطباء ولما قامت خطباء نزار عند معاوية فذهبت في الخطب كل مذهب قام صبرة ابن شيمان فقال يا أمير المؤمنين إنا حي فعال ولسنا حي مقال ونحن نبلغ بفعالنا أكثر من مقال غيرنا ولما وفد الاحنف في وجوه أهل البصرة الى عبد الله بن الزبير تكلم ابو حاضر الاسيدي وكان خطيبا جميلا فقال له عبد الله بن الزبير أسكت فوالله لوددت أن لي بكل عشرة من أهل العراق رجلا من اهل الشام صرف الدينار بالدرهم قال يا أمير المؤمنين ان لنا ولك مثلا أفتأذن في ذكره قال نعم قال مثلنا ومثلك ومثل أهل الشام قول الاعشى حيث يقول علقتها عرضا وعلقت رجلا غيري وعلق أحرى غيرها الرجل أحبك اهل العراق وأحببت اهل الشام وأحب اهل الشام عبد الملك ابن مروان علي بن مجاهد عن حميد بن ابي البختري قال ذكر معاوية لابن الزبير بيعة يزيد فقال ابن الزبير اني أناديك ولا اناجيك ان اخاك من صدقك فانظر قبل ان تقدم وتفكر قبل ان تندم فان النطر قبل التقدم والتفكير قبل التندم فضحك معاوية ثم قال تعلمت ابا بكر السجاعة عند الكبر ان في دون ما سجعت به على اخيك ما يكفيك ثم اخذ بيده فأجلسه معه على السرير اخبرنا ثمامة بن أشرس قال لما صرفت اليمانية من اهل مزة الماء عن اهل دمشق ووجهوه الى الصحاري كتب اليهم أبو الهيذام الى بني استها اهل مزة ليمسينني الماء أو لتصبحنكم الخيل قال فوافاهم الماء قبل ان يعتموا اي يصيرون في وقت عتمة الليل وعتمته ظلامه يقال عتم الليل يعتم اذا أظلم واعتم الناس صاروا في وقت العتمة فقال ابو الهيذام الصدق ينبي عنك لا الوعيد وحدثني ثمامة عمق قدم عليه من اهل الشام قال لما بايع الناس يزيد ابن الوليد واتاه الخبر عن مروان بن محمد ببعض التلكؤ والتحبس كتب اليه
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المؤمنين يزيد بن الوليد الى مروان ابن محمد اما بعد فاني أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى فأذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيهما شئت والسلام وههنا مذاهب تدل على اصالة الرأي ومذاهب تدل على تمام النفس وعلى الصلاح والكمال لا أرى كثيرا من الناس يقفون عليها واستعمل عبد الملك بن مروان نافع بن علقمة بن نضلة بن صفوان بن محرث خال مروان على مكة فخطب ذات يوم وأبان بن عثمان بحذاء المنبر فشتم طلحة والزبير فلما نزل قال لأبان أرضيتك من المدهنين في أمير المؤمنين قال لا والله ولكن سؤتني حسبي ان يكونا شركاء في أمره فما أدري ايهما احسن كلام أبان بن عثمان هذا ام إسحق بن عيسى فانه قال أعيذ عليا بالله ان يكون قتل عثمان وأعيذ عثمان بالله ان يقتله علي فمدح عليا بكلام سديد غير نافر ومقبول غير وحشي وذهب الى معنى الحديث في قول رسول الله أشد اهل النار عذابا من قتل نبيا أو قتله نبي ب ح يقول لا يتفق ان يقتله نبي بنفسه إلا وهو أشد خلق الله معاندة وأجرأهم على معصيته فيقول لا يجوز ان يقتله علي إلا وهو مستحق للقتل خطبة من خطب النبي خطب النبي بعشر كلمات حمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس ان لكم معالم فانتهوا الى معالكم وان لكم نهاية فانتهوا الى نهايتكم ان المؤمن بين مخافتين بين عاجل قد مضى لا يدري ما الله صانع به وبين آجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه فليأخذ العبد من نفسه لنفسه ومن دنياه لاخرته ومن الشبيبة قبل الكبرة ومن الحياة قبل الموت فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار ح ابو الحسن المدائني قال تكلم عمار بن ياسر يوما فأوجز فقيل له لو زردتنا قال أمرنا رسول الله باطالة الصلاة وقصر الخطبة محمد بن اسحق عن يعقوب بن عتبة عن شيخ من الانصار من بني زريق ان
ان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لما أتى بسيف النعمان بن المنذر دعا جبير ابن مطعم فسلحه إياه ثم قال يا جبير ممن كان النعمان قال من أشلاء قنص بن معد وكان جبير أنسب العرب وكان أخذ النسب عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وعن جبير أخذ سعيد بن المسيب وروى عن بعض ولد طلحة قال قلت لسعيد بن المسيب علمني النسب قال انت رجل تريد ان تساب الناس وثلاثة في نسق واحد كانوا أصحاب نسب عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه أخذ ذلك عن الخطاب والخطاب بن نفيل ونفيل عبد العزى تنافر اليه عبد المطلب وحرب ابن أمية فنفر عبد المطلب أي حكم لعبد المطلب والمنافرة المحاكمة والنساب اربعة دغفل بن حنظلة وعميرة ابو ضمضام وصبح الحنفي وابن الكيس النمري قال الاصمعي دغفل بن حنظلة النسابة الكبرى وكان نصرانيا ولم يسمه خطب سليمان بن عبد الملك فقال إتخذوا كتاب الله إماما وارضوا به حكما واجعلوه قائدا فانه ناسخ لما قبله ولم ينسخه كتاب بعده وأول كلام بارع سمعوه منه الكلام فيما يعينك خير من السكوت عما يضرك والسكوت عما لا يعنيك خير من الكلام فيما يضرك وقال خلاد بن يزيد الارقط سمعت من يخبرنا عن الشعبي قال ما سمعت متكلما على منبر قط تكلم فأحسن إلا تمنيت ان يسكت خوفا من ان يسيء الا زيادا فانه كلما كان اكثر كان أجود كلاما وكان نوفل بن مساحق اذا دخل على امرأته صمت واذا خرج من عندها تكلم فرأتة يوما كذلك فقالت أما عندي فتطرق واما عند الناس فتنطق قال لاني أدق عن جليلك وتجلين عن دقيقي قال ابو الحسن قاد عياش بن الزبرقان بن بدر الى عبد الملك بن مروان خمسة وعشرين فرسا فلما جلس لينظر اليها نسب كل فرس منها الى جميع ابائه وأمهاته وحلف على كل فرس بيمين غير اليمين التي حلف بها على الفرس الآخر فقال عبد الملك بن مروان عجبي من اختلاف ايمانه أشد من عجبي من معرفته بأنساب الخيل وقال كان للزبرقان بن بدر ثلاثة اسماء القمر والزبرقان والحصين وكانت له ثلاث كنى أبو شذرة وأبو عياش وأبو عباس وكان عياش ابنه خطيبا ماردا شديد العارضة شديد الشكيمة وجيها وله يقول جرير أعياش قد ذاق القيون مرارتي وأوقدت نارا فادن دونك فاصطل فقال عياش اني اذا لمقرور قالوا فغلب عليه باب اسماء الخطباء والبلغاء والابيناء وذكر قبائلهم وأنسابهم كان التدبير في اسماء الخطباء وحالاتهم وأوصافهم ان نذكر اسماء اهل الجاهلية على مراتبهم واسماء اهل الاسلام على منازلهم ونجعل لكل قبيلة منهم خطباء ونقسم أمورهم بابا بابا على حدته ونقدم من قدمه الله عز وجل ورسوله في النسب وفضله في الحسب ولكني لما عجزت عن نظمه وتنضيده تكلفت ذكرهم في الجملة والله المستعان وبه التوفيق ولا حول ولا قوة الا به كان الفضل بن عيسى الرقاشي من أخطب الناس وكان متكلما وكان قاصا مجيدا وكان يجلس اليه عمرو بن عبيد وهشام بن حسان وأبان بن ابي عياش وكثير من الفقهاء وهو رئيس الفضيلة واليه ينسبون وخطب اليه ابنته سوادة بنت الفضل سليمان بن طرخان التيمي فولدت له المعتمر بن سليمان وكان سليمان مباينا للفضل في المقالة فلما ماتت سوادة شهد الجنازة المعتمر وابوه فقدما الفضل وكان الفضل لا يركب الا الحمير فقال له عيسى بن حاضر انك لتؤثر الحمير على جميع المركوب فلم ذلك قال لما فيها من المرافق والمنافع قال مثل اي شيء قال لا تستبدل بالمكان على قدر اختلاف الزمان ثم هي أقلها داء وأيسرها دواء وأسلم صريعا واكثر تصريفا وأسهل مرتقى وأخفض مهوى وأقل جماحا وأشهر فارها وأقل نظيرا يزهى راكبه وقد تواضع بركوبه ويكون مقتصدا وقد أسرف في ثمنه قال ونظر يوما الى حمار فاره تحت سالم بن قتيبة فقال قعدة نبي وبذلة جبار قال عيسى بن حاضر ذهب الى حمار غرير والى حمار مسيح الدجال والى حمار بلعم وكان يقول لو أراد ابو سيارة عميلة بن اعزلة ان يدفع بالموسم على فرس عربي أو جمل مهري لفعل ولكنه ركب عيرا أربعين عاما لانه كان يتأله وقد ضرب به المثل فقالوا أصح من عير أبي سيارة والفضل هو الذي يقول في قصصه سل الارض فقل من شق انهارك وغرس اشجارك وجنى ثمارك فان لم تجبك حوارا اجابتك اعتبارا وكان عبد الصمد بن الفضل اغزر من أبيه واعجب وأبين واخطب وحدثني ابو جعفر الصوفي القاص قال تكلم عبد الصمد في خلق البعوضة وفي جميع شأنها ثلاثة مجالس تامة وكان يزيد بن أبان عم الفضل بن عيسى بن أبان الرقاشي من اصحاب أنس والحسن كان يتكلم في مجلس الحسن وكان زاهدا عابدا وعالما فاضلا وكان قاصا مجيدا قال ابو عبيدة وكان ابوهم خطيبا وكذلك جدهم وكانوا خطباء الاكاسرة فلما سبوا وولد لهم الاولاد في بلاد الاسلام وفي جزيرة العرب نزعهم ذلك العرق فقاموا في اهل هذه اللغة كمقامهم في أهل تلك اللغة وفيهم شعر وخطب وما زالوا كذلك حتى اصهر الغرباء اليهم ففسد ذلك العرق ودخله الخور ومن خطباء إياد قس بن ساعدة وهو الذي قال فيه النبي رأيته بسوق عكاظ على جمل احمر وهو يقول أيها الناس اجتمعوا فاسمعوا وعوا من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت وهو القائل في هذه ايات محكمات مطر ونبات واباء وأمهات وذاهب وات ونجوم تمور وبحور لا تغور وسقف مرفوع ومهاد موضوع وليل داج وسماء ذات أبراج مالي أرى الناس يموتون ولا يرجعون أرضوا فأقاموا أم حبسوا فناموا وهو القائل يا معشر إياد أين ثمود وعاد وأين الآباء والاجداد اين المعروف الذي لم يشكر والظلم الذي لم ينكر أقسم قس قسما بالله ان لله دينا هوأرضى له من دينكم هذا وأنشدوا له هذه في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر لما رأيت مواردا للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها تمضي الأكابر والأصاغر لا يرجع الماضي ولا يبقى من الباقين غابر أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر ومن الخطباء زيد بن علي بن الحسين وكان خالد بن عبد الله أقر على زيد بن علي وداود بن علي وايوب بن سلمة المخزومي وعلي بن محمد بن عمر بن علي وعلى ابن سعد بن ابراهيم بن الرحمن بن عوف فسأل هشام زيدا عن ذلك فقال أحلف لك قال واذا حلفت اصدقك قال زيد اتق الله قال أو مثلك يا زيد يأمر مثلي بتقوى الله قال زيد لا احد فوق ان يوصى بتقوى الله ولا دون ان يوصي بتقوى الله قال هشام بلغني انك تريد الخلافة ولا تصلح لها لانك ابن أمة قال زيد فقد كان اسماعيل بن ابراهيم صلوات الله عليه ابن أمة واسحق عليه السلام ابن حرة فأخرج الله عز وجل من صلب اسماعيل عليه السلام خير ولد آدم محمدا فعندها قال له قم قال اذا لا تراني الا حيث تكره ولما خرج من الدار قال ما احب احد الحياة قط الا ذل فقال له سالم مولى هشام لا يسمعن هذا الكلام منك احد وقال محمد بن عمير ان زيدا لما رأى الارض قد طبقت جورا ورأى قلة الاعوان ورأى تخاذل الناس كانت الشهادة احب المنيات اليه وكان زيد كثيرا ما ينشد شرده الخوف وزرى به كذاك من يكره حر الجلاد منخرق الخفين يشكو الوحى تنكبه أطراف مرو جداد قد كان في الموت له راحة والموت حتم في رقاب العباد قال وكثيرا ما ينشد شعر العبسي في ذلك ان المحكم من لم يرتقب حسبا أو يرهب السيف أو حد القنا جنفا من عاذ بالسيف لاقى فرصة عجبا موتا على عجل أو عاش منتصفا ولما بعث يوسف بن عمر برأس زيد ونصر بن خزيمة مع شيبة بن عقال وكلف ال أبي طالب ان يبرأوا من زيد ويقوم خطباؤهم بذلك فأول من قام عبد الله بن الحسن فأوجز في كلامه ثم جلس ثم قام عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر فاطنب في كلامه وكان شاعرا بينا وخطيبا لسنا فانصرف الناس وهم يقولون ابن الطيار أخطب الناس فقيل لعبد الله بن الحسن في ذلك فقال لو شئت ان اقول لقلت ولكن لم يكن مقام سرور فأعجب الناس ذلك منه ومن اهل الدهاء والنكراء ومن اهل اللسن واللقن والجواب العجيب والكلام الصحيح والامثال السائرة والمخارج العجيبة هند بنت الخس وهي الزرقاء وخمعة بنت حابس ويقال ان حابسا من إياد وقال عامر ابن عبد الله الفزاري جمع بين هند وخمعة فقيل لخمعة أي الرجال احب اليك قالت الشنق الكبد الظاهر الجلد الشديد الجذب بالمسد فقيل لهند اي الرجال احب اليك قالت القريب الامد الواسع البلد الذي يوفد اليه ولا يفد وقد سئلت هند عن حر الصيف وبرد الشتاء فقالت من جعل بؤسا كأذى وقد ضرب بها المثل فمن ذلك قول ليلى بنت النضر الشاعرة وكنز ابن جدعان دلالة أمه وكانت كبنت الخس أو هي أكبر وقال ابن الاعرابي يقال بنت الخس وبنت الخص وهي الزرقاء وبنت الخسف وقال يونس لا يقال الا بنت الاخس وهي الزرقاء وقال ابو عمرو بن العلاء داهيتا نساء العرب هند الزرقاء وعنز الزرقاء وهي زرقاء اليمامة قال اليقطري قيل لعبد الله بن الحسن ما تقول في المراء قال ما عسى ان أقول في شيء يفسد الصداقة القديمة ويحتل العقدة الوثيقة وان كان لأقل ما فيه ان يكون دربه للمغالبة والمغالبة من امتن أسباب الفتنة ان رسول الله لما أتاه السائب بن صيفي فقال اتعرفني يا رسول الله قال كيف لا اعرف شريكي الذي كان لا يشاريني ولا يماريني قال فتحولت الى زيد بن علي فقلت له الصمت خير ام الكلام قال أخزى الله المساكتة فما أفسدها للبيان وأجلبها للحصر والله للمماراة أسرع في هدم العي من النار في يبس العرفج ومن السيل في الحدور وقد عرف زيد ان المماراة ولكنه قال المماراة مذمومة على ما فيها اقل ضررا من المساكتة التي تورث البلدة وتحل العقدة وتفسد المنة وتورث عللا وتولد أدواء أيسرها العي فالى هذا المعنى ذهب زيد ومن الخطباء خالد بن سلمة المخزومي من قريش وأبو حاضر وسالم وقد تكلم عند الخلفاء ومن خطباء بني أسيد الحكم بن يزيد بن عمير وقد رأس ومن اهل اللسان منهم والبيان الحجاج بن عمير بن زيد ومن الخطباء سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية وقيل لسعيد بن المسيب من أبلغ الناس قال رسول الله فقيل له ليس عن هذا نسألك قال معاوية وابنه وسعيد وابنه وما كان ابن الزبير بدونهم ولكن لم يكن لكلامه طلاوة مقبوله فمن العجب ان ابن الزبير ملا دفاتر العلماء كلاما وهم لا يحفظون لسعيد ابن العاص وابنه من الكلام الا ما لا بال له وكان سعيد جوادا ولم ينزع قميصه قط وكان أسود نحيفا وكان يقال له عكة العسل وقال الحطيئة سعيد فلا يغروك قلة لحمه تخدد عنه اللحم وهو صليب وكان اول من خش الابل في نفس عظم الانف وكان في تدبيره اضطراب وقال قائل من أهل الكوفة يا ويلنا قد ذهب الوليد وجاءنا مجوعا سعيد ينقص في الصاع ولا يزيد والامراء تتحبب الى الرعية بزيادة المكاييل ولو كان المذهب في الزيادة في الاوزان كالمذهب في الزيادة في المكاييل ما قصروا كما سأل الاحنف عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الزيادة في المكاييل ولذلك اختلفت أسماء المكاييل كالزيادي والفالج والخالدي حتى صرنا الى هذا الملجم اليوم ثم من الخطباء عمرو بن سعيد وهوالاشدق يقال ان ذلك إنما قيل له لتشادقه في الكلام وقال اخرون بل كان أفقم مائل الذقن ولذلك قال عبيد الله بن زياد حين اهوى الى عبد الله بن معاوية يدك عنه يا لطيم الشيطان ويا عاصي الرحمن وقال الشاعر وعمرو لطيم الجن وابن محمد بأسوأ هذا الامر ملتبسان ذكر ذلك عن عوانة وهذا خلاف قول الشاعر تشادق حتى مال بالقول شدقه وكل خطيب لا أبالك أشدق وكان معاوية قد دعا به غلمة من قريش فلما استنطقه قال ان اول كل مركب صعب وان مع اليوم غدا وقال له الى من أوصى بك أبوك قال ان أبي أوصى الي ولم يوص بي قال وبأي شيء أوصاك قال بان لا يفقد اخوانه منه الا شخصه فقال معاوية عند ذلك ان ابن سعيد هذا لأشدق فهذا يدل عنهم على انه سمي بالاشدق لمكان التشادق ثم كان بعد عمرو بن سعيد سعيد بن عمرو بن سعيد وكان ناسبا خطيبا وأعظم الناس كبرا وقيل له عند الموت ان المريض ليستريح الى الانين والى ان يصف ما به الى الطبيب فقال أجاليد من ريب المنون فلا ترى على هالك عينا لنا الدهر تدمع ودخل على عبد الملك مع خطباء قريش وأشرافهم فتكلموا من قيام وتكلم وهو جالس فتبسم عبد الملك وقال لقد رجوت عثرته ولقد أحسن حتى خفت عثرته فسعيد بن عمرو بن سعيد خطيب ابن خطيب ابن خطيب ومن الخطباء سهيل بن عمرو الاعلم احد بني حسل بن معيص وكان يكنى أبا يزيد وكان عظيم القدر شريف النفس صحيح الاسلام وكان عمر رضي الله تعالى عنه قال للنبي يا رسول الله انزع ثنيتيه السفليين حتى يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا أبدا فقال رسول الله لا أمثل فيمثل الله بي وان كنت نبيا دعه يا عمر فعسى ان يقوم مقاما نحمده فلما هاج أهل مكة عند الذي بلغهم من وفاة رسول الله قام خطيبا فقال أيها الناس ان يكن محمد قد مات فان الله حي لم يمت وقد علمتم أني اكثركم قتبا في بر وجارية في بحر فأقروا أميركم وأنا ضامن ان لم يتم الامر ان أردها عليكم فسكن الناس وهو الذي قال يوم خرج اذن عمر وهو بالباب وعيينه بن حصن والاقرع بن حابس وفلان وفلان فقال الاذن أين بلال أين صهيب أين سلمان أين عمار فتمعرت وجوه القوم فقال سهيل لم تتمعر وجوهكم دعوا ودعينا فأسرعوا وأبطأنا ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد الله لهم في الجنة أكثر ومن الخطباء عبد الله بن عروة بن الزبير قالوا كان خالد بن صفوان يشبه به وما علمت انه كان في الخطباء احد اجود خطباء خالد بن صفوان وشبيب ابن شيبة للذي يحفظ الناس ويدور على ألسنتهم من كلامهما وما علمنا أن احدا ولد لهما حرفا واحدا ومن النسابين من بني العنبر ثم من بني المنذر الخنف بن زيد بن جعونة وهو الذي تعرض له دغفل بن حنظلة العلامة عند ابن عامر بالبصرة فقال له متى عهدك بسجاح ام صادر فقال له مالي بها عهد منذ أضلت أم حلس وهي بعض أمهات دغفل فقال له أنشدتك بالله أنحن كنا لكم اكثر غزوا في الجاهلية أو انتم لنا قال بل أنتم فلم تفلحوا ولم تنجحوا غزانا فارسكم وسيدكم وابن سيدكم فهزمناه مرة وأسرناه مرة وقتلناه مرة واخذنا في فدائه خدر أمه وغزانا أكثركم غزوا وأنبهكم في ذلك ذكرا فأعرجناه ثم أرجلناه فقال ابن عامر أسألكما بالله لما كففتما وكان عبد الله بن عامر ومصعب بن الزبير يحبان ان يعرفا حالات الناس فكانا يغريان بين الوجوه وبين العلماء فلا جرم أنهما كانا اذا سبا أوجعا وكان ابو بكر رضي الله تعالى عنه أنسب هذه الامة ثم عمر ثم حبير ابن مطعم ثم سعيد بن المسيب ثم محمد بن سعيد بن المسيب ومحمد هو الذي نفى الى عنكة المخزوميين فرفع ذلك الى والي المدينة فجلده الحد وكان ينشد ويربوع بن عنكة إبن أرض وأعتقه هبيرة بعد حين ومن النسابين العلماء عتبة بن عمرو بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وكان من ذوي الرأي والدهاء وكان ذا منزلة من الحجاج بن يوسف وعمر بن عبد الرحمن خامس خمسة في الشرف وكان هو الساعي بين الازد وتميم في الصلح ومن بني الحرقوس شعبة بن القلعم وكان ذا لسان وجواب وعارضة وكان وصافا فصيحا وبنوه عبد الله وعمر وخالد كلهم كانوا في هذه الصفة غير ان خالدا كان قد جمع مع بلاغة اللسان العلم والحلاوة والظرف وكان الحجاج لا يصبر عنه ومن بني أسيد بن عمرو بن تميم ابو بكر بن الحكم كان ناسبا راوية شاعرا وكان أحلى الناس لسانا وأحسنهم منطقا واكثرهم تصرفا وهو الذي يقول له رؤبة لقد خشيت ان تكون ساحرا راوية طورا وطورا شاعرا ومنهم معلل بن خالد احد بني أنمار بن الهجيم وكان نسابة علامة راوية صدوقا مقلدا وذكر للمنتجع بن نبهان فقال كان لا يجاري ولا يماري ومنهم من بني العنبر ثم من بني عمرو بن جندب أبو الخنسا عباد بن كسيب وكان شاعرا علامة وراوية نسابة وكانت له حرمة بأبي جعفر المنصور ومنهم عمرو بن خولة كان ناسبا خطيبا وراوية فصيحا من ولد سعيد بن العاص والذي أتى سعيد بن المسيب ليعلمه النسب هو اسحق بن يحيى بن طلحة وكان يحيى بن عروة بن الزبير ناسبا عالما ضربه ابرهيم بن هشام المخزومي والي المدينة حتى مات لبعض القول وكان مصعب بن عبد الله بن ثابت ناسبا عالما ومن ولده الزبيري عامل الرشيد على المدينة واليمن ومنهم ثم من قريش محمد بن جعفر بن حفص وهو ابن عائشة ويكنى أبا بكر وابنه عبيد الله كان يجري مجراه يكنى أبا عبد الرحمن ومن خزاعة بن مازن أبو عمرو وأبو سفيان ابنا العلاء بن عمار ابن العريان فأما أبوعمرو فكان اعلم الناس بأمور العرب مع صحة سماع وصدق لسان وحدثني الاصمعي قال جلست الى أبي عمرو عشر حجج ما سمعته يحتج ببيت اسلامي قال وقال مرة لقد كثر هذا المحدث وحسن حتى هممت ان امر فتياننا بروايته يعني شعر جرير والفرزدق وأشباههما وحدثني أبو عبيدة قال كان أبو عمر اعلم الناس بالعرب والعربية وبالقراءة والشعر وأيام الناس وكانت داره خلف دار جعفر بن سليمان وكانت كتبه التي كتب عن العرب الفصحاء قد ملأت بيتا له الى قريب من السقف ثم انه تقرأها فاحرقها كلها فلما رجع بعد الى علمه الاول لم يكن عنده الا ما حفظه بقلبه وكان عامة اخباره عن أعراب قد ادركوا الجاهلية وفي أبي عمرو بن العلاء يقول الفرزدق ما زلت افتح أبوابا واغلقها حتى أتيت أبا عمرو بن عمار فاذا كان الفرزدق وهو راوية الناس وشاعرهم وصاحب أخبارهم يقول فيه مثل هذا القول فهو الذي لا يشك في خطابته وبلاغته وقال يونس لولا شعر الفرزدق لذهب نصف أخبار الناس وقال في أبي عمرو مكي ين سوادة الجامع العلم ننساه ويحفظه والصادق القول ان انداده كذبوا وكان أبو سفيان بن العلاء ناسبا وكلاهما كناهما أسماؤهما وكذلك أبو عمرو بن لبيد و أبوسفيان بن العلاء بن لبيد التغلبي خليفة عيسى ابن شبيب المازني على شرط البصرة وكان عقيل بن أبي طالب ناسبا عالما بالامهات بين اللسان شديد الجواب لا يقوم له احد وكان ابو الجهم بن حذيفة العدوي ناسبا شديد العارضة كثير الذكر للامهات بالمثالب ورؤساء النسابين دغفل بن حنظلة احد بني عمرو بن شيبان لم يدرك الناس مثله لسانا وعلما وحفظا ومن هذه الطبقة زيد بن الكيس النمري ومن نسابي كلب محمد ابن السائب وهشام بن محمد بن السائب وشرقي بن القطامي وكان أعلاهم في العلم ومن ضرب به المثل حماد بن بشر
قال سماك العكلي فسائل دغفلا وأخا هلال ونخارا ينبئك اليقينا وقد ذكرنا دغفلا وأخو هلال هو زيد بن الكيس وبنو هلال حي من النمر بن قاسط وقال مسكين بن أنيف الدارمي في ذلك وعند الكيس النمري علم ولو أمسى بمنخرق الشمال وقال ثابت قطنة فما العضان لو سئلا جميعا أخو بكر وزيد بني هلال ولا الكلبي حماد بن بشر ولا من قاد في الزمن الخوالي وقال زياد الاعجم بل لو سألت أخا ربيعة دغفلا لوجدت في شيبان نسبة دغفل إن الاحاين والذين يلونهم شر الأنام ونسل عبد الأعزل يهجو فيها بني الخنساء ومنهم أياس النصري كان أنسب الناس وهو الذي قال كانوا يقولون اشعر العرب ابو دؤاد الايادي وعدي بن زيد العبادي وكان ابو نوفل بن ابي عقرب علامة ناسبا خطيبا فصيحا وهورجل من كنانة احد بني عريج ومن بني كنانة ثم من بني الشداخ يزيد بن بكر بن دأب وكان يزيد عالما ناسبا وراية شاعرا وهو القائل الله يعلم في علي علمه وكذاك علم الله في عثمان وولد يزيد يحيى وعيسى هوالذي يعرف في العامة بابن دأب وكان من احسن الناس حديثا وبيانا وكان شاعرا راوية وصاحب رسائل وخطب وكان يجيدها جدا ومن آل دأب حذيفة بن دأب وكان عالما ناسبا وفي آل دأب علم بالنسب والخبر وكان ابو الاسود الدؤلي واسمه ظالم بن عمرو بن جندل بن سفيان خطيبا عالما وكان قد جمع شدة العقل وصواب الرأي وجودة اللسان وقول الشعر والظرف وهو يعد في هذه الاصناف وفي الشيعة وفي العرجان وفي المفاليج وعلى كل شيء من هذا شاهد سيقع في موضعه ان شاء الله تعالى وقال الخس لابنته هند أريد شراء فحل لابلي قالت ان اشتريته فاشتره اسجح الخدين غائر العينين ارقب اخرم اعكى اكوم ان عصى غشم وان أطيع تجرثم وهي التي قالت لما قيل لها ما حملك على ان زنيت بعبدك قالت طول السواد وقرب الوساد وقال الشاعر في السواد ويفهم قول الحكل لو ان ذرة تساود أخرى لم يفته سوادها قالوا وعاتب هشام بن عبد الملك زيد بن علي فقال له بلغني عنك شيء فقال يا أمير المؤمنين احلف لك قال واذا حلفت لي أصدقك قال نعم ان الله لم يرفع احدا فوق ان لا يرضى به ولم يضع احدا دون ان لا يرضى منه به كان زياد بن ظبيان التيمي العايشي خطيبا فدخل عليه ابنه عبيد الله وهو يكيد بنفسه قال ألا اوصى بك الامير زيادا قال لا قال ولم قال اذا لم يكن للحي الا وصية الميت فالحي هو الميت وكان عبيد الله افتك الناس وأخطب الناس وهو الذي اتى باب مالك ابن مسمع ومعه نار ليحرق عليه داره وقد كان نابه أمر فلم يرسل اليه قبل الناس فأشرف عليه مالك فقال مهلا يا أبا مطر فوالله ان في كنانتي سهما انا به أوثق مني بك قال وانك لتعدني في كنانتك فوالله لو ان قمت فيها لطلتها ولو قعدت فيها لخرقتها قال مالك مهلا اكثر الله في العشيرة مثلك قال لقد سألت الله شططا ودخل عبيد الله على عبد الملك بن مروان بعد ان أتاه برأس مصعب ابن الزبير ومعه ناس من وجوه بكر بن وائل فأراد ان يقعد معه على سريره فقال له عبد الملك ما بال الناس يزعمون انك لا تشبه أباك قال والله لأنا اشبه بأبي من الليل بالليل والغراب بالغراب والماء بالماء ولكن ان شئت انبأتك بمن لا يشبه أباه قال ومن ذاك قال من لم يولد لتمام ولم تنضجه الارحام ولا يشبه الاخوال والاعمام قال ومن ذاك قال ابن عمي سويد ابن منجوف قال عبد الملك أو كذلك انت يا سويد قال نعم فلما خرجا من عنده اقبل عليه سويد فقال وريت بك زنادي والله ما يسرني انك نقصته حرفا واحد مما قلت له وان لي حمر النعم قال وأنا والله ما يسرني بحلمك اليوم عني سود النعم وأتى عبيد الله عتاب بن ورقاء وعتاب على اصبهان فأعطاه عشرين ألف درهم فقال والله ما احسنت فاحمدك ولا اسأت فأذمك واني لأقرب البعداء وأبعد القرباء وقال أشيم بن شقيق بن ثور لعبيد الله بن زياد بن ظبيان ما انت قائل لربك وقد حملت رأس مصعب بن الزبير الى عبد الملك بن مروان قال اسكت فأنت يوم القيامة أخطب من صعصعة بن صوحان اذا تكلمت الخوارج فما ظنك ببلاغة رجل عبيد الله بن زياد يضرب به المثل وانما اردنا بهذا الحديث خاصة الدلالة على تقديم صعصعة بن صوحان في الخطب وأولى من كل دلالة استنطاق علي له وكان عثمان بن عروة أخطب الناس وهو الذي قال والشكر وان قل ثمن لكل نوال وان جل وكان ثابت بن عبد الله بن الزبير من أبين الناس ولم يكن خطيبا وكان قسامة بن زهير احد بني رزام بن مازن مع زهده ونسكه ومنطقه من أبين الناس وكان يعدل بعامر بن عبد قيس في زهده ومنطقه وهو الذي قال روحوا هذه القلوب تعي الذكر وهو الذي قال يا معشر الناس ان كلامكم اكثر من صمتكم فاستعينوا على الكلام بالصمت وعلى الصواب بالفكر وهو الذي كان رسول عمر في البحث عن شأن المغيرة وشهادة أبي بكرة وكان خالد بن يزيد بن معاوية خطيبا شاعرا وفصيحا جامعا وجيد الرأي كثير الأدب وكان اول من ترجم كتب النجوم والطب والكيمياء ومن خطباء قريش خالد بن سلمة المخزومي وهو ذو الشفة وقال الشاعر في ذلك فما كان قائلهم دغفل ولا الحيقطان ولا ذو الشفه
ومن خطباء العرب عطارد بن حاجب بن زرارة وهو كان الخطيب عند النبي وقال فيه الفرزدق بن غالب ومنا خطيب لا يعاب وحامل أغر اذا التفت عليه المجامع ومن الخطباء عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وكان مع ذلك راوية ناسبا شاعرا ولما رجع عن قول المرجئة الى قول الشيعة قال وأول ما نفارق غير شك نفارق ما يقول المرجئونا وقالوا مؤمن من ال جور وليس المؤمنون يجائرينا وقالوا مؤمن دمه حلال وقد حرمت دماء المؤمنينا وكان حين هرب الى محمد بن مروان في فل ابن الاشعث ألزمه ابنه يؤدبه ويقومه فقال له يوما كيف ترى ابن اخيك قال ألزمتني رجلا ان غبت عنه عتب وان أتيته حجب وان عاتبته غضب ثم لزم عمر بن عبد العزيز وكان ذا منزلة منه قالوا وله يقول جرير يا أيها الرجل المرخي عمامته هذا زمانك إني قد مضى زمني أبلغ خليفتنا ان كنت لاقيه اني لدى الباب كالمشدود في قرن وقد راك وفود الخافقين معا ومذ وليت أمور الناس لم ترني وكان الجارود بن أبي سبرة ويكنى أبا نوفل من أبين الناس واحسنهم حديثا وكان راوية علامة شاعرا مفلقا وكان من رجال الشيعة ولما استنطقه الحجاج قال ما ظننت ان بالعراق مثل هذا وكان يقول ما امكنني وال قط من أذنه إلا غلبت عليه ما خلا هذا اليهودي يعني بلال بن أبي برده وكان عليه متحاملا فلما بلغه انه دهق حتى دقت ساقه وجعل الوتر في خصييه انشأ يقول لقد قر عيني أن ساقيه دقتا وان قوى الأوتار في البيضة اليسرى بخلت وراجعت الخيانة والخنا فيسرك الله المقدس للعسرى فما جذع سوء خرب السوس جوفه يعالجه النجار يبري كما تبرى ومن الخطباء الذين لا يضاهون ولا يجارون عبد الله بن عباس قالوا خطبنا بمكة وعثمان رضي الله تعالى عنه محاصرا خطبة لو شهدتها الترك والديلم لا سلمتا وذكره حسان بن ثابت فقال
اذا قال لم يترك مقالا لقائل بملتقطات لا ترى بينها فصلا كفى وشفى ما في النفوس ولم يدع لذي إربه في القول جدا ولا هزلا سموت الى العليا بغير مشقة فنلت ذراها لا دنيا ولا وغلا وقال الحسن كان عبد الله بن عباس اول من عرف بالبصرة صعد المنبر فقرأ البقرة وآل عمران ففسرهما حرفا حرفا وكان والله مثجا يسيل غربا وكان يسمى البحر وحبر قريش وقال النبي اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل وقال عمر غص غواص ونظر اليه يتكلم فقال شنشنة أعرفها من أخزم الشعر لأبي اخزم الطائي وهو جد ابي حاتم طي أو جد جده وكان له ابن يقال له اخزم فمات وترك بنين فوثبوا يوما على جدهم ابي اخزم فأدموه فقال إن بني زملوني بالدم شنشنة اعرفها من أخزم اي انهم اشبهوا أباهم في طبيعته وخلقه وأحسبه كان به عاقا فهكذا ذكر ابن الكلبي والشنشنة مثل الطبيعة والسجية فأراد عمر رضي الله تعالى عنه إني اعرف فيك مشابهة في ابيك في رايه وعقله ويقال انه لم يكن لقرشي مثل رأي العباس ومن خطباء بني هاشم ايضا داود بن علي وكان يكنى ابا سليمان وكان انطق الناس وأجودهم ارتجالا واقتضابا للقول ويقال انه لم يتقدم في تحبير خطبة قط وله كلام معروف محفوظ فمن ذلك خطبته على أهل مكة شكرا شكرا أما والله ما خرجنا لنحتفر فيكم نهرا ولا لنبني فيكم قصرا أظن عدو الله ان لم نظفر به ان ارخى له في زمامه حتى عثر في فضل خطامه فالآن عاد الامر في نصابه وطلعت الشمس من مطلعها وأخذ القوس باريها وعاد النبل الى النزعة ورجع الامر الى مستقره في اهل بيت نبيكم أهل بيت الرأفة والرحمة ومن خطباء بني هاشم عبد الله بن الحسن وهو القائل لابنه ابراهيم أو محمد اي بني إني مؤد اليك حق الله في تأديبك فأد ألي حق الله في حسن الاستماع اي بني كف الأذى وارفض البذاء واستعن على الكلام بطول الفكر في المواطن التي تدعوك نفسك فيها الى القول فان للقول ساعات يضر فيها الخطأ ولا ينفع فيها الصواب واحذر مشورة الجاهل وان كان ناصحا كما تحذر مشورة العاقل اذا كان غاشا يوشك ان يورطاك بمشورتهما فيسبق اليك مكر العاقل وغرارة الجاهل قال الحسن بن خليل كان المأمون قد استثقل سهل بن هرون فدخل عليه سهل يوما والناس عنده على منازلهم فتكلم المأمون بكلام فذهب فيه كل مذهب فلما فرغ المأمون من كلامه اقبل سهل بن هرون على ذلك الجمع فقال ما لكم تسمعون ولا تعون وتشاهدون ولا تفهمون وتفهمون ولا تعجبون وتنظرون ولا تبصرون والله انه ليفعل ويقول في اليوم القصير مثل ما فعل بنو مروان وقالوا في الدهر الطويل عربكم كعجمهم وعجمكم كعبيدهم ولكن كيف يعرف الدواء من لا يشعر بالداء قال فرجع له المأمون بعد ذلك الى الرأي الاول ومن خطباء بني هاشم ثم من ولد جعفر بن سليمان سليمان بن جعفر والي مكة قال المكي سمعت مشايخنا من اهل مكة يقولون انه لم يرد عليهم أمير منذ عقلوا الكلام إلا و سليمان أبين منه قاعدا وأخطب منه قائما وكان داود بن جعفر اذا خطب اسحنفر فلم يرده شيء وكان في لسانه شبيه بالرثة وكان ايوب فوق داود في الكلام والبيان ولم يكن له مقامات داود في الخطب قال عيسى بن اسحق لداود بن جعفر بلغني ان معاوية قال للنخار بن أوس ابغني محدثا قال ومعي امير المؤمنين تريد محدثا قال نعم استريح منك اليه ومنه اليك وانا لا استريح الى غير حديثك ولا يكون صمتك في حال من الحالات اوفق لي من كلامك وكان اسماعيل بن جعفر من أدق الناس لسانا واحسنهم بيانا ومن خطباء بني هاشم جعفر بن حسن بن الحسين بن علي وكان احد من ينازع زيدا في الوصية فكان الناس يجتمعون ليسمعوا مجاوباتهما فقط وجماعة من ولد العباس في عصر واحد لم يكن لهم نظراء في اصالة الرأي وفي الكمال والجلالة وفي العلم بقريش والدولة وبرجال الدعوة مع البيان العجيب والغور البعيد والنفوس الشريفة والاقدار الرفيعة وكانوا فوق الخطباء وفوق اصحاب الاخبار وكانوا يجلون عن هذه الاسماء الا ان يصف الواصف بعضهم ببعض ذلك منهم عبد الملك بن صالح سأله الرشيد وسليمان بن ابي جعفر وعيسى ابن جعفر شاهدان فقال له كيف رايت أرض كذا وكذا قال مسافي ريح ومنابت شيح قال فأرض كذا وكذا قال هضاب حمر وبراث عفر حتى اتى على جميع ما أراد فقال عيسى لسليمان والله ما ينبغي لنا ان نرضى لانفسنا بالدون من الكلام ومن هؤلاء عبد الله بن صالح والعباس بن محمد واسحق بن عيسى واسحق بن سلمان وايوب بن جعفر هؤلاء كانوا أعلم بقريش وبالدولة وبرجال الدعوة من المعروفين برواية الاخبار وكان ابراهيم بن السندي يحدثني عن هؤلاء بشيء هو خلاف ما في كتب الهيثم بن عدي وابن الكلبي واذا سمعته علمت انه ليس من المؤلف المزور وكان عبد الله بن علي وداود بن علي يعدلان بأمة من الامم ومن مواليهم إبراهيم ونصر ابنا السندي فأما نصر فكان صاحب اخبار واحاديث وكان لا يعدو حديث ابن الكلبي والهيثم واما إبراهيم فانه كان رجلا لا نظير له وكان خطيبا وكان ناسبا وكان فقيها وكان نحويا عروضيا وحافظا للحديث راوية للشعر شاعرا وكان فخم الالفاظ شريف المعاني وكان كاتب القلم كاتب العمل وكان يتكلم بكلام رؤبة ويعمل في الخراج بعمل زاذان فروح الاعور وكان منجما طبيبا وكان من رؤساء المتكلمين وعالما بالدولة وبرجال الدعوة وكان احفظ الناس لما سمع وأقلهم نوما وأصبرهم على السهر ومن خطباء تميم جحدب وكان خطيبا راوية وكان قضى على جرير في بعض مذاهبه فقال جرير قبح الاله ولا يقبح غيره بظرا تفلق عن مفارق جحدب وهو الذمي كان لقيه خالد بن سلمة المخزومي الخطيب الناسب فقال والله ما انت من حنظلة الاكرمين ولا سعد الاكثرين ولا عمرو الاسدين وما في تميم خير بعد هؤلاء فقال له جحدب والله انك لمن قريش وما انت من بيتها ولا من ثبوتها ولا من شورها وخلافتها ولا من اهل سدانتها وسقايتها وهو شبيه بما قال خالد بن صفوان للعبدري فانه قال له هشمتك هاشم وأمتك أمية وخزمتك مخزوم وانت من عبد دارها ومنتهى عارها تفتح لها الابواب اذا أقبلت وتغلقها اذا أدبرت ومن ولد المنذر عبد الله بن شبرمة بن طفيل بن هبيرة بن المنذر وكان فقيها عالما قاضيا وكان راوية شاعرا وكان خطيبا ناسبا وكان حاضر الجواب مفوها وكان لاجتماع هذه الخصال فيه يشبه بعامر الشعبي وكان يكنى ابا شبرمة وقال يحيى بن نوفل لما سألت الناس اين المكرمة والعز والجرثومة المقدمة وأين فاروق الامور المحكمة تتابع الناس على ابن شبرمة ابن شبرمة الذي يقول في ابن أبي ليلى وكيف ترجى لفصل القضاء ولم تصب الحكم في نفسكا فتزعم أنك لابن الجلاح وهيهات دعواك من اصلكا وقال رجل من فقهاء المدينة من عندنا خرج العلم فقال ابن شبرمة نعم ثم لم يرجع اليكم وقال عيسى بن موسى دلوني على رجل أوليه مكان كذا وكذا فقال ابن شبرمة أصلح الله الامير هل لك في رجل ان دعوتموه أجابكم وان تركتموه لم يأتكم ليس بالملح طلبا ولا بالممعن هربا وسئل عن رجل فقال ان له شرفا وبيتا وقدما ونظروا فاذا هو ساقط من السفلة فقيل له في ذلك فقال ما كذبت شرفه أذناه وقدمه التي يمشي عليها ولا بد من ان يكون له بيت يأوي اليه قال ابو اسحق بل كذبت انما هو كقول القائل حين سأله بعض من اراد تزويج حرمه عن رجل فقال هو يبيع الدواب فلما نظروا في أمره وجدوه يبيع السنانير فلما سئل عن ذلك قال ما كذبت لان السنور دابة قال أبو اسحق بل لعمري لقد كذب وهذا مثل القائل حين سئل عن رجل في تزويج امرأة فقال رزين المجلس نافذ الطعنة فحسبوه سيدا فارسا فنظروا فوجدوه خياطا فسئل عن ذلك فقال ما كذبت انه لطويل الجلوس جيد الطعن بالابرة فقال ابو اسحق بل لعمري لقد كذب لانه قد غرهم منه وكذلك لو سأله رجل عن رجل يريد ان يسلفه مالا عظيما فقال هو يملك مالا كان يبيعه بمائة الف ومائة الف فلما بايعه الرجل وجده معدما ضعيف الحيلة فلما قيل له في ذلك قال ما كذبت لانه يملك عينيه وأذنيه وأنفه وشفتيه حتى عد جميع أعضائه وجوارحه ومن قال للمستشير هذا القول فقد غره وذلك مما لا يحل في دين ولا يحسن في الحرية وهذا القول معصية لله تعالى والمعصية لا تكون صدقا وأدنى منازل هذا الخبر لا يسمى صدقا فأما التسمية له بالكذب فان فيها كلاما يطول ومن الخطباء المشهورين في العوام والمقدمين في الخواص خالد بن صفوان الاهتمي زعموا جميعا انه كان عند ابي العباس امير المؤمنين وكان من سماره واهل المنزلة عنده ففخر عليه ناس من بلحارث بن كعب وأكثروا في القول فقال ابوالعباس لم لا تتكلم يا خالد فقال أخوال امير المؤمنين وعصبته قال فانتم أعمام امير المؤمنين وعصبته قال خالد وما عسى ان أقول لقوم كانوا بين ناسج برد ودابغ جلد وسائس قرد وراكب عرد دل عليهم هدهد وغرقتهم فأرة وملكتهم امرأة فلئن كان خالد قد فكر وتدبر هذا الكلام انه للراوية الحافظ والمؤلف المجيد ولئن كان هذا شيئا حضرة حين حرك وبسط فما له نظير في الدنيا فتأمل هذا الكلام فانك ستجده مليحا مقبولا وعظيم القدر جليلا ولو خطب اليماني بلسان سحبان وائل حولا كريتا ثم صك بهذه الفقرة ما قامت له قائمة وكان أذكر الناس لاول كلامه وأحفظهم لكل شيء سلف من منطقه قال مكي بن سوادة في صفته له عليم بتنزيل الكلام ملقن ذكور لما سداه اول أولا يبذ قريع القوم في كل محفل وان كان سحبان الخطيب ودغفلا ترى خطباء الناس يوم ارتجاله كأنهم الكروان عاين أجدلا وكان يقارض شبيب بن شيبة لاجتماعهما على القرابة والمجاورة والصناعة فذكر شبيب عنده مرة فقال ليس له صديق في السر ولا عدو في العلانية وهذا كلام ليس يعرف قدره إلا الراسخون في هذه الصناعة وكان خالد جميلا ولم يكن بالطويل فقالت له امرأة انك لجميل يا ابا صفوان قال وكيف تقولين هذا وما في عمود الجمال ولا رداؤه ولا برنسه فقيل له ما عمود الجمال قال الطول ولست بطويل ورداؤه البياض ولست بأبيض وبرنسه سواد الشعر وأنا اشمط ولكن قولي إنك لمليح ظريف وخالد يعد في الصلعان ولكلام خالد كتاب يدور في ايدي الوراقين وكان الازهر بن عبد الحارث بن ضرار بن عمرو الضبي عالما ناسبا ومن خطباء بني ضبة حنظلة بن ضرار وقد ادرك الاسلام وطال عمره حتى أدرك يوم الجمل وقيل له ما بقي منك قال اذكر القديم وأنسى الحديث وآرق بالليل وأنام وسط القوم ومن خطباء بني ضبة وعلمائهم مثجور بن غيلان بن خرشة وكان مقدما في المنطق وهو الذي كتب الى الحجاج انهم قد عرضوا علي الذهب والفضة فما ترى ان آخذ قال أرى ان تأخذ الذهب فذهب عنه هاربا ثم قتله بعد وذكره القلاح بن حزن المنقري فقال مثال مثجور قليل ومثله فتى الصدق ان صفقته كل مصفق وما كنت أشريه بدنيا عريضة ولا بابن خال بين غرب ومشرق اذا قال بذ القائلين مقاله ويأخذ من أكفائه بالمخنق ومن خطباء الخوارج قطري بن الفجاءة له خطبة طويلة مشهورة وكلام كثير محفوظ وكانت له كنيتان كنية في السلم وهو ابو محمد وكنية في الحرب وهو أبو نعامة وكانت كنية عامر بن الطفيل في الحرب غير كنيته في السلم كان يكنى في الحرب بابي عقيل وفي السلم بأبي علي وكان يزيد بن مزيد يكنى في السلم بابي خالد وفي الحرب بأبي الزبير وقال مسلم بن الوليد الآنصاري
لولا سيوف ابي الزبير وخيله بشر الوليد لسيفه الضحاكا وفيه يقول لولا يزيد ومقدار له سبب عاش الوليد مع الغاوين أعواما سل الخليفة سيفا من بني مطر يمضي فيخترق الأرواح والهاما اذا عدت كنت أنت لها عزا وكان بنو العباس حكاما ألا تراه قد ذكر قتل الوليد وقد كان خالد بن يزيد اكتنى بها في الحرب في بعض ايامه بمصر وهذا الباب مستقصى مع غيره في أبواب الكنى والاسماء وهو وارد عليكم ان شاء الله تعالى ومن خطباء الخوارج ابن صديقة وهو القاسم بن عبد الرحمن بن صديقة وكان صفريا خطيبا ناسبا ويشوبه ببعض الظرف والهزل ومن علماء الخوارج شبيل بن غرزة الضبعي صاحب الغريب وكان راوية خطيبا وشاعرا ناسبا وكان سبعين سنة رافضيا ثم انتقل خارجيا صفريا ومن علماء الخوارج الضحاك بن قيس الشيباني ويكنى ابا سعيد وهو الذي ملك العراق وسار في خمسين الفا وبايعه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن هشام بن عبد الملك وصليا خلفه وقال شاعرهم ألم تر ان الله اظهر دينه وصلت قريش خلف بكر بن وائل وكان ابن عطاء الليثي يسامر الرشيد وكان صاحب أخبار وأسمار وعلم بالانساب وكان أظرف الناس وأحلاهم وكان عبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن كريز راوية ناسبا وعالما بالعربية فصيحا وكان عبد الاعلى بن عبد الله بن عامر من أبين الناس وأفصحهم وكان مسلمة بن عبد الملك يقول إني لأنحي كور العمامة عن أذني لاسمع كلام عبد الاعلى بن عبد الله و بعض الامراء واظنه بلال بن ابي بردة لأبي نوفل الجارود بن ابي سبرة ماذا تصنعون عند عبد الاعلى اذا كنتم عنده قال يشاهدنا باحسن استماع واحسن حديث ثم يأتي الطباخ فيمثل بين عينيه فيقول ما عندك فيقول عندي لون كذا وجدي كذا ودجاجة كذا ومن الحلو كذا قال ولم يسأل عن ذلك قال ليقصر كل رجل عما لا يشتهي حتى يأتيه ما يشتهي ثم يأتون بالخوان فيتضايق ونتسع ويقصر ونجتهد فاذا شبعنا خوى تخوية الظليم ثم اقبل يأكل أكل الجائع المقرور والجارود هو الذي قال سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل وهو الذي قال عليكم بالمربد فانه يطرد الفكر ويجلو البصر ويجلب الخبر ويجمع بين ربيعة ومضر وصعد عثمان المنبر فارتج عليه فقال إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا وانتم الى امام عادل أحوج منكم على إمام خطيب وستأتيكم الخطب على وجهها وتعلمون ان شاء الله تعالى وشخص يزيد بن عمر بن هبيرة الى هشام بن عبد الملك فتكلم فقال هشام ما مات من خلف مثل هذا فقال الابرش الكلبي ليس هناك أما تراه يرشح جبينه لضيق صدره قال يزيد ما لذلك رشح ولكن لجلوسك في هذا الموضع وكان الابرش ثلابة نسابة وكان مصاحبا لهشام بن عبد الملك فلما أفضت اليه الخلافة سجد وسجد من كان عنده من جلسائه والابرش شاهد لم يسجد فقال له هشام ما منعك ان تسجد يا أبرش قال ولم اسجد وانت اليوم معي ماشيا وغدا فوقي طائرا قال فان طرت بك معي قال أتراك فاعلا قال نعم قال فالان طاب السجود ودخل يزيد بن عمر على المنصور وهو يومئذ أمير فقال ايها الامير ان عهد الله لا ينكث وعقده لا يحل وإن إمارتكم بكر فأذيقوا الناس حلاوتها وجبنوهم مرارتها قال سهل بن هرون دخل قطرب النحوي على المخلوع فقال يا أمير المؤمنين كانت عدتك أرفع من جائزتك وهو يتبسم قال سهل فاغتاظ الفضل بن الربيع فقلت له ان هذا من الحصر والضعف وليس هذا من الجلد والقوة اما تراه يفتل أصابعه ويرشح جبينه وقال عبد الملك لخالد بن سلمة المخزومي من أخطب الناس قال أنا قال ثم من قال سيد جذام يعني روح بن زنباع قال ثم من قال أخيفش ثقيف يعني الحجاج قال ثم من قال أمير المؤمنين قال ويحك جعلتني رابع أربعة قال نعم هو ما سمعت ومن خطباء الخوارج وعلمائهم ورؤسائهم في الفتيا وشعرائهم ورؤساء قعدهم عمران بن حطان ومن علمائهم وشعرائهم وخطبائهم حبيب بن خدرة الهلالي وعداده في بني شيبان وممن كان يرى رأي الخوارج ابو عبيدة النحوي معمر بن المثنى مولى تيم ابن مرة ولم يكن في الارض خارجي ولا جماعي أعلم بجميع العلم منه وممن كان يرى رأي الخوارج الهيثم بن عدي الطائي ثم البحتري وممن كان يرى رأي الخوارج شعيب بن رباب الحنفي ابو بكار صاحب احمد بن ابي خالد ومحمد بن حسان السكسكي ومن الخوارج من علمائهم ورواتهم مسلم بن كرزين وكنيته ابو عبيدة وكان اباضيا ومن علمائهم الصفرية وممن كان مقنعا في الاخبار لاصحاب الخوارج والجماعة جميعا مليل وأظنه من بني ثعلبة ومن اهل هذه الصنعة اصفر بن عبد الرحمن من اخوال طوق بن مالك ومن خطبائهم وفقهائهم وعلمائهم المقعطل قاضي عسكر الازارقة ايام قطري ومن شعرائهم ورؤسائهم وخطبائهم عبيدة بن هلال اليشكري وكان في بني السمين ومن بني شيبان خطباء العرب وكان فيهم ذاك فاشيا ولذلك قال الاخطل فأين السمين لا يقوم خطيبها وأين ابن ذي الجدين لا يتكلم وقال سحيم بن حفص كان يزيد بن عبد الله بن رؤبة الشيباني من أخطب الناس عند يزيد بن الوليد فأمرللناس بعطائين ومن الخطباء معبد بن طوق العنبري دخل على بعض الامراء فتكلم وهو قائم فأحسن قال فلما جلس تلهيع في كلامه فقال له ما أظرفك قائما وأموقك قاعدا قال إني اذا قمت جددت واذا قعدت هزلت قال ما أحسن ما خرجت منها ومن خطباء عبد القيس مصقلة بن رقبة بن مصقلة وكرب بن رقبة والعرب قد ذكروا من خطب العرب العجوز وهي خطبة لال رقبة ومتى تكلموا فلا بد لهم منها أو من بعضها والعذراء وهي خطبة قيس بن خارجة لانه كان أبا عذرها والشوهاء وهي خطبة سحبان وائل وقيل ذلك لها من حسنها وذلك انه خطب بها عند معاوية فلم ينشد شاعر ولم يخطب خطيب وكان ابو عمار الطائي خطيب مذحج كلها فبلغ النعمان حسن حديثه فحمله على منادمته وكان النعمان أحمر العينين احمر الجلد احمر الشعر وكان شديد العربدة قتالا للندماء فنهاه ابو قردودة الطائي عن منادمته فلما قتله رثاه فقال اني نهيت ابن عمار وقلت له لا تأمنن احمر العينين والشعره ان الملوك متى تنزل بساحتهم تطر بنارك من نيرانهم شرره يا جفنة كازاء الحوض قد هدموا ومنطقا مثل وشي اليمنة الحبره وقال الاصمعي هو كقوله ومنطق خرق بالعواسل لذ كوشي اليمنة المراجل وسأل رسول الله عمرو بن الاهتم عن الزبرقان بن بدر فقال انه لمانع لحوزته مطاع في أذنيه قال الزبرقان يا رسول الله انه ليعلم مني اكثر مما قال ولكنه حسدني يا رسول الله في شرفي فقصر بي فقال عمرو هو والله زمر المروءة ضيق العطن لئيم الخال فنظر النبي في عينيه فقال يا رسول الله رضيت فقلت احسن ما علمت وغضبت فقلت أقبح ما علمت وما كذبت في الاولى ولقد صدقت في الاخرة فقال رسول الله ان من البيان لسحرا وتكلم رجل في حاجة عند عمر بن عبد العزيز وكانت حاجته في قضائها مشقة فتكلم الرجل بكلام رقيق موجز وتأتي لها فقال عمر والله ان هذا للسحر الحلال ومن اصحاب الاخبار والآثار ابو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة وكان القاضي قبل ابي يوسف ومن أصحاب الاخبار والاثار ابو هنيدة وابو نعامة العدويان ومن الخطباء ايوب بن القرية وهو الذي لما دخل على الحجاج قال له ما أعددت لهذا الموقف قال ثلاثة حروف كأنهن ركب وقوف دنيا وآخرة ومعروف ثم قال له في بعض ما يقول أقلني عثرتي وأسغني ريقي فانه لا بد للجواد من كبوة وللسيف من نبوة وللحليم من هفوة قال كلا والله حتى أوردك جهنم ألست القائل بر ستاقاباد تغدوا الجدي قبل ان يتعاشاكم ومن خطباء غطفان في الجاهلية خويلد بن عمرو والعشراء بن جابر ابن عقيل بن هلال بن سمي بن مازن بن فزارة وخويلد خطيب يوم الفجار ومن أصحاب الاخبار والنسب والخطب وأهل البيان الوضاح بن خيثمة ومن أصحاب الاخبار والنسب والخطب والحكام عند أصحاب النفورات بنو الكواء واياهم يعني مسكين بن أنيف الدارمي حين ذكر أهل هذه الطبقة فقال كلانا شاعر من حي صدق ولكن الرحى فوق الثقال وحكم دغفلا وارحل اليه ولا ترح المطي من الكلال تعال الى بني الكواء يقضوا بعلمهم بأنساب الرجال تعال الى ابن مذعور شهاب ينبي بالسوافل والعوالي وعند الكيس النمري علم ولو أضحى بمنخرق الشمال ومن الخطباء القدماء كعب بن لؤى وكان يخطب على العرب عامة ويحض كنانة خاصة على البر فلما مات أكبروا موته فلم تزل كنانة تؤرخ بموت كعب بن لؤى الى عام الفيل ومن الخطباء الابيناء العلماء الذين جروا من الخطابة على أعراق قديمة شبيب ابن شيبة وهو الذي يقول في صالح بن أبي جعفر المنصور وقد كان المنصور أقام صالحا فتكلم فقال شبيب ما رأيت كاليوم أبين بيانا ولا أجود لسانا ولا أربط جنانا ولا أبل ريقا ولا أحسن طريقا ولا أغمض عروقا من صالح وحق لمن كان أمير المؤمنين أباه والمهدي أخاه ان يكون كما قال زهير يطلب شأو امرأين قدما حسنا نالا الملوك وبذا هذه السوقا هو الجواد فان يلحق بشأوهما على تكاليفه فمثله لحقا أو يسبقاه على ما كان من مهل فمثل ما قدما من صالح سبقا وخرج شبيب من دار الخلافة يوما فقال له قائل كيف رأيت الناس قال رأيت الداخل راجيا والخارج راضيا وقال خالد بن صفوان إتقوا مجانيق الضعفاء يريد الدعاء وقال شبيب أطلب الادب فانه دليل على المروءة وزيادة في العقل وصاحب في الغربة وصلة في المجلس وقال شبيب للمهدى يوما أراك الله في بنيك ما أرى أباك فيك وأرى الله بنيك فيك ما أراك في أبيك وقال ابو الحسن قال زيد بن علي بن الحسين أطلب ما يعنيك وأترك ما لا يعنيك فان في ترك ما لا يعنيك دركا لما يعنيك وانما تقدم على ما قدمت ولست تقدم على ما آخرت فاثر ما تلقاه غدا ما لا تراه ابدا وقال أو الحسن عن ابراهيم بن سعد قال خالد بن صفوان ما الانسان لولا اللسان الا صورة ممثلة أو بهيمة مهملة وقال ابو الحسن كان ابو بكر خطيبا وكان عمر خطيبا وكان عثمان خطيبا وكان علي خطيبا وكان من الخطباء معاوية ويزيد وعبد الملك ومعاوية بن يزيد ومروان وسليمان ويزيد بن الوليد والوليد بن يزيد والوليد بن عبدالملك وعمر بن عبد العزيز ومن خطباء بني هاشم زيد بن علي وعبد الله بن حسن وعبد الله ابن معاوية خطباء لا يجارون ومن خطباء النساك والعباد الحسن بن أبي الحسن البصري ومطرف ابن عبد الله الحرشي ومؤرق العجلي وبكر بن عبد الله المزني ومحمد ابن واسع الازدي ويزيد بن أبان الرقاشي ومالك بن دينار السامي وليس الامر كما قال في هؤلاء القاص المجيد والواعظ البليغ وذو المنطق الوجيز فأما الخطب فانا لا نعلم احدا يتقدم الحسن البصري فيها وهؤلاء وان لم يسموا خطباء فان الخطيب لم يكن يشق غبارهم ابو الحسن قال حدثني ابو سليمان الحميري قال كان هشام بن عبد الملك يقول اني لأستصفق العمامة الرقيقة ان تكون على أذني اذا كان عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر يتكلم مخافة ان يسقط عني من حديثه شيء ومن الخطباء من بني عبد الله بن غطفان ابو البلاد وكان راوية ناسبا ومنهم هاشم بن عبدالا على الفزاري ومن الخطباء حفص بن معاوية الغلابي وكان خطيبا وهو الذي قال حين أشرك سليمان بن علي بينه وبين مولى له على دارة القتب أشركت بيني وبين غير الكفي ووليتني غير السني ومن بني هلال بن عامر زرعة بن ضمرة وهو الذي قيل لولا غلو فيه ما كان كلامه الا الذهب وقام عند معاوية بالشام خطيبا فقال معاوية يا أهل الشام هذا خالي فأتوني بخال مثله وكان ابنه النعمان بن زرعة بن ضمرة من أخطب الناس وهو احد من كان تخلص من الحجاج من فل ابن الأشعث بالكلام اللطيف قال سحيم بن حفص ومن الخطباء عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي تكلم هو وعبد الله بن الاهتم عند عمر بن هبيرة يفضل عاصما عليه فقال قائل يومئذ الخل الحامض ما لم يكن ماء ومن خطباء بني تميم عمرو بن الاهتم وكان يدعى المكحل لجماله وهو الذي قيل فيه انما شعره حلل منشرة بين ايدي الملوك تأخذ منه ما شاءت ولم يكن في بادية العرب في زمانه أخطب منه ومن بني منقر عبد الله بن الاهتم وكان خطيبا ذا مقامات ووفادات ومن الخطباء صفوان بن عبد الله بن الاهتم وكان خطيبا رئيسا وابنه خالد بن صفوان وقد وفد الى هشام وكان من سمار ابي العباس ومنهم ب بن عبد الله بن الاهتم قد ولى خراسان ووفد على الخلفاء وخطب عند الملوك ومن ولده شبيب بن شيبة بن عبد الله بنب عبد الله بن الاهتم وعبد الله بن عبد الله بن عبد الله بن الاهتم وخاقان بن الاهتم وهو عبد الله بن عبد الله بن عبد الله بن الاهتم ومن خطبائهم محمد الأحول بن خاقان وكان خطيب بني تميم وقد رأيته وسمعت كلامه ومن خطبائهم معمر بن خاقان وقد وفد ومن خطبائهم مؤمل بن خاقان وقال ابو الزبير الثقفي ما رأيت خطيبا من خطباء الامصار أشبه بخطباء البادية من المؤمل بن خاقان ومن خطبائهم خاقان بن المؤمل بن خاقان وكان صباح بن خاقان ذا علم وبيان ومعرفة وشدة عارضة وكثرة راوية مع سخاء واحتمال وصبر على الحق ونصرة للصديق وقيام بحق الجار ومن بني منقر الحكم بن النضر وهو ابو العلاء المنقري وكان يصرف لسانه حيث شاء مع جهارة واقتدار ومن خطباء بني صريم بن الحارث الخزرج بن الصدى ومن خطباء بني تميم ثم من مقاعس عمارة بن ابي سليمان ومن ولد مالك بن سعيد عبد الله و خير ابنا حبيب كانا ناشبين عالمين أديبين دينين ومن ولد مالك بن سعيد عبد الله والعباس ابنا روبة وكان العباس علامة ناسبا راوية وكان عبد الله أرجز الناس وأفصحهم ويكنى ابا الشعثاء وهو العجاج ومن أصحاب الأخبار والنسب ابو بكر الصديق رضي الله عنه ثم جبير بن مطعم ثم سعيد بن المسيب ثم محمد بن سعيد بن المسيب ثم قتادة وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة المسعودي الذي قال في كلمة له في عمر بن عبد العزيز وعبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان رضي الله عنه فمسا تراب الارض منه خلقتما وفيه المعاد والمصير الى الحشر ولا تأنفا ان ترجعا فتسلما فما حشي الانسان شرا من الكبر فلو شئت أولي فيكما غير واحد علانية أو قال عندي في سر فان انا لم امر ولم أنه عنكما ضحكت له حتى يلج ويستشري وهو الذي قيل له كيف تقول الشعر مع النسك والفقه فقال ان المصدور لا يملك ان ينفث وقد ذكر المصدور ابو زبيد الطائي في صفة الاسد فقال للصدر منه عويل فيه حشرجة كأنما هو من أحشاء مصدور ومن خطباء هذيل ابو المليح الهذلي أسامة بن عمير ومنهم ابو بكر الهذلي كان خطيبا قاصا وعالما بينا وعالما بالاخبار والآثار وهو الذي لما فاخر أهل الكوفة قال لنا الساج والعاج والديباج والخراج والنهر العجاج باب من اسماء الكهان والحكام والخطباء والعلماء من قحطان قالوا أكهن العرب وأسجعهم سلمة بن أبي حية وهو الذي يقال له عزى سلمة ومنهم ومن خطباء عمان مرة بن فهم التليد وهو الخطيب الذي أوفده المهلب الى الحجاج ومن العتيك بشر بن المغيرة بن ابي صفرة وهو الذي قال لبني المهلب يا بني عمي اني والله قد قصرت عن شكاة العاتب وجاوزت شكاة المستعتب حتى كأني لست موصولا ولا محروما فعدوني امرأ خفتم لسانه أو رجوتم شكره واني وان قلت هذا فلما أبلاني الله بكم أعظم مما أبلاكم بي ومن خطباء اليمن ثم من حمير الصباح بن شقي الحميري كان أخطب العرب ومنهم ثم من الانصار قيس بن الشماس ومنهم ثابت بن قيس بن الشماس خطيب النبي ومنهم روح بن زنباع وهو الذي لما هم به معاوية قال لاتشمتن بي عدوا انت وقمته ولا تسوءن بي صديقا انت سررته ولا تهدمن مني ركنا انت بنيته هلا أتى حلمك وإحسانك على جهلي وإساءتي
ومن خطبائهم الاسود الكذاب بن كعب العنسى وكان طليحة خطيبا وشاعرا وسجاعا كاهنا ناسبا وكان مسيلمة الكذاب بعيدا من ذلك كله وثابت بن قيس بن شماس هو الذي قال لعامر حين قال أما والله لئن تعرضت لعني وفني وذكاء سني لتولين عني فقال له ثابت اماوالله لئن تعرضت لسبابي وشبا انيابي وسرعة جوابي لتكرهن جنابي فقال النبي يكفيك الله وأبناء قيلة واخذت هذا الحديث من رجل يصنع الكلام فأنا أتهمه ومن خطباء الانصار بشر بن عمرو بن محصن وهو ابو عمرة الخطيب ومن خطباء الانصار سعد بن الربيع وهو الذي اعترضت ابنته النبي فقال لها من أنت فقالت ابنة الخطيب النقيب الشهيد سعد بن الربيع ومنهم خال حسان بن ثابت وفيه يقول حسان إن خالي خطيب جابية الجو لان عند النعمان حيث يقوم وإياه يعني حسان بقوله رب خال لي لو أبصرته سبط المشية في اليوم الخصر ومنهم من الرواة والنسابين والعلماء شرقي بن القطامي الكلبي ومحمد ابن السائب الكلبي وعبد الله بن عياش الهمداني وهشام بن محمد بن السائب الكلبي والهيثم بن عدي الطائي وابو روق الهمداني واسمه عطية بن الحارث وأبو مخنف لوط بن يحيى الازدي ومحمد بن عمر الاسلمي الواقدي وعوانة الكلبي وابن عيينه المهلبي والخليل بن احمد الفراهيدي وخلف بن حيان الاحمر الاشعري قالوا ومنا في الجاهلية عبيد بن شرية ومنا شق بن الصعب ومنا ربيع بن ربيعة السطيح الذئبي ومنا المأمور الحارثي والديان بن عبد المدان الحارثي الشريفان الكاهنان ومنهم عمرو بن حنظلة بن نهد الحكم وله يقول القائل حنظلة بن نهد خير ناس من معد ومنهم أبوالشطاح اللخمي وجمع معاوية بينه وبين دغفل بن حنظلة البكري
ومنهم ابو الكناس الكندي ومنهم ابو مخوس الكندي وكانا ناسبين عالمين ومن اصحاب الاخبار والآثار عبد الله بن عتبة بن لهيعة ويكنى أبا عبد الرحمن ومن القدماء في الحكمة والخطابة والرياسة عبيد بن شريفة الجرهمي وأسقف نجران وأكيدر صاحب دومة الجندل وأفيعي نجران وذرب بن حوط وعليم بن جناب وعمرو بن ربيعة وهو لحى بن حارثة بن عمرو ومزيقيا وجذيمة بن مالك الابرش وهو أول من أسرج الشمع ورمى بالمنجنيق باب ذكر النساك والزهاد من أهل البيان عامر بن عبد قيس وصلة بن أشيم وعثمان بن أدهم وصفوان ابن محرز والاسود بن كلثوم والربيع بن خيثم وعمرو بن عتبة بن فرقد وهرم بن حيان ومؤرق العجلي و بكر بن عبد الله بن الشخير الحرشي وبعد هؤلاء مالك بن دينار وحبيب أبو محمد ويزيد الرقاشي وصالح المري وابو حازم الاعرج وزياد مولى عياش بن أبي ربيعة وعبد الواحد بن زياد وحيان أبو الاسود ودهثم أبو العلاء ومن النساء رابعة القيسية ومعاذ العدوية امرأة صلة بن أشيم وأم الدرداء ومن نساء الخوارج البلجاء وغزالة وقطام وحمادة وكحيلة ومن نساء الغالية ليلى الناعطية والصدوف وهند وممن كان من النساك ممن أدركناه أبو الوليد وهو الحكم الكندي ومحمد بن محمد الحمراني ومن القدماء ممن كان يذكر بالقدر والرياسة والبيان والخطابة و الحكمة والدهاء والنكراء لقمان بن عاد ولقيم بن لقمان ومجاشع بن دارم وسليط بن كعب بن يربوع سموه بذلك لسلاطة لسانه وقال جرير إن سليطا كاسمه سليط ولؤي بن غالب وقس بن ساعدة وقصى بن كلاب ومن الخطباء البلغاء والحكام الرؤساء أكثم بن صيفي وربيعة بن حذار وهرم بن قطبة وعامر بن الظرب ولبيد بن ربيعة وكان من الشعراء واسماء الصوفية من النساك ممن يجيد الكلام كلاب وكليب وهاشم الاوقص وابو هاشم الصوفي وصالح بن عبد الجليل ومن القدماء العلماء بالنسب وبالغريب الخطفي وهو جد جرير بن عطية ابن الخطفي وهو حذيفة بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع و انما سمي الخطفي لابيات قالها يرفعن بالليل اذا ما أسدفا أعناق جنان وهاما رجفا وعنقا باقي الرسيم خيطفا ذكر القصاص قص الاسود بن سريع وهو الذي قال فان تنج منها تنج من ذي عظيمة وإلا فاني لا إخالك ناجيا وقص الحسن وسعيد بن أبي الحسن وكان جعفر بن الحسن اول من اتخذ في مسجد البصرة حلقة وأقرأ القرآن فيها وقص ابراهيم التيمي وقص عبيد الله بن عمير الليثي وجلس اليه عبد الله بن عمر حدثني بذلك عمرو بن قائد باسناد له ومن القصاص ابو بكر الهذلي وهو عبد الله بن ابي سليمان وكان خطيبا بينا صاحب أخبار وآثار وقص ابنه مطرف بن عبد الله بن الشخير في مكان أبيه ومن كبار القصاص ثم من هذيل مسلم بن جندب وكان قاص مسجد النبي بالمدينة وكان امامهم وقارئهم وفيه يقول عمر بن عبد العزيز من سره ان يسمع القرآن غضا فليسمع قراءة مسلم بن جندب ومن القصاص عبد الله بن عرادة بن عبد الله بن الوضين وله مسجد في بني شيبان ومن القصاص موسى الاسواري وكان من أعاجيب الدنيا كانت فصاحته بالفارسية في وزن فصاحته بالعربية وكان يجلس في مجلسه المشهور به فيقعد العرب عن يمينه والفرس عن يساره فيقرأ الاية من كتاب الله ويفسرها للعرب بالعربية ثم يحول وجهه الى الفرس فيفسرها لهم بالفارسية فلا يدري باي لسان هو أبين واللغتان اذا التقتا في اللسان الواحد أدخلت كل واحدة منهما الضيم على صاحبتها الا ما ذكروا من لسان موسى بن سيار الاسواري ولم يكن في هذه الامة بعد أبي موسى الاشعري اقرأ في محراب من موسى ابن سيار ثم عثمان بن سعيد بن أسعد ثم يونس النحوي ثم المعلي ثم قص في مسجده أبو علي الاسواري وهو عمرو بن فائد ستا وثلاثين سنة فابتدأ لهم في تفسير سورة البقرة فما ختم القران حتى مات لانه كان حافظا للسير ولوجوه التأويلات فكان ربما يفسر آية واحدة في عدة أسابيع كأن الآية ذكر فيها يوم بدر وكان هو يحفظ مما يجوز ان يلحق في ذلك من الاحاديث الكثيرة وكان يقص في فنون كثيرة من القصص ويجعل للقران نصيبا من ذلك وكان يونس بن حبيب يسمع منه كلام العرب ويحتج به وخصاله المحمودة كثيرة ثم قص من بعده القاسم بن يحيى وهو أبو العباس الضرير لم يدرك في القصاص مثله وكان يقص معهما وبعدهما مالك بن عبد الحميد المكفوف ويزعمون ان أبا علي لم يسمع منه كلمة غيبة قط ولا عارض احدا من المخالفين والحساد والبغاة بشيء من المكافاة فأما صالح المري فانه كان يكنى أبا بشر وكان صحيح الكلام رقيق المجلس فذكر أصحابنا ان سفيان بن حبيب لما دخل البصرة وتوارى عند مرحوم العطار قال له مرحوم هل لك ان تأتي قاصا عندنا فتتفرج بالخروج والنظر الى الناس والاستماع منه فأتاه على تكره كأنه ظنه كبعض من يبلغه شأنه فلما أتاه وسمع منطقه وسمع تلاوته للقرآن وسمعه يقول حدثنا سعيد عن قتادة وحدثنا قتادة عن الحسن رأى بيانا لم يحتسبه ومذهبا لم يكن يدانيه فاقبل سفيان على مرحوم فقال هذا ليس قاصا هذا نذير باب ما قيل في المخاطر والعصي وغيرهما كانت العرب تخطب بالمخاصر وتعتمد على الارض بالقسي وتشير بالعصي والقنا نعم حتى كانت المخاصر لا تفارق أيدي الملوك في مجالسها ولذلك قال الشاعر في كفة خيزران ريحها عبق بكف اروع في عرنينه شمم يغضي حياء ويغضي من مهابته فما يكلم الا حين يبتسم ان قال قال بما يهوى جميعهم وان تكلم يوما ساحت الكلم يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم اذا ما جاء يستلم كم هاتف لك من داع وداعية يدعون يا قثم الخيرات يا قثم وقال الشاعر قولا فسر فيه ما قلنا قال مجالسهم خفض الحديث وقولهم اذا ما قضوا في الامرم وحي المخاصر وقال الكميت بن زيد ونزور مسلمة المهذب بالمؤيدة السرائر بالمذهبات المعجبات لمفحم منا وشاعر أهل التجاوب والمحافل والمقاول بالمخاصر فهم كذلك في المجالس والمحافل والمشاعر وكما قال الانصاري في المجامع حيث يقول وسارت بنا سيارة ذات سورة بكوم المطايا والخيول الجماهير يؤمون ملك الشام حتى تمكنوا ملوكا بأرض الشام فوق المنابر يصيبون فصل القول في كل خطبة اذا وصلوا أيمانهم بالمخاصر وفي المخاصر والعصي وفي خد وجه الارض باطراف القسي قال الحطيئة
أم من لخصم مضجعين قسيهم صعر خدودهم عظام المفخر وقال لبيد بن ربيعة في الاشارة غلب تشذر بالدخول كأنها جن البدي رواسيا أقدامها وقال في خد وجه الارض بالعصي والقسي يشين صحاح البيد كل عشية بعوج السراء عند باب محجب وفي مثله يقول الشاعر اذا أقتسم الناس فضل الفخاري اطلنا على الارض ميل العصا وقال الآخر كتبت لنا في الارض يوم محرف أيامنا في الارض يوما فيصلا وقال لبيد بن ربيعة في ذكر القسي ما ان أهاب اذا السرادق عمه قرع القسي وأرعش الرعديد وقال معن بن أوس المزني ألا من مبلغ عني رسولا عبيد الله إذ عجل الرسالا تغافل دوننا ابناء ثور ونحن الاكثرون حصى ومالا اذا اجتمع القبائل جئت ردفا أمام الماسحين لك السبالا فلا تعطى عصا الخطباء فيهم وقد تكفى المقادة والمقالا ومما قالوا في حمل القناة قوله الى امرى ء لا تخطاه الرقاب ولا حدب الحوان اذا ما استنشيء العرق صلب الحيازيم لا هذر الكلام إذا هز القناة ولا مستعجل زهق وكما قال جرير الخطفى من للقناة اذا ماعي قائلها ام للأعنة يا شيب بن عمار قال ومثل هذا قول ابي المجيب الربعي ما تزال تحفظ أخاك حتى يأخذ القناة فعند ذلك يفضحك أو يسرك يقول اذا قام يخطب وفي كتاب جبل بن يزيد احفظ اخاك الا من نفسه وقال عبد الله بن رؤبة سأل رجل رؤبة عن أخطب بني تميم فقال خداش بن بشر بن لبيد يعني البعيث وانما قيل له البعيث لقوله تبعث مني ما تبعث بعدما أمرت حبالي كل مرتها شزرا
وزعم سحيم بن حفص انه كان يقال أخطب بني تميم البعيث اذا أخذ القناة وقال يونس لعمري لئن كان مغلبا في الشعر لقد كان غلب في الخطب ومن الشعراء من يغلب شيء قاله في شعره على اسمه وكنيته فيسمى به وهم كثير فمنهم البعيث هذا ومنهم عوف بن حصن بن حذيفة بن بدر غلب عليه عويف القوافي لقوله سأكذب من قد كان يزعم انني اذا قلت شعرا لا أجيد القوافيا فسمى عويف القوافي ومنهم يزيد بن ضرار التغلبي غلب عليه المزرد لقوله فقلت تزردها عبيد فانني لدرد الموالي في السنين مزرد فسمى المزرد ومنهم عمرو بن سعيد بن مالك غلب عليه المرقش وذلك لقوله الدار فقر والرسوم كما رقش في ظهر الأديم قلم فسمى مرقشا ومنهم شاس بن نهار العبدي غلب عليه الممزق لقوله فان كنت مأكولا فكن خير آكل وإلا فأدركني ولما أمزق فسمى الممزق ومنهم جرير بن عبد المسيح الضبعي غلب عليه المتلمس لقوله فهذا أوان العرض طن ذبابه زنابيره والازرق المتلمس ومنهم عمرو بن رباح بن عمر والسلمي أبو خنساء بنت عمرو غلب الشريد على اسمه لقوله تولى إخوتي وبقيت فردا وحيدا في ديارهم شريدا فسمى الشريد وهذا كثير ودخل رجل من قيس عيلان على عبد الملك بن مروان فقال زبيري عميري والله لا يحبك قلبي ابدا قال يا امير المؤمنين إنما يجزع من فقدان الحب المرأة ولكن عدل وانصاف
قال عمر لأبي مريم الحنفي السلولي قاتل زيد بن الخطاب لا يحبك قلبي ابدا حتى تحب الارض الدم المسفوح وهذا مثل قول الحجاج والله لأقلعنك قلع الصمغة لان الصمغة اليابسة اذا فرقت عن الشجرة انقلعت انقلاع الجلبة والارض لا تنشف الدم المسفوح ولا تمصه فمتى جف الدم وتجلب لم تره اخذ من الارض شيئا ومن الخطباء الغضبان بن القبعثرى وكان محبوسا في سجن الحجاج فدعا به يوما فلما رآه قال انك لسمين قال القيد والرتعة ومن يكن ضيفا للأمير يسمن وقال يزيد بن عياض لما نقم الناس على عثمان خرج يتوكأ على مروان وهو يقول لكل أمة افة ولكل نعمة عاهة وان آفة هذه الامة عيابون طعانون يظهرون لكم ماتحبون ويسرون ما تكرهون طغام مثل النعام يتبعون اول ناعق لقد نقموا على ما نقموه على عمر ولكن قمعهم ووقمهم والله اني لأقرب ناصر أو أعز نفرا فضل فضل من مالي فمالي لا أفعل في الفضل ما شاء ورأيت الناس يتداولون رسالة يحيى بن يعمر على لسان يزيد بن المهلب إنا لقينا العدو فقتلنا طائفة وأسرنا طائفة ولحقت طائفة بعرائر الآودية وأهضام الغيطان وبتنا بعرعرة الجبل وبات العدو بحضيضه فقال الحجاج ما يزيد بأبي عذرة هذا الكلام فقيل له ان معه يحيى بن يعمر فحمل اليه فلما أتاه قال أين ولدت قا ل بالاهواز قال فأنى لك هذه الفصاحة قال أخذتها عن أبي ورأيتهم يديرون في كتبهم ان امرأة خاصمت زوجها الى يحيى بن يعمر فانتهرها مرارا فقال له يحيى ان سألتك ثمن شكرها وشبرك أنشأت تطلها وتضهلها فان كانوا إنما رووا هذا الكلام لانه يدل على فصاحة فقد باعده الله من صفة البلاغة والفصاحة وان كانوا انما دونوه في الكتب وتذاكرواه في المجالس لانه غريب فأبيات من شعر العجاج أو شعر الطرماح أو اشعار هذيل تأتي لهم مع حسن الوصف على اكثر مما ذكروا ولو خاطب بقوله ان سألتك ثمن شكرها وشبرك أنشأت تطلها وتضهلها الأصمعي لظننت انه سيجهل بعض ذلك فهذا ليس من أخلاق الكتاب ولا من آدابهم وقال أبوالحسن كان غلام يقعر في كلامه فأتى ابا الاسود الدؤلي يلتمس بعض ما عنده فقال له ابو الاسود ما فعل ابوك قال أخذته الحمى فطبخته طبخا وفتخته فتخا وفضخته فضخا فتركته فرخا فقال ابو الاسود فما فعلت امرأته التي كانت تشاره وتماره وتهاره وتزاره قال طلقها وتزوجت غيره فرضيت وحظيت وبظيت قال ابو الاسود قد علمنا رضيت وحظيت فما بظيت قال بظيت حرف من الغريب لم يبلغك قال ابوالاسود يا بني كل كلمة لا يعرفها عمك فاسترها كما تستر السنور خرءها قال ابوالحسن مر ابو علقمة النحوي ببعض طرق البصرة وهاجت به مرة فوثب عليه قوم منهم فاقبلوا يعضون ابهامه ويؤذنون في أذنه فأفلت من أيديهم فقال مالكم تتكأكأون على كأنكم تتكأكأون على ذي جنة افرنقعوا عني قالوا دعوه فان شيطانه يتكلم بالهندية وقال ابو الحسن هاج بأبي علقمة الدم فأتى بحجام فقال للحجام اشدد قصب الملازم وأرهف ظبات المشارط وأسرع الوضع وعجل النزع وليكن شرطك وخزا ومصك نهزا ولا تكرهن ابيا ولا تردن أتيا فوضع الحجام محاجمه في جونته وانصرف فحديث أبي علقمة فيه غريب وفيه انه لو كان حجاما مرة ما زاد على ما قال وليس في كلام يحيى بن يعمر شيء من الدنيا الا انه غريب وهو أيضا من الغريب بغيض وذكروا عن محمد بن اسحق قال لما جاء ابن الزبير وهو بمكة قتل مروان الضحاك بمرج راهط قام فينا خطيبا فقال ان ثعلب بن ثعلب حفر بالصحصحة فأخطأت أسته الحفرة وألهف أم لم تلدني على رجل من محارب كان يرعى في جبال مكة فيأتي بالشربة من اللبن فيبيعها بالقبضة من الدقيق فيرى ذلك سدادا من عيش ثم أنشأ يطلب الخلافة ووراثة النبوة وأول هذا الكلام مستكره وهو موجود في كل كتاب وجار على لسان كل صاحب خبر وقد سمعت لابن الزبير كلاما كثيرا ليس هذا في سبيله ولا يتعلق به وقال ابو يعقوب الاعور السلمي وخلجة ظن يسبق الطرف حزمها تشيف على غيم وتمكن من زحل صدعت بها والقوم فوضى كأنهم بكارة مرباع تبصبص للفحل وقال ابن عثمة لك المرباع منها والصفايا وحكمك والنشيطة والفضول وقال رجل من بني يربوع الى الله أشكو ثم أشكو إليكما وهل تتفع الشكوى الى من يزيدها حزازات حب في الفؤاد وعبرة اظل بأطراف البنان أذودها يحن فؤادي من مخافة بينكم حنين المزجى وجهة لا يريدها وقد احسن الآخر حيث يقول وأكرم نفسي عن مناكح جمة ويقصر مالي ان أنال الغواليا وقال الاخر واذا العبد أغلق الباب دوني لم يحرم علي متن الطريق وقال الخليع العطاردي كنا بالبادية اذ نشأ عارض وما في السماء قزعة معلقة وجاء السيل فاكتسح أبياتا من بني سعد فقلت فرحنا بوسمي تألق ودقه عشاء فأبكانا صباحا فأسرعا له ظلة كأن ريق وبلها عجاجة صيف أو دخان ترفعا فكان على قوم سلاما ونعمة وألحق عادا آخرين وتبعا وقال ابو عطاء السندي لعبيد الله بن عباس الكندي الى معشر أردوا أخاك وكفروا أباك فماذا بعد ذاك تقول وقل لعبيد الله لوكان جعفر هو الحي لم يبرح وانت قتيل فقال عبيد الله أقول عض ابوعطاء ببظر امه فغلب عليه قال ابو عبيدة قال ابو البصير في ابي رهم السدوسي وكان يلي الاعمال لأبي جعفر رأيت أبارهم يقرب منجحا غلام أبي بشر ويجفو أبا بشر فقلت ليحيى كيف قرب منجحا فقال له أير يزيد على شبر قال ابو عثمان وقد طعنت الشعوبية على أخذ العرب المخصرة في خطبها والقنا والقضيب والاتكاء والاعتماد على القوس والخد في الارض والاشارة بالقضيب بكلام مستكرة تجدهم في الجزء الثالث وقد ذكرنا ان الامم التي فيها الاخلاق والاداب والحكم والعلم أربع وهي العرب والهند وفارس والروم وقال حكيم بن عياش الكلبي ألم يك ملك أرض الله طرا لاربعة له متميزينا لحمير والنجاشي وابن كسرى وقيصر غير قول الممترينا فما أدري بأي سبب وضع الحبشة في هذا الموضع وأما ذكره لحمير فان كان إنما ذهب الى تبع نفسه في الملوك فهذا له وجه وأما النجاشي فليس هو عند الملوك في هذا المكان ولو كان النجاشي في نفسه فوق تبع وكسرى وقيصر لما كان أهل مملكته من الحبش في هذا الموضع وهو لم يفضل النجاشي لمكان اسلامه يدل على ذلك تفضيله لكسرى وقيصر وكان وضع كلامه على ذكر الممالك ثم ترك الممالك وأخذ في ذكر الملوك والدليل على ان العرب أنطق وأن لغتها أوسع وان لفظها أدل وأن أقسام تأليف كلامها أكثر والامثال التي ضربت أجود وأسير والدليل على ان البديهة مقصورة عليها وان الارتجال والاقتضاب خاص فيها وما الفرق بين أشعارهم وبين الكلام الذي تسميه الفرس والروم شعرا وكيف صار النسيب في أشعارهم والذي أدخلوه في غنائهم وفي ألحانهم انما يقال على ألسنة نسائهم وهذا لا يصاب في العرب الا القليل اليسير وكيف صارت العرب تقطع الالحان الموزونة على الاشعار الموزونة فتضع موزونا على موزون والعجم تمطط الالفاظ فتقبض وتبسط حتى تدخل في وزن اللحن فتضع موزونا على غير موزون وقال أبو الحسن المدائني قال الحجاج لأنس بن مالك حين دخل عليه في شأن ابنه عبد الله وكان خرج مع ابن الاشعث لا مرحبا بك ولا أهلا لعنة الله عليك من شيخ جوال في الفتنة مرة مع أبي تراب ومرة مع ابن الاشعث والله لأقلعنك قلع الصمغة ولأعصبنك عصب السلمة ولأجردنك تجريد الضب قال أنس من يعني الامير أبقاه الله قال إياك أعني أصم الله صداك قال فكتب انس بذلك على عبد الملك فكتب عبد الملك الى الحجاج
بسم الله الرحمن الرحيم يا ابن المستفرمة بعجم الزبيب والله لقد هممت ان أركلك برجلي ركلة تهوي بها في نار جهنم قاتلك الله أخيفش العينين أصك الرجلين أسود الجاعرتين والسلام وكان الحجاج أخيفش مسلق الاجفان ولذلك قال إمام بن أرقم النميري وكان الحجاج جعله على بعض شرط أبان بن مروان ثم حبسه فلما خرج قال طليق الله لم يمنن عليه أبو داود وابن أبي كثير ولا الحجاج عيني بنت ماء تقلب طرفها حذر الصقور وخطب الحجاج يوما فقال في خطبته والله ما بقي من الدنيا الا مثل ما مضى ولهو أشبه به من الماء بالماء والله ما أحب ان ما مضى من الدنيا لي بعمامتي هذه المفضل بن محمد الضبي قال كتب الحجاج الى قتيبة بن مسلم ان ابعث الي بالآدم الجعدي الذي يفهمني ويفهم عني فبعث اليه غدام بن شتير فقال الحجاج لله دره ما كتبت اليه في أمر قط الا فهم عني وعرف ما أريد قال ابو الحسن وغيره أراد الحجاج الحج فخطب الناس فقال أيها الناس اني اريد الحج وقد استخلفت عليكم ابني محمد هذا واوصيته فيكم بخلاف ما أوصى به رسول الله في الانصار ان رسول الله ان يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم ألا واني قد أوصيته أن لا يقبل من محسنكم ولا يتجاوز عن مسيئكم ألا وإنكم ستقولون بعدي مقالة ما يمنعكم من إظهارها الا مخافتي ألا وانكم ستقولون بعدي لا أحسن الله له الصحابة ألا واني معجل لكم الاجابة لا احسن الله الخلافة عليكم ثم نزل وكان يقول في خطبته أيها الناس ان الكف عن محارم الله أيسر من الصبر على عذاب الله وقال عمرو بن عبيد رحمه الله كتب عبد الملك بن مروان وصية زياد بيده وأمر الناس بحفظها وتدبر معانيها ان الله عز وجل جعل لعباده عقولا عاقبهم بها على معصيته وأثابهم بها على طاعته فالناس بين محسن بنعمة الله عليه ومسيء بخذلان الله اياه ولله النعمة على المحسن والحجة على المسيء فما اولى من تمت عليه النعمة في نفسه ورأى العبرة في غيره بأن يضع الدنيا بحيث وضعها الله فيعطى ما عليه منها ولا يتكثر بما ليس له منها فان الدنيا دار فناء ولا سبيل الى بقائها ولا بد من لقاء الله فأحذركم الله الذي حذركم نفسه واوصيكم بتعجيل ما اخرته العجزة قبل ان تصيروا الى الدار التي صاروا اليها فلا تقدرون على توبة وليس لكم منها أوبة وانا استخف الله عليكم واستخلفه منكم وقد روى هذا الكلام عن الحجاج وزياد احق به منه باب ما ذكروا فيه من ان أثر السيف بمحوا أثر الكلام قال جرير يكلفني رد العواقب بعدما سبقن كسبق السيف ما قال عاذله وقال الكميت بن معروف خذوا العقل ان اعطاكم العقل قومكم وكونوا كمن سيم الهوان فأربعا ولا تكثروا فيه الضجاج فانه محا السيف ما قال ابن داره اجمعا والمثل السائر من قبل هذا سبق السيف العذل ومن اهل الادب زكريا بن درهم مولى بني سليم بن منصور صاحب سعيد بن عمرو الحرشي وزكريا هو الذي يقول لا تنكروا لسعيد فضل نعمته لا يشكر الله من لا يشكر الناسا ومن اهل الادب من وجهه هشام الى الحرشي السرادق بن عبد الله السدوسي الفارسي ولما ظفر سلم بن قتيبة بالازد كان من الجند في دور الازد انتهاب واحراق واثار قبيحة فقام شبيب بن شيبة الى سلم بن قتيبة فقال ايها الامير ان هريم بن عدي بن ابي طلحة وكان غير منطيق قال ليزيد بن عبد الملك في شأن المهالبة يا امير المؤمنين إنا والله ما رأينا احدا ظلم ظلمك ولا نصر نصرك فافعل الثالثة نقلها قال الهيثم بن عدي قام عبد الله بن الحجاج التغلبي الى عبد الملك بن مروان وقد كان أراد الاتصال به وقد كان عبد الملك حنقا عليه فأقام ببابه حولا لا يصل ثم ثار في وجهه في بعض ركباته فقال أدنو ليرحمني وترتق خلتي وأراك تدفعني فأين المدفع فقال عبد الملك الى النار فقال ولقد أذقت بني سعيد حرها وابن الزبير فرأسه متضعضع فقال عبد الملك قد كان بعض ذاك وأنا استغفر الله وقال ابو عبيدة كان بين الحجاج وبين العديل بن فرخ العجلي بعض الامر فتوعده الحجاج بالقتل فقال العديل أخوف بالحجاج حتى كأنما يحرك عظم في الفؤاد مهيض ودون يد الحجاج من ان تنالني بساط لأيدي اليعملات عريض مهامه أشباه كأن سرابها ملاء بأيدي الغاسلات رحيض ثم ظفر به الحجاج فقال له يا عديل هل نجاك بساطك العريض فقال أيها الامير انا الذي أقول فيك ولو كنت بالعنقاء أو بأسومها لكان لحجاج علي دليل خليل أمير المؤمنين وسيفه لكل إمام مصطفى وخليل بني قبة الاسلام حتى كأنما هدى الناس من بعد الضلال رسول فقال له الحجاج اربح نفسك واحقن دمك وإياك واختها فقد كان الذي بيني وبين قتلك أقصر من إبهام الحباري قال ابو الحسن وقام الوليد بن عتبة بن أبي سفيان خطيبا بالمدينة وكان واليها ينعى معاوية ويدعو الى بيعة يزيد فلما رأى روح بن زنباع إبطاءهم قال أيها الناس انا لا ندعوكم الى لخم وجذام وكلب ولكنا ندعوكم الى قريش ومن جعل الله له هذا الامر واختصه به وهو يزيد بن معاوية ونحن أبناء الطعن والطاعون وفضلات الموت وعندنا ان اجبتم وأطعتم من المعونة والفائدة ما شئتم فبايع الناس قال وخطب ابراهيم بن اسماعيل من ولد المغيرة المخزومي فقال أنا ابن الوغى من شاء احزر نفسه صقرا يلوذ حمامه بالعرفج ثم قال استوثقي أحمرة الوجين سمعن حس أسد حرون فهن يضرطن وينتزين ثم قال والله اني لأبغض القرشي ان يكون فظا يا عجبا لقوم يقال لهم من أبوكم فيقولون أمنا من قريش فتكلم رجل من عرض الناس وهو يخطب فقال له غيره صه فان الامام يخطب فقال انما أمرنا بالانصات عند قراءة القران لا عند ضراط أحمرة الوجين وقال خر سمعت ابن هبيرة على هذه الاعواد وهو يقول في دعائه اللهم اني أعوذ بك من عدو يسري ومن جليس يفري ومن صديق يطري قال أبو الحسن كان نافع بن علقمة بن نضلة بن صفوان بن محرث خال مروان واليا على مكة والمدينة وكان شاهرا سيفه لا يغمده وبلغه ان فتى من بني سهم يذكره بكل قبيح فلما أتى به وأمر بضرب عنقه قال له الفتى لا تعجل علي ودعني اتكلم قال أو بك كلام قال نعم وأزيد يا نافع وليت الحرمين تحكم في دمائنا وأموالنا وعندك أربع عقائل من العرب وبنيت ياقوته بين الصفا والمروة يعني داره وانت نافع بن علقمة بن نضلة بن صفوان بن محرث أحسن الناس وجها واكرمهم حسبا وليس لنا من ذلك الا التراب فلم نحسدك على شيء منه ولم ننفسه عليك ونفست علينا ان نتكلم فقال تكلم حتى ينفك فكاك وقال علي بن مجاهد عن جعد بن أبي الجعد قال صعصعة بن صوحان ما أعياني جواب احد ما أعياني جواب عثمان دخلت عليه فقلت له اخرجنا من ديارنا وأموالنا ان قلنا ربنا الله قال نحن الذين اخرجنا من ديارنا وأموالنا ان قلنا ربنا الله فمنا من مات بأرض الحبشة ومنا من مات بالمدينة وقال الحجاج على منبره والله لألحونكم لحو العصا ولا عصبنكم عصب السلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الابل يا اهل العراق يا اهل الشقاق والنفاق ومساوى ء الاخلاق اني سمعت تكبيرا ليس بالتكبير الذي يراد به الله في الترغيب ولكنه التكبير الذي يراد به الترهيب وقد عرفت انها عجاجة تحتها قصف فتنة أي بني اللكيعة وعبيد العصا وبني الاماء والله لئن قرعت عصا لأتركنكم كأمس الدابر وقال مالك بن دينار ربما سمعت الحجاج يخطب ويذكر ما صنع به أهل العراق وما صنع بهم فيقع في نفسي أنهم يظلمونه وانه صادق لبيانه وحسن تخلصه بالحجج وقسم الحجاج مالا فأعطى منه مالك بن دينار فقبل واراد ان يدفع منه الى حبيب ابي محمد فأبى ان يقبل منه شيئا ثم مر حبيب بمالك واذا هو يقسم ذلك المال فقال له مالك أبا محمد لهذا قبلناه فقال له حبيب دعني مما هناك أسألك بالله الحجاج اليوم أحب اليك أم قبل اليوم قال بل اليوم فقال حبيب فلا خير في شيء حبب اليك الحجاج ومر غيلان بن خرشة الضبي مع عبد الله بن عامر على نهر عبد الله الذي يشق البصرة فقال عبد الله ما أصلح هذا النهر لاهل هذا المصر فقال غيلان اجل ايها الامير يعلم القوم فيه صبيانهم السباحة ويكون لشفاههم ومسيل مياههم وتأتيهم فيه ميرتهم قالوا ثم مر غيلان يساير زيادا على ذلك النهر وكان قد عادى ابن عامر فقال زياد ما أضر هذا النهر بأهل هذا المصر فقال غيلان أجل والله ايها الامير تنز منه دورهم ويغرق فيه صبيانهم ومن اجله تكثر بعوضهم فالذين كرهوا البيان إنما كرهوا مثل هذا المذهب فأما نفس حسن البيان فليس يذمه إلا من عجز عنه ومن ذم البيان مدح العي وكفى بذلك جهلا وخبالا ولخالد بن صفوان في الجبن المأكول كلام ذهب فيه شبيها بهذا المذهب ورجع طاوس عن مجلس محمد بن يوسف وهو يومئذ والي اليمن فقال ما ظننت ان قول سبحان الله يكون معصية لله حتى كان اليوم سمعت رجلا أبلغ ابن يوسف عن رجل كلاما فقال له رجل في المجلس سبحان الله كالمتسعظم لذلك الكلام فغضب بن يوسف قال أبوالحسن وغيره دخل يزيد بن أبي مسلم على سليمان بن عبد الملك وكان دميما فلما رآه قال على رجل أجرك رسنك وسلطك على المسلمين لعنة الله فقال يا أمير المؤمنين انك رأيتني والأمر عني مدبر ولو رأيتني والأمر علي مقبل لاستعظمت من امري ما استصغرت فقال سليمان أفترى الحجاج بلغ قعر جهنم بعد فقال يزيد يا أمير المؤمنين يجيء الحجاج يوم القيامة بين أبيك وأخيك قابضا على يمين أبيك وشمال أخيك فضعه من النار حيث شئت
وذكر يزيد بن المهلب يزيد بن ابي مسلم بالعفة عن الدينار والدرهم وهم ان يستكفيه مهما من امره فقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله ألا أدلك على من هو ازهد في الدينار والدرهم منه وهو شر الخلق قال بلى قال ابليس وقال أسيلم بن الاحنف للوليد بن عبد الملك قبل ان يستخلف اصلح الله الامير اذا ظننت ظنا فلا تحققه واذا سألت الرجال فسلهم عما تعلم فاذا رأوا سرعة فهمك لما تعلم ظنوا بك ذلك فيما لا تعلم ودس من يسأل لك عما لا تعلم وكان أسيلم بن الأحنف الاسدي ذا بيان وأدب وعقل وجاه وهو الذي يقول فيه الشاعر ألا ايها الركب المحثون هل لكم بسيد أهل الشام تحبوا وترجعوا أسيلم ذاكم لا خفا بمكانه لعين تدجا اولأذن تسمع من النفر البيض الذين اذا انتموا وهاب الرجال حلقه الباب قعقعوا جلا الأذفر الأحوى من المسك فرقه وطيب الدهان رأسه فهو أنزع اذا النفر السود اليمانون حاولوا له حوك برديه أرقوا وأوسعوا وهذا الشعر من اشعار الحفظ والمذاكرة قال الهيثم بن عدي قدمت وفود العراق على سليمان بن عبد الملك بعدما استخلف فأمرهم بشتم الحجاج فقاموا يشتمونه فقال بعضهم ان عدو الله الحجاج كان عبدا زبابا قنور بن قنور لا نسب له في العرب قال سليمان أي شتم هذا ان عدو الله الحجاج كتب الي انما انت نقطة من مداد فان رأيت في ما رأى ابوك واخوك كنت لك كما كنت لهما والا فأنا الحجاج وانت النقطة فان شئت محوتك وان شئت أثبتك فالعنوه لعنه الله فأقبل الناس يلعنونه فقام ابن ابي بردة بن ابي موسى الاشعري فقال يا أمير المؤمنين إنا نخبرك عن عدو الله بعلم قال هات قال كان عدو الله يتزين تزين المومسة ويصعد المنبر فيتكلم بكلام الاخيار فاذا نزل عمل عمل الفراعنة واكذب في حديثه من الدجال فقال سليمان لرجاء بن حيوة هذا وأبيك الشتم لا ما تأتي به السفلة وقال عن عوانة قطع ناس من عمرو بن تميم وحنظلة على الحجاج بن يوسف فكتب اليهم من الحجاج بن يوسف اما بعد فانكم استخلصتم الفتنة فلا عن حق تقاتلون ولا عن منكر تنهون وأيم الله اني لا هم ان يكون اول ما يرد عليكم من قبلي خيل تنسف الطارف والتالد وتدع النساء أيامى والابناء يتامى والديار خرابا والسواد بياضا فأيما رفقه مرت بأهل ماء فأهل ذلك الماء ضامنون لها حتى تصير الى الماء الذي يليه تقدمة مني اليكم والسعيد من وعظ بغيره والسلام ومسلمة بن محارب قال كان الحجاج يقول أخطب الناس صاحب العمامة السوداء بين اخصاص البصرة اذا شاء خطب واذا شاء سكت ولما اجتمعت الخطباء عند معاوية في شأن يزيد وفيهم الاحنف قام رجل من حمير فقال انا لا نطيق افواه الكمال بريد الجمال عليهم المقال وعلينا الفعال وهذا من الحميري يدل على تشادق خطباء نزار قال سفيان بن عيينه قال ابن عباس اذا ترك العالم قول لا ادري أصيبت مقاتله وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله من قال لا ادري فقد احرز نصف العلم لان الذي له على نفسه هذه القوة فقد دلنا على جودة التثبت وكثرة الطلب وقوة المنة وقيل للمسيح بن مريم صلوات الله عليه من نجالس قال من يزيد في علمكم منطقه وتذكركم الله رؤيته ويرغبكم في الاخرة عمله ومر المسيح بقوم يبكون فقال ما لهؤلاء يبكون قالوا يخافون ذنوبهم قال اتركوها يغفر لكم قال الوصافي دخل الهيثم بن الاسود بن العريان وكان شاعرا خطيبا على عبد الملك بن مروان فقال له كيف نجدك قال أجدني قد ابيض مني ما كنت احب ان يسود واسود مني ما كنت احب ان يبيض واشتد مني ما كنت احب ان يلين ولان مني ما كنت احب ان يشتد ثم أنشد أسمع أنبئك بآيات الكبر نوم العشاء وسعال بالسحر وقلة النوم اذا الليل اعتكر وقلة الطعم اذا الزاد حضر وسرعة الطرف وتحميج النظر وحذرا ازداده الى حذر وتركي الحسناء في قبل الطهر والناس يبلون كما يبلى الشجر وقالوا مروا الاحداث بالمراء والكهول بالفكر وقال عبد الله بن الحسين المراء رائد الغضب فأخزى الله عقلا يأتيك به الغضب وقالوا اربعة تشتد معاشرتهم الرجل المتواني والرجل العالم والفرس المرح والملك الشديد المملكة وقال غاز ابومجاهد يعارضه اربعة تشتد مؤونتهم النديم المعربد والجليس الاحمق والمغني التائه والسفلة اذ نفروا وقال ابو شمر الغساني أقبل علي فلان باللحظ واللفظ وما الكلام إلا زجر أو وعيد قال عمير بن الحباب وروى ذلك عنه مسعر ما اغرت على حي في الجاهلية احزم امرأة ولا اعجز رجلا من كلب وأحزم رجلا وأعجز امرأة من تغلب وقامت امرأة من تغلب الى الجحاف بن حكيم حين أوقع بالبشر فقتل الرجال وبقر بطون النساء فقالت له فض الله فاك وأصمك وأعماك وأطال سهادك وأقل رقادك فوالله إن قتلت الا نساء أسافلهن دمى وأعاليهن ثدى فقال الجحاف لمن حوله لولا ان تلد مثلها لخليت سبيلها نبلغ ذلك الحسن فقال إنما الجحاف جذوة من نار جهنم وكان عامر بن الظرب العدواني حكيما وكان خطيبا رئيسا وهو القائل يا معشر عدوان ان الخير ألوف عزوف ولن يفارق صاحبه حتى يفارقه واني لم اكن حكيما حتى اتبعت الحكماء ولم أك سيدكم حتى تعبدت لكم وقال أعشى بني شيبان ولا انا في أمري ولا في خليقتي بمهتضم حقي ولا قارع سني ولا مسلم مولاي من شر ما جنى ولا خائف مولاي من شر ما أجني وإن فؤادا بين جنبي عالم بما أبصرت عيني وما سمعت أذني وفضلني في القول والشعر أنني أقول بما أهوى وأعرف ما أعني وقال رجل من ولد العباس ليس ينبغي للقرشي ان يستغرق في شيء من العلم الا علم الاخبار فأما غير ذلك فالنتف والشذر من القول وقال آخر
وصافية تعشي العيون رقيقة رهينة عام في الدنان وعام أدرنا بها الكأس الروية بيننا من الليل حتى انجاب كل ظلام فما ذر قرن الشمس حتى كأننا من العي نحكي أحمد بن هشام ومر رجل من قريش بفتي من ولد عتاب بن أسيد وهو يقرأ كتاب سيبويه فقال أف لكم علم المؤدبين وهمة المحتاجين وقال ابن عتاب يكون الرجل نحويا عروضيا وقساما فرضيا وحسن الكتابة جيد الحساب حافظا للقرآن راوية للشعر وهو يرضى ان يعلم أولادنا بستين درهما ولو ان رجلا كان حسن البيان حسن التخريج للمعاني ليس عنده غير ذلك لم يرض بألف درهم وقال عبد الله بن يزيد السفياني عود نفسك الصبر على جليس السوء فإنه لا يكاد يخطئك وقال سهل بن عبد العزيز من ثقل عليك بنفسه وغمك في سؤاله فألزمه أذنا صماء وعينا عمياء وقال سهيل بن ابي صالح عن أبيه كان ابو هريرة اذا استثقل رجلا قال اللهم اغفر له وأرحنا منه وقال ابن أبي أمية شهدت الرقاشي في مجلس وكان ألي بغيضا مقيتا فقال اقترح كل ما تشتهى فقلت اقترحت عليك السكوتا وقال ابن عباس العلم اكثر من ان يحصى فخذوا من كل شيء أحسنه وقال المدائني عن العباس بن عامر خطب محمد بن الوليد بن عتبة الى عمر بن عبد العزيز رحمه الله أخته فقال الحمد لله رب العزة والكبرياء وصلى الله على محمد خاتم الانبياء اما بعد فقد أحسن بك ظنا من أودعك حرمته واختارك ولم يختر عليك وقد زوجناك على ما في كتاب الله إمساك بمعروف أو تسريح باحسان وخطب أعرابي وأعجله القول وكره ان تكون خطبته بلا تحميد ولا تمجيد فقال الحمد لله غير ملال لذكر الله ولا إيثار غيره عليه ثم ابتدأ القول في حاجته وسأل أعرابي ناسا فقال جعل الله حظكم في الخير ولا جعل حظ السائل منكم عذره صادقة وكتب ابراهيم بن سيابة الى صديق له كثير المال كثير الدخل كثير النض إما مستسلفا وإما سائلا فكتب اليه الرجل العيال كثير والدين ثقيل والدخل قليل والمال مكذوب عليه فكتب اليه ابراهيم ان كنت كاذبا فجعلك الله صادقا وان كنت محجوجا فجعلك الله محذورا وقال الشاعر لعل مفيدات الزمان يفدنني بني صامت في غير شيء يضيرها وقال أعرابي اللهم لا تنزلني ماء سوء فأكون إمرأ سوء وقال أعرابي اللهم قني عثرات الكرام وسمع مجاشع الربعي رجلا يقول الشحيح أعذر من الظالم فقال أخزى الله شيئين خيرهما الشح وأنشدنا ابو فروة اني مدحتك كاذبا فأثبتني لما مدحتك ما يثاب الكاذب وأنشد علي بن معاذ ثالبني عمرو وثالبته فأثم المثلوب والثالب قلت له خيرا وقال الخنا كل على صاحبه كاذب وقال ابو معشر لما بلغ عبد الله بن الزبير قتل عبد الملك بن مروان عمرو ابن سعيد قام خطيبا فقال ان أبا ذبان قتل لطيم الشيطان كذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ولما جلس عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه على المنبر قال ياب أيها الناس ان الله قد فتح عليكم أفريقية وقد بعث إليكم ابن أبي سرح عبد الله بن الزبير بالفتح قم يا ابن الزبير قال فقمت وخطبت فلما نزلت قال يا أيها الناس انكحوا النساء على آبائهن وأخواتهن فاني لم أر لأبي بكر الصديق ولدا أشبه به من هذا وقال الجرمي أعددته ذخرا لكل ملمة سهم المنايا بالذخائر مولع وذكر ابو العيزار جماعة من الخوارج بالادب والخطب ومسوم للموت يركب درعه بين القواضب والقنا الخطار يدنو وترفعه الرماح كأنه شلو تنشب في مخالب ضار فثوى صريعا والرماح تنوشه ان الشراة قصيرة الأعمار ادباء إما جئتهم خطباء ضمناء كل كتيبة جرار ولما خطب سفيان بن الابرد الاصم الكلبي فبلغ في الترغيب والترهيب المبالغ ورأى عبد الله بن هلال اليشكري ان ذلك قد فت أعضاد أصحابه أنشأ يقول لعمري لقد قام الأصم بخطبة لها في صدور المسلمين غليل لعمري لئن أعطيت سفيان بيعتي وفارقت ديني إنني لجهول وقال أحد الخطباء الذين تكلموا عند الاسكندر ميتا كان أمس أنطق منه اليوم وهو اليوم أوعظ منه أمس فأخذ ا بو العتاهية هذا المعنى بعينه فقال بكيتك يا علي بدر عيني فلم يغن البكاء عليك شيا طوتك خطوب دهرك بعد نشر كذاك خطوبه نشرا وطيا كفى حزنا بدفنك ثم اني نفضت تراب قبرك من يديا وكانت في حياتك لي عظات وأنت اليوم أوعظ منك حيا ومن الاسجاع الحسنة قول الاعرابية لابنها حين خاصمته الى عامل الماء أما كان بطني لك وعاء أما كان حجري لك فناء أما كان ثديي لك سقاء فقال ابنها أصبحت خطيبة رضي الله تعالى عنك وقال النمر بن تولب وقالت ألا فاسمع للفظي وخطبتي فقلت سمعنا فانطقي وأصيبي فلم تنطقي حقا ولست بأهله فقبحت لي من قائل وخطيب وقال أبو عياد كاتب ابي خالد ما جلس احد قط بين يدي إلا تمثل لي اني سأجلس بين يديه قال الله عز وجل وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا ليس يريد بلاغة اللسان وان كان اللسان لا يبلغ من القلوب حيث يريد الا بالبلاغة وكانت خطبة قريش في الجاهلية يعني خطبة النساء باسمك اللهم ذكرت فلانة وفلان بها مشغوف باسمك اللهم لك ما سألت ولنا ما أعطيت ولما مات عبد الملك بن مروان صعد المنبر الوليد ابنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال لم أر مثلها مصيبة ولم أر مثلها ثوابا موت امير المؤمنين والخلافة بعده إنا لله وإنا إليه راجعون فالحمد لله على المصيبة والحمد لله على النعمة انهضوا فبايعوا على بركة الله رحمكم الله فقام اليه عبد الله بن همام فقال الله أعطاك التي لا فوقها وقد أراد الملحدون عوقها عنك ويأبى الله إلا سوقها إليك حتى قلدوك طوقها فبايع الناس وقيل لعمرو بن العاص في مرضه الذي مات فيه كيف تجدك قال أجدني أذوب ولا أثوب وأجد نجوى اكثر من رزئي فما بقاء الشيخ على ذلك وقيل لاعرابي كانت به أمراض عدة كيف تجدك قال أما الذي يعمدني فحصر وأسر وقال مقاتل سمعت يزيد بن المهلب يخطب بواسط فقال يا أهل العراق يا أهل السبق والسياق ومكارم الاخلاق ان اهل الشام في أفواههم لقمة دسمة قد رتبت لها الاشداق وقاموا لها على ساق وهم غير تاركيها لكم بالمراء والجدال فالبسوا لهم جلود النمور
الجزء الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله وصلى الله على محمد خاصة وعلى انبيائه عامة
أردنا أبقاك الله ان نبتدى ء صدر هذا الجزء الثاني من البيان والتبيين بالرد على الشعوبية في طعنهم على خطباء العرب اذ وصلوا ايمانهم بالمخاصر واعتمدوا على وجه الارض بأطراف القسي والعصي أشاروا عند ذلك بالقضبان والقنا وفي كل ذلك قد روينا الشاهد الصادق والمثل السائر ولكنا أحببنا ان نصدر هذا الجزء بكلام من كلام رسول رب العالمين والسلف المتقدمين والجلة من التابعين الذين كانوا مصابيح الظلام وقادة هذا الأنام وملح الارض وحلى الدنيا والنجوم التي لا يضل معها الساري والمنار الذي اليه يرجع الباغي والحزب الذي كثر الله به القليل وأعز به الذليل وزاد الكثير في عدده والعزيز في ارتفاع قدره وهم الذين جلوا بكلامهم الابصار العليلة وشحذوا بمنطقهم الاذهان الكليلة فنبهوا القلوب من رقدتها ونقلوها من سوء عادتها وشفوها من داء القسوة وغباوة الغفلة وداووا من العي الفاضح ونهجوا الطريق الواضح ولولا الذي أملت في تقديم ذلك وتعجيله من العمل بالصواب وجزيل الثواب لقد كنت بدأت بالرد عليهم وبكشف قناع دعاويهم على أنا سنقول في ذلك بعد الفراغ مما هو أولى بنا وأوجب علينا والله الموفق والمستعان وعلى ان خطباء السلف الطيب واهل البيان من التابعين باحسان ما زالوا يسمون الخطبة التي لم يبتدى ء صاحبها بالتحميد ويستفتح كلامه بالتمجيد البتراء ويسمون التي لم توشح بالقرآن وتزين بالصلاة على النبي الشوهاء وقال عمران بن حطان خطبت عند زياد خطبة ظننت اني لم أقصر فيها عن غاية ولم أدع لطاعن علة فمررت ببعض المجالس فسمعت شيخا يقول هذا الفتى اخطب العرب لو كان في خطبته شيء من القرآن وخطب اعرابي فلما اعجله بعض الامر عن التصدير بالتحميد والاستفتاح بالتمجيد فقال اما بعد بغير ملال لذكر الله ولا إيثار غيره عليه فإنا نقول كذا ونسأل كذا فرارا من ان تكون خطبته بتراء أو شوهاء وقال شبيب بن شيبة الحمد لله وصلى الله على رسوله أما بعد فإنا نسأل كذا ونبذل كذا وبنا حفظك الله اشد الحاجة الى ان يسلم كتابنا هذا من البتر القبيح واللقب السميج المعيب بل قد نحب ان نزيد في بهائه ونستميل القلوب الى اجتبائه اذ كان الامل فيه بعيدا وكان معناه شريفا ثمينا ثم اعلم بعد ذلك ان جميع خطب العرب من اهل المدر والوبر والبدو والحضر على ضربين منها الطوال ومنها القصار ولكل ذلك مكان يليق به وموضع يحسن فيه ومن الطوال ما يكون مستويا في الجودة ومشاكلا في استواء الصنعة ومنها ذات الفقر الحسان والنتف الجياد وليس فيها بعد ذلك شيء يستحق الحفظ وانما حظها التخليد في بطون الصحف ووجدنا عدد القصار اكثر ورواة العلم الى حفظها اسرع وقد اعطينا كل شكل من ذلك قسطه من الاختيار ووفينا حقه من التمييز ونرجو ان لا نكون قصرنا في ذلك والله الموفق هذا سوى مما رسمناه في كتابنا هذا من مقطعات كلام العرب الفصحاء وجمل كلام الاعراب الخلص وأهل اللسن من رجالات قريش والعرب اهل الخطابة من اهل الحجاز ونتف من كلام النساك ومواعظ من كلام الزهاد مع قلة كلامهم وشدة توقيهم ورب قليل يغني عن الكثير كما ان رب كثير لا يتعلق به صاحب القليل بل رب كلمة تغني عن خطبة وتنوب عن رسالة بل رب كناية تربى على إفصاح ولحظ يدل على ضمير وان كان ذلك الضمير بعيد الغاية على النهاية ومتى شاكل ابقاك الله ذلك اللفظ معناه وأعرب عن فحواه وكان لتلك الحال وفقا ولذلك القدر لفقا وخرج من سماجة الاستكراه وسلم من فساد التكلف كان قمينا بحسن الموقع وبانتفاع المستمع وأجدر ان
يمنع جانبه من تناول الطاعنين ويحمي عرضه من اعتراض العيابين ولا تزال القلوب به معمورة والصدور مأهوله ومتى كان اللفظ ايضا كريما في نفسه متخيرا في جنسه وكان سليما من الفضول بريئا من التعقيد حبب الى النفوس واتصل بالاذهان والتحم بالعقول وهشت اليه الاسماع وارتاحت له القلوب وخف على ألسن الرواة وشاع في الآفاق ذكره وعظم في الناس خطره وصار ذلك مادة للعالمم الرئيس ورياضة للمتعلم الريض فان أراد صاحب الكلام صلاح شأن العامة ومصلحة حال الخاصة وكان ممن يعم ولا يخص وينصح ولا يغش وكان مشغوفا بأهل الجماعة شنقا لاهل الاختلاف والفرقة جمعت له الحظوظ من اقطارها وسيقت اليه القلوب بأزمتها وجمعت النفوس المختلفة الاهواء على محبته وجبلت على تصويب ارادته ومن أعاره الله من معرفته نصيبا وأفرغ عليه من محبته ذنوبا حنت اليه المعاني وسلس له نظام اللفظ وكان قد أغنى المستمع من كد التكلف وأراح قارى ء الكتاب من علاج التفهم ولم اجد في خطب السلف الطيب والاعراب الاقحاح ألفاظا مسخوطة ولا معاني مدخولة ولا طبعا رديا ولا قولا مستكرها وأكثر ما نجد ذلك في خطب المولدين البلديين المتكلفين ومن اهل الصنعة المتأدبين وسواء كان ذلك منهم على جهة الارتجال والاقتضاب أو كان من نتاج التخير والتفكر ومن شعراء العرب من كان يدع القصيدة تمكث عنده حولا كريتا وزمنا طويلا يردد فيها نظره ويقلب فيها رأيه إتهاما لعقله وتتبعا على نفسه فيجعل عقله ذماما على رأيه ورأيه عيارا على شعره إشفاقا على أدبه وإحرازا لما خوله الله من نعمته وكانوا يسمون تلك القصائد الحوليات والمنقحات والمحكمات ليصير قائلها فحلا خنذيذا وشاعرا مفلقا وفي بيوت الشعر الامثال والأوابد ومنها الشواهد ومنها الشوارد والشعراء عندهم اربع طبقات فأولهم الفحل الخنذيذ والخنذيذ هو التام قال الاصمعي قال رؤبة هم الفحول الرواة ودون الفحل الخنذيذ الشاعر المفلق ودون ذلك الشاعر فقط والرابع الشعرور ولذلك قال الاول في هجاء بعض الشعراء يا رابع الشعراء فيم هجوتني وزعمت أني مفحم لا أنطق فجعله سكيتا مخلفا ومسبوقا مؤخرا وسمعت بعض العلماء يقول طبقات الشعراء ثلاثة شاعر وشويعر وشعرور قال والشويعر مثل محمد بن حمران بن ابي حمران سماه بذلك امرؤ القيس ابن حجر ومنهم ثم من بني ضبة المفوف شاعر بني حميس وهو الشويعر ولذلك قال العبدي ألا تنهى سراة بني حميس شويعرها فويلية الأفاعي قبيلة تردد حيث شاءت كزائدة النعامة في الكراع والشويعر أيضا صفوان بن عبد ياليل من بني سعد بن ليث ويقال ان اسمه ربيعة بن عثمان وهو الذي يقول فسائل جعفرا وبني أبيها بني البرزا بطخفة والملاح وأفلتنا أبا ليلى طفيلا صحيح الجلد من أثر السلاح وقد زعم ناس ان الخنذيذ من الخيل هو الخصي وكيف يكون ذلك كذلك مع قول الشاعر يا ليتني يا ليت لم أر مثلها أمر قرى منها واكثر باكيا واكثر خنذيذا بجر عنانه الى الماء لم يترك له الموت ساقيا وقال بشر بن ابي خازم وخنذيذ ترى الغرمول منه كطي الزق علقه التجار وأبين من ذلك قول البرجمي وخناذيذ خصية وفخولا ويدل على ما قلنا قول العبسي دعوت بني سعد الي فشمرت خناذيذ من سعد طوال السواعد وكان زهير بن ابي سلمى يسمى كبار قصائده الحوليات وقد فسر سويد بن كراع العكلي ما قلنا في قوله أبيت بأبواب القوافي كأنما أصادي بها سربا من الوحش نزعا أكالئها حتى أعرس بعد ما يكون سحير أو بعيد فأهجعا عواصي إلا ما جعلت امامها عصا مربد تغشى نحورا وأذرعا أهبت بغر الآبدات وراجعت طريقا أملته القصائد مهيعا بعيدة شأو لا يكاد يردها لها طالب حتى يكل ويظلعا اذا خفت ان تردى علي رددتها وراء التراقي خشية ان تطلعا وجشمها خوف ابن عفان ردها فثقفتها حولا جريدا ومربعا وقد كان في نفسي عليها زيادة فلم أر الا ان أطيع وأسمعا وقال الحطيئة خير الشعر الحولي المحكك وكان الاصمعي يقول زهير بن أبي سلمى والحطيئة وأشباههما عبيد الشعر وكذلك كل من يجود في جميع شعره ويقف عند كل بيت قاله وأعاد فيه النظر حتى يخرج أبيات القصيدة كلها مستوية في الجودة وكان يقال لولا ان الشعر كان قد استعبدهم واستفرغ مجهودهم حتى أدخلهم في باب التكلف واصحاب الصنعة ومن يلتمس قعر الكلام واغتصاب الالفاظ لذهبوا مذهب المطبوعين الذين تأتيهم المعاني سهلا ورهوا وتنثال عليهم الالفاظ انثيالا وانما الشعر المحمود كشعر النابغة الجعدي ورؤبة ولذلك قالوا في شعره مطرف بالآف وخمار بواف وكان يخالف في جميع ذلك الرواة والشعراء وكان ابو عبيدة يقول ويحكي ذلك عن يونس ومن تكسب بشعره والتمس به صلات الاشراف والقادة وجوائز الملوك والسادة في قصائد السماطين وبالطوال التي تنشد يوم الحفل لم يجد بدا من صنيع زهير والحطيئة وأشباههما واذا قالوا في غير ذلك أخذوا عفو الكلام وتركوا المجهود ولم ترهم مع ذلك يستعملون مثل تدبيرهم في طوال القصائد وفي صنعة طوال الخطب بل كان الكلام البائت عندهم كالمقتضب اقتدارا عليه وثقة بحسن عادة الله عندهم فيه وكانوا مع ذلك اذا احتاجوا الى الرأي في معاظم التدبير ومهمات الامور بيتوه في صدورهم وقيدوه على أنفسهم فاذا قومه الثقاف وادخل الكير وقام على الخلاص أبرزوه محككا منقحا ومصفى من الادناس مهذبا وقال الربيع بن أبي الحقيق لأبي ياسر النضيري فلا تكثر النجوى وأنت محارب تؤامر فيها كل نكس مقصر وكان عبد الله بن وهب الراسبي يقول إياي والرأي الفطير وكان يستعيذ بالله من الرأي الدبري وقال سحبان وائل شر خليطيك السؤوم المحزم لان السؤوم لا يصبر وانما التفاضل في الصبر والمحزم صعب لا يعرف ما يراد به وليس الحزم الا بالتجارب ولان عقل الغريرة مسلم الى عقل التجربة ولذلك قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه رأي الشيخ أحب إلي من جلد الشباب ولذلك كرهوا ركوب الصعب حتى يذل والمهر الارن الا بعد طول الرياضة ولم تحول المعانيق هماليج الا بعد طول التخليع ولم يحلبوا الزبون الا بعد الابساس وسنذكر من كلام رسول الله مما لم يسبقه اليه عربي ولم يشاركه فيه عجمي ولم يدع لاحد ولا ادعاه احد مما صار مستعملا ومثلا سائرا فمن ذلك قوله يا خيل الله اركبي ومن ذلك قوله مات حتف أنفه ومن ذلك قوله لا ينتطح فيه عنزان ومن ذلك قوله الان حمي الوطيس ولما قال عدي بن حاتم في قتل عثمان رضي الله تعالى عنه لا تحبق فيه عناق قال له معاوية بن أبي سفيان رحمهما الله بعد ان فقئت عينه وقتل ابنه يا أبا طريف هل حبقت في قتل عثمان عناق قال إي والله والتيس الاضجم فلم يصر كلامه مثلا وصار كلام رسول الله مثلا ومن ذلك قوله لأبي سفيان بن حرب كل الصيد في جوف الفرا ومن ذلك قوله هدنة على دخن وجماعة على أقذاء ومن ذلك قوله لا يلسع المؤمن من جحر مرتين ألا ترى ان الحارث بن خدان حين أمر بالكلام عند مقتل يزيد بن المهلب قال يا أيها الناس اتقوا الفتنة فانها تقبل بشبهة وتدبر ببيان وان المؤمن لا يلسع من جحر مرتين فضرب بكلام رسول الله المثل ثم قال اتقوا عصبا تأتيكم من الشام كأنها دلاء قد انقطع وذمها
وقال ابن الاشعث لاصحابه وهو على المنبر قد علمنا ان كنا نعلم وفهمنا ان نفهم ان المؤمن لا يلسع من جحر مرتين وقد والله لسعت بكم من جحر ثلاث مرات وانا استغفر الله من كل ما خالف الايمان وأعتصم به من كل ما قرب من الكفر وأنا اذكر بعد هذا فنا آخر من كلامه وهو الكلام الذي قل عدد حروفه وكثر عدد معانيه وجل عن الصنعة ونزه عن التكلف وكان كما قال الله تبارك وتعالى قل يا محمد وما أنا من المتكلفين فكيف وقد عاب التشديق وجانب اصحاب التقعير واستعمل المبسوط في موضع البسط والمقصور في موضع القصر وهجر الغريب الوحشي ورغب عن الهجين السوقي فلم ينطق الا عن ميراث حكمة ولم يتكلم الا بكلام قد حف بالعصمة وشيد بالتأييد ويسر بالتوفيق وهذا الكلام الذي ألقى الله المحبة عليه وغشاه بالقبول وجمع له بين المهابة والحلاوة بين حسن الافهام وقلة عدد الكلام ومع استغنائه عن اعادته وقلة حاجة السامع الى معاودته لم تسقط له كلمة ولا زلت له قدم ولا بارت له حجة ولم يقم له خصم ولا أفحمه خطيب بل يبذ الخطب الطوال بالكلام القصير ولا يلتمس اسكات الخصم الا بما يعرفه الخصم ولا يحتج الا بالصدق ولا يطلب الفلج الا بالحق ولا يستعين بالخلابة ولا يستعمل المواربة ولا يهمز ولا يلمز ولا يبطى ء ولا يعجل ولا يسهب ولا يحصر ثم لم يسمع الناس بكلام قط أعم نفعا ولا اصدق لفظا ولا أعدل وزنا ولا اجمل مذهبا ولا اكرم مطلبا ولا احسن موقعا ولا اسهل مخرجا ولا افصح عن معناه ولا أبين في فحواه من كلامه كثيرا ولم أرهم يذمون المتكلف للبلاغة فقط بل كذلك يرون المتظرف والمتكلف للغناء ولا يكادون يضعون اسم المتكلف الا في المواضع التي يذمونها قال قيس بن خطيم فما المال والأخلاق الا معارة فما استطعت من معروفها فتزود واني لأغنى الناس عن متكلف يرى الناس ضلالا وليس بمهتد وقال ابن قميئة
وحمال أثقال اذا هي أعرضت عن الاصل لا يسطيعها المتكلف وقال محمد بن سلام قال يونس بن حبيب ما جاءنا عن احد من روائع الكلام ما جاءنا عن رسول الله وقد جمعنا في هذا الكتاب جملا التقطناها من أفواه أصحاب الاخبار ولعل بعض من لم يتسع في العلم ولم يعرف مقادير الكلام يظن ان تكلفنا له من الامتداح والتشريف ومن التزيين والتجويد ما ليس عنده ولا يبلغه قدره كلا والذي حرم التزيد على العلماء وقبح التكلف عند الحكماء وبهرج الكذابين عند الفقهاء لا يظن هذا الا من ضل سعيه فمن كلام رسول الله حين ذكر الانصار فقال أما والله ما علمتكم إلا لتقلون عند الطمع وتكثرون عند الفزع وقال الناس كلهم سواء كأسنان المشط والمرء كثير بأخيه ولا خير في صحبة من لا يرى لك ما يرى لنفسه وقال الشاعر سواء كأسنان الحمار فلا ترى لذي شيبة منهم على ناشيء فضلا وقال آخر شبابهم وشيبهم سواء فهم في اللون أسنان الحمار واذا حصلت تشبيه الشاعر وحقيقته وتشبيه النبي وحقيقته علمت فضل ما بين الكلامين وقال رسول الله المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويرد عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم ح فتفهم رحمك الله قلة حروفه وكثرة معانيه وقال اليد العليا خير من اليد السفلى ح وابدأ بمن تعول ح وقال ل ا تجن يمينك على شمالك ح وذكر الخيل فقال بطونها كنز وظهورها حرز ح وقال خير المال مهرة مأمورة وسكة مأبورة ح وقال خير المال عين ساهرة لعين نائمة ح وقال نعمت العمة لكم النخلة تغرس في أرض خوارة وتشرب من عين خرارة ح وقال المطعمات في المحل الراسخات في الوحل ح وقال الحمى في أصول النخل وذكر الخيل فقال أعوافها أدفاؤها
وأذنابها مذابها والخيل معقود في نواصيها الخير الى يوم القيامة ح وقال ليس منا من حلق أو صلق أو شق ح وقال نهيتكم عن عقوق الامهات ووأد البنات ومنع وهات وقال الناس كإبل مئة لا تجد فيها راحلة وقال ما أملق تاجر صدوق وجاء في الحديث ما قل وكفى خير مما كثر وألهى وقال يحمل هذا العلم من كل خلف عدد له ينفون عنه تحريق الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وقال علي بن ابي طالب رضي الله عنه قال رسول الله الخير في السيف والخير مع السيف والخير بالسيف وقال لا يوردن مجرب على مصح وقال لا تزال أمتي صالحا أمرها ما لم تر الامانة مغنما والصدقة مغرما ورأس العقل بعد الايمان بالله مداراة الناس ولن يهلك امرؤ بعد مشورة وقال المستشار مؤتمن وقال المستشار بالخيار ان شاء قال وان شاء أمسك وقال رحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت فسلم وقال افصلوا بين حديثكم بالاستغفار وقال استعينوا على طول المشي بالسعي وقال للختانة يا أم عطية أشميه ولا تنهكيه فانه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج وقال لا تجلسوا على ظهور الطريق فان أبيتم فغضوا الابصار وردوا السلام واهدوا الضال وأعينوا الضعيف وقال ان الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا يرضى لكم ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وان تعتصموا بحبله جميعا ولا تتفرقوا وان تناصحوا من ولاه الله أمركم ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال وقال يقول ابن آدم مالي وانما لك من مالك ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو وهبت فأمضيت وقال لو ان لابن ادم واديين من ذهب لسأل اليهما ثالثا ولا يملأ جوف ابن ادم الا التراب ويتوب الله على من تاب وقال ان الدنيا حلوة خضرة وان الله مستعملكم فيها فناظر كيف تعملون وقال ان أحبكم الي وأقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم اخلاقا الموطؤن اكنافا الذين يألفون ويؤلفون وان أبغضكم الي وابعدكم مني مجالس يوم القيامة الثرثارون المتشدقون المتفيهقون وقال إياي والتشادق وقال إياي والفرج في الصلاة وقال لا يؤمن ذو سلطان في سلطانه ولا يجلس على تكرمته الا باذنه وقال إياكم والمشارة فانها تميت الغرة وتحيي العرة وقال لا ينبغي لصديق ان يكون لعانا وقال أعوذ بالله من الاعميين وبوار الأيم وكان يقول أعوذ بالله من دعاء لا يسمع وقلب لا يخشع وعلم لا ينفع ح وقال رجل يا رسول الله اوصني بشيء ينفعني الله به قال اكثر ذكر الموت يسلك عن الدنيا وعليك بالشكر فان الشكر يزيد في النعمة واكثر الدعاء فانك لا تدري متى يستجاب لك وقال أيها الناس انما بغيكم على انفسكم وإياك والبغي فان الله قد قضى انه من بغي عليه لينصرنه الله وإياك والمكر فان الله قد قضى ان لا يحيق المكر السيء الا بأهله وقيل يا رسول الله اي العمل افضل فقال اجتناب المحارم ولا يزال فوك رطبا من ذكر الله وقيل له اي الاصحاب افضل فقال الذي اذا ذكرت أعانك واذا نسيت ذكرك وقيل اي الناس شر قال العلماء اذا فسدوا وقال دب اليكم داء الامم من قبلكم الحسد والبغضاء والبغضاء هي الحالقة حالقة الدين لا حالقة الشعر والذي نفس محمد بيده لا تؤمنون حتى تحاربوا اولا انبئكم بأمر اذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم وقال تهادوا تحابوا وعن الحسن قال قال رسول الله أوصاني ربي بتسع أوصاني بالاخلاص في السر والعلانية وبالعدل في الرضا والغضب وبالقصد في الغنى والفقر وان أعفو عمن ظلمني وأعطي من حرمني وأصل من قطعني وأن يكون صمتي فكرا ونطقي ذكرا ونظري عبرا وثلاث كلمات رويت مرسلة وقد رويت لأقوام شتى وقد يجوز ان يكون انما حكوها ولم يبتدئوها منها قوله لو تكاشفتم لما تدافنتم ومنها قوله الناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم ومنها قوله ما هلك امرؤ عرف قدره وقال اسماعيل بن عياش عن عبد الله بن دينار قال قال النبي ان الله كره لكم العبث في الصلاة والرفث في الصيام والضحك عند المقابر وقال اذا أذنت فترسل واذا أقمت فأجزم
وحدثنا اسماعيل بن عياش الحمصي عن الحسن بن دينار عن الحصيب بن جحدر وهو من حديث معاذ بن جبل قال قال رسول الله ليس من اخلاق المؤمن الملق الا في طلب العلم ومن حديث أنس بن مالك ان النبي قال قيدوا العلم بالكتاب قال ويقول الله لولا رجال خشع وصبيان رضع وبهائم رتع لصببت عليكم العذاب صبا ومن حديث عبد الله بن المبارك رفعه قال اذا ساد القبيل فاسقهم وكان زعيم القوم ارذلهم وأكرم الرجل اتقاء شره فلينتظروا البلاء ومن حديث ابن أبي ذئب عن المغيرة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال ستحرصون على الامارة فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة ومن حديث عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن ابي بكرة عن أبيه قال قال رسول الله لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان ومن حديث عبد الله بن المبارك قال كان رسول الله يقول ان قوما ركبوا سفينة في البحر فاقتسموا فصار لكل رجل منهم موضع فنقر رجل منهم موضعه بفأس فقالوا له ما تصنع فقال هو مكاني أصنع فيه ما شئت فان احذوا على يديه نجا ونجوا وان تركوه هلك وهلكوا وقال علق سوطك حيث يراه أهلك ودخل السائب بن أبي صيفي على النبي فقال يا رسول الله اتعرفني قال وكيف لا اعرف شريكي الذي كان يشاريني ولا يماريني وقال رسول الله يؤتى بالوالي يجلد فوق ما أمر الله به فيقول له الرب عبدي لم جلدت فوق ما امرتك به فيقول ربي غضبت لغضبك فيقول اكان ينبغي لغضبك ان يكون أشد من غضبي ثم يؤتى بالمقصر فيقول عبدي لم قصرت عما امرتك به فيقول ربي رحمته فيقول اكان ينبغي لرحمتك ان تكون اوسع من رحمتي قال فيأمر فيهما بشيء قد ذكره لا أعرفه الا انه صيرهما الى النار قال وكيع حدثنا عبد العزيز بن عمر عن قزعة قال قال لي ابن عمر أودعك كما ودعني رسول الله أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك وقال كل ارض بسمائها
وروى سعيد بن عفير عن ابن لهيعة عن اشياخه ان النبي كتب لوائل بن حجر الحضرمي ولقومه من محمد رسول الله الى الاقيال العباهلة من اهل حضرموت باقام الصلاة وإيتاء الزكاة على التيعة شاة والتيمة لصاحبها وفي السيوب الخمس لا خلاط ولا وراط ولا شناق ولا شغار فمن أجبى فقد أربى وكل مسكر حرام ومن حديث راشد بن سعد ان رسول الله قال لا تغالوا في النساء فانما هن سقيا الله وقال رسول الله خير نساء ركبن الابل صوالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه على بعل في ذوات يده وقال مجالد عن الشعبي قال رسول الله اللهم اذهب ملك غسان وضع مهور كندة والذي يدلك على ان الله قد خصه من الايجاز وقلة عدد اللفظ مع كثرة المعاني قوله نصرت بالصبا واعطيت جوامع الكلم ومما روي عنه من استعمال الاخلاق الكريمة والافعال الشريفة وكثرة الامر بها والنهي عما خالف عنها قوله من لم يقبل عذرا من متنصل صادقا كان أو كاذبا لم يرد علي الحوض ح وقال في اخر وصيته اتقوا الله في الضعيفين وكلمته جارية في السي فقال لها من أنت قالت أنا بنت الرجل الجواد حاتم فقال النبي ارحموا عزيزا ذل إرحموا غنيا افتقر ارحموا عالما ضاع بين جهال وقال النبي سرعة المشي تذهب ببهاء المؤمن وعن ابي هريرة قال قال رسول الله إن الاحاديث ستكثر عني بعدي كما كثرت عن الانبياء من قبلي فما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فهو عني قلته أو لم أقله وسئلت عائشة رضي الله تعالى عنها عن خلق النبيي فقالت خلق القرآن وتلت قول الله وانك لعلى خلق عظيم وقال محمد بن علي أدب الله محمدا بأحسن الاداب فقال خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين فلما وعى قال ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله قال حدثنا علي بن مجاهد قال حدثنا هشام بن عروة قال سمع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رجلا ينشد متى تأته تعشو الى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موقد فقال عمر ذاك رسول الله وقد كان الناس يستحسنون قول الاعشى تشب لمقرورين يصطليانها وبات على النار الندى والمحلق فلما قال الحطيئة البيت الذي كتبناه قبل هذا سقط بيت الاعشى وقال رسول الله لا يزال المسروق منه في تهمة من هو بريء حتى يكون اعظم جرما من السارق وقال ابو الحسن أجرى الخيل وسابق بينها فجاء فرس له أدهم سابقا فجثا رسول الله على ركبتيه وقال ماهو إلا البحر ح وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كذب الحطيئة حيث يقول وان جياد الخيل لا تستفزنا ولا جاعلات العاج فوق المعاصم وقد زعم ناس من العلماء انه لم يستفزه سبق فرسه ولكنه اراد إظهار حب الخيل وتعظيم شأنها وكان رسول الله يأكل على الارض ويجلس على الارض ويلبس العباء ويجالس المساكين ويمشي في الاسواق ويتوسد يده الشريفة ويقص من نفسه ويلطع أصابعه ولا يأكل متكئا ولم يرقط ضاحكا ملء فيه وكان يقول انما انا عبد اكل كما يأكل العبد واشرب كما يشرب العبد ولو دعيت الى ذراع لأجبت ولو أهدى الي كراع لقبلت لم يأكل قط وحده ولا ضرب عبده ولا ضرب احدا بيده الا في سبيل ربه ولو لم يكن من كرم عفوه ورجاحة حلمه الا ما كان منه يوم فتح مكة لقد كان ذلك من أكمل الكمال وذلك انه حين دخل مكة عنوة وقد قتلوا أعمامه وبني أعمامه وأولياءه وقادة انصاره بعد ان حصروه في الشعاب وعذبوا أصحابه بأنواع العذاب وجرحوه في بدنه واذوه في نفسه وسفهوا عليه وأجمعوا على كيده فلما دخلها بغير حمدهم وظهر عليهم على ضغن منهم قام فيهمخطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أقول كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين وانما نقول في كل باب بالجملة من ذلك المذهب واذا عرفتم أول كل باب كنتم خلقاء ان تعرفوا الاواخر بالاوائل والمصادر بالموارد خطبة الوداع ومن خطبه خطبة حجة الوداع وهي الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمدا عبده ورسوله أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير اما بعد ايها الناس اسمعوا مني أبين لكم فاني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا أيها الناس ان دماءكم وأموالكم حرام عليكم الى ان تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت اللهم فاشهد فمن كانت عنده أمانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها وان ربا الجاهلية موضوع وان أول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب وان دماء الجاهلية موضوعة وان أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وان ماثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير فمن زاد فهو من اهل الجاهلية ايها الناس ان الشيطان قد يئس ان يعبد في ارضكم هذه ولكنه قد رضي ان يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من اعمالكم ايها الناس انما النسي زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله وان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والارض و ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها اربعة حرم ثلاثة متواليات وواحد فرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب الذي بين جمادى وشعبان ألا هل بلغت اللهم فاشهد ايها الناس ان لنسائكم عليكم حقا ولكم عليهن حق لكم عليهن ان لا يوطئن فرشكم غيركم ولا يدخلن احدا تكرهونه بيوتكم إلا باذنكم ولا يأتين بفاحشة فان فعلن فان الله قد أذن لكم ان تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح فان انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وانما النساء عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرا ألا هل بلغت اللهم فاشهد ايها الناس انما المؤمنون إخوة ولا يحل لامرى ء مال اخيه الا عن طيب نفس منه ألا هل بلغت اللهم فاشهد فلا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض فاني قد تركت فيكم ما ان اخذتم به لم تضلوا بعده كتاب الله ألا هل بلغت اللهم فاشهد ايها الناس ربكم واحد وان أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم وليس لعربي على عجمي فضل الا بالتقوى ألا هل بلغت اللهم فاشهد قالوا نعم قال فليبلغ الشاهد الغائب ايها الناس ان الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا يجوز لوارث وصية ولا يجوز وصية في اكثر من الثلث والولد للفراش وللعاهر الحجر من ادعى الى غير ابيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل والسلام عليكم ورحمة الله وعن الحسن قال جاء قيس بن عاصم المنقري الى رسول الله فلما نظر اليه قال هذا سيد اهل الوبر فقال يا رسول الله خبرني عن المال الذي لا تكون علي فيه تبعة من ضيف ضافني أو عيال ان كثروا علي قال نعم المال الاربعون والاكثر الستون وويل لأصحاب المئين الا من اعطى في رسلها ونجدتها واطرق فحلها وافقر ظهرها ونحر سمينها واطعم القانع والمعتر قال يا رسول الله ما اكرم هذه الاخلاق واحسنها وما يحل بالوادي الذي اكون فيه اكثر من إبلي قال فكيف تصنع بالطروقة قال تغدو الابل ويغدو الناس فمن شاء أخذ برأس بعير فذهب به قال فكيف تصنع بالافقار قال اني لأفقر البكر الضرع والناب المسنة قال فكيف تصنع بالمنيحة قال اني لأمنح في كل ستة مائة قال فأي المال أحب أليك أمالك ام مال مواليك قال بل مالي قال فمالك من مالك الا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو اعطيت فأمضيت وما سوى ذلك للمواريث وذكر ابو المقدام هشام بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال دخلت على عمر بن عبد العزيز رحمه الله في مرضه الذي مات فيه فجعلت احد النظر اليه فقال لي يا ابن كعب مالك تحد النظر الي قلت لما نحل من جسمك وتغير من لونك قال فكيف لو رأيتني بعد ثلاثة في قبري وقد سالت حدقتاي على وجنتي وابتدر فمي وأنفي صديدا ودودا كنت لي أشد نكرة أعد علي حديثا كنت حدثتنيه عن ابن عباس قلت سمعت ابن عباس يقول كان رسول الله يقول ان لكل شيء شرفا وان أشرف المجالس ما استقبل به القبلة ومن أحب ان يكون أعز الناس فليتق الله ومن أحب ان يكون أقوى الناس فليتوكل على الله ومن أحب ان يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده ثم قال ألا أنبئكم بشرار الناس قالوا بلى يا رسول الله قال من نزل وحده ومنع رفده وجلد عبده ثم قال ألا أنبئكم بشر من ذلك قالوا بلى يا رسول الله قال من لا يقيل عثرة ولا يقبل معذرة ثم قال ألا أنبئكم بشر من ذلك قالوا بلى يا رسول الله قال من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره ثم قال ألا أنبئكم بشر من ذلك قالوا بلى يا رسول الله قال من يبغض الناس ويبغضونه ان عيسى بن مريم قام خطيبا في بني اسرائيل فقال يا بني اسرائيل لا تكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ولا تكافئوا ظالما فيبطل فضلكم يا بني اسرائيل الامور ثلاثة امر تبين رشده فاتبعوه وامر تبين غيه فاجتنبوه وامر اختلف فيه فالى الله ردوه وقال النبي كل قوم على زينة من أمرهم ومفلحة من أنفسهم يزرون على من سواهم ويتبين الحق من ذلك بالمقايسة بالعدل عند ذوي الالباب من الناس وقال من رضي رقيقه فليمسكه ومن لم يرض فليبعه ولا تعذبوا عباد الله وقال في آخر ما أوصى به اتقوا الله في الضعيفين ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن مالك بن يحامر عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله عمران بيت المقدس خراب يثرب وخراب يثرب خروج الملحمة وخروج الملحمة فتح قسطنطينية وفتح قسطنطينية خروج الدجال ثم ضرب بيده على فخذ الذي حدثه أو منكبه ثم قال ان هذا لحق كما انك هاهنا أو كما انك قاعد يعني معاذا صالح المري عن الحسن قال قال رسول الله حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة واستقبلوا البلاء بالدعاء كثير بن هشام عن عيسى بن ابراهيم عن الضحاك عن ابن عباس قال قال رسول الله الجمعه حج المساكن ح عوف عن الحسن قال ان النبي قال اتقوا الله في النساء فانهن عندكم عوان وانما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ح الواقدي عن موسى بن محمد بن ابراهيم التيمي عن ابيه قال قال رسول الله ان الله يحب الجواد من خلقه ح أبو عبد الرحمن الاشجعي عن يحيى بن عبد الله عن أبيه عن ابي هريرة قال قال رسول الله ما خلا يهودي بمسلم قط إلا هم بقتله ويقال حدث نفسه بقتله أبوعاصم النبيل قال حدثنا عبيد الله بن ابي زياد عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت قال النبي من ذب عن لحم اخيه بظهر الغيب كان حقا على الله ان يحرم لحمه على النار اسماعيل بن عياش عن الحسن بن دينار عن الخصيب بن جحدر عن رجل عن معاذ بن جبل عن النبي قال ليس من أخلاق المؤمن الملق ألا في طلب العلم عبد ربه بن أعين عن عبد الله بن ثمامة بن أنس عن ابيه قال قال رسول الله قيدوا العلم بالكتاب وقال فضل جاهك تعود به على أخيك الذي لا جاه له صدقة منك عليه وفضل لسانك تعبر به عن أخيك الذي لا لسان له صدقة منك عليه وفضل قوتك تعود بها على اخيك الذي لا قوة له صدقة منك عليه وفضل علمك تعود به على اخيك الذي لا علم له صدقة منك عليه وإماطتك الأذى عن الطريق صدقة منك على أهله وإنما مدار الامر والغاية التي يجري اليها الفهم ثم الافهام والطلب ثم التثبت وقال عمرو بن العاص ثلاثة لا أملهم جليسي ما فهم عني ودابتي ما حملت رحلي وثوبي ما ستر عورتي وذكر الشعبي ناسا فقال ما رأيت مثلهم أشد تنابذا في مجلس ولا أحسن تفهما عن محدث ووصف سهل بن هرون رجلا فقال لم أر أحسن منه فهما لجليل ولا أحسن تفهما لدقيق وقال سعيد بن سلم لأمير المؤمنين المأمون لو لم أشكر الله الا على حسن ما بلاني في أمير المؤمنين من قصده إلي بحديثه واشارته إلي بطرفه لقد كان ذلك من أعظم ما تفرضه الشريعة وتوجيه الحرية قال المأمون لان أمير المؤمنين يجد عندك من حسن الإفهام اذا حدثت وحسن الفهم اذا حدثت ما لم يجده عند احد فيمن مضى ولا يظن انه يجده فيمن بقى وقال له مرة والله انك لتستقفي حديثي وتقف عند مقاطع كلامي وتخبر عنه بما كنت قد أغفلته قال ابو الحسن قالت امرأة لزوجها مالك اذا خرجت الى أصحابك تطلقت وتحدثت واذا كنت عندي تعقدت وأطرقت قال لأني اجل عن دقيقك وتدقين عن جليلي وقال ابو مسهر بن المبارك ما حدثت رجلا قط الا أعجبني حسن إصغائه حفظ عني أم ضيع وقال ابو عقيل بن درست نشاط القائل على قدر فهم المستمع وقال ابو عباد كاتب ابن ابي خالد للقائل على المستمع ثلاث جمع البال والكتمان وبسط العذر وقال ابو عباد اذا أنكر القائل عيني المستمع فليستفهمه عن منتهى حديثه وعن السبب الذي أجرى ذلك القول له فان وجده قد اخلص له الاستماع أتم له الحديث وان كان لاهيا عنه حرمه حسن الحديث ونفع المؤانسة وعرفه بسوء الاستماع والتقصير في حق المحدث وأبو عباد هذا هو الذي قال ما جلس بين يدي رجل قط إلا تمثل لي أني سأجلس بين يديه وذكر رجل من القرشيين عبد الملك بن مروان وعبد الملك يومئذ غلام فقال انه لاخذ بأربع وتارك لأربع اخذ بأحسن الحديث اذا حدث وبأحسن الاستماع اذا حدث وبأيسر المؤنة اذا خولف وبأحسن البشر اذا لقى وتارك لمحادثة اللئيم ومنازعة اللجوج وممارات السفيه ومصاحبة المأفون وذم بعض الحكماء رجلا فقال يجزم قبل ان يعلم ويغضب قبل ان يفهم وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في بعض رسائله الى قضاته الفهم الفهم ما يختلج في صدرك ولا يمكن تمام الفهم إلا مع تمام فراغ البال وقال مجنون بني عامر أتاني هواها قبل ان أعرف الهوى فصادف قلبي فارغا فتمكنا وكتب مالك بن اسماء بن خارجة الى اخيه عيينة بن اسماء أعيين هلا إذ شغفت بها كنت استعنت بفارغ العقل أقبلت ترجو الغوث من قبلي والمستغاث اليه في شغل وقال صالح المري سوء الاستماع نفاق وقد لا يفهم المستمع إلا بالتفهم وقد يتفهم أيضا من لا يفهم وقال الحارث بن حلزة لست فيها ا لركب أحدس في كل الامور وكنت ذا حدس
وقال النابغة الجعدي أبالي البلاء وأني امرؤ اذا ما تبينت لم أرتب وقال آخر تحلم عن الأدنين واستبق ودهم ولن تستطيع الحلم حتى تحلما والمثل السائر على وجه الدهر قولهم العلم بالتعلم واذا كانت البهيمة اذا أحست بشيء من اسباب القاص أحدث نظرها واستفرغت قواها في الاسترواح وجمعت بالها للتسمع كان الانسان العاقل أولى بالتثبت وأحق بالتعرف ولما اتهم قتيبة بن مسلم أبا مجلز لاحق بن حميد ببعض الامر قال له ابو مجلز أيها الامير تثبت فإن التثبت نصف العفو وقال الاحنف تعلمت الحلم من قيس بن عاصم وقال فيروز بن حصين كنت اختلف الى دار الاستخراج أتعلم الصبر وقال سهل بن هرون بلاغة الانسان رفق والعي خرق وكان كثيرا ما ينشد قول شتيم بن خويلد ولا يشعبون الصدع بعد تفاقم وفي رفق أيديكم لذي الصدع شاعب خطبة لابي بكر الصديق وقال إبراهيم الانصاري وهو إبراهيم بن محمد المفلوج من ولد أبي زيد القاري الخلفاء والأئمة وامراء المؤمنين ملوك وليس كل ملك يكون خليفة وإماما قال ولذلك فصل بينهم ابو بكر رضي الله تعالى عنه في خطبته فانه لما فرغ من الحمد والصلاة على النبي قال ان اشقى الناس في الدنيا والآخرة الملوك فرفع الناس رؤوسهم فقال ما لكم ايها الناس انكم لطاعنون عجلون ان من الملوك من اذا ملك زهده الله فيما عنده ورغبه فيما في يدي غيره وانتقصه شطر أجله وأشرب قلبه الإشفاق فهو يحسد على القليل ويتسخط الكثير ويسأم الرخاء وتنقطع عنه لذة الباء لا يستعمل العبرة ولا يسكن الى الثقة فهو كالدرهم القسي والسراب الخادع جذل الظاهر حزين الباطن فاذا وجبت نفسه ونضب عمره وضحى ظله حاسبه الله فأشد حسابه وأقل عفوه ألا ان الفقراء هم المرحومون وخير الملوك من آمن بالله وحكم بكتابه وسنة نبيه وانكم اليوم على خلافة النبوة ومفرق المحجة وسترون بعدي ملكا عضوضا وملكا عنودا وأمة شعاعا ودما مفاحا فان كانت للباطل نزوة ولاهل الحق جولة يعفو بها الأثر ويموت لها البشر فالزموا المساجد واستشيروا القرآن والزموا الطاعة ولا تفارقوا الجماعة وليكن الابرام بعد التشاور والصفقة بعد طول التناظر اي بلادكم خرسة ان الله سيفتح عليكم أقصاها كما فتح عليكم أدناها وصية أبي بكر الصديق لعمر الفاروق إني مستخلفك من بعدي وموصيك بتقوى الله ان لله عملا بالليل لا يقبله بالنهار وعملا بالنهار لا يقبله بالليل وانه لا تقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة فانما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا وثقله عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق ان يكون ثقيلا وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل وخفته عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل ان يكون خفيفا ان الله ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئاتهم فاذا ذكرتهم قلت اني اخاف ان لا أكون من هؤلاء وذكر اهل النار فذكرهم بأسوإ اعمالهم ولم يذكر حسناتهم فاذا ذكرتهم قلت اني لأرجو ان لا أكون من هؤلاء وذكر آية الرحمة مع آية العذاب ليكون العبد راغبا راهبا ولا يتمنى على الله غير الحق ولا يلقى بيده الى التهلكة فاذا حفظت وصيتي فلا يكن غائب احب اليك من الموت وهو آتيك وان ضيعت وصيتي فلا يكن غائب ابغض اليك من الموت ولست بمعجز الله وصية عمر للخليفة من بعده وأوصى عمر رضي الله تعالى عنه الخليفة من بعده فقال أوصيك بتقوى الله لا شريك له وأوصيك بالمهاجرين الأولين خيرا ان تعرف لهم سابقتهم وأوصيك بالأنصار خيرا فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم وأوصيك بأهل الامصار خيرا فانهم ردء العدو وجباة الفيء لا تحمل فيئهم إلا عن فضل منهم وأوصيك بأهل البادية خيرا فانهم اصل العرب ومادة الاسلام ان تأخذ من حواشي اموال اغنيائهم فترد على فقرائهم وأوصيك بأهل الذمة خيرا ان تقاتل من ورائهم ولا تكلفهم فوق طاقتهم اذا أدوا ما عليهم للمؤمنين طوعا أو عن يد وهم صاغرون وأوصيك بتقوى الله وشدة الحذر منه ومخافة مقته ان يطلع منك على ريبة وأوصيك ان تخشى الله في الناس وتخشى الناس في الله وأوصيك بالعدل في الرعية والتفرغ لحوائجهم وثغورهم ولا تؤثر غنيهم على فقيرهم فان ذلك باذن الله سلامة لقلبك وحط لوزرك وخير في عاقبة أمرك حتى تفضي من ذلك الى من يعرف سريرتك ويحول بينك وبين قلبك وامرك ان تشتد في أمر الله وفي حدوده ومعاصيه على قريب الناس وبعيدهم ثم لا تأخذك في احد رأفة حتى تنتهك منه مثل ما انتهك من حرم الله واجعل الناس عندك سواء لا تبالي على من وجب الحق ثم لا تأخذك في الله لومة لائم واياك والأثرة والمحاباة فيما ولاك الله مما أفاء الله على المؤمنين فتجور وتظلم وتحرم نفسك من ذلك ما قد وسعه الله عليك وقد اصبحت بمنزلة من منازل الدنيا والآخرة فان اقترفت لدنياك عدلا وعفة عما بسط الله لك اقترفت به إيمانا ورضوانا وان غليك لهوى اقترفت به سخط الله وأوصيك ان لا ترخص لنفسك ولا لغيرك في ظلم اهل الذمة وقد أوصيتك وحضضتك ونصحتك فابتغ بذلك وجه الله والدار الاخرة واخترت من دلالتك ما كنت دالا عليه نفسي وولدي فان عملت بالذي وعظتك وانتهيت الى الذي أمرتك أخذت به نصيبا وافرا وحظا وافيا وان لم تقبل ذلك ولم يهمك ولم تنزل معاظم الامور عند الذي يرضي الله به عنك يكن ذلك بك انتقاصا ورأيك فيه مدخولا لان الاهواء مشتركة ورأس كل خطيئة ابليس وهو داع الى كل هلكة وقد أضل القرون السالفة قبلك فأوردهم النار ولبئس الثمن ان يكون حظ امرى ء موالاة عدو الله الداعي الى معاصيه ثم اركب الحق وخض اليه الغمرات وكن واعظا لنفسك انشدك الله لما ترحمت على جماعة المسلمين فأجللت كبيرهم ورحمت صغيرهم ووقرت عالمهم ولا تضربهم فيذلوا ولا تستأثر عليهم بالفيء فتغضبهم ولا تحرمهم عطاياهم عند محلها فتفقرهم ولا تجمرهم في البعوث فتقطع نسلهم ولا تجعل المال دولة بين الاغنياء منهم ولا تغلق بابك دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم هذه وصيتي اياك وأشهد الله عليك وأقرأ عليك السلام
رسالة عمر الى ابي موسى الاشعري في القضاء رواها ابن عيينة وابو بكر الهذلي ومسلمة بن محارب رووها عن قتادة ورواها ابو يوسف يعقوب بن إبراهيم عن عبيد الله بن حميد الهذلي عن أبي المليح بن اسامة ان ابن الخطاب رضي الله عالى عنه كتب الى ابي موسى الاشعري بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فان القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة فافهم اذا أدلي اليك فانه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له آس بين الناس في مجلسك ووجهك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا يخاف ضعيف من جورك والبينة على من ادعى واليمين على من انكر والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك ان ترجع عنه فان الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل الفهم الفهم عندما يتلجلج في صدرك مما لم يبلغك في كتاب الله ولا سنة النبي إعرف الامثال والاشباه وقس الامور عند ذلك ثم إعمد الى أحبها الى الله وأشبهها بالحق فيما ترى واجعل للمدعي حقا غائبا أو بينة أمدا ينتهي اليه فان احضر بينته أخذت له بحقه وإلا وجهت عليه القضاء فان ذلك أنفى للشك وأجلى للعمى وأبلغ في العذر المسلمون عدول بعضهم على بعض الا مجلودا في حد أو مجربا عليه شهادة زور أو ظنينا في ولاء أو قرابة فان الله قد تولى منكم السرائر ودرأ عنكم بالشبهات ثم إياك والقلق والضجر والتأذي بالناس والتنكر للخصوم في مواطن الحق التي يوجب الله بها الاجر ويحسن بها الذخر فانه من يخلص نيته فيما بينه وبين الله تبارك وتعالى ولو على نفسه يكفه الله ما بينه وبين الناس ومن تزين للناس بمايعلم الله خلافة منه هتك الله سترة وأبدى فعله والسلام عليك خطبة لعلي بن أبي طالب وقال ابو عبيدة معمر بن المثنى اول خطبة خطبها علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه حمد الله واثنى عليه وصلى على نبيه ثم قال أما بعد فلا يرعين مرع الا على نفسه فان من أرعى على غير نفسه شغل عن الجنة والنار أمامه ساع مجتهد وطالب يرجو ومقصر في النار ثلاثة واثنان ملك طار بجناحيه ونبي أخذه الله بيده ولاسادس هلك من ادعى وردى من اقتحم فان اليمين والشمال مضلة والوسطى الجادة منهج عليه باقي الكتاب والسنة وآثار النبوة ان الله داوى هذه الامة بدوائين السوط والسيف فلا هوادة عند الامام فيهما استتروا ببيوتكم واصطلحوا فيما بينكم والتوبة من ورائكم من أبدى صفحته للحق هلك قد كانت أمور لم تكونوا عندي فيها محمودين أما إني لوأشاء لقلت عفا الله عما سلف سبق الرجلان ونام الثالث كالغراب همته بطنه يا ويحه لو قص جناحاه وقطع رأسه لكان خيرا له انظروا ان انكرتم فانكروا وان عرفتمم بارزوا حق وباطل ولكل أهل ولئن كثر أمر الباطل لقديما فعل ولئن قل الحق لربما ولعل ما أدبر شيء فأقبل ولئن رجعت عليكم اموركم انكم لسعداء وإني لأخشى ان تكونوا في فترة وما علينا الا الاجتهاد قال ابو عبيدة وروى فيها جعفر بن محمد ان أبرار عترتي وأطايب أرومتي أحلم الناس صغارا وأعلمهم كبارا ألا وإنا من اهل بيت من علم الله علمنا وبحكم الله حكمنا ومن قول صادق سمعنا وان تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا وان لم تفعلوا يهلككم الله بأيدينا معنا راية الحق من تبعنا لحق ومن تأخر عنا غرق ألا وإن بنا ترد دبرة كل مؤمن وبنا تخلع ربقة الذل من اعناقكم وبنا فتح وبنا ختم لا بكم خطبة أخرى له ومن خطب علي أيضا رضي الله تعالى عنه قالوا أغار سفيان بن عوف الازدي ثم الغامدي على الانبار زمان علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وعليها ابن حسان أو حسان البكري فقتله وأزال تلك الخيل عن مسالحها فخرج علي حتى جلس على باب السدة فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ثم قال اما بعد فان الجهاد باب من ابواب الجنة فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذلة وشمله البلاء وألزمه الصغار وسيم الخسف ومنع النصف ألا وإني قد دعوتكم الى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا سرا وإعلانا وقلت لكم أغزوهم قبل ان يغزوكم فوالله ما غزى قوم قط في عقر دارهم الا ذلوا فتواكلتم وتخاذلتم وثقل عليكم قولي واتخذتموه وراءكم ظهريا حتى شنت عليكم الغارات هذا أخو غامد قد وردت خيله الانبار وقتل حسان أو ابن حسان البكري وأزال خيلكم عن مسالحها وقتل منكم رجالا صالحين وقد بلغني ان الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والاخرى المعاهدة فينتزع أحجالها وقلبها ورعثها ثم انصرفوا وافرين ما كلم رجل منهم كلما فلو ان أمرا مسلما مات من بعدها أسفا ما كان عندي ملوما بل كان عندي به جديرا فيا عجبا من جد هؤلاء القوم في باطلهم وفشلكم عن حقكم فقبحا لكم وترحا حين صرتم غرضا يرمى وفبئا ينهب يغار عليكم ولا تغيرون وتغزون ولا تغزون ويعصى الله وترضون فاذا أمرتكم بالسير اليهم في الحر قلتم حمارة القيظ أمهلنا حتى ينسلخ عنا ا لحر واذا أمرتكم بالسير في البرد قلتم أمهلنا حتى ينسلخ عنا القر كل هذا فرارا من الحر والقر فاذا كنتم من الحر والقر تفرون فأنتم والله من السيف أفر يا أشباه الرجال ولا رجال ويا أحلام الاطفال وعقول ربات الحجال وددت ان الله قد أخرجني من بين ظهر انيكم وقبضني الى رحمته من بينكم والله لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة والله جرت ندما وورثت صدري غيظا وجرعتموني الموت أنفاسا وأفسدتم على رأيي بالعصيان والخذلان حتى لقد قالت قريش ان ابن أبي طالب شجاع ولكن لا علم له بالحرب لله أبوهم وهل منهم احد اشد لها مراسا وأطول لها تجربة مني لقد مارستها وما بلغت العشرين وقد نيفت فيها على الستين ولكنه لا رأي لمن لا يطاع قال فقام رجل من الازد يقال له فلان بن عفيف ثم أخذ بيد أخ له فقال يا أمير المؤمنين أنا وأخي كما قال الله رب إني لا املك الا نفسي وأخي فمرنا بأمرك فوالله لنضربن دونك وان حال دونك جمر الغضا وشوك القتاد قال فاثنى عليهما وقال لهما خيرا قال اين تقعان مما أريد ثم نزل خطبة اخرى له وخطبة اخرى بهذا الاسناد في شبيه بهذا المعنى قام فيهم خطيبا فقال ايها الناس المجتمعة أبدانهم المختلفة أهواؤهم كلامكم يوهي الصم الصلاب وفعلكم يطمع فيكم عدوكم تقولون في المجالس كيت وكيت فاذا جاء القتال قلتم حيدي حياد ما عزت دعوة من دعاكم ولا استراح قلب من قاساكم أعاليل بأضاليل وسألتموني التأخير دفاع ذي الدين المطول هيهات لا يمنع الضيم الذليل ولا يدرك الحق الا بالجد اي دار بعد داركم تمنعون أم مع أي امام بعدي تقاتلون المغرور والله من غررتموه ومن فاز بكم فاز بالسهم الاخيب أصبحت والله لا أصدق قولكم ولا اطمع في نصرتكم فرق الله بيني وبينكم واعقبني بكم من هو خير لي منكم لوددت ان لي بكل عشرة منكم رجلا من بني فراس بن غنم صرف الدينار بالدرهم خطبة أخرى له وخطب أيضا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فقال اما بعد فان الدنيا قد ادبرت و آذنت بوداع وان الآخرة قد اقبلت وأشرفت باطلاع وان المضمار اليوم والسباق غدا الا وانكم في أيام امل من ورائه اجل فمن اخلص في ايام امله قبل حضور اجله فقد نفعه عمله ولم يضره أمله ومن قصر في ايام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله وضره أمله ألا فاعملوا لله في الرغبة كما تعملون له في الرهبة ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها ولا كالنار نام هاربها ألا وانه من لم ينفعه الحق يضره الباطل ومن لم يستقم به الهدى يجر به الضلال الى الردى ألا وانكم قد أمرتم بالظعن ودللتم على الزاد وان اخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل خطبة عبد الله بن مسعود أصدق الحديث كتاب الله تعالى وأوثق العرى كلمة التقوى وخير الملل ملة إبراهيم عليه السلام واحسن السنن سنة محمد وشر الامور محدثاتها وخير الأمور عزائمها ما قل وكفى خير مما كثر وألهى نفس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها خير الغني غني النفس خير ما ألقي في القلب اليقين الخمر جماع الآثام النساء حبالة الشيطان الشباب شعبة من الجنون حب الكفاية مفتاح المعجزة من الناس من لا يأتي الجماعة الا دبرا ولا يذكر الله الا هجرا اعظم الخطايا اللسان الكذوب سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر واكل لحمه معصية من يتألى على الله يكذبه ومن يستغفر يغفر له مكتوب في ديوان المحسنين من عفا عفي عنه الشقي من شقي في بطن أمه السعيد من وعظ بغيره الأمور بعواقبها ملاك العمل خواتيمه احسن الهدى هدى الانبياء أقبح الضلالة الضلالة بعد الهدى أشرف الموت الشهادة من يعرف البلاء يصبر عليه من لا يعرف البلاء ينكره خطبة عتبة بن غزوان السلمي بعد فتح الأبلة حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ثم قال أما بعد فان الدنيا قد تولت حذاء مدبرة وقد آذنت اهلها بصرم وإنما بقي منها صبابة كصبابة الإناء يصطبها صاحبها ألا وانكم مفارقوها لا محالة ففارقوها بأحسن ما يحضركم الا وان من العجب اني سمعت رسول الله يقول ان الحجر الضخم يلقى في النار من شفيرها فيهوي فيها سبعين خريفا ولجهنم سبعة أبواب ما بين البابين منها مسيرة خمسمائة سنة ولتأتين عليه ساعة وهو كظيظ بالزحام ولقد كنت مع رسول الله سابع سبعة ما لنا طعام الا ورق البشام حتى قرحت اشداقنا فوجدت انا وسعد بن مالك تمرة فشققتها بيني ونبينه بنصفين والتقطت بردة فشققتها بيني وبينه فأتزرت بنصفها وما منا احد اليوم الا وهو أمير على مصر من الامصار وانه لم يكن نبوة قط الا تناسختها جبرية وانا اعوذ بالله ان اكون في نفسي عظيما وفي اعين الناس صغيرا وستجربون الأمراء من بعدي فتعرفون وتنكرون خطبة لمعاوية بن أبي سفيان رواها شعيب بن صفوان وزاد فيها اليقطري وغيره قالوا لما حضرت معاوية الوفاة قال لمولى له من بالباب قال نفر من قريش يتباشرون بموتك فقال ويحك ولم قال لا أدري قال فوالله ما لهم بعدي الا الذي يسوؤهم وأذن للناس فدخلوا فحمد الله وأثنى عليه وأوجز ثم قال ايها الناس انا قد اصبحنا في دهر عنقود وزمن شديد يعد فيه المحسن مسيئا ويزداد فيه الظالم عتوا لا ننتفع بما علمناه ولا نسأل عما جهلناه ولا نتخوف قارعة حتى تحل بنا فالناس على أربعة اصناف منهم من لا يمنعه من الفساد الا مهانة نفسه وكلال حده ونضيض وفره ومنهم المصلت لسيفه المجلب بخيله ورجله والمعلن بشره قد أشرط نفسه واوبق دينه لحطام ينتهزه أو منقب يقوده أو منبر يقرعه ولبئس المتجران تراهما لنفسك ثمنا ولما لك عند الله عوضا ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة ولا يطلب الآخرة بعمل الدنيا فقد طامن من شخصه وقارب من خطوه وشمر من ثوبه وزخرف نفسه للأمانة واتخذ ستر الله ذريعة للمعصية ومنهم من قد أقعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه وانقطاع سببه فقصرت الحال عن أمله فتحلى باسم القناعة وتزين بلباس الزهاد وليس من ذلك في مراح ولا مغدى وبقي رجال غض ابصارهم ذكر المرجع وأراق دموعهم خوف المحشر فهم بين شريد نافر وخائف منقمع وساكت مكعوم وداع مخلص وموجع ثكلان قد اخملتهم التقية وشملتهم الذلة فهم بحر أجاج أفواههم ضامرة وقلوبهم قرحة قد وعظوا حتى ملوا وقهروا حتى ذلوا وقتلوا حتى قلوا فلتكن الدنيا في إعينكم اصغر من حثالة القرظة وقراضة الجلمين واتعظوا بمن كان قبلكم قبل ان يتعظ بكم من كان بعدكم فارفضوها ذميمة فانها قد رفضت من كان أشغف بها منكم وفي هذه الخطبة أبقاك الله ضروب من العجب منها ان هذا الكلام لا يشبه السبب الذي من أجله دعاهم معاوية ومنها ان هذا المذهب في تصنيف الناس وفي الاخبار عنهم وعماهم عليه من القهر والاذلال ومن التقية والخوف أشبه بكلام علي وبمعانية وبحالة منه بحال معاوية ومنها أنا لم نجد معاوية في حال من الحالات يسلك في كلامه مسلك الزهاد ولا يذهب مذاهب العباد وإنما نكتب لكم ونخبر بما سمعناه والله أعلم بأصحاب الاخبار وبكثير منهم خطبة زياد بن أبي سفيان بالبصرة البتراء قال ابو الحسن المدائني ذكر ذلك عن مسلمة بن محارب وعن أبي بكر الهذلي قالا قدم زياد البصرة واليا لمعاوية بن ابي سفيان وضم اليه خراسان وسجستان والفسق بالبصرة كثير فاش ظاهر قالا فخطب خطبة بتراء لم يحمد الله فيها وقال غيرهما بل قال الحمد الله على إفضاله وإحسانه ونسأله المزيد من نعمة واكرامه اللهم كما زدتنا نعما فألهمنا شكرا اما بعد فان الجهالة الجهلاء والضلالة العمياء والغي الموفي بأهله على النار ما فيه سفهاؤكم ويشتمل عليه حلماؤكم من الأمور العظام ينبت فيها الصغير ولا يتحاشى عنها الكبير كأنكم لم تقرأوا كتاب الله ولم تسمعوا ما اعد الله من الثواب الكريم لأهل طاعته والعذاب الأليم لأهل معصيته في الزمن السرمدي الذي لا يزول اتكونون كمن طرفت عينيه الدنيا وسدت مسامعه الشهوات واختار الفانية على الباقية ولا تذكرون انكم احدثتم في الاسلام الحدث الذي لم تسبقوا اليه من ترككم الضعيف يقهر ويؤخذ ماله ما هذه المواخير المنصوبة والضعيفة المسلوبة في النهار المبصر والعدد غير قليل ألم تكن منكم نهاة تمنع الغواة عن دلج الليل وغارة النهار قربتم القرابة وباعدتم الدين تعتذرون بغير العذر وتغضون عن المختلس كل امرى ء منكم يذب عن سفيهه صنيع من لا يخاف عاقبة ولا يرجو معادا ما أنتم بالحلماء ولقد اتبعتم السفهاء فلم يزل بكم ما ترون من قيامكم دونهم حتى انتهكوا حرم الاسلام ثم أطرقوا وراءكم كنوسا في مكانس الريب حرام علي الطعام و الشراب حتى أسويها بالارض هدما وإحراقا أني رأيت آخر هذا الامر لا يصلح الا بما صلح به أوله لين في غير ضعف وشدة في غير عنف وإني اقسم بالله لآخذن الولي بالمولى والمقيم بالظاعن والمقبل بالمدبر والمطيع بالعاصي والصحيح منكم في نفسه بالسقيم حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول أنج سعد فقد هلك سعيد أو تستقيم قناتكم ان كذبة المنبر بلقاء مشهورة فاذا تعلقتم علي بكذبة فقد حلت لكم معصيتي فاذا سمعتموها مني فاغتمزوها في واعلموا ان عندي امثالها من نقب منكم عليه فأنا ضامن لما ذهب منه فإياي ودلج الليل فاني لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمه وقد أجلتكم في ذلك بمقدار ما يأتي الخبر الكوفة ويرجع اليكم وإياي ودعوى الجاهلية فاني لا اجد احدا دعا بها إلا قطعت لسانه وقد احدثتم احداثا لم تكن وقد احدثنا لكل ذنب عقوبة فمن عرق قوما غرقناه ومن أحرق قوما أحرقناه ومن نقب بيتا نقبنا عن قلبه ومن نبش قبرا دفناه حيا فيه فكفوا عني أيديكم وألسنتكم أكفف عنكم يدي ولساني ولا تظهر من احد منكم ريبة بخلاف ماعليه عامتكم إلا ضربت عنقه وقد كانت بيني وبين أقوام إحن فجعلت ذلك دبر أذني وتحت قدمي فمن كان منكم محسنا فليزدد احسانا ومن كان منكم مسيئا فلينزع من إسائته إني لو علمت ان احدكم قد قتله السل من بغضي لم اكشف له قناعا ولم أهتك له سترا حتى يبدي لي صفحته فاذا فعل ذلك لم اناظره فاستأنفوا أموركم وأعينوا على انفسكم فرب مبتئس بقدومنا سيسر ومسرور بقدومنا سيبتئس ايها الناس إنا أصبحنا لكم ساسة وعنكم ذادة نسوسكم بسلطان الله الذي اعطانا ونذود عنكم بفيء الله الذي خولنا فلنا عليكم السمع والطاعة فيما احببنا ولكم علينا العدل فيما ولينا فاستوجبوا عدلنا وفيئنا بمناصحتكم لنا واعلموا أني مهما قصرت عنه فلن اقصر عن ثلاث لست محتجبا عن طالب حاجة منكم ولو اتاني طارقا بليل ولا حابسا عطاء ولا رزقا عن إبانه ولا مجمرا لكم بعثا فادعوا الله بالصلاح لأئمتكم فافهم ساستكم المؤدبون لكم وكهفكم الذي اليه تأوون ومتى يصلحوا تصلحوا ولا تشربوا قلوبكم بغضهم فيشتد لذلك غيظكم ويطول له حزنكم ولا تدركوا له حاجتكم مع أنه لو استجيب لكم فيهم لكان شرا لكم أسأل الله أن يعين كلا على كل واذا رأيتموني انفذ فيكم الأمر فانفذوه على أذلاله وأيم الله ان لي فيكم لصرعى كثيرة فليحذر كل امرى ء منكم ان يكون من صرعاي قال فقام اليه عبد الله بن الأهتم فقال أشهد ايها الامير لقد اوتيت الحكمة وفصل الخطاب فقال كذبت ذاك نبي الله داود صلوات الله عليه قال فقام الاحنف بن قيس فقال انما الثناء بعد البلاء والحمد بعد العطاء وانا لن نثني حتى نبتلى فقال له زياد صدقت فقام ابو بلال مرداس بن أدية وهو يهمس ويقول أنبأنا الله بغير ما قلت قال الله وابراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر اخرى وان اليس للانسان إلا ما سعى وأنت تزعم أنك تأخذ البرى ء بالسقيم والمطيع بالعاصي والمقبل بالمدبر فسمعها زياد فقال إنا لا نبلغ ما نريد فيك وفي صحابك حتى نخوض اليكم الباطل خوضا وقال خلاد بن يزيد الأرقط سمعت من يخبر ان الشعبي قال ما سمعت متكلما على منبر قط تكلم فأحسن إلا احببت ان يسكت خوفا من ان يسى ء الا زيادا فانه كان كلما اكثر كان أجود كلاما وقال ابو الحسن المدائني قال الحسن اوعد عمر فعفا وأوعد زياد فابتلى قال وقال الحسن تشبه زياد بعمر فأفرط وتشبه الحجاج بزياد فاهلك الناس قال ابو عثمان قد ذكرنا من كلام رسول الله وخطبه صدرا وذكرنا من خطب السلف جملا وسنذكر من مقطعات الكلام وتجاوب البلغاء ومواعظ النساك ونقصد من ذلك الى القصار دون الطوال ليكون ذلك أخف على القارى ء وأبعد من السآمة والملال ثم نعود بعد ذلك الى الخطب المنسوبة الى أهلها ان شاء الله تعالى ولا قوة الا بالله مقطعات من كلام البلغاء ومواعظ النساك قال ابوالحسن المدائني قدم عبد الرحمن بن سليم الكلبي على المهلب بن أبي صفرة في بعض ايامه مع الأزارقة فرأى بنيه قد ركبوا عن آخرهم فقال آنس الله الاسلام بتلاحقكم فوالله لئن لم تكونوا أسباط نبوة إنكم لاسباط ملحمة قال ابو الحسن دخل الهذيل بن زفر الكلابي على يزيد بن المهلب في حمالات لزمته ونوائب نابته فقال أصلحك الله انه قد عظم شأنك عن ان يستعان عليك ولست تصنع شيئا من المعروف الا وانت اكبر منه وليس العجب بأن تفعل ولكن العجب بأن لا تفعل فقال يزيد حاجتك فذكرها فأمر بها وأمر له بمائة ألف درهم فقال أما الحمالات فقد قبلتها وأما المال فليس هذا موضعه وقال عيسى بن يزيد بن دأب عمن حدثه عن رجل كان يجالس ابن عباس قال عثمان بن أبي العاص الثقفي لبنيه يا بني اني قد أمجدتكم في أمهاتكم وأحسنت في مهنة أموالكم واني ما جلست في ظل رجل من ثقيف أشتم عرضه والناكح مغترس فلينظر امرؤ حيث يضع غرسه والعرق السوء قلما ينجب ولو بعد حين قال فقال ابن عباس يا غلام اكتب لنا هذا الحديث قال ولما همت ثقيف بالاتدادا قال لهم عثمان معاشر ثقيف لا تكونوا اخر العرب اسلاما وأولهم ارتدادا قال وسمعت اعرابيا ذكر يوما قريشا فقال كفى بقريش شرفا أنهم أقرب الناس نسبا برسول الله وأقربهم بيتا من رسول الله وقال الاصمعي قيل لعقيل بن علفة لم تهيج قومك قال الغنم اذا لم يصفر لها لم تشرب قال وقيل لعقيل بن علفة لم لا تطيل الهجاء قال يكفيك من القلادة ما أحاط بالعنق قال وسأل عمر رضي الله عنه عمرو بن معد يكرب عن سعد فقال كيف أميركم قال خير امير نبطي في حبوته عربي في نمرته أسد في نامورته يعدل في القضية ويقسم بالسنوية وينفر بالسرية وينقل إلينا حقنا كما تنقل الذرة فقال عمر لشد ما تقارضتما الثناء ولما تورد الحارث بن قيس الجهضمي بعبيد الله بن زياد منزل مسعود بن عمرو العتكي عن غير إذن فأراد مسعود إخراجه من منزله قال عبد الله قد أجارتني بنت عمك عليك وعقدها العقد الذي يلزمك وهذا ثوبها علي وطعامها في مذاخري وقد التف علي منزلك وشهد له الحارث بذلك مر الشعبي بناس من الموالي يتذاكرون النحو فقال لئن أصلحتموه انكم لأول من أفسده وتكلم عبد الملك بن عمير واعرابي حاضر فقيل له كيف ترى هذا الكلام قال لو كان الكلام يؤتدم به لكان هذا وقال العذر طرف من البخل وقال أيضا الخرس خير من الخلابة وقال ابو عمير الضرير البكم خير من البذاء وقدم الهيثم بن الاسود بن العريان على عبد الملك بن مروان فقال كيف تجدك قال أجدني قد ابيض مني ما كنت أحب ان يسود واسود مني ما كنت أحب ان يبيض واشتد مني ما كنت احب ان يلين ولان مني ما كنت أحب ان يشتد ثم أنشد أسمع أنبئك بايات الكبر نوم العشاء وسعال بالسحر وقلة النوم ذا الليل اعتكر وقلة الطعم اذا الزاد حضر وسرعة الطرف وتحميج النظر وتركي الحسناء من قبل الطهر وحذرا أزداده الى حذر والناس يبلون كما يبلى الشجر وقال أكثم بن صيفي الكرم حسن الفطنة واللؤم سوء الفطنة وقال أكثم تباعدوا في الديار تقاربوا في المودة وقال لبنيه تباذلوا تحابوا ودخل عيسى بن طلحة بن عبيد الله على عروة بن الزبير وقد قطعت رجله فقال له عيسى والله ما كنا نعدك للصراع ولقد أبقى الله لنا اكثرك أبقى لنا سمعك وبصرك ولسانك وعقلك ويديك وإحدى رجليك فقال له عروة والله يا عيسى ما عزاني احد بمثل ما عزيتني به وكتب الحسن الى عمر بن عبد العزيز أما بعد فكأنك بالدنيا لم تكن وبالاخرة لم تزل وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه اقرأوا القرآن تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله ولن يبلغ حق ذي حق ان يطاع في معصية الله ولن يقرب من أجل ولن يباعد من رزق ان يقوم رجل بحق أو يذكر بعظيم وقال أعرابي لهشام بن عبد الملك أتت علينا ثلاثة أعوام فعام أكل الشحم وعام أكل اللحم وعام انتقى العظم وعندكم أموال فان كانت لله فادفعوها الى عباد الله وان كانت لعباد الله فادفعوها اليهم وان كانت لكم فتصدقوا بها عليهم فان الله يجزي المتصدقين قال فهل من حاجة غير ذلك قال ما ضربت اليك أكباد الابل أدرع الهجير وأخوض الدجى لخاص دون عام قال شداد الحارثي ويكنى أبا عبيد الله قلت لأمة سوداء بالبادية لمن أنت يا سوداء قالت لسيد الحضر يا أصلع قال قلت ما غصبك من الحق قالت الحق أغضبك لا تسبب ترهب ولان تتركه أمثل وقال الاصمعي قال عيسى بن عمر قال ذو الرمة قاتل الله أمة ال فلان ما كان أفصحها سألتها كيف كان المطر عندكم قالت غثنا ما شئنا وأنا أريد عبدا اسود لبني أسيد قدم عليهم من شق اليمامة فبعثوه ناطورا وكان وحشيا محرما لطول تغربه كان في الابل وكان لا يلقى إلا الأكرة فكان لا يفهم عنهم ولا يستطيع إفهامهم فلما راني سكن الي وسمعته يقول لعن الله بلادا ليس فيها عرب قاتل الله الشاعر حيث يقول حر الثرى مستغرب التراب أبا عثمان ان هذه العرب في جميع الناس كمقدار القرحة في جميع جلد الفرس فلولا ان الله رق عليهم فجعلهم في حاشية لطمست هذه العجمان اثارهم أترى الاعيار اذا رأت العتاق لا ترى لها فضلا والله ما أمر الله نبيه بقتلهم الا لضنه بهم ولا ترك قبول الجزية منهم الا تنزيها لهم قال الاحنف أسرع الناس الى الفتنة أقلهم حياء من الفرار ولما مات اسماء بن خارجة الفزاري فبلغ الحجاج موته قال هل سمعتم بالذي عاش ثم مات حين شاء وقال سلم بن قتيبة رب المعروف اشد من ابتدائه ابو هلال عن قتادة قال قال ابو الاسود اذا اردت ان تكذب صاحبك فلقنه وقال ابو الاسود اذا اردت ان تعظم فمت وقال ابو الاسود اذا اردت ان تفحم عالما فاحضره جاهلا قيل لاعرابي ما يدعوك على نومه الضحى قال مبردة في الصيف مسخنة في الشتاء وقال اعرابي اخر نومه الضحى معجزة مبخرة وجاء في الحديث الولد مجبنة مبخلة ونظر اعرابي الى قوم يلتمسون هلال رمضان فقال أما والله لئن ثرتموه لتمسكن منه بذنابي عيش أغبر وقال اسماء بن خارجة اذا قدمت المصيبة تركت التعزية وقال اذا قدم الاخاء قبح الثناء وقال اسحق بن حسان لا تشمت الامراء ولا الاصحاب القدماء
وسئل اعرابي عن راع له فقال هو السارح الآخر الرائح الباكر الحالب العاصر الحاذق الكاسر وقال عتبة بن أبي سفيان لعبد الصمد مؤدب ولده ليكن اول ماتبدأ به من اصلاح بني اصلاح نفسك فان أعينهم مقعودة بعينك فالحسن عندهم ما استحسنت والقبيح عندهم ما استقبحت وعلمهم كتاب الله ولا تكرههم عليه فيملوه ولا تتركهم منه فيهجروه ثمم روهم من الشعر أعفه ومن الحديث اشرفه ولا تخرجهم من علم الى غيره حتى يحكموه فان ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم وتهددهم بي وأدبهم دوني وكن لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء قبل معرفة الداء وجنبهم محادثة النساء وروهم سير الحكماء واستزدني بزيادتك إياهم ازدك وإياك ان تتكل على عذر مني لك فقد اتكلت على كفاية منك وزد في تأديبهم أزدك في بري ان شاء الله تعالى وقال محمد بن حرب الهلالي كتب ابراهيم بن ابي يحيى الاسلمي الى المهدي يعزيه على ابنته اما بعد فان احق من عرف حق الله عليه فيما اخذ منه من عظم حق الله عليه فيما ابقى له واعلم ان الماضي قبلك هوالباقي لك وان الباقي بعدك هو المأجور فيك وان اجر الصابرين فيما يصابون به اعظم من النعمة عليهم فيما يعافون منه وقال سهل بن هرون التهنئة على آجل الثواب اولى من التعزية على عاجل المصيبة وقال صالح بن عبد القدوس ان يكن ما به أصبت جليلا فذهاب العزاء فيه أجل كل آت لا شك آت وذو الجهل معنى والهم والحزن فضل وقال لقمان لابنه يا بني اياك والكسل والضجر فانك اذا كسلت لم تؤد حقا واذا ضجرت لم تصبر على حق وكان يقال أربع لا ينبغي لاحد ان يأنف منهن وان كان شريفا أو أميرا قيامه من مجلسه لابيه وخدمته لضيفه وقيامه على فرسه وخدمته للعالم وقال بعض الحكماء اذا رغبت في المكارم فاجتنب المحارم وكان يقال لا تغتر بمودة الامير اذا غشك الوزير وكتب آخر أما بعد فقد كنت لنا كلك فاجعل لنا بعضك ولا ترض الا بالكل منا لك ووصف بعض البلغاء اللسان فقال اللسان أداة يظهر بها حسن البيان وظاهر يخبر عن الضمير وشاهد ينبئك عن غائب وحاكم يفصل به الخطاب وناطق يرد به الجواب وشافع تدرك به الحاجة وواصف تعرف به الحقائق ومعز ينفي به الحزن ومؤنس تذهب به الوحشة وواعظ ينهى عن القبح ومزين يدعو الى الحسن وزارع يحرث المودة وحاصد يستأصل الضغينة وملة يونق الاسماع وقال بعض الاوائل إنما الناس احاديث فان استطعت ان تكون أحسنهم حديثا فافعل ولما وصل عبد العزيز بن زرارة الى معاوية قال يا أمير المؤمنين لم ازل أستدل بالمعروف عليك وأمتطي النهار اليك فاذا ألوى بي الليل فقيض البصر وعفي الاثر اقام بدني وسافر أملي والنفس تلوم والاجتهاد يعذر واذ بلغتك فقطني وقال لقمان ثلاثة لا يعرفون الا في ثلاثة مواطن لا يعرف الحليم الا عند الغضب ولا الشجاع الا في الحرب ولا تعرف أخاك الا عند حاجتك اليه وقال ابو العتاهية انت ما استغنيت عن صا حبك الدهر أخوه فاذا احتجت اليه ساعة مجك فوه وقال علي بن الحسين لابنه يا بني اصبر على النائبة ولا تتعرض للحقوق ولا تجب اخاك الى شيء ضرره عليك أعظم من منفعته له وقال الاحنف من لم يصبر على كلمة سمع كلمات وقال رب غيظ تجرعته مخافة ما هو أشد منه وقال من كثر كلامه كثر سقطه ومن طال صمته كثرت سلامته وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله من جعل دينه غرضا للخصومات اكثر النقل وقال محمد بن حرب الهلالي عن أبي الوليد الليثي قال خطب صعصعة بن معاوية الى عامر بن الظرب العدواني ابنته عمرة وهي ام عامر بن صعصعة فقال يا صعصعة انك اتيتني تشتري مني كبدي وأرحم ولدي عندي أبغيتك أو زودتك والحسيب كفء الحسيب والزوج الصالح اب بعد اب وقد انكحتك خشية ان لا اجد مثلك افر من السر الى العلانية انصح ابنا واودع ضعيفا قويا يا معشر عدوان خرجت من بين أظهركم كريمتكم من غير رهبة ولا رغبة أقسم لو قسم الحظوظ على قدر الجدود ما ترك الاول للآخر ما يعيش به وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أوصيكم بخمس لو ضربتم اليها آباط الابل لكن لها أهلا لا يرجون أحدكم الا ربه ولا يخافن الا ذنبه ولا يستحي احد اذا سئل عما لا يعلم ان يقول لا اعلم واذا لم يعلم الشيء ان يتعلمه واعلموا ان الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد فاذا قطع الرأس ذهب الجسد وكذلك اذا ذهب الصبر ذهب الايمان وقال الاصمعي أثنى رجل على علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فأفرط فقال علي وكان يتهمه أن دون ما تقول وفوق ما في نفسك وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قيمة كل انسان ما يحسن وقال له مالك الاشتر كيف وجد أمير المؤمنين امراته قال كالخير من النساء الا انها قباء قال وهل يريد الرجل من النساء غير ذلك يا أمير المؤمنين قال لا حتى تدفيء الضجيع وتروي الرضيع ووقف رجل على عامر الشعبي فلم يدع قبيحا الا رماه به فقال له عامر ان كنت كاذبا فغفر الله لك وان كنت صادقا فغفر الله لي وقال ابراهيم النخعي لسليمان الاعمش وأراد ان يماشيه فقال ان الناس اذا رأونا معا قالوا أعور وأعمش قال وما عليك ان يأثموا ونؤجر قال إبراهيم وما عليك ان يسلموا ونسلم قال أبو الحسن كان هشام بن حسان اذا ذكر يزيد بن المهلب قال انه كانت السفن لتجري في جوده قال مكتوب في الحكمة التوفيق خير قائد وحسن الخلق خير قرين والوحدة خيرمن قرين السوء وكان مالك بن دينار يقول ما اشد فطام الكبير وينشد قول الشاعر
وتروض عرسك بعد ما هرمت ومن العناء رياضة الهرم وقال صالح المري كن الى الاستماع أسرع منك الى القول ومن خطأ الكلام اشد حذرا من خطأ السكوت وقال الحسن بن هانى ء خل جنبيك لرام وامض عنه بسلام مت بداء الصمت خير لك من داء الكلام انما السالم من ألجم فاه بلجام ربما استفتحت بالمزح مغاليق الحمام قال أبو عبيدة وأبو الحسن تلكم جماعة من الخطباء عند مسلمة بن عبد الملك فأسهبوا في القول ثم اقترع المنطق رجل من أخريات الناس لا يخرج من حسن الا الى احسن منه فقال مسلمة ما شبهت كلام هذا بعقب كلام هؤلاء الا بسحابة لبدت عجاجة قال ابو الحسن علم اعرابي بنيه الخراءة فقال اتبعوا الخلاء وابعدوا من الملاء واعلوا الضراء واستقلوا الريح وافجوا فجاج النعامة وامتسحوا بأشملكم ويروى عن الحسن انه قال لما حضرت قيس بن عاصم الوفاة دعا بنيه فقال يا بني احفظوا عني فلا احد انصح لكم مني اذا مت فسودوا كباركم ولا تسودوا صغاركم فيسفه الناس كباركم وتهونوا عليهم وعليكم باستصلاح المال فانه منبهة للكريم ويستغنى به عن اللئيم وإياكم ومسألة الناس فانها آخر كسب الرجل سئل دغفل النسابة عن بني عامر بن صعصعة قال أعناق ظباء وأعجاز نساء قيل فتميم قال حجر اخشن ان دنوت منه آذاك وان تركته اعفاك قيل فاليمن قال سيد وأنوك وكانوا يقولون لا تستشيروا معلما ولا راعي غنم ولا كثير القعود مع النساء وقال عفان بن شيبة كنت رديف ابي فلقيه جرير على بغل فحياه أبي وألطفه فقلت له ابعد ما قال لنا ما قال يا بني افأوسع جرحي قال ودعا جرير رجلا من شعراء بني كلاب الى مهاجاته فقال الكلابي ان نسائي بأمتعهن ولم تدع الشعراء في نسائك مترقعا وقال جرير انا لا ابتدي ولكني اعتدي وكان الحسن في جنازة فيها نوائح ومعه رجل فهم الرجل بالرجوع فقال الحسن ان كنت كلما رأيت قبيحا تركت له حسنا اسرع ذلك في دينك قال ابو عبيدة لقي المخبل القريعي الزبرقان فقال كيف كنت بعدي ابا شذرة قال كما يسرك محيلا مجربا قال وكان عبد الملك بن مروان يقول جمع ابو زرعة يعني روح بن زنباع طاعة اهل الشام ودهاء اهل العراق وفقه اهل الحجاز وذكر لعمر بن الخطاب اتلاف شباب من قريش أموالهم فقال عمر خرقه احدهم اشد علي من عيلته وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حرفة يعاش بها خير من مسألة الناس وقال زياد لو ان لي ألف ألف درهم ولي بعير أجرب لقمت عليه قيام من لا يملك غيره ولو ان عندي عشرة دراهم لا أملك غيرها ولزمني حق لوضعتها فيه وقال عمرو بن العاص البطنة تذهب الفطنة وقال معاوية بن ابي سفيان ما رأيت رجلا مستهترا بالباءة الا تبينت ذلك في منته قال الاصمعي قال ابو سفيان الفقعسي لاعرابي من طيء أبامرأتك حمل قال لا وذو بيته في السماء ما ادري والله ما لها ذنب تشال به ومما اتيتها الا وهي ضبعة قال ابو الحسن المدائني اتخذ يزيد بن المهلب بستانا بخراسان في داره فلما ولي قتيبة خراسان جعل ذلك لابله فقال له مرزبان مروان هذاكان بستانا ليزيد وقد اتخذته لا بلك فقال قتيبة ان أبي كان اشتربان يعني رئيس الجمالين وأبو يزيد كان بستان بان وقال الحجاج بن يوسف لعبد الملك بن مروان يوما لو كان رجل من ذهب لكنته قال وكيف ذلك قال لم تلدني أمة بيني وبين آدم ما خلا هاجر فقال لولا هاجر لكنت كلبا من الكلاب ومات ابن لعبيد الله بن الحسن فعزاه صالح المري فقال ان كانت مصيبتك في ابنك احدثت لك عظة في نفسك فمصيبتك في نفسك أعظم من مصيبتك في ميتك وعزى عمرو بن عبيد أخاه على ابن مات له فقال ذهب أبوك وهو أصلك وذهب ابنك وهو فرعك فما حال الباقي بعد ذهاب أصله وفرعه وكان يزيد بن عمر بن هبيرة يقول احذفوا الحديث كما يحذفه مسلم بن قتيبة وقال رجل من بني تميم لصاحب له أصحب من يتناسى معروفه عندك ويتذكر حقوقك عليه وعذل عاذل شعيب بن زياد على شرب النبيذ فقال لا أتركه حتى يكون شر عملي وقال المأمون أشربه ما استبشعته حتى اذا سهل عليك فاتركه وقال النبي اذا كتب احدكم فليترب كتابه فان التراب مبارك وهو أنجح للحاجة ونظر الى رجل في الشمس فقال تحول الى الظل فانه مبارك وقال المغيرة بن شعبة لا يزال الناس بخير ما تعجبوا من العجب وكان يقال ترك الضحك من العجب أعجب من الضحك من غير العجب وقدم سعيد بن العاص على معاوية فقال كيف تركت أبا عبد الملك قال منفذا لأمرك ضابطا لعملك فقال معاوية انما هو كصاحب الخبزة كفي إنضاجها فأكلها فقال سعيد كلا انه بين قوم يتهادون فيما بينهم كلاما كوقع النيل سهما لك وسهما عليك قال فما باعد بينك وبينه قال خفته على شرفي وخافني على مثله قال فأي شيء كان له عنك في ذلك قال أسوؤه حاضرا وأسره غائبا قال يا أبا عثمان تركتنا في هذه الحروب قال نعم تحملت الثقل وكفيت الحزم وكنت قريبا لو دعيت لأجبت ولو أمرت لأطعت قال معاوية يا أهل الشام هؤلاء قومي وهذا كلامهم قال وكان الحجاج يستثقل زياد بن عمرو العتكي فلما أثنى الوفد على الحجاج عند عبد الملك والحجاج حاضر قال زياد يا امير المؤمنين ان الحجاج سيفك الذي لا ينبو وسهمك الذي لا يطيش وخادمك الذي لا تأخذه فيك لومة لائم فلم يكن بعد ذلك احد أخف على قلبه منه وقال شبيب بن شيبة لمسلم بن قتيبة والله ما أدري اي يوميك أشرف أيوم ظفرك ام يوم عفوك وقال غلام لأبيه وقد قال لست لي ابنا والله لأنا أشبه بك منك بأبيك ولأنت اشد تحصينا لأمي من أبيك لأمك وكتب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين الى رجل من اخوانه أما بعد فقد عاقني الشك في أمرك عن عزيمة الرأي فيك ابتدأتني بلطف من غير خبرة ثم اعقبتني جفاء من غير ذنب فأطمعني أولك في إخائك وايسني اخرك في وفائك فلا أنا في اليوم مجمع لك اطراحا ولا انا في غدو انتظاره منك على ثقة فسبحان من لو شاء كشف بايضاح الرأي في أمرك عن عزيمة الشك فيك فأقمنا على ائتلاف أو افترقنا على اختلاف والسلام كتاب عبد الله بن معاوية بن جعفر الى ابي مسلم يستعطفه وكتب الى ابي مسلم صاحب الدعوة من الحبس من الاسير في يديه بلا ذنب اليه ولا خلاف عليه اما بعد فآتاك الله حفظ الوصية ومنحك نصيحة الرعية والهمك عدل القضية فانك مستودع ودائع ومولى صنائع فاحفظ ودائعك بحسن صنائعك فالوادائع عارية والصنائع مرعية وما النعم عليك وعلينا فيك بمنزور نداها ولا بمبلوغ مداها فنبه للتفكير قلبك واتق الله ربك وأعط من نفسك من هو تحتك ما تحب ان يعطيك من هو فوقك من العدل والرأفة والأمن من المخافة فقد انعم الله عليك بأن فوض امرنا اليك فاعرف لنا لين شكر المودة واغتفار مس الشدة والرضا بما رضيت والقناعة بما هويت فان علينا من سمك الحديد وثقله اذى شديد مع معالجة الاغلال وقلة رحمة العمال الذين تسهيلهم الغلظة وتيسيرهم الفظاظة وإيرادهم علينا الغموم وتوجيههم الينا الهموم زيارتهم الحراسة وبشارتهم الاياسة فاليك بعد الله نرفع كربة الشكوى ونشكو شدة البلوى فمتى تمل الينا طرفا وتولنا منك عطفا تجد عندنا نصحا صريحا وودا صحيحا لا يضيع مثلك مثله ولا ينفي مثلك اهله فارع حرمة من ادركت بحرمته واعرف حجة من فلجت بحجته فان الناس من حوضك رواء ونحن منه ظماء يمشون في الابراد ونحن نحجل في الاقياد بعد الخير والسعة والخفض والدعة والله المستعان وعليه التكلان صريح الاخبار منجى الأبرار الناس من دولتنا في رخاء ونحن منها في بلاء حين أمن الخائفون ورجع الهاربون رزقنا الله منك التحنن وظاهر علينا من التمنن فانك أمين مستودع ورائد مستصطفى والسلام ورحمة الله قال هشام بن الكلبي حدثنا خالد بن سعيد عن أبيه قال شكت بنو تغلب السنة الى معاوية فقال كيف تشكون الحاجة مع ارتجاج البكارة واختلاف المهارة كتاب معاوية الى قيس بن سعد وقال ابن الكلبي كتب معاوية الى قيس بن سعد أما بعد فانك يهودي ابن يهودي ان ظفر أحب الفريقين اليك عزلك واستبدل بك وان ظفر ابغضهما اليك قتلك ونكل بك وكان ابوك وترقوسه ورمى غير غرضه فأكثر الحز واخطأ المفصل فخذله قومه وأدركه يومه ثم مات طريدا بحوران والسلام جواب قيس بن سعد معاوية فكتب اليه قيس بن سعد أما بعد فانما انت وثن ابن وثن دخلت في الاسلام كرها وخرجت منه طوعا لم يقدم ايمانك ولم يحدث نفاقك وقد كان ابي وتر قوسه ورمى غرضه وشغب عليه من لم يبلغ كعبه ولم يشق غباره ونحن أنصار الدين الذي خرجت منه وأعداء الدين الذي دخلت فيه والسلام وقال أبو عبيدة وأبواليقظان وأبو الحسن قدم وفد أهل العراق على معاوية وفيهم الاحنف فخرج الاذن فقال ان امير المؤمنين يعزم عليكم ان لا يتكلم احد الا لنفسه فلما وصلوا اليه قال الاحنف لولا عزيمة امير المؤمنين لاخبرته ان دافة دفت ونازلة نزلت ونائبة نابت ونابتة نبتت كلهم بهم حاجة الى معروف امير المؤمنين وبره قال حسبك يا ابا بحر فقد كفيت الغائب والشاهد وقال غيلان بن خرشة للاحنف ما فيه بقاء العرب قال اذا تقلدوا السيوف وشدوا العمائم وركبوا الخيل ولم تأخذهم حمية الاوغاد قال وما حمية الاوغاد قال ان يعدوا التواهب فيما بينهم ضيما وقال عمر العمائم تيجان العرب وقيل لاعرابي ما لك لا تضع العمامة عن رأسك قال ان شيئا فيه السمع والبصر لحقيق بالصون وقال علي رضي الله تعالى عنه جمال الرجل في كمته وجمال المرأة في خفها وقال الاحنف استجيدوا النعال فانها خلاخيل الرجال قال وجرى ذكر رجل عند الاحنف فاغتابوه فقال الاحنف مالكم وماله يأكل رزقه وتحمل الارض ثقله ويكفي قرنه مسلمة بن محارب قال قال زياد لحرقة بنت النعمان ما كانت لذة أبيك قالت ادمان الشراب ومحادثة الرجال وقال سليمان بن عبد الملك قد ركبنا الفاره وتبطنا الحسناء ولبسنا اللين حتى استخشناه وأكلنا الطيب حتى أجمناه فما انا اليوم الى شيء أحوج مني الى جليس يضع عني مؤونة التحفظ وأشاروا على عبيد الله بالحقنة فتفحشها فقالوا انما يتولاها منك الطبيب فقال انا بالصاحب انس وقال معاوية بن ابي سفيان للنخار بن أوس العذري ابغني محدثا قال أو معي يا امير المؤمنين قال نعم استريح منه اليك ومنك اليه وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لابي مريم الحنفي والله لا احبك حتى تحب الارض الدم المسفوح قال فتمنعني لذلك حقا قال لا قال لاضير انما يأسف على الحب النساء وقال عمر لرجل هم بطلاق امراته لم تطلقها قال لا احبها قال أو كل البيوت بنيت على الحب فأين الرعاية والتذمم وأتى عبد الملك بن مروان برجل فقال زبيري عميري والله لا يحبك قلبي ابدا قال يا امير المؤمنين انما تبكي على الحب المرأة ولكن عدل وانصاف قال عبد الله بن المبارك عن هشام بن عروة نازع مروان ابن الزبير عند معاوية فرأى ابن الزبير ان ضلع معاوية مع مروان فقال ابن الزبير يا امير المؤمنين ان لك حقا وطاعة علينا وان لك بسطة وحرمة فينا فاطع الله نطعك فانه لا طاعة لك علينا الا في حق الله ولا تطرق اطراق الأفعوان في أصول الخبر قال ابو عبيدة قيل لشيخ مرة ما بقي منك قال يسبقني من بين يدي ويلحقني من خلفي وأنسى الحديث واذكر القديم وانعس في الملاء وأسهر في الخلاء واذا قمت قربت الارض مني واذا اقعدت تباعدت عني وقال الاصمعي قلت لأعرابي معه ضاجعة من شاء لمن هذه قال هي الله عندي ولما قتل عبد الملك بن مروان مصعبا ودخل الكوفة قال لهيثم بن ابن الاسود النخعي كيف رأيت الله صنع قال قد صنع الله خيرا فخفف الوطأة وأقل التثريب وقال ابن عباس اذا ترك العالم قول لا ادري أصيبت مقاتله وكانوا يستحبون ان لا يجيبوا في كل ما سئلوا عنه وقال ابن عمر من قال عندما لا يدري لا أدري فقد أحرز نصف العلم وقال ابن عباس ان لكل داخل دهشة فانسوه بالتحية واعتذر رجل الى مسلم بن قتيبة فقال مسلم لا يدعونك أمر قد تخلصت منه الى الدخول في أمر لعلك لا تخلص منه وكان يقال دعوا المعاذر فان اكثرها مفاجر وقال ابراهيم النخعي لعبد الله بن عوف تجنب الاعتذار فان الاعتذار يخالطه الكذب واعتذر رجل الى احمد بن أبي خالد فقال لأبي عياد ما تقول في هذا قال يوهب له جرمه ويضرب على عذره اربعمائة وقد قال الاول عذره اعظم من ذنبه
وقيل لابن عباس ولد عمر بن أبي ربيعة في الليلة التي مات فيها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فسمي باسمه فقال ابن عباس أي حق رفع وأي باطل وضع وقال عبد الله بن جعفر لابنته يا بنية إياك والغيرة فانها مفتاح الطلاق وإياك والمعاتبة فانها تورث الضغينة وعليك بالزينة والطيب واعلمي ان أزين الزينة الكحل وأطيب الطيب الماء ولما نازع ابن الزبير مروان عند معاوية قال ابن الزبير يا معاوية لا تدع مروان يرمي جماهير قريش بمشاقصه ويضرب صفاتهم بمعاوله ولولا مكانك لكان أخف على رقابنا من فراشه وأقل في نفوسنا من خشاشة ولئن ملك أعنة خيل تنقاد له ليركبن منك طبقا تخافه قال معاوية إن يطلب هذا الامر فقد طمع فيه من هو دونه وان يتركه لمن هو فوقه وما أراكم بمنتهين حتى يبعث الله اليكم من لا يعطف عليكم بقرابة ولا يذكركم عند ملمة يسومكم خسفا ويوردكم تلفا فقال ابن الزبير اذا والله نطلق عقال الحرب بكتائب تمور كرجل الجراد حافاتها الاسل لها دوي كدوي الريح تتبع غطريفا من قريش لم تكن أمه براعية ثلة قال معاوية أنا ابن هند أطلقت عقال الحرب فأكلت ذروة السنام وشربت عنفوان المكرع وليس للآكل إلا الفلذة ولا للشارب الا الرنق قال بكر بن الاسود قال الحسن بن علي لحبيب بن مسلمة رب مسير لك في غير طاعة الله قال أما مسيري الى أبيك فلا قال بلى ولكنك اطعت معاوية على دنيا قليلة فلعمري لئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في دينك ولو انك ان فعلت شرا قلت خيرا كنت كما قال الله تعالى خلطوا عملا صالحا واخر سيئا ولكنك كما قال الله تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون قال ابو الحسن سمعت اعرابيا في المسجد الجامع بالبصرة بعد العصر سنة ثلاث وخمسين ومائة وهو يقول أما بعد فإنا ابناء سبيل وأنضاء طريق وفل سنة تصدقوا علينا فانه لا قليل مع الأجر ولا غنى عن الله ولا عمل بعد الموت أما والله إنا لنقوم هذا المقام وفي الصدر حزازة وفي القلب غصة
وقال الاحنف بخراسان يا بني تميم تحابوا تجتمع كلمتكم وتباذلوا تعتدل أموركم وابدأوا بجهاد بطونكم وفروجكم يصلح لكم دينكم ولا تغلوا يسلم لكم جهادكم ومن كلام الاحنف السائر في ايدي الناس إلزم الصحة يلزمك العقل وقال خالد بن صفوان وسئل عن الكوفة والبصرة نحن منابتنا قصب وأنهارنا عجب وسماؤنا رطب وأرضنا ذهب وقال الاحنف نحن أبعد منكم سرية واعظم منكم تجربة واكثر منكم ذرية وأغذى منكم برية وقال ابو بكر الهذلي نحن اكثر منكم ساجا وعاجا وديباجا وخراجا ونهرا عجاجا وكتب صاحب لابي بكر الهذلي الى رجل يعزيه عن أخيه أوصيك بتقوى الله وحده فانه خلقك وحده ويبعثك يوم القيامة وحده والعجب كيف يعزى ميت ميتا عن ميت والسلام وقال رجل لابن عباس أيهما أحب اليك رجل قليل الذنوب قليل العمل أو رجل كثير الذنوب كثير العمل قال ما أعدل بالسلامة شيئا وقال آخر حماقة صاحبي علي أشد ضررا منها عليه قال شعبة ابو بسطام قال عبد الرحمن بن ابي ليلى لا أماري أخي فأما ان اكذبه وإما ان أغضبه واحتد علي بن ابي ليلى رجل من جلسائه فقال ابن أبي ليلى له اهد الينا من هذا ما شئت فلما مات ابن ابي ليلى وعمرو بن عبيد رحمهما ا لله قال ابو جعفر المنصور ما بقي احد يستحي منه ولما مات عبد الله بن عامر قال معاوية رحم الله أبا عبد الرحمن بمن يفاخر مسلمة بن محارب وقال زياد ما قرأت كتاب رجل قط إلا عرفت عقله فيه وقال ابو معشر لما بلغ عبد الله بن الزبير قتل عبد الملك بن مروان عمرو ابن سعيد الاشدق قام خطيبا فقال ان أبا ذبان قتل لطيم الشيطان كذلك نولى بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ولما جاءه قتل أخيه مصعب بن الزبير قام خطيبا بعد خطبته الأولى فقال ان مصعبا قدم أيره وأخر خيره وتشاغل بنكاح فلانه وفلانه وترك حلبة اهل الشام حتى غشيته في داره ولئن هلك مصعب إن في آل الزبير خلفا منه ولما قدم ابن الزبير بفتح افريقية أمره عثمان فقام خطيبا فلما فرغ من كلامه قال عثمان أيها الناس انكحوا النساء على ابائهن واخوتهن فاني لم أر في ولد أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أشبه به من هذا وسمع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه اعرابيا يقول اللهم اغفر لأم أوفى قال ومن أم أوفى قال امرأتي وانها لحمقاء مرغامة أكول ملقامة لا تبقي لها حامة غير انها حسناء فلا تفرك وأم غلمان فلا تترك ودفعوا الى اعرابية علكا لتمضغه فلم تفعل لها في ذلك فقالت ما فيه الا تعب الاضراس وخيبة الحنجرة وكان أبو مسلم استشار مالك بن الهيثم حين ورد عليه كتاب المنصور في القدوم عليه بذلك فلم يشر عليه فلما قتل ابو مسلم أذكره ذلك فقال ان أخاك إبراهيم الإمام حدث عن أبيه محمد بن علي انه قال لا يزال الرجل يزاد في رأيه اذا نصح لمن استشاره فكنت له يومئذ كذلك وأنا اليوم لك كذلك وقال الحسن التقدير نصف الكسب والتودد نصف العقل وحسن طلب الحاجة نصف العلم قال رجل لعمرو بن عبيد إني لأرحمك مما يقول الناس فيك قال أفتسمعني اقول فيهم شيئا قال لا قال إياهم فارحم ومدح نصيب ابوالحجناء عبد الله بن جعفر فأجزل له من كل صنف فقيل له أتصنع هذا بمثل هذا العبد الاسود فقال أما والله لئن كان جلده اسود فان ثناءه لأبيص وان شعره لعربي وقد استحق بما قال اكثر مما نال وانما اخذ رواحل تنضى وثيابا تبلى ومالا يفنى واعطى مديحا يروى وثناء يبقى وقف أعرابي في بعض المواسم فقال اللهم ان لك علي حقوقا فتصدق بها علي وللناس تبعات قبلي فتحملها عني وقد أوجبت لكل ضيف قرى وأنا ضيفك فاجعل قرأي في هذه الليلة الجنة ووقف أعرابي فسأل قوما فقالوا له عليك بالصيارفة قال هناك والله قراره اللؤم
وقال مسلمة ثلاثة لا أعذرهم رجل أحفى شعره ثم اعفاه ورجل قصر ثيابه ثم أطالها ورجل كان عنده سراري فتزوج حره وقال ابو اسحق قال حذيفة كن في الفتنة كابن لبون لا ظهر فيركب ولا لبن فيحلب وقال الشاعر ليس هذا الباب في الخبر الذي قبل هذا ألم تر أن الناب تحلب علبة ويترك ثلب لا ضراب ولا ظهر وقال عتبة بن هرون قلت لرؤبة كيف خلفت ما وراءك قال التراب بابس والمرعى عابس وقال معاوية بن أبي سفيان لابن عباس اني لا اعلم انك واعظ نفسه ولكن المصدور اذا لم ينفث جوي وقيل لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أتقول الشعر مع النسك والفضل والفقه قال لا بد للمصدور من ان ينفث قال ابو الذيال شويس انا والله العربي لا ارفع الجربان وألبس التبان ولا احسن الرطانة ولأنا أرسى من حجر وما قرقمني الا الكرم وقال ابو الحسن وغيره قال عمرو بن عتبة بن ابي سفيان للوليد بن يزيد ابن عبدالملك وهو بالنجراء من ارض حمص يا أمير المؤمنين انك تستنطقني بالأنس بك وأكف عن ذلك بالهيبة لك وأراك تأمن أشياء أخافها عليك افأسكت مطيعا ام اقول مشفقا قال كل ذلك مقبول منك والله فينا علم غيب نحن صائرون اليه ونعود فنقول قال فقتل بعد أيام وكان أيوب السختياني يقول لا يعرف الرجل خطأ معلمه حتى يسمع الاختلاف قال بعضهم كنت أجالس ابن صغير في النسب فجلست اليه يوما فسألته عن شيء من الفقه فقال ألك بهذا حاجة عليك بذلك وأشار بذلك الى سعيد بن المسيب فجلست اليه لا اظن ان عالما غيره ثم تحولت الى عروة ففتقت به ثبج بحر قال وقلت لعثمان البري دلني على باب الفقه قال اسمع الاختلاف وقيل لاعرابي عند من تحب ان يكون طعامك قال عند أم صبي راضع أو ابن سبيل شاسع أو كبير جائع أو ذي رحم قاطع
وقال بعضهم اذا اتسعت المقدرة نقصت الشهوة قال قلت فمن اسوأ الناس حالا قال من اتسعت معرفته وبعدت همته وقويت شهوته وضاقت مقدرته وذكر عند عائشة الشرف فقالت كل شرف دونه لؤم فاللؤم اولى به وكل لؤم دونه شرف فالشرف أولى به ودخل رجل على أبي جعفر فقال له اتق الله فأنكر وجهه فقال يا أمير المؤمنين عليكم نزلت ولكم قيلت واليكم زدت وقال رجل عند مسلمة ما استرحنا من حائك كندة حتى جاءنا هذا المزوني فقال مسلمة أتقول هذا لرجل سار اليه فريقا قريش يعني نفسه والعباس بن الوليد حاول عظيما ومات كريما وقال عبدالله بن الحسن قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه خصصنا بخمس فصاحة وصباحة وسماحة ونجدة وحظوة يعني عند النساء روى علي بن مجاهد بن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت جبلت القلوب على حب من أحسن اليها وبغض من أساء اليها وقال الاصمعي كتب كتاب حكمة فبقيت منه بقية فقالوا ما نكتب فيه فقال أكتبوا يسأل عن كل صناعة أهلها وقال شبيب بن شيبة للمهدي ان الله لم يرض ان يجعلك دون احد من خلقه فلا ترض لنفسك ان يكون احد أخوف لله منك قال يحيى بن اكثم سياسة القضاء اشد من القضاء وقال ان من اهانة العلم ان تجاري فيه كل من جاراك وحمل رقبة بن مصقلة من خراسان رجلا الى أمه خمسمائة درهم فأبى الرجل ان يدفعها اليها حتى تكون معها البينة على أنها أمه فقالت لخادم لها اذهبي حتى تأتينا ببعض من يعرفنا فلما أتاها الرجل برزت وقالت الحمد الله أشكو الى الله الذي أبرزني وشهر بالفاقة أهلي فلما سمع كلامها قال أشهد انك أمه فردى الخادم ولا حاجة بنا الى ان تجيء البينة وكان الحسن يقول في خطبة النكاح بعد حمد الله والثناء عليه أما بعد فان الله جمع بهذا النكاح الارحام المنقطعة والانساب المتفرقة وجعل ذلك في سنة من دينه ومنهاج واضح من أمره وقد خطب اليكم فلان وعليه من الله نعمة قال عامر بن سعيد سمعت الزبير يعزي عبدالرحمن على بعض نسائه فقال وهو قائم على قبرها لا يصفر ربعك ولا يوحش بيتك ولا يضيع أجرك رحم الله متوفاك وأحسن الخلافة عليك قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه خير صناعات العرب أبيات يقدمها الرجل بين يدي حاجته يستميل بها الكريم ويستعطف بها اللئيم وليم ابن الزبير على طول خطبته عشية عرفة فقال أنا قائم وهم جلوس وأتكلم وهم سكوت ويضجرون وقال موسى بن يحيى كان يحيى بن خالد يقول ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها الكتاب يدل على مقدار عقل كاتبه والرسول على مقدار عقل مرسله والهدية على مقدار مهديها وذكر اعرابي أميرا فقال يقضي بالعشوة ويطيل النشوة ويقبل الرشوة وقال يزيد بن الوليد ان النشوة تحل العقدة وتطلق الحبوة وقال إياكم والغناء فانه مفتاح الزنا وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه اذا توجه احدكم في وجه ثلاث مرات فلم يصب خيرا فليدعه قال علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه لا تكونن كمن يعجز عن شكر ما أوتي ويبتغي الزيادة فيما بقي وينهى ولا ينتهي ويأمر الناس بما لا يأتي يحب الصالحين ولا يعمل باعمالهم ويبغض المسيئين وهو منهم ويكره الموت لكثرة ذنوبه لا يدعها في طول حياته قال اعرابي خرجت حيث انحدرت ايدي النجوم وشالت أرجلها فلم أزل أصدع الليل حت انصدع لي الفجر وسألت اعرابيا عن مسافة ما بين بلدين فقال عمر ليلة وأديم يوم وقال آخر سواده ليلة أو بياض يوم وقال بعض الحكماء لا يضرك حب امرأة لا تعرفها وقال رجل لأبي الدرداء فلان يقرئك السلام فقال هدية حسنة ومحمل خفيف وسرق مزيد نافجة مسك فقيل له ان كل من غل يأتي يوم القيامة بحمله على عنقه قال اذا والله أحملها طيبة الريح خفيفة المحمل قال ومن أبخل ترك رد السلام قال ابن عمر لعمري إني لأرى حق رجع جواب الكتاب كرد السلام وجاء رجل الى سليمان فقال يا أبا عبدالله فلان يقرأ عليك السلام فقال أما إنك لو لم تفعل لكانت أمانة في عنقك قال مثنى بن زهير لرجل احتفظ بكتابي حتى توصله الى اهلي فمن العجب ان الكتاب ملقى والسكران مؤتى وكان عبد الملك بن حجاج يقول لأنا للعاقل المدبر ارجى من الاحمق المقبل قال وإياك ومصاحبة الاحمق فانه ربما أراد ان ينفعك فضرك وكتب الحجاج الى عامل له بفارس إبعث إلي بعسل من عسل خلار من النحل الابكار من الدستفشار الذي لم تمسه النار وقال الشاعر وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ففي صالح الاخلاق نفسك فاجعل ونظر ابو الحارث جمين الى برذون يستقي عليه الماء فقال وما المرء الا حيث يجعل نفسه لو ان هذا البرذون هملج ما فعل به هذا وقال عمران بن هداب قال مسلم بن قتيبة رب المعروف أشد من ابتدائه وقال محمد بن واسع الاتقاء على العمل أشد من العمل وقال يحيى بن اكثم سياسة القضاء اشد من القضاء وقال محمد بن محمد الحمراني من التوقي ترك الافراط في التوقي وقال ابو قرة الجوع للحمية أشد من العلة وقال الجماز الحمية احدى العلتين وقال القمي من احتمى فهو على يقين من تعجيل المكروه وفي شك مما يأمل من دوام الصحة وقال اعتبر عزمه بحميته وحزمه بمتاع بيته قال وذكر اعرابي رجلا فقال حناء المبتلى حنوط المعافى وقالوا أمران لا ينفكان من الكذب كثرة المواعيد وشدة الاعتذار وقيل لرجل من الحكماء ما جماع البلاغه قال معرفة السليم من المعتل وفصل ما بين المضمن والمطلق وفرق ما بين المشترك والمفرد وما يحتمل التأويل من المنصوص المقيد وقال سهل بن هرون في كتاب له واجب على كل ذي مقالة ان يبتدى ء بالحمد قبل استفتاحها كما بديء بالنعمه قبل استحقاقها وقال ابو ألبلاد إنا وجدنا الناس عودين طيبا وعودا خبيثا لا يبض على العصر تزين الفتى اخلاقه وتشينه وتذكر اخلاق الفتى وهو لا يدري وقال آخر في هذا المعنى سابق الى الخيرات اهل العلى فانما الناس أحاديث كل امرى ء من شأنه كادح فوارث منه وموروث ولما قال حمل بن بدر لبني عبس والاسنة في ظهورهم والبوارق فوق رؤوسهم نؤدي السبق وندى الصبيان وتخلون سربنا وتسودون العرب انتهره حذيفة وقال اياك والكلام المأثور وقال الشاعر اليوم خمر ويبدو في غد خبر والدهر من بين انعام واياس وقال اعرابي ان المسافر ومتاعه لعلى قلت الا ما وقى الله وقالوا السفر قطعة من العذاب وصاحب السوء قطعة من النار وجلس معاوية رضي الله تعالى عنه بالكوفة يبايع على البرءاة من علي بن ابي طالب كرم الله تعالى وجهه فجاءه رجل من بني تميم فأراده على ذلك فقال يا أمير المؤمنين نطيع أحياءكم ولا نبرأ من موتاكم فالتفت الى المغيرة فقال ان هذا رجل فاستوص به خيرا وقال الشاعر قالت امامة يوم برقة واصل يا ابن العذير لقد جعلت تغير أصبحت بعد زمانك الماضي الذي ذهبت شبيبته وغصنك أخضر شيخا دعامتك العصا ومشيعا لا تبتغي خبرا ولا تستخبر وكان الربيع بن خيثم لا يخبر ولا يستخبر وكان مطرف بن عبدالله يستخبر ويخبر قالوا فينبغي ان يكون اعقلهم وقال ابو عبيدة كان ابن سيرين لا يستخبر ولا يخبر وأنا أخبر واستخبر وقال ابو عمرو بن العلاء لاهل الكوفة لكم حذلقة النبط وصلفهم ولنا دها فارس وأحلامهم وأنشدوا للحارث بن حلزة اليشكري لا أعرفنك ان ارسلت قافيه تلقى المعاذير ان لم تنفع العذر إن السعيد له في غيره عظة وفي التجارب تحكيم ومعتبر ومعنى المعاذير ههنا على غير معنى قول الله تبارك وتعالى في القرآن بل الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره اراد رجل الحج فسلم على شعبة بن الحجاج فقال له أما انك ان لم تعد الحلم ذلا والسفه أنفا سلم لك حجك وكان علي رضي الله تعالى عنه بالكوفة قد منع الناس من القعود على الطريق فكلموه في ذلك فقال أدعكم على شريطة قالوا وماهي يا أمير المؤمنين قال غض الابصار ورد السلام وارشاد الضلال قالوا قد قبلنا فتركهم وكان أبو نوفل بن ابي عقرب لايجلس الا على باب داره وكان عامرا بالمارة فقيل له ان في ذلك نشرة وصرف النفوس عن الاماني واعتبارا لمن اعتبر وعظة لمن فكر فقال ان في ذلك حقوقا يعجز عنها ابن خيثمة قالوا وما هي قال غض الطرف ورد التحية وارشاد الضال وضم اللقطة والتعرض لطلاب الحوائج والنهي عن المنكر والشغل بفضول النظر الداعية الى فضول القول والعمل وعادة قطعتها اشتدت وحشتك وان صلتها قطعتك عن أمور هي أولى بك قال فضيل بن عياض لسفيان الثوري دلني على جليس أطمئن اليه قال هيهات تلك ضالة لا توجد وقيل لبعض العلماء اي الامور أمتع قال مذاكرة العلماء وقيل لعبد الرحمن بن ابي بكرة أي الامور امتع قال الاماني وقال رجاء بن حيوة لعبد الملك بن مروان في أساري بن الاشعث ان الله قد اعطاك ماتحب من الظفر فاعط الله ما يحب من العفو وقال هزيم بن عدي بن أبي طحمة ليزيد بن عبد الملك بعد ظفره بيزيد ابن المهلب ما رأينا احدا ظلم ظلمك ولا نصر نصرك ولا عفا عفوك قال وذم رجل رجلا فقال سيء الروية قليل التقية كثير السعاية قليل النكاية
قال معاوية لمعاوية بن حديج الكندي ما جرأك على قتل قريش قال ما أنصفتمونا تقتلون حلماءنا وتلوموننا على قتل سفهائكم وهو الذي قال لأم الحكم بنت ابي سفيان والله لقد نكحت فما استكرمت وولدت فما أنجبت قال ابو بكر بن مسلمة عن ابي اسحق القيسي لما قدم قتيبة بن مسلم خراسان قال من كان في يديه شيء من مال عبد الله بن خازم فلينبذه وان كان في فيه فليلفظه وان كان في صدره فلينفثه فعجب الناس من حسن ما فصل وقسم قال ثم غبر بعد ذلك عيال عبد الله بن خازم وما بخراسان احسن مالا منهم وقال عنبسة القطان شهدت الحسن وقال له رجل بلغنا انك تقول لو كان علي بالمدينة يأكل من حشفها لكان خيرا له مماصنع فقال الحسن يالكع أما والله لقد فقدتموه سهما من مرامي الله غير سؤوم لامر الله ولا سروقة لمال الله أعطى للقران عزائمه فيما عليه وله فأحل حلاله وحرم حرامه حتى أورده ذلك رياضا مونقة وحدائق مغدقة ذاك ابن ابي طالب يالكع قال يزيد بن عقال قال عبد الملك بن صالح يوصي ابنه وهو امير سرية ونحن ببلاد الروم فقال له انت تاجر الله لعبادة فكن كالمضارب الكيس الذي ان وجد ربحا تجر وإلا احتفظ برأس المال ولا تطلب الغنيمة حتى تحوز السلامة وكن من احتيالك على عدوك اشد خوفا من احتيال عدوك عليك وقال بعض الحكماء لا تصطنعوا الى ثلاثة معروفا اللئيم فانه بمنزلة الارض السبخة والفاحش فانه يرى الذي صنعت اليه انما هو لمخافة فحشه والاحمق فانه لا يعرف قدر ما أسديت اليه فاذا اصطنعت الى الكرام فازدرع المعروف واحصد الشكر قال وواضع المعروف في غير اهله كالمسرج في الشمس والزارع في السبخ ومثله البيت السائر في الناس ومن يصنع المعروف في غير اهله يلاقي الذي لاقى مجير أم عامر وقالوا من لم يعرف سوء ما يولى لم يعرف حسن ما يولى وقال الايادي صاحب الصرح الذي اتخذ سلما لمناجاة الرب وهوالذي كان يقول مرضعة وفاطمة القطيعة والفجيعة وصلة الرحم وحسن الكلم قال زعم ربكم ليجزين بالخير ثوابا وبالشر عقابا ان من في الارض عبيد لمن في السماء هلكت جرهم وربلت إياد وكذلك الصلاح والفساد من رشد فاتبعوه ومن غوى فارفضوه كل شاة برجلها معلقة وإياه عنى الشاعر بقوله ونحن إياد عبيد الإله ورهط مناجيه في السلم ونحن ولاة حجاب العتيق زمان الرعاف على جرهم تعزية امرأة للمنصور على أبي العباس مقدمه من مكة قالت اعظم الله اجرك فلا مصيبة اجل من مصيبتك ولا عوض أعظم من خلافتك وقال عثمان بن حزيم للمنصور حين عفا عن اهل الشام في اجلائهم مع عبدالله ابن علي عمه يا أمير المؤمنين لقد أعطيت فشكرت وابتليت فصبرت وقدرت فعفوت وقال آخر يا امير المؤمنين الانتقام عدل والتجاوز فضل والمتفضل قد جاوز حد المنصف فنحن نعيذ أمير المؤمنين بالله ان يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون ان يبلغ ارفع الدرجتين وقال اخر من انتقم فقد شفى غيظ نفسه وأخذ اقصى حقه واذا انتقمت فقد انتقصت واذا عفوت تطولت ومن اخذ حقه وشفى غيظه لم يجب شكره ولم يذكر في العالمين فضله وكظم الغيظ حلم والحلم صبر والتشفي طرف من العجز ومن رضي ان لا يكون بين حاله وبين حال الظالم الا ستر رقيق وحجاب ضعيف فلم يجزم في تفضيل الحلم وفي الاستيثاق من ترك دواعي الظلم ولم تر أهل النهي والمنسوبين الى الحجى والتقى مدحوا الحكام بشدة العقاب وقد ذكروهم بحسن الصفح وبكثرة الاغتفار وشدة التغافل وبعد فالمعاقب مستعد لعداوة أولياء المذنب والعافي مستدع لشكرهم امن من مكافأتهم ايام قدرتهم ولأن يثنى عليك باتساع الصدر خير من ان يثنى عليك بضيق الصدر على ان اقالتك عثرة عباد الله موجب لاقالتك عثرتك من رب عباد الله وعفوك عنهم موصول بعفو الله عنك وعقابك لهم موصول بعقاب الله لك قال الموت الفادح خير من اليأس الفاضح وقال الاخر لا أقل من الرجاء فقال الآخر بل اليأس المريح وقال عبد الله بن وهب الراسبي ازدحام الجواب مضلة للصواب وليس الرأي بالارتجال وليس الحزم بالاقتضاب فلا تدعونك السلامة من خطأ موبق أو غنيمة من صواب نادر الى معاودته والتماس الارباح من قبله ان الرأي ليس بنهبي وخمير الرأي خير من فطيره ورب شيء غابة خير من طرية وتأخير خير من تقديمة ولما قدم بعبد الجبار بن عبد الرحمن الى المنصور قال يا أمير المؤمنين قتلة كريمة قال تركتها وراءك يا ابن اللخناء ولما احتال أبو الازهر المهلب بن عبيثر المهري لعبد الحميد بن ربعي بن خالد ابن مغداق وأسلمه الى حميد بن قحطبة وأسلمه حميد الى المنصور ولما صار الى المنصور قال لا عذر فأعتذر وقد احاط بي الذنب وانت أولى بما ترى قال لست أقتل احدا من آل قحطبة بل أهب مسيئهم لمحسنهم وغادرهم لوفيهم قال ان لم يكن في مصطنع فلا حاجة لي في الحياة ولست أرضى ان اكون طليق شفيع وعتيق ابن عم قال اخرج فانك جاهل وانت عتيقهم ماحييت قال زياد بن ظبيان التيمي لابنه عبيد الله بن زياد وزياد يومئذ يكيد بنفسه وعبيد الله غلام ألا أوصى بك الامير زيادا قال لا قال ولم قال اذا لم يكن للحي الا وصية الميت فالحي هو الميت ودخل عمرو بن سعيد على معاوية بعد موت أبيه وعمرو يومئذ غلام فقال له معاوية الى من أوصى بك أبوك يا غلام قال ان أبي أوصى الي ولم يوص بي قال وبأي شيء أوصاك قال اوصاني ان لا يفقد اخوانه منه الا وجهه قال معاوية لاصحابة ان ابن سعيد هذا لأشدق ولما داهن سفيان ابن معاوية بن يزيد بن المهلب في شأن إبراهيم بن عبد الله وصار سفيان الى ا لمنصور أمر الربيع فخلع سواده ووقف به على رؤوس اليمانية في المقصورة في يوم الجمعة ثم قال يقول لكم أمير المؤمنين قد عرفتم ماكان من احساني اليه وحسن بلائي عنده والذي حاول من الفتنة والغدر و البغي وشق العصا ومعاونة الاعداء وقد رأى أمير المؤمنين ان يهب مسيئكم لمحسنكم وغادركم لوفيكم قال يونس بن حبيب المفحم يأتيه دون ما يرضى ويطلب فوق مايقوى وذكر بعض الحكماء أعاجيب البحر وتزيد البحرين فقال البحر كثير العجائب وأهله اصحاب الزوائد فأفسدوا بقليل الكذب كثير الصدق وأدخلوا ما لا يكون في باب ما قد يكاد ان يكون فجعلوا تصديق الناس لهم في غرائب الاحاديث سلما الى ادعاء المحال وقال بعض العرب حدث عن البحر ولا حرج وحدث عن بني اسرائيل ولا حرج وحدث عن معن ولا حرج وجاء في الحديث كفى بالمرء حرصا ركوبه البحر وكتب عمرو بن العاص الى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يصف له البحر فقال يا امير المؤمنين البحر خلق عظيم يركبه خلق صغير دود على عود وقال الحسن إملاء الخير خير من الصمت فالصمت خير من املاء الشر وقال بعضهم مروا الاحداث بالمرء والكهول بالفكر والشيوخ بالصمت قال عبد الله بن شداد قال أرى داعي الموت لا يقلع وأرى من مضى لا يرجع لا تزهدن في معروف فان الدهر ذو صروف كم راغب قد كان مرغوبا اليه وطالب اصبح مطلوبا اليه والزمان ذو ألوان من يصحب الزمان ير الهون وان غلبت يوما على المال فلا تغلبن على الحيلة على حال وكن أحسن ما تكون في الظاهر حالا أقل ما تكون في الباطن مالا وقيل لقيس بن عاصم بم سدت قومك قال ببذل الندى وكف الاذى ونصر المولى وقيل لشيخ أين شبابك قال من طال أمده وكثر ولده ودف عدده وذهب جلده ذهب شبابه وقال زياد لا يعدمنك من الجاهل كثرة الالتفات وسرعة الجواب وقال عبد الرحمن بن ام الحكم لولا ثلاث ما باليت متى مت تزاحف الاحرار الى طعامي وبذل الاشراف وجوههم الي في أمر اجد اليك السبيل وقول المنادي الصلاة ايها الامير وقال ابن الاشعث لولا أربع خصال ما أعطيت بشريا طاعة لو ماتت أم عمران يعني أمه ولو شاب رأسي ولو قرأت القران ولو لم يكن رأسي صغيرا وقال معاوية اعنت على علي بثلاث خصال كان رجلا يظهر سره وكنت كتوما لسري وكان في اخبث جند وأشده خلافا وكنت في اطوع جند وأقله خلافا وخلا باصحاب الجمل فقلت ان ظفر بهم اعتددت بهم عليه وهنا في دينه وان ظفروا به كانوا اهون علي شوكة منه وكنت أحب الى قريش منه فكم شتيت جامع الي ومفرق عنه وقال جهم بن حسان السليطى قال رجل للاحنف دلني على حمد بلا مرزئة قال الخلق السجيح والكف عن القبيح ثم اعلموا ان أدوا الداء اللسان البذيء والخلق الرديء وقال محمد بن حرب الهلالي قال بعض الحكماء لا يكونن منكم المحدث ولاينصت له والداخل في سر اثنين لم يدخلاه ولا اتي الدعوة لم يدع اليها ولا الجالس المجلس لا يستحقه ولا الطالب الفضل من ايدي اللئام ولا المتعرض للخير من عند عدوه ولا المتحمق في الدالة باب مزدوج الكلام قالوا قال رسول الله في معاوية رضي الله تعالى عنه اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب وقال رجل من بني اسد مات لشيخ منا ابن فاشتد جزعه عليه فقام اليه شيخ منا فقال إصبر ابا أمامة فانه فرط افرطته وخبر قدمته وذخر ادخرته فقال مجيبا له ولد دفنته وثكل تعجلته وغيب وعدته والله لئن لم اجزع من النقص لا افرح بالمزيد قال الاصمعي قال ابن قصير خير الخيل الذي اذا استدبرت حبا واذا استقبلته أقعى واذا استعرضته استوى واذامشى ردى واذا ردى دحا ونظر ابن قصير الى خيل عبد الرحمن بن أم الحكم فأشار الى فرس منها فقال تجيء هذه سابقة قالوا وكيف قال رأيتها مشت فكتفت وخبت فوجفت وعدت فنسفت وذكرت امرأة زوجها فقالت ذهب زفرة وأقبل بخرة وفتر ذكره وكان مالك بن الاخطل قد بعثه أبوه يسمع شعر جرير والفرزدق فسأله أبوه عنهما فقال جرير يغرف من بحر والفرزدق ينحت من صخر فقال الذي يغرف من بحر أشعرهما قد ذكرنا من مقطعات الكلام وقصار الاحاديث بعد ما أسقطنا به مؤونة الخطب الطوال وسنذكر من الخطب المسندة الى اربابها مقدارا لا يستفرغ مجهود من قرأها ثم نعود بعد ذلك الى ما قصر منها وخف والى أبواب قد تدخل في هذه الجملة وان لم تكن مثل هذه بأعيانها والله الموفق خطبة عبد الله بن الاهتم قال أبوالحسن عن يحيى بن سعيد عن ابن خربوز البكري عن خالد ابن صفوان دخل عبد الله بن الاهتم على عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى مع العامة فلم يفجأ عمر الا وهو ماثل بين يديه يتكلم فحمدالله وأثنى عليه ثم قال أمابعد فان الله خلق الخلق غنيا عن طاعتهم آمنا لمعصيتهم والناس يومئذ في المنازل والرأي مختلفون والعرب بشر تلك المنازل أهل الوبر وأهل المدر تحتاز دونهم طيبات الدنيا ورفاهة عيشتها ميتهم في النار وحيهم أعمى مع ما لا يحصى من المرغوب عنه والمزهود فيه فلما أراد الله ان ينشر فيهم رحمته بعث اليهم رسولا منهم عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فلم يمنعهم ذلك ان جرحوه في جسمه ولقبوه في اسمه ومعه كتاب من الله لا يرحل الا بأمره ولا ينزل الا باذنه واضطروه الى بطن غار فلما امر بالغرامة اصفر لأمر الله لونه فافلج الله حجته وأعلى كلمته واظهر دعوته ففارق الدنيا تقيا نقيا ثم قام بعده ابوبكر رضي الله تعالى عنه فسلك سنته وأخذ بسبيله وارتدت العرب فلم يقبل منهم بعد رسول الله الا الذي كان قابلا منهم فانتضى السيوف من أغمادها و اوقد النيران من شعلها ثم ركب بأهل الحق اهل الباطل فلم يبرح يفصل اوصالهم ويسقي الارض دماءهم حتى ادخلهم في الذي خرجوا عنه وقررهم بالذي نفروا منه وقد كان اصحاب من مال الله بكرا يرتوي عليه وحبشية ترضع ولدا له فرأى ذلك غصة عند موته في حلقه فأدى ذلك الى الخليفة من بعده وبرى ء اليهم منه وفارق الدنيا تقيا نقيا على منهاج صاحبه رضي الله تعالى عنه ثم قام من بعده عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فمصر الامصار وخلط الشدة باللين فحسر عن ذراعيه وشمر عن ساقيه وأعد للأمور أقرانها وللحرب آلتها فلما اصابه قن المغيرة بن شعبة امر ابن عباس يسأل الناس هل يثبتون قاتله فلما قيل له قن المغيرة استهل بحمد الله ان لا يكون اصابه ذوحق في الفيء فيستحل دمه بما استحل من حقه وقد كان اصاب من مال الله بضعا وثمانين الفا فكسر بها رباعه وكره بهاكفالة أهله وولده فأدى ذلك الى الخليفة من بعده وفارق الدنيا تقيا نقيا على منهاج صاحبه رضي الله تعالى عنهما ثم إنا والله اجتمعنا بعدهما الا على ظلع ثم انك ياعمر بن الدنيا ولدتك ملوكها وألقمتك ثديها فلما وليتها ألقيتها حيث ألقاها الله فالحمد لله الذي جلا بك حوبتها وكشف بك كربتها إمض ولا تلتفت فانه لا يغني من الحق شيئا أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات قال ولما ان قال ثم إنا والله ما اجتمعنا بعدهما إلا على ظلع سكت الناس كلهم الا هشاما فانه قال كذبت خطبة عمر بن عبد العزيز قال أبو الحسن حدثنا المغيرة بن مطرف عن شعيب بن صفوان عن أبيه قال خطب عمر بن عبدالعزيز بخناصرة خطبة لم يخطب بعدها حتى مات رحمه الله تعالى فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إنكم لم تخلقوا عبثا ولم تتركوا سدى وان لكم معادا يحكم الله فيه بينكم فخاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء وحرم الجنة التي عرضها السموات والارض واعلموا ان الأمان غدا لمن خاف ربه وباع قليلا بكثير وفانيا بباق ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين وسيخلفها من بعدكم الباقون كذلك حتى تردوا الى خير الوراثين ثم أنتم في كل يوم تشيعون غاديا ورائحا الى الله قدمضى نحبه وبلغ أجله ثم تغيبونه في صدع من الارض ثم تدعونه غير موسد ولا ممهد قد خلع الاسباب وفارق الاحباب وواجه الحساب غنيا عما ترك فقيرا الى ما قدم وأيم الله اني لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند احد منكم من الذنوب أكثر مما عندي فأستغفر الله لي ولكم وماتبلغنا حاجة يتسع لها ما عندنا إلا سددناها ولا أحد منكم إلا وددت ان يده مع يدي ويحمي الذين يلونني حتى يستوى عيشنا وعيشكم وأيم الله أن لو أردت غير هذا من عيش اوغضارة لكان اللسان مني ناطقا ذلولا عالما بأسبابه لكنه مضى من الله كتاب ناطق وسنة عادلة دل فيها على طاعته ونهى فيها عن معصيته ثم بكى فتلقى دموع عينيه بطرف ردائه ثم نزل فلم ير على تلك الاعواد حتى قبضه الله خطبة اخرى لعمر بن عبد العزيز ذهب عني اسنادها أما بعد فانك ناشى ء فتنة وقائد ضلالة قد طال جثومها و اشتدت غمومها وتلونت مصائد عدو الله فيها وما نصب من الشرك لأهل الغفلة عما في عواقبها فلن يهد عمودها ولن ينزع أوتادها الا الذي بيده تلك الاشياء وهو الله الرحمن الرحيم ألا وان لله بقايا من عباده لم يتحيروا في ظلمتها ولم يشايعوا أهلها على شبهتها مصابيح النور في أفواههم تزهو وألسنتهم بحجج الكتاب تنطق ركبوا بهج السبيل وقاموا على العلم الاعظم هم خصماء الشيطان الرجيم وبهم يصلح الله البلاد ويدفع عن العباد فطوبى لهم وللمستصبحين بنورهم أسأل الله ان يجعلنا منهم خطبة ابي حمزة الخارجي دخل ابو حمزة الخارجي مكة وهو احد نساك الأباضية وخطبائهم واسمه يحيى بن المختار فصعد منبرها متوكئا على قوس له عربية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيهاالناس إن رسول الله كان لا يتأخر ولا يتقدم إلا باذن الله وأمره ووحيه أنزل الله له كتابا بين له فيه ما يأتي وما يتقي فلم يكن في شك من دينه ولا شبهة في أمره ثم قبضه الله إليه وقد علم المسلمين معالم دينهم وولى أبا بكر صلاتهم فولاه المسلمون أمر دنياهم حين ولاه رسول الله أمر دينهم فقاتل أهل الردة وعمل بالكتاب والسنة فمضى لسبيله رضي الله تعالى عنه ثم ولى عثمان بن عفان فسار ست سنين بسيرة صاحبيه وكان دونهما ثم سار في الست الأواخر بما أحبط به الأوائل ثم مضى لسبيله رضي الله تعالى عنه ثم ولى علي بن أبي طالب فلم يبلغ من الحق قصدا ولم يرفع له منارا ثم مضى لسبيله رضي الله تعالى عنه ثم ولى معاوية بن ابي سفيان لعين رسول الله وابن لعينه اتخذ عباد الله خولا ومال الله دولا ودينه دغلا ثم مضى لسبيله فالعنوه لعنه الله ثم ولى يزيد بن معاوية يزيد الخمور ويزيد القرود ويزيد الفهود الفاسق في بطنه المأبون في فرجه ثم اقتصتهم خليفة خليفة فلما انتهى الى عمر بن عبد العزيز أعرض عنه ولم يذكره ثم قال ثم ولى يزيد بن عبد الملك الفاسق في بطنه المأبون في فرجه الذي لم يؤنس منه رشد وقد قال الله تعالى في اموال اليتامى فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم فأمر أمة محمد أعظم يأكل الحرام ويشرب الخمر ويلبس الحلة قومت بألف دينار قد ضربت فيها الأبشار وهتكت فيها الأستار وأخذت من غير حلها حبابة عن يمينه وسلامة عن يساره تغنيانه حتى اذا أخذ الشراب منه كل مأخذ قد ثوبه ثم التفت الى احداهما فقال ألا أطير نعم فطر الى لعنة الله وحريق ناره وأليم عذابه وأما بنو أمية ففرقه ضلالة وبطشهم بطش جبرية يأخذون بالظنة ويقضون بالهوى ويقتلون على الغضب ويحكمون بالشفاعة ويأخذون الفريضة من غير موضعها ويضعونها في غير أهلها وقد بين الله أهلها فجعلهم ثمانية أصناف فقال انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فأقبل صنف تاسع ليس منها فأخذ كلها تلكم الفرقة الحاكمة بغير ما أنزل الله و أما هذه الشيع فشيع ظاهرت بكتاب الله وأعلنت الفرية على الله لم يفارقوا الناس ببصر نافذ في الدين ولا بعلم نافذ في القرآن ينقمون المعصية على أهلها ويعلمون اذا ولوا بها يصرون على الفتنة ولا يعرفون المخرج منها جفاة على القرآن أتباع كهان يؤملون الدول في بعث الموتى ويعتقدون الرجعة الى الدنيا قلدوا دينهم رجلا لا ينظر لهم قاتلهم الله أنى يؤفكون ثم أقبل على اهل الحجاز فقال يا اهل الحجاز أتعيرونني بأصحابي وتزعمون انهم شباب وهل كان أصحاب رسول الله إلا شبابا اما والله اني لعالم بتتايعكم فيما يضركم في معادكم ولولا اشتغالي بغيركم عنكم ما تركت الأخذ فوق أيديكم شباب والله مكتهلون في شبابهم غضيضة عن الشر أعينهم ثقيلة عن الباطل أرجلهم أنضاء عبادة وأطلاح سهر فنظر الله إليهم في جوف الليل منحنية أصلابهم على اجزاء القران كلما مر أحدهم باية من ذكر الجنة بكى شوقا إليها واذا مر باية من ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم بين أذنيه موصول كلالهم بكلالهم كلال الليل بكلال النهار قد أكلت الارض ركبهم وأيديهم وأنوفهم وجباههم واستقلوا ذلك في جنب الله حتى اذا رأوا السهام قد فوقت والرماح قد أشرعت والسيوف قد انتضيت ورعدت الكتيبة بصواعق الموت وبرقت استخفوا بوعيد الكتيبة لوعيد الله ومضى الشاب منهم قدما حتى اختلفت رجلاه على عنق فرسه وتخضبت بالدماء محاسن وجهه فأسرعت إليه سباع الارض وانحطت إليه طير السماء فكم من عين في منقار طير طالما بكى صاحبها في جوف الليل من خوف الله وكم من كف زالت عن معصمها طالما اعتمد عليها صاحبها في جوف الليل بالسجود لله ثم قال أوه أوه أوه ثم بكى ثم نزل خطبة قطري بن الفجاءة صعد قطري بن الفجاءة وهو احد بني مازن بن عمرو بن تميم منبر الأزارقة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فاني أحذركم الدنيا فانها حلوة خضرة حفت بالشهوات وراقت بالقليل وتحببت بالعاجلة وحليت بالآمال وتزينت بالغرور لا تدوم حبرتها ولا تؤمن فجعتها غرارة ضرارة خوانة غدارة وحائلة زائلة ونافذة بائدة أكالة غوالة بذالة نقالة لا تعدو اذا هي تناهت الى أمنية اهل الرغبة فيها والرضا عنها ان تكون كما قال الله تعالى كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا مع ان امرا لم يكن منها في حبرة الا اعقبته بعدها عبرة ولم يلق من سرائها بطنا الا منحته من ضرائها ظهرا ولم تطله غيثة رجاء الا اهطلت عليه مزنة بلاء وحرى اذا اصبحت له منتصرة ان تمسي له خاذلة متنكرة وان جانب منها اعذوذب واحلولى امر عليه جانب واوبى وان أتت امرا من غضارتها ورفاهتها نعما ارهقته من نوائبها نقما ولم يمس امرؤ منها في جناح أمن الا اصبح منهاعلى قوادم خوف غرور ما فيها فان ما عليها لا خير في شيء من زادها الا التقوى من اقل منه استكثر مما يؤمنه ومن استكثر منها استكثر مما يوبقه ويطيل حزنه ويبكي عينيه كم واثق بها قد أفجعته وذي طمأنينه اليها قد صرعته وذي اختيال فيها قد خدعته وكم من ذي أبهة بها قد صيرته حقيرا وذي نخوه قد ردته ذليلا وكم من ذي تاج قدكبته لليدين والفم سلطانها دول وغيثها رنق وعذبها أجاج وحلوها صبر وغذاؤها سمام وأسبابها رمام وقطافها سلع حيها بعرض موت وصحيحها بعرض سقم ومنيعها بعرض اهتضام مليكها مسلوب وعزيزها مغلوب وسليمها منكوب وجامعها محروب مع ان وراء ذلك سكرات الموت وهول المطلع والوقوف بين يدي الحكم العدل ليجزي الذين اساؤوا بما عملوا ويجزي الذين احسنوا بالحسنى ألستم في مساكن من كان أطول منكم أعمارا وأوضح منكم اثارا واعد عديدا واكثف جنودا واعند عنودا تعبدوا للدنيا اي تعبد واثروها أي إيثار وظعنوا عنها بالكره والصغار فهل بلغكم ان الدنيا سمحت لهم نفسا بفدية أو أغنت عنهم فيما قد اهلكتهم بخطب بل قد أرهقتهم بالفوادح وضعضعتهم بالنوائب وعقرتهم بالمصائب وقد رأيتم تنكرها لمن دان لها وأخلد اليها حين ظعنوا عنها لفراق الابد الى آخر المسند هل زودتهم الا الشقاء وأحلتهم الا الضنك أو نورت لهم الا الظلمة أو أعقبتهم الا الندامة أفهذه تؤثرون أم على هذه تحرصون أم اليها تطمئنون يقول الله من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف اليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الاخرة الا النار وحبط ما صنعوا فيها باطل ماكانوا يعملون فبئست الدار لمن أقام فيها فاعلموا وانتم تعلمون انكم تاركوها لا بد فانما هي كما وصفها الله باللعب واللهو وقد قال الله تعالى أتبنون بكل ريع آيه تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وذكر الذين قالوا من أشد منا قوة ثم قال حملوا الى قبورهم فلا يدعون ركبانا وأنزلوا فلا يدعون ضيفانا وجعل لهم من الضريح اجنان ومن التراب اكفان ومن الرفات جيران فهم جيرة لا يجيبون داعيا ولا يمنعون ضيما ان أخصبوا لم يفرحوا وان اقحطوا لم يقنطوا جمع وهم آحاد وجيرة وهم ابعاد متناؤون لا يزورون ولا يزارون حلماء قد ذهبت اضغانهم وجهلاء قد ماتت احقادهم لايخشى فجعهم ولا يرجى دفعهم وكما قال الله تعالى فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم الا قليلا وكنا نحن الوارثين استبدلوا بظهر الارض بطنا وبالسعة ضيقا وبالاهل غربة وبالنور ظلمة فجاؤوها كما فارقوها حفاة عراة فرادى غير ان ظعنوا بأعمالهم الى الحياة الدائمة والى خلود الابد يقول الله تعالى كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين فاحذروا ما حذركم الله وانتفعوا بمواعظة واعتصموا بحبله عصمنا الله وإياكم بطاعته ورزقنا واياكم أداء حقه خطبة محمد بن سليمان الحمد لله أحمده وأستعينه واستغفره وأومن به واتوكل عليه وأشهد ان لا إله الا الله وحده لاشريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون من يعتصم بالله ورسوله فقد اعتصم بالعروة الوثقى وسعد في الاولى والاخرة ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا اسأل الله ان يجعلنا واياكم ممن يطعيه ويطيع رسوله ويتبع رضوانه ويتجنب سخطه فانما نحن له وبه أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعة الله وأرضى لكم ماعند الله فان تقوى الله افضل ما تحاث الناس عليه وتداعوا اليه وتواصوا به فاتقوا الله ما استطعتم ولا تموتن الا وانتم مسلمون خطبة عبيد الله بن زياد صعد المنبر بعد موت يزيد بن معاوية وحيث بلغه ان سلمة بن ذؤيب الرياضي قد جمع الجموع يريد خلعه فقال يا أهل البصرة انسبوني فوالله ما مهاجر أبي الا اليكم وما مولدي الا فيكم وما انا الا رجل منكم والله لقد وليكم ابي وما مقاتلتكم الا اربعون الفا فبلغ بها ثمانين ألفا وما ذريتكم الا ثمانون الفا وقد بلغ بها عشرين ومائة الف وانتم اوسع الناس بلادا واكثره جنودا وابعد مقادا وأغنى الناس عن الناس أنظروا رجلا تولونه أمركم يكف سفهاءكم ويجبي لكم فيئكم ويقسمه فيما بينكم فانما انا رجل منكم فلما أبوا غيره قال اني اخاف ان يكون الذي يدعوكم الى تأميري حداثة عهدكم بأمري وصية معاوية بن ابي سفيان قال الهيثم بن عدي عن ابي بكر بن عياش عن اشياخه لما حضرت معاوية الوفاة ويزيد غائب دعا معاوية مسلم بن عقبة المري والضحاك بن قيس الفهري فقال أبلغا عني يزيد وقولا له أنظر الى أهل الحجاز فهم أصلك وعترتك فمن أتاك منهم فأكرمه ومن قعد عنك فتعهده وانظر الى أهل العراق فان سألوك عزل عامل لهم في كل يوم فاعزله عنهم فان عزل عامل أهون عليك من سل مائة ألف سيف ثم لا تدري على ما انت عليه منهم ثم انظر الى اهل الشام فاجعلهم الشعار دون الدثار فان رابك من عدوك ريب فارمه بهم فان أظفرك الله بهم فاردد أهل الشام الى بلادهم ولا يقيموا في غير بلادهم فيتأدبوا بغير أدبهم لست أخاف عليك غير عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وحسين بن علي فأما عبد الله بن عمر فرجل قد وقذه الورع وأما الحسين فاني أرجو ان يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه واما ابن الزبير فانه خب ضب وفي غير هذه الرواية فان ظفرت بابن الزبير فقطعه إربا فمات معاوية فقام الضحاك بن قيس خطيبا فقال ان امير المؤمنين معاوية كان أنف العرب وهذه أكفانه ونحن مدرجوه فيها ومخلون بينه وبين ربه فمن أراد حضوره بعد الظهر فليحضره فصلى عليه الضحاك بن قيس ثم قدم يزيد ولده فلم يقدم أحد على تعزيته حتى دخل عليه عبد الله بن همام السلولي فأنشأ يقول إصر يزيد فقد فارقت ذا كرم واشكر حباء الذي بالملك أصفاك لا رزء أصبح في الأقوام قدعلموا كمارزئت ولا عقبى كعقباك أصبحت راعي أهل الدين كلهم فأنت ترعاهم والله يرعاك وفي معاوية الباقي لنا خلف إذا نعيت ولا نسمع بمنعاك فانفتح الخطباء للكلام بعد ذلك خطبة قتيبة بن مسلم الباهلي قام بخراسان حين خلع فقال أتدرون من تبايعون إنما تبايعون يزيد بن ثروان يعني هبنقة القيسي كأني بأمير مزجاء وحكم قد أتاكم يحكم في أموالكم وفروجكم وأبشاركم ثم قال الأعراب وما الأعراب فلعنه الله على الاعراب جمعتكم كما يجمع قرع الخريف من منابت الشيح والقيصوم ومنابت القلقل وجزيرة ابن كاوان تركبون البقر وتأكلون العضبة فحملتكم على الخيل وألبستكم السلاح حتى منع الله بكم البلاد وأفاء بكم الفيء قالوا مرنا بأمرك قال غروا غيري وخطب مرة أخرى فقال يا أهل العراق ألست أعلم الناس بكم اما هذا الحي من أهل العالية فنعم الصدقة واما هذه الحي من بكر بن وائل فعلجة بظراء لاتجمع رجليها وأما هذا الحي من عبد قيس فما ضرب العير بذنبه وأما هذا الحي من الأزد فعلوج خلق الله وأنباطه وأيم الله لو ملكت أمر الناس لنقشت أيديهم فأما هذا الحي من تيمي فانهم كانوا يسمون الغدر في الجاهلية كيسا وخطب مرة اخرى فقال يا أهل خراسان قدجربتم الولاة قبلي أتاكم أمية فكان كاسمه أمية الرأي وأمية الدين فكتب الى خليفته ان خراج خراسان وسجستان لوكان في مطبخه لم يكفه ثم أتاكم بعده أبو سعيد فدوخ بكم البلاد لا تدرون أفي طاعة أنتم أم في معصية ثم لم يجب فيئا ولم ينكا عدوا ثم أتاكم بنوه بعده مثل أطباء الكلبة منهم ابن الرخمة حصان يضرب في عانة ولقد كان أبوه يخافه على أمهات أولاده ثم قد اصبحتم وقد فتح الله عليكم البلاد وأمن لكم السبل حتى ان الظعينة لتخرج من مرو الى سمرقند في غير جواز خطبة الاحنف بن قيس قال بعد حمد الله والثناء عليه الصلاة على نبيه يا معشر الازد وربيعة أنتم اخواننا في الدين وشركاؤنا في الصهر وأشقاقنا في النسب وجيراننا في الدار ويدنا على العدو والله لازد البصرة أحب إلينا من تميم الكوفة ولآزد الكوفة أحب إلينا من تميم الشام فان استشرف شنآنكم وأبى حسد صدوركم ففي أموالنا وسعة احلامنا لنا ولكم سعة خطبة جامع المحاربي ومن محارب جامع كان شيخا صالحا خطيبا لسنا وهو الذي قال للحجاج حين بنى مدينة واسط بنيتها في غير بلدك وأورثتها غير ولدك وكذلك من قطعة العجب عن الاستشارة والاستبداد عن الاستخارة وشكا الحجاج سوء طاعة أهل العراق وتنقم مذهبهم وتسخط طريقتهم فقال له جامع أما انهم لو أحبوك لأطاعوك على انهم ما شنؤوك لنسبك ولا لبلدك ولا لذات نفسك فدع ما يبعدهم منك الى مايقربهم اليك والتمس العافية ممن دونك تعطها ممن فوقك وليكن إيقاعك بعد وعيدك ووعيدك بعد وعدك قال الحجاج إني والله ما أرى ان أرد بني اللكعية الى طاعتي إلا بالسيف فقال أيها الامير ان السيف اذا لاقى السيف ذهب الخيار فقال الحجاج الخيار يومئذ لله قال أجل ولكن لا تدري لمن يجعله الله فغضب الحجاج وقال يا هناه إنك من محارب فقال جامع وللحرب سمينا وكان محاربا اذا ما القنا أمسى من الطعن أحمرا والبيت للخضري فقال الحجاج والله لهممت ان أخلع لسانك فاضرب به وجهك فقال جامع ان صدقناك أغضبناك وان غششناك أغضبنا الله فغضب الامير أهون علينا من غضب الله قال أجل وسكن وشغل الحجاج ببعض الامر وانسل جامع فمر بين صفوف خيل الشام حتى جاوز الى خيل أهل العراق وكان الحجاج لا يخلطهم فأبصر كوكبة فيها جماعة من بكر العراق وتميم العراق وأزد العراق وقيس العراق فلما رأوه اشرأبوا اليه وبلغهم خروجه فقالوا له ما عندك دافع الله لنا عن نفسك فقال ويحكم عموه بالخلع كما يعمكم بالعداوة ودعوا التعادي ما عاداكم فاذا ظفرتم به تراجعتم وتعاقبتم ايها التميمي هوأعدى لك من الأزدي وأيها القيسي هو أعدى لك من التغلبي وهل ظفر بمن ناوأه الا بمن بقي معه منكم وهرب جامع من فوره ذلك الى الشام فاستجار بزفر بن الحارث خطبة الحجاج بن يوسف الثقفي وخطب الحجاج فقال اللهم أرني الغي غيا فأجتنبه وأرني الهدى هدى فأتبعه ولا تكلني الى نفسي فأضل ضلالا بعيدا والله ما أحب ان ما مضى من الدنيا بعمامتي هذه ولما بقي أشبه بما مضى من الماء بالماء وخطبة له الهيثم بن عدي قال أنبأني ابن عياش عن أبيه قال خرج الحجاج يوما من القصر بالكوفة فسمع تكبيرا في السوق فراعه ذلك فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه ثم قال يا أهل العراق يا أهل الشقاق والنفاق ومساوى ء الاخلاق وبني اللكيعة وعبيد العصا وأولاد الإماء والفقع بالقرقر إني سمعت تكبيرا لا يراد به الله وإنما يراد به الشيطان وإنما مثلي ومثلكم ما قال عمرو بن براق الهعداني وكنت اذا قوم غزوني غزوتهم فهل انا في ذا يال همدان ظالم متى تجمع القلب الذكي وصارما وأنفا حميا تجتنبك المظالم اما والله لاتقرع عصا عصا إلا جعلتها كأمس الدابر خطبة عمرو بن كلثوم أما بعد فانه لا يخبر عن فضل المرء اصدق من تركه تزكيه نفسه ولايعبر عنه في تزكية أصحابه اصدق من اعتماده إياهم برغبته وائتمانه إياهم على حرمته
خطبة يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ولما قتل يزيد بن الوليد ابن عمه الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان قام خطيبا بعد ان حمد الله وأثنى عليه ثم قال ايها الناس والله ما خرجت أشرا ولا بطرا ولاحرصا على الدنيا ولارغبة في الملك وما بي إطراء نفسي وإني لظلوم لها ولقد خسرت ان لم يرحمني ربي ولكني خرجت غضبا لله ودينه وداعيا الى الله وسنة نبيه لماهدمت معالم الهدى وأطفى ء نور التقوى وظهر الجبار العنيد المستحل لكل حرمة والراكب لكل بدعة مع انه والله ما كان يؤمن بيوم الحساب ولا يصدق بالثواب والعقاب وانه لابن عمي في النسب وكفئي في الحسب فلما رأيت ذلك إستخرت الله في امره وسألته ان لا يكلني الى نفسي ودعوت الى ذلك من اجابني من اهل ولايتي حتى اراح الله منه العباد وطهرمنه البلاد بحول الله وقوته لا بحولي وقوتي ايها الناس ان لكم علي ان لا اضع حجرا على حجر ولا لبنة على لبنة ولا اكرى نهرا ولا اكنز مالا ولا اعطيه زوجا ولا ولدا ولا انقل مالا من بلد الى بلد حتى اسد فقر ذلك البلد وخصاصة اهله بما يغنيهم فان فضل فضل نقلته الى البلد الذي يليه ممن هو احوج إليه منه وان لا اجمركم في ثغوركم فأفتنكم وأفتن اهليكم ولا اغلق بابي دونكم فيأكل قويكم ضعيفكم ولا أحمل على اهل جزيتكم ما اجليهم به عن بلادهم واقطع نسلهم ولكم عندي أعطياتكم في كل سنة وارزاقكم في كل شهر حتى تستدر المعيشة بين المسلمين فيكون أقصاهم كأدناهم فاذا انا وفيت لكم فعليكم السمع والطاعة وحسن المؤازرة والمكاتفة وان انا لم أوف لكم فلكم ان تخلعوني الا ان تستتيبوني فان انا تبت قبلتم منى وان عرفتم احدا يقوم مقامي ممن يعرف بالصلاح يعطيكم من نفسه مثل ما أعطيتكم فأردتم ان تبايعوه فأنا اول من بايعه ودخل في طاعته ايهاالناس لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فلما بويع مروان بن محمد نبشه وصلبه
وكانوا يقرأون في الكتب يا مبذر الكنوز يا سجادا بالأسحار كانت ولايتك رحمة وعليهم حجة أخذوك فصلبوك
خطبة يوسف بن عمر
قام خطيبا فقال اتقوا الله فكم من مؤمل أملا لا يبلغه وجامع مالا لا يأكله ومانع عما سوف يتركه ولعله من باطل جمعه ومن حق منعه أصابه حراما وأورثه عدوا فاحتمل إصره وباء بوزره وورد على ربه آسفا لاهفا قد خسرالدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين كلام زعماء الوفود عند عمر بن الخطاب قال بشار بن عبد الحميد عن ابي ريحانة وفد هلال بن وكيع والأحنف ابن قيس وزيد بن جبلة على عمر فقال هلال بن وكيع يا امير المؤمنين إنا لباب من خلفنا وغرة من وراءنا من اهل مصرنا فانك ان تصرفنا بالزيادة في أعطياتنا والفرائض لعيالاتنا يزد ذلك الشريف تأميلا وتكن لذوي الأحساب ابا وصولا فإنا ان نكن مع ما نمت به من فضائلك وندلي من أسبابك كالجد الذي لا يحل ولا يرحل نرجع بأنف مصلومة وجدود عاثرة فامتحنا واهلينا بسجل من سجالك المترعة وقام زيد بن جبلة فقال يا امير المؤمنين سود الشريف واكرم الحسيب وازرع عندنا من أياديك ما نسد به الخصامة ونطرد به الفاقة فإنا بقف من الارض يابس الاكناف مقشعر الذروة لا شجر فيه ولا زرع وإنا من العرب اليوم اذا أتيناك بمرأى ومسمع فقام الاحنف فقال يا امير المؤمنين ان مفاتيح الخير بيد الله والحرص قائد الحرمان فاتق الله فيما لايغني عنك يوم القيامة قيلا ولا قالا واجعل بينك وبين رعيتك من العدل والانصاف شيئا يكفيك وفادة الوفود واستماحة الممتاح فان كل امرى ء إنما يجمع في وعائه الا الأقل ممن عسى ان تقتحمه الأعين وتخوفهم الألسن فلا يوفد إليك يا أمير المؤمنين
خطبة الحجاج بن يوسف
خطب أهل العراق بعد دير الجماجم فقال يا اهل العراق ان الشيطان قد استبطنكم فخالط اللحم والدم والعصب والمسامع والاطراف والاعضاء والشغاف ثم أفضى الى الامخاخ والاصماخ ثم ارتفع فعشش ثم باض وفرخ فحشاكم نفاقا وشقاقا وأشعركم خلافا أخذتموه دليلا تتبعونه وقائدا تطيعونه ومؤامرا تستشيرونه فكيف تنفعكم تجربة أو تعظكم وقعة أو يحجركم اسلام أو ينفعكم بيان ألستم اصحابي بالاهواز حيث رمتم المكر وسعيتم بالغدر واستجمعتم للكفر وظننتم ان الله يخذل دينه وخلافته وأنا أرميكم بطرفي وأنتم تتسللون لواذا وتنهزمون سراعا ثم يوم الزاوية وما يوم الزاوية بها كان فشلكم وتنازعكم وتخاذلكم وبراءة الله منكم ونكوص وليكم عنكم إذ وليتم كالابل الشوادر الى اوطانها النوازع الى اعطانها لا يسأل المرء عن اخيه ولا يلوي الشيخ على بنيه حتى عضكم السلاح وقعصتكم الرماح ثم يوم دير الجماجم وما يوم دير الجماجم بها كانت المعارك والملاحم بضرب يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله يا أهل العراق الكفرات بعد الفجرات والغدرات بعد الخترات والنزوة بعد النزوات ان بعثتكم الى تغوركم غللتم وخنتم وان أمنتم ارجفتم وان خفتم نافقتم لا تذكرون حسنة ولا تشكرون نعمة هل استخفكم ناكث أو استغواكم غاو أو استنصركم ظالم اواستعضدكم خالع الا تبعتموه وآويتموه ونصرتموه ورحبتموه يا اهل العراق هل شغب شاغب أو نعت ناعب أو زفر زافر الا كنتم اتباعه وأنصاره يا اهل العراق ألم تنهكم المواعظ ألم تزجركم الوقائع
ثم التفت الى اهل الشام فقال يا أهل الشام انما انا لكم كالظليم الرامح عن فراخه ينفي عنها المدر ويباعد عنها الحجر ويكنها من المطر ويحميها من الضباب ويحرسها من الذئاب يا اهل الشام انتم الجنة الرداء وأنتم العدة والحذاء فضيلة الصبر على المصيبة وقال رجل لحذيفة أخشى ان اكون منافقا فقال لوكنت منافقا لم تخش ذلك وقال آخر اعلم ان المصيبة واحدة ان صبرت وان لم تصبر فهما مصيبتان ومصيبتك بأجرك اعظم من مصيبتك بميتك وقال صالح بن عبد القدوس ان يكن ما به أصبت جليلا فذهاب العزاء فيه أجل وقال آخر تعز عن الشيء اذا منعته لقلة ما يصيبك اذا أعطيته وما خفف الحساب وقلله خير مما كثره وثقله وحدثنا ابو بكر الهذلي واسمه سلمى قال اذا جمع الطعام أربعا فقد كمل اذاكان حلالا وكثرت الأيدي عليه وسمي الله في أوله وحمد في آخره خطبة زياد بن أبي سفيان وخطب زياد فقال استوصوا بثلاثة منكم خيرا الشريف والعالم والشيخ فوالله لا يأتيني شيخ بشاب قد استخف به الا اوجعته ولا يأتيني عالم بجاهل استخف به الا نكلت به ولا يأتيني شريف بوضيع استخف به الا انتقمت له منه قال علي بن سليم قال حاتم طي لعدي ابنه اي بني ان رأيت ان الشر يتركك ان تركته فاتركه قال وقال عدي بن حاتم لابن له قم بالباب فامنع من لا تعرف وأذن لمن تعرف قال لا والله لا يكون اول شيء وليته من الدنيا منع قوم من طعامك وقال مديني لعبد الملك بن مروان ودخل عليه بنوه أراك الله في بنيك ما ارى أباك فيك وأرى بنيك فيك ما أراك في أبيك وقال ابن شبرمة ذهب العلم الا عبارات في أوعية سوء قال الهيثم بن عدي عن ابن عياش عن أبيه خرج الحجاج الى الفارسان فاذا هو بإعرابي في زرع فقال له ممن انت قال من اهل عمان قال فمن أي القبائل قال من الازد قال ما علمك بالزرع قال اني لأعلم من ذلك علما قال فأي الزرع خير قال ما غلظ قصبه واعتم نبته وعظمت جثته وطالت سنبلته قال فأي العنب خير قال ما غلظ عموده واخضر عوده وعظم عنقوده قال فما خير التمر قال ما غلظ لحاؤه ودق نواه ورق سحاؤه باب من اللغز في الجواب قالوا كان الحطيئة يرعى غنما وفي يده عصا فمربه رجل فقال يا راعي الغنم ما عندك قال عجراء من سلم يعني عصاه قال اني ضيف قال للضيفان أعددتها وقال ابن سليم ان قيس بن سعد بن عبادة قال اللهم ارزقني حمدا ومجدا فانه لاحمد الا بفعال ولا مجد الا بمال قال خالد بن الوليد لأهل الحيرة اخرجوا الي رجلا من عقلائكم فأخرجوا اليه عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة الغساني وهو الذي بنى القصر وهو يومئذ ابن خمسين وثلثمائة سنة فقال له خالد من أين اقصى اثرك قال من صلب أبي قال فمن أين خرجت قال من بطن أمي قال فعلام انت قال على الارض قال ففيم انت قال في ثيابي قال ما سنك قال عظم قال اتعقل لا عقلت قال اي والله وأقيد قال ابن كم أنت قال ابن رجل واحد قال كم أتى عليك من الدهر قال لو أتى علي شيء لقتلني قال ما تزيدني مسألتك الا غما قال ما أجبتك الا عن مسألتك قال أعرب انتم ام نبط قال عرب استنبطنا ونبط استعر بنا قال فحرب انتم ام سلم قال سلم قال فما بال هذه الحصون قال بنياناها للسفيه حتى يجيء الحليم فينهاه قال كم أتت عليك سنة قال خمسون وثلثمائة قال ما ادركت قال ادركت سفن البحر ترفأ الينا في هذا الجرف ورأيت المرأة من اهل الحيرة تأخذ مكتلها على رأسها ولا تتزود الا رغيفا واحدا فلا تزال في قرى مخصبة متواتره حتى ترد الشام ثم قد اصبحت خرابا يبابا وذلك دأب الله في العباد والبلاد وأتى أزهر بن عبد الحارث رجلا من بني يربوع فقال ألا ادخل قال وراءك أوسع لك فقال ان الشمس أحرقت رجلي قال بل عليهما تبرد قال يا آل يربوع قال ذليلا دعوت يا بني حريص اطعمتكم عاما اول جلة فأكلتم جلتكم وأغرتم على جلة الضيفان وقال الحجاج لرجل من الخوارج أجمعت القرآن قال امتفرقاكان فأجمعه قال أتقرا ظاهرا قال بل أقرؤه وأنا انظر اليه قال اتحفظه قال أخشيت فراره فأحفظه قال ماتقول في أمير المؤمنين عبد الملك قال لعنة الله ولعنك معه قال إنك مقتول فكيف تلقى الله قال ألقاه بعملي وتلقاه بدمي وقال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني إزحم العلماء بركبتيك ولا تجادلهم فيمقتوك وخذ من الدنيا بلاغك وأنفق فضول كسبك لاخرتك ولا ترفض الدنيا كل الرفض فتكون عيالا وعلى اعناق الرجال كلا وصم يوما يكسر شهوتك ولا تصم يوما يضر بصلواتك فان الصلاة افضل من الصوم وكالأب لليتيم وكالزوج للأرملة ولا تحاب القريب ولا تجالس السفيه ولا تخالط ذا الوجهين البتة وسمع الاحنف رجلا يطري يزيد عند معاوية فلما خرج من عنده اسحنفر في ذمهما فقال الاحنف مه ان ذا الوجهين لا يكون عند الله وجيها وقال سعيد بن أبي عروبة لان يكون لي نصف وجه ونصف لسان على ما فيهما من قبح المنظر وعجز المخبر احب إلي من ان اكون ذا وجهين وذا لسانين وذا قولين مختلفين وقال أيوب السختياني النمام ذو الوجهين أحسن الاستماع وخالف في الأبلاغ كتاب عمرالى معاوية قال حفص بن صالح الازدي عن عامر الشعبي كتب عمر الى معاوية أما بعد فاني كتبت اليك بكتاب في القضاء لم الك ونفسي في خيرا الزم خمس خصال يسلم لك دينك وتأخذ فيه بأفضل حظك اذا تقدم اليك الخصمان فعليك بالبينة العادلة واليمين القاطعة وأدن الضعيف حتى يشتد قلبه وينبسط لسانه وتعهد الغريب فانك ان لم تتعهده ترك حقه ورجع الى أهله وانما ضيع حقه من لم يرفق به وآس بينهم في لحظك وطرفك وعليك بالصلح بين الناس ما لم يستبن لك فصل القضاء وروى ابو يوسف عن العرزمي عمن حدثه عن شريح ان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كتب اليه لا تشار ولا تمار ولا تبع ولا تبتع في مجلس القضاء ولاتقض بين اثنين وانت غضبان وقال عمر بن عبدالعزيز اذاكان في القاضي خمس خصال فقد كمل علم ما كان قبله ونزاهة عن الطمع وحلم عن الخصم واقتداء بالائمة ومشاورة أهل الرأي وقال الهلالي لما ولي يزيد بن معاوية سلم بن زياد على خراسان قال له ان أباك كفى أخاه عظيما وقد استكفيتك صغيرا فلا تتكلن على عذر مني لك فقد اتكلت على كفاية منك وإياك مني قبل ان اقول إياي منك فان الظن اذا أخلف منك أخلف مني فيك وأنت في أدنى حظك فاطلب أقصاه وقد اتعبك ابوك فلا تريحن نفسك وكن لنفسك تكن لك واذكر في يومك أحاديث غدك تسعد ان شاء الله تعالى ومما قالوا في التشديق وفي ذكر الاشداق قال المازني من كان يزعم ان بشرا ملصق فالله يحزيه وربك أعلم ينبيك ناظره وقلة لحمه وتشادق فيه ولون اسحم ان الصريح المحض فيه دلالة والعرق منكشف لمن يتوسم أما لسانك واحتباؤك قاعدا فزرارة العدسي عندك أعجم إني لأرجو ان يكون مقالهم زورا وشانئك الحسود المرغم وفي مثل ذلك يقول مورق العبدي قد علم الغربي والمشرق أنك في القوم صميم ملصق عوداك نبع وهشيم بورق وأنت جدب وربيع مغدق وأنت ليل ونهار مشرق لولا عجوز قحمة ودردق وصاحب جم الحديث مونق كيف الفوات والطلوب مورق شيخ مغيظ وسنان يبرق وحنجر رحب وصوت مصلق وشدق ضرغام وناب يحرق وشاعر باقي الرسوم مفلق
باب في صفة الرائد للغيث وفي نعته للارض
قال ابو المجيب وصف رائد أرضا جدبة فقال اغبرت جادتها وذرع مرتعها وقضم شجرها ورقت كرشها وخور عظمها والتقى سرحاها وتميز اهلها ودخل قلوبهم الوهل وأموالهم الهزل قال الجادة الطريق الى الماء والجمع جواد والتقى سرحاها يقول اذا أكل كل سارح ما يليه التقيا عندالماء واذا لم يكن للجمال مرعى الا الشجر وحده رقت اكراشه وقوله تميز أهلها تفرقوا في طلب الكلأ ومرتع مذرع اذا كان بعيدا من الماء ومرتع قاصر اذا كان قريبا من الماء ويقولون كلأ قاصر للقريب ويقولون ماء مطنب وماء مطلب اذا ألجأهم الى طلبه من بعده ووصف اعرابي ارضا أحمدها فقال خلع شيحها وأبقل رمثها وخضب عرفجها واتسق نبتها وأخضرت قريانها واخوصت بطنانها وأحلست اكمامها وأعتم نبت جراثيمها وأجرت بقلتها وذرقتها وخبازتها واحورت خواصر إبلها وشكرت حلوبتها وسمنت قتوبتها وعمد ثراها وعقدت تناهيها واماهت ثمارها ووثق الناس بصائرها قال ويقال خلع الشيح اذا أورق الخالع من العضاه الذي لا يسقط ورقه ابدا وكذلك السدر لا يتجرد وكل شجر له شوك فهو عضاه والواحد عضه الا القتاد ولا يعبل الا الارطى ويقال كلح الشجر اذا اخوصت بطنانها اذا نبت فيه قضبان رقاق وخضب عرفجها يقول اسود واخوص الشجر وهو الذي لا شوك له ومن العضاه قشره وقصده فاذا يبست فهي عود اتسق نبتها اي تتام اجرت بقلتها اي نبت فيها مثل الجراء جمع جرو والعلفة ثمرة الطلح والحلبة للسلم واحورت خواصر ابلها تشد احناها على خواصرها كي لا تحبط والحبط انتفاخ بطنها من مرعى ترعاه قيل للنبي أيضر العبط قال نعم كما يضر الحبط وشكرت يقول غزرت وقوله عمد ثراها وذلك اذا قبضت منه على شيء فتعقد واجتمع من ندوته يقال عمد الثرى يعمد عمدا وهو ثري عمد فالعمد ان يجاوز الثرى المنكب وهو ان تقيس السماء بالمرفق فيقول بلغت وضع الكف ثم الرسغ ثم العضمة ثم المرفق ثم ينصف العضد ثم يبلغ المنكب فاذا بلغ المنكب قيل عمد الثرى فيقال ان ذلك حيا سنين والتناهي واحدتها تنهية وهو مستقر السيل وعقدها ان يمر السيل مقبلا حتى اذا انتهى منتهاه دار بالابطح حتى يلتقي طرفا السيل والصائرة الكلأ والماء خطبة عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث قالوا قاتل الحجاج ابن الاشعث في المربد فخطب ابن الاشعث الناس فقال ايها الناس انه لم يبق من عدوكم الا كما يبقى في ذنب الوزغة تضرب بها يمينا و شمالا فما تلبث الا ان تموت فمر به رجل من بني قشير فقال قبح الله هذا ورأيه يأمر اصحابه بقلة الاحتراس ويعدهم الاضاليل ويمنيهم الباطل وناس كثير يرون ان ابن الاشعث هو المحسن دون القشيري قال بشار وحمد كعصب البرد حملت صاحبي الى ملك للصالحات قرين وقال آخر وبكر كنوار الرياض حديثها تروق بوجه واضح وقوام قال ابو الحسن كان معاوية يأذن للاحنف اول من يأذن له فأذن له يوما ثم اذن لمحمد بن الاشعث حتى جلس بين معاوية والاحنف فقال له معاوية لقد احسست من نفسك ذلا اني لم اذن له قبلك الا ليكون الي في المجلس دونك وإنا كما نملك اموركم نملك تأديبكم فأريدوا ما يراد بكم فانه ابقى لنعمتكم وأحسن لأدبكم وقال النبي لأصيل الخزاعي يا أصيل كيف تركت مكة قال تركتها وقد احجن ثمامها وأمشر سلمها واعذق إذخرها فقال دع القلوب تقر وسأل ابو زياد الكلابي الصقيل العقيلي حين قدم من البادية عن طريقه فقال انصرفت من الحج فأصعدت الى الربذة في مقاط الحرة ووجدت بها صلالا من الربيع من خضمة خمص وصليان وقرمل حتى لو شئت لأنخت إبلي في أذن الماء فلم أزل في مرعى لا احسن منه شيئا حتى بلغت أهلي
وقال سلام الكلابي رأيت ببطن فلج منظرا من الكلأ لا انساه وجدت الصفراء والحمراء يضربان نحور الإبل تحتها قفعاء وحربث قد اطاع وأمسك بأفواه الماء اي لا تقدر ان ترفع رؤوسها وتركت الحوذان ناقعة في الاجارع وذم أرضا فقال وجدنا ارضا ما حلة مثل جلد الاجرب تصيء حياتها ولا يسكت ذيبها ولا يقيد راكبها وقال النضر قلت لأبي الخضير ما اعجب ما رأيت من الخصب قال كنت اشرب رثئة تجرها الشفنان جرا وقارصا ممارصا اذا تجشأت جدع أنفي ورأيت الكمأة تدوسها الإبل بمناسمها والوضر يشمه الكلب فيعطس قال الأصمعي قال المنتجع بن نبهان قال رجل من اهل البادية كنت ارى الكلب يمر بالخصفة عليها الخلاصة فيشمها ويمضي عنها وقال محمد بن كناسة أخبرني بعض فصحاء أعراب طي قال بعث قوم رائدا فقالوا ما وراءك قال عشب وتعاشيب وكمأة متفرقة شيب تقلعها بأخفافها النيب قالوا لم تصنع شيئا هذا كذب فأرسلوا آخر فقالوا ما وراءك قال عشب تأد مأد مولى وعهد متدارك جعد كأفخاذ نساء بني سعد تشبع منه الناب وهي تعد وقال لان النبت اذا كان قليلا وقفت عليه الإبل واذا كان كثيرا أمكنها الأكل وهي تعدو وقالوا بعث رجل أولاده يرتادون في خصب فقال أحدهم رأيت بقلا وماء غيلا يسيل سيلا وخوصة تميل ميلا يحسبها الرائد ليلا وقال الثاني رأيت ديمة على ديمة في عهدها غير قديمة وكلأ تشبع منها الناب قبل العظيمة وقال أبو مجيب قيل لأوفى بن عبيد ائت وادي كذا وكذا فارتده لنا فقال وجدت به خشبا هرمي وعشبا شرمي قال والهرمي ليس له دخان اذا أوقد من يبسه وقدمه والشرمي العشب الضخم يقال هذا عشب شرم وقال هرم بن زيد الكلبي اذا أحيا الناس قيل قد اكلأت الارض واخرنفشت العنز لأختها ولحس الكلب الوضر وقال آخر نفاش العنز ان ينتفش شعرها وتنصب روقيها في احد شقيها لتنطح صاحبتها وانما ذلك من الاشر حين ازدهت وأعجبتها نفسها ولحس الكلب الوضر لما يفضلون منهم لانهم في الجدب لا يدعون للكلب شيئا يلحسه
قال أبو مجيب اذا اجدب الرائد قال وجدت ارضا أرمى عشمى فأما العشمي فالتي يرى فيها الشجر الاعشم وإنما يعشم من الهبوة ويقال للشيخ إنما هو عشمة فأما الارمى فالتي أرمت فليس فيها اصل شجرة قال ابو عبيدة قال بعض الاعراب تركت جرادا عرادا كأنها نعامة باركة بريد التفاف نبتها وهي من نبت بلاد تميم وقيل لاعرابي ما وراءك قال خلفت ارضا تظالم معزاها يقول سمنت واشرت فتظالمت وتقول العرب ليس أظلم من حية وتقول العرب ليس أظلم من ورل واظلم من ذئب كما تقول اغدر من ذئب وكما تقول اكسب من ذئب قال الاسدي لعمرك لو أني اخاصم حية الى فقعس ما انصفتني فقعس اذا قلت مات الداء بيني وبينهم اتى حاطب منهم لآخر يقبس فما لكم طلسا إلي كأنكم ذئاب الغضا والذئب بالليل أطلس وقال الفزاري ولو أخاصم أفعى نابها لثق اوالأساود من صم الأهاضيب ولو أخاصم ذئبا في أكيلته لجاءني جمعهم يسعى مع الذيب يقول بلغ من ظلم قومنا لنا أنا لو خاصمنا الذئاب والحيات وبها يضربون المثل في الظلم لقضوا لهما علينا وقالت العرب اذا شبعت الدقيقة لحست الجليلة هذا في قلة العشب وانما تلحسه الناقة لقلته وقصره وحدثنا ابو زياد الكلابي قال بعث قوم رائدا لهم بعد سنين تتابعت عليهم فلما رجع اليهم قالوا له ما وراءك قال رأيت بقلا يشبع منه الجمل البروك وتشكت منه النساء وهم الرجل بأخيه قال اما قوله الجمل البروك يقول لو قام قائما لم يتمكن منه لقصره واما قوله وتشكت منه النساء فانه مأخوذ من الشكوة والشكاء اصغر الوطاب يقول لم يكثر اللبن بعد فيمخض في الوطاب وقوله وهم الرجل بأخيه اي هم ان يدعوه الى منزله كما يصنعون في ايام الخصب وقال غيره الخصب يدعو الى طلب الطوائل وغزو الجيران والى ان يأكل القوي من هو اضغف منه وقالوا في الكلأ كلأ تشبع منه الابل معقلة وكلأ حابس فيه كمرسل يقول من كثرته سواء عليك حبستها أو ارسلتها وتقول كلأ يتجع منه كبد المصرم وأنشد الباهلي ثم مطرنامطرة رويه فنبت البقل ولا رعيه وأنشد الاصمعي فجنبك الجيوش أبا زنيب وجاد على مسارحك السحاب يجوز ان يكون دعاء عليه وان يكون دعاء له وقال الأخر أمرعت الارض لو ان مالا لو ان نوقا لك أو جمالا أو ثلة من غنم إمالا وقال ابن الاعرابي سأل الحجاج رجلا قدم من الحجاز عن المطر فقال تتابعت علينا الاسمية حتى منعت السفار وظالمت المعزى واحتلبت الدرة بالجرة قال لقيط دخل رجل على الحجاج فسأله عن المطرفقال ما اصابني من مطر ولكني سمعت رائدا يقول هلم أظعنكم الى محلة تطفأ فيها النيران وتتنافش فيها المعزى وتبقى بها الجرة حتى تتنزل الدرة وقال ابو زيدتخاصمت امرأتان الى ابنة الخس في مراعي ابويهما فقالت الاولى إبل ابي ترعى الأسيلح قالت ابنة الخس رغوة وصريح وسنام إطريح قالت الاخرى مرعى إبل ابي الخلة قالت ابنة الخس سريعة الدرة والجرة وقال الاحوص بن جعفر بعدما كبر وعمي وبنوه يسوقون به اي شيء ترتعي الابل قالوعرف الثمام والغمضة قال سوقوا ثم أنها عادت فارتعت بمكان آخر فقال اي شيء ترتعي الابل قالوا العضاه والغمضة قالوا عود عويد شبع بعيد وقال سوقوا حتى اذا بلغوا بلدا آخر قال اي شيء ترتعي الابل قالوا نصيا وصليانا قال مكفية لرعائها مطولة لذراها أرعوا واشبعوا ثم سألهم فقال اي شيء ترتعي الابل قالوا الرمث قال خلقت منه وخلق منها
قال ابو صاعد وزعم الناس انا اول ما خلقت الابل من الرمث وعلامة ذلك انك لا ترى دابة تريده الا الابل وقيل لرؤبة ما وراءك قال الثرى يابس والمرعى عابس وقالت امرأة من الاعراب أصبحنا ما يرقد لنا فرس وماينام لنا حرس قالوا كان ابو المجيب كثيرا ما يقول لا أرى امرأة تصبر عينيها ولا شريفا يهنأ بعيرا ولا امرأة تلبس نطاق يمنة وخطب بلال بن ابي بردة بالبصرة فعرف أنهم قد استحسنوا كلامه فقال لا يمنعكم سوء ماتعلمون منا ان تقبلوا أحسن ماتسمعون منا وقال عمر بن عبد العزيز ما قوم أشبه بالسلف من الاعراب لولا جفاء فيهم وقال غيلان ابو مروان اذا أردت ان تتعلم الدعاء فاسمع دعاء الاعراب قال رجل من بني سليم وسأله الحجاج عن المطر فقال أصابتنا سحائب ثلاث سحابة بحوران بقطر صغار وقطر كبارفكان الصغار للكبار لحمة ثم أصابتنا الثانية بسوء فلبدت الدماث ورحضت العزاز وأسالت التلاع وحرقت الرجع وصدعت الكمأة عن أماكنها ثم أصابتنا الثالثة بالقريتين فملأت الآحاد وأفعمت كل واد وأقبلنا في ماء البحر الضبع ويستخرجها من وجارها وقال رجل من بني أسد لمحمد بن مروان وسأله عن المطر فقال ظهر الاعصار وكثر الغبار وأكل ما أشرف من الخبئة وأيقنا انه عام سنة قال ابو الحسن بن العتاب عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ان الاسكندر كان لا يدخل مدينة إلا هدمها وقتل أهلها حتى مر بمدينة كان مؤدبة فيها فخرج إليه فألطفه الاسكندر وأعظمه فقال له ايها الملك ان أحق من زين لك أمرك وآتاك على كل ما هويت لأنا وان اهل هذه المدينة قد طمعوا فيك لمكاني منك وأحب ان لا تشفعني فيهم وان تخالفني في كل ما سألتك لهم فأعطاه من ذلك مالا يقدر على الرجوع عنه فلما توثق منه قال فان حاجتي ان تدخلها وتخربها وتقتل اهلها قال ليس الى ذلك سبيل ولا بد من مخالفتك وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أفضل العبادة الصمت وانتظار الفرج
وقال يزيد بن المهلب وقد طال عليه حبس الحجاج والهفاه على فرج في جبهة اسد وطلبه بمئة ألف قال الاصمعي دخل درست بن رباط الفقيمي على بلال بن ابي بردة وهو في الحبس فعلم بلال انه شامت به فقال بلال ما يسرني بنصيبي من الكره حمر النعم فقال درست فقد اكثر الله لك منه قال الهيثم بن عدي كان سجان يوسف بن عمر يرفع الى يوسف بن عمر أسماء الموتى فقال له بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري اقبض هذه العشرة الآلاف درهم وارفع اسمي في الموتى قال فرفع اسمه في الموتى فقال يوسف بن عمر جئني به فرجع إليه فاعلمه فقال ويحك اتق الله في فاني اخاف القتل قال وانا ايضا أخاف ما تخاف ثم قال قتلك أهون من قتلي ولا بد من قتلك فوضع على وجهه مخدة فذهبت نفسه مع المال وأماعبد الله بن المقفع فان صاحب الاستخراج لما ألح عليه في العذاب قال لصاحب الاستخراج أعندك مال وانا أربحك ربحا ترضاه وقد عرفت وفائي وسخائي وكتماني فعيني مقدار هذا النجم فأجابه الى ذلك فلما صار عليه مال ترفق به مخافة ان يموت تحت العذاب فيتوى ماله وقال رجل لعمرو الغزال مررت بك البارحة وانت تقرأ قال لو أخبرتني اي آية كنت فيها لأخبرتك كم بقي من الليل وسمع مؤرج البصري رجلا يقول امير المؤمنين يرد على المظلوم فرجع الى مصحفه فرد على براءة بسم الله الرحمن الرحيم وكان عبد الملك بن مروان في مرضه الذي مات فيه يعطش وقيل له ان شربت الماء مت فأقبل ذات يوم بعض العواد فقال كيف حال امير المؤمنين قال انا صالح الحمد لله ثم أنشأ يقول ومستخبر عنا يريد بنا الردى ومستخبرات والعيون سواجم ويلكم اسقوني ماء ولوكان فيه تلف نفسي فشرب ثم مات وكان حبيب بن مسلمة الفهري رجلا غزاء للترك فخرج ذات مرة الى بعض غزواته فقالت له امرأته اين موعدك قال سرادق الطاغية أو الجنة ان شاء الله تعالى قالت اني لأرجو ان اسبقك الى اي الموضعين كنت به فجاء فوجدها في سرادق الطاغية تقاتل الترك ولما مدح الكميت بن زيد الاسدي مخلد بن يزيد المهلب قال له ابن بيض انك يا أبا المستهل لكالجالب التمر الى هجر قال نعم ولكن تمرنا أجود من تمركم وكان السيد الحميري مولعا بالشراب فمدح امير من امراء الاهواز ثم صار اليه بمديحه له فلم يصل اليه وأغب الشراب فلما كان ذات يوم شرب ثم وصل اليه فجلس من بعد فقربه وشم منه ريح الشراب فقال له ماكنت اظن ابا هاشم يفعل هذا ولكن يحتمل لمادح آل رسول الله اكثر من هذا يمازحه ثم قال يا جارية هلمي الدواة ثم كتب الى بعض وكلائه ادفع الى ابي هاشم مئتي دورق ميتحنحا قال السيد لقد كنت أظن الامير أبلغ مما هو قال وأي شيء رأيت من العي قال جمعك بين حرفين وأنت تجتزى ء بأحدهما أمح هذه الخشية بحنحا ودع ميتا على حالها ففعل وحمل الكتاب فأخذها غبيطا وقال عبد الله بن قائد قالت امرأة الحصين بن المنذر للحصين كيف سدت قومك وانت بخيل وانت دميم قال لأني سديد الرأي شديد الاقدام وقال مسلمة بن عبد الله لهشام بن عبدالملك كيف تطمع في الخلافة وأنت بخيل وأنت جبان قال لأني حليم وإني عفيف قال زبان ان بني بدر يراع جوف كل خطيب منهم مؤوف أهوج لا ينفعه التثقيف وقال لبيد بن ربيعة وأبيض يجتاب الخروق على الوجا خطيبا اذا التف المجامع فيصلا وقال في تفضيل العلم والخطابة وفي مدح الانصاف وذم الشغب ولقد بلوتك وابتليت خليقتي ولقد كفاك معلمي تعليمي وقال لبيد هب الذين يعاش في اكنافهم وبقيت في خلف كجلد الاجرب يتأكلون مغالة وخيانة ويعاب قائلهم وان لم يشغب وقال زيد بن جندب ما كان أغنى رجالا ضل سعيهم عن الجدال وأغناهم عن الخطب وقال لقيط بن زرارة إني اذا عاقبت ذو عقاب وان تشاغبي فذو شغاب وقال ابن احمر وكم حلها من تيحان سميذع مصافي الندى سار بيهاء مطعم طوى البطن متلاف اذا هبت الصبا على الأمر غواص وفي الحي شيظم وقال الاخر وأغر منخرق القميص سميذع يدعو ليغزو ظالما فيجاب قد مد أرسان الجياد من الوجا فكأنما أرسانها أطناب وقال الآخر كريم يغض الطرف عند خيانة ويدنو وأطراف الرماح روان وكالسيف ان لاينته لان متنه وحداه ان خاشنته خشنان وقال آخر يقطع طرفه عني سويد ولم أذكر بسيئة سويدا توق حداد شوك الارض تسلم وغير الأسد فاتخذن صيدا وقال آخر لاتحسبن الموت موت البلى فانما الموت سؤال الرجال كلاهما موت ولكن ذا أشد من ذاك لذل السؤال وللحسين بن مطير رأت رجلا أودى بوافر لحمه طلاب المعالي واكتساب المكارم خفيف الحشا ضربا كأن ثيابه على قاطع من جوهر الهند صارم فقلت لها لا تعجبن فانني أرى سمن الفتيان إحدى المشاتم وكان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه اذا رأى عبد الله بن عباس في الامر يعرض مع جلة اصحاب رسول الله يقول غص غواص وقال ابن أحمر هل لامني قوم لموقف سائل أوفي مخاصمة اللجوج الأصيد وقال لبيد بن ربيعة في التطبيق على قوله يا هرم بن الاكرمين منصبا انك قد أوتيت حكما معجبا فطبق المفصل واغنم طيبا وقال آخر فلما ان بدا القعقاع لجت على شرك تناقله نقالا تعاورن الحديث وطبقنه كما طبقت بالنعل المثالا وقال ابن أحمر لو كنت ذا علم وكيف لي بالعلم بعد تدبر الأمر وقال ليست بثوثاة الحديث ولا فتق مغالبة على الأمر وقال تضع الحديث على مواضعه وكلامها من بعده نزر وقال وخصم مضل في الضجاج تركته وقد كان ذا شغب فولى موائبا وذكر علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أكتل بن شماخ العكلي فقال الصبيح الفصيح وهواول من اتخذ بيت مال لنفسه في داره روى عبد الله بن المبارك عن معمر عن الحسن عن النبي ان قال سيكون بعدي أمراء يعطون الحكمة على منابرهم وقلوبهم أنتن من الجيف خطبة للحجاج جعفربن سليمان الضبعي عن مالك بن سليمان قال غدوت الى الجمعة فجلست قريبامن المنبر فصعد الحجاج المنبر ثم قال امرؤ زور عمله امرؤ حاسب نفسه امرؤ فكر فيما يقرأه في صحيفته ويراه في ميزانه امرؤ كان عند قلبه زاجرا وعند همه ذاكرا امرؤ اخذ بعنان قلبه كما يأخذ الرجل بخطام جمله فان قاده الى طاعة الله قبله وتبعه وان قاده الى معصية الله كفه وبعث عدي بن أرطأة الى المهالبة اباالمليح الهذلي وعبد الله بن عبد الله بن الأهتم والحسن البصري فتكلم الحسن فقال عبد الله والله ماتمنيت كلاما قط أحفظه إلا كلام الحسن يومئذ
وتنقص ابن لعبد الله بن عروة بن الزبير عليا رضي الله تعالى عنه فقال له أبوه والله ما بنى الناس شيئا قط الا هدمه الدين وما بنى الدين قط شيئا فاستطاعت الدنيا هدمه ألم تر الى علي كيف يظهر بنو مروان من عيبه وذمه والله لكأنما يأخذون بناصيته رفعا الى السماء وما ترى ما يندبون به موتاهم من التأبين والمديح والله لكأنما يكشفون به عن الجيف قال ابو الحسن قال عبد الله بن الحسن لابنه محمد حين أراد الاستخفاء أي بني اني مؤد اليك حق الله في حسن تأديبك فأد الي حق الله في حسن الاستماع اي بني كف الاذى وارفض البذاء واستغن عن الكلام بطول الفكر في المواطن التي تدعوك نفسك فيها الى القول فان للقول ساعات يضر فيها خطؤه ولا ينفع صوابه احذر مشورة الجاهل وان كان ناصحا كما تحذر مشورة العاقل اذا كان غاشا فانه يوشك ان يورطاك بمشورتهما فيسبق اليك مكر العاقل وتوريط الجاهل وكان يقال من لانت كلمته وجبت محبته ومن طال صمته اجتلب من الهيبة ما ينفعه ومن الوحشة ما يضره قول الانسان على قدر طبعه وخلقه قال قتيبة بن مسلم للحصين بن المنذر ما السرور قال امرأة حسناء ودار قوراء وفرس فاره مرتبط بالفناء وقيل لضرار بن الحسين ما السرور قال لواء منشور وجلوس على السرير والسلام عليك ايها الامير وقيل لعبد الملك بن صالح ما السرور قال كل الكرامة نلتها الا التحية بالسلام وقيل لعبد الله بن الاهتم ما السرور قال رفع الاولياء وحط الاعداء وطول البقاء مع القدرة على النماء وقيل للفضل بن سهل ما السرور قال توقيع جائز وأمر نافذ قال ابو الحسن المدائني قيل لانسان بحري اي شيء تتمنى قال شربة من ماء الفنطاس والنوم في ظل الشراع وريحا ذنبداذا وقيل لطفيلي كم اثنتين في اثنتين قال اربعة ارغفة وقال الفلاس القصاص كان اصحاب رسول الله يوم بدر ثلاثمائة وستين درهما وقلت لملاح لي وذلك بعد العصر في رمضان انظركم بين عين الشمس وبين موضع غروبها من الارض قال أكثر من مرديين ونصف وقال آخر وقع علينا اللصوص فأول رجل دخل علينا السفينة كان في طول هذا المردى وكانت فخذه اغلظ من هذا السكان واسود وجه صاحب السفينة حتى صار اشد سوادا من هذا القير وأردت الصعود مرة في بعض القناطر وشيخ ملاح جالس وكان يوم مطر وزلق فزلق حماري فكاد يلقيني بجنبي لكه تماسك فأقعى على عجزه فقال الشيخ الملاح لا إله إلا الله ما احسن ما جلس على كوثله ومررت بتل طين احمر ومعي ابو الحسين النحاس فلما نظر الى الطين قال اي اداري يجيء من هذا الطين ومررنا بالخلد بعدخرابه فقال اي اصطبلات تجيء من هذا الموضع وقيل لبعضهم ما المروءة قال طهارة البدن والفعل الحسن وقيل لمحمد بن عمران ما المروءة قال العفة والحرفة وقال طلحة بن عبيدالله المروءة الظاهرة الثياب الطاهرة وقيل لابي هريرة ما المروءة قال تقوى الله واصلاح الصنيعة والغداء والعشاء بالافنية ونظر بكر بن الاشعر وكان سجانا مرة الى سور داربجالة بن عبدة فقال لا إله إلا الله اي سجن يجيء من هذا وقال انسان صيرفي باعني فلان عشرين جريبا ودانقين ونصفا ذهبا ونظر عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه الى عير مقبلة فقال لابي ذر ماكنت تحب ان تحمل هذه فقال أبو ذر رجالا كأمثال عمر وقيل للزهري ما الزهد في الدنيا قال اما انه ليس بشعث اللمة ولا قشف الهيئة ولكنه ظلف النفس عن الشهوة وقيل الزهري ماالزهد في الدنيا قال ان لا يغلب الحرام صبرك ولا الحلال شكرك ونظر زاهد الى فاكهة في السوق فلما لم يجد ما يبتاعها عزى نفسه وقال يا فاكهة موعدي واياك الجنة قال مر المسيح صلوات الله وسلامه على نبينا وعليه بخلق من بني اسرائيل فشتموه فكلما قالوا شرا قال المسيح خيرا فقال له سمعان الصفا أكلما قالوا شرا قلت خيرا قال المسيح صلوات الله وسلامه على نبينا وعليه كل امرى ء يعطي ماعنده وقال بعضهم قيل لامرى ء القيس بن حجر ما أطيب عيش الدنيا قال بيضاء رعبوبة بالطيب مشبوبة بالشحم مكروبة وسئل عن الدنيا الاعشى فقال صهباء صافية تمزجها ساقية من صوب غادية وقيل مثل ذلك لطرفة فقال مطعم شهي وملبس دفي ومركب وطي وقال كان محمد بن راشد البجلي يتغدى وبين يديه شبوطة وخياط يقطع له ثيابا وراءه يلحظ الشبوطة فقال قد زعمت ان الثوب يحتاج الى خرقة فكم مقدارها قال ذراع في عرض الشبوطة ودخل آخر على رجل يأكل أترجة بعسل فأراد ان يقول السلام عليكم فقال عسليكم ودخلت جارية رومية على راشد البستي لتسأل به عن مولاتها فبصرت بحمار قد أدلى في الدار فقالت قالت مولاتي كيف أير حماركم فيما زعم أبو الحسن المدائني وأنشد ابن الاعرابي واذا أظهرت أمرا حسنا فليكن أحسن منه ما يسر فمسر الخير موسوم به ومسر الشر موسوم بشر وأنشد ابن الاعرابي أرى الناس يبنون الحصون وإنما غوائل اجال الرجال حصونها وان من الاعمال دونا وصالحا فصالحها يبقى ويهلك دونها وأنشد ابن الاعرابي حسب الفتى من عيشه زاد يبلغه المحلا خبز وماء بارد والظل حين يريد ظلا وقال بعض الاعراب وما العيش الا شبعة وتشرق وتمر كأخفاف الرباع وماء قال محمد بن حرب الهلالي قلت لأعرابي اني لك لواد وان لك من قلبي لرائد قال وأتيت أعرابيا في أهله مسلما عليه فلم أجده فقالت امرأته عشر الله خطاك أي جعلها عشرة أمثالها
وكان مسلم بن قتيبة يقول لم يضيع امرؤ صواب القول حتى يضيع صواب العمل ما يجب على الاباء للابناء قال ابو الحسن قال الحجاج لمعلم ولده علم ولدي السباحة قبل الكتابة فانهم يصيبون من يكتب عنهم ولا يصيبون من يسبح عنهم وقال ابو عقيل بن درست رأيت أبا هاشم الصوفي مقبلا من جهة النهر فقلت له في اي شيء كنت اليوم قال في تعليم ما ليس ينسى وليس لشيء من الحيوان عنه غنى قلت وما ذلك قال السباحة حدثنا علي بن محمد وغيره قال كتب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الى ساكني الامصار أما بعد فعلموا أولادكم السباحة والفروسية ورووهم ما سار من المثل وحسن من الشعر وقال ابن التوأم علم ابنك الحساب قبل الكتاب فان الحساب اكسب من الكتاب ومؤونة تعلمه أيسر ووجوه منافعه اكثر وكان يقال لا تعلموا بناتكم الكتاب ولا ترووهن الشعر وعلموهن القرآن ومن القرآن سورة النور وقال آخر بنو فلان يعجبهم ان يكون في نسائهم إباضيات ويؤخذون بحفظ سورة النور وكان ابن التوأم يقول من تمام ما يجب على الآباء من حفظ الابناء ان يعلموهم الكتاب والحساب والسباحة خطب رجل امرأة أعرابية فقالت له سل عني بني فلان وبني فلان وبني فلان فعدت قبائل قال وما علمهم بك قالت في كلهم قد نكحت قال أرى بك جلنفعة قد حزمتك الحزائم قالت لا ولكني جوالة بالرجل شمريس وقال الفرزدق لامرأته نوار كيف رأيت جريرا قالت رأيتك ظلمته اولا ثم شغرت عنه برجلك آخرا قال أنا أني قالت نعم أما إنه قد غلبك في حلوه وشاركك في مره وتغدى صعصعة بن صوحان عند معاوية يوما فتناول من بين يدي معاوية شيئا فقال يا ابن صوحان لقد انتجعت من بعيد قال من اجدب انتجع وبصر الفرزدق بجرير محرما فقال والله أفسدت على ابن المراغة حجه ثم جاءه مستقبلا له فجمزه بمشقص كان معه ثم قال إنك لاق بالمشاعر من منى فخارا فخبرني بمن انت فاخر فقال جرير لبيك اللهم لبيك ولم يجبه وأدخل مالك بن أسماء سجن الكوفة فجلس الى رجل من بني مرة فاتكأ المري عليه يحدثه حتى اكثر وغمه ثم قال هل تدري كم قتلنا منكم في الجاهلية قال مالك أما في الجاهلية فلا ولكني أعرف من قتلتم منا في الاسلام قال المري ومن قتلنا منكم في الاسلام قال أنا قد قتلتني وغما ودخل رجل من محارب قيس على عبد الله بن زيد الهلالي وهو عامل على أرمينية وقد بات في موضع غدير قريب منه فيه ضفادع فقال عبد الله للمحاربي ما تركتنا أشياخ محارب ننام في هذه الليلة لشدة أصواتها قال المحاربي أصلح الله الامير انها اضلت برقعا لها فهي في بغائه أراد الهلالي قول الأخطل تنق بلا شيء شيوخ محارب وما خلتها كانت تريش ولا تبري ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت فدل عليها صوتها حية البحر وأراد المحاربي قول الشاعر لكل هلالي من اللؤم برقع ولابن هلال برقع وقميص وقال العتبي رأين الغواني الشيب لاح بعارضي فأعرضن عني بالخدود النواضر وكن اذا أبصرنني أو سمعن بي سعين فرقعن الكوى بالمحاجر لئن حجبت عني نواظر أعين رمين بأحداق المها والجآذر فاني من قوم كرام أصولهم لأقدامهم صيغت رؤوس المنابر خلائف في الاسلام في الشرك قادة بهم وإليهم فخر كل مفاخر قال لبيد والشاعرون الناطقون اذا هم سلكوا طريق مرقش ومهلهل وقال آخر ام من لباب اذا ما اشتد حاجبه ام من لخصم بعيد الغور مغوار وقال حاجب بن دينار المازني
نحن بنو الفحل الذي سال بوله بكل بلاد لا يبول بها فحل أبى الناس والاقلام ان يحسبوهم اذا حصل الاخماس أو يحسب الرمل فان غضبوا شدوا المشارف منهم ملوك وحكام كلامهم فصل وقال أعرابي من بني حنيفة وهو يمتح مر الجراد على زرعي فقلت له إلزم طريقك لا تولع بإفساد فقام منهم خطيب فوق سنبلة إنا على سفر لابد من زاد وقال آخر يهجو بعض الخطباء يمان ولا يمون وكان شيخا شديد اللقم صلقاما خطيبا ذهب الى قول الاحوص ذهب الذين احبهم فرطا وبقيت كالمقمور في خلف من كل مطوي على عنق متضجع يكفى ولا يكفي وقال الحسن بن هانيء اذا نابه أمر فإما كفيته وإما عليه بالكفي تشير وقال آخر ذريني لا أعيا بما حل ساحتي أسود و أكفى أو أطيع المسودا وقال بشار وفي العبرات الغر صبر على الندى أولئك حي من حزيمة أغلب وألأم من يمشي ضبيعة إنهم زغانف لم يخطب اليهم محجب كذلك قول أعشى بني ثعلبة ما ضر غازي نزار ان يفارقه كلب وجرم اذا أبناؤه اتفقوا قالت قضاعة إنا من ذوي يمن الله يعلم مابروا ولا صدقوا يزداد لحم المناقي في منازلنا طيبا اذا عز في أعدائنا المرق وما خطبنا الى قوم بناتهم إلا بأرعن في حافاته الحرق قوله خطبنا ههنا من الخطبة وقولهم في الشعر الاول من الخطبة وقال بلعاء بن قيس أبيت لنفسي الخسف لما رضوا به ودليتهم شتمي وما كنت مفحما وقال بلعاء بن قيس لسراقة بن مالك بن جعثم
ألا أبلغ سراقة بن مالك فبئس مقالة الرجل الخطيب أترجو ان تؤود بظعن ليث فهذا حين تبصر من قريب وقال منصور الضبي ليت الفتى عجردا منا مكانهم وليتهم من وراء الاخضر الجاري قد قام سيدهم عمران يخطبهم ما كان للخير عمران بأمار تقول العرب الخلة تدعو الى السلة وكانوا اذا أسروا أسيرا قال المادح أسره في مزاحفة ولم يأسره في سلة وفي الحديث لا اسلال ولا أغلال وفي المثل الحاجة تفتح باب المعرفة ونذكر هنا أبيات شعر تصلح للرواية والمذاكرة قال سويد المرائد الحارثي أو غيره بني عمنا لاتذكروا الشعر بعدما دفنتم بصحراء الغميم القوافيا فلسنا كمن كنتم تصيبون سلة فنقبل عقلا أو نحكم قاضيا ولكن حكم السيف فيكم مسلط فنرضى اذا ما أصبح السيف راضيا فان قلتم إنا ظلمنا فانكم بدأتم ولكنا أساءنا التقاضيا وقد ساءني ما جرت الحرب بيننا بني عمنا لو كان امرا مدانيا وقال ضابيء بن حارث ورب امور لا تضيرك ضيره وللقلب من مخشاتهن وجيب وقال حارثة بن بدر وقل للفؤاد ان نزا بك نزوة من الروع أفرخ اكثر الروع باطله وقال لبيد واكذب النفس اذا حدثتها ان صدق النفس يزري بالأمل وقال الشاعر وهوحبيب بن أوس الطائي وطول مقام المرء في الحي مخلق لديباجتيه فاغترب تتجدد فاني رأيت الشمس زيدت محبة الى الناس ان ليست عليهم بسرمد وقال آخر هوالشمس إلا ان للشمس غيبة وهذا الفتى الجرمي ليس يغيب يروح ويغدو ليس يفتر ساعة وان قيل ناء منك فهو قريب
وقال آخر خلافا لقولي من فيالة رأيه كما قيل قبل اليوم خالف فتذكرا وقال حارثه بن بدر اذا ما مت سر بني تميم على الحدثان لو يلقون مثلي عدو عدوهم أبدا عدوي كذلك شكلهم أبدا وشكلي وهذا شبيه بقول الاعشى علقتها عرضا وعلقت رجلا غيري وعلق اخرى غيرها الرجل وقال عمرو لمعاوية من أصبر الناس قال من كان رأيه رادا لهواه واختلفوا بحضرة الزهري في معنى قول القبائل فلان زاهد فقال الزهري الزاهد الذي لا يغلب الحرام صبره ولا الحلال شكره وقال ابن هبيرة وهو يؤدب بعض بنيه لا تكونن اول مشير واياك والهوى والرأي الفطير وتجنب ارتجال الكلام ولا تشر على مستبد ولا على وغد ولا على متلون ولا على لجوج وخف الله في موافقة هوى المستشير فان التماس موافقته لؤم وسوء الاستماع منه خيانة وقال من كثر كلامه كثر سقطه ومن ساء خلقه قل صديقه وقال عمر للاحنف من كثر ضحكه قلت هيبته ومن اكثر من شيء عرف به ومن كثر مزاحه كثرسقطه ومن كثر سقطه قل ورعه ومن قل ورعه ذهب حياؤه ومن ذهب حياؤه مات قلبه وصية المهلب لبنيه وقال المهلب يا بني تباذلوا تحابوا وان بني الأم يختلفون فكيف بنو العلات ان البر ينسأ في الاجل ويزيد في العدد وان القطيعة تورث القلة وتعقب النار بعد الذل واتقوا زلة اللسان فان الرجل تزل رجله فينتعش ويزل لسانه فيهلك وعليكم في الحرب بالمكيدة فانها أبلغ من النجدة فان القتال اذا وقع وقع القضاء فان ظفر فقد سعد وان ظفر به لم يقولوا فرط ولقي الحسين رضي الله تعالى عنه الفرزدق فسأله عن الناس فقال القلوب معك والسيوف عليك والنصر في السماء وقال بعضهم حجب اعرابي على باب سلطان فقال
اهين لهم نفسي لأكرمها بهم ولا يكرم النفس الذي لا يهينها وقال جرير قوم ذا حضر الملوك وفودهم نتفت شواربهم على الابواب وقال آخر نهيت جميع الحضر عن ذكر خطة يدبرها في رأيه ابن هشام فلما وردت الباب أيقنت أننا على الله و السلطان غير كرام وقال آخر وافى الوفود فوافى من بني جمل بكر الحمالة قاني السن عرزوم وقال تميم فديتك ان لا تسمعيني ملامة ولا تنكثي قرح الفؤاد فييجعا وقال آخر قليل التشكي للمصائب ذاكرا من اليوم اعقاب الاحاديث في غد وقالوا اشد من الموت ما يتمنى له الموت وقال الفرزدق وهو يصف طعنة يود لك الأدنون لومت قبلها يرون بها شرا عليك من القتل وقيل للاحنف ما بلغ من حزمك قال لا ألي ما كفيت ولا أضيع ما وليت وقال آخر لا تقيموا ببلاد ليس فيها نهر جار وسوق قائمة وقاض عدل و قالولا تبنى المدن الا على الماء والمرعى والمحتطب وقال مالك بن دينار لربما رأيت الحجاج يتكلم على منبره ويذكر حسن صنيعه الى اهل العراق وسوء صنيعهم اليه حتى انه ليخيل إلي انه صادق مظلوم قال ابو عبد الله الثقفي عن عمه سمعت الحسن يقول لقد وقذتني كلمة سمعتها من الحجاج قلت وان كلام الحجاج ليقذك قال نعم سمعته على هذه الاعواد يقول ان امرأ ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لحري ان تطول عليها حسرته وقال بعضهم كان يقال ما وجدنا احدا أبلغ في خير وشر من صاحب عبد الله بن سلمة دخل الزبرقان بن بدر على زياد وقد كف بصره فسلم تسليما جافيا فأدناه زياد فأجلسه معه وقال يا أبا عياش القوم يضحكون من جفائك قال وان ضحكوا فوالله ان منهم رجلا إلا يود أني ابوه دون ابيه لغية أو لرشده ونظر هشام بن عبد الملك الى قبر عثمان بن حيان المري فقال جثوة من جثى النار وكان يقال صاحب السوء قطعة من النار والسفر قطعة من العذاب وكان يقال عذابان لا يكثرث لهما الداخل فيهما السفر الطويل والبناء الكثير وقال رجل من أهل المدينة من ثقل على صديقه خف على عدوه ومن اسرع الى الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون وقال سهل بن هرون ثلاثة يعودون الى أجن المجانين وان كانوا اعقل العقلاء الغضبان والغيران والسكران فقال له ابو عبدان المخلع الشاعر ما تقول في المنعظ فضحك حتى استلقى ثم قال وما شر الثلاثة أم عمرو بصاحبك الذي لا تصبحينا وقال ابو الدرداء اقرب ما يكون العبد من غضب الله اذا غضب وقال ناس البخل قيد والغضب جنون والسكر مفتاح الشر وقال بعض البخلاء ما نصب الناس لشيء نصبهم لنا هبهم يلزموننا الذم فيما بيننا وبينهم ما لهم يلزموننا التقصير فيما بيننا وبين أنفسنا وقال ابراهيم بن عبد الله بن حسن لأبيه ما شعركثير عندي كما يصفه الناس فقال أبوه انك لن تضع كثيرا بهذا انما تضع بهذا نفسك وأنشد رجل عمربن الخطاب رضي الله تعالى عنه قول طرفة فلولا ثلاث هن من عيشة الفتى وجدك لم أحفل متى قام عودي فقال عمر لولا ان أسير في سبيل الله وأضع جبهتي لله وأجالس أقواما ينتقون أطايب الحديث كما ينتقون أطايب التمر لم أبال ان اكون قد مت وقال عامر بن عبد قيس ما آسى من العراق الا على ثلاث على ظمأ الهواجر وتجاوب المؤذنين واخوان لي منهم الاسود بن كلثوم وقال آخر ما آسى من البصرة الا على ثلاث رطب السكر وليل الخرير وحديث ابن ابي بكرة وقال سهل بن هرون ولكنني أبكي بعين سخينة على جلل تبكي له عين أمثالي فراق خليل أو شجى يستشفني لخلة أمر لا يقوم لها مالي فيا كبدي حتى متى القلب موجع بثكل حبيب أو تعذر إفضال وما العيش الا ان تطول بنائل والا لقاء الاخ ذي الخلق العالي وقال اعرابي لولا ثلاث هن عيش الدهر الماء والنوم وأم عمرو لماخشيت من مضيق القبر وقال الاحنف اربع من كن فيه كان كاملا ومن تعلق بخصلة منهن كان من صالحي قومه دين يرشده أو عقل يسدده أو حسب يصونه اوحياء يقناه وقال المؤمن بين اربع مؤمن يحسده ومنافق يبغضه وكافر يجاهده وشيطان يفتنه وأربع لسن أقل منهن اليقين والعدل ودرهم حلال وأخ في الله وقال الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما من أتانالم يعدم خصلة من أربع آية محكمة أو قضية عادلة أو أخا مستفادا أو مجالسة العلماء وقالوا من أعطى اربعا لم يمنع أربعا من أعطي الشكر لم يمنع المزيد ومن أعطى التوبة لم يمنع القبول ومن أعطى الاستخاوة لم يمنع الخيرة ومن أعطى المشورة لم يمنع الصواب قال ابو ذر الغفاري كان الناس ورقا لا شوك فيه فصاروا شوكا لا ورق فيه وقالوا تعامل الناس بالدين حتى ذهب الدين وبالحياء حتى ذهب الحياء وبالمروءة حتى ذهبت المروءة وقد صاروا الى الرغبة والرهبة وأحر بهما ان تذهبا وقال بعضهم دعا رجل علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه الى طعام فقال نأتيك على ان لا تتكلف لنا ما ليس عندك
وقال الحصين بن المنذر وكل خفيف الساق يسعى مشمرا اذا فتح البواب بابك إصبعا ونحن الجلوس الماكثون توقرا حياء الى ان يفتح الباب أجمعا وقال آخر ونفسك اكرمها فانك ان تهن عليك فلن تلقى لها الدهرمكرما اعتذر ابو عون الى إبراهيم النخعي فقال له اسكت معذورا فان الاعتذار يخالطه الكذب وقال ابو عمرو الزعفراني كان عمرو بن عبيد عند حفص بن سالم فلم يسأله احد من حشمه في ذلك اليوم شيئا الا قال لا فقال عمرو أقل من قول لا فانه ليس في الجنة قول لا وان رسول الله كان اذاسئل ما لا يجد قال يصنع الله ح قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه اكثروا لهن من قول لا فان قول نعم يضريهن على المسألة وانما خص عمر رضي الله تعالى عنه بذلك النساء كلمات لعلي بن أبي طالب في الدنيا وقال بعضهم ذم رجل الدنيا عند علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فقال علي الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار نجاة لمن فهم عنها ودار غنى لمن تزود منها ومهبط وحي الله ومصلى ملائكته ومسجد أنبيائه ومتجر أوليائه ربحوا فيها الرحمة واكتسبوا فيها الجنة فمن ذا الذي يذمها وقد آذنت ببينها ونادت بفراقها وشبهت بسرورها السرور وببلائها البلاء ترغيبا وترهيبا فيا ايها الذام للدنيا المعلل نفسه متى خدعتك الدنيا أم متى استذمت إليك أبمصارع آبائك في البلى ام بمضاجع أمهاتك في الثرى كم مرضت بيديك وكم عللت بكفيك تطلب له الشفاء وتستوصف له الاطباء غداة لا يغني عنه دواؤك ولا ينفعه بكاؤك وقال عمر رضي الله تعالى عنه ما بال احدكم ثاني وساده عند امرأته مغيبة ان المرأة لحم على وضم الا ما ذب عنه وقال بعضهم مات ابن لبعض العظماء فعزاه بعضهم فقال عش ايها الملك العظيم سعيدا ولا أراك الله بعد مصيبتك ما ينسيكها ولما توفي معاوية جلس ابنه يزيد ودخل عليه عطاء بن ابي صيفي الثقفي فقال يا أمير المؤمنين اصبحت وقد رزئت خليفة الله وأعطيت خلافة الله وقد قضى معاوية نحبه فغفر الله ذنوبه وقد أعطيت بعده الرئاسة ووليت السياسة فاحتسب عند الله اعظم الرزية وأشكره على أفضل العطية ولما توفي عبد الملك وجلس ابنه الوليد دخل عليه الناس وهم لا يدرون أيهنئونه ام يعزونه فأقبل غيلان بن مسلمة الثقفي فسلم عليه ثم قال يا أمير المؤمنين أصبحت قد رزئت خير الآباء وسميت خير الأسماء وأعطيت أعظم الأشياء فعظم الله لك على الرزية الصبر وأعطاك في ذلك نوافل الأجر وأعانك على حسن الولاية والشكر ثم قضى لعبد الملك بخير القضية وأنزله بأشرف المنازل المرضية وأعانك من بعده على الرعية فقال له الوليد من أنت فانتسب له قال في كم أنت قال في مائة دينار فألحقه بأهل الشرف ولما توفي المنصور دخل ابن عتبة مع الخطباء على المهدي فسلم قال أجر الله أمير المؤمنين على امير المؤمنين قبله وبارك الله لأمير المؤمنين فيماخلفه له امير المؤمنين بعده فما مصيبة اعظم من فقد امير المؤمنين ولا عقبى افضل من وراثه مقام امير المؤمنين فاقبل يا امير المؤمنين من الله افضل العطية واحتسب عند الله اعظم الرزية وكتب ميمون بن مهران الى عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى يعزيه عن ابنه عبد الملك فكتب اليه عمر كتبت الي تعزيني عن ابني عبد الملك وهذا أمر لم أزل انتظره فلما وقع لم انكره وقال الشاعر تعزيت عن أوفى بغيلان بعده عزاء وجفن العين ملان مترع ولم تنسني اوفي المصيبات بعده ولكن نكأ القرح بالقرح أوجع وقيل قدم ماعندك ولا تدخر عنا ما عندك وقال آخر كان شيخ يأتي ابن المقفع فألح عليه يسأله الغداء عنده وفي ذلك يقول انك تظن أني اتكلف لك شيئا لا والله لا اقدم اليك الا ما عندي قال فلما أتاه اذ ليس في منزله الا كسرة يابسة وملح جريش ووقف سائل بالباب فقال له بورك فيك فلما لم يذهب قال والله لئن خرجت اليك لأدقن ساقيك فقال ابن المقفع للسائل انك لو تعرف من صدق وعيده مثل ما أعرف من صدق وعده لم تراده كلمة ولم تقف طرفة عين وكان يقال اول العالم الصمت والثاني الاستماع والثالث الحفظ والرابع العمل به والخامس نشره وكان يقال لا وحشة اوحش من عجب ولا ظهير أعون من مشورة ولا فقر أشد من عدم العقل وقال مؤرق العجلي ضاحك معترف بذنبه خير من الباكي المدل على ربه وقال خير من العجب بالطاعة ان لا يأتي بطاعة وقال شبيب لأبي جعفر ان الله لم يجعل فوقك احدا فلا تجعلن فوق شكرك شكرا وقال اخر لأبي جعفر في اول ركبة ركبها ان الله قد رأى ان لا يجعل احدا فوقك فر نفسك اهلا ان لا يكون احد أطوع لله منك وسفه رجل على ابن له فقال والله لأنا أشبه بك منك بأبيك ولأنت أشد تحصينا لأمي من أبيك لأمك وقال عمرو بن عبيد لابي جعفر ان الله قد وهب لك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك منه ببعضها وقال الاحنف ثلاث لا أناة فيهن عندي قيل وما هن يا أبا بحر قال المبادرة بالعمل الصالح وإخراج ميتك وان تنكح الكفء أيمك وكان يقول لأفعى تحكك في ناحية بيتي أحب إلي من أيم رددت عنها كفؤا وكان يقال ما بعد الصواب إلا الخطأ وما بعد منعهن من الاكفاء إلا بذلهن للسفلة والغوغاء وكان يقال لا تطلبوا الحاجة الى ثلاثة الى كذوب فانه يقربها وان كانت بعيدة ويباعدها وان كانت قريبة ولا الى الاحمق فانه يريد ان ينفعك فيضرك ولا الى رجل له الى صاحب الحاجة حاجة فانه يجعل حاجتك وقاية لحاجته
وكان الاحنف يقول لا مروءة لكذوب ولا سؤدد لبخيل ولا ورع لسيء الخلق وقال الشعبي عليك بالصدق حيث ترى انه يضرك فانه ينفعك واجتنب الكذب في موضع ترى انه ينفعك فانه يضرك وقالوا لا تصرف حاجتك الى من معيشته من رؤوس المكاييل وألسنة الموازين وقالوا انفرد الله عز وجل بالكمال ولم يبرى ء احدا من النقصان وقال عامر بن الظرب العدواني يامعشر عدوان ان الخير ألوف عزوف ولن يفارق صاحبه حتى يفارقه واني لم أكن حليما حتى اتبعت الحلماء ولم أكن سيدكم حتى تعبدت لكم وقال الاحنف لان ادعى من بعيد احب الي من ان اقصى من قريب وكان يقول إياك وصدر المجلس وان صدرك صاحبه فانه مجلس قلعة وقال زياد ما اتيت مجلسا قط الا تركت منه ما لو أخذته كان لي وترك ما لي احب الي من اخذ ما ليس لي وقال الاحنف ما كشفت احدا عن حالي عنده الا وجدتها دون ماكنت أظن وأثنى رجل على علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فأفرط وكان علي له متهما فقال انا دون ما تقول وفوق ما في نفسك وكان يقال خمس خصال تكون في الجاهل الغضب في غير غضب والكلام في غير نفع والعطية في غير موضع والثقة بكل احد وان لا يعرف صديقه من عدوه وأثنى أعرابي على رجل فقال ان خيرك لسريح وان منعك لمريح وان رفدك لربيح وقال سعيد بن سلم كنت واليا بأرمينية فغبر ابو زهمان العلاتي على بابي اياما فلما وصل الي مثل بين يدي قائما بين السماطين وقال والله اني لأعرف أقواما لوعلموا ان سف التراب يقيم من أود أصلابهم لجعلوه مسكة لازما فيهم إيثارا للتنزه عن عيش رقيق الحواشي اما والله اني لبعيد الوثبة بطيء
العطفة انه والله ما يثنيني عليك الا مثل ما يصرفني عنك ولأن أكون مقلا مقربا أحب إلي من ان أكون مكثرا مبعدا والله ما نسأل عملا إلا نضبطه ولا مالا الا نحن أكثر منه وهذا الامر الذي صار في يديك كان في يد غيرك فأمسوا والله حديثا ان خبرا فخير وان شرا فشر فتحبب الى عباد الله بحسن البشر ولين الجانب فان حب عباد الله موصول بحب الله وبغضهم موصول ببغض الله لانهم شهداء الله على خلقه ورقباؤه على من اعوج عن سبيله ودخل عتبة بن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام على خالد بن عبدالله القسري بعد حجاب شديد وكان عتبة سخيا فقال خالد يعرض به ان ههنا رجالا يدانون في أموالهم فاذا فنيت أدانوا في أعراضهم فعلم عتبة انه يعرض به فقال أصلح الله الامير ان رجالا من الرجال تكون أموالهم اكثر من مروءاتهم فأولئك تبقى لهم أموالهم ورجالا تكون مروءاتهم اكثر من أموالهم فاذا نفدت ادانوا على سعة ما عند الله فخجل خالد وقال انك لمنهم ما علمت وقيل لعبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز هلا أحببت امير المؤمنين اذ سألك عن مالك قال انه ان استكثره حسدني وان استقله حقرني قال ابوالحسن وعظ عروة بنيه فقال تعلموا العلم فانكم ان تكونوا صغار قوم فعسى ان تكونوا كبار قوم آخرين ثم قال الناس بأزمانهم اشبه منهم بآبائهم واذا رأيتم من رجل خلة فاحذروه واعلموا ان عنده لها أخوات وقال رجل لرجل هب لي دريهما قال أتصغره لقد صغرت عظيما الدرهم عشر العشرة والعشرة عشر المائة والمائة عشر الالف والألف عشر الدية قال الاصمعي خرجت بالدارمي قرحة في جوفه فبزق بزقة خضراء فقيل له قد برئت اذا بزقتها خضراء قال والله لم يبق في الدنيا زمردة خضراء الا بزقتها ما نجوت مر الوليد بن عبد الملك بمعلم صبيان فرأى جارية فقال ويلك ما لهذه الجارية قال اعلمها القرآن قال فليكن الذي يعلمها اصغر منها
اسحق بن ايوب قال هرب الوليد بن عبد الملك من الطاعون فقال له رجل يا أمير المؤمنين ان الله يقول لن ينفعكم الفرار ان فررتم من الموت أو القتل واذا لا تمتعون الا قليلا قال ذلك القليل نريد وهرب رجل من الطاعون الى النجف ايام شريح فكتب اليه اما بعد فان الفرار لن يبعد اجلا ولن يكثر رزقا وان المقام لن يقرب اجلا ولن يقلل الرزق وان من بالنجف من ذي قدرة لقريب ودخل على الوليد فتى من بني مخزوم فقال له زوجني ابنتك فقال هل قرأت القران قال لا قال ادنوه مني فأدنوه فضرب عمامته بقضيب كان في يده وقرع رأسه به قرعات ثم قال لرجل ضمه اليك فاذا قرأ زوجناه ولما استعمل يزيد بن ابي مسلم بعد الحجاج قال انا كمن سقط منه درهم فوجد دينارا وقال يزيد لابن ابي مسلم قال ابي للحجاج انما انت جلدة ما بين عيني وانا اقول انك جلدة وجهي كله ومع هذا انه صعد المنبر فقال علي بن ابي طالب لص بن لص صب عليه شؤبوب عذاب فقال اعرابي كان تحت المنبر ما يقول اميركم هذا وفي قوله لص بن لص اعجوبتان احداهما رميه علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه انه لص والاخرى انه بلغ من جهله ما لم يجهله احد انه ضم اللام في لص قال بكر بن عبد العزيز الدمشقي سمعت الوليد بن عبد الملك على المنبر حين ولي الخلافة وهو يقول اذا حدثتكم فلا طاعة لي عليكم واذا وعدتكم فأخلفتكم فلا طاعة لي عليكم واذا أغربتكم فجمرتكم فلا طاعة لي عليكم فيقول مثل هذا الكلام ثم يقول لابيه يا امير المؤمنين اقتل ابي فديك وقال مرة اخرى يا غلام رد الفرسان الصادان عن الميدان وقال عبدالملك أضر بالوليد حبنا له فلم نوجهه الى البادية ولحن الوليد على المنبر فقال النكروس لا والله ان رايته على هذه الاعواد قط فأمكنني ان املأ عيني منه من كثرته في عيني وجلالته فاذا لحن هذا اللحن الفاحش صار عندي كبعض اعوانه وصلى يوما الغداة فقرأ السورة التي تذكر فيها الحاقة فقرأ يا ليتها كانت القاضية فبلغت عمر بن عبد العزيز فقال اما انه ان كان قالها انه لاحد الاحدين قالوا وكان الوليد ومحمد ابنا عبدالملك لحانين ولم يكن في ولده افصح من هشام ومسلمة وقال صاحب الحديث اخبرني ابي عن اسحق بن قبيصة قال كانت كتب الوليد تأتينا ملحونة وكذلك كتب محمد فقلت لمولى محمد ما بال كتبكم تأتينا ملحونة وانتم أهل الخلافة فأخبره المولى بقولي فاذا كتاب قد ورد علي اما بعد فقد اخبرني فلان بما قلت وما احسبك تشك ان قريشا افصح من الاشعرين والسلام ومن بني الصريم الصدي بن الخلق وفد به الحجاج على الوليد بن عبد الملك فقال له ممن انت فقال له من بني صريم قال له ما اسمك قال الصدي ابن الخلق قال دعا في عنقه خارجي خبيث هذا يدل على ان عامة بني صريم كانوا خوارج وكان منهم البرك الصريمي واسمه الحجاج الذي ضرب معاوية بالسيف وله حديث والخزرج بن الصدي ابن الخلق كان خطيبا وقال الشاعر في بني صريم أصلي حيث تدركني صلاتي وبئس الدين دين بني صريم قياما يطعنون على معد وكلهم على دين الخطيم قال الأصمعي وأبو الحسن دخل على الوليد بن عبدالملك شيخان فقال احدهما نجدك تملك عشرين سنة وقال الآخركذبت بل نجدك تملك ستين سنة فقال الوليد ما الذي قال هذا لائط بصفري ولا ما قال هذا يغر مثلي والله لأجمعن المال جمع من يعيش ابدا ولأفرقنه تفريق من يموت غدا وخطب الوليد فقال ان امير المؤمنين عبد الملك كان يقول ان الحجاج جلدة ما بين عيني ألا وانه جلدة وجهي كله باب اللحن بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى حدثنا ابو عثام يحيى عن الاعمش عن عمارة بن عمير قال كان ابو معمر يحدثنا فيلحن يتبع ما سمع
قال ابو الحسن أوفد زياد عبيد الله بن زياد الى معاوية فكتب اليه معاوية ان ابنمك كماوصفت ولكن قوم من لسانه وكانت في عبيد الله لكنه لانه كان نشأ بالأساورة مع امه مرجانة وكان زياد تزوجها من شيرويه الاسواري وكان قال مرة افتحوا سيوفتكم يريد سلوا سيوفكم فقال يزيد بن مفرغ ويوم فتحت سيفك من بعيد أضغت وكل أمرك للضياع ولما كلمه سويد بن منجوف في الهثات بن ثور قال له يا ابن البظراء فقال له سويد كذبت على نساء بني سدوس قال اجلس على أست الارض قال سويد ماكنت أحسب ان للأرض أستا قالوا قال بشر بن مروان وعنده عمر بن عبد العزيز لغلام له ادع لي صالحا فقال الغلام يا صالحا فقال له بشر ألق منها ألف فقال له عمر وانت فزد في ألفك ألفا وزعم يزيد مولى عون قال كان رجل بالبصرة له جارية تسمى ظمياء فكان اذا دعاها قال يا ضمياء بالضاد فقال له ابن المقفع قل يا ظمياء فناداها ياضمياء فلما غير عليه ابن المقفع مرتين أو ثلاثا قال هي جاريتي أو جاريتك قال نصر بن سيار لا تسم غلامك إلا باسم يخف على لسانك وكان محمد بن الجهم ولي المكي صاحب النظام موضعا من مواضع كسكر وكان المكي لا يحسن ان يسمى ذلك المكان ولا يتهجاه ولا يكتبه وكان اسم ذلك المكان شانمثنا وقيل لأبي حنيفة ماتقول في رجل اخذ صخرة فضرب بها رأس رجل فقتله أتقيده به قال لا ولو ضرب رأسه بأبا قبيس وقال يوسف بن خالد التيمي لعمرو بن عبيد ما تقول في دجاجة ذبحت من قفائها قال له عمرو أحسن قال من قفاؤها قال احسن قال من قفاءها قال له من عناك هذا قل من قفاها واسترح قال وسمعت من يوسف بن خالد يقول لا حتى يشجه بكسر الشين يريد حتى يشجه بضم الشين وكان يوسف يقول هذا أحمر من هذا يريد هذا أشد حمرة من هذا
حذف
حذف
وقال بشر المريسي قضى الله لكم الحوائج على احسن الوجوه وأهنئها فقال قاسم التمار هذا على قوله ان سليمى والله يكلؤها ضنت بشيء ما كان يرزؤها فصار احتجاج قاسم اطيب من لحن بشر وقال مسلم بن سلام حدثني أبان بن عثمان قال كان زياد النبطي شديد اللكنة وكان نحويا قال وكان بخيلا دعا غلامه ثلاثا فلما اجابه قال فمن لدن دأوتك فقلت لبي الى ان اجبتني ما كنت تصنأ يريد من لدن دعوتك الى ان اجبتني ما كنت تصنع قال وكانت أم نوح وبلال ابني جرير أعجمية فقال لها لا تتكلمي اذا كان عندنا رجال فقالت يوما يا نوح جردان دخل في عجان أمك وكان الجرذ أكل من عجينها قال أبو الحسن أهد الى قيل مولى زياد حمار وحش فقال لزياد أهدوا لنا همار وهش قال اي شيء تقول ويلك قال أهدوا لنا أيرا يريد عيرا قال زياد الثاني شر من الاول قال يحيى بن نوفل وان يك زيد فصيح اللسان خطيبا فان استه تلحن عليك بسك ورمانة وملح يدق ولا يطحن وحلتيت كرمان اونانخاه وشمع يسخن في مدهن وهذا الشعر في بعض معانيه يشبه قول ابن مناذر اذا أنت تعلقت بحبل من أبي الصلت تعلقت بحبل واهن القوة منبت فخذ من سلح كيسان ومن أظفارسبخت ألم يبلغك تسآلي لدى العلامة البرت وقال المرء ما سرجيس داء المرء من تحت وقال البردخت لقد كان في عينيك يا حفص شاغل وأنف كثيل العود عما تتبع تتبع لحنا في كلام مرقش وخلقك مبني على اللحن أجمع وعينك إقواء وأنفك مكفأ ووجهك إيطاء فأنت المرقع
وقال الميساني في هجائه أهل المدينة ولحنكم بتقصير ومد والأم من يدب على العفار قال علي بن معاذ كتبت الى فتى كتابا فأجابني فاذا عنوان الكتاب الى ذاك الذي كتب الي وقرأت على عنوان كتاب لأبي أمية الشمري للموت انا قبله وكتب ابن المرادي الى بعض ملوك بغداد جعلت فداك برحمته وقال ابراهيم بن سيار أنا لا اقول مت قبلك لاني اذا مت قبلك مات هو بعدي ولكن أقول مت بدلك وكتب عقال بن شبه بن عقال الى زهير بن المسيب للامير المسيب بن زهير من عقال بن شبة بن عقال ولما كتب بشير بن عبيد الله على خاتمه بشير بن عبيد الله بالرحمن لا يشرك قرأه ابوه على خاتمه قال هذا اقبح من الشرك وقال عبد الملك بن مروان اللحن هجنة على الشريف والعجب افة الرأي وكان يقال اللحن في المنطق اقبح من آثار الجدري في الوجه وقال يحيى بن نوفل في خالد بن عبد الله القسري والحن الناس كل الناس قاطبة وكان يولع بالتشديق في الخطب وزعم المدائني ان خالد بن عبد الله وكان يولع بالتشديق قال ان كنتم رجبيون فانا رمضانيون ولولا ان تلك العجائب قد صححت على الوليد ماجوزت هذا على خالد قال وكتب الحصين بن الحركتابا الى عمر فلحن في حرف فيه فكتب اليه عمر ان قنع كاتبك سوطا وبلغني عن كثير بن أحمد بن زهير بن سيار انه كان ينشد بيت أبي دلف البسيني الدرع قد طال عن الحرب جماحي فسألته عن ذلك فحلف انه إنما قال البسيني الدرع قد طال عن الحرب جماصي قال الله تبارك وتعالى ولتعرفنهم في لحن القول فاللحن في ذلك الموضع غير اللحن في ذلك الموضع وكان سليمان بن عبد الملك يقول المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث يفخم
اللحن كما يفخم نافع بن جبير الاعراب وقال الشاعرفي نحو ذلك لعمري لقد قعبت حين لقيتنا وانت بتقعيب الكلام جدير وقال خلف الاحمر وفرقعهن بتقيبه كفرقعة الرعد بين السحاب وقال الميساني ولحنكم بتقعيب ومد والأم من يدب على العفار وقال الاصمعي خاصم عيسى بن عمر النحوي الثقفي رجلا الى بلال بن أبي بردة فجعل عيسى يشبع الاعراب وجعل الرجل ينظر اليه فقال له بلال لان يذهب بعض حق هذا احب اليه من ترك الاعراب فلا تتشاغل به واقصد بحجتك وقدم رجل من النحويين رجلا الى السلطان في دين له عليه فقال أصلح الله الامير لي عليه درهمان قال خصمه لا والله ايها الامير ان هي الا ثلاثة دراهم لكنه لظهور الاعراب ترك من حقه درهما قال خاصم رجل إلى الشعبي أو الى شريح رجلا فقال ان هذا باعني غلاما فصيحا صبيحا قال هذا محمد بن عمر بن عطارد بن حاجب زرارة قال مر ماسرجويه الطبيب بجد معاذ بن سعيد بن حميد الحميري فقال يا ماسرجويه اني اجدفي حلقي بححا قال انه عمل بلغم فلما جاوزه قال انا احسن ان اقول بلغم ولكنه كلمني بالعربية فكلمته بالعربية وروى ابو الحسن ان الحجاج كان يقرأ انا من المجرمون المنتقمون وقد زعم رؤبة بن العجاج وابو عمرو بن العلاء انهما لم يريا قرويين افصح من الحسن والحجاج وغلط الحسن في حرفين من القران مثل قوله والقرآن والحرف الآخر وما تنزلت به الشياطون قال ابو الحسن كان سابق الاعمى يقول الخالق الباريء المصورفكان ابن جابان اذا لقيه قال يا سابق ما فعل الحرف الذي تشرك بالله فيه قال وقرأ ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنون وقال ابن جابان وان امنوا أيضا لم ننكحهم
وقال مسلمة بن عبدالملك اني لاحب ان اسأل هذا الشيخ يعني عمرو ابن مسلم فما يمنعني منه الا لحنه قال وكان ايوب السختياني يقول تعلموا النحو فانه جمال للوضيع وتركه هجنة للشريف وقال عمر تعلموا النحو كما تعلمون السنن والفرائض قال رجل للحسن يا أبي سعيد فقال كسب الدوانيق شغلك عن ان تقول يا أبا سعيد قالوا وأول لحن سمع بالبادية هذه عصاتي وأول لحن سمع بالعراق حي على الفلاح باب من لحن البلغاء ومن اللحانين البلغاء خالد بن عبد الله القسري وخالد بن صفوان الاهتمي وعيسى بن المدور وقال بعض النساك اعربنا في كلامنا فما نلحن حرفا ولحنا في أعمالنا فما نعرب حرفا اخبرنا الربيع بن عبد الرحمن السلمي قال قلت لاعرابي أتهمز اسرائيل قال اني اذا لرجل سوء قلت فتجر فلسطين قال اني اذا لقوي وكان هشيم يقول حدثنا يونس عن الحسن يقولها بفتاح الياء وكسر النون وكان عبد الاعلى بن عبد الله السلمي يقول فأخذه فصرعه فذبحه فأكله بكسر هذا اجمع وكان مهدي بن مهلهل يقول حدثنا هشام مجزومة ثم يقول ابن ويجزمه ثم يقول حسان ويجزمه لانه حين لم يكن نحويا رأى ان السلامة في الوقف وأما خالد بن الحارث وبشر بن المفضل الفقيهان فانهما كانا لا يلحنان وممن كان لا يلحن البتة حتى كأن لسانه لسان اعرابي فصيح ابو زيد النحوي وابو سعيد المعلم
قال خلف قلت لاعرابي القي عليك بيتا ساكنا قال على نفسك فألقه وقال ابو الفضل العنبري لعلي بن بشير اني التقطت كتابا من الطريق فأنبئت ان فيه شعرا افتريده حتى آتيك به قال نعم ان كان مقيدا قال والله ما ادري امقيد هو ام مغلول قال الاصمعي قيل لاعرابي اتهمز الرمح قال نعم قيل له فقلها مهموزة فقالها مهموزة قال اتهمز الترس قال نعم فلم يدع سيفا ولا ترسا الا همزة فقال له اخوه وهو يهزأ به دعوا اخي فانه يهمز السلاح أجمع وقال بعضهم ارتفع الى زياد رجل واخوه في ميراث فقال ان ابونا مات وان اخينا وثب على مال أبانا فأكله فقال زياد الذي اضعت من لسانك اضر عليك مما أضعت من مالك وأما القاضي فقال فلا رحم الله اباك ولا تنح عظم اخيك قم في لعنة الله وقال ابو شيبة قاضي واسط اتيتمونا بعد ان اردنا ان نقم قال ابو عبيدة ارسل ابن لعجل بن لجيم فرسا له في حلبة فجاء سابقا فقال لأبيه يا أبت بأي شيء أسميه فقال إفقأ احدى عينيه وسمه الاعور وشعراء مضر يحمقون رجال الازد ويستخفون احلامهم قال عمر بن لجاء تصطك ألحيها على دلائها تلاطم الازد على عطائها وقال بشار وكأن غلي دنانهم في دورهم لغط العتيك على خوان زياد وقال الراجز لبيك بي أرفل في بجادي حازم حقوي وصدري بادي أفرج الظلماء عن سوادي أقوى لشول بكرت صواد كأنما أصواتها بالوادي أصوات حج عن عمان غاد وقال الآخر واذا سمعت هديلهن حسبته لغط المعاول في بيوت هداد وبسبب هذا يدخلون في هذا المعنى قبائل اليمانية وقال ابن أحمر أخالها سمعت عزفا فتحسبه إهابة القسر ليلا حين تنتشر
وقال الكميت كأن الغطامط من غليها أراجيز أسلم تهجو غفارا فجعل الاراجيز التي شبهها في لغطها والتفافها بصوت غليان القدر لأسلم دون غفار باب النوكى والمجانين قالوا ومن النوكي مالك بن زيد مناة بن تميم الذي لما دخل على امرأته فرأت ما رأت به من الجفاء والجهل وجلس في ناحية منقبضا مشتملا قالت ضع علبتك قال يدي أحفظ لها قالت فاخلع نعليك قال رجلاي أحفظ لهما قالت فضع شملتك قال ظهري أولى بها فلما رأت ذلك قامت فجلست الى جانبه فلما شم ريح الطيب وثب عليها ومن المجانين والموسوسين والنوكى ابن فنان وصباح الموسوس وريسموس اليوناني وأبو حية النميري وأبو يس الحاسب وجعيفران الشاعر وجرنفش ومنهم سارية الليل ومنهم ريطة بنت كعب بن سعد بن تميم بن مرة وهي التي نقضت غزلها أنكاثا فضرب الله تبارك وتعالى بها المثل وهي التي قيل لها خرقاء وجدت صوفا ومنهم دغة وجهيزة وشولة وذراعة المعدية فأما ريسموس فكان من موسوسي اليونانيين قال له قائل ما بال ريسموس بعلم الناس الشعر ولا يستطيع قوله قال مثله مثل المسن الذي يشحذ ولا يقطع ورآه رجل يأكل في السوق فقال ما بال ريسموس يأكل في السوق قال اذا جاع في السوق أكل في السوق وألح عليه بالشتيمة رجل وهو ساكت فقيل له يشتمك مثل هذا وانت ساكت قال ارأيت ان نبحك كلب أتنبحه أو رمحك حمار أترمحه وكان اذا خرج في الفجر يريد الفرات ألقى في دوارة بابه حجرا حتى لا يعاني دفع بابه اذا رجع وكان كلما رجع الى بابه وجد الحجر مرفوعا والباب منصفقا فعلم ان احدا يأخذ الحجر من مكانه فكمن لصاحبه يوما فلما راه قد اخذ الحجر قال مالك تأخذ ما ليس لك قال لم اعلم انه لك قال فقد علمت انه ليس لك أما جعيفران الموسوس الشاعر فشهدت رجلا اعطاه درهما وقال قل شعرا على الحيم فأنشأ يقول عادني الهم فاعتلج كل هم الى فرج سل عنك الهموم بالكأس والراح تنفرج وهى أبيات وكان يتشيع قال له قائل أتشتم فاطمة وتأخذ درهما قال لا بل أشتم عائشة وآخذ نصف درهم وهو الذي يقول ما جعفر لأبيه ولا له بشبيه اضحى لقوم كثير فكلهم يدعيه هذا يقول بنيي وذا يخاصم فيه والأم تضحك منهم لعلمها بأبيه وهو الذي يقول في قوم لاطة كأنهم والايور عامدة صياقل في جلاية النصل وأما ابو يس الحاسب فان عقله ذهب بسبب تفكره في مسألة فلما جن كان يهذي انه سيصير ملكا وقد ألهم ما يحدث في الدنيا من الملاحم وكان ابو نواس والرقاشي يقولان على لسانه أشعارا على مذاهب اشعار ابن عقب الليثي ويرويانها أبا يس اذا حفظها لم يشك أنه هو الذي قالها فمن تلك الاشعار قول أبي نواس منع النوم اد كاري زمنا ذا تهاويل واشياء نكر واعتراك الروم في معمعة ليس فيها لجبان من مقر كائنات ليس عنها مذهب خطها يوشع في كتب الزبر وعلامات ستأتي قبله جمة أولها سكر النهر ويليهم رجل من هاشم اقنص الناس جميعا للحمر يبتني في الصحن من مسجدهم للمصلين من الشمس ستر ورجاء يبتني مطهرة ضخمة في وسطها طشت صفر فهناكم حين يفشو امركم وهناكم ينزل الامر النكر فاتبعوه حيث ما سار بكم أيها الناس وان طال السفر ودعوا بالله ان تهزوا به لعن الرحمن من منه سخر والبصريون يزعمون ان أبا يس كان احسب الناس
أما ابو حية النميري فانه أجن من جعيفران وكان أشعر الناس وهو الذي يقول ألا حي أطلال الرسوم البواليا لبسن البلى مما لبسن اللياليا وهو الذي يقول فألقت قناعا دونه الشمس واتقت بأحسن موصولين كف ومعصم وحدثني ابو المنجوف قال قال ابو حية عن لي ظبي فرميته فراغ عن سهمي فعارضه والله السهم ثم راغ فراوغه حتى صرعه ببعض الجنارات وقال والله رميت ظبية فلما نفذ السهم ذكرت بالظبية حبيبة لي فشددت وراء السهم حتى قبضت على قذذه وكان يكلم العمار ويخبر عن معاوضته للجن واما جرنفش فانه لما خلع الفرزدق لجام بغلته وأدنى رأسها من الماء قال له جرنفش نح بغلتك حلق الله ساقيك قال ولم عافاك الله قال لانك كذوب المخبرة زاني الكمرة قال ابو الحسن وبلغني ان الفرزدق لما ان قال له الحرنفش ما قال نادي يا بني سدوس فلما اجتمعوا اليه قال سودوا الجرنفش عليكم فاني لم أر فيكم أعقل منه ومن مجانين الكوفة عينادة وطاق البصل حدثني صديق لي قال قلت لعينادة أيهما أجن انت أو طاق البصل قال انا شيء وطاق البصل شيء ومن مجانين الكوفة بهلول وكان يتشيع قال له اسحق بن الصباح اكثر الله في الشيعة مثلك قال بل اكثر الله في المرجئة مثلي واكثر في الشيعة مثلك وكان جيد القفاء فربما مر به من يحب العبث فيقفذه فحشا قفاه خرء اوجلس على قارعة الطريق فكلما قفذه انسان تركه حتى يجوز ثم يصيح به يا فتى شم يدك فلم يعد بعده احد يقفذه وكان يغني بقيراط ويسكت بدانق وكانت بالكوفة امرأة رعناء يقال لها مجيبة فقفذ بهلولا فتى كانت مجيبة ارضعته فقال له بهلول كيف لا تكون ارعن وقد أرضعتك مجيبة فوالله لقد كانت تزق لي الفرخ فأرى الرعونة في طيرانه حدثني حجر بن عبد الجبار قال مر موسى بن أبي ردقاء فناداه صباح الموسوس يا ابن ابي الردقاء أسمنت برذونك وأهزلت دينك اما والله ان
امامك لعقبة لا يجوزها الا المخف فحبس موسى برذونه وقال من هذا فقيل له هذا صباح الموسوس فقال ما هو بموسوس هذا نذير قال ابو الحسن دعا بعض السلاطين مجنونين ليحركهما فيضحك مما يجيء منهما فلما اسمعاه واسمعهما غضب ودعا بالسيف فقال احدهما لصاحبه كنا مجنونين فصرنا ثلاثة وقال عمر بن عثمان شيعت عبد العزيز بن عبدالملك المخزومي وهوقاضي مكة الى منزله وبباب المسجد مجنونة تصفق وهي تقول أرق عيني طراطر القاضي هذا المقيم ليس ذاك الماضي فقال يا أبا حفص أتراها تعني قاضي مكة وتذاكروا اللثغ فقال قوم أحسن اللثغ ما كان على السين وهو ان يصير ثاء وقال آخرون على الراء وهو ان يصيرغينا فقال مجنون البكرات انا ايضا ألثغ اذا اردت ان اقول شرائط قلت رشيط وبعث عبيد الله بن مروان عم الوليد الى الوليد بقطيفة حمراء فكتب اليه الوليد قد وصلت الي القطيفة وانت ياعم احمق احمق وقال محمد بن بلال لوكيله زيد اشتر طيبا سيرافيا قال تريده سيرافي اوسيرافي سيرافي وقال محمد بن الجهم للمكي أراك مستبصرا في اعتقاد الجزء الذي لا يتجزأ فينبغي ان يكون عندك حقا حقا قال اما ان يكون عندي حقا حقا فلا ولكنه عندي حق ودخل ابو طالب صاحب الطعام على هاشمية جارية حمدونة بنت الرشيد على ان يشتري طعاما من طعامها في بعض البيادر فقال لها اني قد رأيت متاعك قالت هاشمية قل طعامك قال وقد أدخلت يدي فيه فاذا متاعك قد خم وحمي وصار مثل الجيفة قالت يا أبا طالب ألست قد قبلت الشعير فاعطنا ما شئت وان وجدته فاسدا ودخل ابو طالب على المأمون فقال كان ابوك يابا خير لنا منك وانت يابا ليس تعدنا وليس تبعث الينا ونحن يابا تجارك وجيرانك والمأمون في كل ذلك يتبسم قيل للمثنى بن يزيد بن عمر بن هبيرة وهو على اليمامة ان ههنا مجنونا له نوادر فأتوه به فقال ما هجاء النشاش قال الفلج القادي فغضب ابن هبيرة وقال ما جئتموني به الا عمدا ما هذا بمجنون والنشاش يوم كان لقيس على حنيفة والفلج يوم كان لحنيفة على قيس وأنشدوا ترى القوم اسواء اذا حسبوا معا وفي القوم زيف مثل زيف الدراهم وقال فتى زاده عز المهانة ذلة وكل عزيز عنده متواضع وقال قد ينفع الادب الاحداث في مهل وليس ينفع بعد الكبرة الأدب ان الغصون اذا قومتها اعتدلت ولن تلين اذا قومتها الخشب باب في العي قال جعفر بن أخت واصل كتب رجل الى صديق له بلغني ان في بستانك اسا يهمني فهب لي منه أمرا من امر الله عظيم وقال ابو عبد الملك وهو الذي كان يقال له عناق كان عياش وثمامة حي كان يعظمني تعظيما ليس في الدنيا مثله فلما مات ثمامة صار ليس يعظمني تعظيما ليس في الدنيا مثله وقال له عياش بن القاسم بأي شيء تزعمون ان ابا علي الاسواري افضل من سلام ابي المنذر قال لانه لما مات سلام ابو المنذر ذهب ابو علي في جنازته فلما مات ابو علي لم يذهب سلام في جنازته وكان يقول فيك عشر خصال من الشر اما الثانية والرابعة كذا وأما السابعة كذا وأما العاشرة كذا قال قلنا للفقعسي كيف ثناؤك على حمدان بن حبيب قال هو والله عندي الكذا الكذا وقال الخرداذي اجرك الله وعظم اجركم وآجركم فقيل له في ذلك فقال هذا كما قال عثمان بن الحكم بارك الله لكم وبارك الله عليكم وبارك الله فيكم قالوا له ويلك ان هذا لا يشبه ذلك وكتب الى بعض الامراء أبقاك الله وأطال بقاءك ومد في عمرك وكان ابو إدريس السمان يقول وانت فلا صبحك الله الا بالخير ويقول
وانت فلا حيا الله وجهك الا بالسلام وأنتم فلا بيتكم الله الا بالخير ومر ابن أبي علقمة فصاح به الصبيان فهرب منهم وتلقاه شيخ وعليه ضفيرتان فقال له يا ذا القرنين ان يأجوج ومأجوج مفسدون في الارض وقال المهلب لرجل من بني ملكان احد بني عدي متى انت قال ايام عتيبة بن الحارث بن شهاب وأقبل على رجل من الأزد فقال له متى أنت قال أكلت من حبوة رسول الله عامين قال أطعمك الله لحمك وأنشد المعيطي وأنزلني طول النوى دار غربة اذا شئت لاقيت الذي لا أشاكله فحامقته حتى يقال سجية ولوكان ذا عقل لكنت أعاقله وخطب عتاب بن ورقاء فحث على الجهاد فقال هذا كما قال الله تعالى كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول وخطب والي اليمامة فقال ان الله لا يقار عباده على المعاصي وقد أهلك الله أمة عظيمة في ناقة ما كانت تساوي مائتي درهم فسمي مقوم ناقة الله هؤلاء من الجفاة والاعراب المحرمين وأصحاب العجرفية ومن قل فقهه في الدين اذا خطبوا على المنابر فكأنهم في طباع أولئك المجانين وخطب وكيع بن أبي سود بخراسان فقال ان الله خلق السموات والارض في ستة أشهر فقيل له انها ستة أيام قال وأبيك لقد قلتها وأني لاستقلها وصعد المنبر فقال ان ربيعة لم تزل غضابا على الله مذ بعث نبيه من مضر ألا وان ربيعة قوم كشف فاذا رأيتموهم فاطعنوا الخيل في مناخرها فان فرسا لم يطعن في منخره الا كان أشد على فارسه من عدوه وضربت بنو مازن الحتان بن يزيد المجاشعي فجاءت جماعة منهم فيهم غالب أبو الفرزدق فقال يا قوم كونوا كما قال الله لايعجز القوم اذا تعاونوا وتزعم بنو تميم ان صبرة بن شيمان قال في حرب مسعود والاحنف ان جاء حتات جئت وان جاء الاحنف جئت وان جاء حارثة جئت وان جاؤا جئنا وان لم يجيئوا نجيء وهذا باطل وقد سمعنا لصبرة كلاما لا ينبغي ان يكون صاحب ذلك الكلام يقول هذا الكلام ولما سمع الاحنف فتيان بني تميم يضحكون من قول العرندس
لحا الله قوما شووا اجارهم اذا الشاة بالدرهمين الشصب أرى كل قوم رعوا جارهم وجار تميم دخان ذهب قال أتضحكون أما والله ان فيه لمعنى سوء وكان قبيصة يقول رايت غرفة فوق البيت ورأى جرادا يطير فقال لا يهولنكم ماترون فان عامتها موتى وانه اول ما جاء الجراد قبل جرادة ووضعها على عينيه على انها من الباكورة وهذه الاشياء ولدها الهيم بن عدي عند صنيع داود بن يزيد في أمر تلك المرأة ما صنع قال ابو الحسن وتغدى ابو السرايا عند سليمان بن عبد الملك وهو يومئذ ولي عهد وقدامه جدي فقال كل من كليته فانه يزيد في الدماغ فقال لو كان هذا هكذا لكان رأس الامير مثل رأس البغل قال ابو كعب كنا عند عياش بن القاسم ومعنا سيفويه القاص فأتينا بفالوذجة حارة فابتلع سيفويه منها لقمة فغشي عليه من شدة حرها فلما أفاق قال مات لي ثلاثة بنين ما دخل جوفي عليهم من الحرقة ما دخل جوفي من حرقة هذه اللقمة وقال سعيد بن مالك جالسني رجل فقير لا يكلمني ساعة ثم قال لي جلست قط على رأس تنور فخريت فيه آمنا مطمئنا قلت لا قال فانك لم تعرف شيئا من النعيم قط وقال هشام بن عبد الملك ذات يوم لجلسائه أي شيء ألذ قال له الأبرش ابن حسان أأصابك جرب قط فحككته قال ما لك أجرب الله جلدك ولا فرج الله عنك وكان آنس الناس به ومن غرائب الحمق المذهب الذي ذهب اليه الكميت بن زيد في مدح النبي حيث يقول فاعتتب الشوق في فؤادي والشعر الى من إليه معتتب الى السراج المنير أحمد لا تعدلني رغبة ولا رهب عنه الى غيره ولو رفع الناس الي العيون وارتقبوا وقيل أفرطت بل قصدت ولو عنفني القائلون أو ثلبوا إليك ياخير من تضمنت الأرض ولو عاب قولي العيب لج بتفضيلك اللسان ولو أكثر فيك اللجاج واللجب فمن رأى شاعر امدح النبي فاعترض عليه واحد من جميع أصناف الناس حتى يزعم ان ناسا يعيبونه ويثلبونه ويعنفونه ولقد مدح النبي فما زاد على قوله وبورك قبر انت فيه وبوركت به وله اهل بذلك يثرب لقد غيبوا برا وحزما ونائلا عشية واراه الصفيح المنصب يعني قبرالنبي ويثرب يعني المدينة وهذا شعر يصلح في عامة الناس وكتب مسلمة بن عبد الملك الى يزيد بن المهلب انك والله ما انت بصاحب هذا الامر صاحب هذا الامر مغمور وموتور وأنت مشهور غير موتور فقال له رجل من الازد يقال له عثمان بن المفضل قدم ابنك مخلدا حتى يقتل فتصير موتورا وقال جاء ابن لجديع بن علي وكان ابن خال يزيد بن المهلب فقال ليزيد زوجني بعض ولدك فقال له عثمان بن المفضل زوجه ابنك مخلدا فانه انما طلب بعض الولد ولم يستثن شيئا ومن الحمقاء كثير عزة ومن حمقه انه دخل على عبد العزيز بن مروان فمدحه بمديح استجاده فقال له سلني حوائجك فقال تجعلني في مكان ابن زمانه قال ويلك ذلك رجل كاتب وانت شاعر فلما خرج ولم ينل شيئا قال عجبت لأخذي خطة الغي بعدما تبين من عبد العزيز قبولها فان عاد لي عبد العزيز بمثلها وأمكنني منها اذا لا أقيلها قال ابوالحسن قال طارق قال ابن جابان لقي رجل رجلا ومعه كلبان فقال هب لي احدهما قال أيهما تريد قال الاسود قال الاسود أحب الي من الابيض قال فهب لي الابيض قال الابيض أحب الي من كليهما وقال رجل لرجل بكم تبيع الشاة قال اخذتها بستة وهي خير من سبعة وقد أعطيت بها ثمانية فان كانت من حاجتك بتسعة فزن عشرة قال ابو الحسن قال طارق بن المبارك دخل رجل على بلال فكساه ثوبين فقال كساني الامير ثوبين فانزرت بالآخر وارتديت بالآخر وقال مرض فتى عندنا فقال له عمه اي شيء تشتهي قال رأس كبشين قال لا يكون قال فرأسي كبش قال طارق وقع بين جار لنا وجار له يكنى أبا عيسى كلام فقال اللهم خذ مني لأبي عيسى قالوا أتدعوا الله على نفسك قال فخذ لأبي عيسى مني وقال ابو زكريا العجلاني دخل عمرو بن سعيد على معاوية وهو ثقيل فقال كيف أصبحت يا امير المؤمنين قال أصبحت صالحا قال أصبحت عينك غائرة ولونك كاسفا وأنفك ذابلا فاعهد عهدك ولا تخدعن عن نفسك وقال عبيد الله بن زياد بن ظبيان التيمي يرحم الله عمر بن الخطاب كان يقول اللهم اني أعوذ بك من الزانيات وأبناء الزانيات فقال عبيد الله بن زياد بن أبيه رحم الله عمر كان يقول لم يقم جنين في بطن حمقاء تسعة اشهر الا خرج مائقا وكان اصحاب رسول الله يقولون كونوا بلها كالحمام وقال قائل حماقة صاحبي علي أشد ضررا منها عليه وقال شرد بعير لهبنقة القيسي وبجنونه يضرب المثل فقال من جاء به فله بعيران فقيل له أتجعل في بعير بعيرين فقال انكم لا تعرفون فرحة الوجدان وهبنقة هو يزيد بن ثروان احدبني قيس بن ثعلبة وكنيته ابونافع قال الشاعر عش بجد ولا يضرك نوك انما عيش من ترى بالجدود عش بجد وكن هبنقة القيسي نوكا أو شيبة بن الوليد ولماخلع قتيبة بن مسلم سليمان بن عبد الملك بخراسان قام خطبيا فقال يااهل خراسان أتدرون من وليكم انما وليكم يزيد بن تروان كنى به عن هبنقة وذلك ان هبنقة كان يحس من إبله الى السمان ويدع المهازيل ويقول انما أكرم من أكرم الله وأهين من أهان الله وكذلك كان سليمان يعطي الاغنياء ولا يعطي الفقراء ويقول أصلح ما أصلح الله وأفسد ما أفسد الله وقال الفرزدق ما عييت بجواب احد قط ما عييت بجواب مجنون بدير هرقل دخلت فاذا هو مشدود الى اسطوانة فقلت بلغني انك حاسب قال ألق علي ما شئت فقلت أمسك معك خمسة وجلدتها قال نعم قلت أمسك معك اربعة وجلدتها قال نعم فقلت كم معك قال تسعة وجلدتها مرتين وكان زريق الفزاري يمر بالليل وهو شارب فيشتم أهل المجلس فلما ان كان بالغداة عاتبوه قال نعم زينت امهاتكم فماذا عليكم وخطب يوما عتاب بن ورقاء فقال هذا كما قال الله تبارك وتعالى انما يتفاضل الناس بأعمالهم وكل ما هو آت قريب قالوا له ان هذا ليس من كتاب الله قال ما ظننت الا انه من كتاب الله وخطب عدي بن زياد الايادي فقال أقول كما قال العبد الصالح ما أريكم الا ما أرى وما أهديكم الا سبيل الرشاد قالوا له ليس هذا من قول عبد صالح انما هو من قول فرعون قال من قاله فقد أحسن وقال اعرابي خلق السماء وأهلها في جمعة وأبوك يمدر حوضه في عام وكان عبد الملك بن مروان اول خليفة من بني أمية منع الناس من الكلام عند الخلفاء وتقدم فيه وتوعد عليه وقال ان جامعة عمرو بن سعيد بن العاص عندي واني والله لا يقول احدكم هكذا الا قلت به هكذا وفي خطبة له اخرى واني والله ما انا بالخليفة المستضعف وهو يعني عثمان بن عفان ولا انا بالخليفة المداهن يعني معاوية ولا انا بالخليفة المأبون يعني يزيد بن معاوية قال ابو اسحق والله لولا نسبك من هذا المستضعف وسببك من هذا المداهن لكنت منها ابعد من العيوق والله ما أخذتها من جهة الميراث ولا من جهة السابقة ولامن جهة القرابة ولا تدعى شورى ولا وصية قال ابو الحسن دخل كردم السدوسي على بلال بن أبي بردة فدعاه الى الغداء فقال قد أكلت قال ما اكلت قال قليل رز فأكثرت منه ودخل كردم الذراع ارض قوم يزرعها فلما انتهى الى زنقة منها لم يحسن تذريعها قال هذه ليست لكم قالوا هي لنا ميراث وما نازعنا فيها انسان قط قال لا والله ما هي لكم قالوا فحصل لنا حساب ما لا نشك فيه قال عشرين في عشرين مائتين قالوا من اجل هذا الحساب صارت الزنقة ليست لنا ودخل عكابة بن نميلة النميري دار بلال بن أبي بردة فرأى ثورا مجللا فقال ما أفرهه من بغل لولا ان حوافره مشقوقة ومن النوكي وممن ربما عدوه في المجانين ابن فنان الازدي وضرب به المثل ابن ضب العتكي في قوله بجديع بن علي خال يزيد بن المهلب حيث قال لولا المهلب يا جديع ورسله تغدو عليك لكنت كأبن فنان انت المردد في الجياد وانما تأتي سكيتا كل يوم رهان وقال آخر يهجوا امرأته بأنها مضياع خرقاء وان بلائي من درينة كلما رجوت انتعاشا أدركتني بغائر تبرد ماء السعن في ليلة الصبا وتستعمل الكركور في شهر ناحر وفي خطأ العلماء قال ابو الحسن قال الشعبي سايرت أبا سلمة بن عبد الرحمن ابن عوف فكان بيني وبين ابي الزناد فقال بينكما عالم اهل المدينة فسألته امراته عن مسألة فأخطا فيها وقال طرفة بن العبد يهجو قابوس بن هند الملك لعمرك ان قابوس بن هند ليخلط ملكه نوك كثير قسمت الدهر في زمن رخي كذاك الحكم يقصد أو يجور لنا يوم وللكروان يوم تطير البائسات ولا تطير فأما يومنا فنظل ركبا وقوفا مانحل وما نسير وأما يومهن فيوم سوء يطاردهن بالجذب الصقور قال الفلوشكي قلت لاعرابي اي شيء تقرأ في صلاتك قال أم الكتاب ونسبة الرب وهجاء ابي لهب وكان الفلوشكي البكرادي اجن الناس وأعبى الخلق لسانا وكان شديد القمار شديد اللعب بالودع قال ابن عم له وقفت على بقية تمر في بيدر لي فأردت ان اعرفه بالحزر ومعنا قوم يجيدون الخرص وقد قالوا فيها واختلفوا فهم علينا الفلوشكي فقلت له كم تجزر في هذا التمر فقال انا لا أعرف الاكرار وحساب القفزان ولكن عندي مرجلا أطبخ فيه تمرا نبيذيا وهو يسع مكوكين وهذا التمر يكون فيه مائتين وستين مرجلا فلا والله ان أخطأ بقفيز واحد قال المهلب والأزد حوله أرأيتم قول الشاعر اذا غرز المحالب أتأقته يمج على مناكبه الثمالا والى جنب غيلان بن خرشة شيخ من الازد فقال له قل هو ابن الفحل فقالها فقال المهلب ويلكم ما جالستم الناس وأنشد بعض أصحابنا الكني الى مولى أكيمة وانهه وهل ينتهي عن اول الزجر أحمق وزعم الهيثم بن عدي عن رجاله ان أهل يبرين اخف بني تميم أحلاما وأقلهم عقولا قال الهيثم ومن النوكي عبيد الله بن الحر وكنيته أبو الابرش قال الهيثم خطيب قبيصة وهو خليفة أبيه على خراسان وأتاه كتابه فقال هذا كتاب الامير وهو والله أهل لأن أطيعه وهو أبي وأكبر مني وكان فيما زعموا ابن السعيد الجوهري يقول صلى الله تبارك وتعالى على محمد قال أبو الحسن صعد عدي بن أرطأة المنبر فلما رأى جماعة الناس حصر فقال الحمد لله الذي يطعم هؤلاء ويسقيهم وصعد روح بن حاتم المنبر فلما رآهم قد شفنوا أبصارهم وفتحوا أسماعهم نحوه قال نكسوا رؤوسكم وغضوا أبصاركم فان المنبر مركز صعب واذا يسر الله فتح قفل تيسر قالوا وصعد عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه المنبر فأرتج عليه فقال ان أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا وأنتم الى إمام عادل احوج منكم الى إمام خطيب قالوا لزياد الأعجم لم لا تهجو جريرا فقال أليس الذي يقول
كأن مابني طهية رهط سلمى حجارة خاريء يرمي كلابا قالوا بلى قال ليس بيني وبين هذا عمل قال ابو الحسن خطب مصعب بن حيان أخو مقاتل بن حيان خطبة نكاح فحصر فقال لقنوا موتاكم قول لا أله الا الله فقالت ام الجارية عجل الله موتك ألهذا دعوناك وخطب أمير المؤمنين الموالي وهكذا لقبه خطبة نكاح فحصر فقال اللهم انا نحمدك ونستعينك ولا نشكرك وقال مولى لخالد بن صفوان زوجني أمتك فلانة قال قد زوجتكها قال أفأدخل الحي حتى يحضروا الخطبة فقال ادخلهم فلما دخلوا ابتدأ خالد فقال اما بعد فان الله اجل وأعز من ان يذكر في نكاح هذين الكلبين وقد زوجنا هذه الفاعلة من هذا ابن الفاعلة وقال ابراهيم النخعي لمنصور بن المعتمر سل مسألة الحمقى واحفظ حفظ الأكياس ودخل كثير عزة وكان محمقا ويكنى أبا صخر على يزيد بن عبد الملك فقال يا أ مير المؤمنين ما يعني الشماخ بن ضرار بقوله اذا الأرطى توسد أبرديه خدود جوازيء بالرمل عين قال يزيد وما يضر أمير المؤمنين ان لا يعرف ماعنى هذا الاعرابي الجلف واستحمقه وأخرجه وكان عامر بن كريز يحمق قال عوانة قال عامر لأمه ياأمه مسست اليوم برد العاص بن وائل السهمي فقالت ثكلتك أمك رجل بين عبد المطلب ابن هاشم وبين عبد شمس بن عبد مناف يفرح ان تصيب يده برد رجل من بني سهم ولما حصر عبد الله بن عامر على منبر البصرة فشق ذلك عليه قال له زياد أيها الامير انك ان أقمت عامة من ترى أصابه أكثر مما أصابك وقيل لرجل من الوجوه قم فاصعد المنبر وتكلم فلما صعد حصر وقال الحمد لله الذي يرزق هؤلاء وبقي ساكتا فأنزلوه وصعد آخر فلما استوى قائما وقابل بوجهه وجوه الناس وقعت عينه على صلعة رجل فقال اللهم العن هذه الصلعة وقيل لوازع اليشكري قم فاصعد المنبر وتكلم فلما رأى جمع الناس قال لولا ان امرأتي لعنها الله حملتني على اتيان الجمعة اليوم ما جمعت وأنا أشهدكم أنها مني طالق ثلاثا ولذلك قال الشاعر وما ضرني ان لا أقوم بخطبة وما رغبتي في ذا الذي قال وازع ودخلت على أنس بن ابي شيخ واذا رأسه على مرفقه والحجام يأخذ من شعره فقلت له ما يحملك على هذا قال الكسل قلت فان لقمان قال لابنه إياك والكسل وإياك والضجر فانك اذا كسلت لم تؤد حقا واذا ضجرت لم تصبر على حق قال ذاك والله انه لم يعرف لذة الكسولة وقيل لبحر بن الاحنف ما يمنعك ان تكون مثل ابيك قال الكسل وقال الآخر أطال الله كيس بني رزين وحمقى أن شربت لهم بديني أأكتب إبلهم شاء وفيها بريع فصالها بنتا لبون فما خلقوا بكيسهم دهاة ولا ملجاء بعد فيعجيوني وذكر آخر الكيس في معاتبته لبني أخيه حين يقول عفاريتا علي وأكل مالي وعجزا عن أناس آخرينا فهلا غير عمكم ظلمتم اذا ما كنتم متظلمينا فلو كنتم لكيسة أكاست وكيس الأم اكيس للبنينا وقال بعضهم عيادة النوكى الجلوس فوق القدر والمجيء في غير وقت وعاد رجل رقبة بن الحر فنعى رجالا اعتلوا مثل علته فنعى بذلك اليه نفسه فقال له رقبة اذا دخلت على المرضى فلا تنع اليهم الموتى واذا خرجت من عندنا فلا تعد الينا وسأل معاوية بن الكواء عن اهل الكوفة فقال أبحث الناس عن صغيرة وأتركهم لكبيرة وسئل شريك عن ابي حنيفة فقال أعلم الناس بما لا يكون وأجهل الناس بما يكون
وسأل معاوية دغفلا النسابة عن اليمن فقال سيد وأنوك وذكر عيينة بن حصن عند النبي فقال الاحمق المطاع وجن اعرابي من اعراب المربد ورماه الصبيان فرجم فقالوا له أما كنت وقورا حليما فقال بلى بأبي انتم وأمي والله ما استحمقت الا قريبا وكان اول جنونه من عبث الناس به ورمى انسانا فشجه فتعلق به وهو لا يعرفه وضمه الى الوالي فقال له الوالي ولم رميت هذا وشججته قال أنا لم أرمه هو دخل تحت رميتي وكان وكيع بن الدورقية يحمق قال الوليد بن هشام القحذمي ابو عبد الرحمن قال اخبرني ابي قال لما قدم امية خراسان قيل له لم لا تدخل وكيع ابن الدورقية في صحابتك قال هو احمق فركب يوما وسايره فقال له ما اعظم رأس برذونك قال قد كفاك الله حمله ثم سايره قليلا فقال أصلحك الله أرأيت يوم لقيت أبا فديك ما منعك ان تكون قدمت رجلا وأخرت رجلا وداعست بالرمح حتى يفتح الله عليك قال اغرب قبحك الله وأمر به فنحى وساير سعيد بن سلم موسى امير المؤمنين والحربة في يد عبد الله بن مالك وكانت الريح تسفي التراب الذي تثيره دابة عبد الله بن مالك في وجه موسى وعبد الله لا يشعر بذلك وموسى يحيد عن سنن التراب وعبد الله فيما بين ذلك يلحظ مسير موسى فيتكلف ان يسير على محاذاته واذا حاذاه ناله ذلك التراب فلما طال ذلك عليه اقبل على سعيد بن سلم فقال ألا ترى ما نلقى من هذا المائق في مسيرنا هذا قال والله ياامير المؤمنين ما قصر في الاجتهاد ولكنه حرم التوفيق وساير البطريق الذي خرج الى المعتصم من سور عمورية محمد بن عبد الملك والافشين بن كاوس فساوم كل واحد منهما ببرذونه وذكر انه كان يرغبهما اويربحهما فاذا كان هذا أدب البطريق مع محله من الملك والمملكة فما ظنك بمن هو دونه منهم ولما استجلس المعتصم بطريق خرشنة تربع ومد رجليه واجبات الملوك والامراء قال زياد وقرأت مثل كتب الربيع بن زياد الحارثي ما كتب إلي الا في اجترار منفعة أو دفع مضرة وما كان في موكبي قط فتقدم عنان دابته عنان دابتي ولامست ركبته ركبتي ولا شاورت الناس قط في امر إلإ سبقهم الى الرأي فيه كان على شرط زياد عبد الله بن الحصين صاحب مقبرة بني حصين والجعد ابن قيس النمري صاحب طاق الجعد وكانا يتعاقبان مجلس صاحب الشرطة فاذا كان يوم حمل الحربة سارا بين يديه معا فجري بينهما كلام وهما يسيران بين يديه فكان صوت الجعد ارفع وصوت عبد الله اخفض فقال زياد لصاحب حربته تناول الحربة من يد الجعد ومره بالانصراف الى منزله وعدا رجل من اهل العسكر بين يدي المأمون فلما انقضى كلامه قال ما بعض من يسير بقربه يقول لك امير المؤمنين اركب قال المأمون لا يقال لمثل هذا اركب انما يقال لمثل هذا انصرف وكان الفضل بن الربيع يقول مساءلة الملوك عن احوالهم من تحية النوكى فاذا اردت ان تقول كيف اصبح الأمير فقل صبح الله الامير بالكرامة فاذا اردت ان تقول كيف يجد الامير نفسه فقل أنزل الله على الامير الشفاء والرحمة والمسألة توجب الجواب فان لم يجبك اشتد عليك وان أجابك اشتد عليه وقال محمد بن الجهم دخلت على المأمون فقال لي ما زال امير المؤمنين اليك مشتاقا فلم أدر ما جواب هذه الكلمة بعينها وأخذت لا اقصر فيما قدرت عليه من الدعاء ثم الثناء قال ابو الحسن قال ابن جابان قال المهدي كان شبيب بن شيبة يسايرني في طريق خراسان فيتقدمني بصدر دابته فقال لي يوما ينبغي لمن ساير خليفة ان يكون بالموضع الذي اذا اراد الخليفة ان يسأله عن شيء لا يلتفت اليه ويكون من ناحية إن التفت لم تستقبله الشمس قال فبينما نحن كذلك اذ انتهينا الى مخاضة فأقحمت دابتي ولم يقف واتبعني فملأ ثيابي ماء وطينا فقلت يا ابا معمر ليس هذا في الكتاب رجع الى النوكى قال الهيثم بن عدي كنت قائما الى حميد بن قحطبة وهو علي برذون فتفاج البرذون ليبول فقال لي تنح لا يهريق عليك البرذون الماء وجاء رجل الى محمد بن حرب الهلالي بقوم فقال ان هؤلاء الفساق ما زالوا في مسيس هذه الفاجرة قال ما ظننت انه بلغ من حرمة الفواجر ما ينبغي ان يكنى عن الفجور بهن وقلت لرجل من الحساب كيف صار البرذون المتحصن الى البغلة احرص منه على الرمكة والرمكة اشكل بطبعه قال بلغني ان البغلة اطيب حلوة وقال صديق لنا بعث رجل وكيله الى رجل من الوجوه يقتضيه مالا عليه فرجع اليه مضروبا فقال ما بالك ويلك قال سبك فسببته فضربني قال وبأي شيء سبني قال هن الحمار في حر أم من أرسلك قال دعني من افترائه علي انت كيف جعلت لأير الحمار من الحرمة ما لم تجعله لحر أمي فهلا قلت اير الحمار في هن ام من ارسلك قال ابو الحسن كان رجل من ولد عبد الرحمن بن سمرة اراد الوثوب بالشام فحمل الى المهدى فخلى سبيله واكرمه وقرب مجلسه فقال له يوما أنشدني قصيدة زهير التي أولها لمن الديار بقنة الحجر وهي التي على الراء لمن الديار بقنة الحجر أقوين من حجج ومن شهر فأنشده فقال المهدي ذهب والله من يقول مثل هذا قال السمري وذهب والله من يقال فيه مثل هذا فغضب المهدي واستجهله ونحاه ولم يعاقبه واستحمقه الناس ولما دخل خالد بن طليق على المهدي مع خصومه وأنشد قول شاعرهم اذا القرشي لم يضرب بعرق خزاعي فليس من الصميم فغضب المهدي وقال أحمق فأنشد خالد فقال اذا كنت في دار فحاولت رحلة فدعها وفيها إن اردت معاد فسكن عند ذلك المهدي وقال بشار خليلي ان العسر سوف يفيق وإن يسارا من غد لخليق وما كنت إلا كالزمان اذا صحا صحوت وان ماق الزمان أموق قالوا ومن النوكى ابو الربيع العامري واسمه عبد الله وكان ولي بعض منابر اليمامة وفيه يقول الشاعر
شهدت بأن الله حق لقاؤه وأن الربيع العامري رقيع أقاد لنا كلبا بكلب ولم يدع دماء كلاب المسلمين تضيع قالوا ومن النوكى ربيعة بن عسل احد بني عمرو بن يربوع وأخوه ضبيع بن عسل وفد ربيعة على معاوية فقال معاوية حاجتك قال زوجني ابنتك قال اسقوا ابن عسل عسلا فأعاد عليه العسل ثلاثا فتركه وقد كاد تنقد بطنه قال فاستعملني على خراسان قال زياد اعلم بثغوره قال فاستعملني على شرطة البصرة قال زياد اعرف بشرطته قال فاكسني قطيفة أو قال هب لي مائة الف جذع لداري قال وأين دارك قال بالبصرة قال كم ذرعها قال فرسخان في فرسخين قال فدارك في البصرة أو البصرة في دارك قال غوات استعمل معاوية رجلا من كلب فذكر يوما المجوس وعنده الناس فقال لعن الله المجوس ينكحون أمهاتهم والله لو أعطيت مائة الف درهم ما نحكت أمي فبلغ ذلك معاوية فقال قاتله الله أترونه لو زاده على مائة الف فعل فعزله وقال ابو الحسن وفد ربيعة بن عسل وهو من بني عمرو بن يربوع على معاوية فقال لمعاوية أعني بعشرة الآف جذع في بناء داري بالبصرة فقال له معاوية كم دارك قال فرسخان في فرسخين قال معاوية هي في البصرة أم البصرة فيها قال بل هي في البصرة قال معاوية فان البصرة لا تكون هكذا وقال ابو الاحوص الرياحي وليس بيربوع الى العقل حاجة سوى دنس تسود منه ثيابها فكيف بنوكى مالك ان كفرتم لهم هذه أو كيف بعد خطابها مشائم ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعب الا ببين غرابها قال الهيثم عن الضحاك بن رمل بينا معاوية بن مروان واقف بدمشق ينتظر عبد الملك على باب طحان وحمار له يدور بالرحى في عنقه جلجل اذ قال للطحان لم جعلت في عنق هذا الحمار هذا الجلجل قال ربما أدركتني سآمة أو نعسة فاذا لم أسمع صوت الجلجل علمت انه قد قام فصحت به قال معاوية أفرأيت ان قام ثم قال برأسه هكذا هكذا وجعل يحرك رأسه يمنة ويسرة ومايدريك انت انه قائم قال الطحان ومن لي بحمار بعقل مثل عقل الامير ومعاوية بن مروان هذا هو الذي قال لأبي امرأته ملأتنا ابنتك البارحة بالدم قال انها من نسوة يخبئن ذلك لأزواجهن وصعد يوسف بن عمر المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال قد قتل الله زيدا ونصر بن سيار يريد نصر بن خزيمة وقال علي الاسواري عمر بن الخطاب معلق بشعرة قلت وما صيره الى ذلك قال لما صنع بنصر بن سيار يريد نصر بن الحجاج بن علاط وقالوا أحب الرشيد ان ينظر الى أبي شعيب القلال كيف يعمل القلال فادخلوه القصر وأتوه بكل ما يحتاج اليه من آلة العمل فبينا هو يعمل اذا هو بالرشيد قائم فوق رأسه فلما رآه نهض قائما فقال له الرشيد دونك ما دعيت له فاني لم اتك لتقوم إلي وانما أتيتك لتعمل بين يدي قال وأنا لم آتك ليسوء أدبي وإنما أتيتك لازداد بك في كثرة صوابي فقال له الرشيد إنما تعرضت لي حين كسدت سوقك قال ابو شعيب يا سيد الناس وما كساد عملي في جلال وجهك فضحك الرشيد حتى غطى وجهه ثم قال والله ما رأيت أنطق منه اولا ولا أعيا منه آخرا ينبغي لهذا ان يكون أعقل الناس أو أجن الناس قال عبد الله بن شداد أرى داعي الموت لا يقلع وأرى من مضى لا يرجع ومن بقي فاليه ينزغ ولا نزهدن في معروف فان الدهر ذو صروف فكم من راغب قد كان مرغوبا اليه وطالب قد كان مطلوبا اليه والزمان ذو ألوان ومن يصحب الزمان ير الهوان وقال الفرج بن فضاله عن يحيى بن سعيد عن محمد بن علي عن أبيه عن جده عن النبي اذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء اذا أكلوا الاموال دولا واتخذوا الامانة مغنما والزكاة مغرما وأطاع الرجل زوجته وعق أمه وبر صديقه وجفا أباه وارتفعت الاصوات في المساجد وأكرم الرجل مخافة شره وكان زعيم القوم أرذلهم واذا لبس الحرير وشربت الخمور واتخذت القيان والمعازف ولعن اخر هذه الامه أولها فليرتقبوا بعد ذلك ثلاث خصال ريحا حمراء ومسخا وخسفا
قال الهيثم أخبرنا الكلبي قال كانت قريش تعد أهل الجزالة في الرأي العباس بن عبد المطلب وأبا سفيان وابنيهما وأمية بن خلف قال وقال ابن عباس لم يكن في العرب أمرد ولا أشيب أشد عقلا من السائب بن الاقرع قال حدثني الشعبي ان السائب شهد فتح مهرجان قذق ودخل منزل الهرمزان وفي داره ألف بيت فطاف فيه فاذا ظبي من جص في بيت منها ماد يده فقال أقسم بالله انه يشير الى شيء انظروا فنظروا فاستخرجوا سفط كنز الهرمزان فاذ فيه ياقوت وزبرجد فكتب فيه السائب الى عمر وأخذ منه فصا أخضر وكتب الى عمر ان رأى أمير المؤمنين ان يهبه لي فليفعل فلما عرض عمر السفط على الهرمزان قال فأين الفص الصغير قال عمر سألنيه صاحبنا فوهبته له فقال ان صاحبك بالجوهر لعالم أخبرنا مجالد عن الشعبي قال قال السائب لجميل بن بصبهري أخبرني عن مكان من القرية لا يخرب حتى اقتطع ذلك المكان قال ما بين الماء الى دار الامارة قال فاختط لثقيف في ذلك الموضع قال الهيثم بت عندهم ليلة فاذا ليلهم مثل النهار قال أبو الحسن قال عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة لمعاوية اما والله لو كنا على السواء بمكة لعلمت قال معاوية اذا كنت أكون معاوية بن أبي سفيان منزلي الأبطح ينشق عني سيله وكنت انت عبد الرحمن بن خالد منزلك أجياد أعلاه مدرة وأسفله عذرة وقال سهيل بن عمرو أشبه أمرا بعض بزه فصار مثلا وقال محرز بن علقمة لقد وارى المقابر من شريك كثير تحلم وقليل عاب صموتا في المجالس غير عي جديرا حين ينطق بالصواب وقال ابن الرقاع أمم تداخلت الحتوف عليهم أبوابهم فكشفن كل غطاء فاذا الذي في حصنه متحرز منهم كآخر مصحر بفضاء والمرء يورث مجده أبناءه ويموت آخر وهو في الاحياء والقوم أشباه وبين حلومهم بون كذاك تفاضل الاشياء وقال بعضهم بيضاء ناصعة البياض كأنها قمر توسط نصف ليل مبرد موسومة بالحسن ذات حواسد ان الحسان مظنة للحسد وترى مآقيها تقلب مقلة حوراء ترغب عن سواد الإثمد وقال الآخر خود اذا كثر الحديث تعوذت بحمى الحياء وان تكلم تقصد وقال لسانك خير وحده من قبيله وما عد بعد في الفتى انت فاعله سوى طبع الاخلاق والفحش والخنا أبت ذاكم أخلاقه وشمائله وقال الآخر على امرى ء هد عرش الحي مصرعه كأنه من ذوي الاحلام من عاد وقال النابغة أحلام عاد وأجسام مطهرة من المعقة والافات والاثم وقالت الخنساء خطاب معضلة فراج مظلمة ان جاء مفظعة هيا لها بابا وعد الاصمعي خصال معد فقال كانوا أديما ماعزا شاته أخلص فيه القرظ الآهب أو مرقيء عرق دم مفرج أو سائل في لزبة زاعب أو ذمة يوفي بها عاقد أو عقدة يحكمها آرب اوحائط من غير لا نعمة أو رحم مت بها جانب أو خطبة بزلاء مفصولة يرضة بها الشاهد والغائب وقال ابن نوفل يهجو وأنت كساقط بين الحشايا يصير الى الخبيث من المصير ومثل نعامة تدعى بعيرا تعاظمها اذا ما قيل طيري وان قيل احملي قالت فاني من الطير المربة بالوكور وكنت لدى المغيرة عير سوء تبول من المخافة للزئير لأعلاج ثمانية وشيخ كبير السن ذي بصر ضرير تقول لما أصابك أطعموني شرابا ثم بلت على السرير وقال عبد يغوث ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا فما لكما في اللوم خير ولا ليا ألم تعلما ان الملامة نفعها قليل وما لومي أخي من شماليا فيا راكبا اما عرضت فبلغن نداماي من نجران ان لا تلاقيا أبا كرب والأيهمين كليهما وقيسا بأعلى حضرموت اليمانيا جزى الله قومي بالكلاب ملامة صريحهم والاخرين المواليا أقول وقد شدوا لساني بنسعة أمعشر تيم أطلقوا عن لسانيا وتضحك مني شيخة عبشمية كأن لم تر قبلي أسيرا يمانيا قال ابو عثمان وليس في الارض أعجب من طرفة بن العبد وعبد يغوث وذلك انا ان لسنا جودة أشعارهما في وقت إحاطة الموت بهما لم تكن دون سائر أشعارهما في حال الامن والرفاهية قال ابوعبيدة حدثني ابو عبد الله الفزاري عن مالك بن دينار قال ما رأيت احدا أبين من الحجاج ان كان ليرقى المنبر فيذكر إحسانه الى أهل العراق وصفحه عنهم وإساءتهم اليه حتى أقول في نفسي اني لأحسبه صادقا واني لأظنهم ظالمين له قال وكانت العرب تخطب على رواحلها وكذلك روى النبي عن قس بن ساعدة قال أخبرني عبد الرحمن بن مهدي عن مالك بن أنس قال الوقوف على ظهور الدواب بعرفة سنة والقيام على الاقدام رخصة وجاء في الاثر لا تجعلوا ظهور دوابكم مجالس ووقف الهيثم بن مطهر الفأفاء على ظهر دابته على باب الخيزران ان ينتظر بعض من يخرج من عندها فلما طال وقوفه بعث اليه عمر الكلواذي فقال انزل عن ظهر دابتك فلم يرد عليه شيئا فكرر الرسول اليه فقال إني رجل أعرج وان خرج صاحبي من عند الخيزران في موكبه خفت ان لا أدركه فبعث اليه ان لم تنزل أنزلناك فبعث اليه قال هو حبيس في سبيل الله ان أنزلتني عنه ان أقضمته شهرا فانظر أيهما خير له أراحة ساعة أو جوع شهر قالوا له هذا الهيثم بن مطهر قال هذا شيطان وقال ابو علقمة النحوي يا آسي اني رجعت الى المنزل انا سنق لقس فأتيت لشنشنة من لوية ولكيك وقطيع أقرن قد غدرن هناك من سمن ورقاق سر شصان وسقيط عطعط ثم تناولت عليها كأسا فقال له الطبيب خذ خرفقا وسفلقا وجرفقا فقال ويلك أي شيء هذا قال واي شيء ما قلت وقال الزبرقان أحب صبياننا الينا العريض الورك السبط الغرة الطويل الغرلة الأبلة العقول وأبغض صبياننا إلينا الأقيعس الذكر الذي كأنما ينظر من جحر واذا سأله القوم عن ابيه هر في وجوههم قال الهيثم قال الاشعث اذا كان الغلام سائل الغرة طويل الغرلة ملتاث الازرة كأن به لوثة فما يشك في سؤدده قال ابو المخش كان المخش أشدق خرطمانيا سائلا لعابه كأنما ينظر من قلتين كأن ترقوته بوان أو خالفة وكأن كاهله كركرة جمل فقأ الله عيني هاتين ان كنت رأيت بعده ولا قبله مثله وكان زياد حول المنبر وبيوت الاموال والدواوين الى الازد وصلى بهم وخطب في مسجد حدان فقال عمرو بن العرندس فأصبح في الحدان يخطب آمنا وللأزد عز لا يزال تلاد وقال الاعرج والقائلين فلا يعاب خطيبهم يوم المقامة بالكلام الفاصل وقال ابن مفرغ ومتى تقم يوم اجتماع عشيرة خطباؤنا بين العشيرة تفصل وقال فيارب خصم قد كفيت دفاعه وقومت منه درأه فتنكبا وقال آخر وحامل ضب ضغن لم يضرني بعيد قلبه حلو اللسان ولو أني أشاء نقمت منه بشغب من لسان تيحان وقال
عهدت به هندا وهند عزيزة عن الفحش بلهاء العشاء نؤوم رواح الضحى ميالة بخترية لها منطق يصبى الحليم رخيم وقال اخر وخصم يركب العوصاء طاط على المثلى قصاراه القراع وملموم جوانبها رداح تزجى بالرماح لها شعاع وقال محلم بن فراس يرثى منصورا وهماما ابني المسجاح كم فيهم لو تمتعنا حياتهم من فارس يوم روح الحي مقدام ومن فتى يملأ الشيزى مكللة شحم السديف ندي الحمد مطعام ومن خطيب غداة الحفل مرتجل ثبت المقام أريب غير مقحام وقال خالد للقعقاع أنافرك على أينا أطعن بالرماح وأطعم للسجاح وانزل بالبراح قال لا بل على أينا افضل أبا وجدا وعما وقديما وحديثا قال خالد اعطيت يوما من سأل واطعمت حولا من أكل وطعنت فارسا طعنة شككت فخذيه بجنب الفرس قال القعقاع وأخرج نعلين فقال ربع أبي عليهما أربعين مرباعا لم تثكل فيهم تميمة ولدا كان مالك بن الاخطل التغلبي وبه كان يكنى أتى العراق فسمع شعر جرير والفرزدق فلما قدم على أبيه سأله عن شعرهما فقال وجدت جريرا يغرف من بحر ووجدت الفرزدق ينحت من صخر فقال الاخطل الذي يغرف من بحر اشعرهما وقال بعضهم وما خير من لا ينفع الأهل عيشه وان مات لم يجزع عليه أقاربه كهام على الاقصى كليل لسانه وفي بشر الأدنى حداد مخالبه وقال العماني اذا مشى لكل قرن مقرن ثم مشى القرن له كالأرعن بصارم يفري صفيح الجوشن مقرطن ذاف الى مقرطن يفضي الى أم الفراغ المكمن حيث تقول الهامة اسقني اسقني كم لأبي محمد من موطن وقال العماني ومقول نعم لزاز الخصم ألد يشتق لأهل العلم بباطل يدحض حق الخصم حتى يصيروا كسحاب اليكم وقال عبيد في حديث علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه حين رأى فلانا يخطب فقال هذا الخطيب الشحشح قال هو الماهر الماضي قاله الطرماح كأن المطايا ليلة الخمس علقت بوثابة تنضو الرواسم شحشح وقال ذو الرمة لدن غدوة حتى اذا امتدت الضحى وحث القطين الشحشحان المكلف يعني الحادي وكان أسد بن كرز يقال له خطيب الشيطان فلما استعمل ابنه على العراق قيل له خطيب الله فجرت الى اليوم قال ابو السليم الهذلي أصخر بن عبد الله ان كنت شاعرا فانك لا تهدي القريض لمفحم وقال بلعاء بن قيس ابيت لنفسي الخسف لما رضوا به ووليتهم سمعي وما كان مفحما وقال عبد الله بن مصعب وقف معاوية على امرأة من بني كنانة فقال لها هل من قرى قالت نعم قال وما قراك قالت عندي خبز خمير ولبن فطير وماء نمير وقال أحيحة والصمت أكرم بالفتى ما لم يكن عي يشينه والقول ذو خطل اذا ما لم يكن لب يعينه وقال ابو ثمامة الضبي ومنا حصين كان في كل خطبة يقول ألا من ناطق متكلم وقال عبيد بن أمية الضبي واستب هو والحارث بن شيبة المجاشعي عند النعمان فقال ترى بيوت وترى رماح ونعم مزنم سحاح ومنطق ليس له نجاح يا قصبا طار به الرياح وأذرعا ليست لها ألواح وقال قيس بن الخطيم وبعض القول ليس له حصاة كمخض المرء ليس له إتاء وهاذ شبيه بقوله
كسالى اذا لاقيتهم غير منطق يلهى به المتبول وهو عناء
وقال ابو ثمامة أخاصمهم مرة قائما وأجثوا اذا ما جثوا للركب اذا منطق قاله صاحبي تعقبت آخر ذا معتقب وقال الشماخ ومرتبة لا يستطاع بها الردى تركت بها الشك الذي هو عاجز ويروى تلافى بها حلمى عن الجهل حاجز باب من الكلام المحذوف ثم نرجع بعد ذلك الى الكلام الاول قال هيثم عن يونس عن الحسن يرفعه ان المهاجرين قالوا يا رسول الله ان الانصار فضلونا بأنهم آووا ونصروا وفعلوا قال النبي اتعرفون ذاك لهم قالوا نعم قال فان ذاك ليس في الحديث غير هذا يريد ان ذاك شكر ومكافأة قال وكلم رجل من قيس عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى في حاجة وجعل يمت بقرابة فقال عمر وان ذاك ثم ذكر حاجته فقال لعل ذاك لم يزده على ان قال فان ذاك ولعل ذاك فان ذاك كما قلت ولعل حاجتك ان تقضي وقال عبيد الله بن قيس بكرت علي عوازلي يلحينني وألومهنه وقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنه وقال الاسدي لعبد الله بن الزبير لاحملت ناقة حملتني اليك قال ابن الزبير إن وراكبها وروى عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي هاشم القاسم بن كثير عن قيس الخارجي انه سمع عليا يقول سبق رسول الله وصلى أبو بكر وثلث عمر وخبطتنا فتنة فما شاء الله ليس في الحديث أكثر من هذا ولما كتب ابو عبيدة الى عمر جواب كتاب عمر في أمر الطاعون فقرأ عمر الكتاب استرجع فقال له المسلمون مات ابو عبيدة قال لا وكأن قد وقال البابغة
أزف الترحل غير ان ركابنا لما تزل برحالنا وكأن قد وأنشد ابن الاعرابي اذا قيل اعمى قلت ان وربما أكون وإني من فتى لبصير اذا أبصر القلب المروءة والتقى فان عمى العينين ليس يضير وان العمى أجر وذخر وعصمة وإني الى هذي الثلاث فقير قال ابن أبي الزناد كنت كاتبا لعمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى وكان يكتب الى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب في المظالم فيرجعه فكتب اليه انه ليخيل إلي أني لو كتبت اليك ان تعطي رجلا شاة لكتبت إلي أضأن أم ماعز وان كتبت اليك بأحدهما كتبت إلي اذكر أو انثى فان كتبت اليك بأحدهما كتبت إلي صغير ام كبير فاذا اتاك كتابي في مظلمة فلا تراجعني والسلام وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه اني لأستعين بالرجل الذي فيه ليس في الحديث غير هذا ثم ابتدأ بالكلام فقال ثم اكون على قفائه اذا كان أقوى من المؤمن الضعيف وأراد هو قول الأسدي سويد فيه فابغونا سواه أبيناه وان بهاه تاج لم يقل فيه كذا وفيه كذا وقال الراجز بتنا بحسان ومعزاه تئط في سمن حم وتمر وأقط حتى اذا كاد الظلام ينكشط جاء بمذق هل رأيت الذنب قط وقيل للمنتجع بن نبهان أو لأبي مهدية ما النضناض فأخرج طرف لسانه وحركه وقيل له ما الدلنظى فزحر وتقاعس وفرج ما بين منكبيه ومن الكلام كلام يذهب السامع منه الى معاني أهله والى قصد صاحبه كقول الله تبارك وتعالى وترى الناس سكارى وما هم بسكارى وقال لا يموت فيها ولا يحيا وقال ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت وسئل المفسر عن قوله لهم رزقهم فيها بكرة وعشيا فقال ليس فيها بكرة و لا عشي وقال لنبيه فإن كنت في شك مما نزلنا إليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك قالوا لم يشك ولم يسأل وقال عمر رضي الله تعالى عنه في جواب كلام قد تقدم وقول قد سلف منه متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أنهى عنهما وأضرب عليهما وهذا مثل قائل لو قال أتضربنا على الكلام في الصلاة وعلى التطبيق اذا ركعنا فيقول نعم أشد الضرب اذا كان قد تقدم منه إعلامه إياهم بحال الناسخ والمنسوخ وقد سأل رجل بلالا مولى أبي بكر رضي الله تعلى عنه وقد أقبل من الحلبة فقال له من سبق قال سبق المقربون قال انما أسألك عن الخيل قال وانا أجيبك عن الخير فترك بلال جواب لفظه الى خير هو أنفع له حدثنا عبد الملك بن شيبان قال حدثني يعقوب بن الفضل الهاشمي قال كتب ابو جعفر الى سلم يأمره بهدم دور من خرج مع ابراهيم وعقر نخلهم قال فكتب اليه سلم بأي ذلك نبدأ بالدور ام بالنخل فكتب اليه أبو جعفر أما بعد فاني لو كتبت إليك بإفساد ثمرهم لكتبت الي تستأذنني بأيه نبدأ بالبرني ام بالشهريز وعزله وولى محمد بن سليمان وقال ابن مسعود ان طول الصلاة وقصر الخطبة مئينة من فقه الرجل قال الاصمعي مئينة علامة وقال عبد الله عليكم بالعلم فان احدكم لا يدري متى يخيل اليه ولما أقدم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عمرو بن العاص من مصر قال له عمر لقد سرت سير عاشق قال عمرو اني والله ما تأبطتني الإماء ولا حملتني البغايا في غبرات المآلي قال له عمر والله ما هذا بجواب الكلام الذي سألتك عنه وان الدجاجة لتفحص في الرماد فتضع لغير الفحل والبيضة منسوبة الى طرقها وقام عمر فدخل وقام عمرو فقال قد أفحش أمير المؤمنين علينا وجاء في الحديث لا يمنع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ وقال أعرابي اللهم لا تنزلني ماء سوء فأكون امرأ سوء وقال بلعاء بن قيس
وكم كان في آل الملوح من فتى منادى مفدى حين تبلى سرائره وكم كان في آل الملوح من فتى يجيب خطيبا لا يخاف عواثره وقال آخر ومخاصم قاومت في كبد مثل الرهان فصار لي العذر وقال آخر وجه قبيح ولسان أبكم ومشفر لا يتوارى أضجم ولما رأى الفرزدق درست بن رباط الفقيمي على المنبر وكان أسود دميما قصيرا قال بكى المنبر الشرقي اذ قام فوقه أمير فقيمي قصير الدوارج وقال بكى المنبر الشرقي والناس اذ رأوا عليه فقيميا قصير القوائم وانما كان يعادي بني فقيم لأنهم قتلوا اباه غالبا قال ابو عبيدة قال رجل ليونس بن حبيب اذا أخذتم في مذاكرة الحديث وقع علي النعاس قال فاعلم انك حمار في مسلاخ انسان ودخل عبد الله بن خازم على عبيد الله بن زياد وهو يخطر في مشيته فقال للمنذر بن الجارود حركه فقال يا ابن خازم انك لتجر ثوبك كما تجر المرأة البغي ذيلها قال أما والله اني مع ذلك لأنفذ بالسرية وأضرب هامة البطل المشيح ولو كنت وراء هذا الحائط لوضعت اكثرك شعرا وقد كان قبض عطاءه فصبه بين أيديهم ثم قال لعنك الله من دراهم والله ما تقومين بمؤونة خيلنا وقال علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه خذ الحكمة أنى أتتك فان الحكمة تكون في صدر المنافق فتلجلج في صدره حتى تخرج فتسكن الى صاحبها وقال عمرو بن العاص لأهل الشام يوم صفين أقيموا صفوفكم مثل قص الشارب وأعيرونا جماجمكم ساعة من النهار فقد بلغ الحق مقطعه فوانما هو ظالم أو مظلوم وقال علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه يومئذ عضوا على النواجذ من الاضراس فانه أنبا للسيوف عن الهام وقال رجل طد رجلك اذا اعتقبت بالسيف والعصا وانت مخير في رفعها ساعة المسالمة والموادعة ولما أقاموا ابن قميئة بين العقابين قال له أبوه طد رجليك الارض وأصر إصرار الفرس واذكر أحاديث غد وإياك وذكر الله في هذا الموضع فانه من الفشل وقيل للحجاج من أخطب الناس قال صاحب العمامة السوداء بين أخصاص البصرة يعني الحسن وقال الاحنف قال عمر تفقهوا قبل ان تسودوا وقال عمر أحذر من فلتات الشباب كل ما أورثك البز وأعلقك اللقب فانه ان يعظم بعدها شأنك يشتد على ذلك ندمك كلام لعمر بن الخطاب ولما بنى عتبة بن غزوان وأصحابه بالبصرة بناء اللبن كتب اليهم عمر قد كنت اكره لكم ذلك فان فعلتم ما فعلتم فعرضوا الحيطان وارفعوا السمك وقاربوا بين الخشب ولما بلغه أنهم قد اتخذوا الضياع وعمروا الأرضين كتب اليهم لا تنهكوا وجه الارض فان شحمتها فيه وقال عمر بع الحيوان أحسن ما يكون في عينك وقال فرقوا بين المنايا واجعلو الرأس رأسين وقال أملكوا العجين فانه احد الريعين وقال اذا اشتريت بعيرا فاجعله ضخما فان أخطأك خبر لم يخطئك سوق وقال عمر العمائم تيجان العرب وقال نعم المستند الاحتماء وقال رسول الله الناس كالابل ترى المائة لا تجد فيها راحلة وأنشدوا وكأن من زهر الخزامى والندى والأقحوان عليه ريطة برنس واذا ترنم حوله ذبانه أصغى تسمع خائف متوجس خرجت عليه من الضراء دواجن تحتث نحو ملاذوان أشوس يسعى يمثل والصفير كلامه وتحي يداه لهن وحي الأخرس وقال الراعي ئذ خالد لا تنبذنا فصاحة كوحي الصفا خطت لكم في فؤاديا
وقال الشاعر رب طرف مصرح عن ضمير بما هجس وقال آخر بلحن القول والطرف الفصيح وقال المثقب العبدي في استماع الثور وتوجسه وجمع باله اذا أحس بشيء من أسباب القانص وذكر ناقة كأنها أسفع ذو جدة يضمه القفر وليل سدي كأنما ينظر من برقع من تحت روق سكب مذود تصيخ للنبأة اسماعه إصاخة الناشد للمنشد ويوجس السمع لنكرائه من خشية القانص والمؤسد وقال بعض العبيد شعرا يقع في ذكر الخطباء وفي ذكر اشداقهم وتشادقهم أغرك مني ان مولاي مزيدا سريع الى داعي الطعام سروط غلام أتاه الذل من نحو شدقه له نسب في الواغلين بسيط له نحو دور الكاس إما دعوته لسان كذلق الزاعبي سليط قال الاول إن سليطا كاسمه سليط وقال بعض العبيد وقد كان مفتوق اللهاة وشاعرا أشدق يفري حين لا أحد يفري وقال مؤرق العبد يتوعد مولاه لولا عجوز قحمة ودردق وصاحب جم الحديث مونق كيف الفوات والطلوب مورق شيخ مغيظ وسنان يبرق وحنجر رحب وصوت مصلق وشدق ضرغام وناب مخرق وسأل رجل عمر بن عبد العزيز عن الجمل وصفين فقال تلك دماء كف الله يدي عنه فلا أحب ان اغمس لساني فيها ويقع على باب التطبيق قول الشاعر لأنتم ببيع اللحم أعلم منكم بضرب السيوف المرهفات القواطع وقال عمرو بن هداب انما كنا نعرف سؤدد مسلم بن قتيبة انه كان يركب وحده ويرجع في خمسين وقال الاصمعي دخل حبيب بن شؤذب الأسدي على جعفر بن سليمان بالمدينة فقال أصلح الله الامير حبيب بن شوذب واد الصدر جميل الذكر يكره الزيارة المملة والعقدة المنسية وفي الحديث زرغبا تزدد حبا وقال بعضهم عن الثوري عن محمد بن عجلان عن عياض بن عبد الله قال ان الدين مجمع لكل هم هم بالليل وذل بالنهار وراية الله في ارضه فاذا اراد الله ان يذل عبدا جعله طوقا في عنقه قال عمر بن ذر الحمد لله الذي جعلنا من أمة تغفر لهم السيئات ولا تقبل من غيرهم الحسنات قال ابن ابي زياد كنا لا نكتب إلا سنة وكان الزهري يكتب كل شيء فلما احتيج اليه عرف انه اوعى الناس قال فيروز بن حصين اذا اراد الله ان يزيل عن عبده نعمة كان اول ما يغير منه عقله وقيل لمحمد بن كعب القرظي ما علامة الخذلان قال ان يستقبح الرجل ما كان عنده حسنا ويستحسن ماكان عنده قبيحا وقال محمد بن حفص كن الى الاستماع أسرع منك الى القول ومن خطأ القول أشد حذرا من خطأ السكوت وقال الحسن اذا جالست العلماء فكن على ان تسمع احرص منك على ان تقول وتعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن القول ولا تقطع على احد حديثه قال سفيان بن عيينة كان يقال العالم مثل السراج من مر به اقتبس منه وقال الشاعر أبودهمان الغلابي لئن مصر فاتتني بماكنت أرتجي وأخلفني منها الذي كنت آمل فما كل ما يخشى الفتى بمصيبه وما كل ما يرجو الفتى هو نائل فما كان بيني لو لقيتك سالما وبين الغنى الا ليال قلائل وقال الآخر وان كلام المرء في غير كنهه لكالنبل تهوى ليس فيها نصالها وقال كعب الأحبار قرأت في بعض ما أنزل الله على انبيائه عليهم السلام الهدية تفقأ عين الحكيم وتسفه عقل الحليم زحم رجل سالم بن عبد الله فزحم سالم الذي يليه فقال له يا شيخ ما أحسبك الا شيخ سوء قال سالم ما أحسبك أبعدت وسأل رجل محمد بن عمير بن عطارد وعتاب بن ورقاء في عشر ديات فقال محمد علي دية فقال عتاب الباقي علي فقال محمد نعم العون اليسار على المروءة وقال الاحنف فلو مد سروي بمال كثير لجدت وكنت به باذلا فان المروءة لا تستطاع اذالم يكن مالها فاضلا وقال يزيد بن حجية حين بلغه أن زياد بن خصفة تبعه ولم يلحق به أبلغ زيادا أنني قد كفيته أموري وخليت الذي هوغالبه وباب شديد داؤه قد فتحته عليك وقد أعيت عليك مذاهبة هبلت فما ترجو غناي ومشهدي اذاكان يوم لا توارى كواكبه قال آخر ومنطق حرق بالعواسل وتجردت حضرمية لزوجها ثم قالت هل ترى في خلق الرحمن من تفاوت قال أرى فطورا وقال اخر راودت امرأة شيخا واستهدفت له وابطأ عليه الانتشار فلامته فقال لها انك تفتحين بيتا وأنا أنشر ميتا كتاب عمر بن الخطاب الى أبي موسى الاشعري روى علي بن محمد عن عمر بن مجاشع ان عمر رضي الله تعالى عنه كتب الى أبي موسى الاشعري أما بعد فأن للناس نفرة عن سلطانهم فأعوذ بالله ان تدركني وإياك عمياء مجهولة وضغائن محمولة واهواء متبعة ودنيا مؤثرة فأقم الحدود ولو ساعة من نهار واذا عرض لك أمران احدهما لله والآخر للدنيا فآثر نصيبك من الاخرة على نصيبك من الدنيا فان الدنيا تنفد والاخرة تبقى وكن من خشية الله على وجل وأخف الفساق واجعلهم يدا يدا ورجلا رجلا واذا كانت بين القبائل نائرة وتداعوا يا ال فلان فانما تملك نجوى الشيطان فاضربهم بالسيف حتى يفيئوا الى أمر الله وتكون دعواهم الى الله والى الامام وقد بلغ أمير المؤمنين ان ضبة تدعو يا آل ضبة وإني والله ما أعلم ان ضبة ساق الله بها خيرا قط ولا منع بها سوءا قط فاذا جاءك كتابي هذا فأنهكهم
عقوبة حتى يفرقوا ان لم يفقهوا وألصق بغيلان بن خرشة من بينهم وعد مرضى المسلمين واشهد جنائزهم وافتح بابك وباشر أمرهم بنفسك أنت امرؤ منهم غير ان الله جعلك أثقلهم حملا وقد بلغ امير المؤمنين أنه فشا لك ولاهل بيتك هيئة في لباسك ومطعمك ومركبك ليس للمسلمين مثلها فإياك يا عبد الله ان تكون بمنزلة البهيمة التي مرت بواد خصيب فلم يكن لها همة الا السمن وانما حتفها في السمن واعلم ان للعامل مردا الى الله فاذا زاغ العامل زاغت رعيته وان اشقى الناس من شقيت به رعيته والسلام قال عوانة قدم علينا اعرابي من كلب وكان يحدثنا الحديث فلا يكاد يقطعه فقال له رجل أما لحديثك هذا آخر فقال اذا عجز وصلناه وقال معاوية ليونس الثقفي اتق ان اطير بك طيرة بطيئا وفوعها قال أليس لي ولك المرجع بعد الى الله قال بلى فأستغفر الله قال رقبة بن مصقلة ما سمعت عمر بن ذر يتكلم الا ذكرت النفخ في الصور وما سمعت احدا يحكيه الا تمنيت ان يجلد ثمانين قال وتكلم عمر ابن ذر فصاح بعض الزفانين صيحة فلطمه رجل قال عمر بن ذر ما رأيت ظلما قط أوفق لي من هذا وقال طاووس كنت عند محمد بن يوسف فأبلغه رجل من بعض أعدائه كلاما فقال رجل من القوم سبحان الله فقال طاووس ما ظننت ان قول سبحان الله معصية لله حتى كان اليوم كأنه عنده إنما سبح ليظهر استعظام الذي كان من الرجل ليوقع به وقال الآخر لو كان عدواك البطيء المسهم اذا بدا منك الذي لا يكتم وجه قبيح ولسان أبكم ومشفر لا يتوارى أضجم وقال الآخر يقعر القول لكيما تحسبه من الرجال الفصحاء المعربه وهو اذا نسبته من كربه من نخلة نابتة في خربة قالت امراة الحطيئة للحطيئة حين تحول عن بني رياح الى بني كليب بئس ما استبدلت من بني رياح بعر الكبش لأنهم متفرقون وكذلك بعر الكبش يقع متفرقا
كلام لعائشة ام المؤمنين في قتل عثمان
روى علي بن محمد عن مسلمة بن محارب عن داود بن أبي حرب بن أبي الاسود عن ابيه أنه قال بعثني وعمران بن حصين عثمان بن حنيف الى عائشة رضي الله تعالى عنها فقلنا يا أم المؤمنين أخبرينا عن مسيرك هذا أعهد عهده اليك رسول الله ام رأي رأيته قالت بل رأي رأيته حين قتل عثمان إنا نقمنا عليه ضربة بالسوط وموقع السحابة الممحاة وإمرة سعيد والوليد فعدوتم عليه فاستحللتم منه الحرم الثلاث حرمة البلد وحرمة الخلافة وحرمة الشهر الحرام بعد ان مصناه كما يماص الإناء فاستنقى فركبتم منه هذه ظالمين فغضبنا لكم من سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من سيفكم قلت فما أنت وسيفنا وسوط عثمان وانت حبيس رسول الله أمرك ان تقري في بيتك فجئت تضربين الناس بعضهم ببعض قالت وهل احد يقاتلني أو تقول غير هذا قلنا نعم قالت ومن يفعل ذلك أزنيم بني عامر ثم قالت هل انت مبلغ عني يا عمران قال لا لست مبلغا عنك خيرا ولا شرا فقلت لكني مبلغ عنك فهاتي ما شئت قالت اللهم اقتل مذمما تعني محمد بن ابي بكر قصاصا بعثمان وارم الأشتر بسهم من سهامك لا يشوى وأرد عمارا بحفرته في عثمان بين زياد والحكم بن عمرو حدثنا يزيد بن هرون قال أخبرنا هشام بن حسان عن الحسن ان زيادا بعث الحكم بن عمرو على خراسان فأصاب مغنما فكتب اليه زياد ان امير المؤمنين معاوية كتب إلي يأمرني ان اصطفي له كل صفراء وبيضاء فاذا أتاك كتابي هذا فانظر ما كان من ذهب وفضة فلا تقسمه واقسم ما سوى ذلك فكتب اليه الحكم اني وجدت كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين ووالله لو ان السموات والارض كانتا رتقا على عبد فاتقى الله تعالى لجعل الله له منها مخرجا والسلام ثم أمر المنادي فنادى في الناس ان اغدوا على غنائمكم فغدوا فقسمها بينهم وقال خالد بن صفوان ما رأينا ارضا مثل الأبلة أقرب مسافة ولا أطيب نطفة ولا أوطأ مطية ولا أربح لتاجر ولا أخفى لعابد كلام بعض الاعراب قال الكسائي لقيت أعرابيا فجعلت أسأله عن الحرف بعد الحرف والشيء بعد الشيء أقرنه بغيره فقال تالله ما رأيت رجلا أقدر على كلمة الى جنب كلمة منها اشبه شيء بها وأبعد شيء منها منك ووصف أعرابي رجلا فقال ذاك والله ممن ينفع سلمه ويتواصف حلمه ولا يستمرأ ظلمه وقال آخر لخصمه لئن هملجت الى الباطل انك لقطوف الى الحق ورأى رقبة بن مصقلة العبدي جارية عند العطار فقال له ما تصنع هذه عندك قال أكيل لها حناء قال أظنك والله تكيل لها كيلا لا يأجرك الله عليه كلام عمرو بن العاص لعبد الله بن عباس قال محمد بن سعيد عن ابراهيم بن خويطب قال عمرو بن العاص لعبد الله ابن عباس ان هذا الامر الذي نحن وأنتم فيه ليس بأول امر قاده البلاء وقد بلغ الامر بنا وبكم ما نرى وما أبقت لنا هذه الحرب حياء ولا صبرا ولسنا نقول ليت الحرب عادت ولكننا نقول ليتها لم تكن كانت فانظر فيما بقي بغير ما مضى فانك رأس هذا الامر بعد علي وانما هو امير مطاع ومأمور مطيع ومشاور مأمون وانت هو وقال عيسى بن طلحة لعروة بن الزبير حين ابتلي برجله فقطعها يا أبا عبد الله ذهب أهونك علينا وبقي اكثرك لنا قال ابوالحسن خطب الحجاج يوم جمعة فأطال الخطبة فقال رجل ان الوقت لا ينتظرك والرب لا يعذرك فحبسه فأتاه أهل الرجل وكلموه فيه وقالوا انه مجنون فقال ان أقر بالجنون خليت سبيله فقيل له أقر بالجنون قال لا والله لا أزعم ابتلاني وقد عافاني وصف الابل قالت ام هاشم السلولية ما ذكر الناس مذكورا خيرا من الإبل أحناه على احد بخير ان حملت أثقلت وان مشت أبعدت وان نحرت أشبعت وان حلبت أروت
كتاب الحسن بن علي الى زياد ورد زياد عليه
حدثني سليمان بن أحمد الخرشي قال حدثني عبدالله بن محمد بن حبيب قال طلب زياد رجلا كان في الأمان الذي سأله الحسن بن علي لأصحابه فكتب فيه الحسن رضي الله تعالى عنه الى زياد من الحسن بن علي الى زياد اما بعد فقد علمت ما كنا أخذنا لأصحابنا وقد ذكر لي فلان أنك عرضت له فأحب ان لا تعرض له الا بخير فلما أتاه الكتاب ولم ينسب الحسن الى ابي سفيان غضب فكتب من زياد بن ابي سفيان الى الحسن اما بعد أتاني كتابك في فاسق يؤويه الفساق من شيعتك وشيعة أبيك وأيم الله لأطلبنهم ولو بين جلدك ولحمك وان أحب لحم إلي آكله للحم انت منه كتاب معاوية الى زياد فلما وصل الكتاب الحسن وجه به الى معاوية فلما قرأه معاوية غضب وكتب من معاوية بن أبي سفيان الى زياد بن ابي سفيان اما بعد فان لك رأيين رأيا من ابي سفيان ورأيا من سمية فأما رأيك من أبي سفيان فحلم وحزم وأما رأيك من سمية فكما يكون رأي مثلها وقدكتب إلي الحسن بن علي انك عرضت لصاحبه فلا تعرض له فاني لم أجعل لك اليه سبيلا وان الحسن ابن علي ممن لا يرمي به الرجوان والعجب من كتابك اليه لا تنسبه الى أبيه أفإلى أمه وكلته وهو ابن فاطمة بنت محمد فالآن حين اخترت له والسلام خطبة مصعب بن الزبير قدم مصعب بن الزبير العراق فصعد المنبر ثم قال بسم الله الرحمن الرحيم طسم تلك آيات الكتاب المبين نتلو عليك من نبإ موسى و فرعون بالحق لقوم يؤمنون ان فرعون علا في الارض وجعل اهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح ابناءهم ويستحيي نساءهم انه كان من المفسدين وأشار بيده نحو الشام ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين وأشار بيده نحو الحجاز ونمكن لهم في الارض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون وأشار بيده نحو العراق وكتب محمد بن كعب القرظي فقيل له والانصاري قال أكره ان أمن على الله بما لم أفعل عمرو بن العاص وعبد الله بن عباس وقام عمرو بن العاص بالموسم فأطرى معاوية وبني أمية وتناول بني هاشم ثم ذكر مشاهده بصفين فقال ابن عباس يا عمرو انك بعت دينك من معاوية فأعطيته ما في يدك ومناك ما في يد غيره فكان الذي أخذ منك فوق الذي أعطاك وكان الذي أخذت منه دون ما أعطيته وكل راض بما أخذوا أعطى فلما صارت مصر في يدك تتبعك فيها بالعزل والتنقص حتى لو ان نفسك فيها لألقيتها اليه وذكرت مشاهدك بصفين فما ثقلت علينا يومئذ وطأتك ولا نكأتنا فيها حربك وان كنت فيها لطويل اللسان قصير السنان آخر الحرب اذا أقبلت وأولها اذا أدبرت لك يدان يد لا تبسطها الى خير ويد لا تقبضها عن شر ووجهان وجه مؤنس ووجه موحش ولعمري ان من باع دينه بدنيا غيره لحري ان يطول حزنه على ما باع واشترى لك بيان وفيك خطل ولك رأي وفيك نكد ولك قدر وفيك حسد فأصغر عيب فيك أعظم عيب في غيرك فقال عمرو اما والله ما في قريش أحد أثقل وطأة علي منك ولا لأحد من قريش قدر عندي مثل قدرك كلام عمرو بن عتبة وراى عمرو بن عتبة بن أبي سفيان رجلا يشتم رجلا وآخر يسمع منه فقال للمستمع نزه سمعك عن استماع الخنا كما تنزه لسانك عن الكلام به فان السامع شريك القائل وانما نظر الى شر ما في وعائه فأفرغه في وعائك ولو ردت كلمة جاهل في فيه لسعد رادها كما شقي قائلها خصمان عند زياد قال عوانة اختصم الى زياد رجلان في حق كان لأحدهما على الآخر فقال المدعي أيها الامير انه لبسطوا علي بخاصة ذكر أنها له منك فقال زياد صدق وسأخبرك بمنفعتها له ان يكن الحق له عليك أخذتك به وان يكن لك عليه حكمت عليه ثم قضيت عنه
تابين عائشة لابي بكر الصديق
ولما توفي ابو بكر رضي الله تعالى عنه قامت عائشة رضي الله تعالى عنها على قبره فقالت نضر الله وجهك وشكر لك صالح سعيك فلقد كنت للدنيا مذلا بإدبارك عنها وللآخرة معزا بإقبالك عليها وان كان لأجل الأرزاء بعد رسول الله رزؤك وأكبر المصائب فقدك وان كتاب الله ليعد بجميل العزاء فيك حسن العوض منك فأنتجز من الله موعده فيك بالصبر عنك وأستخلصه بالاستغفار لك تأبين الاحنف بن قيس وقامت فرغانة بنت أوس بن حجر على قبر الأحنف بن قيس وهي على راحلة فقالت إنا لله وإنا اليه راجعون رحمك الله أبا بحر من مجن في جنن ومدرج في كفن فوالذي ابتلاني بفقدك وبلغنا يوم موتك لقد عشت حميدا ومت فقيدا ولقد كنت عظيم الحلم فاضل السلم رفيع العماد واري الزناد منيع الحريم سليم الاديم وان كنت في المحافل لشريفا وعلى الارامل لعطوفا ومن الناس لقريبا وفيهم لغريبا وان كنت لمسودا والى الخلفاء لموفدا وان كانوا لقولك لمستمعين ولرأيك لمتبعين ثم انصرفت وصف عمرو بن العاص لمعاوية قال ابو الحسن قال عمرو بن العاص ما رأيت معاوية قط متكئا على يساره واضعا احدى رجليه على الاخرى كاسرا أحدى عينيه يقول للذي يكلمه يا هناه إلا رحمت الذي يكلمه كلام لعمر بن الخطاب وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كونوا أوعية الكتاب وينابيع العلم وسلو الله رزق يوم بيوم ولا يضيركم ان لا يكثر لكم بين معاوية وعائشة وكتب معاوية الى عائشة ان اكتبي الي بشيء سمعته من أبي القاسم فكتبت اليه سمعت ابا القاسم يقول من عمل بما يسخط الله عاد حامده من الناس له ذاما
وصية عالم لابنه
أوصى بعض العلماء ابنه فقال أوصيك بتقوى الله وليسعك بيتك واملك عليك لسانك وابك على خطيئتك فضل الشورى قال بكر بن أبي بكر القرشي قال اعرابي ما غبنت قط حتى يغبن قومي قيل وكيف ذلك قال لا أفعل شيئا حتى أشاورهم قيل لرجل من عبس ما اكثر صوابكم قال نحن ألف رجل وفينا حازم ونحن نطيعه فكأننا ألف حازم الحجاج اول مجر لنوع من السفن وأول صانع للمحامل قال ابو الحسن أول من اجرى في البحر السفن المقيرة المسمرة غير المخرزة والمدهونة وغير ذوات الجآجى ء وكان أول من عمل المحامل الحجاج قال بعض رجاز الاكرياء اول عبد عمل المحاملا أخزاه ربي عاجلا وآجلا وقال آخر شيب اصداغي وهن بيض محامل لقدها نقيض كلام بعض الاعراب قال الاصمعي سمعت اعرابيا يقول لوتنحل رجل أخا شقيقا لم يأمن ان يبدو منه ما يبدو من الثوب ذي الخرق فرحم الله رجلا أغضى على الاقذاء واستمتع بالظاهر وقال الاصمعي سمعت بعض الاعراب يقول من ولد الخير أنتج له فراخا تطير بالسرور ومن ولد الشر أنبت له نباتا مرا مذاقه قضبانه الغيظ وثمره الندم وأنشد النضر بن شميل يحب بقائي المشفقون ومدتي الى اجل لو يعلمون قريب وما أربي في أرذل العمر بعدما لبثت شبابي قبله ومشيبي وانشد ابن الأعرابي يا ابن الزبير جزاك الله لائمة هلا انتهيتم وفي الأقوال تعتيب تنزو لتدرك من كعب غطارفة لاتستوي بسرة العرجون والطيب كما ترى فرخ عش لا حراك به وفوقه من نسال الريش تزغيب
ما فيكم قد علمنا من محافظة يوم الحفاظ ولا خيرا لمنكوب وأنتم تحت أرواق البيوت اذا هبت شآمية درن طحاريب أنتم مناخ الخنا قبحا لخلتكم فكلكم يابني البلقاء مقشوب في ذمتي ان تضجوا من مصادمتي كما تضج من الحر الجناديب ما بين أدبس نتاج له دفر ومقصد القلب ذي ستين معصوب خالي سماعة فاعلم لا خفاء به لقد هوى بك يادفين شنخوب صعب مناكبه تعيا الكماة به خوفا وتصطادهم منه كلاليب وأنشد ابن المعذل تواعد للبين الخيلط لينبتوا وقالوا لراعي الظهر موعدك السبت ففاجأني بغتا ولم أخش بينهم وأفظع شيء حين يفجؤك البغت مضى لسليمان منذ مالم ألاقها سنون توالت بيننا خمس أو ست وفي النفس حاجات اليكم كثيرة بربانها في الحي لو اخر الوقت تأيمت حتى لامني كل صاحب رجاء سليمى ان يئيم كما إمت لئن بعت حظي منك يوما بغيره لبئس اذا يوم التغابن ما بعت تمنى رجال ان اموت وعهدهم بأن يتمنوا لو حييت اذا مت وقد علموا عند الحقائق أنني اخو ثقة ما ان ونيت ولا إنت واني و قد سيرت نبلي وإنني كأني وقد وقعت أنصالها رشت وقال احمد بن المعذل انشدني اعرابي من طي ولست بميال الى جانب الغنى اذا كانت العلياء في جانب الفقر وإني لصبار على ما ينوبني وحسبك ان الله أثنى على الصبر خطبة للحجاج حدثني محمد بن يحيى بن علي عن عبد الحميد عن عبد الله بن ابي عبيدة ابن محمد بن عمار بن ياسر قال خرج الحجاج يريد العراق واليا عليها في اثنى عشر راكبا على النجائب حتى دخل الكوفة فجأة حين انتشر النهار وقد كان بشر بن مروان بعث المهلب الى الحرورية فبدأ الحجاج بالمسجد فدخله ثم صعد المنبر وهومتلثم بعمامة خز حمراء فقال علي بالناس فحسبوه وأصحابه خوارج فهموا به حتى اذا اجتمع الناس في المسجد قام فكشف عن وجهه ثم قال انا ابن جلا وطلاع الثنايا متى اضع العمامة تعرفوني اما والله إني لأحتمل الشر بحمله وأحذوه بنعله وأجزيه بمثله وإني لأرى رؤوسا قد اينعت وحان قطافها واني لصاحبها واني لانظر الى الدماء ترقرق بين العمائم واللحى قد شمرت عن ساقها فشمر ثم قال هذا أوان الشد فاشتدي زيم قد لفها الليل بسواق حطم ليس براعي إبل ولا غنم ولا بجزار على ظهر وضم وقال أيضا قد لفها الليل بعصلبي أروع خراج من الدوي مهاجر ليس باعرابي إني والله يا اهل العراق ومعدن الشقاق والنفاق ومساوى ء الاخلاق ما أغمز تغماز التين ولا يقعقع لي بالسنان ولقد فررت عن ذكاء وفتشت عن تجربة وجريت من الغاية ان امير المؤمنين كب كنانته ثم عجم عيدانها فوجدني أمرها عودا وأصلبها عمودا فوجهني اليكم فانكم طالما أوضعتم في الفتن واضطجعتم في مراقد الضلال وسننتم سنن الغي اما والله لألحونكم لحو العصا ولأعصبنكم عصب السلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل فانكم لكأهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون إني والله لا أعد إلا وفيت ولا أهم إلا امضيت ولا أخلق إلا فريت فإياي وهذه الجماعات وقال وقيل وما تقول وفيم انتم وذاك أما والله لتستقيمن على طريق الحق أو لأدعن لكل رجل منكم شغلا في جسده من وجدت بعد ثلاثة من بعث المهلب سفكت دمه وأنهيت ماله ثم دخل منزله كتاب الحجاج الى قطري بسم الله الرحمن الرحيم قال ابو الحسن كتب الحجاج بن يوسف الى قطري بن الفجاءة
سلام عليك اما بعد فانك مرقت من الدين مروق السهم من الرمية قد علمت حيث تجرثمت ذلك انك عاص لله ولولاة امره غير انك اعرابي جلف أمي تستطعم الكسرة وتشتفي بالتمرة والامور عليك حسرة خرجت لتنال شبعة فلحق به طغام صلوا بمثل ما صليت به من العيش يهزون الرماح ويستنشقون الرياح على خوف وجهد من أمورهم وما أصبحوا ينتظرون اعظم مما جهلوا معرفته ثم اهلكهم الله بنزحتين والسلام جواب قطري بن الفجاءة فأجابه قطري بن الفجاءة من قطري بن الفجاءة الى الحجاج بن يوسف سلام على الهداة من الولاة الذين يرعون حريم الله ويرهبون نقمه فالحمد لله على ما اظهر من دينه وأظلع به أهل السفالة وهدى به من الضلالة ونصر به عند استخفافك بحقه كتبت إلي تذكر اني اعرابي جلف أمي استطعم الكسرة واشتفي بالتمرة ولعميري يا ابن أم الحجاج انك لميت في جبتك مطلخم في طريقتك وفي وثيقتك لا تعرف الله ولا تجزع من خطيئتك يئست واستيأست من ربك فالشيطان قرينك لا تجاذبه وثاقك ولاتنازعه خناقك فالحمد لله الذي شاء ابرز لي صفحتك وأوضح لي طلعتك فوالذي نفس قطري بيده لعرفت ان مقارعة الابطال ليست كتصدير المقال مع اني ارجو ان يدحض الله حجتك وان يمنحني مهجتك بين معاوية وعدي بن حاتم قال خالد بن يزيد الطائي كتب معاوية الى عدي بن حاتم حاجيتك ما لا ينسى يعني قتل عثمان فذهب عدي بالكتاب الى علي فقال ان المرأة لا تنسى قاتل بكرها ولا أبا عذرها فكتب اليه عدي ان ذلك مني كليلة شيباء وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى يا غلام ارفع ذلك النشيل يعني روثا وقيل له أين خرج هذا الحبن قال تحت منكبي وقيل لقتيبة اين خرج بك هذا الخراج قال بين الرانفة والصفنة وقيل لرقبة ما بال القراء أشد شيء نهمة وغلمة قال اما الغلمة فانهم لا يزنون وأما النهمة فلأنهم يصومون وعرض عليه رجل الغداء فقال له يا هذا ان أقسمت علي وإلا فدعني وقال مورق العجلي ما تكلمت بكلمة في الغضب أندم عليها في الرضى وقد سألت الله حاجة منذ اربعين سنة فما اجابني ولا يئست منها ولا اتكلم إلا فيما يعنيني قيل مكتوب في حكمة داود عليه السلام على العاقل ان يكون عالما بأهل زمانه مالكا للسانه مقبلا على شأنه ولما قدم الفرزدق الشام قال له جرير وكان هناك ما ظننت انك تقدم بلدا انا فيه قال الفرزدق إني طالما خالفت رأي العجزة وقال يونس بن حبيب اذا قالوا غلب الشاعر فهو الغالب واذا قالوا مغلب فهو المغلوب قال امرؤ القيس وإنك لم يفخر عليك كعاجز ضعيف ولم يغلبك مثل مغلب وقال بعضهم إني امرؤ ينفع قومي مشهدي أذب عنهم بلساني ويدي وقال قتيبة بن مسلم اذا غزوتم فأطيلوا الاظفار وقصروا الشعور ونظر مخنث الى شيخ قبيح الوجه في الطريق فقال ألم ينهكم سليمان بن داود عليهما السلام عن الخروج بالنهار وعزى اعرابي ناسا فقال يرحم الله فلانا لقد كان كثير الإهالة دسم الاشداق وقال الشاعر ترى ودك السديف على لحاهم كلون الراء لبده الصقيع وقال اعرابي رحم الله فلانا ان كان لضخم الكاهل ثم جلس وسكت وقال اخر كان والله نقي الاظفار قليل الاسرار وسار رجل اعرابيا بحديث فقال أفهمت قال بل نسيت هجاء واثلة السدوسي لعبد الله بن المهلب قال واثلة بن خليفة السدوسي يهجو عبد الملك بن المهلب لقد صبرت للذل أعواد منبر تقوم عليها في يديك قضيب بكى المنبر الغربي اذا قمت فوقه وكادت مسامير الحديد تذوب رأيتك لماشبت أدركك الذي يصيب سراة الأزد حين تشيب سفاهة أحلام وبخل بنائل وفيك لمن عاب المزون عيوب وقد أوحشت منهم رساتيق فارس وبالمصر دور جمة ودروب اذا عصبة ضجت من الجرح ناسيت مزوينة ان النسيب نسيب رثاء بشار لعمر بن حفص وقال بشار الأعمى في عمر بن حفص ما بال عينك دمعها مسكوب حربت فأنت بنومها محروب وكذاك من صحب الحوادث لم يزل تأتي عليه سلامة ونكوب يا أرض ويحك أكراميه فانه لم يبق للعتكي فيك ضريب أبهى على خشب المنابر قائما يوما وأحزم إن تشب حروب ان الرزية لا رزية مثلها يوم ابن حفص في الدماء خضيب لا يستجيب ولا يحير لسانه ولقد يحير لسانه ويجيب غلب العزاء على ابن حفص والأسى إن العزاء بمثله مغلوب إذ قيل أصبح في المقابر ثاويا عمر وشق لواؤه المنصوب فظللت أندب سيف آل محمد عمرا وعز هنالك المندوب فعليك يا عمر السلام فاننا باكوك ما هبت صبا وجنوب قال اسماعيل بن غزوان الاصوات الحسنة والعقول الحسان كثيرة والبيان الجيد والجمال البارع قليل وذكر ابو الحارث صاحب مسجد ابن رغبان فقال ان حدثته سابقك الى ذلك الحديث وان سكت عنه اخذ في الترهات وقال ابو وهب انا استثقل الكلام كما يستثقل حريث السكوت كما قال ابن شبرمة لاياس بن معاوية شكلي وشكلك لا يتفقان أنت لا تشتهي ان تسكت وانا لا اشتهي ان أسمع وقال ابو مقتل بن درست اذا لم يكن المستمع احرص على الاستماع من القائل على القول لم يبلغ القائل في منطقه وكان النقصان الداخل على قوله بقدر الخلة بالاستماع منه وقال ابن بشار البرقي كان عندنا واحد يتكلم في البلاغة فسمعته يقول لو كنت انا ليس انا وانا ابن من انا منه لكنت انا انا وانا ابن من انا منه فكيف وانا انا وابن من انا منه وقالوا ثلاث يسرع اليهن الخلف الحريق والتزويج والحج
قال المهلب ليس شيء أنمى من بقية السيف فوجد الناس تصديق قوله فيما نال ولده من السيف وصار فيهم من النماء وقال علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه بقية السيف أنمى عددا واكثر ولدا ووجد الناس ذلك بالعيان للذي صار اليه ولده من نهك السيف وكثرة الذرء وكرم النجل قال الله تبارك وتعالى ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب وقال بعض الحكماء قتل البعض احياء للجميع وقال همام الرقاشي أبلغ أبا مسمع عني مغلغلة وفي العتاب حياة بين أقوام قدمت قبلي رجالا لم يكن لهم في الحق ان يلجوا الأبواب قدامي لو عد قبر وقبر كنت أكرمهم قبرا وأبعدهم من منزل الذام حتى جعلت اذا ما حاجة عرضت بباب قصرك أدلوها بأقوام الحجاج وامرأة خارجية وقال الحجاج لامرأة من الخوارج والله لاعدنكم عدا ولاحصدنكم حصدا فقالت أنت تحصد والله يزرع فانظر أين قدرة المخلوق من قدرة الخالق ولم يظهر من عدد القتلى مثل الذي ظهر في آل ابي طالب وآل الزبير وال المهلب وقال الشاعر في ال الزبير ال الزبير بنو حرة مروا بالسيوف صدورا حناقا يموتون والقتل داء لهم يغيثون يوم السباق السباقا اذا فرج القتل من عيصهم ابى ذلك العيص الا اتفاقا احترقت دار ثمامة فقالوا له ما اسرع خلف الحريق قال فأنا استحرق الله وقال ثمامة سمعت قاصا بعبادان يقول في دعائه اللهم ارزقنا الشهادة وجميع المسلمين قال وتساقط الذبان على وجهه فقال الله اكبر كثر الله بكم القبور قال وسمع اعرابي رجلا يقرأ سورة براءة فقال ينبغي ان يكون هذا اخر القران قيل له ولم قال رأيت عهودا تنبذ وقال ابو عبد العزيز قال الغزال القاص في قصصه ليت الله لم يكن خلقني وأنا الساعة أعور فحكيت ذلك لأبي عتاب الجزار فقال أبوعتاب بئس ما قال وددت والله الذي لا إله الا هو ان الله لم يكن خلفني وأني الساعة أعمى مقطوع اليدين والرجلين عمر والزبرقان والحطيئة ولما استعدى الزبرقان على الحطيئة فأمر عمر بقطع لسانه قال الزبرقان نشدتك الله يا امير المؤمنين ان تقطعه فان كنت لا بد فاعلا فلا تقطعه في بيت الزبرقان قيل له انه لم يذهب هناك انما اراد ان يقطع لسانه عنك برغبة أو رهبة من كلام العرب وتقول العرب قتلت أرض جاهلها وقتل أرضا عالمها وتقول ذبحني العطش والمسك الذبيح وركب بنو فلان الفلاة فقطع العطش أعناقهم وتقول العرب فلان لسان القوم ونابهم الذي يفترون عنه وهؤلاء أنف القوم وخراطيمهم وبيان لسان الارض يوم القيامة وفلان اصطلمه الوادي وفلان عين البلد قال الاصمعي قال رجل لأبي عمرو بن العلاء أكرمك الله قال محدثة قال وكان ابو عون يقول كيف انت أصلحك الله وكان الاصمعي يقول قولهم جعلت فداك وجعلني الله فداك محدث وقد روى علماء البصريين ان الحسن لما سمع صراخا في جنازة أم عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر فالتفت قال له عبد الأعلى جعلت فداك لا والله ما أمرت ولا شعرت قال الاصمعي صلى أعرابي فأطال الصلاة والى جانبه ناس فقالوا ما أحسن صلاته قال وانا مع هذا صائم قال الشاعر صلى فأعجبني وصام فرابني عد القلوص عن المصلى الصائم وقال طاهر بن الحسين لأبي عبد الله المروزي منذكم صرت الى العراق يا أبا عبدالله قال دخلت العراق منذ عشرين سنة وانا أصوم الدهر منذ ثلاثين سنة قال يا أبا عبدالله سألناك عن مسألة فأجبتنا عن مسألتين العرب والمراثي بسم الله الرحمن الرحيم قال عوانة قال زياد بن أبيه من سعادة الرجل ان يطول عمره ويرى في عدوه مايسره قال الباهلي قيل لأعرابي مابال المراثي أجود أشعاركم قال لأنا نقول وأكبادنا تحترق قال ابو الحسن كانت بنو أمية لا تقبل الراوية إلا ان يكون راوية للمراثي قيل ولم ذاك قال لأنها تدل على مكارم الاخلاق عمر والشعر وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه من خير صناعات العرب الابيات يقدمها الرجل بين يدي حاجته يستنزل بهاالكريم ويستعطف بها اللئيم وقال شعبة كان سماك بن حرب اذا كان له الى الوالي حاجة قال فيه أبياتا ثم يسأله حاجته لص ينطق بالحكمة قال ابوالحسن كان شظاظ لصا فأغار على قوم من العرب فطرد نعمهم فساقها ليلته حتى أصبح فقال رجل من أصحابه لقد أصبحنا على قصد من طريقنا قال ان المحسن معان عبد الملك بن مروان وتعقله وقال ابو الحسن أربى غلام من بني علي على عبد الملك وعبد الملك يومئذ غلام فقال له كهل من كهولهم لما رآه ممسكا عن جواب المربي عليه لو شكوته الى عمه انتقم لك منه قال أمسك يا كهل فاني لا أعد انتقام غيري انتقاما قال ابو الحسن خاص جلساء عبد الملك يوما في قتل عثمان فقال رجل منهم يا أمير المؤمنين في اي سنك كنت يومئذ قال كنت دون المحتلم قال فما من حزنك عليه قال شغلني الغضب له عن الحزن عليه وكان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه اذا اشترى رقيقا قال اللهم ارزقني انصحهم حياء وأطولهم عمرا وكان اذا استعمل رجلا قال ان العمل كبر فانظر كيف تخرج منه الكرخي المتفقة ومضى أبو عبد الله الكرخي الى الربض فجلس على بابه ونفش لحيته وادعى الفقه فوقف عليه رجل فقال له اني أدخلت إصبعي في أنفي فخرج عليها دم فقال احتجم قال جلست طبيبا أو فقيها قالوا بينا الشعبي جالس في مجلسه وأصحابه يناظرونه في الفقه واذا شيخ بقربه قد أقبل عليه بعد ان طال جلوسه فقال له اني أجد في قفاي حكة أفترى لي ان أحتجم قال الشعبي الحمد لله الذي حولنا من الفقه الى الحجامة وذكر ناس رجلا بكثرة الصوم وطول الصلاة وشدة الاجتهاد فقال اعرابي كان شاهدا لكلامهم بئس الرجل هذا أيظن ان الله لا يرحمه حتى يعذب نفسه هذا التعذيب وقال ابن عون أدركت ثلاثة يتشددون في السماع وثلاثة يتساهلون في الأغاني فأما الذين يتساهلون فمحمد بن سيرين والقاسم بن محمد ورجاء حيوة وقال رجل من أصحاب ابن لهيعة ما رأيت أحسن أدبا من عبدالله بن المبارك والمعافى بن عمران قال ابو الحسن حدثني عبد الأعلى قال رأيت الطرماح مؤدبا بالري فلم أر احدا آخذ لعقول الرجال ولا أجذب لأسماعهم الى حديثه منه ولقد رأيت الصبيان يخرجون من عنده كأنهم قدجالسوا العلماء وكان رجل يبلغه كلام الحسن البصري فبينا الرجل يطوف بالبيت اذا سمع رجلا يقول عجبا لقوم أمروا بالزاد ونودي فيهم بالرحيل وحبس أولهم على اخرهم قال فقلت في نفسي هذا الحسن قال وأربعة من قريش كانوا رواة الناس للأشعار وعلماءهم بالأنساب والاخبار مخرمة بن نوفل بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة وأبو الجهم بن حذيفة بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عوف وحويطب بن عبد العزى وعقيل بن أبي طالب وكان عقيل أكثرهم ذكرا لمثالب الناس فعادوه لذلك وقالوا فيه وحمقوه وسمعت ذلك العامة منهم فلا تزال تسمع الرجل يقول قد سمعت الرجل يحمقه حتى ألف بعض الاعداء فيه الاحاديث فمنها قولهم ثلاثة حمقاء كانوا اخوة ثلاثة عقلاء والأم واحدة علي وعقيل وأمهما فاطمة بنت أسد بن هاشم وعتبة ومعاوية ابنا أبي سفيان وأمهما هند بنت عتبة بن ربيعة وعبد الملك ومعاوية ابنا مروان وأمهما عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن ابي العاص فكيف وجعدة بن هبيرة يقول
أبي من بني مخزوم ان كنت سائلا ومن هاشم أمي لخير قبيل فمن ذا الذي يبأى علي بخاله وخالي علي ذو الندى وعقيل قال قدامة بن موسى بن عمر بن قدامة بن مظعون وخالي بغاة الخير تعلم أنه جدير بقول الحق لا يتوعر وجدي علي ذو التقى وابن أمه عقيل وخالي ذو الجناحين جعفر فنحن ولاة الخير في كل موطن اذا ما ونى عنه رجال وقصروا وقال حسان إن خالي خطيب جابية الجو لان عند النعمان حين يقوم وهو الصقر عند باب ابن سلمى يوم نعمان في الكبول سقيم وسطت نسبتي الذوائب منهم كل دار فيها اب لي عظيم وأبى في سميحة القائل الفا صل يوم التفت عليه الخصوم يفصل القول بالبيان وذو الرأي من القوم ظالع مكعوم تلك أفعاله وفعل الزبعري خامل في صديقه مذموم رب حلم أضاعه عدم المال وجهل غطى عليه النعيم ولي الناس منكم اذ أتيتم اسرة من بني قصي صميم وقريش تجول منا لو اذا أن يقيموا أو خف منها الحلوم لم تطق حمله العواتق منهم إنما يحمل اللواء النجوم عقيل بن أبي طالب وكان عقيل رجلا قد كف بصره وله بعد لسانه ونسبه وأدبه وجوابه فلما فضل نظراءه من العلماء بهذه الخصال صار لسانه بها أطول وغاضب عليا وأقام بالشام فكان ذلك أيضا اطلق للسان الباغي والحاسد فيه وزعموا أنه قال له معاوية هذا ابو يزيد لولا انه علم أني خير له من أخية لما اقام عندنا وتركه فقال له عقيل أخي خير لي في ديني وانت خير لي في دنياي وقال له مرة انت معنا يا أبا يزيد قال ويوم بدر كنت معكم وقال معاوية يوما يا اهل الشام هل سمعتم قول الله تبارك وتعالى في كتابه تبت يدا ابي لهب وتب قالوا نعم قال فان أبا لهب عمه فقال عقيل فهل سمعتم قول الله عز وجل وامرأته حمالة الحطب قالوا نعم قال فانها عمته قال معاوية حسبنا ما لقينا من أخيك وذكروا ان امرأة عقيل وهي فاطمة بنت عتبة بن ربيعة قالت يا بني هاشم لا يحبكم قلبي ابدا اين أبي اين عمي أين اخي كأن اعناقهم أباريق الفضة ترد انفهم قبل شفاهم قال لها عقيل اذا دخلت جهنم فخذي على شمالك وقيل لعمر رضي الله تعالى عنه فلان لا يعرف الشر قال ذلك أجدر ان يقع فيه وسمع أعرابي رجلا يقرأ وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري فأعيننا جزاء لمن كان كفر قالها بفتح الكاف فقال الاعرابي لا يكون فقرأها عليه بضم الكاف وكسر الفاء فقال الاعرابي يكون تشابيه من الشعر قال الشاعر بدا البرق من نحو الحجاز فشاقني وكل حجازي له البرق شائق سرى مثل نبض العرق والليل دونه وأعلام أبلى كلها والأسالق وقال الآخر أرقت لبرق آخر الليل يلمع سرى دائبا فيها يهب ويهجع سرى كاحتساء الطير والليل ضارب بأرواقه والصبح قد كاد يسطع المنصور والشاب الهاشمي حدثني ابراهيم بن السندي عن ابيه قال دخل شاب من بني هاشم على المنصور فسأله عن وفاة أبيه قال مرض ابي رضي الله تعالى عنه يوم كذا ومات رضي الله تعالى عنه يوم كذا وترك رضي الله تعالى عنه من المال كذا ومن الولد كذا فانتهره الربيع وقال بين يدي امير المؤمنين توالى بالدعاء لأبيك فقال الشاب لا ألومك لانك لم تعرف حلاوة الآباء قال فما علمنا ان المنصور ضحك في مجلسه ضحكا قط افتر عن نواجذه إلا يومئذ أداب الملوك وحدثني ابراهيم بن السندي عن أبيه قال دخل شاب من بني هاشم على المنصور فاستجلسه ذات يوم ودعا بغدائه فقال للفتى أدنه فقال قد تغديت يا أمير المؤمنين فكف عنه الربيع حتى ظننا انه لم يفطن لخطابه فلما نهض للخروج أمهله فلما كان من وراء الستر دفع في قفاه فلما رأى ذلك الحجاب منه دفعوا في قفاه حتى اخرجوه من الدار فدخل رجال من عمومة الفتى فشكوا الربيع الى المنصور فقال المنصور ان الربيع لا يقدم على مثل هذا إلا وفي يديه حجة فان شئتم اغضيتم على ما فيها وان شئتم سألته وانتم تسمعون قالوا فاسأله ودعا الربيع وقصوا قصته فقال الربيع هذا الفتى كان يسلم من بعيد وينصرف فاستدناه امير المؤمنين حتى سلم عليه من قريب ثم أمره بالجلوس ثم تبذل بين يديه واكل ثم دعاه الى طعام ليأكل معه من مائدته فبلغ به الجهل بفضيلة المرتبة التي صيره فيها الى ان قال حين دعاه الى غدائه قد تغديت واذا ليس عنده لمن تغدى مع امير المؤمنين الا سد خلة الجوع ومثل هذا لا يقومه القول دون الفعل حدثني ابراهيم بن السندي عن أبيه قال والله اني لواقف على رأس الرشيد والفضل بن الربيع واقف في الايسر والحسن اللؤلؤي يسائله ويحدثه عن أمور وكان اخر ما سأله عن بيع أمهات الاولاد فلولا أني ذكرت ان سلطان ما وراء الستر للحاجب وسلطان الدار لصاحب الحرس وان سلطاني انما هوعلى من خرج من حدود الدار لقد كنت اخذت بضعه واقمته فلما ان صرنا وراء الستر قلت له والفضل يسمع أما والله لو كان هذا منك في مسايرة أو موقف لعلمت ان للخلافة رجالا يصونونها عن مجلسك وحدثني ابراهيم بن السندي قال بينا الحسن اللؤلؤي في بعض الليالي بالرقة يحدث المأمون والمأمون يومئذ أمير اذ نعس المأمون فقال له اللؤلؤي نمت ايها الامير ففتح المأمون عينه وقال سوقي والله خذ يا غلام بيده قال وكنا يوما عند زياد بن محمد بن منصور بن زياد وقد هيأ لنا الفضل بن محمد طعاما ومعنا في المجلس خادم وكان لا يتهم فجاء رسول الفضل الى زياد فقال يقول لك اخوك قد أدرك طعامنا فتحولوا ومعنا في المجلس ابراهيم النظام واحمد بن يوسف وقطرب النحوي في رجال من أدباء الناس وعلمائهم فما منا احد فطن لخطأ الرسول فأقبل عليه مبشر الخادم فقال يا ابن اللخناء تقف على رأس سيدك فتستفتح الكلام كما يستفتحه الرجل من عرض الناس ألا تقول يا سيدي يقول لك أخوك ترى ان تصير الينا باخوانك فقد تهيأ أمرنا وابتعت خادما كان قد خدم أهل الثروة واليسار وأشباه الملوك فمر به خادم من معارفه ممن قد خدم الملوك فقال ان الاديب وان لم يكن ملكا فقد يجب على الخادم ان يخدمه خدمة الملوك فانظر ان تخدمه خدمة تامة قلت له وما الخدمة التامة قال الخدمة التامة ان تقوم في دارك لبعض الامر وبينك وبين النعل ممشى خمس خطى فلا يدعك ان تمشي اليها ولكن يأخذها ويدنيها منك ومن كان يضع النعل اليسرى قدام الرجل اليمنى فلا ينبغي لمثل هذا ان يدخل دار ملك ولا أديب ومن الخدمة التامة ان يكون اذا رأى متكئا يحتاج الى مخدة ان لا ينتظر أمرك ويتعاهد ليقة الدواة قبل ان تأمره ان يصب فيها ماء أو سوادا وينفض عنها الغبار قبل ان يأتيك بها وان رأى بين يديك قرطاسا على طية قطع رأسه ووضع بين يديك على كسرة وأشباه ذلك ولما كلم عروة بن مسعود الثقفي رسول الله كان في ذلك ربما مس لحية النبي فقال له المغيرة بن شعبة نح يدك عن لحية رسول الله قبل ان لا ترجع اليك يدك فقال عروة يا غدر وهل غسلت رأسك من غدرتك الا بالامس ونادى رجال من وفد بني تميم النبي باسمه من وراء الحجرات فقال الله تعالى ان الذين ينادونك من وراء الحجرات اكثرهم لا يعقلون وقال الله عز وجل ذكره لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا وقال ابن هرمة أو غيره لله در سميذع فجعت به يوم البقيع حوادث الايام هش اذا نزل الوفود ببابه سهل الحجاب مؤدب الخدام فاذا رأيت شقيقه وصديقه لم تدر أيهما أخو الأرحام شيء من نوادر الاعراب قال ابو الحسن بينا هشام يسير ومعه أعرابي اذ انتهى الى ميل عليه كتاب فقال للأعرابي أنظر اي ميل هذا فنظر ثم رجع اليه فقال عليه محجن وحلقه وثلاثة كأطباء الكلبة ورأس كأنه رأس قطاة فعرفه هشام بصورة الهجاء ولم يعرفه الاعرابي وكان عليه خمسة وهي من نوادر الاعراب استشهدوا اعرابيا على رجل وامرأة فقال رأيته قد تقمصها يحفزها بمؤخرة ويجذبها بمقدمه وخفي علي المسلك وقال آخر رأيته قد تبطنها ورأيت خلخالها شائلا وسمعت نفسا عاليا ولا علم لي بشيء بعد وقال أعرابي رأيت هذا قد تناول حجرا فالتف بهذا وحجز الناس بينهم واذا هذا يستدمي كلام في الشيب وقال بعضهم الشيب نذير الآخرة وقال قيس بن عاصم الشيب خطام المنية وقال آخر الشيب توأم الموت وقال الحكيم شيب الشعر موت الشعر وموت الشعر علة موت البشر وقال المعتمر بن سليمان الشيب اول مراحل الموت وقال السهمي الشيب تمهيد الحمام وقال العتابي الشيب تاريخ الكتاب وقال النمري الشيب عنوان الكبر وقال عدي بن زيد العبادي وابيضاض السواد من نذر الشر وهل مثله لحي نذير وقال الآخر أصبح الشيب في المفارق شاعا واكتسى الرأ س من بياض قناعا ثم ولى الشباب إلا قليلا ثم يأبى القليل الا نزاعا كلمات لأشعب وقال رجل لأشعب ما شكرت معروفي عندك قال لان معروفك جاء من عند غير محتسب فوقع الى غير شاكر وخفف أشعب الصلاة مرة فقال له بعض أهل المسجد خففت صلاتك جدا فقال لانه لم يخالطها رياء كلام بعض المتكلمين من الخطباء الحمد لله كما هو أهله والسلام على انبيائه المقربين الطيبين أخي لا تغترن بطول السلامة مع تضييع الشكر ولا تعملن نعمة الله في معصيته فان أقل ما يجب لمهديها ألا يجعلها ذريعة في مخالفته واعلم ان النعم نوافر ولقلما أقشعت نافرة فرجعت في نصابها فاستدع شاردها بالتوبة واستدم الراهن منها بكرم الجوار واستفتح باب المزيد بحسن التوكل ولا تحسب ان سبوغ ستر نعم الله عليك غير متقلص عما قريب اذا لم ترج لله وقارا واني لأخشى ان يأتيك أمر الله بغتة أو لإملاء فهو اولى مغبة وأثبت في الحجة ولأن لا تعلم ولا تعمل خير من ان تعلم ولا تعمل ان الجاهل العامل لم يؤت من سوء نية ولا استخفاف بربوبية وليس كمن قهرته الحجة وأعرب له الحق مفصحا عن نفسه فآثر الغفلة والخسيس من الشهوة على الله تبارك وتعالى فأسمحت نفسه عن الجنة وأسلمها لأبد العقوبة فاستشر عقلك وراجع نفسك وادرس نعم الله عليك وتذكر إحسانه اليك فانه مجلبة للحياء ومردعة للشهوة ومشحذة على الطاعة فقد أظل البلاء أو كأن قد فكفكف عنك غرب شؤبوبه وجوائح سطواته بسرعة النزع وطول التضرع ثلاث هي أسرع في العقل من النار في يبيس العرفج إهمال الفكرة وطول التمني والاستغراب في الضحك ان الله لم يخلق النار عبثا ولا الجنة هملا ولا الانسان سدى فاعترف رق العبودية وعجز البشرية فكل زائد ناقص وكل قرين مفارق وكل غني محتاج وإن عصفت به الخيلاء وأبطره العجب وصال على الاقران فانه مذال مدبر ومقهور ميسر ان جاع سخط المحنة وان شبع بطر النعمة ترضية اللمحة فيستشري مرحا وتغضبه الكلمة فيستطير شفقا حتى تنفسخ لذلك منته وتنتقض مريرته وتضطرب فريصته وتنتشر عليه حجته وللعجب من لبيب توبقه الحياطة ويسلم مع الاضاعة ويؤتى من الثقة ولا يشعر بالعاقبة ان أهمل عمي وان علم نسي كيف لم يتخذ الحق معقلا ينجيه والتوكل ذائدا يحميه أعمي عن الدلائل وعن وضوح الحجة أم آثر الخسيس على الاجل النفيس وكيف توجد هذه الصفة مع صحة العقيدة واعتدال الفطرة وكيف يشير رائد العقل بايثار القليل الفاني على الكثير الباقي وما أظن الذي أقعدك عن تناول الحظ مع قرب مجناه حتى صار لا يثنيك زجر الوعيد ولا يقدح في عزماتك فوت الجنة وحتى ثقلت على سمعك الموعظة ونأت عن قلبك العبرة الا طول مجاورة التقصير واعتياد الراحة والانس بالهوينا وإيثار الاخف وإلف قرين السوء فاذكر الموت وأدم الفكرة فيه فان من لم يعتبر بما رأى لا يعتبر بما لا يرى وان كان ما يوجد بالعيان من مواقع العبرة لا يكشف لك عن قبيح ماانت عليه وهجنة ما أصبحت فيه من إيثار باطلك على حق الله واختيار الوهن على القوة والتفريط على الحزم والاشفاق على الدون واصطناع العار والتعرض للمقت وبسط لسان العائب فمستنبطات الغيب احرى بالعجز عن تحريكك ونقلك عن سوء العادة التي اثرتها على ربك فاسحي للبك واستبق ما أفضل الخذلان من قوتك قبل ان يستولي عليه الطبع ويشتد عليه العجز أو ما علمت ان المعصية تثمر المذلة وتفل غرب اللسان مع السلاطة بل ما علمت ان المستشعر بذل الخطيئة المخرج نفسه من كنف العصمة المتحلي بدنس الفاحشة قطف الثناء زمر المروءة قصي المجلس لا يشاور وهو ذو بذلاء ولا يصدر وهو جميل الرواء يسالم من كان يسطو عليه ويضرع لمن كان يرغب اليه يجذل بحاله المبغض الشاني ويثلب بقربه القريب الداني غامض الشخص ضئيل الصوت نزر الكلام متلجلج الحجة يتوقع الاسكات عند كل كلمة وهو يرى فضل مزيته وصريح لبه وحسن فضيلته ولكن قطعه سوء ما جنى على نفسه ولولم تطلع عليه عيون الخليقة لهجت العقول بادهانه وكيف يمتنع من سقوط القدر وظن المتفرس من عري من حلية التقوى وسلب طائع الهدى ولو لم يتغشه ثوب سريرته وقبيح ما احتجن اليه من مخالفة ربه لأضرعته الحجة ولفسخه وهن الخطيئة ولقطعه العلم بقبيح ما قارف عن اقتدار ذوي الطهارة في الكلام وإدلال أهل البراءة في النداء وهذه حال الخاطى ء في عاجل الدنيا فإذا كان يوم الجزاء الاكبر فهو عان لا يفك وأسير لا يفادى وعارية لا تؤدى فاحذر عادة العجز وإلف الفكاهة وحب الكفاية وقلة الاكتراث للخطيئة والتأسف على الفائت منها وضعف الندم في أعقابها أخي أنعي اليك القاسي فانه ميت وان كان متحركا وأعمى وان كان رائيا فأحذر القسوة فانها رأس الخطايا وأمارة الطبع وهي الشوهاء العاقر والداهية العقام وأراك تركض في حبائلها وتستقبس من شررها ولا بأس ان يعظ المقصر ما لم يكن هاذيا ولن يهلك امرؤ عرف قدره ورب حامل علم الى من هو أعلم منه علمنا الله واياكم ما فيه نجاتنا وأعاننا وإياكم على تأدية ماكلفنا والسلام قال وقلت لحباب انك تكذب في الحديث فقال وما عليك اذا كان الذي أزيد فيه أحسن منه فوالله ماينفعك صدقه ولا يضرك كذبه وما يدور الامر الا على لفظ جيد ومعنى حسن ولكنك والله لو أردت ذلك لتلجلج لسانك وذهب كلامك نوادر لبعض الاعراب قال ابو الحسن سمع أعرابي رجلا يقول أشهد ان محمدا رسول الله قال يفعل ماذا وكان يقال اول العلم الصمت والثاني الاستماع والثالث الحفظ والرابع العمل به والخامس نشره وقال ابو الحسن قرأ رجل في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فان زللتم من بعد ما جائتكم البينات فأعلموا ان الله غفور رحيم فقال الاعرابي لا يكون واعظ بين يدي المهدي قال ودخل على المهدي صالح بن عبد الجليل فسأله ان يأذن له في الكلام فقال تكلم فقال انا لما سهل علينا ما توعر على غيرنا من الوصول اليك قمنا مقام الأداء عنهم وعن رسول الله باظهار ما في أعناقنا فريضة الأمر والنهي عند انقطاع عذر الكتمان في التقية ولا سيما حين اتسمت بميسم التواضع ووعدت الله وحملة كتابه ايثار الحق على ما سواه فجمعنا وإياك مشهد من مشاهد التمحيص لينم مؤدبنا على موعود الأداء عنهم وقابلنا على موعد القبول اويردنا تمحيص الله إيانا في اختلاف السر والعلانية ويحلينا بحلية الكاذبين فقد كان أصحاب رسول الله يقولون من حجب الله عنه العلم عذبه على الجهل وأشد منه عذابا من أقبل اليه العلم وأدبر عنه ومن اهدى الله اليه علما فلم يعمل به فقد رغب عن هدية الله وقصر بها فاقبل ما اهدى الله اليك من السنتنا قبول تحقيق وعمل لا قبولا فيه سمعة ورياء فانه لا يخلفك منا إعلام لما تجهل أو مواطأة على ما تعلم أو تذكير لك من غفلة فقد وطن الله تبارك وتعالى نبيه على نزولها تعزية عما فات وتحصينا من التمادي ودلالة على المخرج فقال وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه هو السميع العليم فاطلع الله على قلبك بما ينور الله به القلوب من ايثار الحق ومنابذة الأهواء فانك ان لم تفعل ذلك يرى أثرك وأثر الله عليك فيه ولا حول ولا قوة الا بالله
تعزية معاوية عن سن سقطت له
قال ودخل رجل على معاوية وقد سقطت أسنانه فقال يا أمير المؤمنين ان الاعضاء يرث بعضها بعضا فالحمد لله الذي جعلك وارثها ولم يجعلها وارثتك تأبين عمر بن عبد العزيز لولده وحدثنا اسماعيل بن علية قال حدثنا زياد بن حسان أنه شهد عمر بن عبد العزيز حين دفن ابنه عبد الملك فلما سوى عليه قبره بالارض وجعلوا على قبره خشبتين من زيتون احداهما عند رأسه والاخرى عند رجليه ثم جعل قبره بينه وبين القبلة واستوى قائما واحاط به الناس قال رحمك الله يا بني فقد كنت برا بأبيك ومازلت مذ وهبك الله لي بك مسرورا ولا والله ماكنت قط مسرورا بك ولا أرجي لحظي من الله فيك منذ وضعتك في الموضع الذي صيرك الله اليه فغفر الله لك ذنبك وجازاك بأحسن عملك وتجاوز عن سيئاتك ورحم الله كل شافع يشفع لك بخير من شاهد وغائب رضينا بقضاء الله وسلمنا لأمره فالحمد لله رب العالمين ثم انصرف حديث عمرو بن معاوية وحدثني محمد بن عبيد بن عمر قال اخبرني طارق بن المبارك عن أبيه قال قال لي عمرو بن معاوية بن عتبة جاءت هذه الدولة وأنا حديث السن كثير العيال منتشر الأموال فكنت لا اكون في قبيلة إلا شهر أمري فلما رأيت ذلك عزمت على ان أفدي حرمي بنفسي قال المبارك فأرسل إلي ان وافني عند باب الامير سليمان بن عبد الملك قال فأتيته فاذا عليه طيلسان أبيض مطبق وسراويل وشي مسدولة قال فقلت يا سبحان الله ما تصنع الحداثة بأهلها ان هذا لبس من لباس هذا اليوم قال لا والله لكن ليس عندي ثوب ألا أشهى ما ترى قال فأعطيته طيلساني واخذت طيلسانه ولويت سراويله الى ركبتيه قال فدخل ثم خرج إلي مسرورا قال فقلت له حدثنا ما جرى بينك وبين الامير قال دخلت عليه ولم يرني قبل ذلك فقلت أصلح الله الامير لفظني البلاء اليك ودلني فضلك عليك فإما قبلتني غانما وإما رددتني سالما قال من انت اعرفك قال فانتسبت له فقال أقعد فتكلم غانما سالما ثم اقبل علي فقال حاجتك يا ابن أخي قال فقلت ان الحرم اللاتي انت اقرب الناس اليهن معنا وأولى الناس لهن بعدنا قد خفن بخوفنا ومن خاف خيف عليه قال فوالله ما أجابني الا بدموعه فقال يا ابن أخي يحقن الله دمك ويحفظ حرمك يوفر عليه مالك ولو أمكنني ذلك في جميع قومك لفعلت قال فقلت أكون متواريا أو ظاهرا فقال كن متواريا كظاهر فكنت والله اكتب اليه كما يكتب الرجل الى ابيه وعمه قال فلما فرغ من الحديث رددت اليه طيلسانه فقال مهلا ان ثيابنا اذا فارقتنا لم ترجع الينا بعض أحاديث النوكى ومن أحاديث النوكى حدثت عن أبي سعيد الرفاعي انه سئل عن الدنيا والدايسة فقال أما الدنيا فهذه التي انتم فيها وأما الدايسة فهي دار بائنة من هذه الدار لم يسمع أهلها بهذه الدار ولا بشيء من أمرها الا انه قد صح عندنا ان بيوتهم من قثاء وسقوفهم من قثاء وأنعامهم من قثاء وهم في أنفسهم من قثاء وقثاؤهم ايضا من قثاء قالوا له يا أبا سعيد زعمت ان اهل تلك الدار لم يسمعوا بهذه الدار ولا بشيء من امرها وكذلك نحن لهم وأراك تخبرنا عنهم بأخبار كثيرة قال فمن ثمة أعجب زيادة قالوا ذم رجل عند الاحنف الكمأة بالسمن فقال رب ملوم لا ذنب له عباد الله بن مسلم عن شيبة بن عقال ان رجلا قال في مجلس عبيد الله بن زياد ما اطيب الاشياء فقال رجل ما شيء اطيب من تمرة برسيان كأنها من آذان النوكى عليتها بزبدة وقال أوس بن حارثة لابن عامر ظلت عقاب النوك تخفق فوقه رخو طفاطفه قديم الملعب قد ظل يوعدني وعين وزيره خضراء خاشعة كعين العقرب يعني بوزيره عبد الله بن عمير الليثي وكان أخاه لأمه أمهما دجاجة بنت أسماء السلمية وقال ابن مناذر في خالد بن عبد الله بن طليق الخزاعي وكان المهدي استقضاه وعزل عبيد الله بن الحسن العنبري اتى دهرنا والدهر ليس بمعتب بآبدة والدهر جم الأوابد
بعزل عبيد الله عنا فيا له خلافا وباستعمال ذي النوك خالد بحيران عن قصد السبيل تصده خيانة سلام ولحية قائد أذلك من ريب الزمان وصرفه واحداثه ام نحن في حلم راقد وقال أيضا قل لأمير المؤمنين الذي من هاشم في سرها واللباب ان كنت للسخطة عاقبتنا بخالد فهو أشد العذاب أصم أعمى عن سبيل الهدى قدضرب الجهل عليه الحجاب يا عجبا من خالد كيف لا يخطيء فينا مرة بالصواب وقال خالد بحكم في الناس يحكم الجاثليق يا ابا الهيثم ما كنت لهذا بخليق لا ولا كنت لما حملت منه بمطيق اي قاض انت للظلم وتعطيل الحقوق قال يقطع كف القاذف المفتري ويجلد اللص ثمانينا سقيا ورعيا لك من حاكم يحيى لنا السنة والدينا وقال زهرة يا قوم من دل على عالم يعلم ما حد حر سارق وقال آخر واني لمضاء على الهول واحدا ولو ظل ينهاني اخيفش شاحج تشبه للنوكى أمور كثيرة وفيها لاكياس الرجال مخارج وقال آخر ولا يعرفون الشر حتى يصيبهم ولايعرفون الامر إلا تدبرا وقال غيره اذا ظعنوا عن دار ضيم تعاذلوا عليها وردوا وفدهم يستقيلها وقال النابغة لا يسحبون الخير لا شر بعده ولا يحسبون الشر ضربة لازب والعرب تقول أخزى الله الرأي الدبري وقالوا وجه الحجاج الى مطهر بن عمار بن ياسر عبد الرحمن بن سليم الكلبي فلما كان بحلوان أتبعه الحجاج مددا وعجل عليه بالكتاب مع تحيت الغلط وانما قيل له ذلك لكثرة غلطه فمر تحيت بالمدد وهم يعرضون بخانقين فلما قدم على عبد الرحمن قال له اين تركت مددنا قال تركتهم يخنقون بعارضين قال أو يعرضون بخانقين قال نعم اللهم لا نخانق في باركين ولما ذهب يجلس ضرط وكان عبد الرحمن أراد ان يقول ألا تغدى فقال ألا تضرط قال قد فعلت أصلحك الله قال ماهذا أردت قال صدقت ولكن الامير غلط كما غلطنا فقال انا غلطت من فمي وغلط هو من استه باب من البله الذي يعترى من قبل العبادة وترك التعرض للتجارب وهو كما قال ابو وائل أسمعكم تقولون الدانق والقيراط فأيما أكثر قالوا وكان عامر بن عبد الله بن الزبير في المسجد وكان قد أخذ عطاءه فقام الى منزله ونسيه فلما صار في منزله وذكره بعث رسولا ليأتيه به فقال له وأين تجد ذلك المال قال سبحان الله أو يأخذ احد ما ليس له ابو الحسن قال قال سعيد بن عبد الرحمن الزبيري سرقت نعل عامر بن عبد الله الزبيري فلم يتخذ نعلا حتى مات وقال اكره ان أتخذ نعلا فلعل رجلا ان يسرقها فيأثم وقالوا ان الخلفاء والأئمة أفضل من الرعية وعامة الحكام أفضل من المحكوم عليه ولهم لأنهم أفقه في الدين وأقوم بالحقوق وأرد على المسلمين وعلمهم بهذا أفضل من عبادة العباد ولأن نفع ذلك لا يعدو قمم رؤوسهم ونفع هؤلاء يخص ويعم والعبادة لا تدله ولا تورث البله إلا لمن آثر الوحدة وترك معاملة الناس ومجالسة أهل المعرفة فمن هناك صاروا بلها حتى صار لا يجيء من أعبدهم حاكم ولا إمام وما أحسن ما قال أيوب السختياني حيث يقول في أصحابي من أرجو دعوته ولا أقبل شهادته فاذا لم يجز في الشهادة كان من ان يكون حاكما أبعد وقال الشاعر وعاجز الرأي مضياع لفرصته حتى اذا فات أمر عاتب القدرا ومن غير هذا الباب قوله
اذا ما الشيخ عوتب زاد شرا ويعتب بعد صبوته الوليد وقال علي بن ابي طالب كرم الله تعالى وجهه من أفضل العبادة الصمت وانتظار الفرج وقال الشاعر اذا تضايق أمر فانتظر فرجا فأضيق الامر أدناه من الفرج وقال الفرزدق وإني وسعدا كالحوار وأمه اذا وطئته لم يضره اعتمادها وقال أعرابي تعلمني بالعيش عرسي كأنما تبصر في الأمر الذي انا جاهله يعيش الفتى بالفقر يوما وبالغنى وكل كأن لم يلق حين يزايله وقال آخر شهدت وبيت الله انك بارد الثنايا لذيذ لثمها حين تلثم وقال غيره الله يعلم يا مغيرة أنني قد دستها دوس الحصان الهيكل وأخذتها أخذ المقصب شاته عجلان يشويها لقوم نزل وقال آخر شهدت وبيت الله أنك بارد الثنايا وأن الكشح منك لطيف وأنك مشبوح الذراعين خلجم وأنك إذ تخلو بهن عفيف وقال اخر فهلا من وزار أو حصين حميتم فرج حاضنة كعاب وأقسم انه قد حل منها محل السيف من قعر القراب وقال اخر أترجو ان تسود ولن تعنى وكيف يسود ذو الدعة البخيل وقال الهذلي وإن سيادة الاقوام فاعلم لها صعداء مطلبها طويل وقال جرير بن الخطفي تريدين ان أرضى وانت بخيلة ومن ذا الذي يرضى الاخلاء بالبخل
وقال اسحق بن حسان بن قوهي ودون الندى في كل قلب ثنية لها مصعد حزن ومنحدر سهل وود الفتى في كل نيل ينيله اذا ما انقضى لو أن نائله جزل وقال آخر عزمت على إقامة ذي صباح لشيء ما يسود من يسود وقال آخر وتعجب ان حاولت منك تنصفا وأعجب منه ما تحاول من ظلمي أبا حسن يكفيك ما فيك شاتما لعرضك من شتم الرجال ومن شتمي قال آخر كما قال الحمار لسهم رام لقد جمعت من شتى لأمر وقال آخر أراك حديدة في رأس قدح ومتن جلالة من ريش نسر وقال آخر اذاما مات مثلي مات شيء يموت بموته بشر كثير اشعر منه عبدة بن الطبيب حيث يقول في قيس بن عاصم فماكان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما قال امرؤ القيس في شبيه بهذا المعنى فلو أنها نفس تموت سوية ولكنها نفس تساقط أنفسا وقال آخر وزهدني في صالح العيش أنني رأيت يدي في صالح العيش قلت وقال معن بن أوس ولقد بدا لي أن قلبك ذاهل عني وقلبي لو بدا لك أذهل كل يجامل وهو يخفى بغضه ان الكريم على القلا يتجمل وقال ركاض نرامي فترمي نحن منهن في الشوى ويرمين لا يعدلن عن كبد سهما اذا ما لبسن الحلى والوشى أشرقت وجوه ولبات يثلبننا الحلما ولين السبوب حمرة قرشية زبيرية يعلمن في لونها علما
وقال اخر أعلل نفسي بما لا يكون كما يفعل المائق الأحمق
وقال آخر تولت بهجة الدنيا فكل جديدها خلق وخان الناس كلهم فما أدري بمن أثق رأيت معالم الخيرات سدت دونها الطرق فلا حسب ولا أدب ولا دين ولا خلق وقال ابو الأسود الدؤلي لنا جيرة سدوا المجازة بيننا فان ذكروك السد فالسد أكيس ومن خير ما الصقت بالدار حائط يزل به صقع الخطاطيف أملس وقال آخر عقمت أم اتتنا بكم ليس فيكم رجل غير دني واذا ما الناس عدوا شرفا كنتم من ذك في بال رخي وقال آخر قد بلوناك بحمد الله ان أغني البلاء فاذا كل مواعيدك والجحد سواء وقال آخر ولقد هززتك للمديح فكنت ذا نفس لكيعه انت الرقيع ابن الرقيع ابن الرقيع ابن الرقيعه وقال آخر لكل أناس سلم يرتقى به وليس الينا في السلاليم مطلع وغايتنا القصوى حجاز لمن به وكل حجاز ان هبطناه بلقع وينفر منا كل وحش وينتمي الى وحشنا وحش البلاد فيرتع وقال آخر لو جرت خيل نكوصا لجرت خيل دفافه هي لا خيل رجاء لا ولا خيل مخافه وقال الخزيمي
اخلع ثيابك من أبي دلف واهرب من الفجفاجة الصلف لا يعجبنك من أبي دلف وجه يضيء كدرة الصدف إني رأيت أخي أبا دلف عند الفعال مولد الشرف وأنشد ابن الأعرابي أهلكتني بفلان ثقتي وظنون بفلان حسنه ليس يستوجب شكرا رجل نلت خيرا منه من بعد سنه كنت كالهادي من الطير راى طمعا أدخله في سجنه زادني قرب صديقي فاقة أورثت من بعد فقر مسكنه وأنشدنا اذا المرء أولاك الهوان فأوله هوانا وان كانت قريبا أواصره فان انت لم تقدر على ان تهينه فذره الى اليوم الذي انت قادره وقارب اذا ما لم تكن لك قدرة وصمم اذا ايقنت أنك عاقرة وقال بعض ظرفاء الاعراب واذا خشيت من الفؤاد لجاجة فاضرب عليه بجرعة من رائب وهذا من شكل قوله ذكرتك ذكره فاصطدت ضبا وكنت اذا ذكرتك لا اخيب وقال بعض المحدثين ما أشبه الإمرة بالوصل وأشبه الهجران بالعزل وقالت الخنساء لم تره جارة يمشي بساحتها لريبة حين يخلي بيته الجار مثل الرديني لم تدنس عمامته كأنه تحت طي البرد إسوار وقال آخر ناديت هيذان والأبواب مغلقة ومثل هيذان سنى فتحة الباب كالهندواني لم تفلل مضاربه وجه جميل وقلب غير وجاب وقال آخر أرى كل ريح سوف تسكن مرة وكل سماء ذات در ستقلع ولست بقوال اذا قام حالبا لك الويل لا تجهد لعلك ترضع
ولكن اذا جادت بما دون حلبها جهدنا ولم نمذق بما نتوسع
وقال آخر تمنى رجال ان اموت وغايتي الى اجل اقصى مداه قريب وما رغبتي في آخر الدهر بعدما لبست شبابي كله ومشيبي واصبحت في قوم كأن لست منهم وباد قروني منهم وضروبي وقال رأيت الناس لما قل مالي وأكثرت الغرامة ودعوني فلما ان غنيت وثاب وفري اذ هم لا أبالك راجعوني وقال آخر وكنا نستطب اذا مرضنا فصار سقامنا بيد الطبيب فكيف نجيز غصتنا بشيء ونحن نغص بالماء الشريب وقال عدي بن زيد لو بغير الماء حلقي شرق كنت كالغصان بالماء اعتصاري وقال التوت اليماني ويروي التوب بالباء والتوت هوالصواب وهو المعروف بتويت فكبره هنا على اي باب اطلب الإذن بعدما حجبت من الباب الذي أنا حاجبه وقال آخر لا تضجرن ولا تدخلك معجزة فالنجح يهلك بين العجز الضجر وقال محمد بن بشر إن الامور اذا انسدت مسالكها فالصبر يفتح منها كل ما ارتتجا لا تيأسن وان طالت مطالبة اذا استعنت بصبر ان ترى فرجا أخلق بذي الصبر ان يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب ان يلجا وقال بعض الاعراب فان طعاما ضم كفي وكفا لعمرك عندي في الحياة مبارك فمن أجلها استوعب الزاد كله ومن اجلها تهوي يدي وتدارك وقال آخر كأني لما مسني السوط مقرم من العجم صعب ان يقاد نفور
فكم قد رأينا من لئيم موطأ صبور على مس السياط وقور وذي كرم في القوم نهد مشيع جزوع على مس السياط ضجور وقال أحيحة بن الجلاح إستغن عن كل ذي قربى وذى رحم إن الغنى من استغنى عن الناس والبس عدوك في رفق وفي دعة لباس ذي إربة للدهر لباس ولا يغرنك أضغان مزمله قد يضرب الدبر الدامي بأحلاس وقال أحيحة أيضا استغن أو مت ولا يغررك ذو نشب من ابن عم ولا عم ولا خال إني أكب على الزوراء اعمرها إن الكريم على الاقوام ذو المال يلوون ما عندهم عن حق أقربهم وعن عشيرتهم والمال بالوالي وقال آخر سأنبيك مالا بالمدينة إنني أرى عازب الأموال قلت فواضلة وقال آخر ولا خير في فضل اذا لم يكن له على طول مر الحادثات بقاء وقال العباس بن الأحنف لم يصف حب لمعشوقين لم يذقا وصلا يمر على من ذاقه العسل وقال بعض سفهاء الاعراب لا خير في الحب أبا السنور أو يلتقي أشعرها وأشعري وأطبق الخصية فوق المبعر وقال آخر وحظك زورة في كل عام مواقفة على ظهر الطريق سلاما خاليا من كل شيء يعود به الصديق على الصديق وقال عطارد ولا يلبت الحبل الضعيف اذ التوى وجاذبه الاعداء ان يتخذما وما يستوى السيفان سيف مؤنث وسيف اذا ما عض بالعظم صمما وقال طريح بن اسمعيل في الوليد بن يزيد بن عبد الملك سعيت ابتغاء الشكر فيما صنعت بي فقصرت مغلوبا وإني لشاكر
لانك تعطيني الجزيل بداهة وانت لما استكثرت من ذاك حاقر فأرجع مغبوطا وأرجع بالتي لها أول في المكرمات وآخر وقد قلت شعرا فيك لكن تقوله مكارم فيما تبتني ومفاخر قواصر عنها لم تحط بصفاتها يراد بها ضرب من الشعر آخر وقال آخر فكم من مليم لم يصب بملامه ومتبع بالذنب ليس له ذنب وكم من محب صد عن غير علة وان لم يكن في وصل خلته عتب وقال آخر لعل له عذرا وأنت تلوم وكم لائم قد لام وهو مليم كما قال الاحنف رب ملوم لا ذنب له وقال ابن المقفع فلا تلم المرء في شأنه فرب ملوم ولم يذنب وقال سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الانصاري وإن امرءا يمسي ويصبح سالما من الناس إلا ما جنى لسعيد
الجزء الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب العصا
الحمد لله ولا حول ولا قوة الا بالله وصلى الله تعالى على محمد خاصة وعلى أنبيائه عامة
هذا أبقاك الله تعالى الجزء الثالث من القول في البيان والتبيين وما شابه ذلك من غرر الاحاديث وشاكله من عيون الخطب ومن الفقر المتسحسنة والنتف المتخيرة والمقطعات المستخرجة وبعض ما يجوز في ذلك من أشعار المذاكرة والجوابات المنتخبة ونبدأ على اسم الله تعالى بذكر مذهب الشعوبية ومن يتحلى باسم التسوية وبمطاعنهم على خطباء العرب بأخذ المخصرة عند مناقلة الكلام ومساجلة الخصوم بالموزون والمقفى والمنثور الذي لم يقف وبالارجاز عند المتح وعند مجاثاة الخصم وساعة المشاولة وفي نفس المجادلة و المحاولة وكذلك الاسجاع عند المنافرة المفاخرة واستعمال المنثور في خطب الجمالة وفي مقامات الصلح وسل السخيمة والقول عند المعاقرة والمعاهدة وترك اللفظ يجري على سجيته وعلى سلامته حتى يخرج على غير صنعة ولا اختلاف تأليف ولا التماس قافية ولا تكلف لوزن مع الذي عابوا من الاشارة بالعصي والاتكاء على أطراف القسي وخد وجه الارض بها واعتمادها عليها اذا استحفزت في كلامها وافتنت يوم الحفل في مذاهبها ولزومهم العمائم في أيام الجموع وأخذ المخاصر في كل حال وجلوسها في خطب النكاح وقيامها في خطب الصلح وكل ما دخل في باب الحمالة وأكد شأن المحالفة وحقق حرمة المجاورة وخطبهم على رواحلهم في المواسم العظام والمجامع الكبار والتماسح بالاكف والتحالف على النار والتعاقد على الملح وأخذ العهد المؤكد واليمين الغموس مثل قولهم ما سرى نجم وهبت ريح وبل بحر صوفة وخالقت جرة درة ولذلك قال الحارث بن حلزة اليشكري
واذكروا حلف ذي المجاز وماقدم فيه العهود والكفلاء حذرالخون والتعدي وهل تنقض ما في المهارق الاهواء وقال أوس بن حجر اذا استقبلته الشمس صد بوجهه كما صد عن نار المهول حالف وقال الكميت كهولة ما اوقد المحلفون لدي الحالفين وما هولوا وقال الاول حلفت بالملح والرماد وبالنار وبالله تسلم الحلقه حتى يظل الجواد منعقرا وتخضب النبل غرة الورقه وقال الاول حلفت لهم بالملح والجمع شهد وبالنار واللأت التي هي أعظم وقال الخطيئة في إضجاع القسي أم من لخصم مضجعين قسيهم صعر خدودهم عظام المفخر وقال لبيد بن ربيعة في خد وجه الارض بالقسي والعصي نشين صحاح البيد كل عشية بعوج السراء عند باب محجب ومثله اذا اقتسم الناس فضل الفخار أطلنا على الارض ميل العصا ومثله حكمت لنا في الارض يوم محرق أيامنا في الناس حكما فيصلا وقال لبيد بن ربيعة في ذكر القسي ما ان أهاب اذا السرادق عمه قرع القسي وأرعش الرعديد وقال كثير في الاسلام اذا قرعوا المنابر ثم خطوا بأطراف المخاصر كالغضاب وقال ابو عبيدة سأل معاوية شيخا من بقايا العرب اي العرب رأيته أضخم شأنا قال حصن بن حذيفة رأيته متوكئا على قوسه يقسم في الحليفين أسد وغطفان وقال لبيد بن ربيعة في الاشارة
غلب تشذر بالدحول كأنها جن البدي رواسيا أقدامها وقال معن بن أوس المزني ألا من مبلغ عني رسولا عبيد الله اذ عجل الرسالا تعاقل دوننا أبناء ثور ونحن الاكثرون حصى ومالا اذا اجتمع القبائل جئت ردفا أمام الماسحين لك السبالا فلا تعطي العصا الخطباء يوما وقد تكفي المقادة والمقالا وقال الآخر في حمل القناة اني امرؤ لا تخطاه الرفاق ولا جدب الخوان اذا ما استثني المرق صلب الحيازيم لا هذر الكلام اذا هز القناة ولا مستعجل زهق وقال جرير الخطفى في حمل القناة من للقناة اذا ما عي قائلها وللأعنة ياعمرو بن عمار قالوا وهذا مثل قول أبي المجيب الربعي حيث يقول لا تزال تحفظ أخاك حتى يأخذ القناة فعند ذلك يفضحك أو يمدحك يقول اذا قام يخطب فقد قام المقام الذي لا بد من ان يخرج منه مذموما أو محمودا وقال عبد الله بن رؤبة سال رجل رؤبة عن أخطب بني تميم فقال خداش بن بشر ابن لبيد بن خالد يعني البعيث الشاعر وانما قيل له البعيث لقوله تبعث مني ما تبعث بعد ما أمرت حبالى كل مرتها شزرا وقال ابو اليقظان كانوا يقولون أخطب بني تميم البعيث اذا أخذ القناة فهزها ثم اعتمد بها على الارض ثم رفعها قال يونس لعمري لئن كان مغليا في الشعر لقد كان غلب في الخطب وفي حديث النبي انه جاء البقيع ومعه مخصرة فجلس فنكت بها الارض ثم رفع رأسه فقال مامن نفس منفوسة الا وقد كتب مكانها من الجنة أو النار وهو من حديث ابي عبد الرحمن السلمي ومما يدلك على استحسانهم شأن المخصرة حديث عبد الله بن أنيس ذي المخصرة وهو صاحب ليلة الجهني وكان النبي أعطاه مخصرة فقال تلقاني بها في الجنة وهو مهاجر عقبى أنصاري وهو ذو المخصرة في الجنة
مطاعن الشعوبية على العرب بشأن العصا
وقالت الشعوبية ومن يتعصب للعجمية القضيب للايقاع والقناة للقار والعصا للقتال والقوس للرمي وليس بين الكلام وبين العصا سبب ولا بينه وبين القوس نسب وهما الى ان يشغلا العقل ويصرفا الخواطر ويعترضا الذهن أشبه وليس في حملها ما يشحذ الذهن ولا في الاشارة بها ما يجلب اللفظ وقد زعم أصحاب الغناء ان المعنى اذاضرب على غنائه قصر عن المغني الذي لا يضرب على غنائه وحمل العصا بأخلاق الفدادين أشبه وهو بجفاة الاعراب وعنجهية أهل البدو ومزاولة إقامة الإبل على الطرق أشكل وبه أشبه وقالوا والخطابة شيء في جميع الامم وبكل الاجيال اليه أعظم الحاجة حتى ان الزنج مع الغثارة ومع فرط الغباوة ومع كلال الحد وغلظ الحس وفساد المزاج لتطيل الخطب وتفوق في ذلك جميع العجم وان كانت معانيها أجفى وأغلظ وألفاظها أخطأ وأجهل وقد علمنا ان اخطب الناس الفرس واخطب الفرس اهل فارس واعذبهم كلاما واسهلهم مخرجا واحسنهم ولاء واشدهم فيه تحنكا اهل مرو وافصحهم بالفارسية الدرية وباللغة الفهلوية اهل قصبة الاهوار فأما نغمة الهربذ ونغمة الموبذان فلصاحب تفسير الزمزمة قالوا ومن احب ان يبلغ في صناعة البلاغة ويعرف الغريب ويتبحر في اللغة فليقرأ كتاب كاروند ومن احتاج الى العقل والادب والعلم بالمراتب والعبر والمثلات والالفاظ الكريمة والمعاني الشريفة فلينظر الى سير الملوك فهذه الفرس ورسائلها وخطبها وألفاظها ومعانيها وهذه يونان ورسائلها وخطبها وعللها وحكمها وهذه كتبها في المنطق التي قد جعلتها الحكماء بها تعرف السقم من الصحة والخطأ من الصواب وهذه كتب الهند في حكمها وأسرارها وسيرها وعللها فمن قرأ هذه الكتب عرف غور تلك العقول وغرائب تلك الحكم وعرف اين البيان والبلاغة واين تكاملت تلك الصناعة فكيف سقط على جميع الامم من المعروفين بتدقيق المعاني وتخير الالفاظ وتمييز الامور ان يشيروا بالقنا والعصي والقضبان والقسي كلا ولكنكم كنتم رعاة بين الابل والغنم فحملتم القنا في الحضر بفضل عادتكم لحملها في السفر وحملتموها في المدر بفضل عادتكم لحملها في الوبر وحملتموها في السلم بفضل عادتكم لحملها في الحرب ولطول اعتيادكم لمخاطبة الابل جفا كلامكم وغلظت مخارج اصواتكم حتى كأنكم إنما تخاطبون الصمان اذا كلمتم الجلساء وإنما كان جل قتالكم بالعصي ولذلك فخر الاعشى على سائر العرب فقال لسنا نقاتل بالعصي ولا نرامي بالحجارة إلا علالة أو بداهة قارح نهد الجزارة وقال الآخر فان تمنعوا منا السلاح فعندنا سلاح لنا لا يشترى بالدراهم جنادل أملاء الأكف كأنها رؤس رجال حلقت بالمواسم وقال جندل الطهوي حتى اذا دارت رحى لا تجري صاحت عصي من قنا وسدر وقال آخر دعا ابن مطيع للبياع فجئته الى بيعة قلبي لها غير الف فناولني خشناء لما لمستها بكفي ليست من اكف الخلائف من الشثنات الكزم انكرت مسها وليست من البيض الرقاق اللطائف معاودة حمل الهراوي لقومها فرورا اذاما كان يوم التنائف وقال آخر ما للفرزدق من عز يلوذ به الا بني العم في أيديهم الخشب مطاعن الشعوبة على العرب بشأن الآت الحرب قالوا وإنما كانت رماحكم من مران وأسنتكم من قرون البقر وكنتم تركبون الخيل في الحرب أعراء فان كان الفرس ذا سرج فسرجه رحالة من أدم ولم يكن ذا ركاب والركاب من اجود الآت الطاعن برمحه والضارب بسيفه وربما قام فيهما أو اعتمد عليهما وكان فارسكم يطعن بالقناة الصماء وقد علمنا ان الجوفاء أخف محملا وأشد طعنة وتفخرون بطول القناة ولا تعرفون الطعن بالمطارد وانما القنا الطوال للرجالة والقصار للفرسان والمطارد لصيد الوحش وتفخرون بطول الرمح وقصر السيف فلوكان المفتخر بقصرالسيف الراجل دون الفارس لكان الفارس يفخر بطول السيف وان كان الطول في الرمح انما صار صوابا لانه ينال به البعيد ولا يفوته العدو ولان ذلك يدل على شدة أسر الفارس وقوة أيده فكذلك السيف العريض الطويل وكنتم تتخذون للقناة زجا وسنانا حين لم يقبض الفارس منكم على أصل قناته ويعتمد عند طعنته بفخذه ويستعين بحمية فرسه وكان أحدكم يقبض على وسط القناة ويخلف منها على مثل ما قدم فانما طعنكم الدره والنهزة والخلس والزج وكنتم تتساندون في الحرب وقد علم ان الشركة ردية في ثلاثة أشياء في الملك والحرب والزوجة وكنتم لا تقاتلون بالليل ولا تعرفون البيات ولا الكمين ولا الميمنة ولا الميسرة ولا القلب ولا الجناح ولا الساقة ولا الطليعة ولا النفاضة ولا الدراجة ولا تعرفون من آلة الحرب الرتيلة ولا العرادة ولا المجانيق ولا الدباب ولا الخنادق ولا الحسك ولاتعرفون الاقبية ولا السراويلات ولا تعليق السيوف ولا الطبول ولا البنود والتجافيف ولا الجواشن ولا الخود ولا السواعد ولا الاجراس ولا الوهق ولا الرمي بالبنجان ولا الزرق بالنفض لكم ولا النيران وليس لكم في الحرب صاحب علم يرجع اليه المنحاز ويتذكره المنهزم وقتالكم إما سلة وإما مزاحفة والمزاحفة على مواعد متقدمة والسلة مسارقة وفي طريق الاستلاب والخلسة قالوا والدليل على أنكم لم تكونوا تقاتلون بالليل قول العامري يا شدة ما شددنا غير كاذبة على سخينة لولا الليل والحرم ويدل على ذلك أيضا قول الحارث بن ضرار وعمرو اذ أتانا مستميتا كسونا رأسه عضبا صقيلا فلولا الليل ما آبوا بشخص يخبر أهلهم عنهم قليلا وقال أمية بن الاشكر ألم تر أن ثعلبة بن سعد غضاب حبذا غضب الموالي تركت مصرفا لما التقينا صريعا تحت أطراف العوالي ولولا الليل لم يغلب ضرار ولا رأس الحمار ابو جفال
رد الجاحظ على الشعوبية
قلنا ليس لكم فيما ذكرتم في هذه الاشعار دليل على ان العرب لا تقاتل بالليل وقد يقاتل بالليل والنهار من تحول دون ما له المدن وهول الليل وربما تحاجز الفريقان وان كان كل واحد منهما يرى البيات ويرى ان يقاتل اذا بيتوه وهذا كثير والدليل على أنهم كانوا يقاتلون بالليل قول سعد بن مالك في قتل كعب بن مزيقيا الملك الغساني وليلة تبع وخميس سعد أتونا بعد ما نمنا دبيبا فلم نهدأ لبأسهم ولكن ركبنا حد كوكبهم ركوبا بضرب تفلق الهامات منه وطعن يفصل الحلق الصليبا وقال بشر بن ابي خازم فأما تميم تميم بن مر فألفاهم القوم روبى نياما وقال عياض السندي ونحن نجلنا لابن ميلاء نحره بنجلاء من بين الجوانح تشهق ويوم بنى الديان نال أخاهم بأرماحنا بالسبي موت محدق ومنا حماة الجيش ليلة أقبلت إياد يزجيها الهمام محرق وقال آخر وعلى شتير راح منا رائح بأبي قبيصة كالفتيق المقرم يردي بشر حاف المغادر بعدما نشر النهار سواد ليل مظلم وقال عياض السندي لحمام بسطام بن قيس بعد ما جنحا الظلام بمثل لون العظلم وقال أوس بن حجر باتوا يصيب القوم ضيفا لهم حتى اذا ما ليلهم أظلما فردهم شهباء ملمومة مثل حريق النار أو أضرما والله لولا قرزل ما نجا وكان مثوى خدك الاخرما نجاك حياش هزيم له أحميت وسط الوبر الميسما وبعد فهل قتل ذؤاب الاسدي عتيبة بن الحارث بن شهاب الا وسط الليل الاعظم حين تبعوهم فلحقوهم وكانوا اذا اجتمعوا للحرب دخنوا بالنهار وأوقدوا بالليل قال عمرو بن كلثوم وذكر واقعة لهم ونحن غداة أوقد في خزازى رفدنا فوق رفد الرافدينا وقال خمخام السدوسي وإنا بالصليب ببطن فخ جميعا واضعين به لظانا ندخن بالنهار ليبصرونا ولانخفى على احد أتانا واما قولهم لايعرفون الكمين فقد قال ابو قيس بن الأسلت وأحرزنا المغانم واستبحنا حمى الاعداء والله المعين بغير خلابة وبغير مكر مجاهرة ولم يخبأ كمين وأما ذكرهم للركب فقد أجمعوا على ان الركب كانت قديمة الا ان ركب الحديد لم تكن في العرب الا ايام الازارقة وكانت العرب لا تعود انفسها اذا أرادت الركوب ان تضع أرجلها في الركب وإنما كانت تنزو نزوا وقال عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه لاتخور قوى ماكان صاحبها ينزو وينزع وقال عمر الراحة عقلة وإياكم والسمنة فانها عقلة ولهذه العلة قتل خالد بن سعيد بن العاص حين غشيه العدو وأراد الركوب ولم يجد من يحمله ولذلك قال عمر حين رأى المهاجرين والانصار لما أخصبوا وهم كثير منهم بمقاربة عيش العجم تمعدوا واخشوشنوا واقطعوا الركب وانزوا على الخيل نزوا وقال احفوا وانتعلوا فانكم لا تدرون متى تكون الجفلة وكانت العرب لا تدع اتخاذ الركاب للرحل فكيف تدع الركاب للسرج ولكنهم كانوا وان اتخذوا الركب فانهم لا يستعملونها الا عند مالا بد منه كراهية ان يتكلوا على بعض ما يورثهم الاسترخاء والتفتخ ويضاهون أصحاب الترفه والنعمة قال الاصمعي قال العمري كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يأخذ بيده اليمنى أذن فرسه اليسرى ثم يجمع جراميزه ويثب فكأنما خلق على ظهر فرسه وفعل مثل ذلك الوليد بن يزيد وهو يومئذ ولي عهد هشام ثم أقبل على مسلمة بن هشام فقال له أبوك يحسن مثل هذا فقال مسلمة لأبي مائة عبد يحسنون مثل هذا فقال الناس لم ينصفه في الجواب وزعم رجال من مشيختنا انه لم يقم احد من ولد العباس بالملك إلا وهو جامع لأسباب الفروسية وأما ما ذكروا في شأن رماح العرب فليس الامر في ذلك على ما يتوهمون وللرماح طبقات فمنها النيزك ومنها المربوع ومنها المخموس ومنها التام ومنها الخطل وهو الذي يضطرب في يد صاحبه لافراط طوله فاذا أراد الرجل ان يخبر عن شدة أسر صاحبه ذكره كما ذكر متمم بن نويرة أخاه مالكا فقال كان يخرج في الليلة الصنبرة عليه الشملة الفلوت بين المزادتين النضوحين على الجمل الثفال معتقل الرمح الخطل قالوا له وأبيك ان هذا لهو الجلد ولا يحمل الرمح الخطل منهم الا الشديد الأيد والمدل بفضل قوته عليه الذي اذا رآه الفارس في تلك الهيبة هابه وحاد عنه فان شد عليه كان أشد لاستخدامه له والحال الاخرى ان يخرجوا في الطلب بعقب الفارة فربما شد على الفارس المولي فيفوته بأن يكون رمحه مربوعا أو مخموسا وعند ذلك يستعملون النيازك والنيزك أقصر الرماح واذاكان الفارس الهارب يفوت الفارس الطالب زجه بالنيزك وربما هاب مخالطته فيستعمل الزج دون الطعن صنيع ذؤاب الاسدي بعتيبة بن الحارث بن شهاب وقال الشاعر وأسمر خطيا كأن كعوبه نوى القسب قد أرمى ذراعا على العشر وقال آخر هاتيك تحملني وأبيض صارما ومحربا في مارن مخموس وقال اخر تولوا وأطراف الرماح عليهم بوادر مربوعاتها وطوالها وهم قوم ألغارات فيهم كثيرة وبقدر كثرة الغارات كثر فيهم الطلب والفارس ربما زاد في طول رمحه ليخبر عن فضل قوته ويخبر عن قصر سيفه ليخبر عن فضل نجدته قال كعب بن مالك نصل السيوف اذا قصرن بخطونا قدما ونلحقها اذا لم تلحق قال آخر اذا الكماة تنحوا ان ينالهم حد الظباة وصلناها بأيدينا
وقال رجل من بني تميم بن نمير وصلنا الرقاق المرهفات بخطونا على الهول حتى أمكنتنا المضارب وقال حميد بن ثور الهلالي ووصل الخطا بالسيف والسيف بالخطا اذا ظن ان السيف ذو السيف قاصر وقال اخر الطاعنون في النحور والكلى شزرا ووصال السيوف بالخطا وأما ما ذكروا من أتخاذ الزج لسافلة الرمح والسنان لعاليته فقد ذكروا ان رجلا قتل أخوين في نقاب تقول العرب لقيته سقابا ونقابا اي مواجهة أحدهما بعالية الرمح والآخر بسافلته وقدم في ذلك راكب من قبل بني مروان على قتادة يستثبت الخبر فأثبته له من قبله وقال الآخر ان لقيس عادة تعتادها سل السيوف وخطأ تزدادها وقد وصفوا السيوف أيضا بالطول فقال عمارة بن عقيل بكل طويل السيف ذي خيزرانه جريء على الاعداء معتمد الشطب وأما وجملة القول انا لا نعرف الخطب الا للعرب والفرس وأما الهند فانما لهم معان مدونة وكتب مجلدة لا تضاف الى رجل معروف ولا الى عالم موصوف وأنما هي كتب متوارثة وآداب على وجه الدهر سائرة مذكورة ولليونانيين فلسفة وصناعة منطق وكان صاحب المنطق نفسه بكى ء اللسان غير موصوف بالبيان مع علمه بتمييز الكلام وتفصيله ومعانيه وبخصائصه وهم يزعمون ان جالينوس كان أنطق الناس ولم يذكروه بالخطابة ولا بهذا الجنس من البلاغة وفي الفرس خطباء الا ان كل كلام للفرس وكل معنى للعجم فانما هو عن طول فكرة وعن اجتهاد وخلوة وعن مشاورة ومعاونة وعن طول التفكر ودراسة الكتب وحكاية الثاني علم الاول وزيادة الثالث في علم الثاني حتى اجتمعت ثمار تلك الفكر عند آخرهم وكل شيء للعرب فانما هو بديهة وارتجال وكأنه إلهام وليست هناك معاناة ولا مكابدة ولا إجالة فكرة ولا استعانة وانما هو ان يصرف وهمه الى الكلام والى رجز يوم الخطام أو حين ان يمتح على رأس بئر أو يحدو ببعير أو عند المقارعة والمناقلة أو عند صراع أو في حرب فما هو الا ان يصرف وهمه الى جملة المذهب والى العمود الذي اليه يقصد فتأتيه المعاني ارسالا وتنثال عليه الالفاظ انثيالا ثم لا يقيده على نفسه ولا يدرسه أحدا من ولده وكانوا أميين لا يكتبون ومطبوعين لا يتكلفون وكان الكلام الجيد عندهم أظهر وأكثر وهم عليه اقدر واقهر وكل واحد في نفسه أنطق ومكانة من البيان أرفع وخطباؤهم أوجز والكلام عليهم اسهل وهو عليهم أيسر من ان يفتقروا الى تحفظ أو يحتاجوا الى تدارس وليس هم كمن حفظ علم غيره واحتذى على كلام من كان قبله فلم يحفظوا الا ما علق بقلوبهم والتحم بصدورهم واتصل بعقولهم من غير تكلف ولا قصد ولا تحفظ ولا طلب وان شيئا من الذي في أيدينا جزء منه لبالمقدار الذي لا يعلمه الا من احاط بقطر السحاب وعد التراب وهو الله الذي يحيط بما كان والعالم بما سيكون ونحن أبقاك الله أذا ادعينا للعرب اصناف البلاغة من القصيد والأرجاز ومن المنثور والاسجاع ومن المزدوج وما لا يزدوج فمعنا العلم على ان ذلك لهم شاهد صادق من الديباجة الكريمة والرونق العجيب والسبك والنحت الذي لا يستطيع أشعر الناس اليوم ولا أرفعهم في البيان ان يقول في مثل تلك الا في اليسير والنبذ القليل ونحن لا نستطيع ان نعلم ان الرسائل التي في أيدي الناس للفرس أنها صحيحة غير مصنوعة وقديمة غير مولدة اذا كان مثل ابن المقفع وسهل بن هرون وأبي عبيد الله وعبد الحميد وغيلان وفلان وفلان لا يستطيعون ان يولدوا مثل تلك الرسائل ويصنعوا مثل ذلك السير وأخرى انك متى أخذت بيد الشعوبي فأدخلته بلاد الاعراب الخلص ومعدن الفصاحة التامة ووقفته على شاعر مفلق أو خطيب مصقع علم ان الذي قلت هوالحق وأبصر الشاهد عيانا فهذا فرق مابيننا وبينهم فتفهم عني فهمك الله ما أنا قائل في هذا واعلم انك لم تر قوما قط أشقى من هؤلاء الشعوبية ولا اعدى على دينه ولا أشد استهلاكا لعرضه ولا أطول نصبا ولا أقل غنما من أهل هذه النحلة وقد شفى الصدور منهم طول جثوم الحسد على أكبادهم وتوقد نار الشنان في قلوبهم وغليان تلك المراجل الفائرة وتسعر تلك النيران المضطرمة ولو عرفوا أخلاق كل ملة وزي كل لغة وعللهم في اختلاف إشارتهم والاتهم وشمائلهم وهيآتهم وما علة كل شيء من ذلك ولم اختلقوه ولم تكلفوه لأراحوا أنفسهم ولخفت مؤونتهم على من خالطهم والدليل على ان أخذ العصا مأخوذ من أصل كريم ومن معدن شريف ومن المواضع التي لا يعيبها الا جاهل ولا يعترض عليها الا معاند اتخاذ سليمان ابن داود صلوات الله تعالى وسلامه على نبينا وعليه العصا لخطبته وموعظته ولمقاماته وطول صلاته ولطول التلاوة والانتصاب فجعلها لتلك الخصال جامعة قال الله عز وجل وقوله الحق فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته الا دابة الارض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن ان لوكان يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين والمنسأة هي العصا وقال ابو طالب حين قام بدم الرجل الذي ضرب زميله بالعصا فقتله حين تخاصما في حبل وتجاذبا أمن أجل حبل لا أباك علوته بمنسأة قد جاء حبل وأحبل وقال آخر اذا دببت على المنساة من كبر فقد تباعد عنك اللهو والغزل قال ابو عثمان وإنما بدأنا بذكر سليمان على نبينا وعليه الصلاة والسلام لأنه من أنبياء العجم والشعوبية اليهم أميل وعلى فضائلهم أحرص ولما أعطاهم الله اكثر وصفا وذكرا وقد جمع الله لموسى بن عمران في عصاه من البرهانات العظام والعلامات الجسام ما عسى ان يفي ذلك بعلامات عدة من المرسلين وجماعة من النبيين قال الله تبارك وتعالى فيما يذكر في عصاه ان هذان لساحران يريدان ان يخرجاكم من أرضكم بسحرهما الى قوله ولا يفلح الساحر حيث أتى فلذلك قال الحسن بن هانى ء في شأن خصيب وأهل مصر حين اضطربوا عليه فان تك من فرعون فيكم بقية فان عصا موسى بكف خصيب ألم تر ان السحرة لم يتكلفوا تغليط الناس والتمويه عليهم الا بالعصا ولا عارضهم موسى الا بعصاه وقال الله عز وجل وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين حقيق على الا أقول على الله الا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني اسرائيل قال ان كنت جئت بآية فأت بها ان كنت من الصادقين فألقى موسى عصاه فإذا هي ثعبان مبين وقال الله عز وجل قالوا يا موسى إما ان تلقي وإما ان نكون نحن الملقين قال القوا فلما القوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم وأوحينا الى موسى ان ألق عصاك فاذا هي تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون ألا ترى أنهم لما سحروا أعين الناس واسترهبوهم بالعصي والحبال لم يجعل الله للحبال من الفضيلة في اعطاء البرهان ما جعل للعصا وقدرة الله على تصريف الحبال في الوجوه كقدرته على تصريف العصا وقال الله تبارك وتعالى فلما أتاها نودي من شاطى ء الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة ان يا موسى إنني أنا الله رب العالمين وان ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين فبارك الله كما ترى على تلك الشجرة وبارك في تلك العصا وانما العصا جزء من الشجرة وقال الله عز وجل والارض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها وقالت الحكماء انما تبنى المدائن على الماء والكلأ والمحتطب فجمع بقوله أخرج منها ماءها ومرعاها النجم والشجر والملح واليقطين والبقل والعشب فذكر ما يقوم على ساق وما يتفنن وما يتسطح وكل ذلك مرعى ثم قال على النسق متاعا لكم ولأنعامكم فجمع بين الشجر والماء والكلأ والماعون كله لان الملح لا يكون الا بالماء ولا تكون النار الا من الشجر وقال تبارك وتعالى الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا فاذا انتم منه توقدون وقال أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشاتم شجرتها ام نحن المنشئون نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين والمرخ والعفار والسواس والعراجين وجميع عيدان النار وكل عود يقدح على طول الاحتكاك فهو غني بنفسه بالغ للمقوى وغير المقوى وحجر المرو يحتاج الى قراعة الحديد وهما يحتاجان الى العطية ثم الى الحطب والعيدان هي القادحة وهي المورية وهي الحطب قال الله عز وجل الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون والماعون الماء والنار والكلأ وقال الاسدي وكأن أرحلنا بأرض محصب بلوى عنيزة من قيل الترمس في حيث خالطت الخزامى عرفجا يأتيك قابس أهلها لم يقبس وانما وصف خصب الوادي ولدونة عيدانه ورطوبة الورق وهذا خلاف قوله فإن السنان يركب المرء حده من العار أو يعدو على الاسد الورد وان الذي ينهاكم في طلابها يناغي نساء الحي في طرة البرد يعلل والأيام تنقص عمره كما تنقص النيران من طرف الزند وذكر الله عز وجل النخلة فجعلها شجرة فقال اصلها ثابت وفرعها في السماء وذكر رسول الله حرمة الحرم فقال لا يختلي خلاها ولا يعضد شجرها وقال الله عز وجل وأنبتنا عليه شجرة من يقطين وتقول العرب ليس شيء ادفأ من شجرة ولا اظل من شجرة ولم يكلم الله موسى إلا من شجرة وجعل اكثر آياته في عصاه وهي من الشجرة ولم يمتحن الله عز وجل صبر آدم وحواء إذ هما أصل هذا الخلق وأوله إلا بشجرة ولذلك قال ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين وجعل بيعة الرضوان تحت شجرة وقال وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين وسدرة المنتهى التي عندها جنة المأوى شجرة وشجرة سر تحتها سبعون نبيا لا تعبل ولا تسرف وحين اجتهد ابليس في الاحتيال لادم وحواء عليهما السلام لم يصرف الحيلة الا الى الشجرة وقال هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى وفيما ضرب من الامثال بالعصا قالوا قال جميل بن يصبهري حين شكا اليه الدهاقين شر الحجاج اخبروني اين مولده قالوا الحجاز قال ضعيف معجب قال فمنشؤه قالوا الشام قال ذاك شر ثم قال ما احسن حالكم ان لم تبتلوا معه بكاتب منكم يعني من اهل بابل فابتلوا بزاذان فروخ الأعور ثم ضرب لهم مثلا فقال ان فأسا لي فيه عود ألقي بين الشجر فقال بعص الشجر لبعض ما ألقى هذا ههنا لخير فقالت شجرة عادية ان لم يدخل في است هذا منكن عود فلا تخفنه وقال يزيد بن مفرغ العبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الملامه قالوا أخذه من الفلتان الفهمي حيث قال العبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الإشارة وقال مالك بن الريب العبد يقرع بالعصا والحر يكفيه الوعيد وقال بشار الحر يلحى والعصا للعبد وليس للملحف مثل الرد وقال آخر حاولت حين صرمتني والمرء يعجز لا محاله والدهر يعلب بالفتى والدهر أروغ من ثعاله والمرء يكسب ماله بالشح يورثه الكلاله والعبد يقرع بالعصا والحر تكفيه المقاله ومما يدخل في باب الانتفاع بالعصا ان عامر بن الظرب العدواني حكم العرب في الجاهلية لما أسن واعتراه النسيان أمر بنته ان تقرع بالعصا اذا هو فه عن الحكم وجار عن القصد وكانت من حكيمات بنات العرب حتى جاوزت في ذلك مقدار صحر بنت لقمان وهند بنت الخس وخمعة بنت حابس بن مليل الإياديين وكان يقال لعامر ذو الحلم ولذلك قال الحارث بن وعلة وزعمتم ان لا حلوم لنا إن العصا قرعت لذي الحلم وقال المتلمس لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا وما علم الانسان إلا ليعلما وقال الفرزدق بن غالب فان كنت أنساني حلوم مجاشع فان العصا كانت لذي الحلم تقرع ومن ذلك حديث سعيد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة واعتزم الملك على قتل أخية ان هو لم يصب ضميرة فقال له سعيد أبيت اللعن أتدعني حتى أقرع بهذه العصا أختها فقال له الملك وما علمه بما تقول العصا فقرع بها وأشار بها مرة ثم رفعها ثم وضعها ففهم المعنى فأخبره ونجا من القتل وقال الاسدي عصي الشمل من أسد أراها قد انصدعت كما انصدع الزجاج وقال العتابي في مديح بعض الخلفاء إمام له كف تضم بنانها عصا الدين ممنوع من البري عودها وعين محيط بالبرية طرفها سواء عليه قربها وبعيدها وقال المضرس الأسدي وألقت عصاها واستقرت بها النوى كما قر عينا بالإياب المسافر وقال المضرس أيضا فألقت عصا التسيار عنها وخيمت بأرجاء عذب الماء بيض محافره وقال بشر بن ابي خازم عبيد العصا لم يتقوك بذمة سوى شيب سعد إن شيبك واسع وقال سويد فمن مبلغ رأس العصا أن بيننا ضغائن لا تنسى وان قدم الدهر وقال آخر فمن مبلغ رأس العصا ان بيننا ضغائن لا تحصى وان قيل سلت رضيت لقيس بالقليل ولم تكن أخا راضيا لو ان نعلك زلت وكان والبة صغير الرأس فقال ابو العتاهية في رأس والبة ورؤوس قومه رؤوس عصي كن من عود أثلة لها قادح يفري وآخر مجرب وقول الشاعر في بعض الخلفاء في كفه خيزران ريحها عبق من كف أروع في عرنينه شمم يغضي حياء ويغضى من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم وقال الآخر مجالسهم خفض الحديث وقولهم اذا ما قضوا في الأمر وحي المخاصر وقال الانصاري يصيبون فصل القول في كل خطبة اذا وصلوا أيمانهم بالمخاصر وحدثني بعض اصحابنا قال كنا منقطعين الى رجل من كبار اهل العسكر وكان لبثنا عنده يطول فقال بعضنا ان رأيت ان تجعل لنا امارة اذا ظهرت لنا حفظنا ولم نتعبك بالقعود فقد قال اصحاب معاوية لمعاوية مثل الذي قلنا لك فقال أمارة ذلك ان أقول اذا شئتم وقيل ليزيد مثل ذلك فقال اذا قلت على بركة الله وقيل لعبد الملك مثل ذلك فقال اذا القيت الخيزرانة من يدي قالوا فأي شيء تجعل لنا اصلحك الله قال اذا قلت يا غلام الغداء وفي الحديث ان رجلا ألح على النبي في طلب بعض المغنم وبيده مخصرة فدفعه بها فقال يا رسول الله أقصني فلما كشف النبي له عن بطنه احتضنه وقبل بطنه وفي تثبيت شأن العصا وتعظيم امرها والطعن على ذم حاملها قالوا كانت لعبد الله بن مسعود عشر خصال أولها السواد وهو سرار النبي فقال إذنك علي ان يرفع الحجاب وتسمع سوادي وكان معه مسواك النبي وكانت معه عصاه ودخل عمر بن سعد على عمر بن الخطاب حين رجع اليه من عمل حمص وليس معه إلا جراب واداوة وقصعة وعصاة فقال له عمر ما الذي ارى بك من سوء الحال ام تصنع قال وما الذي تراني أولست تراني صحيح البدن معي الدنيا بحذافيرها قال وما معك من الدنيا قال معي جرابي احمل فيه زادي ومعي قصعتي اغسل فيها ثوبي ومعي اداوتي احمل فيها مائي لشرابي ومعي عصاي ان لقيت حية قتلتها وما بقي من الدنيا تبع لما معي وقال الهيثم بن عدي عن الشرقي بن القطامي وسأله سائل عن قول الشاعر لا يعدلن أتاويون تضربهم نكباء صر بأصحاب المحلات قال أليس المحلات الدلو والمقدحة والقربة والفأس قال فأين انت عن العصا والصفن خير من الدلو اجمع وقال النمر بن تولب أفرغت في حوضها صفني لتشربه في دائر خلق الاعضاء اهدام وأما العصا فلو شئت ان اشغل مجلسي كله بخصالها لفعلت وتقول العرب في مديح الرجل الجلد الذي لا يفتات عليه بالرأي ذلك الفحل لا يقرع انفه وهذا كلام يقال للخاطب اذا كان على هذه الصفة لان الفحل اللئيم اذا اراد الضراب ضرب انفه بالعصا وقد قال ذلك ابو سفيان بن حرب بن أمية عندما بلغه من تزويج النبي بأم حبيبة وقيل له مثلك تنكح نساؤه بغير إذنه فقال ذلك الفحل لا يقرع أنفه والحمار الفاره يفسده السوط وتصلحه المقرعة وأنشد لسلامة بن جندل إنا اذا ما أتانا صارح فزع كان الصراخ له قرع الظنابيب وقال الحجاج والله لأعصبنكم عصب السلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل وذلك لان الاشجار تعصب اغصانها ثم تخبط بالعصي لسقوط الورق وهشيم العيدان ودخل ابو مجلز على قتيبة بخراسان وهو يضرب رجالا بالعصي فقال ايها الامير ان الله قد جعل لكل شيء قدرا ووقت فيه وقتا فالعصي للأنعام والبهائم والسوط للحدود والتعزيز والدرة للأدب والسيف لقتال العدو والقود ثم قال الشرقي دعنا من هذا خرجت من الموصل وانا أريد الرقة مستخفيا وانا شاب خفيف الحال فصحبني من أهل الجزيرة فتى ما رأيت بعده مثله فذكر انه تغلبي من ولد عمرو بن كلثوم ومعه مزود وركوة وعصا فرأيته لا يفارقها وطالت ملازمته لها فكدت من الغيظ عليه أرمي بها في بعض الأودية فكنا نمشي فاذا اصبنا دواب ركبناها واذا لم نصب الدواب مشينا فقلت له في شأن عصاه فقال لي ان موسى بن عمران صلوات الله وسلامه على نبينا وعليه حين آنس من جانب الطور نارا واراد الاقتباس لأهله منها لم يأت النار من مقدار تلك المسافة القليلة الا ومعه عصاه فلما صار بالوادي المقدس من البقعة المباركة قيل له ألق عصاك واخلع نعلك فرمى نعليه راغبا عنهما حين نزه الله ذلك الموضع عن الجلد غير الذكي وجعل الله جماع أمره من أعاجيبه وبرهاناته في عصاه ثم كلمه من جوف شجرة ولم يكلمه من جوف انسان ولا جان قال الشرقي انه ليكثر من ذلك واني لاضحك متهاونا بما يقول فلما برزنا على حمارينا تخلف المكاري فكان حماره يمشي فاذا تلكأ اكرهه بالعصا وكان حماري لا ينساق واعلم انه ليس في يدي شيء يكرهه فسبقني الفتى الى المنزل فاستراح وأراح ولم أقدر على البراح حتى وافاني المكاري فقلت هذه واحدة فلما أردنا الخروج من الغد لم نقدر على شيء نركبه فكنا نمشي فاذا أعيا توكأ على العصا وربما احضر ووضع العصا على وجه الارض فاعتمد عليها ومر كأنه سهم والح حتى انتهينا الى المنزل وقد تفسخت من الكلال واذا فيه فضل كبير فقلت هذه ثانية فلما كان في اليوم الثالث ونحن نمشي في أرض ذات أخاقيق وصدوع اذ هجمنا على حية منكرة فساورتنا فلم تكن عندي حيلة الا خذلانه واسلامه اليها والهرب منها فضربها بالعصا فثقلت فلما بهشت له ورفعت صدرها ضربها حتى وقذها ثم ضربها حتى قتلها قلت هذه ثالثة وهي أعظمهن فلمنا خرجنا في اليوم الرابع قرمت والله الى اللحم وانا هارب معدم اذا أرنب قد اعترضت فحذفها فما شعرت والله الا وهي معلقة وأدركنا ذكاتها فقلت هذه رابعة وأقبلت عليه فقلت له لو ان عندنا نارا لما أخرت أكلها الى المنزل قال فان عندك نارا فأخرج عويدا من مزوده ثم حكه بالعصا فأورت ايراء ألمرخ والعقار عنده لا شيء ثم جمع ما قدر عليه من الغثاء والحشيش وأوقد ناره وألقي الارنب في جوفها فاخرجناها وقد لزق بها من الرماد والتراب ما نغصها الي فعلقها بيده اليسرى ثم ضرب بالعصا على جنوبها وأعراضها ضربا رقيقا حتى انتثر كل شيء عليها فأكلناها وسكن القرم وطابت النفس فقلت هذه خامسة ثم إنا نزلنا ببعض الخانات واذا البيوت ملأى روثا وترابا ونزلنا بعقب جند وخراب متقدم فلم نجد موضعا نظل فيه فنظر الى حديدة مسحاة مطروحة في الدار فأخذها فجعل العصا نصابا لها ثم قام فجرف جميع ذلك الروث والتراب وجرد الارض بها جردا حتى ظهر بياضها وطابت ريحها فقلت هذه سادسة وعلى اي حال لم تطب نفسي ان اضع طعامي وثيابي على تلك الارض فنزع و الله العصا من حديد المسحاة فوتدها في الحائط وعلق ثيابي عليها فقلت هذه سابعة فلما صرت الى مفرق الطرق وأردت مفارقته قال لي لو عدلت معي فبت عندي كنت قد قضيت حق الصحبة والمنزل قريب فعدلت معه فأدخلني في منزل يتصل ببيعه قال فما زال يحدثني ويطرفني ويلطفني الليل كله فلما كان السحر أخذ خشبة ثم اخرج تلك العصا بعينها فقرعها بها فاذا ناقوس ليس في الدنيا مثله واذا هو أحذق الناس بضربه فقلت له ويلك اما أنت مسلم وأنت رجل من العرب من ولد عمرو بن كلثوم قال بلى قلت فلم تضرب بالناقوس قال جعلت فداك ان أبي نصراني وهو صاحب البيعة وهو شيخ ضعيف فاذا شهدته بررته بالكفاية واذا هو شيطان مارد واذا اظرف الناس كلهم واكثرهم أدبا وطلبا فخبرته بالذي أحصيته من خصال العصا بعد ان كنت هممت ان ارمي بها فقال والله لو حدثتك عن مناقب نفع العصا الى الصبح لما استنفدتها ومن جمل القول في العصا وما يجوز فيها من المنافع والمرافق تفسير شعر غنية الاعرابية في شأن ابنها وذلك أنها كان لها ابن شديد العرامة كثير التلفت الى الناس مع ضعف أسر ودقة عظم فواثب مرة فتى من الاعراب فقطع الفتى أنفه وأخذت غنية دية أنفه فحسنت حالها بعد فقر مدقع ثم واثب آخر فقطع أذنه فأخذت الدية فزادت دية أذنه في المال وحسن الحال ثم واثب بعد ذلك آخر فقطع شفته فلما رأت ما قد صار عندها من الابل والغنم والمتاع والكسب بجوارح ابنها حسن رأيها فيه فذكرته في أرجوزة لها تقول فيها أحلف بالمروة يوما والصفا أنك خير من تفاريق العصا فقيل لابن الاعرابي ما تفاريق العصا قال العصا تقطع ساجورا وتقطع عصا الساجور فتصير أوتادا ويفرق الوتد فتصير كل قطعة شظاظا فان كان رأس الشظاظ كالفلكة صار للبختي مهارا وهو العود الذي يدخل في أنف البختي واذا فرق المهار جاءت منه تواد والسواجير تكون للكلاب والاسرى من الناس وقال النبي يؤتى بناس من ههنا يقادون الى حظوظهم بالسواجر واذا كانت قناة فكل شقة منها قوس بندق قال فان فرقت الشقة صارت سهاما فان فرقت السهام صارت حظاء وهي سهام صغار قال الطرماح كحظاء الغلام والواحدة حظوة وسروة فان فرقت الحظاء صارت مغازل فان فرقت المغزل شعب به الشعاب أقداحه المصدوعة المشقوقة على انه لا يجد لها أصلح منها وقال الشاعر
نوافذ اطراف القنا قد شككته كشكك بالشعب لإناء المثلما فاذا كانت العصا صحيحة سالمة ففيها من المنافع الكبار والمرافق الاوساط والصغار ما لا يحصيه احد واذا فرقت ففيها مثل الذي ذكرنا واكثر فأي شيء يبلغ في المرفق والمرد مبلغ العصا وفي قول موسى على نبينا وعليه السلام ولي فيها مارب أخرى دليل على كثرة المرافق فيها لانه لم يقل ولي فيها مأربه أخرى والمآرب كثيرة فالذي ذكرنا قبل هذا داخل في تلك المآرب ولا نعرف شعرا يشبه معنى شعر غنية لا يغادر منه شيئا ولكن زعم أصحابنا ان أعرابيين ظريفين من شياطين الاعراب حطمتهما السنة فانحدرا الى العراق واسم احدهما حيدان فبينما هما يتماشيان في السوق فاذا فارس قد أوطأ دابته رجل حيدان فقطع إصبعا من أصابعه فتعلقا به حتى أخذا منه أرش الاصبع وكانا جائعين مقرورين فحين صار المال في ايديهما قصدا لبعض الكرابج فابتاعا من الطعام ما اشتهيا فلما أكل صاحب حيدان فشبع أنشأ يقول فلا غرث ما كان في الناس كربج وما بقيت في رجل حيدان إصبع وهذا الشعر وشعر غنية من المظرف الناصع الذي سمعت به وظرف الاعراب لا يقوم له شيء وناس كثير لا يستعملون في القتال الا العصا منهم الزنج قبيلة كنجوبة والنمل والكلاب وتكفوا وثبتوا على ذلك يعتمدون في حروبهم ومنهم النبط ولهم بها ثقافة وشدة وغلبة و أثقف ماتكون الاكراد إذا قاتلت بالعصي وقتال المخارجات كلها بالعصي ولهم هناك ثقافة ومنظر حسن ولقتالهم منزلة بين السلامة والعطب والناس يضربون المثل بقتال البقار بقناته ويقال في المثل ماهو الا ابنة عصا وعقدة رشا ويقال للراعي انه لضعيف العصا اذا كان قليل الضرب بها للابل شديد الاشفاق عليها قال الراعي ضعيف العصا بادى العروق ترى له عليها اذا ما أجدب الناس إصبعا واذا كان الراعي جلذا قويا عليها قالوا صلب العصا ولذلك قال الراجز صلب العصا باق على اذاتها
وقال الآخر في معنى الراعي لا تضرباها وأشهرا العصيا ويقولون قد أقبل فلان ولانت عصاه اذا اصابه السواف فرجع وليس معه الا عصاه لانه لا يفارقها كانت له إبل ام لا ويقولون كلما قرعت عصا بعصا وعصا على عصا وعصا عصا قالوا أخذوا فلانا بذلك وقال حميد بن ثور اليوم تنتزع العصا من ربها ويلوك ثني لسانه المنطيق ويكتب مع قوله تخشى العصا والزجر ان قيل حل يرسلها التغميض ان لم ترسل وقال آخر وهذا وورد بزل وسدس يغلي بها كل مسيم مرغس ردت من الغور واكناف الرسي من عشب أحوى وحمض مورس وذائد جلد العصا وكهمس ان قيل قم قام وان قيل اجلس داست سماطي عفر مدعس ويدل على شدة قتالهم بالعصا قول بشامة بن حزن النهشلي فدى لرعاء بالبحيرة دببوا بأعصيهم والماء برد المشارب وآلى نعيم لا تجوز بحوضه فقلت تحلل يا نعيم بن قارب فان زيادا لم يكن ليردها وسبرة عن ماء النضيح المقارب أغرك ان جاءت ظماء وباشرت بأعناقها برد النصاب الصباصب تناولن ما في الحوض ثم امتذينه بجذع وأعناق طوال الذوائب ويقولون فلان ضعيف العصا اذاكان لا يستعمل عصاه ولذلك قال البعيث وانت بذات السدر من أم سالم ضعيف العصا مستضعف متهضم وقال الآخر وما صاديات حمن يوما وليلة على الماء يخشين العصي حوان لوائب لا يصدرن عنه بوجهة ولا هن من برد الحياض دوان يرين حباب الماء والموت دونه فهن لأصوات السقاة روان
بأوجع مني جهد شوق وغلة إليك ولكن العدو عداني وقال الآخر فما وجد ملواح من الهيم حلئت عن الماء حتى جوفها يتصلصل تحوم وتغشاها العصي وحولها أقاطع انعام تعل وتنهل بأعظم مني غلة وتعطفا الى الورد إلا انني اتجمل ويقال ضرب فلان ضرب غرائب الابل وهي تضرب عند الهرب وعند الخلاط وعند الحوض اشد الضرب وقال الحارث بن صخر بضرب يزيل الهام عن سكناته كما ذيد عن ماء الحياض الغرائب وقال الآخر للهام ضرابون بالمناصل ضرب المذيد غرب النواهل وقال ابن احمر رود الشباب كأنها غصن بحرام مكة ناعم نضر وقال الآخر إما تريني قائما في جل جم الفتوق خلق همل محاذرا أبغض عن تحتل عند اعتلال دهرك المعتل فقد أرى في اليلمق الرفل أصون للانس جميل الدل لدنا كخوط البانة المبتل وتكون العصا محراثا وتكون مخصرة وتكون المخصرة قضيب حبرة وعود ساجور ثم تكون تودية ويقال للرجل اذا كانت فيه أبنة فلان يخبأ العصا وقال الشاعر زوجك زوج صالح لكنه يخبا العصا وفي الامثال تحذفه بالقول كما تحذف الارنب بالعصا وقال إياس بن قتادة العبشمي سأنحر أولاها وأحذف بالعصا على إثرها اني لما قلت عازم قال ابن كناسة في شرط الراعي على صاحب الابل ليس لك ان تذكر أمي بخير ولا شر ولك حذفي بالعصا عند غضبك أصبت ام أخطأت ولي مقعدي من النار وموضع يدي من الحار والقار كان العتبي يحدث في هذا بحديثين احدهما قوله عن الاعرابي وكان اذا خرست الألسن عن الرأي حذف بالصواب كما تحذف الارنب بالعصا وأما الحديث الآخر فذكر ان ا قوما أضلوا الطريق فاستأجروا أعرابيا يدلهم على الطريق فقال إني والله لا أخرج معكم حتى أشرط لكم وأشرط عليكم قالوا له فهات ما لك قال يدي مع أيديكم في الحار والقار ولي موضعي من النار موسع علي ما فيه وذكر والدي عليكم محرم قالوا فهذا لك فما لنا عليك ان أذنبت قال إعراضه لا تؤدي الى تعب وعتب وهجرة لا تمنع من مجامعة السفرة قالوا فان لم تعتب قال فحذفه بالعصا أخطأت أم أصابت وهذان الحديثان لم أسمعهما من عالم وانما قرأتهما في بعض الكتب من المستحدثين ولأهل المدينة عصي في رؤوسها عجر لا تكاد أكفهم تفارقها اذا خرجوا الى ضياعهم ومنتزهاتهم ولهم فيها أحاديث حسنة وأخبار طيبة وكان الافشين يقول اذا ظفرت بالعرب شدخت رؤوس عظمائهم بالدبوس والدبوس شبيه بهذه العصا التي في رأسها عجرة وقال جحشوية يا رجلا هام بلياد معتدل كالغصن مياد هام به غسان لما رأى أيرا له مثل عصا الحادي ولم يزل يهوى ابومالك كل فتى كالغصن منآد يعجبه كل متين القوى للطعن في الادبار معتاد وقالوا تغمض الناقة عينها كي تركب العصا الى الحوض وهو معنى قول أبي النجم تخشى العصا والزجر ان قيل حل يرسلها التغميض ان لم ترسل وهذا مثل قول الهذلي ولأنت أشجع من أسامة اذ شدوا المناطق فوقها الحلق حد السيوف على عواتقهم وعلى الاكف ودونها الدرق كغماغم الثيران بينهم ضرب تغمض دونه الحدق وقال حميد بن ثور الهلالي اليوم تنتزع العصا من ربها ويلوك ثني لسانه المنطيق يقال رجل كالقناة وفرس كالقناة وقال الشاعر
متى ما يجيى ء يوما الى المال وارثي يجد جمع كف غير ملأى ولا صفر يجد فرسا مثل القناة وصارما حساما اذا ما هز لم يرض بالهبر وجاء في الحديث أجدبت الارض على عهد عمر رضي الله تعالى عنه حتى ألقت الرعاء العصي وعطلت النعم وكسر العظم فقال كعب يا أمير المؤمنين ان بني اسرائيل كانوا اذا أصابتهم السنة استسقوا بعصبة الانبياء فكان ذلك سبب استسقائه بالعباس بن عبد العباس وساورت حية أعرابيا فضربها بعصاه وسلم منها فقال لولا الهراوة والكفان أنهلني حوض المنية قتال لمن وردا وقال الآخر دعا ابن مطيع للبياع فجئته الى بيعة قلبي لها غير آلف فناولني خشناء لما لمستها بكفي ليست من أكف الخلائف من الشثنات الكزم انكرت لمسها وليست من البيض الرقاق اللطائف معاودة حمل الهراوي لقومها فرورا اذا ما كان يوم التنائف وقال الحجاج بن يوسف لأنس بن مالك والله لأقلعنك قلع الصمغة ولأعصبنك عصب السلمة ولأجردنك تجريد الضب وقال عمر رضي الله تعالى عنه لابي مريم الحنفي والله لا أحبك حتى تحب الارض الدم المسفوح لان الارض لا تقبل الدم فاذا جف الدم تقلع جلبا وقد أسرف المتلمس حيث يقول أحارث إنا لو تساط دماؤنا تزايلن حتى لا يمس دم دما وأشد سرفا منه قول أبي بكر الشيباني قال كنت أسيرا مع بني عم لي من بني شيبان وفينا من موالينا جماعة في أيدي التغالبة فضربوا أعناق بني عمي وأعناق الموالي على وهدة من الارض فكنت والذي لا إله الا هو أرى دم العربي ينماز من دم الموالي حتى أرى بياض الارض بينهما فاذا كان هجينا قام فوقه ولم يعتزل وأنشد الاصمعي يذدن وقد ألقيت في قعر حفرة كما ذيد عن حوض العراك غرائبة وقال العباس بن مرداس نقاتل عن أحسابنا برماحنا فنضربهم ضرب المذيد الخوامسا
وقال الفرزدق بن غالب ذكرت وقد كادت عصا البين تنشظي خيالك من سلمى وذو اللب ذاكر وقال الاسدي اذا المرء اولاك الهوان فأوله هوانا وان كانت قريبا أواصره ولا تظلم المولى ولا تضع العصا على الجهل ان طارت اليك بوادره وقال جرير بن عطية ألا رب مصلوب حملت على العصا وباب استه عن منبر الملك زائل وقالوا في مديح العصا نفسها مع الاغصان وكرم جوهر العصي والقسي اذا قامت لسبحتها تثنت كأن عظامها من خيزران وقال المؤمل بن أميل والقوم كالعيدان يفضل بعضهم بعضا كذاك يفوق عود عودا لو تستطيع عن القضاء حيادة وعن المنية ان تصيب محيدا كانت تقيد حين تنزل منزلا فالآن صار لها الكلال قيودا وقال آخر وأسلمها الباكون إلا حمامة مطوقة ورقاء بان قرينها تجاوبها أخرى على خيزرانة يكاد يدنيها من الارض لينها وقال الآخر ألا أيها الركب المخبون هل لكم بأخت بني هند عتيبة من عهد أألقت عصاها واستقرت بها النوى بأرض بني قابوس ام ظعنت بعدي وقال الآخر ألا هتفت ورقاء في رونق الضحى على غصن عض النبات من الرند وقال آخر في أمرأة رآها في شارة وبزة فظن بها جمالا فلما أسفرت فاذا هي غول فقال وأظهرها ربي بمن وقدرة علي ولولا ذاك مت من الكرب فلما بدت سبحت من قبح وجهها وقلت لها الساجور خير من الكلب وقال النبي يؤتى بقوم من ههنا يقادون الى حظوظهم في السواجير والساجور يسمى الزمارة قالوا وفي الحديث فأتى الحجاج بسعيد بن جبير وفي عنقة زمارة وقال بعض المسجنين ولي مسمعان وزمارة وظل مديد وحصن أمق وكم عائد لي وكم زائر لو ابصرني زائرا قد شهق وأما قول الوليد إسقني يا زبير بالقرقاره وقد ظمينا وحنت الزمارة إسقني إسقني فان ذنوبي قد أحاطت فما لها كفاره فالزمارة ههنا المزمار وقال صاحب الزمارة في صفحة السجن فبت بأحصنها منزلا ثقيلا على عنق السالك ولست بضيف ولا في كرا ولا مستعير ولا مالك ولي مسمعان فأدناهما يغني ويمسك في الحالك وليس بغصب ولا كالرهون ولا يشبه الوقف عن هالك وأقصاهما ناظر في السماء عمدا وأرسخ من عارك أخبرني الكلابي قال قاتلت بنو عم لي بعضهم بعضا فجعل بعضهم ينضم الى بعض لواذا مني وليس لي في ذلك هجير الا قولي قد جعلت تأوي الى جثمانها وكرسها العادي من أعطانها فلما طلبوا القصاص قلت دونكم يابني عمي حقكم فنحن اللحم وأنتم الشفرة ان وهبتم شكرت وان اعتقلتم عقلت وان اقتصصتم صبرت قال سألت يونس عن قوله نسيا منسيا قال تقول العرب اذا ارتحلوا عن المنزل ينزلونه أنظروا الى أنسائكم وهي العصا والقدح والشظاظ والحبل قال فقلت اني ظننت ان هذه الأشياء لا ينساها أربابها الا لانها أهون المتاع عليهم قال ليس ذلك كذلك والمتاع الجافي يذكر بنفسه وصغار المتاع تذهب عنها العيون وانما تذهب نفوس العامة الى حفظ كل شيء ثمين وان صغر جسمه ولا يقفون على أقدار فوت الماعون عند الحاجة وفقد المحلات في الاسفار وقال يونس المنسي ما تقادم العهد به ونسي حينا لهوانه ولم تكن مريم لتضرب المثل في هذا الموضع بالاشياء النفسية التي الحاجة اليها أعظم من الحاجة الى الشيء الثمين في الاسواق وقال الاشهب بن رميلة أو نهشل ابن حري قال الأقارب لا تغررك كثرتنا وأغن نفسك عنا أيها الرجل عل بني يشد الله أعظمهم والنبع ينبت قضبانا فيكتهل وكان فرس الاخنس بن شهاب يسمى العصا والاخنس فارس العصا وكان لجذيمة الابرش فرس يقال لها العصا ولبني جعفر بن كلاب شحمة والغدير والعصا فشحمة فرس جزء بن خالد والعصا فرس عوف بن الاحوص والغدير فرس شريح بن الاحوص والعصا أيضا فرس شبيب ابن كعب الطائي وقال بعضهم أو بعض خطبائهم وليس عصاه من عراجين نخلة ولا ذات سير من عصي المسافر ولكنها إما سألت فنبعة وميراث شيخ من جياد المخاصر والرجل يتمنى اذا لم يكن له قوة وهو يجد مس العجز فيقول لو كان في العصا سير وكذلك قال حبيب بن أوس مالك من همة وعزم لو انه في عصاك سير رب قليل حدا كثيرا كم مطر بدؤه مطير صبرا على النائبات صبرا ما فعل الله فهو خير و اذا لم يجعل المسافر في عصاه سيرا سقطت من يده اذا نعس وسئل عن قوله ولي فيها مارب أخرى قال لست أحيط بجميع مآرب موسى عليه السلام ولكني سأنبئكم جملا تدخل في باب الحاجة الى العصا من ذلك أنها تحمل للحية والعقرب والذئب والفحل الهائج ولعير العانة في زمن هيج الفحول وكذلك فحول الجحور في المروج ويتوكأ عليها الكبير الدانف والسقيم المدنف والاقطع الرجل والاعرج فانها تقوم مقام رجل أخرى وقال أعرابي مقطوع الرجل الله يعلم أني من رجالهم وإن تخدد عن متني أطماري وإن رزئت يداكانت تجملني وان مشيت على زج ومسمار والعصا تنوب للأعمى عن قائده وهي للقصار والفاشكار والدباغ ومنها المفأد للملة ومحراك للتنور قال الشاعر اذا كان ضرب الخبز مسحا بخرقة وأخمد دون الطارق التنور كأنه يكره ان ينفض عنها الرماد بعصا فيستدل على انه قد أنضج خبزته يصفه بالبخل وهي لدق الجص والجبسين والسمسم قال الشماخ بن ضرار وجر شواء بالعصا غير منضح ولخبط الشجر وللفبج وللمكارى فانهما يتخذان المخاصر فاذا طال الشوط وبعدت الغاية استعانا في حضرهما وهراوتهما في أضعاف ذلك بالاعتماد على وجه الارض وهي تعدل من ميل المفلوج وتقيم من ارتعاش المبرسم ويتخذها الراعي لغنمه وكل راكب لمركبه ويدخل عصاه في عروة المزود ويمسك بيده الطرف الآخر وربما كان أحد طرفيها بيد رجل والطرف الآخر بيد صاحبه وعليها حمل ثقيل وتكون ان شئت وتدا في حائط وان شئت ركزتها في الفضاء وجعلتها قبله وان شئت جعلتها مظلة وان جعلت فيها زجا كانت عنزة وان زدت فيها شيئا كانت عكازا وان زدت فيها شيئا كانت مطردا وان زدت فيها شيئا كانت رمحا والعصا تكون سوطا وسلاحا وكان رسول الله يخطب بالقضيب وكفى بذلك على عظم غنائها وشرف حالها وعلى ذلك الخلفاء وكبراء العرب من الخطباء وقد كان مروان بن محمد حين أحيط به دفع البرد والقضيب الى خادم وأمره ان يدفنهما في بعض تلك الرمال ودفع اليه بنتا له وأمره ان يضرب عنقها فلما اخذ الخادم في الاسرى قال ان قتلتموني ضاع ميراث النبي فأمنوه على ان يسلم ذلك لهم وقال في صفة قناة وأسمر عانق فيه سنان شراعي كساطعة الشعاع وقال آخر هونة في العيان تهتز فيه كاهتزاز القناة تحت العقاب ومما يجوز في العصا قول الشاعر للهام ضرابون بالمناصل ضرب المذيد غرب النواهل وقال عباس بن مرداس نطاعن عن أحسابنا برماحنا ونضربهم ضرب المذيد الخوامسا
وقال آخر دافع عنها جلبي وحشي فهو كعود النبعة الأجش وقال نصيب الاسود ومن يبق مالا عدة وصيانة فلا الدهر مبقيه ولا الشح وافره ومن يك ذا عود صليب يعده ليكسر عود الدهر فالدهر كاسره وقال آخر تخيرت من نعمان عود أراكة لهند ولكن من يبلغه هندا خليلي عوجا بارك الله فيكما وان لم تكن هند لأرضكما قصدا وقولا لها ليس الضلال أجارنا ولكننا جرنا لنلقاكم عمدا وقال الآخر وتلك ثيابي لم تدنس بغدرة ووري زنادي في ذرى المجد ثاقب ولو صادفت عودا سوى عود نبعة وهيهات أفنته الخطوب النوائب وقال الآخر عصا شريانة دهنت بزبد تدق عظامه عظما فعظما وليس هذا مثل قول لقيط بن زرارة اذا دهنوا رماحهم بزيت فان رماح تيم لا تضير وقال صالح بن عبد القدوس لا تدخلن بنميمة بين العصا ولحائها وقال شبل بن معبد البجلي برتني صروف الدهر من كل جانب كما ينبري دون اللحاء عسيب وقال أوس بن حجر لحوتهم لحوالعصا فطردتهم الى سنة جرذانها لم تحلم وقال الرقاشي في صفة القناة التي تبرى منها القسي من شقق خضر بروصيات صفر اللحاء وحلوفيات جدلن حتى إضن كالحيات وشائقا غير مؤنبات آنقهن متمطرات عمرو بن عصفور على استثبات وقال محمد بن يسير
ومشمرين عن السواعد حسر عنها بكل دقيقة التوتير ليس الذي تشوي يداه رميه فيهم بمعتذر ولا معذور عطف السيات موانع في عطفها تعزى اذا نسبت الى عصفور ذهب الى قوله في كفه معطية منوع وهذا مثل قوله خرقاء الا انها صناع مثل قوله غادر داء ونجا صحيحا ومثل قوله حتى نجا من جوفه وما نجا واذا طال قيام الخطيب صارفيه انحناء وجناء وقال الاسدي انا ابن الخالدين اذا تلاقي من الايام يوم ذو ضجاج كأن اللعب والخطباء فيه قسي مثقف ذات اعوجاج وعلى هذا قال الشماخ بن ضرار فأضحت تفالى بالستار كأنها رماح نحاها وجهة الريح راكز وقال العماني عات يرى ضرب الرجال مغنما اذا رأى مصدقا تجهما وهز في الكف وأبدى معصما هراوة بنبعة أو سلما تترك ما رام رفاتا رمما وقال أمية بن الاشكر هلا سألت بنا ان كنت جاهلة ففي السؤال عن الاعياء شافيها تخبرك عنا معد ان هم صدقوا ومن قبائل نجران يمانيها وبالجياد تجر الخيل عابسة كأن مذرور ملح في هواديها قوم اذا فزع الاقوام طاف بهم ألقى العصي عصي الجهل باريها قال والرجل اذا لم يكن معه عصا فهو باهل وناقة باهل وباهلة اذا كانت بغير صرار وقال الراجز أبهلها ذا يدها وسبحها ودقت المركو حتى ابلندحا احتجنا ان نذكر ارتفاق بعض الشعراء من العرجان بالعصي عند ذكر العصا وتصرفها في المنافع والذي نحن ذاكروه من ذلك في هذا الموضع قليل من كثير مما ذكرناه في كتاب العرجان فان أردتموه فهو هناك موجود ان شاء الله تعالى قالوا ولما شاع هجاء الحكم بن عبدل الاسدي لمحمد بن حسان بن سعد وغيره من الولاة والوجوه هابه أهل الكوفة واتقى لسانه الصغير والكبير وكان الحكم أعرج لا تفارقه عصاه فترك الوقوف بأبوابهم وصار يكتب على عصاه حاجته ويبعث بها مع رسوله فلا يحبس له رسول ولا يؤخر لقراءة الكتاب ثم تأتيه الحاجة على اكثر ما قدر وأوفر ما أمل فقال يحيى بن نوفل عصا حكم في الدار اول داخل ونحن على الابواب نقصى ونحجب وأما قول بشر بن أبي خازم لله در بني حداء من نفر وكل جار على جيرانه كلب اذا غدوا وعصي الطلح أرجلهم كما تنصب وسط البيعة الصلب وانما يعني أنهم كانوا عرجا فأرجلهم كعصي الطلح وعصي الطلح معوجة وكذلك قال معدان الاعمى في قصيدته الطويلة التي وصف فيها الغالية والرافضة والتميمية والزيدية والذي طفف الجدار من الذعر قد بات قاسم الانفال فغدا خامعا بوجه هشيم وبساق كعود طلح بال وقال بعض العرجاء ممن جعل العصا رجلا ما للكواعب يا دهماء قد جعلت تزور عني وتلقي دوني الخمر لا أسمع الصوت حتى أستدير له ليلا طويلا يناغيني له القمر وقال رجل من بني عجل وشى بي واش عند ليلى سفاهة فقالت له ليلى مقالة ذي عقل وخبرها اني عرجت فلم تكن كورهاء تجتر الملامة للبعل وما بي من عيب الفتى غير انني جعلت العصا رجلا أقيم بها رجلي وقال ابو ضبة في رجله وقد جعلت اذا ما نمت أوجعني ظهري وقمت قيام الشارف الظهري وكنت أمشي على رجلين معتدلا فصرت أمشي على رجل من الشجر وقال اعرابي من بني تميم
وما بي من عيب الفتى غير أنني ألفت قناتي حين أوجعني ظهري قال ودخل الحكم بن عبدل الاسدي وهو أعرج على عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وهو اعرج وكان صاحب شرطه أعرج فقال ابن عبدل ألق العصا ودع التخادع والتمس عملا فهذي دولة العرجان لأميرنا وأمير شرطتنا معا لكليهما يا قومنا رجلان فاذا يكون أميرنا ووزيرنا وأنا فان الرابع الشيطان ومما يدلك على ان للعصا موقعا منهم وانها تدور مع اكثر أمورهم قول مزرد ابن ضرار فجاء على بكر ثفال يكده عصا إسته وحي العجابة بالفهر ويقولون اعتصى بالسيف اذا جعل السيف عصا وانما اشتقوا للسيف اسما من العصا لان عامة المواضع التي تصلح فيها السيوف تصلح فيها العصي وليس كل موضع تصلح فيه العصا يصلح فيه السيف وقال الآخر ونحن صدعنا هامة ابن محرق كذلك نقضي بالسيوف الصوارم وقال عمرو بن الاطنابة وفتى يضرب الكتيبة بالسيف اذا كانت السيوف عصيا وقال عمرو بن محرز نزلوا إليهم والسيوف عصيهم وتذكروا دمنا لهم وذحولا وقال الفرزدق بن غالب بن صعصعة ان ابن يوسف محمود خلائقه سيان معروفه في الناس والمطر هو الشهاب الذي يرمى العدو به والمشرفي الذي تعصى به مضر قال العريان بن الاسود في ابن له مات ولقد تحمل المشاة كريما لين العود ماجد الاعراق ذاك قولي ولا كقول نساء معولات يبكين للاوراق وكتب عمرو بن العاص الى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ان البحر خلق عظيم يركبه خلق صغير كأنهم دود على عود وقال وائلة السدوسي
رأيتك لما شبت أدركك الذي يصيب سراة الأزد حين تشيب سفاهة أحلام وبخل بنائل وفيك لمن عاب المزون عيوب لقد صبرت للذل أعواد منبر تقوم عليها في يديك قضيب وقد أوحشت منهم رساتيق فارس وفي المصر دور جمة ودروب وأنشد الاصمعي أعددت للضيفان كلبا ضاريا وهراوة مجلوزة من أرزن ومعاذرا كذبا ووجها باسرا وتشكيا عض الزمان الألزن وشذاة مرهوب الأذى قاذورة خشن جوانبه دلوظ ضيزن وبكف محبوك اليدين عن العلا والباع مسود الذراع مقحزن وتجنيا لهم الذنوب وألتقي بغليظ جلد الوجنتين عشوزن وقال جرير تصف السيوف وغيركم يعصي بها يا ابن القيون وذاك فعل الصيقل وقال الراعي تبيت ورجلاها اذانان لاستها عصا استها حتى يكل قعودها وقال اعرابي للحطيئة ما عندك يا راعي الغنم قال عجراء من سلم قال اني ضيف قال للضيفان أعددتها وقال الشماخ بن ضرار الى بقر فيهن للعين منظر وملهى لمن يلهو بهن أنيق رعين الندى حتى اذا وقد الحصا ولم يبق من نوء السماك بروق وقال امرؤ القيس قولا لدودان عبيد العصا ما غركم بالاسد الباسل وقال علي بن العذير واذا رأيت المرء بشعب أمره شعب العصا ويلح في العصيان فاعمد لما تعلو فما لك بالذي لا تستطيع من الامور يدان وقال الآخر وهجهاجة لا يملأ الليل صدره اذا النكس أغضى طرفه غير أروع صحيح بريء العود من كل ابنة وجماع نهب الخير من كل مجمع وقال مسكين الدرامي
تسمو بأعناق وتحبسها عنها عصي الذادة العجر قال حباب بن موسى عن مجالد عن الشعبي عن جرير بن قيس قدمت المدائن بعد ما ضرب علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه فلقيني ابن السوداء وهو ابن حرب فقال لي ما الخبر فقلت ضرب أمير المؤمنين ضربة يموت الرجل من ايسر منها ويعيش من أشد منها قال لو جئتمونا بدماغه في مائة صرة لعلمنا انه لا يموت حتى يذودكم بعصاه وقال الله تبارك وتعالى وإذا استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر وقال الشاعر رأيت الغانيات نفرن مني نفور الوحش من رام مفيق رأين تغيري وأردن لدنا كغصن البان ذي الفنن الوريق وقال ابو العتاهية عريت من الشباب وكان غضا كما يعرى من الورق القضيب ألا ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما صنع المشيب وقال الآخر فلئن عمرت لقد عمرت كأنني غصن نثنيه الرياح رطيب وكذاك حقا من يعمر يبله كر الزمان عليه والتقليب حتى يعود من البلا وكأنه في الكف أفوق ناصل معصوب مرط القذاذ فليس فيه مصنع لا الريش ينفعه ولا التعقيب وقال عروة بن الورد أليس ورائي ان أدب على العصا فيأمن أعدائي ويسأمني أهلي وأنشد عصوا لسيوف الهند واعتركت بهم براكاء موت لا يطير غرابها وقال لبيد أليس ورائي ان تراخت منيتي لزوم العصا تحنى عليها الاصابع وقال آخر نقيم العصا ما كان فيها لدونة وتأبى العصا في يبسها ان تقوما وقال الآخر إن الغصون اذا قومتها اعتدلت ولن تلين اذا قومتها الخشب
وقال جرير ما للفرزدق من عز يلوذ به إلا بنو العم في أيديهم الخشب سيروا بني العم فالأهواز منزلكم ونهر تيرى فما تدريكم العرب وقال جرير في هجائه بني حنيفة أبناء نخل وحيطان ومزرعة سيوفهم خشب فيها مساحيها قطع الديار وسقي النخل عادتهم قدما وما جاوزت هذا مساعيها لو قيل اين هوادي الخيل ما علموا قالوا لأعجازها هذي هواديها أو قيل ان حمام الموت اخذكم اوتلجموا فرسا قامت بواكيها لما رأت خالدا بالعرض اهلكها قتلا وأسلمها ما قل طاغيها دانت وأعطت يدا للسلم طائعة من بعد ما كاد سيف الله يفنيها وقال سلامة بن جندل كنا اذا ما أتانا صارخ فزع كان الصراخ له قرع الظنابيب وقال آخر كأنها اذ رفعت عصاها نعامة اوحدها رألاها وممن أضافوه الى عصاه داود ملكين اليشكري وقد كان ولي شرطة البصرة وجاء في الحديث ان ابا بكر رضي الله تعالى عنه أفاض من جمع وهو يحرش بعيره بمحجنه وقال الاصمعي المحجن العصا المعوجة وفي الحديث المرفوع انه طاف بالبيت يستلم الاركان بمحجنه ثم يجذبه اليه يريد بذلك تحريكه وقال الراعي فألقى عصا طلح ونعلا كأنها جناح السماني رأسها قد تصوعا والعصا أيضا فرس شبيب بن كريب الطائي وقال ابو الحسن عن علي بن سليمان كان شبيب بن كريب الطائي يصيب الطريق في خلافة علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه فبعث اليه احمر بن شميط العجلي واخاه في فوارس فهرب شبيب وقال ولما ان رأيت ابني شميط بسكة طيء والباب دوني تجللت العصا وعلمت أني رهين مخيس إن يثقفوني ولو انظرتهم شيئا قليلا لساقوني الى شيخ بطين شديد مجالز الكفين صلب على الحدثان مجتمع الشؤون
وقال النجاشي لأم كثير ابنة الصلت ولست بهندي ولكن ضيعة على رجل لو تعلمين مزير وأعجبتني للسوط والنوط والعصا ولم تعجبيني خلة لأمير وقال أعشى بني ربيعة وكان الخلائف بعدالرسول كلهم أسوة خاشعا شهيدين من بعد صديقهم وكان ابن صخر الرابعا وكان ابنه بعده خامسا مطيعا لمن قبله سامعا ومروان سادس من قد مضى وكان ابنه بعده سابعا وبشر يدافع عبد العزيز مضى ثامنا ذا وذا تاسعا وأيهم ما يكن سائسا لها لم يكن أمرها ضائعا فأما تريني حليف العصا فقد كنت من وثبة خامعا فساومني الدهر حتى اشترى شبابي وكنت له مانعا وقال عوف بن الخرع ألا أبلغا عني جريحة آية فهل انت عن ظلم العشيرة مقصر وان ظعن الحي الجميع لطية فأمرك معصي وشربك مغور أفي صرمة عشرين أو هي دونها قشرتم عصاكم فانظروا كيف تقشر زعمتم من الهجر المضلل أنكم ستنصركم عمرو علينا ومنقر فيا شجر الوادي ألا تنصرونهم وقد كان بالمروت رمث وسخبر ألم تجعلوا تيما على شعبتي عصا فما ينطق المعروف الا معذر وقال رجل من محارب يرثي ابنه ألم يك رطبا يعصر القوم ماءه وما عوده للكاسرين بيابس وقال حاجب بن زرارة والله ما القعقاع برطب فيعصر ولا بيابس فيكسر وقال حماد عجرد وجروا على ما عودوا ولكل عيدان عصاره وقال ايضا فأنت اكرم من يمشي على قدم وأنضر الناس عند اغصانا لو مج عود على قوم عصارته لمج عودك فينا المسك والبانا
وقال آخر وإنا وجدنا الناس عودين طيبا وعودا خبيثا ما يبض على العصر تزين الفتى اخلاقه وتشينه وتذكر اخلاق الفتى وهو لا يدري وقال المؤمل بن أميل كانت تقيد حين تنزل منزلا فاليوم صار لها الكلال قيودا والقوم كالعيدان يفضل بعضهم بعضا كذاك يفوق عود عودا وقالت ليلى الأخيلية نحن الاخائل لا يزال غلامنا حتى يدب على العصا مذكورا أنظر ابقاك الله في كم فن تصرف فيه ذكرالعصا من ابواب المنافع والمرافق وفي كم وجه صرفه الشعراء وضرب به المثل ونحن لو تركنا الاحتجاج لمخاصر البلغاء وعصي الخطباء لم نجد بدا من الاحتجاج لجلة المرسلين وكبار النبيين لان الشعوبية قد طعنت في جملة هذا المذهب على قضيب النبي وعنزته وعلى عصاه ومخصرته وعلى عصا موسى لان موسى عليه السلام قد كان اتخذها من قبل ان يعلم ما عند الله فيها والى ما يكون صيور امرها ألا ترى انه لما قال الله عز وجل وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى وبعد ذلك قال ألقها يا موسى فاذا هي حية تسعى ومن يستطيع ان يدعي الإحاطة بما فيها من مآرب موسى الا بالتقريب وذكر ما خطر على البال ذلك وقد كانت العصا لا تفارق يد سليمان بن داود عليهما السلام لا في مقاماته ولا في صلواته ولا في موته ولا في أيام حياته حتى جعل الله تسليط الارضة عليها وسليمان ميت وهو معتمد عليها من الآيات عند من كان لا يعلم ان الجن لم تكن تعلم الا ما تعلم الانس ولو علم القوم اخلاق كل ملة وزي اهل كل لغة وعللهم في ذلك واحتجاجهم له لقل شغبهم وكفونا مؤونتهم وهذه الرهبان تتخذ العصي من غير سقم ولا نقصان في جارحة ولا بد للجاثليق من قناع ومن مظلة وبرطلة ومن عكازة ومن عصا من غير ان يكون الداعي الى ذلك كبرا ولا عجزا في الخلقة وما زال المطيل القيام بالموعظة أو القراءة اوالتلاوة يتخذ العصا عند طول القيام ويتوكأ عليها عند المشي كأن ذلك زائد في التكهل والزماتة وفي نفي السخف والخفة وبالناس حفظك الله اعظم الحاجة الى ان يكون لكل حنس منهم سيما ولكل صنف منهم حلية وسمة ويتعارفون بها قال الفرزدق به ندب ممايقول ابن غالب يلوح كما لاحت وسوم المصدق وقال الآخر أنار حتى صدقت سماته وظهرت من كرم آياته وأنشد ابو عبيدة سقاها ميسم من آل عمرو اذاما كان صاحبها جحيشا وذكر بعض الاعراب ضروبا من الوسم فقال بهن في خطافها علط وسم وحلق في آخر الذفرى نظم معها نظام مثل خط بالقلم وقرمة ولست ادري من قرم عرض وخبط لمجليها الوسم وقال الله تبارك تعالى سيماهم في وجوههم من أثر السجود وكما خالفوا بين الاسماء للتعارف وقال عز وجل وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عن الله اتقاكم فعند العرب العمة وأخذ المخصرة من السيما وقد لا يلبس الخطيب الملحفة ولا الجبة ولا القميص ولا الرداء والذي لا بد منه العمة والمخصرة وربما قام فيهم وعليه إزاره قد خالف بين طرفيه وربما قام فيهم وعليه عمامته وفي يده مخصرته وربما كان قضيبا وربما كانت العصا وربما كانت قناة وفي القنا ما هو اغلظ من الساق وفيها ما هو أدق من الخنصر وقد تكون محككة الكعوب مثقفة من الاعوجاج قليلة الابن وربما كان العود نبعا وربما كان شوحا وربما كان من أبنوس ومن غرائب الخشب ومن كرائم العيدان ومن تلك الملس المصفاة وربماكانت لب غصن كريم فان للعيدان جواهر كجواهر الرجال ولولا ذلك لما كانت في خزائن الخلفاء والملوك ومنها ما لا تقربه الأرضة ولا تؤثر فيه القوادح والعكاز اذا لم يكن في اسفله زج فهوعصا لأن أطول القنا ان يقال رمح خطل ثمرمح نائر ثم رمح مخموس ثم رمح مربوع ثم رمح مطرد ثم عكاز ثم عصا ثم من العصي نصب المساحي والمرور والقدم والفؤوس والمعاول والمناجل والطبرزينات ثم تكون من ذلك نصب السكاكين والسيوف والمشامل وكل سهام نبعية وغير ذلك من العيدان التي امتدحها أوس بن حجر أو الشماخ بن ضرار أو أحد من الشعراء فانما هي من كل عصا وكل قوس بندق فانما جيء بقناتها من بروص ومدح ببريها وصنعتها عصفور القواس وقال الرقاشي أنعت قوسا نعت ذي انتفاء جاء بها جالب بروصاء عند اعتيام منه وانتصاء كافية الطول على انتهاء مجلوزة الاكعب في استواء سالمة من أبن السيساء فلم تزل مساحل البراء تأخذ من طوائف اللحاء حتى بدت كالحية الصفراء ترنو الى الطائر في السماء بمقلة سريعة الإقذاء ليست بكحلاء ولا زرقاء وقال آخر قد أغتدي ملث الظلام بفتية للرمي قد حسروا له عن أذرع متنكيين خرائطا لبنادق من بين مضفور وبين مرسع بأكفهم قضبان بروص قد عدوا للطير قبل نهوضها للمرتع تقذي منيات الطيور عيونها يوما اذا رمدت بأيدي النزع صفر البطون كأن ليط متونها سرق الحرير نواضر لم تشبع وكانت العنزة التي تحمل بين يدي رسول الله وربما جعلوها قبلة أشهر وأذكر من ان يحتاج في تثبيتها الى ذكر الاسناد وكانت سيماء أهل الحرم اذا خرجوا من الحرم الى الحل في غير الاشهر الحرم ان يتقلدوا القلائد ويعلقوا عليهم العلائق واذا أوذم أحدهم الحج تزيا بزي الحاج واذا ساق بدنه أشعرها وخالفوا بين سمات الابل والغنم وأعلموا البحيرة بغير علم السائبة واعلموا الحامي بغير علم الفحول وكذلك الفرع والرجبية والوصيلة والعتيرة من الغنم وكذلك سائر الاغنام السائمة واذا كانت الابل من حباء ملك غرزوا في أسنمتها الريش والخرق ولذلك قال الشاعر يهب الهجان بريشها ورعائها كالليل قبل صباحه المتبلج
وقال آخر وهب لنا وأنت ذو امتنان تفقأ فيها أعين البعران وقال الآخر فكان شكر القوم عند المنن كي الصحيحات وفقء الأعين واذاكان الفحل من الابل كريما قالوا فحيل واذا كان الفحل من النخل كريما قالوا فحال وقال الراعي كانت نجائب منذر ومحرق أماتهن وطرقهن فحيلا وكان الكاهن لا يلبس المصبغ والعراف لا يدع تذييل قميصه وسحب ردائه والحكم لا يفارق الوبر وكان لحرائر النساء زي ولكل مملوك زي ولذوات الرايات زي وكان الزبرقان يصبغ عمامته بصفرة وذكره الشاعر فقال وأشهد من عوف حلولا كثيرة يحجون سب الزبرقان المعصفرا وكان أبو أحيحة سعيد بن العاص اذا اعتتم لم يعتم معه أحد هكذا في الشعر ولعل ذلك ان يكون مقصورا في بني عبد شمس وقال أبو قيس بن الاسلت وكان أبو أحيحة قد علمتم بمكة غير مهتضم ذميم اذا اشد العصابة ذات يوم وقام الى المجالس والخصوم فقد حرمت على من كان يمشي بمكة غير مدخل سقيم وكان البختري غداة جمع يدافعهم بلقمان الحكيم بأزهر من سراة بني لؤي كبدر الليل راق على النجوم هوالبيت الذي بنيت عليه قريش السر في الزمن القديم وسطت ذوائب الفرعين منهم فأنت لباب سرهم الصميم وقال غيلان بن خرشة للاحنف يا أبا بحر مابقاء ما فيه للعرب قال اذا تقلدوا السيوف وشدوا العمائم واستجادوا النعال ولم تأخذهم حمية الاوغاد قال وما حمية الاوغاد قال ان يعدوا التواهب ذلا وقال الاحنف استجيدوا النعال فانها خلاخل الرجال والعرب تسمى السيوف بحمائلها اردية وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قولا أحسن من هذا قال تمام جمال المرأة في خفها وتمام جمال الرجل في لمته ومما يؤكد ذلك قول مجنون بني عامر أأعقر من جرا كريمة ناقتي ووصلي مفروش لوصل منازل اذا جاء قعقعن الحلي ولم أكن اذا جئت ارجو صوت تلك الخلاخل ولم تغن سيجان العراقين نقرة درفش القلنسى بالرجال الاطاول والعصابة والعمامة سواء واذا قالوا سيد معمم فانما يريدون أن كل جناية يجنيها الجاني في تلك العشيرة فهي معصوبة برأسه وقال دريد بن الصمة ابلع نعيما وأوفى ان لقيتهما ان لم يكن كان في سمعيهما صمم فلا يزال شهاب يستضاء به يهدي المقانب مالم تهلك الصمم عاري الاساجع معصوب بلمته أمر الزعامة في عرنينه شمم وقال الكناني تنخبتها للنسل وهي غريبة فجاءت به كالبدر خرقا معمما فلو شاتم الفتيان في الحي ظالما لما وجدوا غير التكذب مشتما ولذلك قيل لسعيد بن العاص ذو العصابة وقد قال القائل كعاب ابوها ذو العصابة وابنه وعثمان ما أكفاؤها بكثير يقولها خالد بن يزيد وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه العمائم تيجان العرب وقيل لاعرابي انك لتكثر لبس العمامة قال ان شيئا فيه السمع والبصر لجديران يوقى من القر وذكرت العمامة عند ابي الاسود الدؤلي فقال جنة في الحرب ومكنة من الحر ومدفأة من القر ووقار في الندي وواقية من الاحداث وزيادة في القامة وهي تعد عادة من عادات العرب وقال عمرو بن امرى ء القيس يا مال والسيد المعمم قد يبطره بعد رأيه السرف نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف وكان من عادة فرسان العرب في المواسم والجموع وفي أسواق العرب كأيام عكاظ وذي المجاز وما أشبه ذلك التقنع الا ما كان من ابي سليط طريف بن تميم احد بني عمرو بن جندب فانه كان لا يتقنع ولا يبالي ان يثبت عينه جميع فرسان العرب وكانوا يكرهون ان يعرفوا فلا يكون لفرسان عدوهم هم غيرهم ولما اقبل حميصة الشيباني يتأمل طريقا قال طريف أو كلما وردت عكاظ قبيلة بعثوا الي عريفهم يتوسم فتوسموني إنني انا ذاكم شاك سلاحي في الحوادث معلم تحتي الأغر وفوق جلدي نثرة زغف ترد السيف وهو مثلم ولكل بكري الي عداوة وأبو ربيعة شانيء ومحلم فكان هذا من شأنهم وربما مع ذلك أعلم الفارس منهم نفسه بسيما كان حمزة يوم بدر معلما بريشة نعامة حمراء وكان الزبير معلما بعمامة صفراء ولذلك قال درهم بن زيد إنك لاق غدا غواة بني الملكاء فانظر ما أنت مزدهف يمشون في البيض والدروع كما تمشي جمال مصاعب قطف فأبد سيماك يعرفوك كما يبدون سيماهم فتعترف وكان المقنع الكندي الشاعر واسمه محمد بن عمير كان الدهر مقنعا والقناع من سيما الرؤساء والدليل على ذلك والشاهد الصادق والحجة القاطعة ان رسول الله كان لا يكاد يرى الا مقنعا وجاء في الحديث حتى كأن الموضع الذي يصيب رأسه من ثوبه ثوب دهان وكان المقنع الذي جرج بخراسان يدعي الربوبية لا يدع القناع في حال من الحالات وجهل ادعاء الربوبية من جهة المناسخة فادعاها من الوجه الذي لا يختلف فيه الاحمر والاسود والمؤمن والكافر ان باطله مكشوف كالنهار لا يعرف في شيء من الملل والنحل القول بالتناسخ الا من هذه الفرقة من الغالية وهذا المقنع كان قصارا من أهل مرو وكان أعور الكن فما أدري أيهما أعجب أدعواه بانه رب أو أيمان من امن به وقاتل دونه وكان اسمه عطاء وقال الآخر اذا المرء أثرى ثم قال لقومه أنا السيد المفضى اليه المعمم ولم يعطهم شيئا أبوا ان يسودهم وهان عليهم زعمه وهو ألوم وقال آخر
اذا كشف اليوم العماس من استه فلا يرتدي مثلي ولا يتعمم
قالوا وكان مصعب بن الزبير يتعمم العقداء وهو ان يعقد العمامة في القفاء وكان محمد بن سعد بن أبي وقاص الذي قتله الحجاج يعتم الميلاء وقال الفرزدق ولو شهد الخيل ابن سعد لقنعوا عمامته الميلاء عضبا مهندا وقال شمعلة بن أخضر الضبي جلبنا الخيل من اطراف فلج ترى فيها من الغزو اقورارا بكل طمرة وبكل طرف يزين سواد مقلته العذارا حوالي عاصب بالتاج منا جبين أغر يستلب الدوارا رئيس ما ينازعه رئيس سوى ضرب القداح اذا استشارا وأنشد اذا لبسوا عمائمهم طووها على كرم وان سفروا أناروا يبيع ويشتري لهم سواهم ولكن بالطعان هم تجار اذا ما كنت جار بني لؤي فأنت لأكرم الثقلين جار وأنشد وداهية جرها جارم جعلت رداءك فيهاخمارا ولذكر العمائم مواضع قال زيد بن كثوة العنبري منعت من العهار اطهار أمه وبعض الرجال المدعين زناء فجاءت به عبل القوام كأنما عمامته فوق الرجال لواء لان العمامة ربما جعلوها لواء ألا ترى ان الاحنف بن قيس يوم مسعود بن عمرو حين عقد لعبس بن طلق اللواء إنما نزع عمامته من رأسه فعقدها له وربما شدوا بالعمائم أوساطهم عند المجهدة واذاطالت العقبة ولذلك قال شاعرهم فسيروا فقد جن الظلام عليكم فباست الذي يرجو القرى عند عاصم دفعنا اليه وهو كالذيخ حاظيا نشد على اكبادنا بالعمائم وقال الفرزدق
بني عاصم ان تلحبوها فانكم ملاحي للسوءات دسم العمائم وقال آخر خليلي شدا لي بفضل عمامتي على كبد لم يبق إلا صميمها والعرب تلهج بذكر النعال والفرس تلهج بذكر الخفاف وفي الحديث المأثور ان أصحاب رسول الله ينهون نساءهم عن لبس الخفاف الحمر والصفر ويقولون هو من زينة نساء آل فرعون وأما قول شاعرهم اذا اخضرت نعال بني غراب بغوا ووجدتهم أسرى لئاما لم يرد صفة النعل وانما أراد بأنهم اذا اخضرت الارض وأخصبوها طغوا وبغوا كما قال الآخر واطول في دار الحفاظ إقامة وأوزن أحلاما اذا النعل أخضلا ومثل قوله يا ابن هشام أهلك الناس اللبن فكلهم يسعى بسيف وقرن واماقول الآخر وكيف أرجي ان أسود عشيرتي وأمي من سلمى ابوها وخالها رأيتكم سودا جعادا ومالك مخصرة بيض سباط نعالها فلم يذهب الى مدح النعال في انفسها وانما ذهب الى سباطة ارجلهم واقدامهم ونفى الجعودة والقصر عنهم وقال النابغة رقاق النعال طيب حجزاتهم يحيون بالريحان يوم السباسب يصونون اجسادا قديم نعيمها بخالصة الاردان خضر المناكب قال وبنو الحارث بن سدوس لم ترتبط حمارا قط ولم تلبس نعلا قط اذا نقبت وقد قال قائلهم ونلقي النعال اذا نقبت ولا نستعين بأخلاقها ونحن الذؤابة من وائل إلينا تمد بأعناقها وهم رهط خالد بن معمر يقول فيه شاعرهم معاوي أمر خالد بن معمر فانك لولا خالد لم تؤمر وقائلهم يقول
أغاضبة عمرو بن شيبان ان رأت عديدين من جرثومة ودخيس فلو شاء ربي كان أير ابيكم طويلا كأير الحارث بن سدوس وكان عمر رضي الله تعالى عنه جعل رياسة بكر لمجزأة بن ثور فلما استشهد مجزأة جعلها ابو موسى لخالد بن المعمر ثم ردها عثمان على شقيق بن مجزأة بن ثور فلما خرج اهل البصرة الى صفين تنازع شقيق وخالد الرياسة فصيرها عند ذلك علي إلى حضين بن المنذر فرضي كل واحد منهما وكان يخالف ان يصيرها الى خصمه فسكنت بكر وعرف الناس صحة تدبير علي رضي الله تعالى عنه في ذلك واما قول الآخر يا ليت لي نعلين من جلد الضبع وشركا من استها لا تنقطع كل الحذاء يحتذي الحافي الوقع فهذا كلام محتاج والمحتاج يتجوز اما قول النجاشي لهند بن عاصم اذا الله حيا صالحا من عباده كريما فحيا الله هند بن عاصم وكل سلولي اذا ما لقيته سريع الى داعي الندى والمكارم ولا يأكل الكلب السروق نعالهم ولا تنتقي المخ الذي في الجماجم فقال يونس كانوا لا يأكلون الأدمغة ولا ينتعلون الا بالسبت وقال كثير اذا نبذت لم تطب الكلب ريحها وان وضعت في مجلس القوم شمت وقال عتيبة بن الحارث وهو ابن فسوة الى معشر لا يخصفون نعالهم ولا يلبسون السبت مالم يخصر واذا مدح الشاعر النعال بالجودة فقد بدأ يمدح لابسها قبل ان يمدحها قال الله تبارك وتعالى لموسى على نبينا وعليه السلام إخلع نعليك انك بالوادي المقدس طوى وقال بعض المفسرين كان من جلد غير ذكي وقال الزبيري ليس كما قال بل أعلمه حق المقام الشريف والمدخل الكريم ألا ترى ان الناس اذا دخلوا الى الملوك ينزعون نعالهم خارجا قال وحدثنا سلام بن مسكين قال ما رأيت الحسن الا وفي رجليه النعل رأيته على فراشه وهي في رجليه وفي مسجده وهو يصلي وهي في رجليه وكان بكر بن عبد الله تكون نعله بين يديه فاذا نهض الى الصلاة لبسها وروى ذلك عن عمرو بن عبيد وهاشم الأوقص وحوشب وكلاب وعن جماعة من أصحاب الحسن وكان الحسن يقول ما أعجب قوما يرون ان رسول الله صلى في نعليه فلما انفتل من الصلاة علم انه قد كان وطى ء على كذا و كذا وأشباها لهذا الحديث ثم لا نرى احدا منهم يصلي منتعلا وأما قوله وقام بناتي بالنعال حواسرا وألصقن وقع السبت تحت القلائد فان النساء ذوات المصائب اذا قعدن في المناحات كن يضر بن صدورهن بالنعال وقال محمد بن يسير كم أرى من مستعجب من نعال ورضائي منها بلبس البوالي كل جرداء قد تحيفهاالخصف بأقطارها بسرو النعال لا تداني وليس تشبه في الخلقة ان أبرزت نعال الموالي لا ولا عن تقادم العهد منها بليت لا ولا لكر الليالي ولقد قلت حين أوثر ذا الودد عليها بثروتي وبمالي من يغالي من الرجال بنعل فسوائي اذا بهن يغالي أو بغاهن للجمال فاني في سواهن زينتي وجمالي في إخائي وفي وفائي ورأيي وعفافي ومنطقي وفعالي ماوقاني الحفا وبلغني الحاجة منها فانني لا أبالي وقال خلف الاحمر سقى حجاجنا نوء الثريا على ما كان من مطل وبخل هم جمعوا النعال فأحرزوها وسدوا دونها بابا بقفل اذا أهديت فاكهة وشاة وعشر دجايج بعثوا بنعل ومسواكين طولهما ذراع وعشر من ردي المقل خشل فان أهديت ذاك لتحملوني على نعل فدق الله رجلي وقال كثير كأن ابن ليلى حين يبدوة فتنجلي سجوف الخباء عن مهيب مشمت
مقارب خطو لا يغير نعله رهيف الشراك سهلة المتسمت اذا طرحت لم تطب الكلب ريحها وان وضعت في مجلس القوم شمت وقال بشار اذا وضعت في مجلس القوم نعلها تضوع مسكا ما أصابت وعنبرا ولما قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه لصعصعة بن صوحان في المنذر بن الجارود ما قال قال صعصعة يا أمير المؤمنين لئن قلت ذاك انه لنظار في عطفيه تفال في شراكية تعجبه حمرة برديه وذم رجل ابن التوأم فقال رأيته مشحم النعل درن الجورب مغضن الخف دقيق الجربان وال الهيثم يمين لا يحلف بها الاعرابي ابدا ان يقول لا أورد الله لك صادرا ولا أصدر لك واردا ولا حططت رحلك ولا خلعت نعلك وقال آخر علق الفؤاد بريق الجهل وأبر واستعصى على الأهل وصبا وقد شابت مفارقه سفها وكيف إصابة الكهل أدركت معتصري وأدركني حلمي ويسر قائدي نعلي رجع الكلام الى القول في العصا قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في تعظيم شأن عصا موسى على نبينا وعليه السلام الدابة ينشق عنها الصفا معها عصا موسى وخاتم سليمان تمسح المؤمن بالعصا وتختم الكافر بالخاتم وجعل الله تبارك وتعالى اكبر آداب النبي في المسواك وحض عليه والمسواك لا يكون الا عصا وقال ابو الوجيه قضبان المساويك البشام والضرو والعنم والأتراك والعرجون والجريد والاسحل وقد يلبس الناس الخفاف والقلانس في الصيف كما يلبسونها في الشتاء اذا دخلوا على الخلفاء وعلى الامراء وعلى السادة والعظماء لان ذلك أشبه بالاحتفال وبالتعظيم والاجلال وابعد من التبذل والاسترسال وأجدر ان يفصلوا بين مواضع انسهم في منازلهم ومواضع انقباضهم
وللخلفاء عمة وللفقهاء عمة وللبغالين عمة وللاعراب عمة وللصوص عمة وللابناء عمة وللروم والنصارى عمة ولاصحاب التشاجي عمة ولكل قوم زي فللقضاة زي ولاصحاب القضاة زي وللشرط زي وللكتاب زي ولكتاب الجند زي ومن زيهم ان يركبوا الحمير وان كانت الهماليج لهم معرضة وأصحاب السلطان ومن دخل الدار على مراتب فمنهم من يلبس المبطنة ومنهم من يلبس الدراعة ومنهم من يلبس القباء ومنهم من يلبس الباز بكند ويعلق ويأخذ الجرز ويتخذ الجمة وزي مجالس الخلفاء في الصيف القطن وفي الشتاء فرش الصوف وترى ان ذلك أجزل وأكمل وأفخم وأقبل ولذلك وضعت ملوك العجم على رؤوسها التيجان وجلست على الاسرة وظاهرت بين الفرش وهل يملأ عيون الاعداء ويرعب قلوب المخالفين ويحشو صدور العوام إفراط التعظيم وتعظيم شأن السلطان والزيادة في الاقدار الا الآلات وهل دوأؤهم الا في التهويل عليهم وهل يصلحهم الا إخافتك إياهم وهل ينقادون لما فيه الحظ لهم ويسلمون بالطاعة التي فيها صلاح أمورهم الا بتدبير يجمع المحبة والمهابة وكانت الشعراء تلبس الوشي والمقطعات والأردية السود وكل ثوب مشهر وقد كان عندنا منذ نحو من خمسين سنة شاعر يتزيا بزي الماضين وكان له برد أسود يلبسه في الصيف والشتاء فهجاه بعض الطياب من الشعراء فقال في قصيدة له بع بردك الاسود قبل البرد في قرة تأتيك صما صرد وكان الجربان قميص بشار الاعمى وجبته لبنتان فكان اذا أراد نزع شيء منهما أطلق الازرار فسقطت الثياب على الارض ولم ينزع قميصه من جهة رأسه قط وقدويه العدوى الشحاجي لم يلبس قميصا قط وهواليوم حي وهو شيخهم وسعيد بن العاص الجواد الخطيب لم ينزع قميصه قط فقدويه الشحاجي ضدسعيد بن العاص الاموي وقال الحطيئة سعيد فلا تغررك قلة لحمه تخدد عنه اللحم وهو صليب
وكان شديد السواد نحيفا ومن شأن المتكلمين ان يشيروا بأيديهم وأعناقهم وحواجبهم فاذا أشاروا بالعصا فكأنهم قد وصلوا بأيديهم ايدي أخر ويدلك على ذلك قول الانصاري حيث يقول سارت لناسيارة ذات سؤدد بكوم المطايا والخيول الجماهر يؤمون ملك الشام حتى تمكنوا ملوكا بأرض الشام فوق المنابر يصيبون فصل القول في كل خطبة اذا وصلوا ايمانهم بالمخاصر وقال الكميت بن زيد ونزور مسلمة المهذب بالمؤيدة السوائر بالمذهبات المعجبات لمفحم منا وشاعر أهل التجارب في المحافل والمقاول بالمخاطر وأيضا ان حمل العصا والمخصرة دليل على التأهب للخطبة والتهيؤ للاطناب والاطالة وذلك شيء خاص في خطباء العرب ومقصور عليهم ومنسوب إليهم حتى انهم ليذهبون في حوائجهم والمخاصر في أيديهم اتقاء وتوقعا لبعض ما يوجب حملها والاشارة بها وعلى ذلك المعنى أشار النساء بالمالي وهن قيام في المناحات وعلى ذلك المثال ضربن الصدور بالنعال وانما يكون العجز والذلة في دخول الخلل والنقص على الجوارح فأما الزيادة فيها فالصواب فيه وهل ذلك الا كتعظيم كور العمامة واتخاذ القضاة القلانس العظام في حمارة القيظ واتخاذ الخلفاء العمائم على القلانس فان كانت القلانس مكشوفة زادوا في طولها وحدة رؤوسها حتى تكون فوق قلانس جميع الامة وكذلك القناع لانه أهيب وعلى ذلك المعنى كان يتقنع العباس بن محمد وعبد الملك بن صالح والعباس بن موسى وأشباهم وسليمان بن أبي جعفر وعيسى بن جعفر واسحق بن عيسى ومحمد بن سليمان ثم الفضل بن الربيع والسندي بن شاهك واشباههما من الموالي لان ذلك أهيب في الصدور وأجل في العيون والمتقنع أروع من الحاسر لانه اذا لم يفارقه الحجاب وان كان ظاهرا في الطرق وكان أشبه بملاينة العوام وسياسة الرعية وطرح القناع ملابسة وابتذال ومؤانسة ومقاربة والدليل على صواب هذا العمل من بني هاشم ومن صنائعهم ورجال دعوتهم وأنهم قد علموا حاجة الناس الى ان يهابوهم وان ذلك هو صلاح شانهم ان رسول الله كان اكثر الناس قناعا والدليل على ان ذلك كان في الاسلاف المتبوعين انا نجد رؤساء جميع أهل الملل وأرباب النحل على ذلك ولذلك اتخذوا في الحروب الرايات والاعلام وانما ذلك كله خرق سود وحمر وصفر وبيض وجعلوا اللواء علامة للعقد والعلم في الحروب مرجعا لصاحب الجولة وقد علموا انها وان كانت خرقا على عصي ان ذلك أهيب في القلوب وأهول في الصدور وأعظم في العيون ولذلك أجمعت الامم رجالها ونساؤها على إطالة الشعور لان ذا الجمة أضخم هامة وأطول قامة و الكاسي أفخم من العاري ولولا ان حلق الرأس طاعة وعبادة وتواضع وخضوع وكذلك السعي ورمي الجمار لما فعلوا ذلك وفي الحديث انه لا يفتح عمورية الا رجال ثيابهم ثياب الرهبان وشعورهم شعور النساء وكل ما زادوه في الابدان ووصلوه في الجوارح فهو زيادة في تعظيم تلك الابدان والعصي والمخاصر مع الذي عددناه ومع الذي ذكرناه ونريد ذكره من خصال منافعها كله باب واحد في المعنى والمغني قد يوقع بالقضيب على أوزان الاغاني والمتكلم قد يشير برأسه ويده على أقسام كلامه وتقطيعه ففوقوا ضروب الحركات على ضروب الالفاظ وضروب المعاني ولو قبضت يده ومنع حركة رأسه لذهب ثلثا كلامه وقال عبد الملك بن مروان لو ألقيت الخيزرانة من يدي لذهب شطر كلامي وأراد معاوية سحبان وائل على الكلام وقد كان اقتضبه اقتضابا فلم ينطق حتى أتوه بمخصرة فرطلها بيده فلم تعجبه حتى أتوه بمخصرته من بيته والمثل المضروب بعصا الاعرج يقولون أقرب من عصا الاعرج ويضربون المثل بعصا النهدي وقال علقمة في صفة فرس أنثى
سلاءة كعصا النهدي غل لها منظم من نوى قران معجوم
ويضربون المثل برميح ابي سعد وكان ابوسعد أعرج وفد في وفد عدوان قال ذو الأصبع العدواني أن تكن شكتي رميح ابي سعد فقد أحمل السلاح معا قال عباس بن مرداس جزى الله خيرا خيرنا لصديقه وزوده زادا كزاد أبي سعد وزوده صدقا وبرا ونائلا وماكان في تلك الوفادة من حمد وقال آخر فآب بجدوى زامل وابن زامل عدوك اوجدوى كليب بن وائل ويقولون لو كان في العصا سير ويقولون ما هو ألا أبنة عصا وعقدة رشا ويقولون أخرج عوده كعصا البقار واخرج عوده كعصا الحادي وكان ابو العتاهية اهدى الى امير المؤمنين المأمون عصا نبع وعصا شريان وعصا أبنوس وعصي أخرى كريمة العيدان شريفة الاغصان و أردية قطرية وركاء يمانية ونعالا سبتية فقبل من ذلك عصا واحدة ورد الباقي وبعث اليه مرة اخرى بنعل وكتب اليه نعل بعثت بها لتلبسها تسعى بها قدم الى المجد لو كنت أقدر ان أشركها خدي جعلت شراكها خدي فقبلها قال الكلبي عن ابي صالح عن ابن عباس ان الشجرة التي نودي منها موسى على نبينا وعليه السلام هي عوسج وانه نودى من جوف العوسج وان عصاه كانت من آس الجنة وانها كانت من العود الذي في وسط الورقة فكان طولها طول موسى عليه السلام وقالوا من العليق وقال آخر صفراء من نبع كلون الورس ابدأها بالدهن قبل نفسي وأنشد الاصمعي عن بعض الاعراب الا قالت الخنساء يوم لقيتها كبرت ولم تجزع من الشيب مجزعا رأت ذا عصا يمشي عليها وشيبة تقنع منها رأسه ما تقنعا فقلت لها لا تهزئي بي فقلما يسود الفتى حتى يشيب ويصلعا
وللقارح اليعبوب خير علالة من الجذع المجرى وأبعد منزعا وقال اسحق بن سويد في رداء النبي اقوى دليل ثم في العقب والعصا والقضيب وقال ابو الشيص الاعمى في هرون الرشيد يا بني هاشم أفيقوا فان الملك منكم حيث العصا والرداء ما لهرون في قريش كفاء وقريش ليست لهم اكفاء وقال الآخر على خشبات الملك منه مهابة وفي الحرب عبل الساعدين قروع ومما يجوز أيضا في العصا قول أبي الشيص أنعى فتى الجود الى الجود مامثل من انعى بموجود أنعى فتى مص الثرى بعده بقية الماء من العود ومن هذا الباب قول عبيد الله بن جدعان فلم أر مثلهم حيين أبقى على الحدثان ان طرقت حروقا وأصبر عند ضنك الأمر منهم وأسلكهم لأحزنه طريقا شريت صلاحهم بتلاد مالي فعاد الغصن معتدلا وبريقا ويقولون للرجل اذا افاد وأثرى وكثرت نعمته ضع عصاك وقد وضع عصاه وقال ابو الاعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وتجر الأذيال في نعمة زوال تقولان ضع عصاك لدين ويقولون للمستوطن في البلد والمستطيب للمكان قد ألقى عصاه وقال زهير بن أبي سلمى فلما وردن الماء زرقا جمامه وضعن عصي الحاضر المتخيم كتاب الزهد بسم الله الرحمن الرحيم نبدأ بأسم الله وعونه بشيء من كلام النساك في الزهد وبشيء من ذكر اخلاقهم ومواعظهم قال عوف عن الحسن لا تزول قدما ابن آدم حتى يسأل عن ثلاث شبابه فيم أبلاه وعمره قيم أفناه وماله من أين كسبه وفيما أنفقه
وقال يونس بن عبيد سمعت ثلاث كلمات لم أسمع بأعجب منهن قول حسان بن أبي سنان ما شيء اهون من ورع اذا رابك أمر فدعه وقول ابن سيرين ما حسدت أحدا على شيء قط وقول مؤرق العجلي لقد سألت الله حاجة منذ أربعين سنة ما قضاها ولا يئست منها فقيل لمؤرق ما هي قال ترك مالا يعنيني وقال أبو حازم الاعرج ان عوفينا من شر ما أعطينا لم يضرنا فقد ما زوى عنا وقال أبوعبد الحميد لم اسمع اعجب من قول عمر لو ان الصبر والشكر يعيران ما باليت أيهما ركبت وقال ابن ضبارة إنا نظرنا فوجدنا الصبر على طاعة أهون من الصبر على عذاب الله وقال زياد عبدب عياش بن أبي ربيعة أنا من ان امنع الدعاء اخوف مني من ان أمنع الإجابة وقال له عمر بن عبد العزيز رحمه الله يا زياد اني أخاف الله مما دخلت فيه قال لست أخاف عليك ان تخاف وإنما اخاف عليك ان لا تخاف وقال بعض النساك كفى موعظة أنك لا تموت الا بحياة ولا تحيا الا بموت وهو الذي قال اصحب من ينسى معروفه عندك وهو الذي قال لا تجعل بينك وبين الله منعما وعد النعم منه عليك مغرما ودخل سالم بن عبد الله مع بن عبد الملك البيت ققال له هشام سلني حاجتك قال أكره ان اسأل في بيت الله غير الله وقيل لرابعة القيسية لو كلمنا رجال عشيرتك فاشتروا لك خادما تكفيك مؤونة بيتك فقالت والله اني لأستحي ان اسأل الدنيا من يملك الدنيا فكيف أسألها من لا يملكها وقال بعض النساك دياركم أمامكم وحياتكم بعد موتكم وقال السموأل بن عادياء اليهودي ميتا خلقت ولم اكن من قبلها شيئا يموت فمت حتى حييت وقال أبو الدرداء كان الناس ورقا لا شوك فيه وهم اليوم شوك لا ورق فيه
قال الحسن بن دينار رأي الحسن رجلا يكيد بنفسه فقال ان أمرا هذا آخره لجدير ان يزهد في أوله اوان أمرا هذا آوله لجدير ان يخاف آخره وقال أبو حازم الدنيا غرت أقواما فعملوا فيها بغير الحق ففاجأهم الموت فخلفوا ما لهم لمن لا يحمدهم وصاروا الى من لا يعذرهم وقد خلفنا بعدهم فينبغي لنا ان ننظر الى الذي كرهناه منهم فنجتنبه والى الذي غبطناهم به فنستعمله قال موسى بن داود رفع الحديث قال النظر الى خمسة عبادة النظر الى الوالدين والنظر الى البحر والنظر الى المصحف والنظر الى الصخرة والنظر الى البيت قال عبد الله بن شداد أربع كن فيه برى ء من الكبر من اعتقل البعير وركب الحمار ولبس الصوف وأجاب دعوة الرجل الدون وذكر عند أنس الصوم فقال ثلاث من أطاقهن فقد ضبط أمره من تسحر ومن قال ومن أكل قبل ان يشرب وشرب ثم لم يأكل فقد ضبط نفسه وقال الجماز ليس يقوى على الصوم الا من كثرلقمه وطاب أدمه قال مجالد بن سعيد عن الشعبي حدثني مرة الهمداني قال مجالد وقد رأيته وحدثنا إسماعيل بن أبي خالد أنه لم ير مثل مرة قط كان يصلي في اليوم والليلة خمسمائة ركعة وكان مرة يقول لما قتل عثمان رضي الله تعالى عنه حمدت الله ألا أكون دخلت في شيء من قتله فصليت مائة ركعة فلما وقع الجمل وصفين حمدت الله ألا اكون دخلت في شيء من تلك الحروب وزدت مائتي ركعة فلما كانت وقعة النهرران حمدت الله اذ لم اشهدها وزدت مائة ركعة فلما كانت فتنة ابن الزبير حمدت الله اذا لم اشهدها وزدت مائة ركعة وأنا اسأل الله ان يغفر لمرة على أنا لا نعرف لبعض ما قال وجها لانك لا تعرف فقيها من أهل الجماعة لا يستحل قتال الخوارج كما انا لا نعرف أحدا منهم لا يستحل قتال اللصوص وهذا ابن عمر وهو رئيس الحلسية وزعيمهم قد لبس السلاح لقتال نجدة وقيل لشريح الحمد لله الذي سلمك من القتال في شيء من هذه الفتن قال فكيف اصنع بقلبي وهواي وقال الحسن قتل الناقة رجل واحد ولكن الله عم القول بالعذاب لأنهم عموه بالرضا وسئل عمر بن عبد العزيز عن قتلة عثمان وخاذليه وناصريه فقال تلك دماء كف الله يدي عنها فأنا احب ألا أغمس لساني فيها ودخل أبو الدرداء على رجل يعوده فقال كيف تجدك قال أفرق من الموت قال فممن اصبت الخير كله قال من الله قال فلم تفرق ممن لم تصب الخير كله الا منه ولما قذف إبراهيم عليه السلام في النار قال له جبرائيل عليه السلام ألك حاجة يا خليل الله قال اما اليك فلا ورأى بعض النساك صديقا له من النساك مهموما فسأله عن ذلك فقال كان عندي يتيم احتسب في الأجر فمات قال فاطلب يتيما غيره فان ذلك لا يعدمك ان شاء الله تعالى قال اخاف ألا اصيب يتيما في سوء خلقه قال اما إني لو كنت مكانك لم اذكر سوء خلقه ودخل بعض النساك على صاحب له وهو يكيد بنفسه فقال طب نفسا فانك تلقي ربا رحيما قال اما ذنوبي فإني ارجو ان يغفرها الله لي وليس اغتمامي الا لمن ادع من بناتي قال له صاحبه الذي ترجوه لمغفرة ذنوبك فأرجه يحفظ بناتك وكان مالك بن دينار يقول لو كانت الصحف من عندنا لا قللنا الكلام وقال يونس بن عبيد لو أمرنا بالجزع لصبرنا وكان يقول كسبت في هذه السوق ثمانين ألف درهم ما فيها الا وانا أخاف ان اسأل عنه سمع عمرو بن عبيد عبد الرحمن بن حذيفة يقول قال الحطيئة إنما أنا حسب موضوع فقال عمرو كذب ترحه الله ذلك التقوى وقال أبو الدرداء نعم صومعة المؤمن منزل يكف فيه نفسه وبصره وفرجه واياكم والجلوس في هذه الاسواق فإنها تلغي وتلهي عظة بالغة للحسن البصري وقال الحسن يا ابن آدم بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعا يا ابن ادم اذا رأيت الناس في الخير فنافسهم فيه واذا رأيتهم في الشر فلا تغبطهم فيه الثواء ههنا قليل والبقاء هناك طويل أمتكم آخر الأمم وأنتم آخر أمتكم وقد أسرع بخياركم ماذا تنظرون المعاينة فكأن قد هيهات هيهات ذهبت الدنيا بحال بالها وبقيت الأعمال قلائد في أعناق بني آدم فيا لها موعظة لو وافقت من القلوب حياة أما إنه والله لا أمة بعدأمتكم ولا نبي بعد نبيكم ولا كتاب بعد كتابكم أنتم تسوقون الناس والساعة تسوقكم وإنما ينتظر بأولكم ان يلحقه آخركم من رأى محمدا فقد رآه غاديا ورائحا لم يضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة رفع له علم فشمر اليه فالوحاء الوحاء والنجاء النجاء علام تعرجون أتيتم ورب الكعبة قد اسرع بخياركم وانتم كل يوم ترذلون فماذا تنتظرون ان الله تبارك وتعالى بعث محمدا على علم منه اختاره لنفسه وبعثه برسالته وأنزل عليه كتابه وكان صفوته من خلقه ورسوله الى عباده ثم وضعه من الدنيا موضعا ينظر اليه أهل الارض وأتاه منها قوتا وبلغه ثم قال لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة فرغب أقوام عن عيشه وسخطوا ما رضي له ربه فأبعدهم الله وسحقهم يا ابن آدم طأ الارض بقدمك فانها عن قليل قبرك واعلم أنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك رحم الله رجلا نظر فتفكر وتفكر فاعتبره وأبصر فصبر فقد أبصر أقوام ولم يصبروا فذهب الجزع بقلوبهم ولم يدركوا ما طلبوا ولم يرجعوا الى ما فارقوا يا ابن آدم اذكر قوله وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا عدل والله عليك من جعلك حسيب نفسك خذوا صفاء الدنيا وذروا كدرها فليس الصفو ماعاد كدرا ولا الكدر ما عاد صفوا دعوا ما يريبكم الى ما لا يريبكم ظهر الجفاء وقلت العلماء وعفت السنة وشاعت البدعة لقد صحبت أقواما ما كانت صحبتهم الا قرة العين وجلاء الصدور ولقد رأيت أقواما كانوا لحسناتهم أشفق من ان ترد عليهم منكم من سيئآتكم ان تعذبوا عليها وكانوا فيما أحل الله لهم من الدنيا أزهد منكم فيما حرم الله عليكم منها مالي اسمع حسيسا ولا أرى انيسا ذهب الناس وبقى النسناس لو تكاشفتم ما تدافنتم تهاديتم الأطباق ولم تتهادوا النصائح قال ابن الخطاب رحم الله امرا اهدى الينا مساوينا أعدوا الجواب فإنكم مسئولون المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه ولكنه أخذه من قبل ربه ان هذا الحق قد جهد أهله وحال بينهم وبين شهواتهم وما يصبر عليه الا من عرف فضله ورجا عاقبته فمن حمد الدنيا ذم الآخرة وليس يكره لقاء الله الا مقيم على سخطه يا ابن ادم الايمان ليس بالتحلي ولا بالتمني ولكنه ما وقر في القلب وصدقه العمل وكان أذا قرأ ألهاكم التكاثر قال عم ألهاكم عن دار الخلود وجنة لا تبيد هذا والله فضح القوم وهتك الستر وأبدى العوار تنفق مثل دينك في شهوتك سرفا وتمنع في حق الله درهما ستعلم يا لكع الناس ثلاثة مؤمن وكافر ومنافق فأما المؤمن فقد لجمه الخوف وقومه ذكر العرض وأما الكافر فقد قمعه السيف وشرده الخوف فأذعن بالجزية وسمح بالضريبة وأما المنافق ففي الحجرات والطرقات يسرون غير ما يعلنون ويضمرون غير ما يظهرون فاعتبروا انكارهم ربهم بأعمالهم الخبيثة ويلك قتلت وليه ثم تتمنى عليه جنته وكان يقول رحم الله رجلا خلا بكتاب الله فعرض عليه نفسه فان وافقه حمد ربه وسأله الزيادة من فضله وان خالفه أعتب واناب وراجع من قريب رحم الله رجلا واعظ أخاه وأهله فقال يا أهلي صلاتكم صلاتكم زكاتكم زكاتكم جيرانكم جيرانكم إخوانكم إخوانكم مساكينكم مساكينكم لعل الله يرحمكم فان تبارك وتعالى أثنى على عبد من عباده فقال وكان يأمرأهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا يا ابن ادم كيف تكون مسلما ولم يسلم منك جارك وكيف تكون مؤمنا ولم يأمنك الناس وكان يقول لا يستحق احد حقيقة الايمان حتى لا يعيب الناس بعيب هو فيه ولا يأمر باصلاح عيوبهم حتى يبدأ باصلاح ذلك من نفسه فانه اذا فعل ذلك لم يصلح عيبا الا وجد في نفسه عيبا آخر ينبغي له ان يصلحه فاذا فعل ذلك شغل بخاصة نفسه عن عيب غيره وإنك ناظر الى عملك بوزن خيره وشره فلا تحقرن شيئا من الشر وان صغر فانك اذا رأيته ساءك مكانه وكان يقول رحم الله عبدا كسب طيبا وانفق قصدا وقدم فضلا وجهوا هذا الفضول حيث وجهها الله وضعوها حيث امر الله فان من كان قبلكم كانوا يأخذون من الدنيا بلاغهم ويؤثرون بالفضل ألا ان هذا الموت قد اضر بالدنيا ففضحها فلا والله ما وجد ذولب فيها فرحا فاياكم وهذه السبل المتفرقة التي جماعها الضلالة وميعادها النار ادركت من صدر هذه الأمة قوما كانوا اذا جنهم الليل فقيام على اطرافهم يفترشون خدودهم تجري دموعهم على خدودهم يناجون مولاهم في فكاك رقابهم اذا عملوا الحسنة سرتهم وسألوا الله ان يتقبلها منهم واذا عملوا سيئة ساءتهم وسألوا الله ان يغفرها لهم يا ابن آدم ان كان لا يغنيك ما يكفيك فليس هاهنا شي يغنيك وان كان يغنيك ما يكفيك فالقليل من الدنيا يكفيك يا ابن آدم لا تعمل شيا من الحق رياء ولا تتركه حياء وكان يقول ان العلماء كانوا قد استغنوا بعلمهم عن اهل الدنيا وكانوا يقضون بعلمهم على اهل الدنيا مالا يقضي اهل الدنيا بدنياهم فيها وكان اهل الدنيا يبذلون دنياهم لاهل العلم رغبة في علمهم فأصبح اليوم اهل العلم يبذلون علمهم لاهل الدنيا رغبة في دنياهم فرغب اهل الدنيا بدنياهم عنهم وزهدوا في علمهم لما رأوا من سوء موضعه عندهم وكان يقول لا أذهب الى من يوارى عني غناه ويبدي لي فقره ويغلق دوني بابه ويمنعني ما عنده وأدع من يفتح لي بابه ويبدي لي غناه ويدعوني الى ما عنده وكان يقول يا ابن آدم لا غني بك عن نصيبك من الدنيا وانت الى نصيبك من الآخرة أفقر مؤمن مهتم وعلج أغتم وأعرابي لا فقه له ومنافق مكذب ودنياوي مترف نعق بهم ناعق فأتبعوه فراش نار وذبان طمع والذي نفس الحسن بيده ما أصبح في هذه القرية مؤمن الا أصبح مهموما رزينا وليس لمؤمن راحة دون لقاء الله الناس ما داموا في عافية مستورون فاذا نزل بهم بلاء صاروا الى حقائقهم فصار المؤمن الى ايمانه والمنافق الى نفاقه أي قوم ان نعمة الله عليكم افضل من اعمالكم فسارعوا الى ربكم فانه ليس لمؤمن راحة دون الجنة ولا يزال العبد بخير ما كان له واعظ من نفسه وكانت المحاسبة من همه وقال الحسن في يوم فطر وقد رأى الناس وهيآتهم ان الله تبارك وتعالى جعل رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته الى مرضاته فسبق اقوام
ففازوا وتخلف آخرون فخابوا فالعجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون أما والله لو ان كشف الغطاء لشغل محسن باحسانه ومسيء باساءته عن ترجيل شعر أو تجديد ثوب عظات لعمر بن الخطاب وحدث عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه انه قال الناس طالبان طالب يطلب الدنيا فارفضوها في نحره فانه ربما ادرك الذي طلب منها فهلك بما اصاب منها وربما فاته الذي طلب منها فهلك بما فاته منها وطالب يطلب الآخرة فاذا رأيتم طالب الآخرة فنافسوه وحدث عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه انه قال ايها الناس انه اتى علي حين وأنا احسب ان من قرأ القرآن أنه انما يريد به الله وما عنده ألا وقد خيل إلي ان أقواما يقرأون القرآن يريدون به ما عند الناس ألا فأريدوا الله بقراءتكم وأريدوه بأعمالكم فإنا كنا نعرفكم اذا الوحي ينزل واذا النبي بين أظهرنا فقد رفع الوحي وذهب النبي فانما اعرفكم بما اقول لكم ألا فمن اظهر لنا خيرا ظننا به خيرا وأثنينا به عليه ومن اظهر لنا شرا ظننا به شرا وابغضناه عليه أقدعوا هذه النفوس عن شهواتها فانها طلعة فانكم إلا تقدعوها تنزع بكم الى شر غاية ان هذا الحق ثقيل مريء وان الباطل خفيف وبيء وترك الخطية خير من معالجة التوبة ورب نظرة زرعت شهوة وشهوة ساعة أورثت حزنا طويلا وكتب الحسن الى عمر بن عبد العزيز اما بعد فكأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل وقال ابوحازم الاعرج وجدت الدنيا شيئين شيئا هو لي لن اعجله دون أجله ولو طلبته بقوة السموات والارض وشيئا هو لغيري لم أنله فيما مضى ولا أناله فيما بقي يمنع الذي لي كما يمنع الذي لغيري مني ففي اي هذين افني عمري وأهلك نفسي ودخل على بعض ملوك بني مروان فقال يا أبا حازم ما المخرج مما نحن فيه قال تنظر الى ما عندك فلا تضعه الا في حقه وما ليس عندك فلا تأخذه إلا بحقه قال ومن يطيق ذلك يا أبا حازم قال فمن اجل ذلك ملئت جهنم من الجنة والناس اجمعين قال ما مالك قال مالان قال ما هما قال الثقة بما عند الله واليأس مما في ايدي الناس قال إرفع حواءجك الينا قال هيهات رفعتها الى من لا تختزل الحواءج دونه فان أعطاني منها شيئا قبلت وان زوى عني شيئا رضيت وقال الفضيل بن عياض يا ابن آدم إنما يفضلك الغني بيومين امس قد خلا وغد لم يأت فان صبرت يومك أحمدت أمرك وقويت على غدك وان جزعت يومك أذممت امرك وضعفت عن غدك وان الصبر يورث البرء وان الجزع يورث السقم وبالسقم يكون الموت وبالبرء تكون الحياة وقال الحسن أبا فلان اترضى هذه الحال التي انت عليها للموت اذا نزل بك قال لا قال أفتحدث نفسك بالانتقال عنها الى حال ترضاها للموت اذانزل بكقال حديثا بغير حقيقة قال أفبعد الموت دار فيها مستعتب قال لا قال فهل رأيت عاقلا رضي لنفسه بمثل الذي رضيت به لنفسك كلام منسوب لسيدنا عيسى قال عيسى بن مريم صلوات الله على نبينا وعليه ألا ان أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين نظروا الى باطن الدنيا حين نظر الناس الى ظاهرها والى آجل الدنيا حين نظر الناس الى عاجلها فأماتوا منها ماخشوا ان يميت قلوبهم وتركوا منها ما علموا ان سيتركهم ورأوه يخرج من بيت مومسة فقيل له يا روح الله ماتصنع عند هذه قال أنما يأتي الطبيب المرضى وقال حين مر ببعض الخلق فشتموه ثم مر بآخرين فشتموه فكلما قالوا شرا قال خيرا فقال له رجل من الحواريين كلما زادوك شرا زدتهم خيرا حتى كأنك انما تغريهم بنفسك وتحثهم على شتمك قال كل انسان يعطي مما عنده وقال ويلكم يا عبيد الدنيا كيف تخالف فروعكم اصولكم وعقولكم اهواؤكم قولكم شفاء يبرى ء الداء وعملكم داء لا يقبل الدواء ولستم كالكرمة التي حبر ورقها وطاب ثمرها وسهل مرتقاها بل انتم كالثمرة التي قل ورقها وكثر شوكها وصعب مرتقاها ويلكم يا عبيد الدنيا جعلتم العمل تحت اقدامكم من شاء اخذه وجعلتم الدنيا فوق رؤوسكم لا يستطاع تناولها لا عبيد اتقياء ولا احرار كرام ويلكم أجراء السوء ألأجر تأخذون والعمل والعمل تفسدون سوف تلقون ما تحذرون يوشك رب العمل ان ينظر في عمله الذي افسدتم وفي أجره الذي اخذتم ويلكم غرماء السوء تبدؤن قبل قضاء الدين بالنوافل تطوعون وما أمرتم به لا تؤدون ان رب الدين لا يقبل الهدية حتى يقضي دينه وكان ابو الدرداء يقول اقرب ما يكون العبد من غضب الله اذا غضب واحذر ان تظلم من لا ناصر له الا الله وقال وزر العبد لعمر ابي المملوك ما عاش انه وان اعجبته نفسه لذليل ترى الناس انصارا عليه وماله من الناس إلا ناصرون قليل وقال شيخ من اهل المدينة المعرض بالناس اتقى صاحبه ولم يتق ربه وكان بكر بن عبد الله يقول أطفئوا نار الغضب بذكر نار جهنم وقال من كان له من نفسه واعظ عارضه ساعة الغفلة وحين الحمية وقال علي رضي الله تعالى عنه للأشتر انظر في وجهي حين جرى بينه وبين الاشعث بن قيس ما جرى وكانت العجم تقول اذا غضب الرجل فليستلق واذا أعيا فليرفع رجليه وقال ابو الحسن كان لرجل من النساك شاة وكان معجبا بها فجاء يوما فوجدها على ثلاث قوائم فقال من صنع هذا بالشاة قال غلامه انا قال ولم قال اردت ان أغمك قال لا جرم لأغمن الذي أمرك بغمي اذهب فأنت حر قال سعيد بن عامر عن محمد بن عمرو بن علقمة سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب الناس وهو يقول ما انعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه فعاضه من ذلك الصبر الا كان ما عاضه الله افضل مما انتزع منه ثم قرأ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد عن اصحابه قال حضرت عمرو بن عبيد الوفاة فقال لعديله نزل بي الموت ولم اتأهب له اللهم انك تعلم انه لم يسنح لي أمران لك في أحدهما رضي ولي في الآخرى هوى الا آثرت رضاك على هواي فاغفر لي ولما خبر ابو حازم سليمان بن عبد الملك بوعيد الله للمذنبين قال فأين رحمة الله قال ابو حازم قريب من المحسنين قالوا وخرج عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه من داره فرأى في دهليزه أعرابيا في بت أشغى غائر العينين مشرف الحاجبين فقال يا أعرابي أين ربك قال بالمرصاد وكان الاعرابي عامر بن قيس وكان ابن عامر سيره اليه قال وغدا أعرابي من طبيء مع امرأة له فاحتلبا لبنا ثم قعدا يتجمعان فقالت له امرأته أنحن أنعم عيشا أم بنو مروان قال هم أطيب طعاما منا ونحن اردأ كسوة منهم وهم انعم منا نهارا ونحن اظهر منهم ليلا قال وعظ عمر بن الخطاب رجلا فقال لا يهلك الناس عن نفسك فان يصير اليك دونهم ولا تقطع النهار سادرا فانه محفوط عليك ما عملت واذا اسأت فأحسن فاني لم أر شيئا أشد طلبا ولا اسرع دركا من حسنة حديثة لذنب قديم قال وكان بلال بن مسعود يقول زاهدكم راغب ومجتهدكم مقصر وعالمكم جاهل وجاهلكم مقتر قال مسلمة بن محارب قال عامربن عبد قيس الدنيا والدة للموت ناقضة للمبرم مرتجعة للعطية وكل من فيها يجري الى ما لا يدري وكل مستقر فيها غير راض بها وذلك شهيد بأنها ليست بدار قرار قال الحسن من أيقن بالخلف جاد بالعطية وقال أسماء بن خارجة اذا قدمت المودة سمج الثناء وقال عمر بن عبد العزيز لمحمد بن كعب القرظي عظني قال لا أرضي نفسي لك اني لأصلي بين الغني والفقير فأميل على الفقير وأوسع على الغني وقال الحسن ما اطال عبد الأمل الا اساء العمل قال وكان ابو بكر رضي الله تعالى عنه اذا قيل له مات فلان قال لا إله إلا الله وكان عثمان يقول فلا إله إلا الله وكان أبو بكر رضي الله تعالى عنه كثيرا ما ينشد لا تزال تنعى ميتا حتى تكونه وقد يرجو الفتى الرجاء فيموت دونه وركب سليمان بن عبد الملك يوما في زي عجيب فنظرت اليه جارية فقالت انك لمعنى ببيتي الشاعر قال وما هما فأنشدته أنت نعم المتاع لو كنت تبقى غير أن لا بقاء للانسان ليس فيما بدا لنا منك عيب كان في الناس غير أنك فان قال ويلك نعيت الى نفسي قال وصام رجل سبعين سنة ثم دعا الله في حاجة لم يستجب له فرجع الى نفسه فقال منك أتيت فكان اعترافه أفضل من صومه وقال من تذكر قدرة الله لم يستعمل قدرته في ظلم عباده وقال الحسن اذا سرك ان تنظر الى الدنيا بعدك فانظر اليها بعد غيرك وكان الحسن يقول ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلوب وصدقه العمل ومات ذر بن أبي ذر الهمداني من بني مرهبة وهو ذر بن عمر بن ذر فوقف أبوه على قبره فقال يا ذر شغلني الحزن لك عن الحزن عليك ثم قال اللهم انك وعدتني بالصبر على ذر صلواتك ورحمتك اللهم وقد وهبت ما جعلت لي من أجر على ذر لذر فلا تعرفه قبيحا من عمله اللهم وقد وهبت له إساءته الي فهب لي اساءته الى نفسه فانك اجود وأكرم فلما انصرف عنه التفت الى قبره فقال يا ذر قد انصرفنا وتركناك ولو اقمنا ما نفعناك قال سحيم بن حفص قال هانى ء بن قبيصة لحرقة ابنة النعمان وراها تبكي ما لك تبكين قالت رأيت لأهلك غضارة ولم تمتلى ء دار قط فرحا الا امتلأت حزنا ونظرت امرأة أعرابية الى امرأة حولها عشرة من بنيها كأنهم الصقور فقالت لقد ولدت أمكم حزنا طويلا وقال النبي لأزواجه أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا فكانت عائشة تقول أنا تلك أطولكن يدا فكانت زينب بنت جحش وذلك أنها كانت امرأة كثيرة الصدقة وكانت صناعا تصنع بيدها وتبيعه وتصدق به قال الشاعر فما ان كان اكثرهم سواما ولكن كان أطولهم ذراعا وكان الحسن يقول ما أنعم الله على عبد نعمة الا وعليه فيها تبعة إلا ما كان من نعمته لسليمان على نبينا وعليه السلام فان الله عز وجل قال عز ذكره هذا عطاؤنا فامنن أو امسك بغير حساب وباع عبد الله بن عتبة بن مسعود ارضا بثمانين ألفا فقيل له لو اتخذت لولدك من هذا المال ذخرا قال أنا اجعل هذا المال ذخرا لي عند الله وأجعل الله ذخرا لولدي وقسم المال وقال رجل صحبت الربيع بن خيثم سنتين فما كلمني الا كلمتين قال لي مرة أمك حية وقال لي مرة أخرى كم في بني تميم من مسجد وقال أبو فروة كان طارق صاحب شرط خالد بن عبد الله القسري مر بابن شبرمة وطارق في موكبه فقال ابن شبرمة أراها وان كانت تحب فانها سحابة صيف عن قريب تقشع اللهم لي ديني ولهم دنياهم فاستعمل ابن شبرمة على القضاء بعد ذلك فقال ابنه أتذكر قولك يوم مر طارق في موكبه فقال يا بني انهم يجدون مثل أبيك ولا يجد أبوك مثلهم يا بني ان أباك أكل من حلوائهم وحط في أهواءهم قال الحسن من خاف الله أخاف منه كل شيء ومن خاف الناس أخافه الله من كل شيء وقال الحسن ما أعطى رجل من الدنيا شيئا إلا قيل له خذه ومثله من الحرص قال ومر مروان بن الحكم في العام الذي بويع فيه بزارارة بن جزى الكلابي وهم من ما لهم فقال كيف أنتم آل جزى قالوا بخير زرعنا الله فأحسن زرعنا وحصدنا فأحسن حصادنا وقال الحسن ابن آدم انما انت عدد فاذا مضى يوم فقد مضى بعضك مسلمة قال وقال الحسن بن آدم ان كان يغنيك من الدنيا ما يكفيك فأدنى ما فيها يغنيك وان كان لا يغنيك منها ما يكفيك فليس فيها شيء يغنيك قال نزل الموت بفتي كان فيه رمق فرفع رأسه فاذا أبواه يبكيان عند رأسه فقال ما لكما تبكيان قالوا تخوفا عليك من الذي كان منك من إسرافك على نفسك فقال لا تبكيا فوالله ما يسرني ان الذي بيد الله بأيديكما قال ابو الحسن عن علي عن عبد الله القرشي قال قتادة يعطي الله العبد على نية الآخرة ما شاء من الدنيا ولا يعطي على نية الدنياء الا الدنيا قال عوانة قال الحسن قدم علينا بشر بن مروان أخو الخليفة وأمير المصرين وأشب الناس فأقام عندنا أربعين يوما ثم طعن في قدمه فمات فأخرجناه الى قبره فلما صرنا به الى الجبانة فاذا نحن بأربعة سودان يحملون صاحبا لهم الى قبره فوضعنا السرير فصلينا عليه ووضعوا صاحبهم فصلوا عليه ثم حملنا بشرا الى قبره ودفنا بشرا ودفنوا صاحبهم ثم انصرفوا وانصرفنا ثم التفت التفاتة فلم أعرف قبر بشر من قبر الحبشي فلم أر شيئا قط كان أعجب منه وقال عبد الله بن الزبعري والعطيات خساس بيننا وسواء قبر مثر ومقل وتقول الحكماء ثلاثة أشياء يستوى فيها الملوك والسوقة والعلية والسفلة الموت والطلق والنزع وقال الهيثم بن عدي عن رجاله بينا حذيفة بن اليمان وسلمان الفارسي يتذاكران أعاجيب الزمان وتغير الايام وهما في عرصة إيوان كسرى وكان أعرابي من غامد يرعى شويهات له نهارا فاذا كان الليل صيرهن الى داخل العرصة وفي العرصة سرير رخام كان كسرى ربما جلس عليه فصعدت غنيمات الغامدي على سرير كسرى فقال سليمان ومن أعجب ما تذاكرنا صعود غنيمات الغامدي على سرير كسرى قال لما انصرف علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه من صفين مر بمقابر فقال السلام عليكم أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات أنتم لناسلف فارط ونحن لكم تبع وبكم عما قليل لاحقون اللهم اغفر لنا ولهم وتجاوز بعفوك عنا وعنهم الحمد لله الذي جعل الارض كفاتا أحياء وأمواتا والحمد لله الذي منها خلقكم وعليها يحشركم ومنها يبعثكم طوبى لمن ذكر المعاد وأعد للحساب وقنع بالكفاف وقال عمر رضي الله تعالى عنه استغزروا العيون بالتذكر وقال الشاعر
سمعن بهيجا أو جفت فذكرنة ولا يبعث الاحزان مثل التذكر وقال أعرابي لا تشرفن يفاعا انه طرب ولا تغن اذا ما كنت مشتاقا قال ابن الاعرابي سمعت شيخا اعرابيا يقول اني لأسر بالموت ولا دين ولا بنات قال علي بن الحسن قال صالح المري دخلت دار المرياني فاستفتحت ثلاث آيات من كتاب الله استخرجتها حين ذكرت الحال فيها قوله فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وقوله ولقد تركناها آية فهل من مدكر وقوله فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا قال فخرج الى أسود من ناحية الدار فقال يا أبا بشر هذا سخط المخلوق فكيف سخط الخالق قال وأصاب ناسا مطر شديد وريح وظلمة ورعد وبرق فقال رجل من النساك اللهم انك قد أريتنا قدرتك فأرنا رحمتك قال عوانة قال عبد الله بن عمر فاز عمر بن أبي ربيعة بالدنيا والآخرة غزا البحر فأحرقوا سفينته فاحترق قال وطلق ابو الخندق امرأته أم الخندق فقالت أتطلقني بعد طول الصحبة فقال ما دهاك عندي غيره وكان أبو اسحق يقول ما ألأمها من كلمة قال مر عمر بن الخطاب بقوم يتمنون فلمارأوه سكتوا قال فيم كنتم قالوا كنا نتمنى قال فتمنوا وانا أتمنى معكم قالوا فتمن قال أتمنى رجالا ملء هذا البيت مثل أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ان سالما كان شديد الحب لله لو لم يخف الله ما عصاه وقال رسول الله لكل امة أمين وأمين هذه الآمة ابوعبيدة بن الجراح قال شعبة عن عمر بن مرة قدم وفد من اهل اليمن على ابي بكر رضي الله تعالى عنه فقرأ عليهم القرآن فبكوا فقال ابو بكر هكذا كنا حتى قست القلوب وقال ابو بكر طوبى لمن مات في نأنأة الاسلام وقال سعد بن مالك أو معاذ ما دخلت في صلاة فعرفت من عن يميني ولا من عن شمالي ولا شيعت جنازة قط إلا حدثت نفسي بما يقال له وما يقول وما سمعت رسول الله قال شيئا قط الا علمت انه كما قال قال ابو الدرداء اضحكني ثلاث وابكاني ثلاث اضحكني مؤمل الدنيا والموت يطلبه وغافل لا يغفل عنه وضاحك ملء فيه ولا يدري أساخط ربه أم راض وأبكاني هول المطلع وانقطاع العمل وموقفي بين يدي الله ولا يدري أيؤمر بي الجنة أم الى النار قال سحيم بن حفص رأى إياس بن قتادة العبشمي شيبة لحيته فقال أرى الموت يطلبني وأراني لا أفوته أعوذ بالله من فجاات الأمور وبغتات الحوادث يا بني سعد اني قد وهبت لكم شبابي فهبوا لي شيبتي ولزم بيته فقال له أهله إنك تموت هزلا فقال لان أموت مؤمنا مهزولا أحب إلي من ان أموت منافقا سمينا وذكر قوم إبليس فلعنوه وتغيظوا عليه وقال أبو حازم الاعرج وما إبليس لقد عصي فما ضر وأطيع فما نفع وقال بكر بن عبد الله بالمزني الدنيا ما مضى منها فحلم وما بقي منها فأماني ودخل أبو حازم مسجد دمشق فوسوس اليه الشيطان انك قد أحدثت بعد وضوئك فقال له أو قد بلغ هذا من نصحك وقال بعض الطياب عجبت من إبليس في كبره وخبث ما أظهر من نيته تاه على آدم في سجدة وصار قوادا لذريته فأنشدتها مسمع بن عاصم فقال وأبيك لقد ذهب مذهب الفضل بن مسلم وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير لا تنظروا الى خفض عيشهم ولين ثيابهم ولكن انظروا الى سرعة ظعنهم وسوء منقلبهم قال أبو ذر لقد أصبحت وان الفقر احب إلي من الغني والسقم أحب إلي من الصحة والموت احب الي من الحياة قال هشم لكني لا أقول ذلك وقال داود النبي اللهم لا صحة تطغيني ولا مرض يضنيني ولكن بين ذلك وقال الحسن ان قوما جعلوا تواضعهم في ثيابهم وكبرهم في صدورهم حتى لصاحب المدرعة بمدرعته أشد فرحا من صاحب المطرف بمطرفه
وقال داود النبي ان لله سطوات ونقمات فاذا رأيتموها فداووا قرحكم بالدعاء فان الله تبارك وتعالى يقول لولا رجال خشع وشبيان رضع وبهائم رتغ لصببت عليكم العذاب صبا قال اشترى محرز بن صفوان بدنة بتسعة دنانير فقيل له أتشتري بدنة بتسعة دنانير وليس عندك غيرها قال سمعت الله تبارك وتعالى يقول لكم فيها خير وقيل لمحمد بن سوقة أتحج وعليك دين قال هو أقضى للدين وقال ولقي ناسك ناسكا ومعه فقال ما تصنع بهذا قال أعده للشتاء وكانوا يستحيون من هذا قال أبو ذر تخضمون ونقضم والموعد الله قال الزبير يكفينا من خضمكم القضم ومن نصكم العنق وقال أيمن بن خريم رجوا بالشقاق الأكل خضما فقد رضوا أخيرا من أكل الخضم ان يأكلوا القضما وقال عمرو لمعاوية من أصبر الناس قال من كان رأيه رادا لهواه وتواصفوا حال الزهد بحضرة الزهري فقال الزهري الزاهد من لم يغلب الحرام صبره والحلال شكره وذكر عند أعرابي رجل بشدة الاجتهاد وكثرة الصوم وطول الصلاة فقال هذا رجل سوء وما يظن هذا ان الله يرحمه حتى يعذب نفسه هذا التعذيب وقال ابو بكر رضي الله تعالى عنه ما ظنك بخالق الكرامة لمن يريد كرامته وهوعليه قادر وما ظنك مخالق الهوان لمن يريد هوانه وهوعليه قادر قال وزعم أبوعمرو الزعفراني كان عمرو بن عبيد عند حفص بن سالم فلم يسأله احد من أهله وحشمه حاجة الا قال لا فقال عمرو اقل من قول لا فانه ليس في الجنة لا قال وقال عمرو كان رسول الله اذا سئل ما يجد أعطى واذا سئل ما لا يجد قال يصنع الله وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أكثروا لهن من قول لا فان نعم يضربهن على المسألة وانما يخص عمر بذلك النساء قال الحسن أدركت أقواما اكانوا من حسناتهم أشفق من ان ترد عليهم منكم من سيئاتكم ان تعذبوا عليها قال ابو الدرداء من يشتري مني عادا وأموالها بدرهم ودخل علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه المقابر فقال أما المنازل فقد سكنت وأما الأموال فقد قسمت وأما الازواج فقد نكحت فهذا خبر ماعندنا فما خبر ما عندكم ثم قال والذي نفسي بيده لو أذن لهم في الكلام لأخبروا ان خير الزاد التقوى قال ابو سعيد الزاهد عيرت اليهود عيسى بن مريم بالفقر فقال من الغنى أتيتم وقال آخر لو لم يعرف من شرف الفقر الا أنك لا ترى احدا يعصي الله ليفتقر وهذا الكلام بعينه مدخول وسأل الحجاج اعرابيا عن أخيه محمد بن يوسف كيف تركته فقال تركته عظيما سمينا قال ليس عن هذا اسألك قال تركته ظلوما غشوما قال أو ما علمت انه أخي قال أتراه بك أعز مني بالله وقال بعضهم نجد في زبور داود من بلغ السبعين اشتكى من غير علة قال جعفر بن سليمان قال محمد بن حسان النبطي لا تسأل نفسك العام ما أعطتك في العام الماضي قال ابو اسحق بن المبارك قيل لخالد بن يزيد بن معاوية ما اقرب شيء قال الأجل قيل فما ابعد شيء قال الأمل قيل فما أوحش شيء قال الميت قيل فما انس شيء قال الصاحب المواتي وقال آخر انس شيء الموتى وقال الآخر نسي عامر بن عبد الله بن الزبير عطاءه في المسجد فقيل له قد أخذ فقال سبحان الله وهل يأخذ أحد ما ليس له جرير بن عبد الحميد عن عطاء بن السائب عن عبدة الثقفي قال لا يشهد علي الليل بنوم أبدا ولا يشهد علي النهار بأكل أبدا فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فعزم عليه فكان يفطر في العيدين وأيام التشريق
وقال الحسن بن أبي الحسن يكون الرجل عالما ولا يكون عابدا ويكون عابدا ولا يكون عاقلا وكان مسلم بن بدر عالما عابدا عاقلا وقال عبادة بن الصامت من الناس من أوتى علما ولم يؤت حلما وشداد بن أوس أوتى علما وحلما قال ابراهيم كان عمرو بن عبيد عالما عاقلا عابدا وكان ذا بيان و حلم وصاحب قرآن قال إبراهيم بن سعيد عن أبي عبد الله القيسي قال أبو الدرداء لا يحرز المؤمن من شرارالناس الا قبره وقال عيسى بن مريم الدنيا لإبليس مزرعة وأهلها له حراثون قال عبد الملك بن عمير عن قبيصة بن جابر ما الدنيا في الاخرة الا كنفجة الارنب قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لولا ان اسير في سبيل الله واضع جبهتي لله وأجالس اقواما ينتقون لي احسن الحديث كما ينتقى أطايب التمر لم أبال ان اكون قد مت قال عامر بن عبد قيس ما آسى من العراق إلا على ثلاث ظماء الهواجر وتجاوب المؤذنين واخوان لي منهم الاسود بن كلثوم وقال المؤرق العجلي ضاحك معترف بذنبه خير من باك مدل على ربه وقال خير من العجب بطاعة ان لا تأتي بطاعة قالوا كان الربيع بن خيثم يقول لا تطع إلا صحيحا ولا تكس الا جديدا ولا تعتق الا سويا وقال بعض الملوك لبعض العلماء أذمم لي الدنيا فقال أيها الملك الآخذة لما تعطي المورثة بعد ذلك الندم السالبة ما تكسو المعقبة بعد ذلك الفضوح تسد بالأراذل مكان الافاضل وبالعجزة مكان الحزمة تجد في كل من كل خلفا وترضي بكل من كل بدلا تسكن دار كل قرن قرنا وتطعم سؤر كل قوم قوما وكان سعيد بن ابي العروبة يطعم المساكين السكر ويتأول قوله تعالى ويطعمون الطعام على حبه
وكان حمد بن علي اذا رأى مبتلى اخفى الاستعاذة وكان لا يسمع من داره للسائل بورك فيك ولا يا سائل خذ هذا وكان يقول سموهم بأحسن اسمائهم وتمنى قوم عند يزيد الرقاشي فقال يزيد سأتمنى كما تمنيتم قالوا تمن قال ليتنا لم نخلق وليتنا اذ خلقنا لم نمت وليتنا اذ متنا لم نبعث وليتنا اذ بعثنا لم نحاسب وليتنا اذ حوسبنا لم نعذب وليتنا اذ عذبنا لم نخلد وقال رجل لأم الدرداء اني لأجد في قلبي داء لا اجد له دواء وأجد قسوة شديدة وأملا بعيدا قالت اطلع في القبور واشهد الموتى قال ابن عون قلت للشعبي اين كان علقمة بن الاسود قال كان الاسود قواما صواما وعلقمة مع البطيء وهو يسبق السريع وقيل لغالب بن عبد الله الجهضمي إنا نخاف على عينيك العمى من طول البكاء قال هو لهما شهادة قال محمد بن طلحة بن مضرب عن محمد بن جحادة لما قتل الحسين رضي الله تعالى عنه أتى قوم الربيع بن خيثم فقالوا لنستخرجن اليوم منه كلاما فقالوا قتل الحسين قال الله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون وأتته بنية له فقالت يا أبت اذهب ألعب فقال اذهبي فقولي خيرا وافعلي خيرا وقال ابو عبيدة استقبل عامر بن عبد قيس رجل في يوم حلبة فقال من سبق يا شيخ قال المقربون قال علي بن سليم قيل للربيع بن خيثم لو أرحت نفسك قال اراحتها أريد ان عمر كان كيسا وقال ابو حازم ليتق الله احدكم على دينه كما يتقي على نعله قال جعفر بن سليمان الضبعي أتى مطرف بن عبد الله بن الشخير ابي فجلس مجلس مالك بن دينار وقد قام فقال اصحابه لو تكلمت قال هذا ظاهر حسن إن تكونوا صالحين فانه كان للأوابين غفورا وقال رجل لآخر وباع منه ضيعة له أما والله لقد اخذتها ثقيلة المؤونة قليلة المعونة فقال الآخر انت لقد اخذتها بطيئة الاجتماع سريعة التفرق واشترى رجل من رجل دارا فقال لصاحبه لو صبرت لاشتريت منك الذراع بعشرة دنانير فقال وأنت لو صبرت لبعتك الذراع بدرهم ورأى ناسك ناسكا في المنام فقال له كيف و جدت الامر يا اخي قال وجدنا ما قدمنا وربحنا ما أنفقنا وخسرنا ما خلفنا وقال بكر بن عبد الله المزني اجتهدوا في العمل فان قصر بكم ضعف فكفوا عن المعاصي وقال اعرابي انه ليقتل الحبارى جوعا ظلم الناس بعضهم لبعض وقيل لمحمد بن علي من اشد الناس زهدا قال من لا يبالي الدنيا في يد من كانت وقيل له من أخسر الناس صفقة قال من باع الباقي بالفاني وقيل له من اعظم الناس قدرا قال من لا يرى الدنيا لنفسه قدرا حدث الاصمعي عن شيخ من بكر بن وائل ان هانى ء بن قبيصة اتى حرقة بنت النعمان وهي باكية فقال لها لعل احدا اذاك قالت لا ولكن رأيت غضارة في اهلكم وقل ما امتلأت دار سرورا الا امتلأت حزنا وقالوا يهرم ابن ادم وتشب له خلتان الحرص والأمل قال الاصمعي قال محمد بن واسع ما آسى من الدنيا إلا على ثلاث بلغة من عيش ليس لاحد علي فيها منه ولا لله علي فيها تبعة وصلاة في جمع اكفى سهوها ويدخر لي أجرها وأخ اذا ما أعوججت قومني وقال آخر ما آسى من العراق إلا على ثلاث ليل الحريق ورطب الشكر وحديث ابن ابي بكرة وقال آخر اذا سمعت حديث ابي نضرة وكلام ابن ابي بكرة فكأنك مع لسان الحمرة وقال ابو يعقوب الخزيمي الاعور تلقاني مع طلوع الشمس سعيد بن وهب فقلت اين تريد قال أدور على المجالس فلعلي اسمع حديثا حسنا ثم لم أتجاوز بعيدا حتى تلقاني أنس بن ابي شيخ فقلت له اين تريد قال عندي حديث حسن فأنا اطلب له انسانا حسن الفهم حسن الاستماع قلت حدثني فأنا كذاك قال انت حسن الفهم رديء الاستماع وما ارى لهذا الحديث إلا اسماعيل بن غزوان قال هشام اخبرني رجل من اهل البصرة قال ولد للحسن بن ابي الحسن غلام فقال له بعض جلسائه بارك الله لك في هبته وزادك في احسن نعمته فقال الحسن الحمد لله على كل حسنة وأسأل الله الزيادة في كل نعمة ولا مرحبا بمن ان كنت عائلا انصبني وان كنت غنيا اذهلني لا أرضى بسعيي له سعيا ولا بكدي له في الحياة كدا حتى أشفق عليه من الفاقة بعد وفاتي وأنا بحال لا يصل الى من همه حزن ولا من فرحه سرور وقال الحسن للمغيرة بن مخارش التميمي ان من خوفك حتى تلقى الامن خير لك ممن آمنك حتى تلقى الخوف وقال عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ما احسن الحسنة في آثر الحسنة وما اقبح السيئة في اثر السيئة قال الحسن ما رأيت يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من أمر نحن فيه وكان الحسن اذا ذكر الحجاج قال كان يتلو كتاب الله على لخم وجذام ويعظ عظة الازارقة ويبطش بطش الجبارين وكان يقول اتقوا الله فان عند الله حجاجين كثيرا وكان سنان بن سلمة بن قيس يقول اتقوا الله فان عند الله اياما مثل شوال قال خالد بن صفوان بت ليلتي اتمنى كلها فكسيت البحر الاخضر بالذهب الاحمر فاذا الذي يكفيني من ذلك رغيفان وكوزان وطمران وكان الحسن يقول انكم لا تنالون ما تحبون الا بترك ما تشتهون ولا تدركون ما تؤملون الا بالصبر على ما تكرهون ودخل قوم على عوف بن ابي جميلة في مرضه فأقبلوا يثنون عليه فقال دعونا من الثناء وأمدونا بالدعاء وقال ابو حازم نحن لا نريد ان نموت حتى نتوب ونحن لا نتوب حتى نموت وكان الحسن يقول يا ابن ادم نهارك ضيفك فأحسن اليه فانك ان احسنت اليه ارتحل بحمدك وان اسأت اليه ارتحل بذمك وكذلك ليلك وقيل لبعض العلماء من أسوأ الناس حالا قال عبد الله بن عبد الاعلى الشيباني القائل عند موته دخلتها جاهلا وأقمت فيها حائرا وأخرجت منها كارها يغني الدنيا وقيل لآخر من أسوأ الناس حالا قال من قويت شهوته وبعدت همته واتسعت معرفته وضاقت مقدرته وقيل لاخر من شر الناس قال من لا يبالي ان يراه الناس مسيئا وقيل لآخر من شر الناس قال القاسي فقيل له أيما شر الوقاح ام الجاهل ام القاسي قال القاسي وذكر ابو صفوان عن البطال ابي العلاء من بني عمرو بن تميم قال قيل له قبل موته كيف تجدك يا أبا العلاء قال أجدني مغفورا لي قالوا قل ان شاء الله قال قد شاء الله ثم قال أوصيكم بالجلة التلاد فانما حولكم الاعادي قال ابن الاعرابي كان العباس بن زفر لا يكلم احدا حتى تنبسط الشمس فاذا انفتل عن مصلاه ضرب الاعناق وقطع الايدي والأرجل وكان جرير بن الخطفي لا يتكلم حتى تطلع الشمس فاذا طلعت قذف المحصنات قال ومرت به جنازة فبكى وقال أحرقتني هذه الجنازة قيل فلم تقذف المحصنات قال يبدو لي ولا أصبر وكان يقول انا لا ابتدي ولكن أعتدى قال الحسن بن الربيع الكندي باسناد له قال رجل للنبي دلني على عمل اذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس قال ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما في ايدي الناس يحبك الناس قال وبلغني عن القاسم بن محيمرة الهمداني انه قال اني لأغلق بأبي فما يجازوه همي قال ابو الحسن وجد في حجر مكتوب ابن آدم لو انك رأيت يسير ما بقي من أجلك لزهدت في طول ما ترجو من أملك ولرغبت في الزيادة في عملك ولقصرت من حرصك وحيلك وإنما يلقاك غدا ندمك وقد زلت بك قدمك وأسلمك أهلك وحشمك وتبرأ منك القريب وانصرف عنك الحبيب فلا انت الى اهلك بعائد ولا في علمك بزائد وقال عيسى بن مريم تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير العمل ولا تعملون للآخرة وانتم لا ترزقون فيها الا بالعمل قال أوحى الله تبارك وتعالى الى الدنيا من خدمني فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه وقال من هوان الدنيا على الله انه لا يعصى الا فيها ولا ينال ما عنده الا بتركها ومر عيسى بن مريم بقوم فقال ما بالهم يبكون فقالوا على ذنوبهم قال اتركوها تغفر لكم وقال زياد بن ابي زياد مولى عياش بن ابي ربيعة دخلت على عمر بن عبد العزيز فلما رآني ترجل عن مجلسه فقال اذا دخل عليك رجل لا ترى لك عليه فضلا فلا تأخذ عليه شرف المجلس وقال الحسن ان أهل الدنيا وان دقدقت بهم الهماليج ووطى ء الناس أعقابهم فان ذل المعصيه في قلوبهم قالوا وكان الحجاج يقول اذا خطب إنا والله ما خلقنا للفناء وإنما خلقنا للبقاء وإنما ننقل من دار الى دار وهذا من كلام الحسن ولما ضرب عبدالله بن علي تلك الأعناق قال له قائل هذا والله جهد البلاء فقال عبد الله ما هذا وشرطة الحجام الا سواء وإنما جهد البلاء فقر مدقع بعد غنى موسع وقال آخر أشد من الخوف الشيء الذي يشتد من اجله الخوف وقال آخر أشد من الموت ما يتمنى له الموت وخير من الحياة ما اذا فقدته أبغضت له الحياة وقال اهل النار يا مالك ليقض علينا ربك قال انكم ماكثون فلما لم يجابوا الى الموت قالوا أفيضوا علينا من الماء وقالوا ليس في النار عذاب اشد على أهله من علمهم بأنه ليس لكربهم تنفيس ولا لضيقهم ترفيه ولا لعذابهم غاية ولا في الجنة نعيم أبلغ من علمهم بأن ذلك الملك لا يزول قالوا قارف الزهري ذنبا فاستوحش من الناس وهام على وجهه فقال زيد بن على يا زهري لقنوطك من رحمه الله التي وسعت كل شيء أشد عليك من ذنبك فقال الزهري الله أعلم حيث يجعل رسالته ورجع الى أهله وماله واصحابه قال ابن المبارك افضل الزهد اخفاه
قال الاوزاعي عن مكحول ان كان في الجماعة الفضيلة فان في العزلة السلامة قال اسماعيل عن عياش عن عبد الله بن دينار قال ان الله كره لكم اللعب في الصلاة والرفث في الصيام والضحك في المقابر وقال أزدشير مرة إحذروا صولة الكريم اذا جاع واللئيم اذا شبع وقال واصل بن عطاء المؤمن اذا جاع صبر واذا شبع شكر وقيل لعامر بن عبد قيس ما نقول في الانسان قال ما عسى أن أقول فيمن اذا جاع ضرع وإذا شبع طغى ونظر اعرابي في سفره الى شيخ قد صحبه فراه يصلي فسكن إليه فلما قال انا صائم ارتاب به وأنشأ يقول صلى فأعجبني وصام فرابني عد القلوص عن المصلي الصائم وهو الذي يقول لم يخلق الله مسجونا تسائله مال سجنك إلا قال مظلوم قال الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن يحيى بن جعدة كان يقال إعمل وانت مشفق ودع العمل وانت تحبه قال وقيل لرابعة القيسية هل عملت عملا قط ترين أنه يقبل منك قالت ان كان شيء فخوفي من ان يرد علي قال محمد بن كعب القرظي لعمر بن عبدالعزيز يا أمير المؤمنين لا تنظرن الى سلعة قد بارت على من كان قبلك تريد ان تجوز عنك قال الحسن كان من قبلكم أرق قلوبا وأصفق ثيابا وأنتم أرق منهم ثيابا وأصفق قلوبا قال عبد الله بن المبارك كتب عمر بن عبد العزيز الى الجراح بن عبد الله الحكمي ان استطعت ان تدع مما أحل الله لك ما يكون حاجزا بينك وبين ما حرم الله عليك فافعل فانه من استوعب الحلال كله تاقت نفسه الى الحرام وقال ابو بكر رضي الله تعالى عنه لخالد بن الوليد حين وجهه إحرص على الموت توهب لك الحياة وقال رجل انا احب الشهادة فقال رجل من النساك أحبها ان وقعت عليك ولا تحبها حب من يريد ان يقع عليها وقال رجل لداود بن نصير الطائي العابد أوصني فقال إجعل الدنيا كيوم صمته واجعل فطرك الموت فكأن قد والسلام قال زدني قال لا يراك الله عند ما نهاك عنه ولا يفقدك عند ما أمرك به قال زدني قال ارض باليسير مع سلامة دينك كما رضي قوم بالكثير مع هلاك دينهم قال رجل ليونس بن عبيد أتعلم احدا يعمل بعمل الحسن قال والله ما أعرف احدا يقول بقوله فكيف يعمل بمثل عمله قال فصفه لنا قال كان اذا أقبل فكأنما أقبل من دفن حميمه واذا جلس فكأنه اسير قد امر بضرب عنقه وكان اذا ذكرت النار عنده فكأنها لم تخلق إلا له وقال وهيب بن الورد بينا انا ادور في السوق اذ اخذ آخذ بقفائي فقال لي يا وهيب اتق الله في قدرته عليك واستحي الله في قربه منك وقال عبد الواحد بن زيد ألا تستحيون من طول ما لا تستحيون قال الهيثم كان شيخ من أعراب طيء كثير الدعاء بالمغفرة له فقيل له في ذكل فقال والله ان دعائي بالمغفرة مع قبح إصراري للؤم وان تركي الدعاء مع قوة طمعي لعجز قال أبو بشر صالح المري ان تكن مصيبتك في أخيك احدثت لك خشية فنعم المصيبة مصيبتك وان تكن مصيبتك بأخيك احدثت لك جزعا فبئس المصيبة مصيبتك وقال عمرو بن عبيد لرجل يعزيه كان أبوك اصلك وابنك فرعك فما بقاء شيء ذهب اصله ولم يبق فرعه وقال الحسن ان امرأ ليس بينه وبين آدم الا أب قد مات لمعرق في الموت وقالوا أعظم من الذنب اليأس من الرحمة وأشد من الذنب المماطلة بالتوبة قال لهيعة بن سيار عن عبد الرحمن قال لي بكير بن الاشج ما فعل خالك قلت لزم بيته قال اما لئن فعل لقد لزم قوم من أهل بدر بيوتهم بعد مقتل عثمان رضي الله تعالى عنه فما خرجوا منها الا الى قبورهم وقال الحسن ان الله ترائك في خلقه لولا ذلك لم ينتفع النبيون وأهل الانقطاع الى الله بشيء من أمور الدنيا وهي الأمل والأجل والنسيان وقال مطرف بن عبد الله لابنه يا بني لا يلهينك الناس عن نفسك فان الأمر خالص اليك دونهم انك لم تر شيئا هو أشد طلبا ولا اسرع دركا من توبة حديثة لذنب قديم وفي الحديث ان أبا هريرة مر بمروان وهو يبني داره فقال يا أبا عبد القدوس ابن شديدات وأمل بعيدا وعش قليلا وكل خضما والموعد الله وكان عمرو بن خولة أبو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص وأمه خولة من المسامعة وكان ناسكا يجتمع اليه القراء والعلماء يوم الخميس فقال الشاعر وأصبح زورك زور الخميس اليك كمرعية واردة وقال الآخر وذكر ابن سيرين فانت بالليل ذئب لا حريم له وبالنار على سمت ابن سيرين وقال ابن الاعرابي قال بعض الحكماء لا يغلبن جهل غيرك بك علمك بنفسك قال وصلى محمد بن المنكدر على عمران بقرة فقيل له في ذلك فقال إني لأستحيى من الله ان أرى ان رحمته تعجز عن عمران بقرة باب وقال محمد بن يسير كأنه قد قيل في مجلس قد كنت آتيه وأغشاه محمد صار الى ربه يرحمنا الله وإياه وقال الآخر لقل عارا اذا ضيف تضيفني ما كان عندي اذا أعطيت مجهودي فضل المقل اذا أعطاه مصطبرا ومكثر في الغنى سيان في الجود لا يعدم السائلون الخير أفعله إما نوالي وإما حسن مردودي وكان الربيع بن خيثم اذا قيل له كيف اصبحت قال أصبحنا ضعفاء مذنبين نأكل أرزاقنا وننتظر آجالنا وقال ابن المقفع الجود بالمجهود منتهى الجود قال مطرف بن عبد الله كان يقال لم يلتق مؤمنان الا كان افضلهما أشدهما حبا لصاحبه وكنت أرى أني اشد حبا لمذعور بن طفيل منه لي فلما سير لقيني ليلا فحدثني فقلت ذهب الليل قال ساعة فعلمت أنه كان اشد حبا لي مني له فلما أصبح سيره ابن عامر مع عامر وقالوا لعيسى بن مريم من نجالس قال من تذكركم بالله رؤيته ويزيد في علمكم منطقه ويرغبكم في الآخرة عمله قال اسحق بن ابراهيم دخلنا على كهمس العابد فجاءنا باحدى عشرة بسرة حمراء فقال هذا الجهد من أخيكم والله المستعان قال الاصمعي عن السكن الحرشي اشتريت من أبي المنهال سيار بن سلامة شاة بستين درهما فقلت تكون عندك حتى آتيك بالثمن قال ألست مسلما قلت بلى قال فخذها انطلقت بها فأتيته بالستين فأخرج منها خمسة دراهم وقال اعلفها بهذه وقال مساور الوراق لابنه شمر فميصك واستعد لقائل واحكك جبينك للقضاء بثوم واجعل صحابك كل حبر ناسك حسن التعهد للصلاة صؤم من ضرب حماد هناك ومسمع وسماك العبسي وابن حكيم وعليك بالغنوي فاجلس عنده حتى تنال وديعة ليتيم قال بينا سليمان بن عبد الملك يتوضأ ليس عنده غير خاله والغلام يصب عليه إذ خر الغلام ميتا فقال سليمان قرب وضوءك يا حصين فانما هذي الحياة تعلة ومتاع ونظر سليمان في مرآة فقال أنا الملك الشاب فقالت جارية له أنت نعم المتاع لو كنت تبقى غير ان لا بقاء للإنسان وقيل لسعيد بن المسيب ان محمد بن ابراهيم بن محمد بن طلحة سقط عليه حائط فقتله فقال ان كان لوصولا لرحمه فكيف يموت ميتة سوء وقال أسماء عيرتني خلقا ابليت جدته وهل رأيت جديدا لم يعد خلقا وتمثل عبد الملك بن مروان فقال وكل جديد يا أميم الى بلى وكل امرى ء يوما يصير الى كانا وقال آخر
فاعمل على مهل فانك ميت واكدح لنفسك أيها الانسان فكأن ما قد كان لم يك اذ مضى وكأن ما هو كائن قدكانا وكان عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه يقول اني لأكره ان يأتي علي يوم لا أنظر فيه الى عهد الله يعني المصحف وكان عثمان رضي الله تعالى عنه حافظا وكان حجره لا يكاد يفارق المصحف فقيل له في ذلك فقال انه مبارك جاء به مبارك ولما مات الحجاج خرجت عجوز من داره وهي تقول اليوم يرحمنا من كان يغبطنا واليوم نتبع من كانوا لنا تبعا حدثني بكر بن المعتمر عن بعض أصحابه قال قال ابو عثمان النهدي أتت علي ثلاثون ومئة سنة ما مني شيء إلا وقد أنكرته إلا أملي فانه يزيد وقال مسور بن مخرمة لجلسائه لقد وارت الارض أقواما لو رأوني معكم لاستحييت منهم وأنشدني أعرابي ما يمنع الناس شيأ جئت أطلبه إلا أرى الله يكفي فقد ما منعوا وجزع بكر بن عبد الله على امرأته فوعظه الحسن فجعل يصف فضلها فقال الحسن عند الله خير منها فتزوج اختها فلقيه بعد ذلك فقال يا أبا سعيد هي خير منها وانشد يؤمل ان يعمر عمر نوح وأمرالله يطرق كل ليله قال عوف عن الحسن قال النبي للمسلم على أخيه ست خصال يسلم عليه اذا لقيه وينصح له اذا غاب ويعوده اذا مرض ويشيع جنازته اذا مات ويجيبه اذا دعا ويشمته اذا عطس وقال اعرابي تبصرني بالعيش عرسي كأنما تبصرني الامر الذي انا جاهله يعيش الفتى بالفقر يوما وبالغنى وكلا كأن لم يلق حين يزايله وأنشد ابوصالح ومشيد دارا ليسكن داره سكن القبور وداره لم تسكن وكان صالح المري ابو بشر ينشد في قصصه وأنشد غيره فبات يروي أصول الفسيل فعاش الفسيل ومات الرجل
وقال الآخر اذا أبقيت الدنيا على المرء دينه فما فات من شيء فليس بضائر فلن يعدل الدنيا جناح بعوضة ولا وزن زف من جناح لطائر فما رضي الدنيا ثوابا لمؤمن ومارضي الدنيا عقابا لكافر وقال الآخر أبعد بشر اسيرا في بيوتهم يرجو الخفارة مني آل ظلام فلن أصالحكم ما دمت ذا فرس واشتد قبضا على السيلان إبهامي فانما الناس يا لله أمهم أكائل الطير أوجثوا لآرام هم يهلكون ويبقى بعض ما صنعوا كأن أثارهم خطت بأقلام وأنشد لمحمد بن يسير عجبا لي ومن رضائي بحال أنا منها على شفا تغرير عالما لا أشك أني اذا مت الى عدن اوعذاب السعير كلما مر بي على اهل ناد كنت حينا بهم كثير المرور قيل من ذا على سرير المنايا قيل هذا محمد بن يسير وأنشد لكل أناس مقبر لفنائهم فهم ينقصون والقبور تزيد هم جيرة الأحياء أما محلهم فدان ولكن اللقاء بعيد وقال ابو العتاهية سبحان ذي الملكوت أية ليلة مخضت بوجه صباح يوم الموقف لو ان عينا وهمتها نفسها ما في الفراق مصورا لم تطرف وقال ابو العتاهية يا خاطب الدنيا إلي نفسها تنح عن خطبتها تسلم إن التي تخطب غرارة سريعة العرس من المأتم وقال الآخر ناداهما بفراق بينهما الزمان فأسرعا وكذاك ما زال الزمان مفرقا ما جمعا وقال الآخر
يا ويح هذي الارض ما تصنع أكل حي فوقها تصرع تزرعهم حتى اذا ما أتوا عادت لهم تحصد ما تزرع وقال الآخر ذكرت أبا أروى فبت كأنني برد أمور الماضيات وكيل لكل اجتماع من خليلين فرقة وكل الذي دون الممات قليل وان افتقادي واحدا بعد واحد دليل على ان لا يدوم خليل وقال محمد بن المنتشر اذا أيسر الرجل ابتلى به أربعة مولاه القديم ينتفي منه وامرأته يتسرى عليها وداره يهدمها ويبني غيرها ودابته يستبدل بها وقال الآخر يجدد أحزانا لنا كل هالك ونسرع نسيانا ولم يأتنا أمن وإنا ولا كفران لله ربنا لكالبدن لا تدري متى يومها البدن قال الاوزاعي عن مكحول إن كان في الجماعة فضل فإن في العزلة سلامة قال أبو جناب الكلبي عن أبي المحجل عن ابن مسعود ثلاث من كن فيه دخل الجنة من اذا عرف حق الله عليه لم يؤخره وكان عمله الصالح في العلانية على قوام من السريرة وكان قد جمع مع ما قد عمل صلاح ما يؤمله وقال كفى موعظة أنك لا تحيى الا بموت ولا تموت الا بحياة وقال أبو نواس شاع في الفناء علوا وسفلا وأراني أموت عضوا فعضوا ذهبت جدتي بطاعة نفسي وتذكرت طاعة الله نضوا وقال الآخر وكم من أكلة منعت أخاها بلذة ساعة أكلات دهر وكم من طالب يسعى لشيء وفيه هلاكه لو كان يدري وقال الآخر كل امرى ء مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله وقال آخر واستيقني في ظلم البيوت أنك ان لم تقتلي تموتي
وقال عنترة بكرت تخوفني الحتوف كأنني أصبحت عن غرض الحتوف بمعزل فأجبتها ان المنية منهل لا بد ان أسقي بكأس المنهل فاقني حياءك لا أبا لك واعلمي أني امرؤ سأموت ان لم أقتل ان المنية لاو تصور صورت مثلي اذا نزلوا بضنك المنزل وقال ابو العتاهية اذن حي تسمعي واسمعي ثم عي وعي عشت تسعين حجة ثم وافيت مضجعي أنا رهن لمصرعي فاحذري مثل مصرعي ليس زادا سوى التقى فخذي منه أو دعي وقال الخليل بن احمد عش ما بدا لك قصرك الموت لامهرب منه ولا فوت بينا غنى بيت وبهجته آل الغنى وتقوض البيت وقال ابوالعتاهية إسمع فقد أسمعك الصوت ان لم تبادر فهو الفوت نل كلما شئت وعش سالما آخر هذا كله الموت وقال الوزيري وأعلم انني سأصير ميتا اذا سار النواجع لا أسير وقال السائلون من المسجى فقال المخبرون لهم وزير وقال ابوالعتاهية الحق أوسع من معالجة الهوى ومضيقه لا تعرضن لكل أمر أنت غير مطيقه و العيش يصلح ان مرجت غليظه برقيقه لا يخدعنك زخرف الدنيا بحسن بريقه وأذا رأيت الرأي مضطربا فخذ بوثيقه ولربما غص البخيل ان استنيل بريقه وقال أيضا
من أجاب الهوى الى كل ما يدعوه مما يضل ضل وتاها ومن رأى عبرة ففكر فيها آذنته بالبين حين يراها ربما استغلقت أمور على من كان يأتي الامور من مأتاها وسيأوي الى بد كل ما تأتي ويأوي الى يد حسناها قد تكون النجاة تكرهها النفس وتأتي ما كان فيه رداها وقال أيضا لو ان عبدا له خزائن ما في الأرض ما عاش خوف إملاق يا عجبا كلنا يحيد عن الحين وكل لحينه لاق كأن حيا قد قام نادبه والتفت الساق منه بالساق واستل منه حياته ملك الموت خفيا وقيل من راق وقال السمو أل بن عادياء تعيرنا انا قليل عديدنا فقلت لها ان الكرام قليل وما قل من كانت بقاياه مثلنا شباب تسامى للعلى وكهول وما ضرنا انا قليل وجارنا عزيز وجار الاكثرين ذليل فنحن كماء المزن ما في نصابنا كهام ولا فينا يعد بخيل وأسيافنا في كل شرق ومغرب بها من قراع الدار عين فلول معودة ان لا تسل نصالها فتغمد حتى يستباح قبيل سلي ان جهلت الناس عنا وعنهم وليس سواء عالم وجهول وقال الربيع بن ابي الحقيق ومن يك عاقلا لم يلق بؤسا ينخ يوما بساحته القضاء تعاوره بنات الدهر حتى تثلمه كما ثلم الإناء وكل شديدة نزلت بحي سيأتي بعد شدتها رخاء وبعض خلائق الاقوام داء كداء الشيخ ليس له دواء وأنشد قد حال من دون ليل معشر قذم وهم على ذاك من دوني مواليها والله يعلم اني ان أتت حجج وحيل من دونها ان لست ناسيها وأنشد
وليل يقوم القوم من ظلماته سواء بصيرات العيون وعورها كأن لنا منه بيوتا حصينة مسوحا أعاليها وساحبا كسورها وقالوا أتى سعيد بن عبد الرحمن بن حسان أبا بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم وهوعامل سليمان بن عبد الملك فسأله ان يكلم سليمان في حاجة له فوعده ان يقضيها فلم يفعل وأتى عمر بن عبد العزيز فكلمه فقضى حاجته فقال سعيد ذممت ولم تحمد وأدركت حاجتي تولى سواكم شكرها واصطناعها أبى لك فعل الخير رأى مقصر ونفس أضاق الله بالخير باعها اذا هي حثته على الخير مرة عصاها وان همت بشر أطاعها سيكفيك ما ضيعت منها وانما يضيع الامور سادرا من أضاعها ولاية من ولاك سوء بلائها وولى سواك أجرها واصطناعها وأنشد اذا ما أطعت النفس مال بك الهوى الى كل ما فيه عليك مقال وأنشد حسب الفتى من عيشه زاد يبلغه المحلا خبز وماء بارد والظل حين يريد ظلا وأنشد وما العيش الا شبعة وتشرق وتمر كأخفاف الرباع وماء قالوا استبطأ عبد الملك بن مروان ابنه مسلمة في مسيرة الى الروم فكتب اليه لمن الظعائن سيرهن تزحف سير السفين اذا تقاعس تجدف فلما قرأ مسلمة الكتاب كتب اليه ومستعجب مما يرى من اناتنا ولو زبنته الحرب لم يترمرم ومسلمة هوالقائل عند ما دلى بعضهم في قبره فتمثل بعض من حضر فقال وما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما فقال مسلمة لقد تكلمت بكلمة شيطان هلا قلت اذا مقرم منا ذرا حدنا به تخمط فينا ناب آخر مقرم
وكان مسلمة شجاعا خطيبا وبارع اللسان جوادا ولم يكن في ولد عبد الملك مثله ومثل هشام بعده وقال بعض الاعراب يهجو قوما تصبر للبلاء الحتم صبرا اذا جاورت حي بني أبان أقاموا الديدبان على يفاع وقالوا لي احترس للديدبان فان ابصرت شخصا من بعيد فصفق بالبنان على البنان تراهم خشية الاضياف خرسا يقيمون الصلاة بلا أذان وقال بعض الاعراب يمدح قوما وسار تعناه المبيت فلم يدع له حابس الظلماء والليل مذهبا رأى نار زيد من بعيد فخالها وقد كذبته النفس والظن كوكبا رفعت له بالكف نارا تشبها شآمية نكباء أو عارض صبا وقلت ارفعوها بالصعيد كفى بنا مشيرا لساري ليلة ان تأوبا فلما أتانا والسماء تبله تقول له أهلا وسهلا ومرحبا وقمت الى البرك الهواجد فاتقت بكوماء لم يترك لها الني مهربا فرحبت أعلى الجنب منها بطعنة دعت مستكن الجوف حتى تصببا وقال الآخر واستيقني في ظلم البيوت أنك ان لم تقتلي تموتي وقال ابو سعيد الزاهد من عمل بالعافية فيمن دونه أعطى العافية ممن فوقه وقال عيسى بن مريم صلوات الله تعالى على نبينا وعليه في المال ثلاث خصال قالوا وما هي يا روح الله قال يكسبه من غير حله قالوا فان كسبه من حله قال يمنعه من حقه قالوا فان وضعه في حقه قال يشغله اصلاحه عن عبادة ربه قيل لرجل مريض كيف تجدك قال أجدني لم أرض حياتي لموتي قال سعيد بن بشير عن ابيه ان عبد الملك قال حين ثقل ورأى غسالا يلوي ثوبا بيده وددت أني كنت غسالا لا أعيش إلا بما اكتسب يوما فيوما فذكر ذلك لابي حازم فقال الحمد لله الذي جعلهم عند الموت يتمنون مانحن فيه ولا نتمنى عند الموت ما هم فيه
قال الهيثم اخبرنا موسى بن عبيدة الزيدي عن عبد الله بن خداش الغفاري قال قال ابو ذر فارقت رسول الله وقوتي من الجمعة الى الجمعة مد ولا والله لا أزداد عليه حتى ألقاه قال وكان يقول انما ما لك لك أو للجائحة أو للوارث فاغن ولا تكن اعجز الثلاثة قال فضيل بن عياض عن المطرح بن يزيد عن عبد الله بن زحر عن علي ابن يزيد عن القاسم مولى يزيد بن معاوية عن ابي أمامة الباهلي قال عمر رضي الله تعالى عنه أدبوا الخيل وتسوكوا واقعدوا في الشمس ولا تجاورنكم الخنازير ولا يرفعن فيكم الصليب ولا تأكلوا على مائدة تشرب عليها الخمر وإياكم وأخلاق العجم ولا يحل لمؤمن ان يدخل الحمام إلا بمئزر ولا لامرأة ألا من سقم فان عائشة رضي الله تعالى عنها حدثتني قالت حدثني خليلي على مفرشي هذا قال اذا وضعت المرأة خمارها في غير بيت زوجها هتكت مابينها وبين الله فلم تناهى دون العرش نساك البصرة وزهادها عامر بن عبد قيس وبجالة بن عبدة العنبريان وعثمان بن أدهم والأسود ابن كلثوم وصلة بن أشيم ومذعور بن الطفيل ومن بني منقر جعفر وحرب ابنا جرفاس كان الحسن يقول إني لا أرى كالجعفرين جعفرا يعني جعفر بن جرفاس وجعفر بن زيد العبدي ومن النساء معاذة العدوية امرأة صلة بن أشيم ورابعة القيسية زهاد الكوفة عمرو بن عتبة وهمام بن الحرث والربيع بن خيثم وأويس القرني وقال الراجز من عاش دهرا فسيأتيه الأجل والمرء تواق الى مالم ينل الموت يتلوه ويلهيه الأمل وقال الآخر لا يغرنك عشاء ساكن قد يوافي لمنيات السحر وقال الاخر كلنا يأمل مدا في الأجل والمنايا هي آفات الأمل
وقال الآخر أنت وهبت الفتية السلاهب وهجمة يحار فيها الحالب وغنما مثل الجراد السارب متاع أيام وكل ذاهب وقال المسعودي ان الكرام مناهبوك المجد كلهم فناهب أخلف وأتلف كل شيء زعزعته الريح ذاهب وقال التميمي اذا كانت السبعون سنك لم يكن لدائك إلا ان تموت طبيب وان امرأ قد سار سبعين حجة الى منهل من ورده لقريب اذا ما مضى القرن الذي كنت فيهم وخلفت في قرن فأنت غريب اذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب وقال غسان خال الغدار إبيض مني الرأس بعد سواد ودعا المشيب حليلتي ببعاد واستحصد القرن الذي أنا منهم وكفى بذاك علامة لحصادي وكان علي بن موسى بن ماهان كثيرا ما يقول ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين وكان كثيرا ما يقول ويل للظالمين من الله وقال ابن واسع الاتقاء على العمل أشد من العمل وكان ابو وائل النهشلي يقول في اول كلامه ان الدهر لا يذوق طعم الفراق ولا يذيقه اهله وانما ينغمسون في ليل ويطغون في نهار فيوشك شاهد الدنيا ان يغيب وغائب الآخرة ان يشهد وقال سأل رجل رجلا حاجة فقال له المسؤول اذهب بسلام فقال له السائل قد انصفنا من ردنا الى الله قال الخزامي عن سفيان بن حمزة عن كثير بن الصلت ان حكيم بن حزام باع داره من معاوية بستين ألف درهم فقيل له غبنك والله معاوية فقال والله ما اخذتها في الجاهلية الا بزق من خمر اشهدكم انها في سبيل الله فانظروا أينا المغبون قال سفيان الثوري ليس من ضلالة الا عليها زينة فلا تعرضن دينك لمن يبغضه اليك
وقال عمر بن عبد العزيز من جعل دينه غرضا للخصومات اكثر التنقل وأتى مسلما نصراني يعزيه فقال له مثلي لا يعزي مثلك ولكن انظر الى ما زهد فيه الجاهل فارغب فيه وكان الحسن بن زيد بن علي بن الحسين بن علي يلقب ذا الدمعة فاذا عوتب في كثرة البكاء قال وهل تركت النار والسهمان لي مضحكا يريد قتل زيد بن علي ابيه ويحيى بن زيد أخيه وقيل لشيخ من الاعراب قمت مقاما خفنا عليك منه قال ما الموت أخاف شيخ كبير ورب غفور ولا دين ولا بنات قال أبو العتاهية وكما تبلى وجوه في الثرى فكذا يبلى عليهن الحزن وقال بشار كيف يبكي لمحبس في طلول من سيفضي لحبس يوم طويل ان في البعث والحساب لشغلا عن وقوف بكل رسم محيل وقال محمود الوراق أليس عجيبا بأن الفتى يصاب ببعض الذي في يديه فمن بين باك له موجع وبين معز مغذ اليه ويسلبه الشيب شرخ الشباب فليس يعزيه خلق عليه وقال ايضا بكيت لقرب الأجل وبعد فوات الأمل ووافد شيب طرا بعقب شباب رحل شباب كأن لم يكن وشيب كأن لم يزل طواك بشير البقا وحل بشير الأجل طوى صاحب صاحبا كذاك اختلاف الدول وقال محمود آيضا رأيت صلاح المرء يصلح أهله ويعديهم داء الفساد اذا فسد يعظم في الدنيا بفضل صلاحه ويحفظ بعد الموت في الأهل والولد وقال الحسن بن هانى ء
أيه نار قدح القادح وأي جد بلغ المازح لله در الشيب من واعظ وناصح لو حظي الناصح يأبى الفتى إلا اتباع الهوى ومنهج الحق له واضح فاسم بعينيك الى نسوة مهورهن العمل الصالح لا يجتلي العذراء من خدرها إلا امرؤ ميزانه راجح من اتقى الله فذاك الذي سيق اليه المتجر الرابح وقال أيضا خل جنبيك لرام وامض عنه بسلام مت بداء الصمت خير لك من داء الكلام انما السالم من ألجم فاه بلجام ربمااستفتحت بالمزح مغاليق الحمام رب لفظ ساق آجال فئام لفئام فالزم الصمت فان الصمت أبقى للجمام والمنايا أكلات شاربات للأنام شبت يا هذا وما تترك أخلاق الغلام وقال آيضا كن من الله يكن لك واتق الله لعلك لا تكن إلا معدا للمنايا فكأنك انا للموت لسهما واقعا دونك أو بك نحن نجري في أفانين سكون ونحرك فعلى الله توكل وبتقواه تمسك وقال أيضا يا نواسي تفكر وتعز وتصبر ساءك الدهر بشيء ولما سرك اكثر يا كبير الذنب عفو الله من ذنبك أكبر قال سعيد بن ربيعة بن مالك بن سعيد بن زيد مناة بن تميم ألا انما هذا الملال الذي ترى وإدبار جسمي من ردى العثرات
وكم من خليل قد تجلدت بعده تقطع نفسى بعده حسرات وهذا من قديم الشعر وقال الطرماح في هذا المعنى وشيبني ان لا أزال مناهضا بغير قوى أنزر بها وأبوع وان رجال المال أضحوا ومالهم لهم عند أبواب الملوك شفيع أمخترمي ريب المنون ولم أنل من المال ما أعصى به وأطيع ومن قديم الشعر قول الحرث بن يزيد وهو جد الاحيمر اللص السعدي لالا أعق ولا أحوب ولا أغير على مضر لكنما أغزو أذا ضج المطي من الدبر وقال آدم بن عبد العزيز وان قالت رجال قد تولى زمانكم وذا زمن جديد فما ذهب الزمان لنا بمجد ولا حسب اذا ذكر الجدود وما كنا لنخلد اذ ملكنا وأي الناس دام له الخلود وقيل لأخيه بعد ان رأوه حمالا لقد حطك الزمان وعضك الحدثان فقال ما فقدنا من عيشنا الا الفضول وقال عروة بن أذينة الكناني نراع اذا الجنائز قابلتنا ويحزننا بكاء الباكيات كروعة ثلة لمغار ذئب فلما غاب عادت راتعات وقالت خنساء بنت عمرو ترتع ما غفلت حتى اذا ادكرت فانما هي إقبال وإدبار وقال ابو النجم فلو ترى التيوس مضجعات عرفت ان لسن بسالمات أقول اذاجئن مذبحات ألم تكن من قبل رائعات ما أقرب الموت من الحياة وقال سليمان بن الوليد رب مغروس يعاش به عدمته كف مغترسه وكذاك الدهر مأتمه أقرب الاشياء من عرسه
وقال آخر يا راقد الليل مسرورا بأوله ان الحوادث قد يطرقن أسحارا وقالت امرأة في بعض الملوك أبكيك لا للنعيم والأنس بل للمعالي والرمح والفرس أبكي على فارس فجعت به أرملني قبل ليلة العرس اخلاط من شعر وأحاديث ونوادر قال هبيرة بن وهب المخزومي وان مقال المرء في غير كنهه لكالنبل تهوى ليس فيها نصالها وقال الراجز والقول لا تملكه اذا نمى كالسهم لا يرجعه رام رمى والى هذا ذهب عامر الشعبي حيث يقول وانك على ايقاع ما لم توقع أقدر منك على رد ما قد أوقعت وأنشد فداويته بالحلم والمرء قادر على سهمه مادام في كفه السهم وقال الانصاري وبعض القول ليس له حصاة كمخض الماء ليس له إتاه وبعض خلائق الأقوام داء كداء الشيخ ليس له دواء وقال الآخر ومولى كداء البطن اما لقاؤه فحلم وأما غيبه فظنون وقال آخر تقسم أولاد الملمة مغنمي جهارا ولم يغلبك مثل مغلب وقال الثلب وهن شر غالب لمن غلب وقال النبي اذاكتب أحدكم فليترب كتابه فان التراب مبارك وقال هو أنجح للحاجة وذكر الله عز وجل آدم الذي هو أصل البشر فقال ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ولذلك كنى النبي عليا ابا تراب قالوا وكانت أحب الكنى إليه وقال الآخر وان جئت الامير فقل سلام عليك ورحمة الله الرحيم
وأما بعد ذاك فلي غريم من الاعراب قبح من غريم له ألف علي ونصف ألف ونصف النصف في صك قديم دراهم ما انتفعت بها ولكن وصلت بها شيوخ بني تميم وقال الكميت حلفت برب الناس يا أم خالد بأمك إذ أصواتنا الهل والهب ولا خالد يستطعم الماء قائما بعذلك والداعي الى الموت ينعب وقال ابن نوفل تقول لما أصابك أطعموني شرابا ثم بلت على السرير لأعلاج ثمانية وشيخ كبير السن ذي بصر ضرير وقال ابن هرمة تراه ذا ما ابصرالضيف كلبه يكلمه من حبه وهو أعجم وقال المهلب عجبت لمن يشتري المماليك بماله ولا يشتري الاحرار بمعروفه وقال الشاعر رزقت لبا ولم أرزق مروءته وما المروءة الا كثرة المال اذا أردت مساماة تقاعدني عما ينوه باسمي رقة الحال وقال الاحنف فلو مد سروي بمال كثير لجدت وكنت له باذلا فان المروءة لا تستطاع اذا لم يكن مالها فاضلا وقال جرير بن يزيد خير من البخل للفتى عدمه ومن بنين أعقة عقمه قال ومشى رجال من بني تميم الى عتاب بن ورقاء ومحمد بن عمير في عشر ديات فقال محمد بن عمير علي دية فقال عتاب علي الباقية فقال محمد نعم العون على المروءة المال وقال آخر ولا خير في وصل اذا لم يكن له على طول مر الحادثات بقاء وقال الآخر شفاء الحب تقبيل وشم وضم بالبطون على البطون
وأنشد آخر والله لا أرضى بطول ضم ولا بتقبيل ولا بشم إلا بهزهاز يسلى همي يسقط منه فتخي في كمي لمث هذا ولدتني أمي وقال آخر لا ينفع الجارية الخضاب ولا الوشاحان ولا الجلباب من دون ان يصطفق الأركاب وتلتقي الاسباب والاسباب ويخرج الزب له لعاب وقال آخر ولقد بدا لي ان قلبك ذاهل عني وقلبي لو بدا لك أذهل كل يجامل وهو يخفي بغضه ان الكريم على القلى يتجمل وقال الآخر وحظك زورة في كل عام مواقفة على ظهري الطريق سلاما خاليا من كل شيء يعود به الصديق على الصديق وقال الآخر وزعمت أني قد كذبتك مرة بعض الحديث فما صدقتك اكثر وقال الآخر أهينوا مطاياكم فاني وجدته يهون على البردون موت الفتى الندب وقال الآخر لا يحفل البرد من يبلى حواشيه ولا تبالي على من راحت الإبل وقال الآخر ألا لا يبالي البرد من جر فضله كما لا تبالي مهرة من يقودها وقال الآخر وأني لأرثي للكريم اذا غدا على حاجة عند اللئيم يطالبه وأرثي له من مجلس عند بابه كمرثيتي للطرف والعلج راكبه وقال الفرزدق أترجو ربيع ان يجيء صغارها بخير وقد أعيى ربيعا كبارها
وقال الشاعر ألم تر سير الخير ريث وأن الشر راكبه يطير وقال ابن يسير تأتي المكاره حين تأتي جملة وترى السرور يجيء في الفلتات عيوب تمتع من السؤدد قيل لبلال بن أبي بردة لم لا تولى أبا العجوز بن أبي شيخ العراق وكان بلال مسترضعا فيهم وهو من بلهجيم قال لاني رأيت منه ثلاثا رأيته يحتجم في بيوت أخوانه ورأيت عليه مظلة وهو في الظل ورأيته يبادر بيض البقيلة وكان عندي شيخ عظيم البدن جهير الصوت يستقصي الاعراب وقد ولده رجل من أهل الشورى وكان بقربي عبد أسود دقيق العظم دميم الوجه ورآني أكبره فقال لي حين نهض ورأى عظما يا أبا عثمان لا والله ان يساوي ذلك العظم البالي بصرت عيني به في الحمام وتناول قطعة من فخار فأعطاها رجلا وقال له حك بها ظهري أفتظن هذا يا أبا عثمان يفلح أبدا قال ابوالحسن سأل الحجاج غلاما فقال له غلام من أنت قال غلام سيد قيس قال ومن ذاك قال زرارة بن أوفي قال كيف يكون سيد قيس في داره التي ينزلها سكان قال وقال رجل لابنه اذا أردت ان تعرف عيبك فخاصم شيخا من قدماء جيرانك قال يا أبت لو كنت اذا خاصمت جاري لم يعرف عيبي غيري كان ذلك رأيا ولكن جاري لا يعرفني عيبي حتى يعرفه عدوي وقد أخطأ الذي وضع هذا الحديث لان أباه نهاه ولم يأمره وقال الآخر إصطنعى وأقلنى عثرتى إنها قد وقعت منى بقر وأعلمن أن ليس ألفا درهم لمديحي وهجائي بخطر يذهب المال ويبقى المنطق شائعا يأثره أهل الخبر ثم أرميكم بوجه بارز لست أمشي لعدوي بخمر وقال أشهب بن رميلة يوم صفين الى أين يا بني تميم قد ذهب الناس أتفرون وتعذرون قال ونهض الحرث بن حوط الليثي الى علي بن ابي طالب كرم الله تعالى وجهه وهوعلى المنبر فقال أتظن أنا نظن ان طلحة والزبير كانا على ضلال قال يا حار انه ملبوس عليك ان الحق لا يعرف بالرجال فاعرف الحق تعرف أهله وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لا ادركت انا وأنت زمانا يتغايرون فيه على العلم كما يتغايرون على الازواج قال وبعث قسامة بن زهير العنبري الى اهله بثلاثين شاة ونحى صغير فيه سمن فسرق الرسول شاة وأخذ من رأس النحى شيأ من السمن فقال لهم الرسول ألكم اليه حاجة أخبره بها فقالت له امرأته أخبره ان الشهر محاق وأن جدينا الذي كان يطالعنا وجدناه مرثوما فاسترجع منه الشاة والسمن قال سليمان بن علي لرؤبة ما بقى من باهك يا أبا الحجاف قال يمتد ولا يشتد وأستعين بيدي ثم لا أورد وأطيل الظمأ ثم أقصر قال ذلك الكبر قال لا ولكنه طول الرغاث قيل لاعرابي أي الدواب آكل قال برذونة رغوث وقيل لغيره لم صارت اللبؤة أنزق وعلى اللحم أحرص قال هي الرغوث قال وقال عبد الله بن عمر إتقوا من تبغضه قلوبكم وقال اسماعيل بن غزوان لا تنفق درهما حتى تراه ولا تثق بشكر من تعطيه حتى تمنعه فالصابر هو الذي يشكر والجاذع هوالذي يكفر قال عامر بن يحيى بن ابي كثير لا تشهد لمن لا تعرف ولا تشهدعلى من لا تعرف ولا تشهد بمالاتعرف قال ابو الرحمن الضرير عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب قال النبي رأس العقل بعد الايمان بالله التودد الى الناس وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها لا سمر الا لثلاثة مسافر ومصل وعروس قريش أفصح العرب وقال معاوية يوما من افصح الناس فقال قائل قوم ارتفعوا عن لخلخانية الفرات وتيامنوا عن كشكشة تميم وتياسروا عن كسكسة بكر ليست لهم غمغمة قضاعه ولا طمطمانية حمير قال من هم قال قريش قال ممن أنت قال من جرم وقال الراجز ان تميما أعطيت تماما واعطيت مآثرا عظاما وعددا وحسبا قمقاما وباذخا من عزها قداما في الدهر أعيا الناس ان يراما اذا رأيت منهم ألا جساما والدل والشيمة والكلاما وأذرعا وقصرا هاما عرفت أن لم يخلقوا طغاما ولم يكن ابوهم مسقاما لم تر فيمن يأكل الطعاما أقل منهم سقطا وذاما تقول العرب لو لم يكن في الابل الا أنها رقؤ الدم قال جندل بن صخر وكان عبدا مملوكا وما فك رقى ذات دل خبرنج ولا شأن ما لي صدقة وعقول ولكن نماني كل أبيض خضرم فأصبحت ادري اليوم كيف اقول وقال الفقيمي وما كنت نواما ولكن ثائرا اناخ قليلا فوق ظهر سبيل وقد كنت مخزون اللسان ومفحما فأصبحت ادري اليوم كيف أقول وقال المغيرة بن شعبة من دخل في حاجة رجل فقد ضمنها وقال عمر رضي الله تعالى عنه لكل شيء شرف وشرف المعروف تعجيله وقال رجل لابراهيم النخعي أعد الرجل الميعاد قال الى متى قال الى وقت الصلاة قال وقال لي بعض القرشيين من خاف الكذب اقل من المواعيد وقال امران لا يسلمان من الكذب كثرة المواعيد وشدة الاعتذار قال إبراهيم النظام قلت لخنجير كور ممرور الزياديين اقعد ههنا حتى ارجع اليك قال اما حتى ترجع فاني لا أصبر لك ولكن اقعد لك الى الليل
رسالة ابن سيابة الى يحيى بن خالد بن برمك
وبلغني ان عامة اهل بغداد يحفظونها في تلك الايام وهي كما ترى وأولها للأصيد الجواد الواري الزناد الماجد الاجداد الوزير الفاضل الأشم الباذل اللباب الحلاحل من المستكين المستجير البائس الضرير فاني أحمد الله ذا العزة القدير إليك والى الصغير والكبير بالرحمة العامة والبركة التامة أما بعد فاغنم واسلم واعلم ان كنت تعلم انه من يرحم يرحم ومن يحرم يحرم ومن يحسن يغنم ومن يصنع المعروف لا يعدم وقد سبق الى تغضبك علي واطراحك لي وغفلتك عني بما لا أقوم له ولا أقعد ولا أنتبه ولا أرقد فلست بحي صحيح ولا بميت مستريح فررت بعد الله منك اليك وتحملت بك عليك ولذلك قلت أسرعت بي حثا اليك خطائي فأناخت بمذهب ذي رجاء راغب راهب اليك يرجى منك عفوا عنه وفضل عطاء ولعمري ما من أصر ومن تاب مقرا من ذنبه بسواء فان رأيت أراك الله ما تحب وأبقاك في خير ان لا تزهد فيما ترى من تضرعي وتخشعي وتذللي وتخضعي فان ذلك ليس مني بنحيزة ولا طبيعة ولا على وجه تصنع ولا تخدع ولكنه تذلل وتخشع وتضرع من غير ضارع ولا مهين ولا خاشع لمن لا يستحق ذلك الا لمن التضرع له عز ورفعة وشرف محمد بن حرب الهلالي قال دخل زفر بن الحرث على عبد الملك بعد الصلح فقال ما بقي من حبك للضحاك فقال ما لا ينفعني ولا يضرك قال شد ما أجبتموه معاشر قيس قال أجبناه ولم نواسه ولو كنا آسيناه لقد كنا أدركنا ما فاتنا منه قال فما منعك من مواساته يوم المرج قال الذي منع أباك من مواساة عثمان يوم الدار قال الشاعر لكل كريم من ألائم قومه على كل حال حاسدون وكشح قالوا وقال سليمان بن سعد لو صحبني رجل فقال اشترط على خصلة واحدة ولا تزد عليها لقلت لا تكذبني قال وكان يقال اربع خصال يسود بها المرء العلم والادب والعفة والامانة
وقال الشاعر لئن طبت نفسا عن ثنائي فانني لآطيب نفسا عن نداك على عسري فلست الى جدواك أعظم حاجة على شدة الإعسار منك الى شكري وقال الآخر أإن سمتني ذلا فعفت حياضه سخطت ومن يأب المذلة يعذر فهل انا مسترضيك لا من جناية جنيت ولكن من تجنيك فاغفر وقال إياس بن قتادة وان من السادات من لو أطعته دعاك الى نار يفور سعيرها وقال الآخر عزمت على إقامة ذي صباح لأمر ما يسود من يسود وقال الهذلي وان سيادة الاقوام فاعلم لها صعداء مطلبها طويل وقال حارثة بن بدر اذا الهم أمسى وهو داء فأمضه ولست بممضيه وانت تغازله ولا تنزلن أمر الشديدة بامرى ء اذا رام أمرا عوقته عواذله وقل للفؤاد ان نزا بك نزوة من الروع أفرخ اكثر الروع باطله وقال الآخر وان بقوم سودوك لفاقة الى سيد لويظفرون بسيد وقال آخر وما سدت فيهم ان فضلك عمهم ولكن هذا الحظ في الناس يقسم وقال حارثة بن بدر خلت الديار فسدت غير مسود ومن الشقاء تفردي بالسؤدد قال الفضل بن تميم قال المغيرة من لم يغضب لم يعرف حلمه وقال الشاعر وما بال ضبع ظل يطلب دائبا فريسته بين الأسود الضراغم وقال الآخر ذكرت بها عهدا على الهجر والقلى ولا بد للمشتاق ان يتذكرا
وقال الآخر اذا ما شفيت النفس أبلغت عذرها ولا لوم في أمر اذا بلغ العذر وقال الآخر لعمرك ما الشكوى بأمر حزامة ولا بد من شكوى اذا لم يكن صبر وقال الآخر لولا ثلاث هن عيش الدهر الماء والنوم وأم عمرو لما خشيت من مضيق القبر وقال لقيط بن زرارة شتان هذا والعناق والنوم والمشرب البارد في ظل الدوم وقال والبة بن الحباب ما العيش الا في المدام وفي اللثام والقبل وارادة الظبي الغرير تسومه ما لا يحل وقال شيخ من أهل المدينة ما كنت أريد أبن أجلس الى قوم الا وفيهم من يحدث عن الحسن وينشد الفرزدق وقال مجيب لا ترى امراة مصبرة العين ولا امرأة عليها طاق يمنة ولا شريفا يهنأ بعيرا وقال ابو براح ذهب الفتيان فما ترى فتى مفرق الشعر بالدهن معلقا نعله ولا ديكين في خطار ولا صديقا له صديق ان قمر ضغا وان عوقب جزع وان خلا بصديق فتى خنثه وان ضرب أقر وان طال حبسه ضجر ولا ترى فتى يحسن ان يمشي في قيده ولا يخاطب أميره قال ابوالحسن قال ابو عباية ترى زقاق براقش وبساتين هزار مرد ماكان يسلكه غلام الا بخفير وهم اليوم تخترقونه قلت هذا من صلاح الفتيان قال لا ولكن من فسادهم قال اليقطري قيل لطفيل العرائس كم اثنان في اثنين قال اربعة أرغفة وقال رجل لرجل انتظرتك على الباب بقدرما يأكل إنسان جرد قتين قال عبد الله بن مصعب أرسل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عبد الله ابن عباس لما قدم البصرة فقال ائت الزبير ولا تأت طلحة فان الزبير ألين وانك تجد طلحة كالثور عاقصا قرنه يركب الصعوبة ويقول هي أسهل فاقرأ عليه السلام وقل له يقول لك ابن خالك عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق فما عدا مما بدا قال فأتيت الزبير فقال ما حبا يا ابن لبابة أزائرا جئت ام سفيرا قلت كل ذلك وأبلغته ما قال علي فقال الزبير أبلغه السلام وقل بيننا وبينك عهد خليفة ودم خليفة واجتماع ثلاثة وانفراد واحد وام مبرورة ومشاورة العشيرة ونشر المصاحف فتحل ما أحلت وتحرم ما حرمت فلما كان من الغد حرش بين الناس غوغاؤهم فقال الزبير ما كنت ارى ان مثل ما جئنا له يكون فيه قتال قال ومن جيد الشعر قول جرير لئن عمرت تيم زمانا بعزة لقد حديت تيم حداء عصبصا فلا يضغمن الليث تيما بغرة وتيم يشمون الفريس المنيبا وقال الاعرابي كحلني بالميل الذي تكحل به العيون الداءة وقال ابن احمر وهجل من قسا ذفر الخزامي تهادى الجربياء به الحنينا بها تتزخر القلع السواري وجن الخازباز به جنونا تكاد الشمس تخشع حين يبدو لهن وما نزلن وما غسينا وقال الحكم الخضري كوم تظاهرنيها وتربعت بقلا بعيهم والحمى مجنونا قال الشنفري وجلت ودقت واسبكرت وأنضرت فلو جن إنسان من الحسن جنت قال وسمع الحجاج امرأة من خلف حائط تناغى طفلا فقال مجنونة أو أم صبي وقال ابو ثمامة بن عازب وكلهم قد ذاقنا فكأنما يرون علينا جلد أجرب هائل وقال الثعلبي يرى الناس منا جلد اسود سالخ وفروة ضرغام من الاسد ضيغم وأنشد الاصمعي منهرت الشدقين عود كماكمل كأنما قمص من ليط جعل
وقال نصيب لعمر بن عبد العزيز ان لي بنية ذررت عليها من سوادي وقال عبدالملك للوليد لا تعزل أخاك عبد الله عن مصر وانظر عمك محمد بن مروان فأقره على الجزيرة وأما الحجاج فأنت أحوج اليه منه اليك وانطر علي بن عبد الله فاستوص به خيرا فضرب عليا بالسياط وعزل أخاه وعمه وقال ابو نخيلة انا ابن سعد وتوسطت العجم فأنا فيما شئت من خال وعم وأنشد هم وسط يرضى الإله بحكمهم اذا نزلت احدى الليالي بمعظم يجعلون ذلك من قول الله تبارك وتعالى وكذلك جعلنا كم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا أنشد ولولا خلة سبقت اليه وأخو كان من عرق المدام دلفت له بأبيض مشرفي كما يدنو المصافح للسلام وقال يزيد بن ضبة لا تبدين مقالة مأثورة لا تستطيع اذا مضت ادراكها وقال ابن ميادة يا ايها الناس ردوا القول واستمعوا وكل قول اذا ما قيل يستمع وقال جرير ما المدلج الغادي اليه بسحرة ألا كآخر قاعد لم يبرح وقال العلاء بن المنهال الغنوي في شريك بن عبد الله فليت أبا شريك كان حيا فيقصر عن مقالته شريك ويترك من تدريه علينا اذا قلنا له هذا أبوك وقال طارق بن دثار الطائي ما ان يزال ببغداد يزاحمنا على البراذين أشباه البراذين ما شئت من بغلة سفواء ناجية ومن إناث وقول غير موزون أعطاهم الله اموالا ومنزلة من الملوك بلا عقل ولا دين
وقال منقذ بن دثار الهلالي لا تذكرن صنيعة سلفت منك وان كنت لست تنكرها عند امرى ء ان تقول ان ذكرت يوما من الدهر لست أذكرها فان إحياءها إماتتها وإن منا بها يكدرها قال بعض الحكماء صاحبك من ينسى معروفه عندك ويتذكر حقوقك عليه وقال منقر بن فروة المنقري وان خفت من أمر فواتا فوله سواك وعن دار الأذى فتحول وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ففي صالح الاعمال نفسك فاجعل ونظر ابوالحرث جمين الى برذون يستقي عليه الماء فقال وما المرء الا حيث يجعل نفسه لو هملج هذا البرذون لم يجعل للراوية وأنشد لا خير في كل فتى نؤوم لا يمتريه طارق الهموم وأنشد إجعل أبا حسن كمن لا يعرف واهجره مقترنا وان لم يخلف آخ الكرام المنصفين وصلهم واقطع مودة كل من لم ينصف وقال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير ما زال عصياننا لله يسلمنا حتى دفعنا الى يحيى ودينار الى عليجين لم يقطع ثمارهما قد طالما سجدا للشمس والنار وشاتم اعرابي اعرابيا فقال انكم لتعتصرون العطاء وتعيرون النساء وتبيعون الماء وقال ابوالاسود الدؤلي لنا جيرة سدوا المجازة بيننا فان ذكروك السد فالسد أكيس ومن خير ما ألصقت بالدار حائط تزل به صقع الخطاطيف أملس وأنشد اذا لم يكن للمرء بد من الردى فأكرم اسباب الردى سبب الحب وقال الآخر
واذا شنئت فتى شنئت حديثه واذا سمعت غناءه لم أطرب وأنشد المسروحي لكامل بن عكرمة لهاكل عام موعد غير منجز ووقت اذا ما رأس حول تجرما فان وعدت شرا اني قبل وقته وان وعدت خيرا أراث وعتما وقال الآخر ألم تر ان سير الخير ريت وان الشر راكبه يطير وقال محمد بن يسير تأتي المكاره حين تأتي جملة وترى السرور يجيء في الفلتات وقال الآخر اذا ما بريد الشام أقبل نحونا ببعض الدواهي المفظعات فأسرعا فان كان شرا سار يوما وليلة وان كان خيرا أقصد السير أربعا وقال آخر فاذا نهضت فما النهوض بدائم واذا نكبت توالت النكبات وقال آخر وتعجبنا الرؤيا فجل حديثنا اذا نحن أصبحنا الحديث عن الرؤيا وان حسنت لم تأت عجلى وأبطأت وان قبحت لم تحتبس وأتت عجلى قيل لأعرابي ما أعددت للشتاء قال جلة ريوضا وصيصة سلوكا وشملة مكودا وقرمصا دفيئا وناقة مجالحة وقيل لاخرما أعددت للشتاء قال شدة الرعدة وقيل لاخر كيف ليلكم قال سحر كله وقيل لآخر كيف البرد عندكم قال ذلك الى الريح وقال معن بن أوس المزني فلا وأبي حبيب ما نفاه من ارض بني ربيعة من هوان وكان هو الغني الى غناه وكان من العشيرة في مكان تكنفه الوشاة فأزعجوه ودعس من قضاعة غير وان فلولا ان أم أبيه أمي وان من قد هجاه فقد هجاني وان أبي أبوه لذاق مني مرارة مبردي ولكان شاني اذا لأصابه مني هجاء يمر به الروي على لساني أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني
وقال بعض اليهود ولو كنت أرضى لا أبا لك بالذي به العائل الجثام في الخفض قانع اذا قصرت عندي الهموم وأصبحت علي وعندي للرجال صنائع ذكر ماقيل في المهالبة وغيرهم ان المهالبة الكرام تحملوا دفع المكاره عن ذوي المكروه زانوا قديمهم بحسن حديثهم وكريم أخلاق بحسن وجوه وقال ابو الجهم العدوي في معاوية بن ابي سفيان نقلبه لنخبر حالتيه فنخبر منهما كرما ولينا نميل على جوانبه كأنا نميل اذا نميل على أبينا وقال الآخر في هذا الشكل ان أجز علقمة بن سيف سعيه لا أجزه ببلاء يوم واحد لأحبني حب الصبي ورمني رم الهدي الى الغني الواجد ولقد شفيت غليلتي فنقعتها من آل مسعود بماء بارد وقال بكير بن الاخنس نزلت على آل المهلب شاتيا فقيرا بعيد الدار في سنة محل فما زال بي ألطافهم وافتقادهم وإكرامهم حتى حسبتهم أهلي وقال في كلمة له أخرى وقد كنت شيخا ذا تجارب جمة فأصبحت فيهم كالصبي المدلل ورأى المهلب وهو غلام فقال خذوني به ان لم يسد سرواتهم ويبرع حتى لا يكون له مثل وقال الحزين في طلحة بن عبد الله من ولد أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه فان تك يا طلح أعطيتني جمالية تستحق السفارا فما كان نفعك لي مرة ولا مرتين ولكن مرارا وقال ابو الطمحان سامدح مالكا في كل ركب لقيتهم وأترك كل رذل فما انا والبكارة من مخاض عظام جلة سدس وبزل
وقد عرفت كلابكم ثيابي كأني منكم ونسيت أهلي نمتكم من بني شمخ زناد لها ما شثت من فرع وأصل وقال ابو الشغب ألا ان خير الناس قد تعلمونه أسير ثقيف موثقا في السلاسل لعمري لئن أعمرتم السجن خالدا وأوطأتموه وطأة المتثاقل لقد كان نهاضا بكل ملمة ومعطي اللها غمرا كثير النوافل فان تسجنوا القسري لا تسجنوا اسمه ولا تسجنوا معروفه في القبائل ومن هذا الباب قول اعشى همدان في خالد بن عتاب بن ورقاء رأيت ثناء الناس بالغيب طيبا عليك وقالوا ماجد وابن ماجد بني الحارث السامين للمجد انكم بنيتم بناء ذكره غير بائد هنيئا لما أعطاكم الله واعلموا بأني سأطري خالدا في القصائد فان يك عتاب مضى لسبيله فما مات من يبقى له مثل خالد ومن هذا الشكل قول الحسين بن مطير الاسدي ألما على معن وقولا لقبره سقتك الغوادي مربعا ثم مربعا أيا قبر معن كنت أول حفرة من الارض خطت للسماحة موضعا و ياقبر معن كيف واريت جوده وقد كان منه البر والبحر مترعا بلى قد وسعت الجود والجود ميت ولو كان حيا ضقت حتى تصدعا فلما مضى معن مضى الجود والندى واصبح عرنين المكارم أجدعا فتى عيش في معروفه بعد موته كما كان بعد السيل مجراه مرتعا تعز أبا العباس عنه ولا يكن جزاؤك من معن بأن تتضعضعا فما مات من كنت ابنة لا ولا الذي له مثل ما أسدى أبوك وما سعى تمنى أناس شأوه من ضلالهم فأضحوا على الأذقان صرعى وظلعا وهذا مثل قول مسلم بن الوليد في يزيد بن مزيد قبر ببردعه استسر ضريحه خطرا تناصر دونه الاخطار أبقى الزمان على معد بعده حزنا كعمر الدهر ليس يعار نقضت به الآمال احلاس الغنى واسترجعت نزاعها الامصار فاذهب كما ذهبت غوادي مزنة أثنى عليها السهل والأوعار
ذكر حروف من الادب من حديث بني مروان وغيرهم
قال مسلمة كان عند عمر بن عبد العزيز رجلان فجعلا يلحنان فقال الحاجب قوما فقد آذيتما امير المؤمنين قال عمر انت آذى لي منهما قال المدائني قعد قدام زياد رجل ضباعي من قرية باليمن يقال لها ضباع وزياد يبني داره فقال له ايها الامير لو كنت عملت باب مشرقها من قبل مغربها وباب مغربها من قبل مشرقها فقال أنى لك هذه الفصاحة قال انها ليست من كتاب ولا حساب ولكنها من ذكاوة العقل فقال ويلك الثاني شر قال شعبة عن الحكم قال عبد الرحمن بن ابي ليلى لا أماري اخي فإما ان اكذبه وإما ان اغضبه قال ابن ابي الزناد اذا اجتمعت حرمتان تركت الصغرى للكبرى وعن ابي بكر الهذلي واسمه سلمى قال اذا جمع الطعام اربعا فقد كمل اذا كان حلالا وكثرت عليه الايدي وسمى الله على اوله وحمد على آخره وقال ابن قميئة وأهون كف لا تضيرك ضيرة يد بين أيد في إناء طعام يد من قريب أو غريب بقفرة أتتك بها غبراء ذات قتام وقال حماد عجرد حبيش ابو الصلت ذو خبرة بما يصلح المعدة الفاسدة تخوف تخمة اصحابه فعودهم اكلة واحدة وقال سويد المراثد إني اذا ما الأمر بين شكه وبدت بصائرة لمن يتأمل وتبوأ الضعفاء من اخوانهم وألح من حر الصميم الكلكل أدع التي هي أرأف الخلات بي عند الحفيظة للتي هي اجمل ومما يكتب في باب العصا قال حسان بن الغدير قالت أمامة يوم برقة واسط يا ابن الغدير لقد جعلت تغير اصبحت بعد زمانك الماضي الذي ذهبت شبيبته وغصنك اخضر
شيخا دعامتك العصا ومشيعا لا تبتغي خبرا ولا تستخبر ويضم البيت الاخير الى قوله وهلك الفتى ان لا يراح الى الندى وان لا يرى شيئا عجيبا فيعجبا ومن يبتغي مني الظلامة يلقني اذا ما رآني اصلع الرأس أشيبا وقال بعض الحكماء أعجب من العجب ترك التعجب من العجب وقيل لشيخ هم اي شيء تشتهي قال أسمع بالأعاجيب وأنشد عريض البطان جديب الخوان قريب المراث من المرتع فنصف النهار لكرياسه ونصف لمأكله أجمع ومما يضم الى العصا قوله لعمري لئن حلئت عن منهل الصبا لقد كنت ورادا لمشربه العذب ليالي أغدو بين بردين لاهيأ أميس كغصن البانة الناعم الرطب سلام على سير القلاص مع الركب ووصل الغواني والمدامة والشرب سلام امرى ء لم تبق منه بقية سوى نظر العينين أو شهوة القلب وقال حاجب بن ذيبان لاخيه زرارة عجلت مجيء الموت حين هجرتني وفي القبر هجر يا زرار طويل وقال الآخر ألم تعلمي ياعمرك الله أنني كريم على حين الكرام قليل وأني لا اخزى اذا قيل مقتر جواد وأخزى ان يقال بخيل وان لا يكن عظمي طويلا فانني له بالخصال الصالحات وصول اذا كنت في القوم الطوال فضلتهم بعارفة حتى يقال طويل ولا خير في حسن الجسوم وطولها اذا لم يزن حسن الجسوم عقول وكائن رأينا من فروع طويلة تموت اذالم تحيهن أصول ولم أر كالمعروف أما مذاقه فحلو وأما وجهه فجميل وقال زياد بن زيد اذا ما انتهى علمي تناهيت عنده أطال فأملى أم تناهى فأقصرا ويخبرني عن غائب المرء فعله كفى الفعل عما غيب المرء مخبرا
وقال آخر أبر فما يزداد إلا حماقة ونوكا وان كانت كثيرا مخارجه وقال ابن الرقاع وقصيدة قد بت أجمع بينها حتى أقوم ميلها وسنادها نظر المثقف في كعوب قناته حتى يقيم ثقافة منآدها وعلمت حتى لست اسأل عالما عن حرف واحدة لكي أزدادها وقال بعض الاعراب لولا مسرة أقوام تصعدني أو الشماتة من قوم ذوي إحن ماسرني ان إبلي في مباركها وأن أمرا قضاه الله لم يكن وقال الاخر وإني لأهوى ثم لا أتبع الهوى وأكرم خلاني وفي صدود وفي النفس عن بعض التعرض غلظة وفي العين عن بعض البكاء جمود وقال كثير ترى القوم يخفون التبسم عنده وينذرهم عور الكلام نذيرها فلا هاجرات القوم يؤثرن عنده ولا كلمات النصح مقصى مشيرها وقال المقشعر يقر بعيني ان أرى قصد القنا وصرعى رجال في وغى أنا حاضرة وقال الكميت أحسن منها ذياد خامسة في الورد أو فيلق يجالدها وقال صالح بن مخراق في كلام له لولا ان الله تبارك وتعالى قال كتب عليكم القتال وهو كره لكم لانبأتكم أني لا أكرهه وقال الآخر تركت الركاب لأربابها وأكرهت نفسي على ابن الصعق جعلت يدي وشاحا له وبعض الفوارس لا يعتنق قال قال عمر بن عبد العزيز يوما في مجلسه من أم النعمان بن المنذر فقال روح بن الوليد بن عبد الملك سلمى بنت عقاب قال إنه ليقال ذلك يا حاجب أحسن إذنه قالوا عشر خصال في عشرة أصناف من الناس أقبح منها في غيرهم الضيق في الملوك والغدر في الأشراف والكذب في النضاة والخديعة في العلماء والغضب في الابرار والحرص في الاغنياء والسفه في الشيوخ والمرض في الاطباء والزهو في الفقراء والفخر في القراء وأنشد ولا تقبلوا عقلا وأموا بغارة بني عبد شمس بين دومة والهضب وهزوا صدور المشرفي كأنما يقعن بهام القوم في حنظل رطب ويضم الى بيت الكميت وبيت المقشعر قول الحكمي أحسن عندي من انكبابك بالفهر ملحا به على وتد وقوف ريحانه على أذن وسير كأس الى فم بيد وفي باب غير هذا يقول حسان بن ثابت ما أبالي أنب بالحزن تيس أم لحاني بظهر غيب لئيم وأنشدوا خبرت أن طويلبا يغتابنا بعضيهة يتنحل الأقوالا ما ضر سادة نهشل أهجاهم ام قام في عرض الحوى فبالا وقال الفرزدق في هذا المعنى ما ضر تغلب وائل أهجوتها ام بلت حيث تناطح البحران وقال الآخر في هذا المعنى ما يضير البحر أمسى زاخرا أن رمى فيه غلام بحجر ومما يزاد في باب العصا قول جرير بن الخطفي ويقضي الامر حين تغيب تيم ولا يستأمرون وهم شهود وقد سلبت عصاك بنو تميم فما تدري بأي عصا تذود وقال الحسن بن عرفطة بن نضلة ليهنك بغض في الصديق وضنة وتحديثك الشيء الذي أنت كاذبه وأنك مهداء الخنا نطف الثنا شديد السباب رافع الصوت غالبه وأنك مشنوء الى كل صاحب بلاك ومثل الشر يكره جانبه
ولم أر مثل الجهل أدنى الى الردى ولا مثل بعض الناس غمض صاحبه وقال قتادة بن خرجة التغلبي خليلي يوم السلسلين لو أنني بهيرا اللوا أنكرت ما قلتما ليا ولكنني لم أنس ما قال صاحبي نصيبك من ذل اذا كنت نائيا وقال خالد بن نضلة اذا كنت في قوم عدى لست منهم فكل ما علفت من خبث وطيب وقال أحمد بن يوسف وكان يتعشق يحيى بن سعيد بن حماد إن يحيى بن سعيد يشتهي أن أشتهيه فهو يلقاني بتوريم وأحيانا بتيه وقال أبو سعيد دعى بني مخزوم في مهاجاة دعبل ولولا نزار لضاق الفضاء ولم يبق حرز ولا معقل وأخرجت الارض أثقالها وأدخل في است امه دعبل وقال حدق الآجال آجال والهوى للمرء قتال والهوى صعب مراكبه وركوب الصعب أهوال ليس من شكلي فأشتمه دعبل والناس اشكال همتي في التاج ألبسه وله في الشعر آمال وقال هذا اللباني يحوي جوائز الخلفاء ففي حرأمي مديحي وفي حرأمي هجائي وفي حرأمي وان كنت سيدا الشعراء وقال محمد بن يسير في حرام الناس كلهم أنا في هذا من أولهم لست تدري حين تخبرهم أين أدناهم من افضلهم وقال اذا ما جاوز الندماء خمسا برب البيت والساقي الأديب فأير في حرأم فتى دعانا وأير في حرأم فتى مجيب
وقال سلم الخاسر بهارون قرالملك في مستقره وأشرقت الدنيا وأينع نورها وليس لأيام المكارم غاية تتم بها الا وأنت أميرها وقال بشار بن برد من فتاة صب الجمال عليها في حديث كلذة النشوان ثم فارقت ذاك غير ذميم كل عيش الدنيا وان طال فان وقال مزاحم العقلي تزين سنا الماوي كل عشية على غفلات الزين والمتجمل وجوها لو ان المدلجين اعتشوا بها صدعن الدجى حتى يرى الليلي ينجلي وقال المسعودي إن الكرام منا هبوك المجد كلهم فناهب أخلف وأتلف كل شيء زعزعته الريح ذاهب قال شيخ من الاطباء الحمد لله فلان يزاحمنا في الطب ولم يختلف الى البيمارستان تمام خمسين سنة قال وحدثني محمد بن عبد الملك صديق لي سمعت رجلا من فرسان طبرستان يقول فلان يدعى الفروسية ولو كلف ان يخلى فروج فرسه منحدار من جبل لما قدر عليه وقال بعض العبيد أيبعثني في الشاء وابن مخيلد على هجمة قد لوحتها الطبائخ متى كان حمران النباتي راعيا وقد راعه بالذود اسود سالخ وقال كثير في عمر بن عبد العزيز رحمه الله تكلمت بالحق المبين وإنما تبين آيات الهدى بالتكلم ألا إنما يكفي القنا بعد زيغه من الأود البادي ثقاف المقوم قال الاصمعي قال ابن عبيد لا يزال الناس بخير ما داموا اذا اختلج في صدر الرجل شيء وجد من يفرج عنه قال البعيث في ابراهيم بن عدي ترى منبر العبد اللئيم كأنما ثلاثة غربان عليه وقوع
وقال الاعشى رب رفد هرقته ذلك اليوم وأسرى من معشر أقيال وقالوا لا وكس ولا شطط وقال الشاعر ومدجج كره الكماة نزاله لا ممعن هربا ولا مستسلم وقال زهير دون السماء وفوق الارض قدرهما عند الذنابي فلا فوت ولا درك وقالوا خير الامور اوسطها وشر السير الحقحقة قال والمثل السائر والصواب المستعمل لا تكن حلوا فتزدد ولا مرا فتلفظ وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ان هذا الامر لا يصلحه إلا لين في غير ضعف وشدة في غير عنف وكان الحجاج يجاوز العنف الى الخرق وكان كما وصف نفسه قال انا حديد حقود وذو قسوة حسود وذكره آخر فقال كان شرا من صبي وقال اكثم بن صيفي تناءوا الديار وتواصلوا في المزار وكان ناسى ء الشهور يقول اللهم باعد بين نسائنا وقارب بين رعائنا واجعل الاموال في سمحائنا وقال آخر شتى مراجلهم فوضى نساؤهم فكلهم لأبيه ضيزن سلف وقال آخر من أمل أحدا هابه ومن قصر عن شيء عابه وقال الآخر رجعنا سالمين كما بدأنا وماخابت غنيمة سالمينا وقال امرؤ القيس بن حجر لقد نقبت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب وقيل لابن عباس أيما أحب اليك رجل يكثر من الحسنات ويكثر من السيئات اويقل من الحسنات والسيئات قال ما أعدل بالسلامة شيئا وقالت اعرابية لا تحمدوني في الزيارة انني أزوركم إن آخر لا أجد متعللا
قال يعقوب بن داود ذم رجل الاشتر فقال له رجل من النخع اسكت فان حياته هزمت اهل الشام وموته هزم اهل العراق قال ابو الحسن أرسلت الخيل ايام بشر بن مروان فسبق فرس عبد الملك بن بشر فقال له اسماعيل بن الاشعث والله لأرسلن غدا مع فرسك فرسا لا يعرف ان اباك امير العراق فجاء فرس اسماعيل سابقا فقال ألم أعلمك وقال ابو العتاهية أيا من لي بانسك يا أخيا ومن لي ان أبثك ما لديا كفى حزنا بدفنك ثم أني نفضت تراب قبرك عن يديا طوتك خطوب دهرك بعد نشر كذاك خطوبه نشرا وطيا فلو نشرت قواك الى المنايا شكوت إليك ما صنعت إليا بكيتك يا أخي بدر عيني فلم يغن البكاء عليك شيا وكانت في حياتك لي عظات فأنت اليوم أوعظ منك حيا وقال الاخر ابعد الذي بالنعف نعف كويكب رهينة رمس بين قرب وجندل اذكر بالبقيا على من أصابني وبقياي أني جاهد غير مؤتل يقول وهذا بقياي كلام عن حلم معاوية قال قيل لشريك بن عبدالله كان معاوية حليما قال لو كان حليما ما سفه الحق ولا قاتل عليا ولو كان حليما ما حمل أبناء العبيد على حرمه ولما انكح الا الأكفاء واصوب من هذا قول الاخر كان معاوية يتعرض ويحلم اذا اسمع ومن تعرض للسفية فهو سفيه وقال الاخر كان يحب ان يظهر حلمه وقد كان طار اسمه بذلك فكان يحب ان يزداد في ذلك وقال الفرزدق وكان يجير الناس من سيف مالك فأصبح يبغي نفسه من يجيرها وكان كعنز السوء قامت بظلفها الى مدية تحت التراب تثيرها وقال التوت اليماني
على اي باب اطلب الإذن بعدما حجبت عن الباب الذي انا حاجبه وهذا مثل قوله والسبب المانع حظ العاقل هو الذي سبب رزق الجاهل ومثله وربت حزم كان السقم علة وعلة برء الداء حظ المغفل وقال اخر يخيب الفتى من حيث يرزق غيره ويعطى الفتى من حيث يحرم صاحبه وقال عثمان بن الحويرث لعمرو بن العاص له أبوان فهو يدعى اليهما وشرالعباد من له أبوان وقد حكما فيه لتصديق أمه وكان لها علم به ببيان فقالت صراخا وهي تعلم غيره ولكنها تهذي بغير لسان وقال الاخر يطلبن بالقوم حاجات تضمنهما بدر بكل لسان يلبس المدحا كأن فيض يديه قبل مسألة باب السماء اذا ما بالحيا انفتحا وكلت بالدهر عينا غير غافلة من جود كفك تأسو كلما جرجا ومثله اذا افتقر المنهال لم ير فقره وإن أيسر المنهال أيسر صاحبه وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه من أفضل العبادة الصمت وانتظار الفرج وقال يزيد بن المهلب وكان في سجن الحجاج لهفي على طلبة بمئة ألف وفرج في جبهة أسد وأنشد ربما تجزع النفوس من الامر له فرجة كحل العقال وأنشد كرهت وكان الخير فيما كرهته وأحببت أمرا كان فيه شبا القتل وهذا مثل قوله تعالى وعسى ان تكرهوا شيأ وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم
وكان يقال خذ مقتصد العراق ومجتهد الحجاز وقال الاخر لكل كريم من ألاثم قومه على كل حال حاسدون وكشح وقال جرير إني لآمل منك خيرا عاجلا والنفس مولعة بحب العاجل وقال تبارك وتعالى قل ما اسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين وقال ابن هرمة أشم من الذين بهم قريش تداوي بينها عين القتيل كأن تلألؤ المعروف فيه شعاع الشمس في السيف الصقيل وقال امرؤ القيس أجارتنا ان المزار قريب واني مقيم ما أقام عسيب أجارتنا إنا غريبان ههنا وكل غريب للقريب نسيب وقال بشار واذا أغرت فلا تكن جشعا تسمو لغث الكسب تكسبه وقال حسان بن ثابت أهدى لهم مدحي قلب يوازره فيما أحب لسان حائك صنع وقال الاصمعي أنشدنا ابو مهدية ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحا وقرآنا وقال الخزرجي يرد على أبي قيس بن الأسلت واسمه صيفي أتفخر صيفي فيما تقول أن نلتم عيلة أربعة عرانين كلهم ماجد كثير الدسائع والمنفعة فهلأ حصرت غداة البقيع لما استمال أبو صعصعة ولكن كرهتم شهودا الوغى وكنتم كذلك في المعمعة سراعا الى القتل في خفية بطاء عن القتل في المجمعة وأنشد الاصمعي آتي الندى فلا يقرب مجلسي وأقود للشرف الرفيع حماريا وقال حبيب بن أوس كالخواط في القد والغزالة في البهجة وابن الغزال في غيده وما حكاه ولا نعيم له في جيده بل حكماه في جيده الى المفدى أبي يزيد الذي يضل غمر الملوك في ثمده ظل عفاة يحب زائرة حب الكبير الصغير من ولده اذا أناخوا ببابه أخذوا حكمهم من لسانه ويده وقال أيضا لعمرك ما كانوا ثلاثة إخوة ولكنهم كانوا ثلاث قبائل ومن خطباء الخوارج قطري بن الفجاءة أحد بني كنانة بن حرقوص وكنيته أبو نعامة في الحرب وفي السلم ابو محمد وهو أحد رؤساء الازارقة وكان خطيبا فارسا خرج زمن مصعب بن الزبير وبقي عشرين سنة وكان يدين بالاستعراض والسباء وقتل الاطفال وكان اخرمن بعث اليه سفيان بن الابرد الكلبي وقتله سورة بن الجبر الدارمي من بني أبان بن دارم ومن خطباء الخوارج وشعرائهم وعلمائهم حبيب بن جدرة عدادة في بني شيبان وهو مولى لهلال بن عامر ومن علمائهم وخطبائهم وأئمتهم الضحاك بن قيس أحد بني عمرو بن محلم ابن ذهل بن شيبان ويكنى أبا سعيد ملك العراق وصلى خلفه عبد الله بن عمر وعبد الواحد بن سليمان وقال شاعرهم ألم تر ان الله أظهر دينه وصلت قريش خلف بكر بن وائل ومن علمائهم وخطبائهم نصر بن ملحان وكان الضحاك ولاه الصلاة بالناس والقضاء بينهم ومن علمائهم مليل وأصغر ابنا عبد الرحمن وأبو عبيدة كورين واسمه مسلم وهو مولى لعروة بن أذينة ومن علمائهم وخطبائهم وشعرائهم وقعدهم وأهل الفقه منهم عمران بن حطان ويكنى أبا شهاب أحد بني عمرو بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة ومن الخوارج من بني ضبة ثم احد بني صبيح القاسم بن عبد الرحمن بن صديق وكان ناسبا عالما داهيا وكان يشوب ذلك ببعض الظرف
ومن علمائهم ونسابهم وأهل اللسن منهم الجون بن كلاب وهو من اصحاب الضحاك ومن رجالهم وأهل البيان والنجدة منهم خراشة وكان ركاضا ولم يكن أعتقد اخبرني ابوعبيدة قال كان مسمارمستخفيا بالبصرة فتخلصت اليه فأخبرني انه الذي طعن مالك بن علي في فيه وذلك انه فتح فاه يقول انا ابو علي فاتحا فاه فطعنه في جوب فمه ومن شعرائهم عتبان بن وصيلة الشيباني وهو الذي يقول ولا صلح ما دمت منابر ارضنا يقوم عليها من ثقيف خطيب وقال عن عيسى بن طلحة قلت لابن عباس اخبرني عن ابي بكر قال كان خيرا كله على الحدة وشدة الغضب قال قلت اخبرني عن عمر قال كان كالطائر الحذر قد علم انه قد نصب له في كل وجه حبالة وكان يعمل لكل يوم بما فيه على عنف السياق قال قلت اخبرني عن عثمان قال كان والله صواما قواما لم يخدعه ونومه عن يقظته قال قلت فصاحبكم قال كان والله مملوا حلما وعلما غرته سابقته وقرابته وكان يرى انه لا يطلب شيئا الا قدر عليه قلت اكنتم ترونه محدودا قال انتم تقولون ذاك كلام في الادب قال معاوية ما رأيت سرفا قط الا والى جنبه حق مضيع وقال عثمان بن العاص الناكح مغترس فلينظر امرؤ حيث يضع غرسه وقالت هند ابنة عتبة المرأة غل ولابد للعنق منه فانظر من تضعه في عنقك وقال ابن المقفع الدين فانظر عند من تضع نفسك وقال عمرو بن مسعدة أو ثابت ابوعباد لا تستصحب من يكون استمتاعه بمالك وجاهك اكثر من امتاعه لك بشكر لسانه وفؤاد علمه ومن كانت غايته الاحتيال على مالك وإطرائك في وجهك فان هذا لا يكون الا رديء الغيب سريعا الى الذم
بسم الله الرحمن الرحيم
قد قلنا في صدر هذا الجزء الثالث في ذكرنا العصا ووجوه تصرفها وذكرنا من مقطعات كلام النساك ومن قصار مواعظ الزهاد وغير ذلك مما يجوز في نوادرالمعاني وقصار الخطب ونحن ذاكرون على اسم الله وعونه صدرا من دعاء الصالحين والسلف المتقدمين ومن دعاء الاعراب فقد اجمعوا على استحسان ذلك واستجادته وبعض دعاء الملهوفين والنساك المتبتلين قال الله تبارك وتعالى لنبيه قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم وقال ادعوني استجب لكم وقال تعالى ويدعوننا رغبا ورهبا وقال والمستغفرين بالاسحار قالوا كان عمرو بن معاوية العقيلي يقول اللهم قني عثرات الكلام وقال اعرابي لرجل سأله جعل الله الخير عليك دليلا ولاجعل حظ السائل منك عذرة صادقة وقال بعض كرام الاعراب ممن يقرض الشعر ويؤثر الشكر لعل مفيدات الزمان يفدنني بنى صامت في غير شيء يضيرها وقال شيخ اعرابي اللهم لا تنزلني ماء سوء فأكون امرأ سوء قال وسمعت عمر بن هبيرة يقول في دعائه اللهم إني أعوذ بك من صديق مطر وجليس مغر وعدو مسر قال كتب ابن سيابة الى صديق له إما مستقرضا وإما مستفرضا فذكر صديقه خلة شديدة وكثرة عيال وتعذر الامور فكتب اليه ابن سيابة ان كنت كاذبا فجعلك الله صادقا وان كنت مليما فجعلك معذورا قال الاصمعي سمعت اعرابيا يقول أعوذ بك من الفواقر والبواقر ومن جار السوء في دار المقامة والظعن ومما ينكس برأس المرء ويغري به لئام الناس قال الاصمعي قيل لخالد بن نضلة قال عبد يغوث بن وقاص ما أذم فيها إلا غطينا ليس خالد بن نضلة يعني مضر قال خالد اللهم ان كان كاذبا فاقتله على يد الأم حي في مضر فقتلته تيم الرباب قالوا وقف سائل من الاعراب على الحسن فقال رحم الله عبدا أعطى من سعة وآسى من كفاف وآثر من قلة
وقال في الأثر المعروف حصنوا أموالكم بالزكاة وادفعوا أمواج البلاء بالدعاء ومن دعائهم أعوذ بك من بطر الغنى وذلة الفقر قال ومن دعاء السلف اللهم احملنا من الرحلة وإغننا من العيلة وسأل اعرابي فقيل له بورك فيك فتوالى ذلك عليه من غير مكان فقال وكلكم الله الى دعوة لا يحضرها نية وقال اعرابي أعوذ بك من سقم وعدواه وذي رحم ودعواه ومن فاجر وجدواه وعمل لا ترضاه وسأل اعرابي فقال له صبي من جوف الدار بورك فيك فقال قبح الله هذا الفم لقد تعلم الشر صغيرا وهذا السائل هو الذي يقول رب عجوز عرمس زبون سريعة الرد على المسكين تحسب ان بوركها يكفيني اذا غدوت باسطا يميني وقال اخر اللهم أعني على الموت وكربته وعلى القبر وغمته وعلى الميزان وخفته وعلى الصراط وزلته وعلى يوم القيامة وروعته وقالت عجوز بلغها موت الحجاج اللهم انت أمته فأمت سنته وكان محمد بن علي بن الحسين يقول اللهم أعني على الدنيا بالغنى وعلى الاخرة بالتقوى وقال عمرو بن عبيد اللهم أغنني بالافتقار اليك ولا تفقرني بالاستغناء عنك وقال عمرو اللهم اعني على الدنيا بالقناعة وعلى الدين بالعصمة قال ومرض عوف بن ابي جميلة فعادة قوم فجعلوا يثنون عليه فقال دعونا من الثناء وأمدونا بالدعاء قال وسمعت عمر بن هبيرة يقول اللهم اني أعوذ بك من طول الغفلة وإفراط الفطنة اللهم لا تجعل قولي فوق عملي ولا تجعل أسوأ عملي ما قارب من اجلي وقال ابو مذحج اللهم اجعل خبر عملي ما ولى اجلي ودعت اعرابية لرجل فقالت كبت الله كل عدو لك إلا نفسك وقال يزيد بن جبل احرس اخاك الا من نفسه
قال ودعا اعرابي فقال اللهم هب لي حقك وأرض عني خلقك قال وكان قوم نساك في سفينة في البحر فهاجت الريح بأمر هائل فقال رجل منهم اللهم قد أريتنا قدرتك فأرنا عفوك ورحمتك قال وسمع مطرف رجلا يقول استغفر الله وأتوب اليه فأخذ بذراعه وقال لعلك لا تفعل من وعد فقد أوجب وقال رجل لابن قثم كيف أصبحت قال ان كان من رأيك ان تسد خلتي وتقضي ديني وتكسو عورتي خبرتك وإلا فليس المجيب بأعجب من السائل وقال اخر اللهم أمتعنا بخيارنا وأعنا على شرارنا واجعل الاموال في سمحائنا وقال اعرابي اللهم انك أمرتنا ان نعفو عمن ظلمنا وقد ظلمنا انفسنا فاعف عنا وقال اعرابي ورأى إبل رجل قد كثرت بعد قلة فقيل انه قد تزوج أمة فجاءته بنافجة مال فقال اللهم إنا نعوذ بك من بعض الرزق قال ابو مجيب الربعي قال اعرابي جنبك الله الأمرين وكفاك شر الأجوفين وجاء في الحديث من وقى شر قبقبة وذبذبة ولقلقه فقد وقى الشر كله وقال أعرابي منحكم الله منحة ليست بحداء ولا نكداء ولا ذات داء قال قيل لابراهيم النخعي أي رجل انت لولا حدة فيك قال أستغفر الله مما أملك وأستصلحه ما لا أملك وقال أعرابي ومات ابن له اللهم إني قد وهبت له ما قصر فيه من بري فهب لي ما قصر فيه من طاعتك قال لما صاف قتيبة بن مسلم الترك وهاله أمرهم سأل عن محمد بن واسع وقال انظروا ما يصنع فقيل ها هو ذاك في أقصى الميمنة جانحا على سية قوسه ينضنض بأصبعه نحو السماء قال قتيبة تلك الاصبع الفاردة أحب إلي من مئة ألف سيف شهير وسنان طرير
قال ابو الدرداء ان أبغض الناس الى ان أظلمه من لم يستعن علي الا بالله وقال خالد بن صفوان احذروا مجانيق الضعفا يعني الدعاء وقال لا يستجاب الا لمخلص أو مظلوم قال وكان علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه يقول اللهم ان ذنوبي لا تضرك وان رحمتك إياي لا تنقصك فاغفر لي ما لا يضرك واعطني ما لا ينقصك وقال أعرابي اللهم إنك حبست عنا قطر السماء فذاب الشحم وذهب اللحم ورق العظم فارحم أنين الآنة وحنين الحانة اللهم ارحم تحيرها في مراتعها وأنينها في مرابضها قال وحجت أعرابية فلما صارت بالموقف قالت أسألك الصحبة يا كريم الصحبة وأسألك سترك الذي لا تزيله الرياح ولا تخرقه الرماح وقيل لعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه كم بين السماء والارض قال دعوة مستجابة فقالوا كم بين المشرق الى المغرب قال مسيرة يوم للشمس ومن قال غير هذا فقد كذب قال وحج أعرابي فقال اللهم ان كان رزقي في السماء فأنزله وان كان في الارض فأخرجه وان كان نائيا فقر به وان كان قريبا فيسره قال ابو عثمان اليقطري عن عبد الله بن سلم الفهري لما ولى مسروق السلسلة انبرى له شاب فقال له وقال الله خشية الفقر وطول الامل فلا تكونن دريئة للسفهاء ولا شيئا للفقهاء وقال أعرابي في دعائه اللهم لا تخيبني وأنا ارجوك ولا تعذبني وأنا أدعوك اللهم فقد دعوتك كما امرتني فأجبني كما وعدتني وقال عبد الله بن المبارك قالت عائشة يا بني لا تطلبوا ما عند الله من عند غير الله مما يسخط الله قال وقال رجل من النساك ان ابتليت ان تدخل مع ناس الى السلطان فاذا أخذوا في الثناء فعليك بالدعاء وقال الكذاب الحرمازي لا هم ان كانت بنو عميره رهط التلب دعوة مستورة
قد أجمعوا لخلقة مقصورة واجتمعوا كأنهم قارورة في غنم وابل كثيره فابعث عليهم سنة قاشورة تحتلق المال احتلاق النوره وقال أعرابي لا هم أنت الرب تستغاث لك الحياة ولك الميراث وقد دعاك الناس فاستغاثوا غياثهم وعندك الغياث لم يبق إلا عكرش أنكاث وشيح أصولها مثاث وطاحت الألبان والأرماث وكان سعد بن أبي وقاص يسمى المستجاب الدعوة وقال لعمر حين شاطره ماله لقد هممت فقال له عمر ان تدعو الله علي قال نعم قال إذا لا تجدني بدعاء ربي شقيا وقال رسول الله كم من ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك وجمع الناس اليه وقد دهمهم العدو فأقسم فمنحهم الله أكتافهم قالا الاصمعي وأبو الحسن أخبرنا ابراهيم بن حبيب بن الشهيد عن أبيه أو عن غيره قال بلغ سعدا شيء فعله المهلب في العدو والمهلب يومئذ فتى فقال سعد اللهم لا تراه ذلا فيرون أن الذي ناله المهلب بتلك الدعوة وقال اخر الموت خير من ركوب العار والعار خير من دخول النار والله من هذا وهذا جاري قالها حسين بن علي رضي الله تعالى عنهما وقال الاخر وكان قد وقع في الناس وباء جارف وموت ذريع فهرب على حماره فلما كان في بعض الطريق ضرب وجه حماره راجعا الى حيه وقال لن يسبق الله على حمار ولا على ذي ميعة خطار قد يصبح لله أمام الساري وسمع مجاشع الربعي رجلا يقول الشحيح أعذر من الظالم فقال ان شيئين خيرهما الشح لناهيك بهما شرا
قال المغيرة بن شعبة سمع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رجلا يقول في دعائه اللهم اجعلني من الاقلين فقال له عمر ما هذا الدعاء قال سمعت الله يقول وقليل ما هم وسمعته يقول وقليل من عبادي الشكور فقال عمر عليك من الدعاء بما يعرف وقال ناس من الصحابة لعمر ما بال الناس كانوا اذا ظلموا في الجاهلية فدعوا استجيب لهم ونحن لا يستجاب لنا وان كنا مظلومين قال كانوا ولا زاجر لهم الا ذاك فلما أنزل الله تبارك وتعالى الوعد والوعيد والحدوس والقصاص والقود وكلهم الى ذلك وقال عمر رضي الله تعالى عنه في يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا لساعة كذا وكذا ألا يدعو الله فيها أحد الا استجيب له فقال له قائل ارأيت ان دعا فيها منافق قال فان المنافق لا يوفق لتلك الساعة ولما صعد المنبر قابضا على يد العباس يوم الاستسقاء لم يزد على الدعاء بالاستغفار فقيل له إنك لم تستسق وإنما كنت تستغفر قال قد استسقيت بمجاديح السماء ذهب الى قوله واستغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا وكان عمر حمل الهرمزان مع جماعة في البحر فغرقوا قال ابن سيرين لو كان دعا عليهم بالهلال لهلكوا قال محمد بن علي لابنه يا بني اذا انعم الله عليك نعمة فقل الحمد لله واذا حزبك أمر فقل لا حول ولاقوة الا بالله واذا أبطأ عنك الرزق فقل استغفر الله قالوا وكان محمد بن علي لا يسمع المبتلى الاستعاذة من البلاء قال قوم ليزيد بن أسد أطال الله بقاؤك قال دعوني أمت وفي بقية تبكون بها علي رأي سالم بن عبدالله سائلا يسأل يوم عرفة فقال يا عاجز أفي هذا اليوم تسأل غير الله قال كان رجل من الحكماء يقول في دعائه اللهم احفظني من الصديق وكان يقول اللهم اكفني بوائق الثقات قال حدثني صديق لي كان ولي الري قرأت على باب شيخ منهم جزى الله من لا نعرفه ولايعرفنا أحسن الجزاء ولا جزى من نعرفه ويعرفنا الا ما هو أهله إنه عدل لا يجور وكان على رواشم عمر بن مهران التي يرشم بها على الطعام اللهم احفظه ممن يحفظه وقال المغيرة بن شعبة في كلام له ان المعرفة لتنفع عند الكلب العقور والجمل الصؤول فكيف بالرجل الكريم قال ابو الحسن قالت امرأة من الاعراب اللهم أني أعوذ بك من شر قريش وثقيف وما جمعت من اللفيف وأعوذ بك من عبد ملك أمره ومن عبد ملأ بطنه قال مر عمر بن عبد العزيز برجل يسبح بالحصى فاذا بلغ المئة عزل حصاة فقال له عمر ألق الحصى وأخلص الدعاء وكان عبدالملك بن هلال الهنائي عنده زنبيل ملآن حصى فكان يسبح بواحدة واحدة فاذا مل شيئا طرح ثنتين ثنتين ثم ثلاثا ثلاثا فاذا قبض قبضة وقال سبحان الله بعدد هذا واذا مل شيئا قبض قبضتين وقال سبحان الله بعدد هذا فاذا ضجر أخذ بعروتي الزنبيل وقلبه وقال الحمد لله بعدد هذا واذا بكر لحاجة لحظ الزنبيل وقال الحمد لله عدد ما فيه قال غيلان اذا اردت ان تتعلم الدعاء فاسمع دعاء الاعراب قال سعيد بن المسيب مربي صلة بن أشيم فما تمالكت ان نهضت اليه فقلت له يا أبا الصهباء أدع الله لي فقال رغبك الله فيما يبقى وزهدك فيما يفنى ووهب لك اليقين الذي لا تسكن النفس الا اليه ولا تعول في الدين الا عليه قال أبو الحسن سمع رجل بمكة رجلا يدعو لأمه فقال له ما بال ابيك قال هو رجل يحتال لنفسه قال ابو الحسن عن عروة بن سليمان العبدي كان عندنا رجل من بني تميم يدعو لأبيه ويدع أمه فقيل له في ذلك فقال إنها كلبية وقال النبي ان الله يحب الملحين وقال اخر دعوتان أرجو احداهما كما اخشى الاخرى دعوة مظلوم اعنته ودعوة ضعيف ظلمته
قال وكان من دعاء ابي الدرداء اللهم أمتعنا بخيارنا وأعنا على شرارنا واجعلنا خيارا كلنا واذا ذهب الصالحون فلا تبقنا وقال اخر لبعض السلاطين أسألك بالذي انت بين يديه أذل مني بين يديك وهو على عقابك أقدر منك على عقابي الا نظرت في امري نظر من يرى برئي أحب اليه من سقمي قالوا وكان مطرف بن عبد الله بن الشخير يقول اللهم انك أمرتنا بما أمرتنا ولا نقوى عليه الا بعونك ونهيتنا عما نهيتنا ولا ننتهي عنه إلا بعصمتك واقعة علينا حجتك غير معذورين فيما بيننا وبينك ولا مبخوسين فيما عملنا لوجهك عبد العزيز بن أبان عن سفيان في قوله تعالى دعواهم فيهاسبحانك اللهم قال كان أحدهم اذا أراد ان يدعو قال سبحانك اللهم قال سفيان عن ابن جريج عن عكرمة في قوله تعالى قد أجبيت دعوتكما قال كان موسى عليه السلام يدعو وهرون يؤمن فجعلهما الله داعيين قال لما وقع يونس في البحر وقد وكل به حوت فلما وقع ابتلعه فهوى به الى قرار الارض فسمع تسبيح الحصى فنادى يونس في الظلمات ان لا إله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين قال ظلمة بطن الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل وقال تبارك وتعالى فلولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه الى يوم يبعثون وفي الحديث المرفوع ان من دعاء النبي أعوذ بك من قلب لا يخشع وبطن لا يشبع ودعاء لا يسمع قال علي بن سليم ان قيس بن سعد قال اللهم ارزقني حمدا ومجدا فانه لا حمد الا بفعال ولا مجد الا بمال وقال رجل في مجلس الحسن ليهنك الفارس قال الحسن فلعله خامر اذا وهب الله لرجل ولدا فقل شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب وبلغ أشده وزرقت بره قال أبوسلمة الانصاري كان عمر بن عبد العزيز يقول ما أحسن تعزية أهل اليمن وتعزيتهم لا يحزنكم الله تعالى ولا يفتنكم وأثابكم ما أثاب المتقين وأوجب لكم الصلاة والرحمه قال كان ابو بكر رضي الله تعالى عنه اذا عزى رجلا قال ليس مع العزاء مصيبة ولا مع الجزع فائدة الموت أشد ما قبله وأهون ما بعده اذكروا فقد رسول الله تهن عندكم مصيبتكم صلى الله على محمد وعظم أجركم وكان علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه اذاعزى قوما قال ان تجزعوا فأهل ذلك الرحم وان تصبروا ففي ثواب الله عوض من كل فائت وان أعظم مصيبة أصيب بها المسلمون محمد وعظم الله أجركم وعزى عبد الله بن عباس عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه على بني له مات فقال عوضك الله منه ما عوضه منك وهذا الصبي الذي مات هو الذي كان عمر بن الخطاب قال فيه ريحانة أشمها وعن قريب ولد بار أو عدو ضار قال سفيان كان ابو ذر يقول اللهم أمتعنا يخيارنا وأعنا على شرارنا قال ودعا اعرابي فقال اللهم اني أعوذ بك من الفقر المدقع والذل المضرع عزت أمرأة المنصور على أبي العباس مقدمه من مكة فقالت أعظم الله أجرك فلا مصيبة أعظم من مصيبتك ولا عوض أعظم من خلافتك قالوا وقال عمر بن عبد العزيز وقد سمعوا وقع الصواعق ودوى الريح وصوت المطر فقال وقد فزع الناس هذه رحمته فكيف نقمته وقال ابو اسحق اللهم ان كان عذابا فاصرفه وان كان صلاحا فزد فيه وهب لنا الصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء اللهم ان كانت منحة فمن علينا بالعصمة وان كان عقابا فمن علينا بالمغفرة وقال ابو ذر الحمد لله الذي جعلنا من أمة تغفر لهم السيئات ولا تقبل من غيرهم الحسنات وكان الفضل بن الربيع يقول المسألة للملوك من تحية النوكى فاذا أردت ان تقول كيف أصبحت فقل صبحك الله بالخير واذا أردت ان تقول كيف تجدك فقل أنزل الله عليك الشفاء والرحمة قال أحمد الهجيمي ابوعمر أحد اصحاب عبد الواحد بن زيد اللهم يا أجود الاجودين ويا أكرم الأكرمين ويا أعفى العافين ويا أرحم الراحمين ويا أحكم الحاكمين ويا أحسن الخالقين فرج عني فرجا عاجلا تاما هنيئا مباركا لي فيه انك على كل شيء قدير وكان عبد الله الشقري وهو الكعبي احد أصحاب المضمار من غلمان عبد الواحد بن زيد وكنيته ابومحمد وكنيته عبدالواحد ابو عبيدة يقول اللهم اني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك واللهم هب لي يقينا وأدم لي العافية وافتح علي باب رزقي في عافية وأعوذ بك من النار والعار والكذب والسخف والخسف والقذف والحقد والغضب وحببني الى خلقك وحببهم إلي وأسألك فرجا عاجلا في عافية أنك على كل شيء قدير دعاء الغنوي في حبسه أعوذ بك من السجن والدين والسب والضرب ومن الغل والقيد ومن التعذيب والتجسيس وأعوذ بك من الحور بعد الكور ومن شر العدو في النفس والأهل والمال وأعوذ بك من الهم والأرق ومن الهرب والطلب ومن الاستخزاء والاستخفاء ومن الاطراد والاغراب ومن الكذب والعضيهة ومن السعاية والنميمة ومن لؤم القدرة ومقام الخزي في الدنيا والاخرة انك على كل شيء قدير ومن دعائه في الحبس أسألك طول العمر في الأمن والعافية والحلم والعلم والحزم والأخلاق الحسنة السنية والأفعال المرضية واليسر والتيسير والنماء والتثمير وطيب الذكر وحسن الأحدوثة والمحبة في الخاصة والعامة وهب لي ثبات الحجة والتأييد عند المنازعة والمخاصمة وبارك لي في الموت انك على كل شيء قدير وكان صالح المري كثيرا ما يردد في مجلسه أعوذ بك من الخسف والمسخ والرجفة والزلزلة والصاعقة والريح المهلكة وأعوذ بك من جهد البلاء ومن شماتة الأعداء وكان يقول أعوذ بك من التعب والتعذر والخيبة وسوء المنقلب اللهم من أرادني بخير فيسر لي خيره ومن أرادني بشر فاكفني شره اللهم أسألك خصب الرحل وصلاح الأهل وكان عيسى بن أبي المدور يقول أعوذ بك من الذلة والقلة ومن الاهانة والمهنة الاخفاق والوحدة وأعوذ بك من الحيرة وقلة الحيلة وأعوذ بك من جهد البلاء وشماتة الأعداء قال محمد بن عبد الله قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه من أعطى الدعاء لم يحرم الأجابة قال الله تعالى أدعوني أستجب لكم ومن أعطى الشكر لم يحرم الزيادة لقوله عز وجل لئن شكرتم لأزيدنكم ومن أعطى الاستغفار لم يحرم القبول لقوله تعالى واستغفر الله ان الله غفور رحيم وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كونوا أوعية الكتاب وينابيع العلم وسلوا الله رزق يوم بيوم وروى محمد بن علي عن آبائه عن النبي قال اذا سألتم الله فسلوه بباطن الكفين واذا استعذتموه فاستعيذوه بظاهرهما ح وقال اخر اللهم أني أعوذ بك من بطر الغنى وذلة الفقر أبو سعيد المؤدب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت سلوا ربكم حتى الشسع فانه ان لم ييسره لم يتيسر قال سحيم عن طاوس يكفي من الدنيا ما يكفي العجين من الملح قال سأل رجل رجلا حاجة فقال المسؤول اذهب بسلام فقال السائل قد أنصفنا من ردنا الى الله في حوائجنا قال مجالد عن الشعبي قال النبي اللهم أذهب ملك غسان وضع مهور كندة ح وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لكل شيء رأس ورأس المعروف تعجيله اسماعيل بن إبراهيم ونطقه بالعربية دون تلقين القول في إنطاق الله تعالى إسماعيل بن إبراهيم صلى الله على نبينا وعليهما بالعربية المبينة على غير التلقين والتمرين وعلى غير التدريب والتدريج وكيف صار عربيا أعجمي الأبوين وأول من عليه ان يقر بهذا القحطاني فانه لا بد من ان يكون له أب كان أول عربي من جميع بني آدم عليه السلام ولو لم يكن ذلك كذلك وكان لا يكون عربيا حتى يكون أبوه عربيا وكذلك أبوه وكذلك جده كان ذلك موجبا لان يكون نوح عليه السلام عربيا وكذلك آدم عليه السلام قال ابو عبيدة حدثنا مسمع بن عبد الملك عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عن آبائه قال اول من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل وهو ابن أربع عشرة سنة قال النبي شهدت الفجار وانا ابن أربع عشرة سنة وكنت أنبل على عمومتي يريد أجمع لهم النبل قال ابو عبيدة فقال له يونس صدقت يا أبا يسار هكذا حدثني نصر بن طريف وروى قيس بن الربيع عن بعض أشياخه عن ابن عباس ان الله ألهم إسماعيل العربية إلهاما وقال الله تبارك وتعالى وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم قال قد يرسل الله الرسول إلى قومه ولو ارسل في ذلك الوقت إلي قوم اخرين لما كان الثاني ناقضا للاول واذا كان الأمر كذلك كان قومه أول من يفهم عنه ثم يصيرون حجة على غيرهم واذا كان الله عز وجل قد بعث محمد الى العجم فضلا عن العرب فقحطان وان لم يكونوا من قومه أحق بلزوم الغرض من سائر العجم وهذا الجواب جواب عوام النزارية فأما الخواص الخلص فانهم قالوا العرب كلهم شيء واحد لان الدار والجزيرة واحدة والاخلاق والشيم واحدة وبينهم من التصاهر والتشابك والاتفاق في الاخلاق وفي الاعراق من جهة الحؤولة والمرددة والعمومة المشتبكة ثم المناسبة التي بنيت على غريزة التربة وطباع الهواء والماء فهم في ذلك شيء واحد في الطبيعة واللغة والهمة والشمائل والمراعي والراية والصناعة والشهوة فاذا بعث الله عز وجل نبيا من العرب فقد بعثه الى جميع العرب وكلهم قومه ولانهم جميعا يد على العجم وعلى من حاربهم من الامم لان تناكحهم لا يعدوهم وتصاهرهم مقصور عليهم قالوا والمشاكلة من جهة الاتفاق في الطبيعة والعادة ربما كانت أبلغ واوغل من المشاكلة من جهة الرحم نعم حتى تراه أغلب عليه من أخيه لأمه وأبيه وربما كانت أشبه به خلقا وخلقا وأدبا ومذهبا فيجوز ان يكون الله تبارك وتعالى حين حول إسماعيل عربيا ان يكون كما حول طبع لسانه الى لسانهم وباعده من لسان العجم ان يكون أيضا حول سائر غرائزة وسلخ سائر طبائعه فنقلها كيف احب وركبها كيف شاء ثم فضله بعد ذلك بما أعطاه من الاخلاق المحمودة واللسان البين بما لم يكن عندهم وكما خصه من البيان بما لم يخصهم به فكذلك يخصه من تلك الاخلاق ومن تلك الدلائل بما يفوقهم ويروقهم فصار باطلاق اللسان على غير التلقين والترتيب وبما نقل اليهم من طبائعه ونقل اليه من طبائعهم وبالزيادة التي أكرمه الله بها أشرف شرفا وأكرم كرما وقد علمنا ان الخرس والاطفال اذا أدخلوا الجنة وحولوا في مقادير البالغين والى الكمال والتمام لا يدخلونها الا مع الفصاحة بلسان اهل الجنة ولا يكون ذلك الا على خلاف الترتيب والتدريج والتعليم والتقويم وعلى ذلك المثال كان كلام عيسى بن مريم عليه السلام في المهد وانطاق يحيى عليه السلام بالحكمة صبيا وكذلك القول في ادم وحواء عليه السلام وقد قلنا في ذئب اهبان بن أوس وغراب نوح وهدهد سليمان وكلام النملة وحمار عزيز وكذلك كل شيء أنطقه الله بقدرته وسخره لمعرفته ومشيئته وانما يمتنع البالغ من المعارف من قبل أمور تعرض الحوادث وأمور في أصل تركيب الغريرة فاذا كفاهم الله تلك الآفات وحصنهم من تلك المواضع ووفر عليهم الذكاء وجلب اليهم جياد الخواطر وصرف اوهامهم الى التعرف وحبب اليهم التبين وقعت المعرفة وتمت النعمة والموانع قد تكون من قبل الأخلاط الاربعة على قدر القلة والكثرة والكثافة والرفة ومن ذلك ما يكون من جهة سوء العادة وإهمال النفس فعندها يستوحش من الفكرة ويستثقل النظر ومن ذلك ما يكون من الشواغل العارضة والقوى المتقسمة ومن ذلك ما يكون من خرق المعلم وقلة رفق المؤدب وسوء صبر المثقف فاذا صفي الله ذهنه ونقحه وهذبه وثقفه وفرغ باله وكفاه انتظار الخواطر وكان هو المقيد له والقائم عليه والمريد لهدايته لم يلبث ان يعلم وهذا صحيح في الاوهام غير مدفوع في العقول وقد جعل الله الخال أبا وقالوا الناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم وقد رأينا اختلاف صور الحيوان على قدر اختلاف طبائع الأماكن وعلى قدر ذلك شاهدنا اللغات والاخلاق والشهوات ولذلك قالوا فلان ابن بجدتها وفلان بيضة البلد يقع ذما ويقع حمدا وقال زياد والله للكوفة أشبه بالبصرة من بكر بن وائل بتميم ويقولون ما أشبه الليلة بالبارحة كأنهم قالوا ما أشبه زمان يوسف بن عمر بزمان الحجاج وقال سهل بن عمرو أشبه أمرا بعض بزه وقال الاضبط بن قريع بكل واد بنوا سعد ولولا ان الله عز وجل أفرد اسماعيل من العجم واخرجه بجميع معانيه الى العرب لكان بنو إسحق أولى به وإنما ذلك كرجل قد احاط علمه بأن هذاالطفل من نجل هذا الرجل ولكن لما كان من سفاح لم يجز ان يضيفه اليه ويدعوه أباه وقد جعل الله نسب ابن الملاعنة نسب أمه وان ولد على فراش أبيه وقد أرسل الله موسى وهرون عليهما السلام الى فرعون وقومه والى جميع القبط وهما أمتان كنعاني وقبطي وقد جعل الله قوم كل نبي هم المبلغين والحجة ألا ترى أنا نزعم ان عجز العرب عن مثل نظم القرآن حجة على العجم من جهة إعلام العرب العجم أنهم كانوا عن ذلك عجزة وقال النبي خصصت بأمور منها أني بعثت الي الاحمر والاسود واحلت لي الغنائم وجعلت لي الارض طهورا فدل بذلك على ان غيره من الرسل انما كان يرسل الي الخاص وليس يجوز لمن عرف صدق ذلك الرسول من سائر الامم ان يكذبه وينكر دعواه والذي عليه ترك الانكار والعمل بشريعة النبي الاول هذا فرق ما بين من بعث الى البعض ومن بعث الى الجميع حديث يوم السقيفة و قال قال حباب بن المنذر يوم السقيفة انا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ان شئتم كررناها جذعة منا امير ومنكم امير فان عمل المهاجري شيئا في الانصاري رد ذلك عليه الانصاري وان عمل الانصاري شيئا في المهاجري رد عليه المهاجري فأراد عمر الكلام فقال ابو بكر على رسلك نحن المهاجرون اول الناس إسلاما وأوسطهم دارا وأكرم الناس أحسابا واحسنهم وجوها واكثر الناس ولادة في العرب وأمسهم رحما برسول الله أسلمنا قبلكم وقدمنا في القرآن عليكم فأنتم اخواننا في الدين وشركاؤنا في الفيء وانصارنا على العدو آويتم ونصرتم وآسيتم فجزاكم الله خيرا نحن الامراء وانتم الوزراء ولا تدين العرب الا لهذا الحي من قريش انتم محقوقون ان لا تنفسوا على اخوانكم من المهاجرين ما ساق الله اليهم قالوا فإنا قد رضينا وسلمنا قال عيسى بن نذير قال ابو بكر رضي الله تعالى عنه نحن اهل الله وأقرب الناس بيتا من بيت الله وأمسهم رحما برسول الله ان هذا الامر ان تطاولت اليه الخزرج لم تقصر عنه الأوس وان تطاولت اليه الاوس لم تقصر عنه الخزرج وقد كان بين الحيين قتلى لا تنسى وجراح لا تداوى فان نعق منكم ناعق فقد جلس بين لحيي أسد يضغمه المهاجري ويجرحه الانصاري قال ابن دأب فرماهم والله بالمسكتة من حديث ابن ابي سفيان بن حويطب عن ابيه عن جده قال قدمت من عمرتي فقال لي اهلي أعلمت ان ابا بكر بالموت فأتيته فاذا عيناه تذرفان فقلت يا خليفة رسول الله أما كنت اول من اسلم وثاني اثنين في الغار فصدقت هجرتك وحسنت نصرتك ووليت فأحسنت صحبتهم واستعملت خيرهم عليهم قال وحسنا ما صنعت قلت نعم والله قال والله لله اشكر له وأعلم به ولا يمنعني ذلك من ان استغفر الله فما خرجت حتى مات قال ابو الخطاب الزراري عن حجناء بن جرير قلت يا ابت انك لم تهج احدا الا وضعته الا التيم قال اني لم اجد حسبا فأضعه ولا بناء فأهدمه قال وقيل للفرزدق احسن الكميت في مدائحه في تلك الهاشميات قال وجد آجرا وجصا فبنى قال عامر بن الاسود دخل رجل من ولد عامر بن الظرب على عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال له خبرني عن حالك في جاهليتك وعن حالك في اسلامك قال اما جاهليتي فما نادمت فيها غير لمة ولا هممت فيها بأمة ولا خمت فيها عن بهمة ولا رآني راء الا في ناد اوعشيرة أو حمل جريرة أو خيل مغيرة قال عوانة قال عمرالرجال ثلاثة رجل ينظر في الأمور قبل ان تقع فيصدرها مصدرها ورجل متوكل لا ينظر فاذا نزلت به نازلة شاور أهل الرأي وقبل قولهم ورجل حائر بائر لا يأتمر رشدا ولايطيع مرشدا قال كلم علباء بن الهيثم السدوسي عمربن الخطاب رضي الله تعالى عنه في حاجة وكان أعور دميما جيد اللسان حسن البيان فلما تكلم في حاجته فأحسن صعد عمر بصره فيه وحدره فلما ان قام قال لكل أناس في جميلهم خبر أخبرنا عيسى بن يزيد عن أشياخه قال قدم معاوية المدينة فدخل دار عثمان فقالت عائشة ابنة عثمان وا أبتاه وبكت فقال معاوية يا ابنة أخي ان الناس أعطونا طاعة وأعطيناهم أمانا وأظهرنا لهم حلما تحته غضب وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد ومع كل إنسان سيفه وهو يرى مكان أنصاره وان نكثنا بهم نكثوا بنا ولا ندري أعلينا تكون أم لنا ولأن تكوني ابنة عم أمير المؤمنين خير من ان تكوني امرأة من عرض المسلمين وقالت عائشة ابنة عثمان في أبان بن سعيد بن العاص حين خطبها وكان نزل بأيلة وترك المدينة نزلت ببيت الضب لا انت ضائر عدوا ولا مستنفعا انت نافع قال ابو الحسن قال سلامة بن روح الجذامي لعمرو بن العاص انه كان بينكم وبين العرب ناب فكسرتموه فما حملكم على ذلك قال اردنا ان نخرج الحق من جفير الباطل قدم ببيعة علي الى الكوفة يزيد بن عاصم المحاربي فبايع ابو موسى فقال عمار لعلي والله لينقضن عهده وليحلن عقده وليفرن جهده وليسلمن جنده وقال علي في رواية الشعبي حملت اليكم درة عمر لأضربكم بها لتنتهوا فأبيتم حتى اتخذت الخيزرانة فلم تنتهوا وقد أرى الذين يريدون السيف ولا آتي لأصلحكم بفسادي مقطعات من نوادر الاعراب وأشعارهم كانت العادة في كتب الحيوان ان اجعل في كل مصحف من مصاحفها عشر ورقات من مقطعات الاعراب ونوادر الاشعار لما ذكرت عجبك بذلك فأحببت ان يكون حظ هذا الكتاب في ذلك أوفر ان شاء الله تعالى قال ابو العرف الطهوي وافى الوفود فوافى من بني جمل بكر الوفادة فاني السن عرزوم كز الملاطين في السربال حين مشى وفي المجالس لحاظ رزاميم
لما رأى الباب والبواب أخرجه لؤم مخالطه جبن وتحزيم قدكان لي بكم علم وكان لكم ممشى وراء ظهور القوم معلوم وقال الحرث بن حلزة قال ابو عبيدة الباقي مصنوع يا أيها المزمع ثم انثنى لا يثنك الحازي ولا الشاحج ولا قعيد أغضب قرنه هاج له من مرتع هائج بينا الفتى يسعى ويسعى له تاح له من أمره خالج يترك ما رفح من عيشه يعبث فيه همج هامج قلت لعمرو حين أرسلته وقد حبا من دوننا عالج لا تكسع الشول بأغبارها إنك لا تدري من الناتج واصبب لأضيافك البانها فان شر اللبن الوالج وقال زبان بن يسار بن عمرو بن جابر تخبر طيرة فيها زياد لتخبره وما فيها خبير أقام كأن لقمان بن عاد أشار له بحكمته مشير تعلم أنه لا طير الا على متطير وهو الثبور بلى شيء يوافق بعض شيء أحايينا وباطله كثير ومن ينزح به لا بد يوما يجيء به نعي أو بشير وقال بعض الاعراب نجيبة بطال لدن شب همه لعاب الغواني والمدام المشعشع جلا المسك والحمام والبيض كالدمى وطيب الدهان رأسه فهو أنزع اسيلم ذاكم لاخفا بمكانه لعين تدجى أو لاذن تسمع من النفر الشم الذين اذا انتدوا وهاب الرجال حلقه الباب قعقعوا اذا النفر السود اليمانون نمنموا له حوك برديه أطالوا وأوسعوا وقال بعض الاعراب ألبان إبل نعلة بن مسافر ما دام يملكها علي حرام وطعام عمران بن أوفى مثله ما دام يسلك في البطون طعام ان الذين يسوغ في أحلاقهم زاد يمن عليهم للئام لعن الإله تعلة بن مسافر لعنا يشن عليه من قدام
وقال بعض الاعراب نجيبة قوم شادها القت والنوى بيثرب حتى نيها متظاهر فقلت لها سيري فما بك علة سنامك ملموم ونابك فاطر فمثلك أو خيرا تركت رزية تقلب عينيها اذا مر طائر وقال بعض الاعراب مجهول الاسم وهو من جيد محدث أشعارهم حفرناعلى رغم اللهازم حفرة ببطن فليح والأسنة جنح وقد غضبوا حتى اذا ملأوا الربى رأوا أن إقرارعلى الضيم أروح وقال رجل من محارب وقائلة تطوف في جداد وأنت إخال معطى لو تقوم فقلت الضاربات الطلح وهنا على يمناي اذا وضح النجوم قصرن علي بعد الله فتري فلا أسل الصديق ولا ألوم وقال حاتم الطائي وإني لأستحيي حياء يسرني اذا اللؤم من بعض الرجال تطلعا اذا كان أصحاب الإناء ثلاثة حييا ومستحيا وكلبا مجشعا فاني لأستحيى أكيلي ان يرى مكان يدي من جانب الزاد أقرعا أكف يدي من ان تمس أكفهم اذا نحن أهوينا وحاجتنا معا وإنك مهما تعط بطنك سؤله وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا قال وأظنها لبعض اليهود وإني لأستبقي اذا العسر مسني بشاشة وجهي حين تبلى المناقع فأعفي ثرى قومي ولو شئت نولوا اذا ما تشكى الملحف المتضارع مخافة أن أقلي اذا جئت زائرا وترجعني نحو الرجال المطامع فأسمع منا أو أشرف منعما وكل مصادي نعمة متواضع وقال بعض بني أسد ألا جعل الله اليمانين كلهم فدى لفتى الفتيان يحيى بن حيان ولولا عريق في من عصبية لقلت وألفا من معد بن عدنان ولكن نفسي لم تطت بعشيرتي وطبت له نفسا بأبناء قحطان قال ثروان أو ابن ثروان مولى لبنى عذرة
ولو كنت مولى قيس عيلان لم تجد علي لإنسان من الناس درهما ولكنني مولى قضاعة كلها فلست أبالي ان أدين وتغرما أولئك قومي بارك الله فيهم على كل حال ما أعف وأكرما جفاة المحز لايصيبون مفصلا ولا يأكلون اللحم الا تخذما وقال اخر أيا ابنة عبد الله وابنة مالك ويا ابنة ذي البردين والفرس الورد اذا ما عملت الزاد فالتمسي له أكيلا فاني لست آكله وحدي كريما قصيا أو قريبا فإنني أخاف مذمات الأحاديث من بعدي وكيف بشبع المرء زادا وجاره خفيف المعى بادي الخصاصة والجهد وللموت خير من زيارة باخل يلاحظ اطراف الأكيل على عمد وإني لعبد الضيف مادام ثاويا وما في الا تلك من شيمة العبد وقال ابن عبدل ولو شاء بشر كان من دون بابه طماطم سود اوصقالبة حمر ولكن بشرا سهل الباب للتي يكون لبشر عندها الحمد والأجر بعيد مراد العين ما رد طرفه حذار الغواشي باب دار ولا ستر وقال بعض الحجازيين لو كنت أحمل خمرا يوم زرتكم لم ينكر الكلب إني صاحب الدار لكن أتيت وريح السمك يفغمني والعنبر الورد أذكيه على النار فأنكر الكلب ريحي حين أبصرني وكان يعرف ريح الزق والقار وقال ابن عبدل نعم جار الجزيرة المرضع الغرثى اذا ما غدا أبو كلثوم طاويا قد اصاب عند صديق من غداء ملبق مأدوم ثم أنحى بجعره حاجب الشمس فألقى كالمعلف المهدوم وقال حبيب بن أوس وحياة القريض أحياؤك الجود فان مات الجواد مات القريض يا محب الإحسان في زمن أصبح فيه الإحسان وهو بغيض وقال
ثم اطرحتم قراباتي وآصرتي حتى توهمت أني من بني أسد وطلعة الحمد أقلى في عيونهم وفي صدورهم من طلعة الأسد وقال إياك يعني القائلون بقولهم ان الشقي بكل حبل يخنق من شاعر وقف الكلام ببابه واكتن في كنفي ذراه المنطق سر حيث شئت من البلاد فلي بها سور عليك من الرجال وخندق قد ثقفت منه الشآم وسهلت منه الحجاز ورققته المشرق وقال بنو عبد الكريم نجوم ليل ترى في طبيء أبدا تلوح اذا كان الهجاء لهم ثوابا فخبرني لمن خلق المديح وقال إي شيء يكون أحسن من صب أديب متيم بأديب وقال نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب الا للحبيب الأول كم منزل في الارض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل وقال إشرب فانك سوف تعلم أنه قدح يصيب العرض منه خمار عاداك أسوار الكلام بشرد عون القريض حتوفها أبكار غرر متى ماشئت كن شواهدي ان لم يكن لي والد عطار وقال سلمة بن الحرث الأنماري أبلغ سبيعا وأنت سيدنا قدما وأوفى رجالنا ذمما أن بغيضا وأن إخوتها ذبيان قد ضرموا الذي اضطرما نبئت أن حكموك بينهم فلا يقولن بئس ماحكما إن كنت ذا عرفة بشأنهم تعرف ذا حقهم ومن ظلما وتنزل الامر في منازله حزما وعزما وتحضر الفهما ولا تبالي من المحق ولا المبطل لا إله ولا ذمما فاحكم فأنت الحكيم بينهم لن يعدموا الحكم ثابتا صتما
واصدع أديم السواء بينهم على رضى من رضي ومن رغما ان كان مالا ففض عدته مالا بمال وان دما فدما هذا وان لم تطق حكومتهم فانبذ اليهم امورهم سلما وقال اخر أبلغ ضرارا أبا عمرو مغلغلة ان كل قولك ظهر الغيب يأتينا إرهن قبيصة ان صلح هممت به ان ضرارا لكم رهن بما فينا ان ضحيكا قتيل من سراتكم وان حطان منا فاعدلوا الدينا وانه عبيدا فلا يؤذي عشيرته نهيك خير له من نهي ناهينا وقال اخر بني عدي ألا ينهي سفيهكم ان السفيه اذا لم ينه مأمور وقال حضرمي بن عامر الاسدي ومات أخوه فقال جزء قد فرح بأكل الميراث قد قال جزء ولم يقل جللا اني تروحت ناعما جذلا ان كنت ازننتني بها كذبا جزء فلاقيت مثلها عجلا أفرح ان أرزأ الكرام وأن أورث ذودا شصائصا نبلا وقال حريث بن سلمة بن مرارة تقول ابنة العمري لمارأيتها تنكرت حتى كدت منك أهال فان تعجبي مني عمير فقد أتت ليال وأيام علي طوال واني لمن قوم تشيب سراتهم كذاك وفيهم نائل وفعال ولو لقيت ما كنت ألقى من العدى اذا سال منها مفرق وقذال ولكنها في كلة كل شتوة وفي الصيف كن بارد وحجال تصان وتعل المسك حتى كأنها اذا وضعت عنها النصيف غزال وقال بعض الخوارج لامرأته وأرادت ان تنفر معه ان الحرورية الحرا اذا ركبوا لا تستطيع لهم امثالك الطلبا إن يركبوا فرسا لا تركبي فرسا ولا تطيقي مع الرجالة الخببا وقال خزز بن لوذان لامراته في شبيه بهذا لا تذكري مهري وما اطعمته فيكون جلدك مثل جلد الاجرب
ان الغبوق له وانت مسوءة فتأوهي ما شئت ثم تحوبي كذب العتيق وماء شن بارد ان كنت سائلتي غبوقا فاذهبي اني لأخشى ان تقول خليلتي هذا غبار ساطع فتلبب ان العدو لهم اليك وسيلة إن يأخذوك تكحلي وتخضبي ويكون مركبك القعود وحدجه وابن النعامة يوم ذلك مركبي وأنا امرؤ إن يأخذوني عنوة اقرن الى شر الركاب وأجنب وأراد اعرابي ان يسافر فطلبت اليه امرأته ان تكون معه فقال إنك لو سافرت قد مذحت وحكك الحنوان فانفتحت وقلت هذا صوت ديك تحتي وفي شبيه بهذا المعنى الاول يقول عمر بن عبد الله بن ابي ربيعة وأعجبها من عيشها ظل غرفة وريان ملتف الحدائق أخضر ووال كفاها كل شيء يهمها فليست لشيء اخر الدهر تسهر وقال سلامة بن جندل هذه الابيات وبعث بها الى صعصعة بن محمود بن عمرو ابن مرثد وكان اخوه احمر بن جندل اسيرا في يده فأطلقه له سأجزيك بالود الذي كان بيننا أصعصع اني سوف اجزيك صعصعا سأهدي وان كنا بتثليث مدحة اليك وان حلت بيوتك لعلعا فان يك محمود أباك فاننا وجدناك محمود الخلائق أروعا وان شئت أهدينا ثناء ومدحة وان شئت أهدينا لكم مئة معا قال صعصعة بن محمود الثناء والمدحة أحب الينا وقال أوس بن حجر حين حبس وأقام عند فضالة بن كندة وتولت خدمته حليمة ابنة فضالة شاكرا لذلك لعمرك ما ملت ثواء ثوى بها حليمة أذ ألقى مراسي مقعد ولكن تلقت باليدين ضمانتي وحل بفلج فالقنافذ عودي وقد غبرت شهري ربيع كليهما بحمل البلايا والخباء الممدد ولم تلهها تلك التكاليف انها كما شئت من اكرومة وتخرد هي ابتة أعراق كرام نمينها الى خلق عفو برازنه قد سأجزيك أو يجزيك عنا مثوب وحسبك ان يثنى عليك وتحمدي
وقال الخريمي ولم أجزه الا المودة جاهدا وحسبك مني ان أود فأجهدا وقال الاسدي واني احب الخلد لو استطيعه وكالخلد عندي ان اموت ولم ألم وقال الحادرة فأثنوا علينا لا أبا لابيكم بإحساننا ان الثناء هو الخلد وأنشد الاصمعي للمهلهل فقتلا بتقتيل وعقرا بعقركم جزاء العطاء لا يموت من اثأر وضاف ابو الشليل العنبري بني حكم فخذا من عنزة فقال أراني في بني حكم قصيا على فتر أزور ولا أزار أناس يأكلون اللحم دوني وتأتيني المعاذر والقتار وقال اخر اذا مد أرباب البيوت بيوتهم على رجح الاكفال ألوانها زهر فان لنا منها خباء يحفنا اذا نحن امسينا المجاعة والفقر وقال اخر وهو ابو المهوش الاسدي تراه يطوف الآفاق حرصا ليأكل رأس لقمان بن عاد وقال أيضا وبنو الفقيم قليلة احلامهم ثط اللحى متشابهو الالوان لو يسمعون بأكله أو شربه بعمان اصبح جمعهم بعمان متأبطين بنيهم وبناتهم صعر الانوف لريح كل دخان وقال اخر وجيرة لن ترى في الناس مثلهم اذا يكون لهم عيد وإفطار إن يوقدوا يوسعوني من دخانهم وليس يبدو لنا ما تنضج النار وقال ابو الطروق الضبي في خاقان بن عبد الله بن الاهتم وشك الناس في خاقان لما أتى لولادة سنة وشهر وقالت اخته اني براء الى الرحمن منك وذاك نكر ولم يسمع بحمل قبل هذا أتى من دونه دهر ودهر
فنافرها فألحقه شبيب وأثبته فثاب عليه وفر وقال مكي بن سوادة البرجمي تحير اللؤم يبغي من يحالفه حتى تناهى الى ابناء خاقان أزرى بكم يا بني خاقان انكم من نسل حجامة من قن هزان سفاكة لدماء القوم آكلة قدما لاموالهم من غير سلطان لو تسألون بها أيوب جاءكم على الذي قلت أيوب ببرهان أيام تعطيه خرجا من حجامتها يوما فيوما توفيه بأربان فان رددتم عليه ما يقول أتى على مقالته فيها بتبيان ثم اشتراها ابو خاقان حين عست فالتقطت نقطة منه بأقطان فاستدخلتها ولا يدري بما فعلت حتى اذا ركضت جاءت بخاقان وقال اللعين المنقري في آل الأهتم وكيف تسامون الكرام وانتم دوارج حبريون فدع القوائم بنو ملصق من ولد حذلم لم يكن ظلوما ولا مستنكرا للمظالم وقال اخر قالت عهدتك مجنونا فقلت لها ان الشباب جنون برؤه الكبر وقال أعرابي وهو ابو حية النميري رمتني وستر الله بيني وبينها عشية أرآم الكناس رميم ألا رب يوم لو رمتني رميتها ولكن عهدي بالنضال قديم رميم التي قالت لجارات بيتها ضمنت لكم ان لا يزال بهيم وقال ابو يعقوب الاعور بقلبي سقام لست أحسن وصفه على انه ما كان فهو شديد تمر به الايام تحسب ذيلها فتبلى به الايام وهو جديد وقال الثقفي من كان ذا عضد يدرك ظلامته ان الذليل الذي ليست له عضد تنبو يداه اذا ما قل ناصره ويأنف الضيم ان أثرى له عدد وقال أشجع السلمي في هرون أمير المؤمنين وعلى عدوك يا ابن عم محمد رصدان ضوء الصبح والإظلام
فاذا تنيه رعته واذا هدى سلت عليه سيوفك الاحلام قال إنتجع الفضل أو تخل من الدنيا فهاتان غايتا الهمم وقال أبت طبرستان إلا الذي يعم البرية من دائها ضممت مناكبها ضمة رمتك بما بين أحشائها وقالوا لم يدع الاول للاخر معنى شريفا ولا لفظا بهيا الا أخذه الا بيت عنترة فترى الذباب بها يغني وحده غردا كفعل الشارب المترنم هزجا يحك ذراعه بذراعه فعل المكب على الزناد الأجذم وقال الفقيمي قاتل غالب أبي الفرزدق وما كنت نواما ولكن ثائرا أناخ قليلا فوق ظهر سبيل وقد كنت مخزون اللسان ومفحما فأصبحت أدري اليوم كيف أقول وقال ابو المثلم الهذلي أصخر بن عبد الله ان كنت شاعرا فانك لا تهدي القريض لمفحم وقال الهذلي على عبد بن زهرة طول هذا الدهر أنتحب أخ لي دون من لي من بني عمي وان قربوا طوى من كان ذا نسب إلي وزاده النسب أبو الأضياف والأيتام ساعة لا يعد أب ألا لله درك من فتى قوم اذا ركبوا وقالوا من فتى للثغر يرقبنا ويرتقب فكنت أخاهم حقا اذا تدعى لها تثب وقد ظهر السوابغ فيهم والبيض واليلب أقام لدى مدينة آل قسطنطين وانقلبوا نجيبا حين يدعى إن آباء الفتى نجب وقال أدهم بن محرز الباهلي
لما رأيت الشيب قد شان أهله تفتيت وابتعت الشباب بدرهم وقال اكل المرار الملك ان من غره النساء بشيء بعد هند لجاهل مغرور حلوة العين واللسان ومر كل شيء يجن منها الضمير كل أنثى وان بدت لك منها آية الحب حبها خيتعور وقال طفيل الغنوي ان النساء كأشجار نبتن معا منها المرار وبعض المر مأكول ان النساء متى ينهين عن خلق فانه واجب لا بد مفعول وقال علقمة بن عبدة فان تسألوني بالنساء فانني بصير بأدواء النساء طبيب اذا شاب رأس المرء أو قل ماله فليس له من ودهن نصيب يردن ثراء المال حيث علمنه وشرخ الشباب عندهن عجيب وقال ابو الشغب السعدي أبعد بني الزهراء أرجو بشاشة من العيش أو أرجو رخاء من الدهر غطارفة زهر مضوا لسبيلهم ألهفي على تلك الغطارفة الزهر يذكرنيهم كل خير رأيته وشر فما أنفك منهم على ذكر وقال ابو حزابة في عبد الله بن ناشرة ألا لا فتى بعد ابن ناشرة الفتى ولا خير إلا قد تولى وأدبرا وكان حصادا للمنايا ازدر عنه فهلا تركن النبت ما كان أخضرا لحا الله قوما أسلموك ورفعوا عناجيج أعطتها يمينك ضمرا اما كان فيهم فارس ذو حفيظة يرى الموت في بعض المواطن أعذرا يكر كما كر الكليبي بعد ما رأى الموت تحدوه الأسنة أحمرا فكر عليه الورد يدمي لبانه وما كر الا رهبة ان يعيرا وقال أعرابي رعاك ضمان الله يا أم مالك ولله ان يشفيك أرعى وأوسع يذكرنيك الخير والشر الذي أخاف وأرجو والذي أتوقع وقال دريد بن الصمة
وقالوا ألا تبكي أخاك وقد أرى مكان الأسى لكن بنيت على الصبر فقلت أعبد الله أبكي ام الذي على الجدث الباقي قتيل أبي بكر وعبد يغوث أو يميني خالدا وعز المصاب وضع قبر الى قبر ابى القتل إلا آل صمة إنهم ابوا غيره والقدر يجري الى القدر فإما ترينا ما تزال دماؤنا لدى ثائر يسعى بها اخر الدهر فانا للحم السيف غير نكيرة ونلحمه حينا فليس بذي نكر يغار علينا واترين فيشتفى بنا ان اصبنا أو نغير على وتر فسمنا بذاك الدهر شطرين بيننا فلا ينقضي الا ونحن على شطر وقال اخر إ ذا ما ترا آه الرجال تحفظوا فلم تنطق العوراء وهو قريب حبيب الى الزوار غشيان بيته جميل المحيا شب وهو أديب فتى لا يبالى ان يكون بجسمه اذا نال خلات الكرام شحوب حليم اذا ما الحلم زين أهله مع الحلم في عين العدو نجيب حليف الندى يدعو الندى فيجيبه قريبا ويدعوه الندى فيجيب يبيت الندى يا أم عمر ضجيعه اذا لم يكن في المنقيات حلوب وقال اخر ألاترين وقد قطعتني عذلا ماذا من الفوت بين البخل والجود إلا يكن ورق يوما أجود بها للمعتفين فاني لين العود والى هذا ذهب ابن يسير حيث يقول لا يعدم السائلون الخير أفعله إمانوالي وإما حسن مردودي وقال الهذلي وهاب ما لا تكاد النفس ترسله من التلاد وصول غير منان وقال ابو عبيدة معمر بن المثني ومن الشوارد التي لا أرباب لها قوله ان يفخروا أو يعدروا أو يبخلوا لم يحفلوا يغدوا عليك مرجليين كأنهم لم يفعلوا كأبي براقش كل لون لونه يتحيل ومثله في بعض معانيه
أكول لأرزاق العباد اذا شتا صبور على سوء الثناء وقاح وقال وما نفى عنك قوما انت خائفهم كمثل وقمك جهالا بجهال فاقعس اذا حدبوا واحدب اذا قعسوا ووازن الشر مثقالا بمثقال وقال الراجز وقد تعللت ذميل العنس بالسوط في ديمومة كالترس اذ عرج الليل بروح الشمس وقال الراجز قد كنت اذ حبل صباك مدمش واذ أهاضيب الشباب تبغش وقال الراجز طال عليهن تكاليف السرى والنص في حين الهجير والضحى حتى عجاهن فما تحت العجى رواعب يخضبن مبيض الحصى سمع ذلك ابن وهيب فرام مثله فقال يخضب مروا دما نجيعا من فرط ما تنكب الحوامى وقال عامر ملاعب الأسنة دفعتكم عني وما دفع راحة بشيء اذا لم تستعن بالأنامل يضعضعني حلمي وكثرة جهلكم علي وأني لا أصول بجاهل وقال اخر لا بد للسؤدد من أرماح ومن سفيه دائم النباح ومن عديد يتقى بالراح وقال ابو نخيلة لبعض سادات بني سعد وان بقوم سودوك لفاقة الى سيد لو يظفرون بسيد وتمثل سفيان بن عيينة وقد جلس على مرقب عال وأصحاب الحديث مدى البصر يكتبون بقول الاخر خلت الديار فسدت غير مسود ومن الشقاء تفردي بالسؤدد وقال الاول في الأحنف وان من السادات من لو أطعته دعاك الى نار يفور سعيرها
وقال اخر فأصبحت بعد الحلم في الحي ظالما تخمط فيهم والمسود يظلم وقال رجل من بني الحرث بن كعب يقال له سويد إني اذا ما الامر بين شكه وبدت بصائره لمن يتأمل وتبرأ الضعفاء من اخوانهم وألح من حر الصميم الكلكل أدع التي هي أرفق الحالات بي عند الحفيظة للتي هي أجمل وقال الاخر ذهب الذين احبهم فرطا وبقيت كالمغمور في خلف من كل مطوي على حنق متصنع يكفى ولايكفي وقال ابو الطمحان القيني فكم فيهم من سيد وابن سيد وفي بعقد الجار حين يفارقه يكاد الغمام الغر يرغب ان يرى وجوه بني لأم وينهل بارقه وقال طفيل الغنوي وكان هريم من سنان خليفة وعمرو ومن اسماء لما تغيبوا نجوم سماء كلما انقض كوكب بدا وانجلت عنه الدجنة كوكب وقال رجل من بني نهشل إنا لمن معشر أفنى أوئلهم قيل الكماة ألا اين المحامونا لو كان في الالف منا واحد فدعوا من عاطف خالهم إياه يدعونا وليس يذهب منا سيد أبدا إلا افتلينا غلاما سيدا فينا وقال بعض الحجازيين اذا طمع يوما عراني قريته كتائب يأس كرها وطرادها أكد ثمادي والمياه كثيرة اعالج منها حفرها واكتدادها وأرضى بها من بحر اخر انه هو الري ان ترضى النفوس ثمادها وقال ابو محجن الثفقي ألم تسأل فوارس من سليم بنضلة وهو موتور مشيح رأوه فازدروه وهو خرق وينفع أهله الرجل القبيح فلم يخشوا مصالته عليهم وتحت الرغوة اللبن الصريح
فكر عليهم بالسيف صلتا كما عض الشبا الفرس الجموح فأطلق غل صاحبه وأردى جريحا منهم ونجا جريح وقال بعض اليهود سئمت وأمسيت رهن الفراش ومن حمل قوم ومن مغرم ومن سفه الرأي بعد النهى ورمت الرشاد فلم يفهم فلو أن قومي أطاعوا الحليم ولم تتعد ولم تظلم ولكن قومي اطاعوا السفيه حتى تعكظ اهل الدم فأودى السفيه برأي الحليم فانتشر الامر لم يبرم وقال بعض الشعراء وكنت جليس قععقاع بن شور ولا يشقى بقعقاع جليس ضحوك السن إن أمروا بخير وعند الشر مطراق عبوس وقال اخر ولست بزمجة في الفراش وجابة يحتمي ان يجيبا ولا ذي قلازم عند الحياض اذا ما الشريب أراب الشريبا وقال حجل بن نضلة جاء شقيق عارضا رمحه ان بني عمك فيهم رماح هل احدث الدهر لنا نكبة ام هل رفت أم شقيق سلاح وقال ويل ام لذات الشباب معيشة مع الكثر يعطاء الفتى المتلف الندي وقد يقصر القل الفتى دون همه وقد كان لولا القل طلاع أنجد وقال الاخر قامت تخاصرني بقنتها خود تأطر غادة بكر كل يرى ان الشباب له في كل مبلغ لذة عذر وقال سعد بن ربيعة بن مالك بن سعد بن زيد مناة وهو من قديم الشعر وصحيحه ألا إنما هذاالسلال الذي ترى وإدبار جسمي من ردى العثرات وكم من خليل قد تجلدت بعده تقطع نفسي دونه حسرات
وقال الطرماح في هذا المعنى وشيبني أن لا أزال مناهضا بغير ثرا أثرو به وأبوع أمخترمي ريب المنون ولم أنل من المال ما أعصى به وأطيع وقال الاضبط بن قريع لكل هم من الهموم سعه والمسي والصبح لا فلاح معه فصل حبال البعيد ان وصل الحبل وأقص القريب ان قطعه لا تحقرن الفقير علك أن تركع يوما والدهر قد رفعه قد يجمع المال غير آكله ويأكل المال غير من جمعه وقال اعرابي ونحر ناقة في حطمة أصابتهم أكلنا الشوى حتى اذا لم نجد شوى أشرنا الى خيراتها بالأصابع وللسيف أحرى ان تباشر حده من الجوع لا تثنى عليه المضاجع لعمرك ما سليت نفسا شحيحة عن المال في الدنيا بمثل مجاوع وقدم ناقة له أخرى الى شجرة ليكون المحتطب قريبا من المنحر فقال وأدنيتها من رأس عشاء عشة مفصلة الأفنان صهب فروعها وقلت لها لما شددت عقالها وبالكف ممهاة شديد وقوعها لقد عنيت نفسي عليك شحيحة ولكن يسخي شحة النفس جوعها وقال أسقف نجران منع البقاء تصرف الشمس وطلوعها من حيث لا تمسي وطلوعها بيضاء صافية وغروبها صفراء كالورس اليوم نعلم ما يجيء به ومضى بفضل قضائه أمس وقال اخر وهلك الفتى أن لا يراح الى الندى وأن لا يرى شيئا عجيبا فيعجبا ومن يبتغ مني الظلامة يلقني اذا ما رآني أصلع الرأس أشيبا أشعار في الخمر وقال سحيم بن وثيل الرياحي نقول حدراء ليس فيك سوى الخمر معاب يعيبه أحد فقلت أخطأت بل معاقرتي الخمر وبذلي فيها الذي أجد
هوالثناء الذي سمعت به لا سبد مخلدي ولا لبد ويحك لولا الخمور لم أحفل العيش ولا ان يضمني لحد هي الحيا والحياة واللهو لا أنت ولا ثروة ولا ولد وقال عبد راع غضبت علي لأن شربت بجزة فلئن أبيت لأشربن بخروف ولئن نطقت لأشربن بنعجة حمراء من ال المذال سحوف وقال ناحت رقية من شاة شربت بها ولا تنوح على ما يأكل الذيب وقال أبو حفص القريعي قد تغربت للشقاوة حينا حين بدلت للسعادة نوقا يوم فارقت بلدتي وقراري وتبدلت سوء رأي وموقا ليت عندي بخير معزاي عشرا طيلسانا من الطراز عتيقا وبخمس منهن أيضا قميصا سابريا أميس فيه رقيقا قد هجرت النبيذ مذهن عندي وتمززت رسلهن مذيقا فوجدت المذيق يوجع بطني ووجدت النبيذ كان صديقا يعد النفس بالعشي مناها ويسل الهموم سلا رفيقا وكان فتى طيب من ولد يقطين لا يصحو وكان في أهله روافض يخاصمون في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير رضوان الله تعالى عليهم أجمعين فقال رب عقار باذرنجية اصطدتها من بيت دهقان جندرت أرواحا وطيبتها بعد اتساخ طال في الحان سكتا وسلتا لم يخض في أذى من قتل عثمان بن عفان ولا أبي بكر ولا طلحة ولا زبير يوم عثمان الله يجزيهم بأعمالهم ليس علينا علم ذا الشان وقال المنخل اليشكري ولقد شربت من المدامة بالصغير وبالكبير ولقدشربت الخمر بالخيل الإناث وبالذكور
فإذا سكرت فإنني رب الخورنق والسدير واذا صحوت فإنني رب الشويهة والبعير يا رب يوم للمنخل قد لها فيه قصير وقال ابو عطاء السندي لزائر له ورآه يوميء الى امرأته كل هنيئا وما شربت مريئا ثم قم صاغرا فغير كريم لا أحب النديم يومض بالعين اذا ما خلا بعرس النديم وقال وتعرضت له امرأة صاحبه رب بيضاء كالقضيب تثنى قد دعتني لوصلها فأبيت ليس شأني تحرجا غير أني كنت ندمان زوجها فاستحيت وقال اخر فلا والله لا ألفى وشربا أنازعهم شرابا ماحييت ولا والله ما ألفى بليل أراقب عرس جاري ما بقيت سأترك ما أخاف علي منه مقالته وأجمله السكوت أبي لي ذاك آباء كرام وأجداد بمجدهم ربيت وقال السحيمي وما لي وجه في اللئام ولا يد ولكن وجهي في الكرام عريض أهش اذا لاقيتهم وكأنني اذا انا لاقيت اللئام مريض وقال ابن كناسة في انقباض وحشمة فاذا لاقيت أهل الوفاء والكرم خليت نفسي على سجيتها وقلت ما قلت غير محتشم وقال عبد الرحمن بن الحكم وكأس ترى بين الانام وبينها قذى العين قد نازعت أم أبان ترى شاربيها حين يتعقبانها يميلان أحيانا و يعتدلان فما ظن ذا الواشي بأبيض ماجد وبداء خود حين يلتقيان وقال الرماح بن ميادة وكان الاصمعي يقول ختم الشعر بالرماح وأظن النابغة احد عمومته الا رب خمار طرقت بسدفة من الليل مرتادا لندماني الخمرا
فأنهلته خمرا وأحلف أنها طلاء حلال كي يحملني الوزرا وقال اخر ولقد شربت الخمر حتى خلتني لما خرجت أجر فضل المئزر قابوس أو عمرو بن هند قاعدا يجبي له ما بين دارة قيصر في فتية بيض الوجوه خضارم عند الندام عشيرهم لم يخسر وقال ابن ميادة ومعتق حرم الوقود كرامة كدم الذبيح تمجه أوداجه ضمن الكروم له أوائل حمله وعلى الدنان تمامه ونتاجه وأنشد اللائح لبعض الروافض اذا المرجي سرك ان تراه يموت بدائه من قبل موته فجدد عنده ذكرى علي وصل على النبي وأهل بيته ما قيل في البرامكة من الهجاء وقال بعضهم في البرامكة اذا ذكر الشرك في مجلس أنارت وجوه بني برمك وان تليت عندهم اية أتوا بالأحاديث عن مزدك وقال اخر لعن الله ال برمك اني صرت من أجلهم أخا اسفار ان يك ذو القرنين قد مسح الارض فاني موكل بالعيار وقال اخر ان الفراغ دعاني الى ابتناء المساجد وان رأيي فيها كرأي يحيى بن خالد وقال ابو الهول في جعفر بن يحيى اصبحت محتاجا الى الضرب في طلب العرف الى الكلب اذا اشتكى صب اليه الهوى قال له مالي وللصب أعني فتى يطعن في دينه يشب معه خشب الصلب وقال رجل من اهل الشام أبعد مروان وبعد مسلمه وبعد اسحق الذي كان لمه
صار على الثغر فرنج الرخمه ان لنا بفعل يحيى نقمه مهلكة مبيرة منتقمة أكل بني برمك أكل الحطمه ان لهذا الأكل يوما تخمه أيسر شيء فيه حز الغلصمه وقال الشاعر ما رعى الدهر آل برمك لما ان رمى ملكهم بأمر بديع ان دهرا لم يرع حقا ليحيى غير راع ذمام ال الربيع وقال سهل بن هرون في يحيى بن خالد عدو تلاد المال فيما ينوبه منوع اذا ما منعه كان أحزما مذلل نفس قد أبت غير ان ترى مكاره ما تأنى من الحق مغنما وقال حسان بن حسان من مبلغ يحيى ودون لقائه زبرات كل خنابس همهام يا راعي السلطان غير مفرط في لين مختبط وطيب شمام يغدي مسارحه ويصفي شربه ويبيت بالربوات والاعلام حتى ينحنح ضاربا بجرانه ورست مراسيه بدار سلام في كل ثغر حارس من قبله وشعاع طرف لا يفتر سام وهذا شبيه بقول العتابي في هرون إمام له كف يضم بنانها عصا الدين ممنوعا من البري عودها وعين محيط بالبرية طرفها سواء عليه قربها وبعيدها واصمع يقظان يبيت مناجيا له في الحشا مستودعات يكيدها سميع اذا ناداه من قعر كربة مناد كفته دعوة لا يعيدها وقال كلثوم بن عمرو العتابي تلوم على ترك الغنى باهليه طوى الدهر عنها كل طرف وتالد رأت حولها النسوان يرفلن في الكسا مقلدة أجيادها بالقلائد يسرك اني نلت ما نال جعفر من الملك أو ما نال يحيى بن خالد وان أمير المؤمنين أغصني مغصهما بالمرهفات البوارد ذريني تجئني ميتتي مطمئنة ولم أتقحم هول تلك الموارد فان كريمات المعالي مشوبة بمستودعات في بطون الأساود
وقال الحسن بن هانى ء عجبت لهورن الإمام وما الذي يروي ويرجو فيك يا خلقة السلق قفا خلف وجه قد أطيل كأنه قفا ملك يقضي الحقوق على ثبق وأعظم زهوا من ذباب على خرا وأبخل من كلب عقور على عرق أرى جعفرا يزداد بخلا ودقة اذا زاده الرحمن في سعة الرزق ولو جاء غير البخل من عند جعفر لما وضعته الناس الا على الحمق ما قيل في البرامكة من المديح ولما أنشد ابن حفصه الفضل بن يحيى بن خالد ضربت فلا شلت يد خالدية رتقت بها الفتق الذي بين هاشم قال له الفضل قل فلا شلت يد برمكية فخالد كثير وليس برمك إلا واحدا وقال سلم في يحيى ويحيى يومئذ شاب وفتى خلا من ماله ومن المروءة غي خال واذا رأى لك موعدا كان الفعال مع المقال لله درك من فتى ما فيك من كرم الخلال أعطاك قبل سؤاله فكفاك مكروه السؤال ومن جيد ما قيل فيهم للفضل يوم الطالقان وقبله يوم أناف به على خاقان ما مثل يوميه اللذين تواليا في غزوتين حواهما يومان عصمت حكومته جماعة هاشم من ان يجرد بينها سيفان تلك الحكومة لا التي عن لبسها عظم الثأى وتفرق الحكمان وقال الحسن بن هانى ء في جعفر بن يحيى ذاك الوزير الذي طالت علاوته كأنه ناظر في السيف بالطول ذكروا ان جعفر بن يحيى كان اول من عرض الجربانات لطول عنقه وقال معدان الاعمى وهو ابو السري السميطي يوم تشفى النفوس من يعصر اللؤم ويثني بسامة الرحال وعدي وتيمها وثقيف وأمي وتغلب وهلال
لا حرور ولا النوائب تنجو لا و لا صحب واصل الغزال غير كفتي ومن يلوذ بكفتي فهم رهط الاعور الدجال وبنو الشيخ والقتيل بفج بعد يحيى ومؤتم الاشبال سن ظلم الإمام في القوم بشر ان ظلم الإمام ذو عقال وقال الكميت آمت نساء بني أمية منهم وبنوهم بمضيعة أيتام نامت جدودهم وأسقط نجمهم والنجم يسقط والجدود تنام خلت المنابر والأسرة منهم فعليهم حتى الممات سلام وقال خليفة ابو خلف بن خليفة أعفني آل هاشم يا أميا جعل الله بيت مالك فيا ان عصى الله آل مروان والعاصي لقد كان للرسول عصيا لو تصفحت أولياء علي لم تجد في جميعهم باهليا وقال الراعي في بني أمية بني أمية ان الله ملحقكم عما قليل بعثمان بن عفان وقال كعب الاشقري لعمر بن عبد العزيز ان كنت تحفظ ما يليك فانما عمال أرضك بالبلاد ذئاب لن يستجيبوا للذي تدعو له حتى يجلد بالسيوف رقاب بأكف منصلتين اهل بصائر في وقعهن مزاجر وعقاب هلا قريش ذكروا بثغورها حزم واحلام هناك رغاب لولا قريش نصرها ودفاعها ألفيت منقطعا بي الاسباب فلما سمع هذا الشعر قال لمن هذا قالوا لرجل من ازد عمان يقال له كعب الاشقري قال ما كنت اظن اهل عمان يقولون مثل هذا الشعر قال ابو اليقظان وقام الى عمر بن عبد العزيز رجل وهو على المنبر فقال ان الذين بعثت في اقطارها نبذوا كتابك واستحل المحرم طلس الثياب على منابر ارضنا كل يجور وكلهم يتظلم وأردت ان يلي الامانة منهم عدل وهيهات الأمين المسلم وكان زيد بن علي كثيرا ما يتمثل بقول الشاعر
شرده الخوف وأزرى به كذاك من يكره حر الجلاد منخرق الخفين يشكو الوجى تنكبه اطراف مرو حداد وقال عبد الله بن كثير السهمي وكان يتشيع لولادة كانت نالته وسمع عمال خالد بن عبد الله القسري يلعنون عليا والحسن والحسين على المنابر لعن الله من يسب عليا وحسينا من سوقة وإمام أيسب المطيبون جدودا والكرام الاخوال والأعمام يأمن الطبي والحمام ولا يأمن آل الرسول عند المقام طبت بيتا وطاب اهلك اهلا اهل بيت النبي والاسلام رحمة الله والسلام عليهم كلما قام قائم بسلام وقال حين عابوه بذلك الرأي ان امرأ أمست معايبه حب النبي لغير ذي ذنب وبني ابي حسن ووالدهم من طاب في الارحام والصلب أيعد ذنبا ان أحبهم بل حبهم كفارة الذنب وقال يزيد بن ابي بكر بن دأب الليثي الله يعلم في علي علمه وكذاك علم الله في عثمان وقال السيد الحميري اني امرؤ حميري غير مؤتشب جدي رعين واخوالي ذوو يزن ثم الولاء الذي ارجو النجاة به يوم القيامة للهادي ابي الحسن وقال ابن أذينة سمين قريش مانع منك لحمه وغث قريش حيث كان سمين وقال ابن الرقيات ما نقموا من بني أمية إلا أنهم يحلمون ان غضبوا وانهم معدن الملوك ولا تصلح الا عليهم العرب وقال عروة بن أذينة اذا قريش تولى خير صالحها فاستيقنن بأن لا خير في احد رهط النبي وأولى الناس منزلة بكل خير واثرى الناس في العدد وقال حسان بن ثابت يرثي ابا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه
اذا تذكرت شجوا من اخي ثقة فاذكر اخاك ابا بكر بما فعلا ألتالي الثاني المحمود مشهده وأول الناس منهم صدق الرسلا وثاني اثنين في الغار المنيف وقد طاف العدو به اذا صعد الجبلا وكان حب رسول الله قد علموا خير البرية لم يعدل به رجلا وقال بعض بني أسد لما تخير ربي فارتضى رجلا من خلقه كان منا ذلك الرجل لنا المساجد نبنيها ونعمرها وفي المنابر قعدان لنا ذلل وقال يزيد بن الحكم بن ابي العاص في شأن السقيفة قد اختصم الاقوام بعد محمد فسائل قريشا حين جد اختصامها ألم تك من دون الخليقة أمة بكف امرى ء من ال تيم زمامها هدى الله بالصديق ضلال أمة الى الحق لما ارفض عنها نظامها وقالت صفية في ذلك اليوم قد كان بعدك أنباء وهنتشة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب إنا فقدناك فقد الارض وابلها واختل قومك فاشهدهم فقد سغبوا وقال الفرزدق صلى صهيب ثلاثا ثم أسلمها الى ابن عفان ملكا غير مقصور ولاية من أبي حفص لثالثهم كانوا أخلاء مهدي ومحبور وقال مزرد بن ضرار يرثي عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عليك السلام من إمام وباركت يد الله في ذاك الأديم الممزق قضيت امورا ثم غادرت بعدها بوائق في اكمامها لم تفتق وما كنت اخشى ان تكون وفاته بكفي سبنتي أزرق العين مطرق قال وسمعوا في تلك الليلة هاتفا يقول لبيك على الاسلام من كان باكيا فقد أوشكوا هلكا وما قدم العهد وأدبرت الدنيا وأدبر خيرها وقد ملها من كان يوقن بالوعد وعن ابي الحجاف عن مسلم البطين إنا نعاتب لا أبالك عصبة علقوا الفرى وبروا من الصديق وبروا سفاها من وزير نبيهم تبا لمن يبرا من الفاروق
اني علم رغم العداة لقائل دينا بدين الصادق المصدوق وقال الكميت فقل لبني أمية حيث حلوا وان خفت المهند والقطيعا أجاع الله من اشبعتموه وأشبع من بجودكم أجيعا بمرضي السياسة هاشمي يكون حيا لأمته ربيعا وقال حرب بن المنذر بن الجارود فحسبي من الدنيا كفاف يقيمني وأثواب كتان أزور بها قبري وحبي ذوي قربى النبي محمد فما سؤلنا الا المودة من أجر وجه التدبير في الكتاب اذا طال ان يداوي مؤلفه نشاط القارى ء له ويسوقه الى حظه بالاحتيال له فمن ذلك ان يخرجه من شيء الى شيء ومن باب الى باب بعد ان لا يخرجه من جملة ذلك الفن ومن جمهور ذلك العلم وقد يجب ان نذكر بعض ما انتهى الينا من كلام خلفائنا من ولد العباس ولو ان دولتهم اعجمية خراسانية ودولة بني مروان عربية اعرابية وفي اجناد شامية والعرب أوعى لما تسمع وأحفظ لما تأتي ولها الأشعار التي تقيد عليها مآثرها وتخلد لها محاسنها وجرت من ذلك في اسلامها على مثل عادتها في جاهليتها فبنت بذلك لبني مروان شرفا كثيرا ومجدا كبيرا وتدبيرا لا يحصى ولو ان اهل خراسان حفظوا على انفسهم وقائعهم في اهل الشام وتدبير ملوكهم وسياسة كبرائهم وما جرى في ذلك من فرائد الكلام وشريف المعاني كان فيما قال المنصور وما فعل في ايامه وأسس لمن بعده ما يفي بجماعة ملوك بني مروان ولقد تتبع ابو عبيدة النحوي وابو الحسن المدائني وهشام الكلبي والهيثم بن عدي اخبارا اختلفت واحاديث تقطعت فلم يدركوا الا قليلا من كثير وممزوجا من خالص وعلى كل حال فإنا أذا صرنا الى بقية ما رواه العباس بن محمد وعبد الملك ابن صالح والعباس بن موسى واسحق بن عيسى واسحق بن سليمان وأيوب بن جعفر وما رواه ابراهيم بن السندي عن السدي وعن صالح صاحب المصلى عن مشيخة بني هاشم ومواليهم عرفت بتلك البقية كثرة ما فات وبذلك الصحيح اين موضع الفساد مما صنعه الهيثم بن عدي وتكلفه هشام ابن الكلبي شيء من سياسة بني العباس وأدبهم وسنذكر جملا مما انتهى الينا من كلام المنصور ومن شأن المأمون وغيرهما وان كنا قد ذكرنا من ذلك طرفا ونقصد من ذلك الى التخفيف والتقليل فانه يأتي من وراء الحاجة ويعرف بجملته مراد البقية قال وكان المنصور داهيا أريبا مصيبا في رأيه سديدا وكان مقدما في علم الكلام ومكثرا من كتاب الآثار ولكلامه كتاب يدور في أيدي العارفين الوراقين معروف عندهم ولما هم بقتل أبي مسلم سقط بين الاستبداد برأيه والمشاورة فيه فأرق في ذلك ليلته فلما أصبح دعا باسحق بن مسلم العقيلي فقال له حدثني حديث الملك الذي أخبرتني عنه بحران قال أخبرني ابي عن الحصين بن المنذر أن ملكا من ملوك فارس يقال له سابو الأكبر كان له وزير ناصح قد اقتبس أدبا من آداب الملوك وشاب ذلك بفهم في الدين فوجهه سابور داعية الى خراسان وكانوا قوما عجما يعظمون الدنيا جهالة بالدين ويخلون بالدين استكانة لقوت الدنيا وذلا لجبابرتها فجمعهم على دعوة من الهوى ا يكيد به مطالب الدنيا واغتر بقتل ملوكهم لهم وتخولهم إياهم وكان يقال لكل ضعيف صولة ولكل ذليل دولة فلما تلاحمت أعضاء الامور التي لقح استحالت حربا عوانا شالت أسافلها بأعاليها فانتقل العز الى أرذلهم والنباهة الى أخملهم فأشربوا له حبا مع خفض من الدنيا افتتح بدعوة من الدين فلما استوثقت له البلاد بلغ سابور أمرهم وما أحال عليه من طاعتهم ولم يأمن زوال القلوب وغدرات الوزراء فاحتال في قطع رجائه عن قلوبهم وكان يقال وما قطع الرجاء بمثل يأس تبادهه القلوب على اغترار فصمم على قتله عند وروده عليه برؤساء أهل خراسان وفرسانهم فقتله فبغتهم بحدث فلم يرعهم الا ورأسه بين أيديهم فوقف بهم بين الغربة ونأي الرجعة وتخطف الاعداء وتفرق الجماعة واليأس من صاحبهم فرأوا ان
يستتموا الدعوة بطاعة سابور ويتعوضوه من الفرقة فأذعنوا له بالملك والطاعة وتبادروه بمواضع النصيحة فملكهم حتى مات حتف أنفه فاطرق المنصور مليا ثم رفع رأسه وهو يقول لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا وما علم الانسان الا ليعلما وأمر اسحق بالخروج ودعا بأبي مسلم فلما نظر اليه داخلا قال قد اكتنفتك خلات ثلاث جلبن عليك محذور الحمام خلافك وامتنانك ترتميني وقودك للجماهير العظام ثم وثب اليه ووثب معه بعض حشمه بالسيوف فلما رآهم وثب فبدره المنصور فضربه ضربة طوحه منها ثم قال إشرب بكأس كنت تسقي بها أمر في الحق من العلقم زعمت أن الدين لا يقتضى كذبت فاستوف أبا مجرم ثم أمر فحز رأسه وبعث به الى أهل خراسان وهم ببابه فجالوا حوله ساعة ثم رد عن شغبهم انقطاعهم عن بلادهم واحاطة الاعداء بهم فذلوا وسلموا له فكان إسحق اذا رأى المنصور قال وما ضربوا لك الأمثال الا لتحذوا ان حذوت على مثال وكان المنصور اذا رآه قال وخلفها سابور للناس يقتدى بأمثالها في المعضلات العظائم وكان المهدي يحب القيان وسماع الغناء وكان معجبا بجارية يقال لها جوهر وكان اشتراها من مروان الشامي فدخل عليه ذات يوم مروان الشامي وجوهر تغنيه فقال مروان أنت يا جوهر عندي جوهره في بياض الدرة المشتهرة فاذا غنت فنار ضرمت قذفت في كل قلب شرره فاتهمه المهدي وأمر به فدع في عنقه الى ان خرج ثم قال لجوهر أطربيني فأنشات تقول وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني وأشمت بي من كان فيك يلوم وأبرزتني للناس ثم تركتني لهم غرضا أرمى وأنت سليم فلو أن قولا يكلم الجسم قد بدا بجسمي من قول الوشاة كلوم
فقال المهدي ألا يا جوهر القلب لقد زدت على الجوهر وقد أكملك الله بحسن الدل والمنظر اذا ما صلت ما أحسن خلق الله بالمزهر وغنيت ففاح البيت من ريقك بالعنبر فلا والله ما المهدي أولى منك بالمنبر فان شئت ففي كفك خلع ابن أبي جعفر قال الهيثم أنشدت هرون وهو ولي عهد أيام موسى بيتين لحمزة بن بيض في سليمان بن عبدالملك حاز الخلافة والداك كلاهما من بين سخطة ساخط أو طائع أبواك ثم أخوك أصبح ثالثا وعلى جبينك نور ملك ساطع قال يا يحيى أكتب لي هذين البيتين ولما مدح ابن هرمة أبا جعفر المنصور أمر له بألفي درهم فاستقلها وبلغ ذلك أباجعفر فقال أما يرضى أني حقنت دمه وقد استوجب إراقته ووفرت ماله وقد استحق تلفه وأقررته وقد استأهل الطرد وقربته وقد استحق البعد أليس هو القائل في بني أمية اذا قيل من عند ريب الزمان لمعتز فهز ومحتاجها ومن يعجل الخيل يوم الوغى بالجامها قبل إسراجها أشارت نساء بني مالك اليك به قبل أزواجها قال ابن هرمة فأني قد قلت فيك أحسن من هذا قال هاته قال قلت اذا قلت أي فتى تعلمون أهش الى الطعن بالذابل واضرب للقرن يوم الوغى وأطعم في الزمن الماحل أشارت اليك أكف الورى إشارة غرقي الى ساحل قال المنصور أما هذا الشعر فمسترق وأما نحن فلا نكافى ء الا بالتي هي احسن
سياسة المنصور في العفو عن المسيء
ولما احتال ابو الازهر بالمهلب بن عبيثر المهري لعبد الحميد بن ربعي بن خالد ابن مغداق وأسلمه إلى حميد بن قحطبة وأسلمه حميد الى المنصور قال لا عذر فأعتذر وقد احاط بي الذنب وانت أولى بما ترى قال لست أقتل أحدا من ال قحطبة بل أهب مسيئهم الى محسنهم وغادرهم لوفيهم قال ان لم يكن في مصطنع فلا حاجة لي في الحياة ولست أرضى أن أكون طليق شفيع وعتيق ابن عم قال اسكت مقبوحا مشقوحا اخرج فانك أنوك جاهل أنت عتيقهم وطليقهم ما حييت ولما داهن سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب في شأن ابراهيم بن عبد الله وصار الى المنصور أمر الربيع بخلع سواده والوقوف به على رؤوس اليمانية في المقصورة يوم الجمعة ثم قال قل لهم يقول لكم أمير المؤمنين قد عرفتم ما كان من إحساني اليه وحسن بلائي عنده وقديم نعمتي عليه والذي حاول من الفتنة ورام من البغي وأراد من شق العصا ومعاوتة الاعداء وإراقة الدماء وأنه قد استحق بهذا من فعله أليم العقاب وعظيم العذاب وقد رأى أمير المؤمنين إتمام بلائه الجميل لديه ورب نعمائه السابقة عنده لما يتعرفه أمير المؤمنين من حسن عائدة الله عليه وما يؤمله من الخير العاجل والآجل عند العفو عمن ظلم والصفح عمن أساء وقد وهب أمير المؤمنين مسيئهم لمحسنهم وغادرهم لوفيهم وصف المأمون لصنوف العلم وقال سهل بن هرون يوما وهو عند المأمون من اصناف العلم ما لا ينبغي للمسلمين ان يرغبوا فيه وقد يرغب عن بعض العلم كما يرغب عن بعض الحلال قال المأمون قد يسمى بعض الناس الشيء علما وليس بعلم فان كنت اردت هذا فوجهه الذي ذكرنا ولو قلت ان العلم لا يدرك غوره ولا يسبر قعره ولا تبلغ غايته ولا يستقصي أصنافه ولا يضبط آخره فالامر على ما قلت فاذا كان الامر كذلك فابدأوا بالأهم فالأهم وابدأوا بالفرض قبل النفل فاذا فعلتم ذلك كان عدلا وقولا صدقا وقد قال بعض العلماء اقتصد من أصناف العلم ما هو أشهى الى نفسك واخف على قلبك فان نفاذك فيه على حسب شهوتك وسهولته عليك وقال ايضا بعض العلماء لست أطلب العلم طمعا في بلوغ غايته والوقوف على نهايته ولكن التماس ما لا يسع جهله ولا يحسن بالعاقل إغفاله وقال اخرون علم الملوك النسب والخبر وجمل الفقه وعلم التجار الحساب والكتاب وعلم اصحاب الحرب درس كتب المغازي وكتب السير فأما أن تسمي الشيء علما وتنهي عنه من غير ان يكون شيء يشغل عما هو انفع منه بل تنهى نهيا جزما وتأمر أمرا حتما والعلم بصر وخلافه عمى والاستبانة للشر ناهية عنه والاستبانة للخير آمره به ولما قرأ المأمون كتبي في الإمامة فوجدها على ما أمر به وصرت اليه وقد كان أمر اليزيدي بالنظر فيها ليخبره عنها قال لي قد كان بعض من نرتضي عقله ونصدق خبره خبرنا عن هذه الكتب بإحكام الصنعة وكثرة الفائدة فقلت قد تربي الصفة على العيان فلما رأيتها رأيت العيان قد أربى على الصفة فلما فليتها أربى الفلي على العيان كما أربى العيان على الصفة وهذا كتاب لا يحتاج الى حضور صاحبه ولا يفتقر الى المحتجين عنه قد جمع استقصاء المعاني واستيفاء جميع الحقوق مع اللفظ الجزل والمخرج السهل فهو سوقي ملوكي وعامي خاصي مجادلة المأمون للخراساني المرتد ولما دخل عليه المرتد الخراساني وقد كان حمله من خراسان حتى وافى به العراق قال له المأمون لأن أستحييك بحق احب الي من ان اقتلك بحق ولان اقبلك بالبراءة احب الي من ان أدفعك بالتهمة قد كنت مسلما بعد ان كنت نصرانيا وكنت فيها أتيح وأيامك اطول فاستوحشت مما كنت به آنسا ثم لم تلبث ان رجعت عنا نافرا فخبرنا عن الشيء الذي اوحشك من الشيء الذي صار آنس لك من الفك القديم وأنسك الاول فان وجدت عندنا دواء دائك تعالجت به والمريض من الاطباء يحتاج الى المشاورة وان اخطأك الشفاء ونبا عن دائك الدواء كنت قد أعذرت ولم ترجع على نفسك بلائمة فان قتلناك بحكم الشريعة أو ترجع انت في نفسك الى الاستبصار والثقة وتعلم انك لم تقصر في اجتهاد ولم تفرط في الدخول في باب الحزم قال المرتد اوحشني كثرة ما رأيت من الاختلاف فيكم قال المأمون لنا أختلافان أحدهما كالاختلاف في الأذان وتكبير الجنائز والاختلاف في التشهد وصلاة الاعياد وتكيبر التشريق ووجوه القراات واختلاف وجوه الفتيا وما أشبه ذلك وليس هذا باختلاف إنما هو تخيير وتوسعة وتخفيف من المحنة فمن أذن مثنى واقام مثنى لم يؤثم ومن أذن مثنى وأقام فرادي لم يحوب لا يتعايرون ولا يتعايبون أنت ترى ذلك عيانا وتشهد عليه تبيانا و الاختلاف الآخر كنحو اختلافنا في تأويل الآية من كتابنا وتأويل الحديث عن نبينا مع إجماعنا على اصل التزيل واتفاقنا على عين الخبر فان كان الذي أوحشك هذا حتى انكرت من اجله هذا الكتاب فقد ينبغي ان يكون اللفظ بجميع التوراة والانجيل متفقا على تأويله كما يكون متفقا على تنزيله ولا يكون بين جميع النصارى واليهود اختلاف في شيء من التأويلات وينبغي لك ان لا ترجع الا الى لغة لا إختلاف في تأويل الفاظها ولو شاء الله ان ينزل كتبه ويجعل كلام أنبيائه وورثة رسله لا يحتاج الى تفسير لفعل ولكنا لم نر شيئا من الدين والدنيا دفع الينا على الكفاية ولو كان الامر كذلك لسقطت البلوى والمحنة وذهبت المسابقة والمنافسة ولم يكن تفاضل وليس على هذا بنى الله الدنيا قال المرتد أشهد ان الله واحد لا ند له ولا ولد وان المسيح عبده وان محمدا صادق وانك امير المؤمنين حقا فأقبل المأمون على اصحابه فقال فروا عليه عرضه ولا تبزوه في يومه ريثما يعتق إسلامه كيلا يقول عدوه انه أسلم رغبة ولا تنسوا بعد نصيبكم من بره وتأنيسه ونصرته والعائدة عليه دفاع المأمون عن ايقاع الملوك بخاصتهم حدثنا احمد بن ابي داود قال قال لي المأمون لا يستطيع الناس ان ينصفوا الملوك من وزرائهم ولا يستطيعون ان ينظروا بالعدل بين الملوك وحماتهم وكفاتهم وبين صنائعهم وبطانتهم وذلك أنهم يرون ظاهر حرمة وخدمة واجتهاد ونصيحة ويرون إيقاع الملوك بهم ظاهرا احتى لا يزال الرجل يقول ما أوقع به الا رغبة في ماله أو رغبة في بعض ما لا تجود النفوس به ولعل الحسد والملال وشهوة الاستبدال اشتركت في ذلك وهناك خيانات في صلب الملك أو في بعض الحرم فلا يستطيع الملك ان يكشف للعامة موضع العورة في الملك ولا ان يحتج لتلك العقوبة بما يستحق ذلك الذنب ولا يستطيع الملك ترك عقابه لما في ذلك من الفساد على علمه بأن عذره غير مبسوط للعامة ولا معروف عند أكثر الخاصة من آداب الملوك ونزل رجل من أهل العسكر فعدا بين يدي المأمون وشكا اليه مظلمته فأشار بيده ان حسبك فقال له بعض من كان يقرب من المأمون يقول لك أمير المؤمنين إركب قال المأمون لا يقال لمثل هذا اركب انما يقال له انصرف وحدثني ابراهيم بن السندي قال بينا الحسن اللؤلؤي يحدث المأمون ليلا وهو بالرقة وهو يومئذ ولي عهد وأطال الحسن الحديث حتى نعس المأمون فقال الحسن نعست أيها الأمير ففتح عينيه وقال سوقي ورب الكعبة يا غلام خذ بيده ذكر بقية كلام النوكى والموسوسين والجفاة والاغبياء وما ضارع ذلك وشاكله وأحببنا ان لا يكون مجموعا في مكان واحد إبقاء على نشاط القارى ء والمستمع مر ابن ابي علقمة بمجلس بني ناجية فكبا حماره لوجهه فضحكوا منه فقال ما يضحككم رأى وجوه قريش فسجد ابو الحسن قال أتى رجل عباديا صيرفيا يستسلف منه مئتي درهم فقال وما تصنع بها قال أشتري بها حمارا فلعلي أربح فيه عشرين درهما قال اذا انا وهبتك العشرين فما حاجتك الى المئتين قال ما أريد الا المئتين فقال انت لا تريد ان تردها علي قال وأتى قوم عباديا فقالوا نحب ان تسلف فلانا ألف درهم وتؤخره سنة فقال هاتان حاجتان وسأقضي لكم إحداهما واذا فعلت ذلك فقد أنصفت اما الدراهم فلا تسهل علي ولكني أوخره سنتين
ولعب رجل قدام بعض الملوك بالشطرنج فلما رآه قد استجاد لعبه وفاوضه الكلام قال له لم لا توليني نهر بوق قال أوليك نصفه اكتبوا له عهده على بوق وقال له مرة ولني أرمينية قال يبطى ء على امير المؤمنين خبرك وقدم اخر على صاحب له من فارس فقال له قد كنت عند امير المؤمنين فأي شيء ولاك قال ولاني قفاه قال ونظر أمير الى اعرابي فقال لقد هم لي الامير بخير قال ما فعلت قال فبشر قال وما فعلت قال ان الامير لمجنون قال ابو الحسن شهد مجنون على امرأة ورجل بالزنا فقال الحاكم تشهد انك رايته يدخله ويخرجه قال والله لوكنت جلدة استها لما شهدت بهذا قال وكان رجل من اهل الري يجالسنا فاحتبس عنا فأتيته فجلست معه على بابه واذا رجل يدخل ويخرج فقلت من هذا فسكت ثم أعدت فسكت فلما أعدت الثالثة قال هو زوج أخت خالتي وقال الشاعر اذا المرء جاز الاربعين ولم يكن له دون ما يأتي حياء ولا ستر فدعه ولا تنفس عليه الذي أتى ولو جر أرسان الحياة له الدهر اعرابي خاصمته امرأته الى السلطان فقيل له ما صنعت قال خيرا كبها الله لوجهها وأمر بي الى السجن قال ابو الحسن عرض الاسد لأهل قافلة فتبرع عليهم رجل فخرج اليه فلما رآه سقط وركبه الأسد فشدوا عليه بأجمعهم فتنحى عنه الأسد فقالوا له ماحا لك قال لا بأس علي ولكن الأسد خري في سراويلي قال ابو عباية السليطي قد فسد الناس قلت وكيف قال ترى بساتين هزار مرد هذه ما كان يمر بها غلام الا بخفير قلت هذا صلاح قال لا بل فساد قال ابو الحسن خطب بن سعيد بن العاص عائشة ابنة عثمان على أخيه فقالت لا أتزوجه قال ولم قالت هو أحمق له برذونان أشبهان فيحتمل مؤونة اثنين وهما عند الناس واحد
قال كان المغيرة بن المهلب ممرورا وكان عند الحجاج يوما فهاجت فها به مرته فقال له الحجاج أدخل المتوضأ وأمر من يقيم عنده حتى يتقيأ ويفيق قال ابوالحسن قالت خيرة بنت ضمرة القشيرية امرأة المهلب للمهلب اذا انصرفت من الجمعة فأحب ان تمر بأهلي قال لها ان أخاك احمق قالت فاني أحب ان تفعل فجاء وأخوها جالس وعنده جماعة فلم يوسع له فجلس المهلب ناحية ثم أقبل عليه فقال له ما فعل ابن عمك فلان قال حاضر فقال أرسل اليه ففعل فلما نظر اليه غير مرفوع المجلس قال يا ابن الخناء ألمهلب جالس ناحية وانت جالس في صدر المجلس وواثبه فتركه المهلب وانصرف فقالت له خيرة أمررت بأهلي قال نعم وتركت أخاك الاحمق يضرب قال وكتب الحجاج الى الحكم بن أيوب اخطب على عبد الملك بن الحجاج امرأة جميلة من بعيد مليحة من قريب شريفة في قوتها ذليلة في نفسها أمة لبعلها فكتب اليه قد أصبتها لولا عظم ثديها فكتب اليه الحجاج لا يحسن نحر المرأة حتى يعظم ثدياها قال المرار بن منفذ العدوي صلته الخد طويل جيدها ضخمة الثدي ولما ينكسر قال علي بن ابي طالب كرم الله تعالى وجهه لا حتى تدفى ء الضجيج وتروي الرضيع وقال ابن صديقة لرجل رأى معه خفا ما هذه القلنسوة فاحتكموا الى عرباض فقال عرباض هي قلنسوة الرجلين قال ابو اسحق قلت لخنجير كوز وعدتك ان تجيء ارتفاع النهار فجئتني صلاة العصر قال جئتك ارتفاع العشي قال قيل لاعرابي ما اسم المرق عندكم قال السخين قال فاذا برد قال لاندعه يبرد باع نخاس من اعرابي غلاما فأراد ان يتبرأ من عيبه قال اعلم انه يبول في الفراش قال ان وجد فراشا فليبل فيه حدثنا صديق لي قال أتاني اعرابي بدرهم فقلت له هذا زائف فمن أعطاك هذا قال لص مثلك
وقال زيد بن كثوة أتيت بني كش هؤلاء فاذا عرس وبلق الباب فادرنفق وأدمج فيه سرعان من الناس وألصت ولوج الدار فدلظني الحداد دلظة دهورني على قمة رأسي وابصرت شيخان الحي هناك ينتظرون المزية فعجبت اليهم فوالله ان زلنا نظار نظار حتى عقل الظل فذكرت اخلاثي من بني تبر فقصدتهم وانا اقول تركن بني كش وما في ديارهم عوامد واعصوصين نحو بني تبر الى معشر شم الانوف قراهم اذا نزل الاضياف من قمع الجزر وانصرفت وأتيت باب كش واذا الرجال صتيتان واذا أرمداء كثيرة وطهاة لا تحصى ولحمان في جثمان الاكام قال صالح بن سليمان احمق الشعراء الذي يقول أهيم بدعد ما حييت فان أمت أوكل بدعد من يهيم بها بعدي ولا يشبه قول الاخر فلا تنكحي ان فرق الدهر بيننا أغم القفا والوجه ليس بأنزعا قال مات لابن مقرن غلام فحفر لهم اعرابي قبره بدرهمين وذلك في بعض الطواعين فلما اعطوه الدرهمين قال دعوهما حتى يجتمع لي عندكم ثمن ثوب وأدخل اعرابي الى المربد جنيبا له فنظر اليها بعض الغوغاء فقال لا إله الا الله ما أسمن هذه الجزر قال له الاعرابي ما لها تكون جزرا جزرك الله قال ابو الحسن جاء رجل الى رجل من الوجوه فقال انا جارك وقد مات اخي فلان فمر لي بكفن قال لا والله ما عندي اليوم شيء ولكن تعهدنا وتعود بعد ايام فسيكون الذي تحب قال أصلحك الله فنملحه الى ان يتيسر عندكم شيء قال كان مولى البكرات يدعي البلاغة فكان يتصفح كلام الناس فيمدح الرديء ويذم الجيد فكتب الينا رسالة يعتذر فيها من ترك المجيء فقال وقطعني عن المجيء اليكم انه طلعت في احدى اليتي ابني بثرة فعظمت حتى صارت كأنها رمانة صغيرة وقال علي الاسواري فلما رأيته اصفر وجهي حتى صار كأنه الكثوث
وقال محمد بن الجهم الى اين بلغ الماء منك قال الى العانة قال شعيب ابن زرارة لو كان قال الى الشعرة كان أجود وقال له محمد بن الجهم هذا الدواء الذي جئت به قدركم آخذ منه قال قدر بعرة وقال علي جاءني رجل حزنبل من ههنا الى ثمة شيء من سخف قاسم التمار وقال قاسم التمار بينهما كما بين السماء الى قريب من الارض وقال قاسم التمار اينما رأيت إيوان كسرى كأنما رفعت عنه الايدي اول من امس واقبل على اصحاب له وهم يشربون النبيذ وذلك بعد العصر بساعة فقال لبعضهم قم صل فاتتك الصلاة ثم امسك عنه ساعة ثم قال الاخر قم صل ويلك فقد ذهب الوقت فلما أكثر عليهم في ذلك وهوجالس لا يقوم يصلي قال له واحد فأنت لم لم تصل فاقبل عليه فقال ليس والله يعرفون أصلي في هذا قلت وأي شيء أصلك قال لا نصلي لان هذه المغرب قد جاءت وقال قاسم أنا انفس بنفسي على السلطان وأتى منزل ابن أبي شهاب وقد تعشى القوم وجلسوا على النبيذ فأتوه بخبز وزيتون وكامخ فقال أنا لا أشرب النبيذ الا على زهومة وقال حين بعت البغل بدأت بالسرج وقال ليس في الدنيا ثلاثة أنكح مني أنا اكسل منذ ثلاث ليال في كل ليلة عشر مرات كأن الإكسال عنده هو الانزال وقال ذهب الله مني الاطيبين قلت وأي شيء الاطيبين قال قوة اليدين والرجلين وقال فالتوى لي عرق حين قعدت منها مقعد الرجل من الغلام وقال في غلام له رومي ما وضعت بيني وبين الارض أطيب منه قال ومحمد بن حسان لا يشكرني ووالله ما ناك حاذرا قط الا على يدي وقال ابو خشرم اعجب اسباب النيك فقيل له النيك وحده قال سمعنا الناس يقولون ما اعجب اسباب الرزق وما اعجب الاسباب وكان قاسم التمار عند ابن لأحمد بن عبد الصمد بن علي وهناك جماعة فأقبل وهب المحتسب يعرض له بالغلمان فلما طال ذلك على قاسم أراد ان يقطعه عن نفسه بأن يعرفه هو ان ذلك القول عليه فقال إشهدوا جميعا أني أنيك الغلمان واشهدوا جميعا اني أعفج الصبيان والتفت التفاتة فرأى الاخوين الهذليين وكانا يعاديانه بسبب الاعتزال فقال عنيت بقولي فقال اشهدوا جميعا اني لوطي اي على دين لوط قال القوم بأجمعهم انت لم تقل اشهدوا اني لوطي إنما قلت اشهدوا اني أنيك الصبيان قال سفيان السدوسي لم يكن في الارض احد قط أعلم بالنجوم ثم بالقراءات من ما شاء الله كان يريد ما شاء الله المنجم وكان يقول هو أكفر عندي من رام هرمز يريد أكفر من هرمز وممن وسوس غلفاء بن الحرث ملك قيس عيلان وسوس حين قتل اخوته وكان يتغلف ويغلف أصحابه بالغالية فسمى غلفاء بذلك وكان رجل ينيك البغلات فجلس يوما يحدث عن رجل كيف نال بغلة وكيف انكسرت رجله وكيف كان ينالها قال كان يضع تحت رجله لبنة فبينا هوينحى فيها اذ انكسرت اللبنة من تحت رجله واذا انا على قفاي ومن الاحاديث المولدة التي لا تكون وهومليح في ذلك قولهم ناك رجل كلبة فعقدت عليه فلما طال عليه البلاء رفع رأسه فصادف رجلا يطلع عليه من سطح فقال له الرجل اضرب جنبها فلما ضرب جنبها وتخلص قال قاتله الله اي نياك كلبات هو وكان عندنا قاص اعمى ليس يحفظ من الدنيا الا حديث جرجيس فلما بكى واحد من النظارة قال القاص أنتم بأي شيء تبكون انما البلاء علينا معاشر العلماء قال وبكى حول ابي شيبان ولده وهو يريد مكة قال لا تبكوا يا بني فاني أريد ان أضحى عندكم وقال اخوه ولدت في رأس الهلال للنصف من شهر رمضان إحسب انت الان هذا كيف شئت وقال تزوجت امرأة مخزومية عمها الحجاج بن الزبير الذي هدم الكعبة وقال ذلك لم يكن أبا انما كان والدا وقال ابو دينار هو وان كان أخا فقد ينبغي ان ينصف ومن المجانين علي بن أسحق بن يحيى بن معاذ وكان اول ما عرف من جنونه انه قال أرى الخطأ قد كثر في الدنيا والدنيا كلها في جوف الفلك وانما نؤتى منه وقد تخلخل وتخرم ونزايل فاعتراه ما يعتري الهرماء وانما هو مجنون فكم يصبر وسأحتال في الصعود اليه فاني ان بخرته ورندجته وسويته انقلب هذا الخطأ كله الى الصواب وجلس مع بعض متعاقلي فتيان العسكر وجاءهم النخاس بجوار فقال ليس نحن في تقويم الابدان انما نحن في تقويم الاعضاء ثمن أنف هذه خمسة وعشرون دينارا وثمن أذنيها ثمانية عشر وثمن عينيها ستة وسبعون وثمن رأسها بلا شيء من حواسها مائة دينار فقال صاحبه المتعاقل ههنا باب هو أدخل في الحكمة من هذا كان ينبغي لقدم هذه ان تكون لساق تلك وأصابع تلك ان تكون لقدم هذه وكان ينبغي لشفتي تيك ان تكونا لفم تيك وان تكون حاجبا تيك لجبيني هذه فسمى مقوم الاعضاء ومن النوكى كلاب بن ربيعة وهو الذي قتل الخثعمي قاتل أبيه دون أخوته وهوالقائل ألم ترني بشيخ صدق وقد أخذ الاداوة فاحتساها ثأرت بشيخه شيخا كريما شفاء النفس ان شيء شفاها ومنهم نعامة وهو بيهس وهو الذي قال مكره أخاك لا بطل واياه يعني الشاعر ومن حذر الايام ما حز أنفه قصير ولاقى الموت بالسيف بيهس نعامة لما صرع القوم رهطه تبين في أثوابه كيف يلبس وقال الحضرمي اما أنا فأشهد ان تميما اكثر من محارب وقال حيان البزار قبح الله الباطل الرطب بالسكر والله طيب وقال ابو الحسن سمعت الصغدي الحارثي يقول كان الحجاج أحمق بنى مدينة واسط في بادية النبط ثم قال لهم لا تدخلوها فلما مات دبوا اليها من قريب مسعدة بن المبارك قال قلت للبكراوي أبا مرأتك حمل قال شيء ليس بشيء قال بني عبيد الله بن زياد البيضاء فكتب رجل على باب البيضاء شيء ونصف شيء ولا شيء الشيء مهران الترجمان ونصف الشيء هند ابنة اسماء ولا شيء عبيد الله بن زياد فقال عبيد الله اكتب الى جنبه لولا الذي زعمت انه لا شيء لماكان ذلك الشيء شيئا ولا ذلك النصف نصفا
وقال هشام بن عبد الملك يوما في مجلسه يعرف حمق الرجل بخصال بطول لحيته وشناعة كنيته وبشهوته ونقش خاتمه فأقبل رجل طويل اللحية فقال هذه واحدة ثم سأله عن كنيته فاذا هي شنعاء فقال هاتان ثنتان ثم قال واي شيء أشهى اليك قال رمانة مصاصة قال أمصك الله بظر أمك وقيل لأبي القمقام لم لا تغزو أو تخرج الى المصيصة قال أمصني الله إذا ببظر أمي وقالوا لأبي الاصبع بن ربعي أما تسمع بالعدو وما يصنعون في البحر فلم لا تخرج الى قتال العدو قال انا لا اعرفهم ولا يعرفونني فكيف صاروا لي اعداء قال كان الوليد بن القعقاع عاملا على بعض الشام فكان في كل خطبة وان كان في أيام الشعري فقام اليه شيخ من أهل حمص فقال اصلح الله الامير اذا تفسد القطاني يعني الحبوب واحدها قطنية وأما نفيس غلامي فانه كان اذا صار الى فراشه في كل ليلة في سائر السنة يقول في دعائه اللهم حوالينا ولا علينا قال وكان بالرقة رجل يحدث عن بني اسرائيل وكان يكنى أبا عقيل فقال له الحجاج بن حنتمة ما كان اسم بقرة بني اسرائيل قال حنتمة فقال له رجل من ولد أبي موسى في أي الكتب وجدت هذا قال في كتاب عمرو بن العاص ومن اللحانين الاشراف ابن ضحيان الازدي وكان يقرأ قل يا أيها الكافرين فقيل له في ذلك فقال قد عرفت القراءة في ذلك ولكني لا أجل امر الكفرة وقال حبيب بن أوس ماولدت حواء أحمق لحية من سائل يرجو الغنى من سائل وقال أيضا أيوسف جئت بالعجب العجيب تركت الناس في شك مريب سمعت بكل داهية ناد ولم اسمع بسراح أديب
أما لو أن جهلك عاد علما اذا لنفذت في علم الغيوب وما لك بالغريب يد ولكن تعاطيك الغريب من الغريب وأنشدوا أرى زمنا نوكا واسعد أهله ولكنما يشقى به كل عاقل مشى فوقه رجلاه والرأس تحته فكب الأعالي بارتفاع الاسافل وهذه أبيات كتبناها في غير هذا المكان من هذا الكتاب ولكن هذا المكان أولى بها وقال الشاعر وللدهر ايام فكن في لباسها كلبسته يوما اجد واخلقا وكن اكيس الكيسى اذا كنت فيهم وان كنت في الحمقى فكن انت احمقا وقال الاخر وانزلني طول النوى دار غربة اذا شئت لاقيت الذي لا أشاكله فحامقته حتى يقال سجية ولو كان ذا عقل لكنت أعاقله وقال أبو العتاهية من سابق الدهر كبا كبوة لم يستقلها من خطا الدهر فاخط مع الدهر على ما خطا واجر مع الدهر كما يجري ليس لما ليست له حيلة موجودة خير من الصبر وقال بشر بن المعتمر حيلة ما ليست له حيلة حسن عزاء النفس والصبر وقال صالح بن عبد القدوس وإن عناء ان تفهم جاهلا ويحسب جهلا انه منك أفهم متى يبلغ البنيان يوما تمامه اذا كنت تبنيه واخر يهدم وقال بشر بن المعتمر واذا الغبي رأيته مستغنيا أعيا الطبيب وحيلة المحتال ومن المجانين مهدي بن الملوح الجعدي وهو مجنون بني جعدة وبنو المجنون قبيل من قبائل بني جعدة وهوغير هذا المجنون وأما مجنون بني عامر وبني عقيل فهو قيس بن معاذ وهو الذي يقال له مجنون بني عامر
وهما شاعران قيل ذلك لهما لتجننهما بعشيقتين كانتا لهما ولهما أشعار معروفة رأي فيما كان يروي وقد أدركت رواة المسجديين والمربديين ومن لم يرو أشعار المجانين ولصوص الاعراب ونسيب الاعراب والارجاز الاعرابية القصار وأشعار اليهود والاشعار المنصفه فانهم كانوا لا يعدونه من الرواة ثم استبردوا ذلك كله ووقفوا على قصار الاحاديث والقصائد والفقر والنتف من كل شيء ولقد شهدتهم وما هم على شيء أحرص منهم على نسيب العباس بن الاحنف فما هو الا ان أورد عليهم خلف الاحمر نسيب الاعراب فصار زهدهم في نسيب العباس بقدر رغبتهم في نسيب الاعراب ثم رأيتهم منذ سنيات وما يروي عندهم نسيب الاعراب الا حدث السن قد ابتدأ في طلب الشعر أو فتياني متغزل وقد جلست الى أبي عبيدة والأصمعي ويحيى بن نجيم وأبي مالك عمرو بن كركرة مع من جالست من رواة البغداديين فما رأيت احدا منهم قصد الى شعر في النسيب فأنشده وكان خلف يجمع ذلك كله ولم أر غاية النحويين الا كل شعر فيه إعراب ولم أرغاية رواة الأشعار الا كل شعر فيه غريب أو معنى صعب يحتاج الى الاستخراج ولم أر غاية رواة الاخبار الا كل شعر فيه الشاهد والمثل ورأيت عامتهم فقد طالت مشاهدتي لهم لا يقفون الا على الالفاظ المتخيرة والمعاني المنتخبة وعلى الالفاظ العذبة والمخارج السهلة والديباجة الكريمة وعلى الطبع المتمكن وعلى السبك الجيد وعلى كل كلام له ماء ورونق وعلى المعاني التي اذا صارت في الصدور عمرتها وأصلحتها من الفساد القديم وفتحت للسان باب البلاغة ودلت الاقلام على مدافن الالفاظ واشارت الى حسان المعاني ورأيت البصر بهذا الجوهر من الكلام في رواة الكتاب أعم وعلى ألسنة حذاق الشعراء اظهر ولقد رأيت ابا عمرو الشيباني يكتب اشعارا من أفواه جلسائه ليدخلها في باب التحفظ والتذاكر وربما خيل الي ان ابناء اولئك الشعراء لا يستطيعون ابدا ان يقولوا شعرا جيدا لمكان إغراقهم في أولئك الآباء ولولا ان اكون عيابا ثم للعلماء خاصة لصورت لك في هذا الكتاب بعض ما سمعت من أبي عبيدة ومن هو أبعد في وهمك من أبي عبيدة قال ابن المبارك كان عندنا رجل يكنى ابا خارجة فقلت له لم كنوك أبا خارجة قال لأني ولدت يوم دخل سليمان بن علي البصرة وكان عندنا شيخ حارس من علوج الجبل وكان يكنى أبا خزيمة فقلت لاصحابنا هل لكم في مسألة هذا الحارس عن سبب كنيته فلعل الله يفيد من هذا الشيخ علما وان كان في ظاهر الرأي غير مامول ولا مطمع وهذه الكنية كنية زرارة بن عدس وكنية حازم بن خزيمة وكنية حمزة بن ادرك وكنية فلان وفلان وكل هؤلاء إما قائد متبوع وإما سيد مطاع ومن أين وقع هذا العلج الألكن على هذه الكنية فدعوته فقلت له هذه الكنية كناك بها انسان أو كنيت بها نفسك قال لا ولكني كنيت بها نفسي قلت فلم اخترتها على غيرها قال وما يدريني قلت ألك ابن يسمى خزيمة قال لا قلت افكان ابوك أو عمك أو مولى لك يسمى خزيمة قال لا قلت فاترك هذه الكنية وأكتن بأحسن منها وخذ مني دينارا قال والله ولا بجميع الدنيا اعطى المحلول ابنه درهما وقال زنه فطرح وزن درهمين وهو يحبسه وزن درهم فلما رأى الدرهم قد شال وضع معه وزن درهم فلما رفعه وجده شائلا فألقى معه حبتين فقال أبوه كم فيه قال ليس فيه شيء وهو ينقص حبتين وكان عندنا قاص يقال له موسى كوش فأخذ يوما في ذكر قصر الدنيا وطول أيام الاخرة وتصغير شأن الدنيا وتعظيم شأن الاخرة فقال ان الذي عاش خمسين سنة لم يعش شيئا وعليه فضل سنتين قالوا وكيف ذاك قال خمسا وعشرين سنة ليل هو فيها لا يعقل قليلا ولا كثيرا وخمس سنين قائلة وعشرين سنة إما ان يكون صبيا واما ان يكون معه سكر الشباب فهو لا يعقل ولا بد من صحبة بالغداة ونعسة بين المغرب والعشاء كالغشي الذي يصيب الانسان مرارا في دهره وغير ذلك من الآفات فاذا حصلنا ذلك فقد صح ان الذي عاش خمسين سنة لم يعش شيئا وعليه فضل سنتين وقال بعض الهلاك دخل فلان على كسرى فقال أصلحك الله ما الامر في كذا وكذا قال رجل من وجوه أهل البصرة حدثت حادثة أيام الفرس فنادى كسرى الصلاة جامعة وقلت لغلامي نفيس بعثتك الى السوق في حوائج فاشتريت ما لم آمرك به وتركت كل ما أمرتك به قال يا مولاي انا ناقة وليس في ركبتي دماغ وقال نفيس لغلام لي الناس ويلك أنت حياء كلهم أقل يريد انت أقل الناس كلهم حياء وقلت لقيس بن بريهة هذا الصبي في أي شيء أسلموه قال في اصحاب سند نعال يريد في أصحاب النعال السندية تأويل حديث روى الآصعمي وابن الاعرابي عن رجالهما ان رسول الله قال إنا معشر الانبياء بكاء فقال ناس ألبك القلة وأصل ذلك من اللبن فقد جعل صفة الانبياء قلة الكلام ولم يجعله من إيثار الصمت ومن التحصيل وقلة الفضول قلنا ليس في ظاهر هذا الكلام دليل على ان القلة من عجز في الخلقة وقد يحتمل ظاهر الكلام الوجهين جميعا وقد يكون القليل من اللفظ يأتي على الكثير من المعاني والقلة تكون من وجهين أحدهما من جهة التحصيل والاشفاق من التكلف وعلى تصديق ذلك قوله تعالى قل ما اسألكم عليه من أجر وما انا من المتكلفين وعلى البعد من الصنعة ومن شدة المحاسبة وحصر النفس حتى يصير بالتمرين والتوطين الى عادة تناسب الطبيعة وتكون من جهة العجز ونقصان الآلة وقلة الخواطر وسوء الاهتداء الى جياد المعاني والجهل بمحاسن الالفاظ ألا ترى ان الله قد استجاب لموسى على نبينا وعليه السلام حين قال واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هرون أخي أشدد به أزري واشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا انك كنت بنا بصيرا قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ولقد مننا عليك مرة أخرى فلو كانت تلك القلة من عجز كان النبي أحق بمسألة اطلاق تلك العقدة من موسى لان العرب أشد فخرا ببيانها وطول ألسنتها وتصريف كلامها وشدة اقتدارها وعلى حسب ذلك كانت ذرايتها على كل من قصر عن ذلك التمام ونقص من ذلك الكمال وقد شاهدوا النبي وخطبه الطوال في المواسم الكبار ولم يطل التماسا للطول ولا رغبة في القدرة على الكثير ولكن المعاني اذا كثرت والوجوه اذا أفتنت كثر عدد اللفظ وان حذفت فضوله بغاية الحذف ولم يكن الله ليعطي موسى لتمام ابلاغه شيئا لا يعطيه محمدا والذي بعث فيهم أكثر ما يعتمدون عليه البيان واللسن وإنما قلنا هذا لنحسم جميع وجوه الشغب لا ان أحدا من أعدائه شاهد هناك طرفا من العجز ولو كان ذلك مرئيا ومسموعا لاحتجوا به في الملا ولتناجوا به في الخلا ولتكلم به خطيبهم ولقال فيه شاعرهم فقد عرف الناس كثرة خطبائهم وتسرع شعرائهم هذا على اننا لا ندري أقال ذلك رسول الله أم لم يقله لان مثل هذه الاخبار يحتاج فيها الى الخبر المكشوف والحديث المعروف ولكنا بفضل الثقة وظهور الحجة نجيب بمثل هذا وشبهه وقد علمنا ان من يقرض الشعر ويتكلف الاسجاع ويؤلف المزدوج ويتقدم في تحبير المنثور وقد تعمق في المعاني وتكلف إقامة الوزن والذي تجود به الطبيعة وتعطيه النفس سهوا رهوا مع قلة لفظه وعد هجائه أحمد امرا وأحسن موقعا من القلوب وأنفع للمستمعين من كثير خرج بالكد والعلاج ولأن التقدم منه وجمع النفس له وحصر الفكر عليه لا يكون الا ممن يحب السمعة ويهوى الفلج والاستطالة وليس بين حال المتنافسين وبين حال المتحاسدين الا حجاب رقيق وحجاز ضعيف والانبياء بمندوحة من هذه الصفة وفي ضد هذه الشيمة وقال عامر بن عبد قيس الكلمة اذا خرجت من القلب وقعت في القلب واذا خرجت من اللسان لم تجاوز الاذان وتكلم رجل عند الحسن بمواعظ جمة ومعان تدعو الى الرقة فلم ير الحسن رق فقال الحسن اما ان يكون بنا شر أو بك يذهب الى ان المستمع يرق على قدر رقة القائل والدليل الواضح والشاهد القاطع قول النبي نصرت بالصبا وأعطيت جوامع الكلم وهو القليل الجامع للكثير وقال الله تعالى وقوله الحق وما علمناه الشعر ثم قال وما ينبغي له ثم قال ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون فعم ولم يخص وأطلق ولم يقيد فمن الخصال التي ذمهم بها تكلف الصنعة والخروج الى المباهاة والتشاغل عن كثير من الطاعة ومناسبة أصحاب التشديق ومن كان كذلك كان أشد افتقارا الى السامع من السامع اليه لشغفه ان يذكر في البلغاء وصبابته باللحاق بالشعراء ومن كان كذلك غلبت عليه المنافسة والمغالبة وولد ذلك في قلبه شدة الحمية وحب المحاربة ومن سخف هذا السخف وغلب الشيطان عليه هذه الغلبة كانت حاله داعية الى قول الزور والفخر بالكذب وصرف الرغبة الى الناس والافراط في مديح من اعطاه وذم من منعه فنزه الله رسوله ولم يعلمه الكتاب والحساب ولم يرغبة في صنعة الكلام والتقيد لطلب الالفاظ والتكلف لاستخراج المعاني فجمع له باله كله في الدعاء الى الله والصبر عليه والمجاهدة فيه والانبتات اليه والميل الى كل ما يقرب منه فأعطاه الاخلاص الذي لا يشوبه رياء واليقين الذي لا يعتوره شك والعزم المتمكن والقوة الفاضلة فاذا رأت مكانه الشعراء وفهمته الخطباء ومن قد تعبد للمعاني وتعود نظمها وتنضيدها وتأليفها وتنسيقها واستخراجها من مدافنها وإثارتها من اماكنها علموا انهم لا يبلغون بجميع ما معهم مما قد استفرغهم واستغرق مجهودهم وبكثير من قد خولوه قليلا ممايكون معه على البداهة والفجاءة من غير تقدم في طلبه واختلاف الى اهله وكانوا مع تلك المقامات والسياسات ومع تلك الكلف والرياضيات لا ينفكون في بعض تلك المقامات من بعض الاستكراه والزلل ومن بعض التعقيد والخطل ومن التفنن والانتشار ومن التشديق والاكثار ورأوه مع ذلك يقول إياي والتشادق وأبغضكم إلي الثرثارون المتفيهقون ثم رأوه في جميع غاية في التسديد والصواب التام والعصمة الفاضلة والتأييد الكريم وعلموا ان ذلك من ثمرة الحكمة ونتاج التوفيق وان تلك الحكمة من ثمرة التقوى ونتاج الاخلاص وللسلف الطيب حكم وخطب كثيرة صحيحة ومدخولة لا يخفى شأنها على نقاد الالفاظ وجهابذة المعاني متميزة عند الرواة الخلص وما بلغنا عن احد من جميع الناس ان احدا ولد لرسول الله خطبة واحدة فهذا وما قبله حجة في تأويل ذلك الحديث ان كان حقا وفي كتاب الله المنزل ان الله تبارك وتعالى جعل منيحة داود الحكمة وفصل الخطاب كما أعطاه إلانة الحديد وفي الحديث المأثور والخبرالمشهور ان رسول الله قال شعيب خطيب الانبياء وعلم الله سليمان منطق الطير وكلام النمل ولغات الجن فلم يكن عز وجل ليعطيه ذلك ثم يبتليه في نفسه وبيانه عن جميع شأنه بالقلة والمعجزة ثم لا تكون تلك القلة الا على الإيثار منه للقلة في موضعها وعلى البعد من استعمال التكلف ومناسبة اهل الصنعة والمشغوفين بالسمعة وهذا لا يجوز على الله عز وجل فان كان الذي رويتم من قوله إنا معاشر الانبياء بكاء على ما تأولتم وذلك ان لفظ الحديث عام في جميع الانبياء فالذي ذكرنا من حال داود وسليمان عليهما السلام وحال شعيب والنبي دليل على بطلان تأويلكم ورد لعموم لفظ الحديث وهذه جملة كافية لمن كان يريد الانصاف تعليل امية النبي وكان شيخ من البصريين يقول ان الله انما جعل نبيه أميا لا يكتب ولا يحسب ولا ينسب ولا يقرض الشعر ولا يتكلف الخطابة ولا يتعمد البلاغة لينفرد الله بتعليمه الفقه وأحكام الشريعة ويقصره على معرفة مصالح الدين دون ما تتباهى به العرب من قيافة الاثر وعيافة الطير ومن العلم بالانواء وبالخيل وبالانساب وبالاخبار وتكلف قول الاشعار ليكون اذا جاء بالقرآن الحكيم وتكلم بالكلام العجيب كان ذلك أدل على انه من الله وزعم ان الله لم يمنعه ادابهم واخبارهم واشعارهم ليكون انقص حظا من الحاسب والكاتب ومن الخطيب الناسب ولكن ليجعله نبيا وليتولى امر تعليمه بما هو ازكى وأنمى فانما نقصه ليزيده ومنعه ليعطيه وحجبه عن القليل ليجلي له الكثير رد هذا التعليل وايراد تعليل اخر وقد اخطأ هذا الشيخ ولم يرد الا الخير وقال بمبلغ علمه ومنتهى رأيه ولو زعم ان أداة الحساب والكتابة وأداة قريض الشعر وجميع النسب وقد كانت فيه تامة وافرة مجتمعة كاملة ولكنه صرف تلك القوى وتلك الاستطاعة الى ما هو ازكى بالنبوة وأشبه بمرتبة الرسالة وكان اذا احتاج الى البلاغة كان ابلغ البلغاء واذا احتاج الى الخطابة كان أخطب الخطباء وأنسب من كل ناسب وأقوف من كل قائف ولو كان في ظاهره والمعروف من شأنه انه كاتب حاسب وشاعر ناسب ومتفرس قائف ثم اعطاه الله برهانات الرسالة وعلامات النبوة لما كان ذلك مانعا من وجوب تصديقه ولزوم طاعته والانقياد لأمره على سخطهم ورضاهم ومكروههم ومحبوبهم ولكنه اراد ان لا يكون للشاعر متعلق عما دعا اليه حتى لا يكون دون المعرفة بحقه حجاب وان رق وليكون ذلك اخف في المؤونة وأسهل في المحنة فلذلك صرف نفسه عن الامور التي كانوا يتكلفونها ويتنافسون فيها فلما طال هجرانه لقريض الشعر وروايته صار لسانه لا ينطق به والعادة توأم الطبيعة فأما في غير ذلك فانه اذا شاء كان انطق من كل منطيق وأنسب من كل ناسب وأقوف من كل قائف وكانت الته أوفر وأداته اكمل إلا انها كانت مصروفة الى ما هو أبعد وبين ان يضيف اليه العادة الحسنة وامتناع الشيء عليه من طول الهجران له فرق ومن العجب ان صاحب هذه المقالة لم يره عليه السلام في حال معجزة قط بل لم يره إلا وهو ان أطال الكلام قصر عنه كل مطيل وان قصر القول اتى على غاية كل خطيب وما عدم منه الا الخط وإقامة الشعر فكيف ذهب ذلك المذهب والظاهر من امره عليه السلام غير ما توهم وسنذكر بعض ما جاء في تفضيل الشعر والخوف منه ومن اللسان البليغ والمداراة له وما اشبه ذلك تفضيل الشعر ومداراة البليغ قال أبو عبيدة اجتمع ثلاثة من بني سعد يراجزون بني جعدة فقيل لشيخ من بني سعد ما عندك قال أرجز بهم يوما الى الليل لا أفئج وقيل للاخر ما عندك قال أرجز بهم يوما الى الليل لا أنكف فقيل للثالث ما عندك قال ارجز بهم يوما الى الليل لا أنكش فلما سمعت بنو جعدة كلامهم انصرفوا وخلوهم
قال وبنو ضرار احد بني ثعلبة بن سعد لما مات أبوهم وترك الثلاثة الشعراء صبيانا وهم شماخ ومزرد وجزء أرادت أمهم وهي أم أوس ان تتزوج رجلا يسمى أوسا وكان أوس هذا شاعرا فلما رآه بنو ضرار بفناء امهم للخطبة تناول شماخ حبل الدلو ثم متح وهو يقول أم أويس نكحت أويسا وجاء مزرد فتناول الحبل فقال أعجبها حذارة وكيسا وجاء جزء فتناول الحبل فقال أصدق منها لجبة وتيسا فلما سمع أويس رجز الصبيان بها هرب وتركها قال ابو عبيدة كان الرجل من بني نمير اذا قيل له ممن الرجل قال نميري كما ترى فما هو إلا ان قال جرير فغض الطرف انك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا فصار الرجل من بني نمير اذا قيل له ممن الرجل قال من بني عامر قال فعند ذلك قال الشاعر يهجو قوما اخرين وسوف يزيدكم ضعة هجائي كما وضع الهجاء بني نمير فلما هجاهم ابو الرديني العكلي فتوعدوه بالقتل قال ابوالرديني أتوعدني لتقتلني نمير متى قتلت نمير من هجاها فشد عليه رجل منهم فقتله وما علمت في العرب قبيلة لقيت من جميع ما هجيت به ما لقيت نمير من بيت جرير ويزعمون ان امرأة مرت بمجلس من مجالس بني نمير فتأملها ناس منهم فقالت يا بني نمير لا قول الله سمعتم ولا قول الشاعر أطعتم قال الله تعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم وقال الشاعر فغض الطرف انك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا وأخلق بهذا الحديث ان يكون مولدا ولقد أحسن من ولده وفي نمير شرف كثير وهل أهلك عنزة وجرما وعكلا وسلول وباهلة وغنيا الا الهجاء وهذه قبائل فيها فضل كثير وبعض النقص فمحق ذلك الفضل كله هجاء الشعراء وهل فضح الحبطات مع شرف حسكة بني عتاب وعباد بن الحصين وولده الا قول الشاعر رأيت الخمر من شر المطايا كما الحبطات شر بني تميم
وهل أهلك ظليم البراجم الا قول الشاعر ان ابانا فقحة لدارم كما الظليم فقحة البراجم وهل اهلك بني العجلان الا قول الشاعر اذا الله عادى أهل لؤم ودقة فعاد بني العجلان رهط ابن مقبل قبيلته لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل ولا يردون الماء الا عشية اذا صدر الوراد عن كل منهل واما قول الاخطل وقد سرني من قيس عيلان أنني رايت بني العجلان سادوا بني بدر فان هذا البيت لم ينفع بني العجلان ولم يضر بني بدر قال ابوعبيدة كان الرجل من بني أنف الناقة اذا قيل له ممن الرجل قال من بني قريع فما هو الا ان قال الحطيئة قوم هم الأنف والاذناب غيرهم ومن يساوي بأنف الناقة الذنبا فصار الرجل منهم اذا قيل له ممن أنت قال من بني أنف الناقة وناس سلموا من الهجاء بالخمول والقلة كما سلمت غسان وغيلان ومن قبائل عمرو بن تميم وابتليت الحبطات لأنها أنبه والنباهة التي لا يضر معها الهجاء مثل نباهة بني بدر وبني فزارة ومثل نباهة بني عدس بن زيد وبني عبد الله بن دارم ومثل نباهة الديان بن عبد المدان وبني الحرث بن كعب فليس يسلم من مضرة الهجاء الا خامل جدا أو نبيه جدا وقد هجيت فزارة بأكل أير الحمار وبكثرة شعر القفا لقول الحرث بن ظالم فما قومي بثعلبة بن سعد ولا بفزارة الشعر الرقاب ثم افتخر مفتخرهم بذلك ومدحهم به الشاعر فقال مزرد بن ضرار منيع بين ثعلبة بن سعد وبين فزارة الشعر الرقاب فما من كان بينكما بنكس لعمرك في الخطوب ولا بكاب وأماقصة أير الحمار فانما اللوم على المطعم لرفيقة ما لا يعرفه فهل كان على الفزاري في حق الأنفة أكثر من قتل من أطعمه الجوفان من حيث لا يدري فقد هجوا بذلك وشرفهم وافر وقد هجيت الحرث بن كعب وكتب الهيثم ابن عدي فيهم كتابا فما ضعضع ذلك منهم حتى كأنه قد كتبه لهم ولولا الربيع بن خيثم وسفيان الثوري ما علم الناس أن في الرباب حيا يقال لهم بنو ثور وفي عكل شعر وفصاحة وخيل معروفة الانسان فرسان في الجاهلية والاسلام وزعم يونس ان عكلا أحسن العرب وجوها في غب حرب وقال بعض فتاك بني تميم خليلي الفتى العكلي لم أر مثله تحلب كفاه ندى شائع القدر كأن سهيلا حين أوقد ناره بعلياء لا يخفى على احد يسري ولم أكتب هذاالشعر ليكون شاهدا على مقدار حظهم في الشرف ولكن لنضمه الى قول جران العود أراقب لمحا من سهيل كأنه اذا ما بدا اخر الليل يطرف وربما أتيت القبيلة اذا برزت عليها اخوتها كنحو فقيم بن جرير بن دارم وزيد بن عبد الله بن دارم وكنحو الحرماز ومازن ولذلك يقال ان اصلح الامور لمن تكلف علم الطب ان لا يحسن منه شيئا أو يكون من الحذاق المتطببين فانه اذا احسن منه شيئا ولم يبلغ فيه المبالغ هلك وأهلك اهله وكذلك العلم بصناعة الكلام وليس كذلك سائر الصناعات فليس يضر من احسن باب الفاعل والمفعول به وباب الاضافة وباب المعرفة والنكرة ان يكون جاهلا بسائر ابواب النحو وكذلك من نظر في علم الفرائض فليس يضر من احكم باب الصلب ان يجهل باب الجد وكذلك الحساب وهذا كثير وذكروا ان حزن بن الحرث احد بني العنبر ولد محجنا فولد محجن شعيث ابن سهم فأغير على ابله فأتى اوس بن حجر يستنجده فقال له اوس أو خير من ذلك احضض لك قيس بن عاصم وكان يقال ان حزن الحرث هو حزن بن منقر فقال اوس سائل بها مولاك قيس بن عاصم فمولاك مولى السوء ان لم تغير لعمرك ما أدري أمن حزن محجن شعيث بن سهم ام لحزن بن منقر فما أنت بالمولى المضيع حقه وما أنت بالجاري الضعيف المستر فسعى قيس في ابله حتى ردها عن اخرها وقال الاخر
ألهى بني تغلب عن كل مكرمة قصيدة قالها عمرو بن كلثوم ومما يدل على قدر الشعر عندهم بكاء سعيد بني مازن مخارق بن شهاب حين أتاه محمد بن المكعبر العنبري الشاعر فقال ان بني يربوع قد أغاروا على إبلي فاسع لي فيها فقال وكيف وأنت جار وردان بن مخرمة فلما ولى عنه محمد مخزونا بكى مخارق حتى بل لحيته فقالت له ابنته ما يبكيك فقال وكيف لا ابكي واستغاثني شاعر من شعراء العرب فلم أغثه والله لئن هجاني ليفضحنني قوله ولئن كف عني ليقتلني شكره ثم نهض فصاح في بني مازن فردت عليه إبله وذكر وردان الذي كان اخفره فقال أقول وقد بزت بتعشار بزة لوردان جد الآن فيها أو إلعب فعض الذي أبقى المواسي مر أمه خفير راها لم يشمر ويغضب اذا نزلت وسط الرباب وحولها اذا حصنت الفا سنان مجرب حميت خزاعيا وأفناء مازن ووردان يحمي عن عدي بن جندب ستعرفها ولدان ضبة كلها بأعيانها مردودة لم تغيب قال وفد رجل من بني مازن على النعمان بن المنذر فقال له النعمان كيف مخارق بن شهاب فيكم قال سيد كريم وحسبك من رجل يمدح نفسه ويهجو ابن عمه ذهب الى قوله ترى ضيفها فيها يبيت بغبطة وجار ابن قيس جائع يتحوب قال ومن قدر الشعر وموقعه في النفع والضر ان ليلى بنت النضر بن الحرث بن كلدة لما عرضت للنبي وهو يطوف بالبيت واستوقفته وجذبت رداءه حتى انكشفت منكبه وأنشدته شعرها بعد مقتل أبيها قال رسول الله لو كنت سمعت شعرها هذا ما قتلته والشعر يا راكبا ان الاثيل مظنة من صبح خامسة وأنت موفق أبلغ بها ميتا بأن قصيدة ما ان تزال بها الركائب تخفق فليسمعن النضر ان ناديته ان كان يسمع ميت لا ينطق ظلت سيوف بني أبيه تنوشه لله أرحام هناك تشقق قسرا يقاد الى المنية متعبا رسف المقيد وهوعان موثق أمحمد ها أنت ضنؤ نجيبة في قومها والفحل فحل معرق
ما كان ضرك لو مننت وربما من الفتى وهو المغيظ المحنق قال ويبلغ من خوفهم من الهجاء ومن شدة السب عليهم وتخوفهم ان يبقى ذكر ذلك في الاعقاب ويسب به الاحياء والاموات أنهم اذا أسروا الشاعر أخذوا عليه المواثيق وربما شدوا لسانه بنسعة كما صنعوا بعبد يغوث ابن وقاص المحاربي حين أسرته بنو تيم يوم الكلاب وهو الذي يقول أقول وقد شدوا لساني بنسعة أمعشر تيم أطلقوا من لسانيا وتضحك مني شيخة عبشمية كأن لم تر قبلي اسيرا يمانيا كأني اركب جوادا ولم اقل لخيلي كري كرة عن رجاليا فيا راكبا إما عرضت فبلغن نداماي من نجران ان لا تلاقيا أبا كرب والأيهمين كليهما وقيسا بأعلى حضرموت اليمانيا وكان سألهم ان يطلقوا لسانه لينوح على نفسه ففعلوا فكان ينوح بهذه الابيات فلما أنشد قومه هذا الشعر قال قيس لبيك وان كنت أخرتني وقيل لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود كيف تقول الشعر مع الفقه والنسك فقال لا بد للمصدور من ان ينفث وقال معاوية لصحار العبدي ما هذا الكلام الذي يظهر منك قال شيء تجيش به صدورنا فتقذفه على ألسنتنا وقال ابن حرب من أحسن شيئا اظهره وفي المثل من أحب شيئا أكثر ذكره وقال خاصم ابو الحويرث السحيمي حمزة بن بيض الى المهاجرين عبد الله في طوي له فقال أبو الحويرث أغمضت في حاجة كانت تؤرقني لولا الذي قلت فيها قل تغميضي قال وما قلت لك قال حلفت بالله لي ان سوف تنصفني فساغ في الحلق ريق بعد تجريض قال وأنا احلف بالله لانصفنك قال فاسأل ألى عن ألى ان خصومتهم ام كيف أنت واصحاب المعاريض قال أوجعهم ضربا قال فاسأل سحيما اذا وافاك جمعهم هل كان بالبئر حوض قبل تحويضي
قال فتقدمت الشهود فشهدت لأبي الحويرث قال فالتفت الى ابن بيض فقال أنت ابن بيض لعمري لست انكره حقا يقينا ولكن من أبو بيض ان كنت أنبضت لي قوسا لترميني فقد رميتك رميا غير تنبيض أوكنت خضخضت لي وطبا لتسقيني فقد سقيتك وطبا غيرممخوض ان المهاجر عدل في حكومته والعدل يعدل عندي كل تعريض قال وتزوج شيخ من الاعراب جارية من رهطه وطمع ان تلد له غلاما فولدت له جارية فهجرها وهجر منزلها وصار يأوي الى غير بيتها فمر بخبائها بعد حول واذا هي ترقص بنيتها منه وهي تقول ما لأبي حمزة لا يأتينا يظل في البيت الذي يلينا غضبان ان لا نلد البنينا تالله ما ذلك في أيدينا وإنما نأخذ ما أعطينا فلما سمع الأبيات مر الشيخ نحوهما حضرا حتى ولج عليها الخباء فقبلها وقبل بنيتها وقال ظلمتكما ورب الكعبة وقال مسلم بن الوليد فاني وإسماعيل عند فراقنا لكا لجفن يوم الورع فارقه النصل أمنتجعا مروا بأثقال همه دع النقل واحمل حاجة مالها ثقل ثناء كعرف الطيب يهدى لأهله وليس له الا بني خالد اهل فان أغش قوما بعدهم أو أزورهم فكالوحش يدينها من الأنس المحل وقال ابن أبي عيينة هل كنت الا كلحم ميت دعا الى أكله اضطرار وقال الاخر لئن حبس العباس عنا رغيفه لما فاتنا من نعمة الله أكثر وقال أبو كعب كان رجل يجري على رجل رغيفا في كل يوم فكان اذا اتاه الرغيف يقول لعنك الله ولعن من بعثك ولعنني ان تركتك حتى أصيب خيرا منك وقال بشار
أذا بلغ الرأي النصيحة فاستعن برأي نصيح أو نصيحة حازم ولا تحسب الشورى عليك غضاضة فان الخوافي عدة للقوادم وخل الهوينا للضعيف ولا تكن نؤوما فان الحزم ليس بنائم وأدن على القربى المقرب نفسه ولا تشهد الشورى امرأ غير كاتم وما خير كف أمسك الغل اختها وما خير سيف لم يؤبد بقائم فانك لا تستطرد الهم بالمنى ولا تبلغ العليا بغير المكارم وقال اخر تعرفني هنيدة من بنوها وأعرفها اذا اشتد الغبار متى ما تلق منا ذا ثناء يؤز كأن رجليه شجار فلا تعجل عليه فان فيه منافع حين يبتل العذار انا ابن المضرحي ابي شليل وهل يخفي على الناس النهار ورثنا صنعه ولكل فحل على اولاده منه نجار وقال أعشى همدان في خالد بن عتاب بن ورقاء تمنيني إمارتها تميم وما أمري وأمر بني تميم وكان ابو سليمان خليلي ولكن الشراك من الأديم أتينا أصبهان فهزلتنا وكنا قبل ذلك في نعيم اتذكرنا ومرة اذ غزونا وأنت على بغيلك ذي الشؤوم ويركب رأسه في كل وحل ويعثر في الطريق المستقيم وليس عليك الا طيلسان نصيبي وإلا سحق نيم وقال اخر فلست مسلما ما دمت حيا على زيد بتسليم الأمير أمير يأكل الفالوذ سرا ويطعم ضيفه خبزالشعير اتذكر اذ قباؤك جلد شاة واذ نعلاك من جلدالبعير فسبحان الذي أعطاك ملكا وعلمك الجلوس على السرير وقال اخر دع عنك مروان لا تطلب امارته ففيك راع لها ما عشت شرشور ما بال بردك لم يمسس حواشيه من ثرمداء ولا صنعاء تحبير
وقال ابن فنان المحاربي وأقول لما جئت مجلسهم قبح الإله عمائم الخز لولا قتيبة ما اعتجرت بها ابدا ولا أقعيت في غرز عجبا لهذا الخز يلبسه من كان مشتاقا الى الخبز من كان يشتو في عبائته متقبضاكتقبض العنز وقال ثابت قطنه في رجل كان المهلب ولاه بعض خراسان ما زال رأيك يا مهلب فاضلا حتى بنيت سرادقا لوكيع وجعلته ربا على أربابه ورفعت عبدا كان غير رفيع لو را أبوه سرادقا احدثته لبكى وفاضت عينه بدموع وقال ابن سيخان مولى المغيرة في بني مطيع العدويين حرام كتي مني بشوء وأذكر صاحبي أبدا بذام لقد حرمت ود بني مطيع حرام الدهن للرجل الحرام وخزهم الذي لم يشتروه ومجلسهم بمعتلج الظلام وان جنف الزمان مددت حبلا متينا من حبال بني هشام وريق عودهم ابدا رطيب اذا ما اغبر عيدان اللئام وقال اخر لمن جزر ينحرها سويد ألا يا مر للمجد المضاع كأنك قد سعيت بذمتيهم وكنت ثمال أيتام جياع وقال سبحان من سبح السبع الطباق له حتى لهرثمة الذهلي أبواب وأنشدنا الاحيمر بأقب منصلت اللبان كأنه سيد تنصل من جحور سعالي وقال خلف لم أر بيتا أفاد وجاد وساد وزاد وقاد وعاد ولا أفضل من قول امرى ء القيس له أيطلا ظبي وساقا نعامة وإرخاء سرحان وتقريب تتفل وقال الاخر رمى الفقر بالفتيان حتى كأنهم بأقطار آفاق البلاد نجوم
وان امرأ لم يفقر العام بيته ولم يتخدد لحمه للئيم وقال عبد العزيز بن زرارة الكلابي وليلة من ليال الدهر صالحة باشرت في هولها مرأى ومستمعا ونكبة لو رمى الرامي بها حجرا أصم من جندل الصمان لانصدعا مرت علي فلم أطرح لهم سلبي ولا استكنت لها وهنا ولا جزعا وما أزال على أرجاء مهلكة يسائل المعشر الاعداء ما صنعا ولا رميت على خصم بفاقرة الارميت بخصم فر لي جذعا ما سد مطلع يخشى الهلاك به الا وجدت بظهر الغيب مطلعا لا يملأ الهول قلبي قبل وقعته ولا يضيق له صدري اذا وقعا وقال الاخر لقد طال إعراضي وصفحي عن التي ابلغ عنكم والقلوب قلوب وطال انتظاري عطفة الرحم منكم ليرجع ود أو ينيب منيب فلا تأمنوا مني عليكم شبيهها فيرضى بغيض أو يساء حبيب ويظهر منا في المقال ومنكم اذا ما ارتمينا في النضال عيوب فان لسان الباحث الداء ساخطا بني عمنا ألوى البيان كذوب وقال الاشهب بن رميلة وان الألى حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد هم ساعد الدهر الذي يتقي به وما خير كف لا تنوء بساعد أسود شرى لاقت اسود خفية تساقوا على حرد دماء الأساود قوله هم ساعد الدهر انما هو مثل وهذا الذي تسميه الرواة البديع وقد قال الراعي هم كاهل الدهر الذي يتقي به ومنكبه ان كان للدهر منكب وقد جاء في الحديث موسى الله احد وساعد الله اشد والبديع مقصور على العرب ومن اجله فاقت لغتهم كل لغة وأربت على كل لسان والراعي كثير البديع في شعره وبشار حسن البديع والعتابي يذهب شعره في البديع وقال كعب بن عدي شد العقاب على البريء بمن جبى حتى يكون لغيره تنكيلا
والجهل في بعض الامور اذا اغتدى مستخرج للجاهلين عقولا وقال زفر بن الحرث لئن عدت والله الذي فوق عرشه منحتك مسنون الغرارين أزرقا فان دواء الجهل ان تضرب الطلا وان يغمس العريض حتى يغرقا وقال مبذول العذري ومولى كضرس السوء يؤذيك مسه ولا بد ان آذاك انك فاقره دوى الجوف ان ينزع يسؤك مكانه وان يبق يصبح كل يوم تحاذره يسر لك البغضاء وهو مجامل وما كل من يجني عليك تساوره وما كل من مددت ثوبك دونه لتستر مما قد أتى انت ساتره وقال الاخر أطال الله كيس بني رزين وحمقي ان شربت لهم بديني أأكتب إبلهم شاء وفيها بريع فصالها بنتا لبون فما خلقوا بكيسهم دهاة ولا ملجاء بعد فيعجبوني وقال اخر عفاريتا علي وأكل مالي وعجزا عن أناس اخرينا فهلا غير عمكم ظلمتم اذا ما كنتم متظلمينا فلو كنتم لكيسه أكاست وكيس الأم أكيس للبنينا وقالت رقية بنت عبد المطلب في النبي أبني إني رابني حجر يغدو بكفك حيثما يغدو وأخاف ان تلقى غويهم أو ان يصيبك بعد من يعدو ولما دخل مكة لقيه جواريها يقلن طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع يضاف الى باب الخطب والى القول في تلخيص المعاني والخروج من الامر المشبه بغيره قول حسان بن ثابت ان خالي خطيب جابية الجو لان عند النعمان حين يقوم وهو الصقر عند باب ابن سلمى يوم نعمان في الكبول سقيم
وسطت نسبتي الذوائب منهم كل دار فيها أب لي عظيم وأبي في سميحة القائل الفاصل يوم التفت عليه الخصوم يفصل القول بالبيان وذو الرأي من القوم ظالع مكعوم تلك أفعاله وفعل الزبعرى خامل في صديقه مذموم رب حلم أضاعه عدم المال وجهل غطى عليه النعيم ولي الناس منكم اذ أبيتم أسرة من بني قصي صميم وقريش يحول منا لو اذا أن يقيموا وخف منها الحلوم لم يطق حمله العواتق منهم إنما يحمل اللواء النجوم ولما دفن سليمان بن عبد الملك أيوب وقف ينظر الى القبر ثم قال كنت لنا أنسا ففارقتنا فالعيش من بعدك مر المذاق وقربت دابته فركب ووقف على قبره وقال وقوفا على قبر مقيم بقفرة متاع قليل من حبيب مفارق ثم قال وعليك السلام ثم عطف رأس دابته وقال فان صبرت فلم الفظك من شبع وان جزعت فعلق منفس ذهبا قال المدائني لما مات محمد بن الحجاج جزع عليه فقال اذا غسلتموه فاعلموني فلما نظر اليه قال الآن لما كنت أكرم من مشى وافتر نابك عن شباة القارح وتكاملت فيك المروءة كلها وأعنت ذلك بالفعال الصالح ثم أتاه موت أخيه محمد بن يوسف فقال حسبي ثواب الله من كل ميت وحسبي بقاء الله من كل هالك اذا ما لقيت الله عني راضيا فان شفاء النفس فيما هنالك تمثل معاوية في عبد الله بن بديل أخو الحرب ان عضت به الحرب عضها وان شمرت عن ساقها الحرب شمرا ويدنو اذا ما الموت لم يك دونه قدى الشبر يحمي الأنف ان يتأخرا ورأى معاوية هزاله وهو متعر فقال أرى الليالي اسرعت في نقضي اخذن بعضي وتركن بعضي حنين طولي وتركن عرضي اقعدنني من بعد طول النهض
وتمثل عبد الملك حين وثب بعمرو بن سعيد الاشدق سكنته ليقل مني نفره فأصول صولة حازم مستمكن وحميته عضبا لنفسي انه ليس المسيء سبيله كالمحسن وسمع معاوية رجلا يقول ومن كريم ماجد سميدع يؤتى فيعطي من ندى ويمنع فقال هذا منا هذا والله عبد الله بن الزبير وصف معاوية لقومه قال المدائني قال معاوية اذا لم يكن الهاشمي جوادا لم يشبه قومه واذا لم يكن المخزومي تياها لم يشبه قومه واذا لم يكن الأموي حليمالم يشبه قومه فبلغ قوله الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما فقال ما احسن ما نظر لنفسه اراد ان تجود بنو هاشم بأموالها فتفتقر الى ما في يديه وتزهو بنو مخزوم على الناس فتبغض وتشنأ وتحلم بنو أمية فتحب وقال بشار أحسن صحابتنا فانك مدرك بعض اللبانة باصطناع الصاحب واذا جفوت قطعت عنك لبانتي والدر يقطعه جفاء الحالب تأنى اللئيم وما سعى حاجاته عدد الحصى ويخيب سعي الدائب وأنشد اذا ما أمور الناس رثت وضيعت وجدت أموري كلها قد رممتها وقال أعرابي ندين ويقضي الله عنا وقد نرى مكان رجال لا يدينون ضيعا وقال أعرابي وليس قضاء الدين بالدين راحة ولكنه ثقل ممض الى ثقل وأنشد أبو عبيدة لعبيد العنبري وهو احد اللصوص يا رب عفوك عن ذي توبة وجل كأنه من حذار الناس مجنون قد كان اسلف أعمالا مقاربة أيام ليس له عقل ولا دين وقال أعرابي يا رب قد حلف الأقوام واجتهدوا أيمانهم أنني من ساكني النار
أيحلفون على عمياء ويلهم جهلا يعفوا عظيم العفو غفار وقال أعرابي وهو محبوس أسجنا وقيدا واغترابا ووحشة وذكرى حبيب ان ذا لعظيم وان امرأ دامت مواثيق عهده على كل ما لاقتيه لكريم وقال اعرابي أيا ام عمرو بيني أنت كلما ترفع حاد أو دعا كل مسلم نظرت اليها نظرة ما يسرني وان كنت محتاجا بهاألف درهم وقال الشاعر وما كثرة الشكوى بأمر حزامة ولا بد من شكوى اذا لم تكن صبر ومثله وأبثثت بكرا كل ما في جوانحي وجرعته من مر ما أتجرع ولا بد من شكوى الى ذي حفيظة اذا جعلت أسرار نفس تطلع وقال الشاعر حسدوا الفتى اذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداء له وخصوم كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسدا وبغيا إنه لدميم وقال بزر جمهر ما رأينا أشبه بالمظلوم من الحاسد وقال الاحنف بن قيس لا راحة لحسود وقال الشعبي الحاسد منغص بما في يد غيره وقال الله تبارك وتعالى ومن شر حاسد اذا حسد وقال بعضهم يمدح أقواما محسدون وشر الناس منزلة من عاش في الناس يوما غير محسود وقال الشاعر الرزق يأتي قدرا على مهل والمرء مطبوع على حب العجل وقالوا من تمام المعروف تعجيله ووصف بعض الاعراب أميرا فقال اذا اوعد أخر واذا وعد عجل وعيده عفو ووعده انجاز وقال تبارك وتعالى وكان الانسان عجولا
ودخل عمرو بن عبيد على المنصور وهو يومئذ خليفة وروى هذا الحديث العتبي عن عتبة بن هرون قال شهدته وقد خرج من عنده فسألته عما جرى بينهما فقال رأيت عنده فتى لم أعرفه فقال لي يا أبا عثمان أتعرفه فقلت لا فقال هذا ابن أميرالمؤمنين وولي عهد المسلمين فقلت له قد رضيت له أمرا يصير اليه اذا صار وقد شغلت عنه فبكى ثم قال عظني يا أبا عثمان فقلت ان الله قد اعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك منه ببعضها فلو ان هذا الامر الذي صار اليك بقي في يدي من كان قبلك لم يصل اليك وتذكر يوما يتمخض بأهله لا ليلة بعده قال المدائني سمعت أعرابيا يسأل وهويقول رحم الله امرأ لم تمج أذنه كلامي وقدم لنفسه معاذة من سوء مقامي فان البلاد مجدبة والحال سيئة والعقل زاجر ينهى عن كلامكم والفقر عارم يحملني على أخباركم والدعاء احد الصدقتين فرحم الله امرءا امر بمير أو دعا بخير وقال رجل من طيء قتلنا بقتلانا من القوم مثلهم كراما ولم نأخذ بهم حشف التمر وقال اخر قتلنا بهم ما بين مثنى وموحد وأربعة منهم وآخر خامس وقال اخر قتلنا رجالا من تميم أخايرا بقوم كرام من رجال أخاير وسئل بعض العرب ما العقل قال الاصابة بالظنون ومعرفة مالم يكن بما قدكان وقال جرير يعاتب المهاجر بن عبد الله يا قيس عيلان إني قد نصبت لكم بالمنجنيق ولما أرسل الحجرا فوثب المهاجر فأخذ بحقوه وقال لك العتبى يا أبا حزرة لا ترسله وقال سويد بن صامت ألا رب من تدعو صديقا ولو ترى مقالته بالغيب ساءك ما يفري مقالته كالشحم ما دام شاهدا وبالغيب مأثور على ثغرة النحر تبين لك العينان ما هو كاتم من الشر والبغضاء بالنظر الشزر
يسرك باديه وتحت أديمه نميمة غش تبتري عقب الظهر فرشني بخير ظالما قد بريتني وخير الموالي من يريش ولا يبري وقال حارثة بن بدر لما تخالفت الازد وربيعة لا تحسبن فؤادي طائرا فزعا اذا تخالف ضب البر والنون وأنشد ابن الاعرابي فان أك قصدا في الرجال فانني اذا حل أمر ساحتي لحليم تعيرني الاعدام والوجه معرض وسيفي بأموال التجار زعيم وأنشدابن الاعرابي لعمرو بن شاس متى يبلغ البنيان يوما تمامه اذا كنت تبنيه واخر يهدم وقال عبيد بن الابرص ساعد بأرض اذا كنت بها ولا تقل انني غريب قد يوصل النازح النائي وقد يقطع ذو السهمة القريب وأنشدالاصمعي لكثير رأيت أبا الوليد غداة جمع به شيب وقد فقد الشبابا ولكن تحت ذاك الشيب حزم اذا ما ظن أمرض أو أصابا ويمدحون باصابة الظن ويذمون بخطئه قال أوس بن حجر ألألمعي الذي يظن بك الظن كأن قد رأى وقد سمعا وفي بعض الحكمة من لم ينتفع بظنه لم ينتفع بيقينه وقال السموأل بن عادياء وإنا لقوم ما نرى القتل سبة اذا مارأته عامر وسلول يقرب حب الموت آجالنا لنا وتكرهه آجالهم فتطول تسيل على حد السيوف نفوسنا وليست على غير السيوف تسيل وما مات منا سيد في فراشه ولا طل منا حيث كان قتيل وقال حسان بن ثابت لم تقتها شمس النهار بسيء غير ان الشباب ليس يدوم لو يدب الحولي من ولد الذر عليها لأندبتها الكلوم وقال بشار بن برد
من فتاة صب الجمال عليها في حديث كلذة النشوان ثم فارقت ذاك غير ذميم كل عيش الدنيا وان طال فان وقال مزاحم العقيلي تزين سنا الماوي كل عشية على غفلات الزين والمتجمل وجوها لو ان المدلجين اعتشوا بها صدعن الدجى حتى ترى الليل ينجلي وقال المسعودي ان الكرام منا هبوك المجد كلهم فناهب أخلف وأتلف كل شيء زعزعته الريح ذاهب خطبة شداد بن أوس قال قام شداد بن أوس وقد أمره معاوية ان ينتقص عليا فقال الحمد لله الذي افترض طاعته على عباده وجعل رضاه عند أهل التقوى آثر من رضى خلقه على ذلك مضى أولهم وعليه يمضي اخرهم أيها الناس ان الاخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر وان الدنيا عرض حاضر يأكل فيها البر والفاجر وان السامع المطيع لله لا حجة عليه وان السامع العاصي لله لا حجة له وانا لله اذا أراد بالعباد صلاحا عمل عليهم صلحاؤهم وقضى بينهم فقهاؤهم وملك المال سمحاؤهم واذا أراد بهم شرا عمل عليهم سفهاؤهم وقضى بهم جهلاؤهم وملك المال بخلاؤهم وان من صلاح الولاة ان يصلح قرناؤها ونصح لك يا معاوية من اسخطك بالحق وغشك من أرضاك بالباطل قال إجلس رحمك الله قد أمرنا لك بمال قال ان كان من مالك الذي تعهدت جمعه مخافة تبعته فأصبته حلالا وأنفقته إفضالا فنعم وان كان مما شاركك فيه المسلمون فاحتجنته دونهم فأصبته افترافا وأنفقته إسرافا فإن الله يقول في كتابه ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين وأذن معاوية للأحنف بن قيس وقد وافى معاوية محمد بن الاشعث فقدمه عليه فوجد من ذلك محمد بن الاشعث واذن له فدخل فجلس بين معاوية والاحنف فقال معاوية إنا والله ما أذنا له قبلك الا ليجلس إلينا دونك وما رأيت احدا يرفع نفسه فوق قدرها الا من ذلة يجدها وقد فعلت فعل من أحس من نفسه ذلا وضعه وإنا كما نملك أموركم نملك تأديبكم فأريدوا منا ما نريده منكم فانه أبقى لكم والا قصرناكم كرها فكان أشد عليكم وأعنف بكم وقال معاوية لرجل من أهل سبأ ما كان أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة فقال بل قومك أجهل قالوا حين دعاهم رسول الله الى الحق وأراهم البينات اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ألا قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له قال ولما سقطت ثنيتا معاوية لف وجهه بعمامة ثم خرج الى الناس فقال لئن ابتليت لقد ابتلى الصالحون قبلي واني لأرجو ان أكون منهم ولئن عوقبت لقد عوقب الخاطئون قبلي وما امن ان أكون منهم ولئن سقط عضوان مني لما بقي أكثر ولو أني على نفسي لما كان لي عليه خيار تبارك وتعالى فرحم الله عبدا دعا بالعافية فوالله لئن كان عتب علي بعض خاصتكم لقد كنت حدبا على عامتكم ولما بلغت معاوية وفاة الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما دخل عليه ابن عباس فقال له معاوية اجرك الله أبا العباس في ابي محمد الحسن بن علي ولم يظهر حزنا فقال ابن عباس إنا لله وإنا اليه راجعون وغلبه البكاء فرده ثم قال لا يسد والله مكانه حفرتك ولا يزيد موته في أجلك والله لقد أصبنا بمن هو أعظم منه فقدا فما ضيعنا الله بعده فقال له معاوية كم كانت سنه قال مولده أشهر من ان تتعرف سنه قال أحسبه ترك أولادا صغارا قال كلنا كان صغيرا فكبر ولئن اختار الله لأبي محمد ما عنده وقبضه الى رحمته لقد أبقى الله أبا عبد الله وفي مثله الخلف الصالح وصية اعرابية لولدها قال الاصمعي عن أبان بن ثعلبة مررت بامراة بأعلى الارض وبين يديها ابن لها يريد سفرا وهي توصيه فقالت إجلس أمنحك وصيتي وبالله توفيقك وقليل إجدائه عليك أنفع من كثير عقلك إياك والنمائم فانها تزرع الضغائن ولا تجعل نفسك غرضا للرماة فان الهدف اذا رمي لم يلبث ان ينثلم ومثل نفسك مثالا فما استحسنته من غيرك فاعمل به وما كرهته منه فدعه واجتنبه ومن كانت مودته بشره كان كالريح في تصرفها ثم نظرت في فقالت كأنك يا عراقي أعجبت بكلام أهل البدر ثم قالت لابنها اذا هززت فهز كريما فان الكريم يهتز لهزتك وإياك واللئيم فانه صخرة لا ينفجر ماؤها وإياك والعذر فانه أقبح ما تعومل به وعليك بالوفاء ففيه النماء وكن بمالك جوادا وبدينك شحيحا ومن أعطى السخاء والحلم فقد استجاد الحلة ريطتها وسربالها إنهض على اسم الله وقال اعرابي لرجل مطله في حاجة ان مثل الظفر بالحاجة تعجيل اليأس منها اذا عسر قضاؤها وان الطلب وان قل اعظم قدرا من الحاجة وان عظمت والمطل من غير عسر آفة الجود خطب الفضل الرقاشي الى قوم من بني تميم فخطب لنفسه فلما فرغ قام أعرابي منهم فقال توسلت بحرمة وأدليت بحق واستندت الى خير ودعوت الى سنة ففرضك مقبول وما سألت مبذول وحاجتك مقضية ان شاء الله تعالى قال الفضل لو كان الاعرابي حمد الله في اول كلامه وصلى على النبي لفضحني يومئذ وصية الملك المنذر لولي عهده قال المدائني قال المنذر بن المنذر لماحارب غسان بالشام لابنه النعمان يوصيه إياك واطراح الاخوان واطراف المعرفة وإياك وملاحاة الملول وممازحة السفيه وعليك بطول الخلوة والإكثار من السمر والبس من القشر ما يزينك في نفسك ومروءتك واعمل ان جماع الخير كله الحياء فعليك به وتواضع في نفسك وانخدع في مالك واعلم ان السكوت عن الامر الذي يعنيك خير من الكلام فاذا اضطررت اليه فتحر الصدق والايجاز تسلم ان شاء الله تعالى كلام في تعزية بعض الملوك قال ان الخلق للخالق والشكر للمنعم والتسليم للقادر ولا بد مما هو كائن وقد جاء ما لا يرد ولا سبيل الى رد ما قد فات وقد اقام معك ما سيذهب أو ستتركه فما الجزع مما لا بد منه وما الطمع فيما لا يرجى وما الحيلة فيماسينقل عنك أو تنقل عنه وقد مضت أصول نحن فروعها فما بقاء الفرع بعد ذهاب الاصل افضل الاشياء عند المصائب الصبر وانما أهل الدنيا سفر لا يحلون الركائب الا في غيرها فما أحسن الشكر عند النعم والتسليم عند الغير فاعتبر بمن رأيت من أهل الجزع فان رأيت الجزع رد احدا منهم الى ثقة من درك فما أولاك به واعلم ان أعظم من المصيبة سوء الخلف منها فاتق فان المرجع قريب واعلم انه انما ابتلاك المنعم وأخذ منك المعطي وما ترك اكثرفان نسيت الصبرفلا تنس الشكر وكلا فلا تدع واحذر من الغفلة استلاب النعم وطول الندامة فما أصغر المصيبة اليوم مع عظم الغنيمة غدا فاستقبل المصيبة بالحسبة تستخلف بها نعما فانما نحن في الدنيا غرض ينتضل فيه بالمنايا ونهب للمصائب مع كل جرعة شرق ومع كل أكلة غصص لا تنال نعمة الا بفراق اخرى ولايستقبل معمر يوما من عمره الا بهدم اخر من أجله ولا تحدث له زيادة في أكله الا بنفاد ما قبله من رزقه ولا يحيا له أثر الا مات له أثر ونحن اعوان الحتوف على أنفسنا وأنفسنا تسوقنا الى الفناء فمن أين نرجو البقاء وهذا الليل و النهار لم يرفعا من شيء شرفا الا أسرعا الكرة في هدم ما رفعا وتفريق ما جمعا فاطلب الخير من اهله واعلم ان خيرا من الخير معطية وشرا من الشر فاعله وقال ابو نواس أتتبع الظرفاء اكتب عنهم كيما احدث من احب فيضحكا وقال اخر قدرت فلم أترك صلاح عشيرتي وما العفو الا بعد قدرة قادر وقال اخر اخو الجد ان جد الرجال وشمروا وذو باطل ان كان في القوم باطل وروى قبيصة بن عمر المهلبي ان رجلا اتى ابن أبي عيينة فسأله ان يكتب الى داود بن يزيد كتابا ففعل وكتب في اسفله ان امرأ قذفت اليك به في البحر بعض مراكب البحر تجري الرياح به فتحمله وتكف احيانا فلا تجري ويرى المنية كلما عصفت ريح به للهول والذعر
وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ما وجد احد في نفسه كبرا الا من مهانة يجدها في نفسه ودخل رجل من بني مخزوم وكان زبيريا على عبد الملك بن مروان فقال له عبد الملك أليس قد ردك الله على عقبيك قال أو من رد اليك فقد رد على عقبيه فاستحيى وعلم انه قد اساء وقال المخبل إذا أنت لاقيت الرجال فلاقهم وعرضك من غث الامور سليم وقال النضر بن خالد كبره يبلغ الكواكب الا أنه في مروءة البقال وقال خداش بن زهير الناس تحتك أقدام وأنت لهم رأس فكيف يسوى الرأس والقدم إنا لنعلم أنا ما بقيت لنا فينا السماح وفينا الجود والكرم وحسبنا من ثناء المادحين اذا أثنوا عليك بأن يثنوا بما علموا وقال ابن عباس رضي الله عنه كانت قريش تألف منزل أبي بكر رضي الله تعالى عنه لخصلتين للعلم والطعام فلما اسلم أسلم عامة من كان مجالسه بعض كلام الاعراب قال الاصمعي وقف أعرابي يسأل فقال ألا فتى أروع ذو جمال من عرب الناس أو الموالي يعينني اليوم على عيالي قد كثروا همي وقل مالي وساقهم جدب وسوء حال وقد مللت كثرة السؤال وقال أعرابي يا ابن الكرام والدا وولدا لا تحرمن سائلا تعمدا أفقره دهر عليه قد عدا من بعد ما كان قديما سيدا وقال اعرابي اللهم اني أسألك قلبا توابا أوابا لا كافرا ولا مرتابا وهب رجل لاعرابي شيئا فقال جعل الله للخير عليك دليلا وجعل عندك رفدا جزيلا وأبقاك بقاء طويلا وابلاك بلاء جميلا وقف أعرابي على قوم فمنعوه فقال اللهم اشغلنا بذكرك وأعذنا من سخطك وأولجنا الى عفوك فقد ضن خلقك برزقك فلا تشغلنا بما عندهم عن طلب ما عندك واتنا من الدنيا للقنعان وان كان كثيرها يسخطك فلا خير فيما يسخطك قال الاصمعي سمعت اعرابيا يدعو وهو يقول اللهم اغفر لي اذا الصحف منشورة والتوبة مقبولة قبل ان لا أقدر على استغفارك حين ينقطع الأمل ويحضر الاجل ويفنى العمل وقال سمعت اعرابيا يدعو وهويقول اللهم ارزقني مالا أكبت به الاعداء وبنين أصول بهم على الاقوياء وكان منادى سعد بن عبادة يقول على أطمه من أراد خبزا ولحما فليأت أطم سعد وخلفه قيس بن سعد ابنه وكان يفعل كفعله فاذا أكل الناس رفع يده الى السماء وقال اللهم اني لا أصلح على القليل ولا يصلح القليل لي اللهم هب لي حمدا ومجدا لانه لا حمد الا بفعال ولا مجد الا بمال وقال اعرابي اللهم ان لك علي حقوقا فتصدق بها علي وللناس علي حقوقا فأدها عني وقد أوجبت لكل ضيف قرى وأنا ضيفك فاجعل قراي في هذه الليلة الجنة وقف اعرابي على قوم يسألهم فأنشأ يقول هل من فتى عنده خفان يحملني عليهما انني شيخ على سفر أشكو الى الله أهوالا أمارسها من الصداع واني سيء البصر اذا سرى القوم لم ابصر طريقهم ان لم يكن عندهم ضوء من القمر قال الاخفش خرج اعرابي يطلب الصدقة ومعه ابنتان له فقالت ابنته لما رأت امساك الناس عنه يا ايها الراكب ذو التعريس هل فيكم من طارد البؤس عن ذي هداج بين التقويس بفضل سربال له دريس أو فاضل من زاده خسيس اثابه الرحمن بالنفيس ووقف سائل على الحسن فقال رحم الله عبدا اعطى من سعة أو آسى من كفاف أو آثر من قلة وقال الطائي حبيب بن اوس ابو تمام
فتى كلما فاضت عيون قبيلة دما ضحكت عنه الاحاديث والذكر فتى مات بين الطعن والضرب ميتة تقوم مقام النصر اذا فاته النصر وقال بكر اذا ابتسمت اراك وميضها نور الاقاح برملة ميعاس وإذا مشت تركت بصدرك ضعف ما بحليها من كثرة الوسواس قالت وقد حم الفراق فكأسه قد خولط الساقي بها والحاسي لا تنسين تلك العهود فانما سميت انسانا لأنك ناس هدأت على تأميل احمد همتي واطاف تقليدي بها وقياسي نور العرارة نوره ونسيمه نشر الخزامي في اخضرار الآس إقدام عمرو في سماحة حاتم في حلم احنف في ذكاء إياس لا تنكروا ضربي له من دونه مثلا شرودا في الندى والباس فالله قد ضرب الاقل لنوره مثلا من المشكاة والنبراس وقال احفظ رسائل شعر فيك ما ذهبت خواطر البرق الا دون ما ذهبا يغددن مغتربات في البلاد فما يزلن يؤنسن في الآفاق مغتربا ولا تضعها فما في الارض أحسن من نظم القوافي اذا ما صادفت أدبا أسر رؤبة في بعض حروب تميم فمنع الكلام فجعل يصرخ يا صاحباه يا بني تميم اطلقوا من لساني وربما قال الشاعر في هجائه قولا لا يعيب به المهجو فيمتنع من فعله المهجو وان كان لا يلحق فاعله ذم وكذلك اذا مدحه بشيء اولع بفعله وان كان لا يصير اليه بفعله مدح فمن ذلك تقدم كلثم بنت سريع مولى عمرو بن حريث الى عبد الملك بن عمير وهو على قضاء الكوفة تخاصم أهلها فقضى لها عبد الملك على اهلها فقال هذيل الاشجعي أتاه وليد بالشهود يقودهم على ما ادعى من صامت المال والخول وجاءت اليه كلثم وكلامها شفاء من الداء المخامر والخبل فأدلى وليد عند ذاك بحقه وكان وليد ذا مراء وذا جدل وكان لها دل وعين كحيلة فأدلت بحسن الدل منها وبالكحل ففتنت القبطي حتى قضى لها بغير قضاء الله في السور الطول فلو كان من بالقصر يعلم علمه لما استعمل القبطي فينا على عمل له حين يقضي للنساء تخاوص وكان وما فيه التخاوص والحول اذا ذات دل كلمته بحاجة فهم بأن يقضي تنحنح اوسعل وبرق عينيه ولاك لسانه يرى كل شيء ما خلا شخصها جلل قال فقال عبدالملك اخزاه الله والله لربما جاءتني السعلة أو النحنحة وأنا في المتوضا فأذكر قوله فأردها لذلك وزعم الهيثم بن عدي عن اشياخه ان الشاعر لما قال في شهر بن حوشب لقد باع شهر دينه يخريطة فمن يأمن القراء بعدك يا شهر ما مس خريطة حتى مات وقال رجل من بني تغلب وكان ظريفا ما لقي احد من تغلب ما لقيت انا قلت وكيف ذاك قال قال الشاعر لا تطلبن خؤلة في تغلب فالزنج اكرم منهم أخوالا لو ان تغلب جمعت احسابها يوم التفاخر لم يزن مثقالا تلقاهم حلماء عن اعدائهم وعلى الصديق تراهم جهالا والتغلبي اذا تنحنح للقرى حك استه وتمثل الأمثالا والله اني لاتوهم ان لو نهشت استى الافاعي ما حككتها كلام في مقامات الشعراء في الجاهلية والاسلام كان الشاعر ارفع قدرا من الخطيب وهم اليه احوج لرده مآثرهم عليهم وتذكيرهم بأيامهم فلما كثر الشعراء وكثر الشعر صار الخطيب اعظم قدرا من الشاعر والذين هجوا فوضعوا من قدر من هجوه ومدحوا فرفعوا من قدر من مدحوه وهجاهم قوم فردوا عليهم فأفحموهم وسكت عنهم بعض من هجاهم مخافة التعرض لهم وسكتوا عمن هجاهم رغبة بأنفسهم عن الرد عليهم وهم في الأسلام جرير و الفرزدق والأخطل وفي الجاهلية زهير وطرفة والاعشى والنابغة هذا قول ابي عبيدة وزعم ابو عمرو بن العلاء ان الشعر فتح بامريء القيس وختم بذي الرمة
ومن الشعراء من يحكم القريض ولا يحسن من الرجز شيئا ففي الجاهلية منهم زهير والنابغة والاعشى واما من يجمعهما فامرؤ القيس وله شيء من الرجز وطرفة وله كمثل ذلك ولبيد وقد اكثر ومن الاسلاميين من لا يقدر على الرجز وهو في ذلك يجيد القريض كالفرزدق وجرير ومن يجمعهما كأبي النجم وحميد الارقط والعماني وبشار بن برد وأقل من هؤلاء يحكم القصيد والارجاز و الخطب وكان الكميت والبعيث والطرماح شعراء خطباء وكان البعيث اخطبهم وقال يونس ان كان مغلبا في الشعر لقد كان غلب في الخطب واذا قالوا غلب فهوالغالب وقال الحسين بن مطير الاسدي فيا قبر معن كنت أول حفرة من الارض خطت للمكارم مضجعا فلما مضى معن مضى الجود والندى وأصبح عرنين المكارم أجدعا فتى عيش في معروفة بعد موته كماكان بعد السيل مجراه مرتعا تعز أبا العباس عنه ولايكن جزاؤك من معن بأن تتضعضعا فما مات من كنت ابنه لا ولا الذي له مثل ما اسدى ابوك وما سعى تمنى أناس شأوه من ضلالهم فأضحوا على الاذقان صرعى وظلعا وقال مسلم الانصاري يرثي يزيد بن مزيد قبر ببردعة استسر ضريحه خطرا تقاصر دونه الاخطار أبقى الزمان على معد بعده حزنا لعمر الدهر ليس يعار نفضت بك الآمال احلاس الغنى وأسترجعت نزاعها الامصار فاذهب كما ذهبت غوادي مزنة أثنى عليها السهل والأوعار وقال هاشم الرقاشي أبلغ أبا مسمع عني مغلغلة وفي العتاب حياة بين أقوام قدمت قبلي رجالا لم يكن لهم في الحق ان يلجوا الابواب قدامي لو عد قبر وقبر كنت اكرمهم قبرا وابعدهم من منزل الذام حتى جعلت اذا ما حاجة عرضت بباب قصرك أدلوها باقوام وقال الأبيرد الرياحي يرثي أخاه فتى ان هواستغنى تخرق في الغنى وان قل مال لم يؤد متنه الفقر
وسامى جسيمات الامور فنالها على العسر حتى يدرك العسرة اليسر ترى القوم في الضراء ينتظرونه اذا شك رأي القوم أو حزب الأمر فليتك كنت الحي في الناس باقيا وكنت انا الميت الذي غيب القبر لقد كنت أستعفي الاله اذا اشتكى من الاجر لي فيه وان سرني الاجر وأجزع ان ينأى به بين ليلة فكيف يبين صار ميعاده الحشر وقال ابو عبيدة أنشدني رجل من بني عجل وكنت أعير الدمع قبلك من بكى فأنت على من مات بعدك شاغله لقد رحل الحي المقيم وودعوا فتى لم يكن بإزائه من ينازله ولم يك يخشى الجار منه اذا دنا أذاه ولا يخشى الحريمة سائله فتى كان للمعروف يبسط كفه اذا قبضت كف البخيل ونائله قال دخل معن بن زائدة على ابي جعفر المنصور فقارب في خطوه فقال المنصور لقد كبرت سنك قال في طاعتك قال وانك لجلد قال على اعدائك قال وأرى فيك بقية قال هي لك كتاب عبدالله الى عمرو بن سعيد الاشدق قال كتب عبد الملك بن مروان إلى عمرو بن سعيد الآشدق حين خرج عليه اما بعد فان رحمتي لك تصرفني عن الغضب عليك لتمكن الخدع منك وخذلان التوفيق إياك نهضت بأسباب وهمتك أطماعك ان تستفيد بها عزا كنت جديرا لو اعتدلت ان لا تدفع بها ذلا ومن رحل عنه حسن النظر واستوطنته الاماني ملك الحين تصريفه واستترت عنه عواقب امره وعن قليل يتبين من سلك سبيلك ونهض بمثل اسبابك انه اسير غفلة وصريع خدع ومغيض ندم والرحم تحمل على الصفح عنك مالم تحلل بك عواقب جهلك وتزجر عن الإيقاع بك وانت ان ارتدعت كنت في كنف وستر والسلام رد عمرو بن سعيد على عبد الملك فكتب اليه عمرو اما بعد فان استدراج النعم اياك أفادك البغي ورائحة القدرة أورثتك الغفلة زجرت عما واقعت مثله وندبت الى ما تركت سبيله ولو كان ضعف الاسباب يؤيس الطلاب ما انتقل سلطان ولا ذل عزيز وعن قليل تتبين من أسير الغفلة وصريع الخدع والرحم تعطف على الإبقاء عليك مع دفعك عما غيرك أقوم به منك والسلام كتاب عمر بن عبدالعزيز الى عمر بن الوليد قال ابو الحسن كتب عمر بن عبد العزيز الى عمر بن الوليد بن عبد الملك اما بعد فانك كتبت تذكر ان عاملا اخذ مالك بالحمية وتزعم اني من الظالمين وان اظلم مني وأترك لعهد الله من أمرك صبيا سفيها على جيش من جيوش المسلمين لم تكن له في ذلك نية الا حب الوالد لولده وان اظلم مني وأترك لعهد الله لأنت فأنت عمر بن الوليد وأمك صناجة تدخل دور حمص وتطوف في حوانيتها رويدك ان لو قد التفت خلقتا البطان لحملتك وأهل بيتك على المحجة البيضاء فطالما ركبتم ثنيات الطريق مع اني قد هممت ان ابعث اليك من يحلق دلادلك فاني اعلم انها من اعظم المصائب عليك والسلام شدة مراقبة عبد الملك لولاته قال ابو الحسن كان عبدالملك بن مروان شديد اليقظة كثير التعاهد لولاته فبلغه ان عاملا من عماله قبل هدية فأمر باشخاصه اليه فلما دخل عليه قال له أقبلت هدية منذ وليتك قال يا أميرالمؤمنين بلادك عامرة وخراجك موفور ورعيتك على افضل حال قال أجب فيما سألتك عنه أقبلت هدية منذ وليتك قال نعم قال لئن كنت قلت ولم تعوض انك للئيم ولئن أنلت مهديك لا من مالك أو استكفيته ما لم يكن يستكفاه انك لجائر خائن ولئن كان مذهبك ان تعوض المهدى اليك من مالك وقبلت ما اتهمك به عند من استكفاك وبسط لسان عائبك وأطمع اهل عملك انك لجاهل وما فيمن اتى امرا لم يخل فيه من دناءة أو خيانة أو جهل مصطنع نحياه عن عمله قال ابو الحسن عرض اعرابي لعتبة بن ابي سفيان وهو على مكة فقال ايها الخليفة قال لست به ولم تبعد قال يا اخاه قال أسمعت فقل قال شيخ من بني عامر يتقرب اليك بالعمومة ويختص بالخؤولة ويشكو اليك كثرة العيال ووطأة الزمان وشدة فقر وترادف ضر وعندك ما يسعه ويصرف عنه بؤسه قال استغفر الله منك واستعينه عليك قد أمرت لك بغناك وليت اسراعي اليك يقوم بأبطائي عنك وقال اعرابي يعيب قوما هم أقل الناس ذنوبا الى اعدائهم واكثرهم جرما الى اصدقائهم يصومون عن المعروف ويفطرون على الفحشاء وقال مجاعة بن مرار لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه اذا كان الرأي عنه من لا يقبل منه والسلاح عند من لا يستعمله وكان المال عند من لا ينفقه ضاعت الأمور قال الاصمعي نعت أعرابي رجلا فقال كأن الالسن والقلوب ريضت له فما تنعقد الا على وده ولا تنطق الا بثنائه وقال أعرابي وعد الكريم نقد وتعجيل ووعد اللئيم مطل وتعليل أتى اعرابي عمر بن عبد العزيز فقال رجل من أهل البادية ساقته الحاجة وانتهت به الفاقة والله يسألك عن مقامي غدا فبكى عمر وقال الشاعر ومن يبق مالا عدة وصيانة فلا البخل مبقيه ولا الدهر افره ومن يك ذا عود صليب يعده ليكسر عود الدهر فالدهر كاسره وقال ابان بن الوليد لإياس بن معاوية انا اغنى منك فقال إياس بل أنا اغنى منك قال أبان وكيف ولي كذا وكذا وعدد أموالا قال ان كسبك لا يفضل عن مؤونتك وكسبي يفضل عن مؤونتي وكان يقال حاجب الرجل عامله على عرضه وقال ابوالحسن رأيت امرأة اعرابية غمضت ميتا وترحمت عليه ثم قالت ما احق من ألبس العافية وأطيلت له النظرة ان لا يعجز عن النظر لنفسه قبل الحلول بساحته والحيالة بينه وبين نفسه وقال ابن الزبير لمعاوية حين أراد ان يبايع لابنه يزيد أتقدم ابنك على من هو خير منه قال كأنك تريد نفسك ان بيته بمكة فوق بيتك قال ابن الزبير ان الله رفع بالاسلام بيوتا فبيتي مما رفع قال معاوية صدقت وبيت حاطب بن أبي بلتعة وقال عاتب اعرابي اباه فقال ان عظيم حقك علي لا يذهب صغير حقي عليك والذي تمت الي به أمت بمثله اليك ولست أزعم انا سواء ولكني أقول لا يحل لك الاعتداء قال مدح رجل قوما فقال أدبتهم الحكمة وأحكمتهم التجارب ولم تغررهم السلامة المنطوية على الهلكة ورحل عنهم التسويف الذي قطع الناس به آجالهم فأحسنوا المقال وشفعوه بالفعال وقال بعض الحكماء التواضع مع السخافة والبخل أحمد عند العلماء من الكبر مع الادب والسخاء فأعظم بحسنة عفت عن سيئتين وأفظع بعيب افسد من صاحبه حسنتين وقيل لرجل مات صديق لك فقال رحمة الله عليه لقد كان يملأ العين جمالا والأذن بيانا ولقد كان يرجى فلا يخشى ويخشى فلا يغشى ويعطي ولا يعطي قليلا لدى الشر حضوره سليما للصديق ضميره وقام أعرابي ليسأل فقال أين الوجوه الصباح والعقول الصحاح والالسن الفصاح والانساب الصراح والمكارم الرباح والصدور الفساح تعيذني من مقامي هذا ومدح بعضهم رجلا فقال ما كان افسح صدره وأبعد ذكره وأعظم قدره وأنفذ أمره وأعلى شرفه واربح صفقة من عرفه مع سعة الغناء وعظم الإناء وكر الاباء وقال علي بن ابي طالب رضي الله تعالى عنه لصعصعة بن صوحان والله ما علمتك الا أنك كثير المعونة قليل المؤونة فجزاك الله خيرا فقال صعصعة وأنت فجزاك الله احسن من ذلك فانك ما علمتك بالله عليم والله في عينك عظيم وصية عبد الملك بن صالح العباسي لابنه قال ابو الحسن أوصى عبد الملك بن صالح ابنا له فقال اي بني إحلم فان من حلم ساد ومن تفهم ازداد والق أهل الخير فان لقاءهم عمارة للقلوب ولا تجمح بك مطية اللجاج وفيك من أعتبك والصاحب المناسب لك والصبر على المكروه يعصم القلوب والمزاح يورث الضغائن وحسن التدبير مع الكفاف خير من الكثير مع الاسراف والاقتصاد يثمر القليل والاسراف يبير الكثير ونعم الحظ القناعة وشر ما صحب المرء الحسد وما كل عورة تصان وربما أبصر العمي رشده وأخطأ البصير قصده واليأس خير من الطلب الى الناس والعفة مع الحرفة خير من الغنى مع الفجور أرفق في الطلب وأجمل في المكسب فانه رب طلب قد جر الى حرب ليس كل طالب بمنجح ولا كل ملح بمحتاج والمغبون من غبن نصيبه من الله عاتب من رجوت عتباه وفاكه من أمنت بلواه لا تكن مضحاكا من غير عجب ولا مشاء الى غير أرب ومن نأى عن الحق أضاق مذهبه ومن اقتصر على حاله كان أنعم لباله لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك فانه أنما سعى في مضرته ونفعك وعود نفسك السماح وتخير لها من كل خلق أحسنه فان الخير عادة والشر لجاجة والصدود آية المقت والتعلل آية البخل ومن الثقة كتمان السر ولقاح المعرفة دراسة العلم وطول التجارب زيادة في العقل والقناعة راحة الابدان والشرف التقوى والبلاغة معرفة رتق الكلام وفتقه بالعقل تستخرج الحكمة وبالحلم يستخرج غور العقل ومن شمر في الامور ركب البحور شر القول ما نقض بعضه بعضا ومن سعى بالنميمة حذره البعيد ومقته القريب من أطال النظر بإرادة تامة أدرك الغاية ومن تواني في نفسه ضاع من أسرف في الامور انتشرت عليه ومن اقتصد اجتمعت له واللجاجة تورث الضياع للأمور غب الادب احمد من ابتدائه مبادرة الفهم تورث النسيان سوء الاستماع يعقب العي لا تحدث من لا يقبل بوجهه عليك ولا تنصت لمن لا ينمى بحديثه اليك البلادة للرجل هجنة قل مالك إلا استأثر وقل عاجز إلا تأخر الاحجام عن الامور يورث العجز والاقدام عليها يورث اجتلاب الحظ سوء الطعمة يفسد العرض ويخلق الوجه ويمحق الدين الهيبة قرين الحرمان والجسارة قرين الظفر وفيك من أنصفك وأخوك من عاتبك وشريكك من وفى لك وصفيك من آثرك اعدى الاعداء العقوق إتباع الشهوة يورث الندامة وفوت الفرصة يؤرث الحسرة جماع أركان الأدب التأني للرفق اكرم نفسك عن كل دنية وان ساقتك الى الرغائب فانك لا تجد بما تبذل من دينك ونفسك عوضا لا تباعد النساء فيمللنك واستبق من نفسك بقية فانهن ان يرين انك ذر اقتدار خير من ان يطلعن منك على انكسار لا تملك المرأة الشفاعة لغيرها فتميل من شفعت لها عليك معها أي بني اني قد اخترت لك الوصية ومحضتك النصيحة وأديت الحق الى الله في تأديبك فلا تغفلن الأخذ بأحسنها والعمل بها والله موفقك قال الغنوي احتضر رجل منا فصاحت ابنته ففتح عينيه وهو يكيد بنفسه فقال عزاء لا ابا لك ان شيئا تولى ليس يرجعه الحنين وقال بعض الشعراء وما ان قتلناهم بأكثر منهم ولكن بأوفى بالطعان وأكرما قال المدائني كان يقال اذا انقطع رجاؤك من صديقك فألحقه بعدوك وقال عبد الملك بن صالح لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك فانما سعى في مضرته ونفعك وقال مصعب بن الزبير التواضع احد مصائد الشرف وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إياك ومؤاخاة الاحمق فانه ربما أراد ان ينفعك فضرك وكانوا يقولون عشر في عشرة هي فيهم أقبح منها في غيرهم الضيق في الملوك والغدر في ذوي الاحساب والحاجة في العلماء والكذب في القضاة والغضب في ذوي الألباب والسفاهة في الكهول والمرض في الاطباء والاستهزاء في أهل البؤس والفخر في أهل الفاقة والشح في الاغنياء ووصف بعض الاعراب فرسا فقال قد انتهى ضموره وذبل فريره وظهر حصيره وتفلقت غروره واسترخت شاكلته يقبل بزور الاسد ويدبر بعجز الذئب ومات ابن لسليمان بن علي فجزع عليه جزعا شديدا وامتنع من الطعام والشراب وجعل الناس يعزونه فلا يحفل بذلك فدخل عليه يحيى بن منصور فقال عليكم نزل كتاب الله فانتم أعلم بفرائضه ومنكم كان رسول الله فأنتم أعرف بسنته ولست ممن يعلم من جهل ولا يقوم من عوج ولكني أعزيك ببيت من شعر قال هاته قال وهون ما ألقى من الوجد انني أساكنه في داره اليوم اوغدا قال دعا اعرابي في طريق مكة فقال هل من عائد بفضل أو مواس من كفاف فأمسك عنه فقال اللهم لا تكلنا الى أنفسنا فنعجز ولا الى الناس فنضبع قال ابوالحسن جاء الاحنف الأحمر الى حلقة يونس حيث مات ابو جعفر فقال قد طرقت بنكرها بنت طبق فقال له يونس ماذا فقال فذمروها خبرا ضخم العنق فقال يونس وما هذا فقال موت الإمام فلقة من الفلق قال ابوالحسن أراد رجل ان يكذب بلالا فقال له يوما يا بلال ما سن فرسك قال عظم قال فكيف جريه قال يحضر ما استطاع قال فأين ينزل قال موضعا أضع فيه رجلي فقال له الرجل لا أتعنتك ابدا قال ودخل رجل على شريح القاضي يخاصم امرأة له فقال السلام عليكم قال وعليكم قال اني رجل من أهل الشام قال بعيد سحيق قال واني قدمت الي بلدكم هذا قال خير مقدم قال واني تزوجت امرأة قال بالرفاة والبنين قال انها ولدت غلاما قال ليهنك الفارس قال وقد كنت شرطت لها صداقها قال الشرط املك قال وقد اردت الخروج بها الى بلدي قال الرجل احق بأهله قال فاقض بيننا قال قد فعلت قال وخرج الحجاج ذات يوم فأصحر وحضر غداؤه فقال اطلبوا من يتغدى معي فطلبوا فاذا اعرابي في شملة فأتى به فقال السلام عليكم قال هلم ايها الاعرابي قال قد دعاني من هو اكرم منك فأجبته قال ومن هو قال دعاني الله ربي الى الصوم فأنا صائم قال وصوم في مثل هذا اليوم الحار قال صمت ليوم هو احر منه قال فأفطر اليوم وصم غدا قال ويضمن لي الامير اني اعيش الى غد قال ليس ذاك اليه قال فكيف يسألني عاجلا بآجل ليس الله قال انه طعام طيب قال ما طيبه خبازك ولاطباخك قال فمن طيبه قال العافية قال الحجاج بالله ان رأيت كاليوم أخرجوه قال أبو عمرو خرج صعصعة بن صوحان عائدا الى مكة فلقيه رجل فقال له يا عبد الله كيف تركت الارض قال عريضة اريضة قال انما عنيت السماء قال فوق البشر ومدى البصر قال سبحان الله انما اردت السحاب قال تحت الخضراء وفوق الغبراء قال انما اعني المطر قال قد عفا الأثر وملأ القتر وبل الوتر ومطرنا احيا المطر قال إنسي انت أم جني قال بل إنسي من أمة رجل مهدي وقال بشار وحمد كبرد العصب حملت صاحبي الى ملك للصالحين قرين وقال أيضا وبكر كنوار الرياض حديثها تروق بوجه واضح وقوام كتاب من الحجاج الى عبد الملك وكتب الحجاج بن يوسف الى عبد الملك بن مروان اما بعد فانا نخبر امير المؤمنين انه لم يصب ارضنا وابل منذ كتبت اخبره عن سقيا الله أيانا الا ما بل وجه الارض من الطش والرش والرذاذ حتى دقعت الارض واقشعرت واغبرت وثارت في نواحيها اعاصير تذرو دقاق الارض من ترابها وأمسك الفلاحون بأيديهم من شدة الارض واعترازها وامتناعها وارضنا ارض سريع تغيرها وشيك تنكرها سيء ظن اهلها عند قحوط المطر حتى ارسل الله بالقبول يوم الجمعة فأثارت زبرجا متقطعا متمصرا ثم أعقبته الشمال يوم السبت فطحطحت عنه جهامه والفت متقطعه وجمعت متمصرة حتى انتضد فاستوى وطما وطحا وكان جونا مرتعنا قريبا رواعده واعتدت عوائده بوابل منهمل منسجل يردف بعضه بعضا كلما اردف شؤبوب ارتدفته شآبيب لشدة وقعه في العراض وكتبت الى امير المؤمنين وهي ترمي بمثل قطع القطن قد ملأ اليباب وسد الشعاب وسقي منها كل ساق فالحمد لله الذي انزل غيثه ونشر رحمه من بعد ما قنطوا وهو الولي الحميد والسلام وهذا ابقاك الله اخر ما الفناه من كتاب البيان والتبيين ونرجو ان نكون غير مقصرين فيما اخترناه من صنعته وأردناه من تأليفه فان وقع على الحال التي أردنا وبالمنزلة التي أملنا فذلك بتوفيق الله وحسن تأييده وان وقع بخلافها فما قصرنا في الاجتهاد ولكن حرمنا التوفيق والله سبحانه وتعالى اعلم
تم كتاب البيان والتبيين
-------
====
لتاج في أخلاق الملوك
التاج في أخلاق الملوك لعمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبي عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى عام 255هـ)
باب في الدخول على الملوك | دخول الأشراف | دخول الأوساط | كيفية الدخول على الملك | استقبال الملك للملوك | وداع الملك للملوك | باب في مطاعمة الملوك | المنصور والفتى الهاشمي | على مائدة اسحق بن ابراهيم | شرف مؤاكلة الملوك | بين معاوية والحسن بن علي | شره القضاة | الملك وضيوفه على المائدة | الحديث على المائدة | طبقات الندماء | في حضرة الملك | مراتب الندماء والمغنين | أقسام الناس | انقلاب الحال في عهد بهرام جور | في عهد الأمويين | الخليفة الأمين | الخليفة المأمون | أخلاق الملك السعيد | أنعام الملوك ومنتهم | العفو عند المقدرة | آداب البطانة مع الملوك | حديث الملك | بين معاوية والرهاوي | أقوال في حسن الاستماع | عود إلى أخلاق الملوك | معاقبة أنوشروان للخائن | عبد الملك والأشدق | الرشيد والبرامكة | مراعاة حرمة الملك | إغضاء البصر وخفض الصوت بحضرة الملك | في غياب الملك | مكافآت الملوك | باب في صفة ندماء الملك | عدة الملك في سفره أو نزهته | خلال الندماء وملاعبة الملوك | آداب الندماء عند نعاس الملك | إمامة الملك للصلاة | آداب مسايرة الملك | مسايرة الموبذ لقباذ | مسايرة شرحبيل لمعاوية | صاحب الشرطة والهادي | ما قاله الهاشمي للخراساني | عدم تسمية أو تكنية الملك | عند تشابه الأسماء | ما يتفرد به الملك في عاصمته | دعاء الملك وتعزيته | غضب الملك ورضاه | وعلى هذا أخلاق الملوك وصنيعهم | أسرار الملك | حفظ حرم الملك | امتحان من يطعن في المملكة | تقاضي الملك عن الصغائر | رد على العامة | إكرام الأوفياء | أدب سماع الملك ومحادثته | إعادة الحديث | أمارات الذهاب من مجلس الملك | اغتياب الآخرين أمام الملك | آداب رسول الملك | احتياط الملك | معاملة ابن الملك للملك | صلاح الجفوة في التأديب | صفات المقربين من الملك | سخاء الملك وحياؤه | اعتلال الملك | جوائز البطانة | هدايا المهرجان والنيروز | لهو الملوك وشربهم | زيارة الملوك لأخصانهم | استقبال الملوك للناس في الأعياد | عقوبة الملك الظالم | استقصاء أحوال الرعية | الملوك أمام الأمور الجليلة | الحرب خدعة | النهاية |
===========
العثمانية
كتاب العثمانية للجاحظ

توجد نسخة مخطوطة

عونك اللهم
ثم إنا مخبرون عن مقالة العثمانية، وبالله نستهدي وإياه نستعين، وعليه نتوكل، وما توفيقنا إلا به.
رووا أن أفضل هذه الأمة وأولاها بالإمامة أبو بكر بن أبي قحافة، وكان أول ما دلهم عند أنفسهم على فضيلته وخاصة منزلته، وشدة استحقاقه، إسلامه على الوجه الذي لم يسلم عليه أحد من عالمه وفي عصره. وذلك أن الناس اختلفوا في أول الناس إسلاما، فقال قوم: أبو بكر بن أبي قحافة، وقال آخرون: زيد بن حارثة، وقال نفر: خباب بن الأرت.
على أنه إذا تفقدنا أخبارهم، وأحصينا أحاديثهم وعدد رجالهم، و [نظرنا في] صحة أسانيدهم. كان الخبر في تقديم أبي بكر أعم، ورجاله أكثر، وإسناده أصح، وهم بذلك أشهر، واللفظ به أظهر، مع الأشعار الصحيحة والأخبار المستفيضة في حياة رسول الله ﷺ وبعد وفاته. وليس بين الأشعار وبين الأخبار فرق إذا امتنع في مجيئها وأصل مخرجها التباعد والاتفاق والتواطؤ، ولكنا ندع هذا المذهب [جانبا]، ونضرب عنه صفحا، اقتدارا على الحجة، وثقة بالفلج والقوة، ونقتصر على أدنى منازل أبي بكر، وننزل على حكم الخصم مع سرفه وميطه فنقول:
لما وجدنا من يزعم أن خبابا وزيدا أسلما قبله، فأوسط الأمور وأعدلها وأقربها من محبة الجميع ورضا المجادل أن نجعل إسلامهم كان معا، إذ ادعوا أن الأخبار في ذلك متكافئة، والآثار متدافعة، [وليس في الأشعار دلالة، ولا في الأمثال حجة]، ولم يجدوا إحدى القضيتين أولى في حجة العقل من الأخرى.
فصل: وقالوا: فإن قال قائل: فما بالكم لم تذكروا عليا في هذه الطبقة وقد تعلمون كثرة مقدميه والرواية فيه؟
قلنا: لأنا قد علمنا بالوجه الصحيح والشهادة القائمة أنه أسلم وهو حدث غرير وغلام صغير، فلم نكذب الناقلين، ولم نستطع أن ننزل أن إسلامه كان لاحقا بإسلام البالغين، لأن المقلل زعم أنه أسلم وهو ابن خمس سنين، والمكثر زعم أنه أسلم وهو ابن تسع سنين، والقياس أن يؤخذ بأوسط الروايتين، وبالأمر بين الامرين، وإنما تعرف [حق] ذلك من باطله بأن تحصى سنيه التي ولي فيها، وسني عثمان وسني عمر وسني أبي بكر، وسني الهجرة، ومقام النبي ﷺ بمكة بعد أن دعا إلى الله وإلى رسالته إلى أن هاجر إلى المدينة، ثم تنظر في أقاويل الناس في عمره، وفي قول المقلل والمكثر، فتأخذ أوسطها وهو أعدلها، وتطرح قول المقصر والغالي، ثم تطرح ما حصل في يديك من أوسط ما روى من عمره [و] سنيه، وسني عثمان وسني عمر وسني أبي بكر، والهجرة ومقام النبي ﷺ بمكة إلى وقت إسلامه، فإذا فعلت ذلك وجدت الأمر على ما قلنا وعلى ما فسرنا.
وهذه التأريخات والأعمار معروفة لا يستطيع أحد جهلها والخلاف عليها، لأن الذين نقلوا التاريخ لم يعتمدوا تفضيل بعض على بعض، وليس يمكن ذلك مع اختلاف عللهم وأسبابهم، فإذا ثبت عندك بالذي أوضحنا وشرحنا أنه كان يومئذ ابن سبع سنين أقل بسنة أو أكثر بسنة، علمت بذلك أنه لو كان أيضا ابن أكثر من ذلك بسنتين وثلاث وأربع لا يكون إسلامه إسلام المكلف العارف بفضيلة ما دخل فيه ونقصان ما خرج منه.
والتاريخ المجتمع عليه أن عليا قتل سنة أربعين في شهر رمضان.
وقالوا: فإن قالوا فلعله وهو ابن سبع سنين وثمان سنين قد بلغ من فطنته وذكائه وصحة لبه وصدق حسه وانكشاف العواقب له وإن لم يكن جرب الأمور، ولا فاتح الرجال، ولا نازع الخصوم، ما يعرف جميع ما يجب على البالغ معرفته والإقرار به.
قلنا: إنما نتكلم على ظاهر الأحكام وما شاهدنا عليه طباع الأطفال. وجدنا حكم ابن سبع سنين، وثمان سنين وتسع سنين، حيث قرأناه وبلغنا خبره - ما لم يعلم مغيب أمره، وخاصة طباعه - حكم الأطفال، وليس لنا أن نزيل ظاهر حكمه والذي نعرف من شكله بلعل وعسى، لأنا كنا لا ندري لعله قد كان ذا فضيلة في الفطنة، فلعله أن يكون ذا نقص فيها. أجاب منهم بهذا الجواب من يجوز أن يكون علي في المغيب قد أسلم إسلام البالغ المختار، غير أن الحكم فيه عنده على مجرى أمثاله وأشكاله الذين إذا أسلموا وهم في مثل سنه كان إسلامهم على تربية الحاضن، وتلقين القيم، ورياضة السائس.
فصل: فأما علماء العثمانية ومتكلموهم، وأهل القدم والرياسة منهم، فإنهم قالوا: إن عليا لو كان وهو ابن ست سنين وسبع سنين، وثمان سنين وتسع سنين، يعرف فصل ما بين الأنبياء والكهنة، وفرق ما بين الرسل والسحرة، وفرق ما بين خبر المنجم والنبي، وحتى يعرف الحجة من الحيلة، وقهر الغلبة من قهر المعرفة، ويعرف كيد المريب وبعد غور المتنبي، وكيف يلبس على العقلاء، ويستميل عقول الدهماء، ويعرف الممكن في الطبائع من الممتنع فيها، وما يحدث بالاتفاق وما يحدث بالأسباب، ويعرف أقدار القوى في مبلغ الحيلة ومنتهى البطش، وما لا يحتمل إحداثه إلا الخالق، وما يجوز على الله مما لا يجوز في توحيده وعدله، وكيف التحفظ من الهوى، وكيف الاحتراس من تقدم الخادع في الحيلة - كان كونه بهذه الحال وعلى هذه الصفة مع فرط الصبا والحداثة، وقلة التجارب والممارسة، خروجا من نشوء العادة، والمعروف مما عليه تركيب الأمة. ولو كان على هذه الصفة ومعه هذه الخاصية، كان حجة على العامة، وآية تدل على المباينة، ولم يكن الله ليخصه بمثل هذه الآية وبمثل هذه الأعجوبة إلا وهو يريد أن يحتج بها له، ويخبر بها عنه، ويجعلها قاطعة لعذر الشاهد، وحجة على الغائب، ولا يضيعها هدرا، ولا يكتمها باطلا.
ولو أراد الاحتجاج بها شهر أمرها وكشف قناعها، وحمل النفوس على معرفتها، وسخر الألسنة لنقلها، والأسماع لإدراكها، لئلا يكون لغوا ساقطا، ونسيا منسيا، لأن الله لا يبتدع أعجوبة ولا يخترع آية ولا ينقض العادة إلا للتعريف والإعذار، والمصلحة والاستبصار. ولولا ذلك لم يكن لفعلها معنى، ولا لرسالته حجة. والله يتعالى أن يترك الأمور سدى، والتدبير نشرا. ولا يصل أحد إلى معرفة صدق نبي وكذب متنبئ حتى تجتمع له هذه المعارف التي ذكرنا، وهذه الأسباب التي فصلنا.
ولولا أن الله سبحانه خبر عن يحيى بن زكريا أنه آتاه الحكم صبيا، وأنه أنطق عيسى في المهد رضيعا، ما كانا في الحكم ولا في المغيب إلا كسائر الرسل، وما عليه طبع البشر.
فإذ لم ينطق لعلي بذلك قرآن. ولا جاء الخبر به مجئ الحجة القاطعة، والشهادة الصادقة، فالمعلوم عندنا في الحكم وفي المغيب جميعا أن طباعه كطباع عميه حمزة والعباس، وهما أمس بمعدن جماع الخير منه، وكطباع جعفر وعقيل أخويه، وكطباع أبويه ورجال عصره وسادة رهطه. ولو أن إنسانا ادعى مثل ذلك لأخيه جعفر أو لعمه حمزة أو لعمه العباس - وهو حليم قريش - ما كان عندنا في أمره إلا مثل ما عندنا فيه.
فصل: ولو لم تعرف الروافض ومن ذهب مذهبها في هذا باطل هذه الدعوى، وفساد هذا المعنى إذا صدقت أنفسها ولم تقلد رجالها، وتحفظت من الهوى وآثرت التقوى، [إلا بترك] على ذكر ذلك لنفسه والاحتجاج به على خصمه وأهل دهره، منذ نازع الرجال، وخاصم الأكفاء، وجامع أهل الشورى وولي وولي عليه، والناس بين معاند يحتاج إلى التقريع، ومرادّ يحتاج إلى الإرشاد، وولي يحتاج إلى المادة، وغفل يحتاج إلى أن يكثر له من الحجة، ويتابع له بين الأمارات والدلالات مع حاجة القرن الثاني إلى معرفة الحق ومعدن الامر، لأن الحجة إذا لم تصح لعلي في نفسه، ولم يقو على أهل دهره، فهي عن ولده أعجز، وعنهم أضعف.
ثم لم ينقل ناقل واحد أن عليا احتج بذلك في موقف، ولا ذكره في مجلس، ولا قام به خطيبا، ولا أدلى به واثقا، ولا همس به إلى موافق، ولا احتج به على مخالف.
فصل: وقد ذكر فضائله وفخر بقرابته وسابقته، وكاثر بمحاسنه ومواقفه، منذ جامع الشورى وناضلهم. إلى أن ابتلي بمساورة معاوية له، وطمعه فيه، وجلوس أكثر أصحاب رسول الله عن عونه، والشد على عضده، كما قال عامر الشعبي: لقد وقعت الفتنة وبالمدينة عشرون ألفا من أصحاب رسول الله ﷺ، ما خف فيها منهم عشرون، ومن زعم أنه شهد الجمل ممن شهد بدرا أكثر من أربعة فقد كذب، كان علي وعمار في شق وطلحة والزبير في شق.
وكيف يجوز عليه ترك الاحتجاج على المخالف وتشجيع الموافق وقد نصب نفسه للخاصة والعامة، وللخاذل والعادي، ومن لا يحل له في دينه ترك الإعذار إليهم، إذ كان يرى أن قتالهم كان واجبا، وقد نصبه الرسول مفزعا ومعلما، ونص عليه قائما، وجعله للناس إماما، وأوجب طاعته، وجعله حجة في الناس يقوم مقامه.
فصل: وأعجب من ذلك أنه لم يدع هذا له أحد في دهره كما لم يدعه لنفسه، مع عظيم ما قالوا فيه في عسكره وبعد وفاته، حتى يقول إنسان واحد إن الدليل على إمامته أن النبي ﷺ دعاه إلى الإسلام، فكلف التصديق قبل بلوغه وإدراكه، ليكون ذلك آية له في عصره، وحجة له ولولده على من بعده. وقد كان علي أعلم بالأمور من أن يدع ذكر أكبر حججه والذي بان به من شكله، ويذكر أصغر حججه والذي يشاركه فيه غيره، وقد كان في عسكره من لا يألو في الإفراط، ومن يحسب أن الإفراط زيادة في القدر.
والعجب له، إن كان الأمر كما ذكرتم، كيف لم يقف يوم الجمل ويوم صفين أو يوم النهر في موقف يكون من عدوه بمرأى ومسمع، فيقول: "تبا لكم وتعسا، كيف تقاتلوني وتجحدون فضلي وقد خصصت بآية حتى كنت كيحيى بن زكريا وعيسى بن مريم" ولا يمتنع الناس من أن يقولوا ويموجوا، فإذا ماجوا تكلموا على أقدار عللهم، وعللهم مختلفة، ولا ينشب أمرهم أن يعود إلى فرقة، فمن ذاكر قد كان ناسيا، ومن نازع قد كان مصرا. وكم مترنح قد كان غالطا، مع ما كان يشيع من الحجة في الآفاق، ويستفيض في الأطراف، ويحتمله الركبان ويتهادى في المجالس.
فهذا كان أشد على طلحة والزبير، وعائشة ومعاوية، وعبد الله بن وهب، من مائة ألف سنان طرير، وسيف مشهور.
فصل: ومعلوم عند ذوي التجربة والعارفين بطبائع الأتباع وعلل الأجناد، أن العساكر تنتقض مرائرها وينتشر أمرها، وتنقلب على قادتها بأيسر من هذه الحجة، وأخفى من هذه الشهادة.
فصل: وقد علمتم ما صنعت المصاحف في طبائع أصحاب علي، حين رفعها عمرو بن العاص أشد ما كان أصحاب علي استبصارا في قتالهم، ثم لم ينتقض على علي من أصحابه إلا أهل الجد والنجدة، وأصحاب البرانس والبصيرة.
وكما علمتم من تحول شطر عسكر عبد الله بن وهب حين اعتزلوا مع فروة بن نوفل، لكلمة سمعوها من عبد الله بن وهب كانت تدل عندهم على ضعف الاستبصار والوهن في اليقين.
وهذا الباب أكثر من أن يحتاج مع ظهوره ومعرفة الناس به إلى أن نحشوا به كتابنا.
فصل: فأما إسلامه وهو حدث غرير وغلام صغير، فهذا ما لا ندفعه، غير أنه إسلام تلقين وتأديب وتربية. وبين إسلام التكليف والامتحان وبين التلقين والتربية فرق عظيم، ومحجة واضحة.
وقالت العثمانية: إن قالت الشيع: إن الأمور ليس كما حكيتم، ولا كما هيأتموه لأنفسكم، بل نزعم أنه قد كانت هناك في أيام صباه وحداثته فضيلة فطنة، ومزية ذكاء، ولم يبلغ الأمر قدر الأعجوبة والآية.
قلنا: إن الذي ذهبتم إليه أيضا لا بد فيه من أحد وجهين:
إما أن يكون قد كان لا يزال يوجد في الصبيان مثله في الفطنة والذكاء وإن كان ذلك عزيزا قليلا، أو كان وجود ذلك ممتنعا، ومن العادة خارجا. فإذا كان قد كان يوجد مثله على عزته وقلته فما كان إلا كبعض من نرى اليوم ممن يتعجب من حسه وفطنته، وحفظه وحكايته وسرعة قبوله على صغر سنه وقلة تجريبه. وإن كانت حاله هذه الحال، وطبيعته على هذا المثال، فإنا لم نجد صبيا قط وإن أفرط كيسه وحسنت فطنته وأعجب [به] أهله يحتمل ولاية الله سبحانه وعداوته، والتمييز بين الأمور التي ذكرنا. مع أنه ما جاءنا ولا صح عند أحد منا بخبر صادق، ولا كتاب ناطق، أنه كان لعلي خاصة دون قريش عامة في صباه من إتقان الأمور وصحة المعارف وجودة المخارج ما لم يكن لأحد من إخوته وأعمامه وآبائه.
وإن كان القدر الذي كان عليه على من الذكاء والمعرفة القدر الذي لم نجد له [فيه] مثلا، ولا رأينا له شكلا - وهذا هو البديع الذي به يحتج على المنكرين، ويفلج على المعارضين، ويبين للمسترشدين - فهذا باب قد فرغنا منه مرة.
فصل: ولو كان الأمر في علي على ما يقولون لكانت في ذلك حجة للرسول في رسالته، ولعلي في إمامته. والآية إذا كانت للرسول وخليفة الرسول كان أشهر لها، لأن وضوح أمر الرسول يزيد على ما للامام ويزيده إشراقا واستنارة وبيانا. ولا يجوز أن يكون الله قد عرف أهل عصرهما ذلك، وهم الشهداء على من بعدهم من القرون ثم يسقط حجته، فلا تخلو تلك الحجة وتلك الشهادة من ضربين: إما أن تكون ضاعت وضلت، وإما أن تكون قد قامت وظهرت.
فإن كانت قد ضاعت فلعل كثيرا من حجج الرسول ﷺ قد ضاع معها، وما جعل الباقي منها أولى بالتمام من الساقط، والساقط من شكل الثابت. على أن مع الساقط خاصة ليست مع الثابت لأنه حجة على شيئين، والثابت حجة على شئ. ولا يخلو أمر الساقط من ضربين: إما أن يكون الله لم يرد تمامه، أو يكون قد أراده.
وأي ذين [كان] ففساده واضح عند قارئ الكتاب.
وإن كانت الآية قد تمت إذ كانت الشهادة قد قامت علينا بها كما كانت شهادة العيان قائمة عليهم [فيها] فليس في الأرض عثماني إلا وهو يكابر عقله ويجحد علمه.
ولعمري إنا لنجد في الصبيان من لو لقنته وسددته أو كتبت له أغمض المعاني وألطفها، وأغوص الحجج وأبعدها، وأكثرها لفظا وألطفها، وأطولها، ثم أخذته بدرسه وحفظه لحفظه حفظا عجيبا، ولهذه هذا ذليقا. فأما معرفته صحيحه من سقيمه، وحقه من باطله، وفصل ما بين المقرب والدليل، والاحتراس من حيث يؤتى المخدوعون، والتحفظ من مكر الخادعين، وتأتي المجرب، ورفق الساحر، وخلابة المتنبئ، وزجر الكاهن وإخبار المنجمين، وفرق ما بين نظم القرآن وتأليفه ونظم سائر الكلام وتأليفه - فليس يعرف فروق النظر واختلاف البحث إلا من عرف القصيد من الزجر، والمخمس من الأسجاع، والمزاوج من المنثور، والخطب من الرسائل، وحتى يعرف العجز العارض الذي يجوز ارتفاعه من العجز الذي هو صفة في الذات.
فإذا عرف صنوف التأليف عرف مباينة نظم القرآن لسائر الكلام، ثم لم يكتف بذلك حتى يعرف عجزه وعجز أمثاله عن مثله، وأن حكم البشر حكم واحد في العجز الطبيعي وإن تفاوتوا في العجز العارض.
وهذا ما لا يوجد عند صبي ابن سبع سنين وثمان سنين وتسع سنين أبدا، عرف ذلك عارف أو جهله جاهل. ولا يجوز أن يعرف عارف معنى الرسالة إلا بعد الفراغ من هذه الوجوه، إلا أن يجعل جاعل التقليد والنشو والألف لما عليه الآباء وتعظيم الكبراء، معرفة ويقينا.
وليس بيقين ما اضطرب ودخله الخلاج عند ورود معاني لعل وعسى، وما لا يمكن في العقول إلا بحجة تخرج القلب إلى اليقين عن التجويز.
ولقد أعيانا أن نجد هذه المعرفة إلا في الخاص من الرجال وأهل الكمال في الأدب، فكيف بالطفل الصغير والحدث الغرير؟ مع أنك لو أدرت معاني بعض ما وصفت لك على أذكى صبي في الأرض وأسرعه قبولا وأحسنه حكاية وبيانا، وقد سويته [له] ودللته، وقربته [منه] وكفيته مؤونة الروية ووحشة الفكرة. لم يعرف قدره ولا فصل بين حقه من باطله، ولا فرق بين الدلالة وشبيه الدلالة، فكيف له بأن يكون هو المتولي لتجربته وحل عقده، وتخليص متشابهه، واستثارته من معدنه؟
وكل كلام خرج من التعارف فهو رجيع بهرج، ولغو ساقط.
فصل: وقد نجد الصبي الذكي يعرف من العروض وجها، ومن النحو صدرا، ومن الفرائض أبوابا، ومن الغناء أصواتا. فأما العلم بأصول الأديان ومخارج الملل، وتأويل الدين، والتحفظ من البدع، وقبل ذلك الكلام في حجج العقول، والتعديل والتجوير، والعلم بالأخبار وتقدير الاشكال فليس هذا موجودا إلا عند العلماء. فأما الحشوة والطغام فإنما هم أداة للقادة، وجوارح للسادة. وإنما يعرف شدة الكلام في أصول الأديان من قد صلى به وعجمه، وسلك في مضايقه، وجاثى الأضداد، ونازع الأكفاء.
فإن قالت الشيع: الدليل على أن إسلام علي كان اختيارا ولم يكن تلقينا، أن عليا أسلم بدعاء النبي ﷺ له، وفي ذكر الدعاء والإقرار به دليل على أن الإجابة اختيار، لأن المسلم بالدعاء مجيب للدعاء. ولا نعلم الدعاء يكون من حكيم لمدعو لا يختار ولا تحتمل فطرته تمييز الأمور وفضل ما بين ما دعا إليه وبين ما دعا إليه غيره. وليس بين قول القائل: دعا النبي ﷺ فلانا إلا الإسلام وبين قوله: كلف النبي ﷺ فلانا الإسلام فرق. وقول المسلمين: دعا النبي ﷺ عليا كقولهم: دعا جميع العرب فمن مجيب طائع كعلي، ومن ممتنع عاص كفلان وفلان.
قالت العثمانية عند ذلك: قد عرفنا أن بعضهم قد نقل أن عليا كان أول من أسلم، وقد نقلوا بأجمعهم أنه كان أول من أسلم. وبين قول القائل أسلم فلان أول الناس وبين أن يقول أسلم في أوائل الناس فرق. فأما أن يكون واحد من جميع الصنفين من البعض والجميع فسر مع روايته ومخرج خبره كيف كان إسلامه، أعلى وجه الدعاء والتكليف أم على وجه التلقين والتربية، فلم نر أحدا منهم ميز ذلك ولا فرقه في مخرج الخبر. ونحن لم ندع أن إسلامه كان إسلام تلقين من قبل تفسير الناقلين وتمييز المحدثين، ولكنا نظرنا في التاريخ فعرفنا عمره وابن كم كان يوم توفي، وعرفنا موضع اختلافهم واجتماعهم، فأخذنا أوسطه إذ كان أعدل ما فيه، وأسقطنا قول من كثر وقلل، ثم ألقينا منه سنيه إلى عام إسلامه، فوجدنا ذلك يوجب أنه كان ابن سبع. ولو أخذنا أيضا بقول المكثر فجعلناه ابن تسع، وتركنا قول من قلل وقول المقتصد، علمنا بذلك أيضا أن إسلامه كان إسلام تربية وتأديب وتلقين، كما أخذ الله على المسلمين أن يأخذوا به أولادهم.
وقالت العثمانية للعلوية: إنا لم ندع أنه أسلم وهو ابن سبع فإنا وجدنا ذلك قائما في خبرهم مفسرا في شهادتهم، ولكنه علم مستنبط من أخبارهم، ومستخرج من آثارهم عند المقابلة والموازنة. ومثل ذلك لو أن رجلا قال لرجل: خذ عشرة في عشرة، كان ذلك في المعنى كقوله: "خذ مائة" وإن لم يكن سماها له ولا ذكرها بلسانه.
وقالوا: ولولا أن من شأننا الأخذ بالقسط والحكم بالعدل لأخذنا الشيع بقولهم في عمره وبقول ولده، فإن أحدهما يزعم أن عليا توفي وهو ابن سبع وخمسين. وقال الآخرون: بل توفي وهو ابن ثمان وخمسين. ولو كان كما تقول الرافضة وولده ما كان أسلم إلا وهو ابن خمس أو ابن ست. وهم لا يألون ما نقصوا من عمره وصغروا من سنه لكي يجعلوا إسلامه آية له وحجة على إمامته.
ولعمري لو كان الذين نقلوا أنه كان أول من أسلم نقلوا مع خبرهم أنه أسلم بالدعاء والتكليف، لقد كان ما ذهبتهم إليه مذهبا، وما اعتصمتم به متعلقا، ولكن ما في الأرض كلها حامل خبر ولا صاحب أثر كان في خبره أنه أسلم بدعاء، ولا أنه أسلم بتلقين، وإنما هذا مستخرج من الأخبار.
فإن قالت الروافض: بل الدليل على أن إسلامه كان طاعة ولم يكن تلقينا قول جميع الأمة إن عليا كان من أول من أسلم، فنفس قولهم أسلم هو كقولهم أطاع واختار، وكذلك قولهم إذا قالوا: كفر فلان، فهو كقولهم: عصا واختار، وإن لم يفسروا. وليس بين قولهم أسلم فلان وكفر فلان فرق، لأن المخبر الصادق إذا قال كفر فلان فحكمه عند السامع العداوة والبراءة. ولو قال أسلم فلان كان حكمه المحبة والولاية: فإذا كانوا كلهم قد قالوا: أسلم علي، وحكم "أسلم" يثبت الاختيار وإجابة الولاية، قبل أن يجمعوا على أنه كان على التلقين والتربية. فعلي على هذا القياس مطيع في إسلامه، مختار له على غيره. وكذلك لو قالوا: كفر فلان، كان حكمه حكم العاصي المختار حتى يجمعوا أن كفره كان عن إكراه أو غلط أو هيج مرة، أو هجر النائم أو تلقين المؤدب. فلما كان هذا قياسا موجبا صحيحا، لم يكن لأحد أن يجعل إسلام علي إسلام تلقين إلا بمثل الحجة التي جعله بها مسلما، لأنهم قد أطبقوا بأجمعهم على إسلامه واختلفوا في السنة. فيجب ألا نزيل حكم أسلم إلا بإجماع منهم أنه كان عن تلقين وتربية.
قلنا لهم: لعمري لو لم يكن ها هنا إجماع يخبر أن إسلامه كان إسلام تلقين ونشو، كان حكم قولهم أسلم علي على ما قلتم، لا تجحدون حكمه ولا تظلمون معناكم فيه، ولكن الذين قالوا إنه توفي وهو ابن كذا وكذا فأخذنا بأوسطها نقصوا من سنيه فإذا هو قد أسلم وهو ابن سبع سنين. ولو أخذنا بقول المكثر وبخسنا القياس حظه كان أيضا إسلامه وهو ابن تسع سنين إسلام تلقين. فبهم عرفنا تقدمه في الإسلام، وبهم عرفنا صغر سنه وحداثته، إذ كان الصبي إذا كان ابن خمس سنين إلى عشر سنين لا يستتاب إن كفر، ولا يلام إن جهل، ولا يعذب إن ضيع. فإذا كانوا بأجمعهم قد قالوا إنه أسلم وهو ابن خمس أو ست أو ثمان أو سبع، فقد قالوا بأجمعهم إنه أسلم إسلام تلقين وإن لم يقولوا بأفواههم، كما قلتم إن قول القائل كفر فلان وأسلم فلان - وإن لم يذكره - [حكم] بالطاعة والمعصية.
قلنا: فكذلك إذا قال رجل أسلم فلان وهو ابن سبع سنين أو ثمان أو تسع، فقد قال إن إسلامه كان إسلام تلقين وإن لم يذكره ولم يتفوه به كما قلتم، حذو القذة بالقذة، والنعل بالنعل. فإذا ثبت أن إسلام علي إسلام تلقين في ذلك الدهر، فإسلام زيد وخباب أفضل من إسلامه. ولو أن عليا كان أيضا بالغا كان إسلام زيد وخباب أفضل من إسلامه، لأن إسلام المقتضب الذي لم يغذ به ولم يعوده ولم يمرن عليه أفضل من إسلام الناشئ الذي قد ربي فيه ونشأ عليه وحبب إليه، لأن خبابا وزيدا يعانيان من الفكر ويتخلصان إلى أمور، وصاحب التربية يبلغ حين يبلغ وقد أسقط إلفه عنه مؤونة الروية، والخطار بالجهالة، وقد أورثه الألف السكون، وكفاه اختلاج الشك واضطراب النفس وجولان القلب.
فصل: ولو كان علي أيضا بالغا وكان مقتضبا كزيد وخباب لم يكن إسلامه ليبلغ قدر إسلامهما، لأن إسلام التربية يكفي مؤونتين: إحداهما الخطار والتغرير، والأخرى شدة فراق الألف ومكابدة العادة ونزاع الطبيعة، مع أن من كان بحضرة الأعلام وفي منزل الوحي وفي رحال الرسل فالأعلام له أشد انكشافا، والخواطر على قلبه أقل اعتلاجا. وعلى قدر الكلفة في دفع الشبهة والإقرار بخلاف الألف والعادة، والمخاطرة باعتقاد الجهالة، يعظم الفضل، ويكثر الأجر.
ولو كان أيضا علي أسلم بالغا مدركا، وكان مع إدراكه وبلوغه كهلا، وكان مع كهولته مقتضبا، كان إسلام زيد وخباب أفضل من إسلامه، لأن من أسلم وهو يعلم أن له ظهرا كأبي طالب، وردءا كبني هاشم، وموضعا في بني عبد المطلب، ليس كالحليف ولا المولى، والنزيل والتابع والعسيف، وكالرجل من عرض قريش وقاطني مكة. [أ] وما علمت أن قريشا خاصة وأهل مكة عامة لم يقدروا على أذى النبي ﷺ ما كان أبو طالب حيا قائما؟ ولقد منع أبو طالب أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي لأنه كان ابن أخته، فما قدرت بنو مخزوم مع خيلائها وعرام شبابها ومع عزها وشدة عداوتها أن تحص منه شعرة ولا تسمعه كلمة حتى مشت إليه بأجمعها، للذي ترى له في أنفسها، فكان من قولهم له: هذا ابن أخيك قد فرق جماعتنا وسفه أحلامنا وشتم آلهتنا وقد منعته منا، فما بال صاحبنا؟ قال: من لم يمنع ابن أخته لم يمنع ابن أخيه!
فإذا كانت قريش وأهل مكة لا يقدرون على ابن أخيه وابن أخته معه فهم عن ابنه أعجز، وعنه أقعد، وله أعفى، وهو لابنه أحضر نصرا وأشد غضبا، وأحمى أنفا، وليس الممنوع كالمخذول، ولا الضعيف كالقوي، ولا الآمن كالخائف. فإذا كان إسلام زيد وخباب أفضل من إسلامه في ذلك الدهر كما عددنا من الطبقات، ورتبنا من المنازل، ونزلنا من الحالات، فإسلام أبي بكر أفضل من إسلامهما. فقد سقطت المنازعة، وارتفعت الخصومة عند من فهم كتابنا ولم يمنع نفسه الحظ بصحبتنا، لفرط التباين وعظم الفرق.
فصل: والدليل على أن إسلام أبي بكر كان أفضل من إسلام زيد وخباب أن زيدا كان رجلا غير مذكور بعلم، ولا مزن بمالـ ولا مغشى المجلس، ولا مزور الرحل، وكذلك كان خباب، وكان أبو بكر رضي الله عنه أعلم العرب بالعرب كلهم، وأرواها لمناقبها ومثالبها، وأعرفها بخيرها وشرها، ولذلك قال النبي ﷺ لحسان مع سن حسان وعلمه وتحاكم الشعراء إليه، حيث أمره النبي عليه السلام أن يهجو أبا سفيان بن الحارث، وحيث قال له: "اهجهم ومعك روح القدس". وحيث قال له: هيج الغطاريف على بني عبد مناف - في قتل أبي أزيهر - والقَ أبا بكر فإنه أعلم الناس بهم.
فصل: ولذلك كان جبير بن مطعم أعلم قريش بالعرب بعد أبي بكر، لأنه كان المتولي لتأديبه وتثقيفه، وقد كان أبو بكر قد سمى عائشة له، للذي رأى من حسن أثره عليه.
وكان أبو بكر، مع علمه بالناس وحسن معرفته، ذا مال كثير ووجه عريض، وتجارة واسعة، وكان جميلا عتيقا، ومزورا مغشيا، ومحببا أديبا، صاحب ضيافات، ويعين في الحمالات، ويجتمع إلى مجلسه كبراء أهل مكة، لما يجدون عنده من طريف الحديث وغريب الشعر، حتى كان مثل عتبة وشيبة يجلسان إليه، ويعجبان بحديثه، ثم يتخذ لهم ما يتحدثون عليه ويطول مجلسهم به، من شراب العسل والزبيب واللبن، فكانت قريش بعد إسلام أبي بكر وكثرة مستجيبيه بمكة تريد تنفير عتبة بن ربيعة من مجلسه وإيحاشه منه، مخافة أن يستميله بحسن دعائه، وتأتيه ورفقه، ورقة دموعه وشدة خشوعه، فتقول له: أما إنك ما تأتي ابن أبي قحافة إلا لطيب عسله وإلا لمذقته، وإنما نفروه بهذا وشبهه لأنه كان ذا عيال مملقا ثقيل المؤونة، خفيف ذات اليد، مع سنه وسؤدده وحلمه ورأيه.
ولا سواء إسلام ذي اليسر والمال الدثر، المنفق حريرة كسبه وعقيلة ملكه، والمفرق عنه جمعه والموحش منه أنيسه، الخارج من عز الغنى وكثرة الصديق، إلى ذل القلة وعجز الفاقة، وإسلام من لا حراك به ولا جدا عنده، تابع غير متبوع، ومستجد غير مجد. لأن من أشد ما يبتلى به الكريم السب بعد التحية، والضرب بعد الهيبة، والعسر بعد اليسر.
ولا سواء إسلام العالم الأديب الأريب، ذي الرأي السديد، وإسلام غيره.
ثم كان داعية من دعاة الرسول مقبول القول، متبوع الرأي. ومن كان في صفة أبي بكر فالخوف عليه أشد، والمكروه إليه أسرع، لأنه لم يكن على ظهرها عدو النبي ﷺ إلا وأبو بكر يتلوه عنده في العداوة.
ولا سواء إسلام من أسلم على أن يمون ويكلف، وإسلام من كان يمان قبل إسلامه ويكلف بعد إسلامه.
ولا سواء إسلام الكهل النبيه الذي يحسن عند قريش مطالبته، ولا يستحي من طلب الثأر عنده، وإسلام الحدث الذي لا يفي بعداوة الجلة، ولا تستجيز مجازاته العلية.
ثم كان الذي يلقى أبو بكر في الله ورسوله ببطن مكة، وعلي خلي الروع آمن السرب رخي البال، كما لقي يوم دعا طلحة إلى الإسلام فأسلم ومضى به إلى النبي ﷺ وخذلتهما تيم، وأخذهما نوفل بن خويلد بن أسد - فأما ابن إسحاق فزعم أنه كان من شياطين قريش، وأما الواقدي وغيره فزعموا أنه كان يلقب أسد قريش، وهو الذي يقال له ابن العدوية - فقرنهما في حبل، وفتنهما على دينهما وعذبهما، فلذلك سمي أبو بكر وطلحة "القرينين".
وأبو بكر الذي قام دون النبي ﷺ بمكة وقد اعتوره المشركون حين قال: "أما والله لقد جئتكم بالذبح!" قال أبو بكر ويلكم، أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله! فصدعوا فودى رأسه.
ثم الذي لقي في مسجده الذي كان بناه على بابه في بني جمح، وحيث رد الجوار وقال: لا أريد جارا سوى الله. وقد كان بنى مسجدا يصلي فيه ويدعو الناس إلى الإسلام، وله صوت رقيق ووجه عتيق، فكان إذا قرأ وبكى، وقعت عليه المارة والنساء والصبيان والعبيد، فلما أوذي في الله حتى بلغ جهده استأذن النبي ﷺ في الهجرة، فأذن له، فأقبل يريد المدينة فتلقاه الكناني سيد الأحابيش، فعقد له جوارا وقال: والله لا أدع مثلك يخرج من بين أخشبي مكة. فرجع وقد عقد له الكناني جوارا. كل ذلك رغبة في قرب النبي ﷺ، فلما رجع إلى مكة عاد إلى مسجده وصنيعه. فمشت قريش إلى جاره وعظموا الأمر عنده وأجلبوا عليه فقالوا: قد أفسد أحداثنا، وعبيدنا وإماءنا ونساءنا، في منازلنا! فمشى إليه الكناني وقال: ليس على هذا أعطيتك الجوار، ادخل بيتك واصنع فيه ما بدا لك! قال له أبو بكر: أو أرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله؟ فلما قطع الجوار وترادا العهد وتباريا لقي أبو بكر رضي الله عنه من الأذى والذل والضرب والاستخفاف ما بلغك. وهو أمر موجود في جميع السير. وليس المفتون كالوادع. قال الله سبحانه: {والفتنة أشد من القتل}. وذلك أن المشركين كانوا قد صاروا إلى أن يفتنوا الناس عن دينهم بالتعذيب، والمسلمون نفر يسير، قد خذلتهم عشائرهم، وأسلمتهم أهلوهم. فألقوا خبابا على الرضف، حتى ذهب ماء متنه. وكان أبو ذر حليفا مستضعفا فكان يدخل بالنهار في خلال أستار الكعبة ويخرج بالليل مستخفيا. وكانت بنو مخزوم تعذب عمارا وأباه وأمه برمضاء مكة، فيمر بهم النبي ﷺ فيقول: "صبرا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة!" فذكر عمار عند ذلك عياذ أبي بكر لبلال حين أعتقه من العذاب فيمن أعتق، فقال:
جزى الله خيرا عن بلال ودينه * عتيقا وأخزى فاكها وأبا جهل
وقال سعيد بن جبير: قلت لعبد الله بن عباس: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله ﷺ من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم؟ قال: والله إن كانوا ليضربون أحدهم ويعطشونه حتى لا يقدر أن يستوى جالسا من الجهد، حتى إن كان أحدهم ليعطيهم الذي سألوه، من الفتنة، وحتى يقال له: اللات والعزى إلهك من دون الله؟ فيقول: نعم، وحتى إن الجعل ليمر بهم فيقال له: هذا إلهك؟ فيقول: نعم.
فلو كان علي بن أبي طالب قد ساوى أبا بكر في الإسلام لقد كان فضله أبو بكر بأن أعتق من المفدين المفتونين بمكة، وحتى [لو] لم يكن غير ذلك لكان لحاقه عسيرا، ولو كان ذلك يوما واحدا لكان عظيما، فكيف وكان بين ظهور النبي عليه السلام ودعائه إلى أن هاجر إلى المدينة ثلاث عشرة سنة، في كل ذلك أبو بكر وخباب وأصحاب النبي ﷺ يتجرعون المرار وعلي وادع رافه، غير طالب ولا مطلوب. وليس أنه لم يكن في طباعه النجدة والشهامة، وفي غريزته الدفع والحماية، ومن أكرم عنصر وأطيب مغرس، ولكن لم تكن تمت له أداته، ولم تستجمع له قواه ولم تتكامل آدابه، لأن العقل وإن اشتد مغرزه وثبتت أواخيه وجاد نحته فإنه لا يبلغ بنفسه درك الغاية، دون كثرة السماع والتجربة، ولأن رجال الطلب وأصحاب الثأر وأهل السن والقدر يغمطون ذا الحداثة، ويزرون على [ذي] الصبا والغرارة إلى أن يلحق بالرجال يصير من الأكفاء. حتى كان آخر ما لقي هو وأهله في أمر الغار، وقد طلبته قريش وجعلت فيه مائة بعير كما جعلت في النبي ﷺ، فلقي أبو جهل أسماء بنت أبي بكر - وهي ذات النطاقين - منصرفها من الغار، فسألها فكتمته فلطمها، فقالت أسماء: لقد لطمني لطمة أندر منها قرطا كان في أذني.
فصل: ثم الذي كان من دعائه إلى الإسلام وحسن احتجاجه حتى أسلم على يديه طلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن وعثمان، لأنه ساعة ما أسلم دعا إلى الله ورسوله. وكان مألفا، لأدبه وعلمه ورحب عطنه.
وقالت أسماء: "ما عرفت أبي إلا وهو يدين بالدين، ولقد رجع إلينا يوم أسلم فدعانا إلى الإسلام فما رمنا حتى أسلمنا وأسلم أكثر جلسائه"، ولذلك قالوا: لمن أسلم بدعاء أبي بكر أكثر ممن أسلم بالسيف. ولم يذهبوا من قولهم إلى العدد بل عنوا الكثرة في القدر، لأن من أسلم على يده خمسة من الشورى، كلهم يفي بالخلافة، وهم أكفاء علي ومنازعوه الرياسة والإمامة. فقد أسلم على يده أكثر ممن أسلم بالسيف، لأن هؤلاء أكثر من جميع الناس.
فصل: وممن أسلم على يده بلال، وهو الذي يقول فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "بلال سيدنا ومولى سيدنا". ورووا أنه قال: "أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا". وقال النبي ﷺ: "بلال سابق الحبش". وبلال مولى أبي بكر ثلاث مرات، أسلم على يده فأعتقه من رق الكفر، وأعتقه من رق العذاب حيث كان يفتن في الله ورسوله، وأعتقه من رق العبودية.
وكان من قصة بلال أنه كان عبدا لبني جمح، وكانت دار أبي بكر ومسجده في حي جمح، ولم يكن ببطن مكة مسجد سواه، فلما سمع دعاء أبي بكر أسلم وحده، فلما سمع أمية بن خلف فكان يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره ببطحاء مكة، ثم يضع صخرة على صدره، ثم يحلف بإلهه لا ينزعها عن صدره أو يكفر بمحمد وإلهه ويؤمن باللات والعزى! وبلال يأبى وهو يقول: أحد أحد! وكان يمر به ورقة بن نوفل فيقول: نعم يا بلال، أحد أحد! فمر به أبو بكر وهو يريد داره في بني جمح. فرأى أمية وما يصنع بلال، فقال: ألا تتقي الله؟ إلى متى تعذب هذا المسكين؟ قال: أنت أفسدته! يعني أنت دعوته حتى أسلم - فأنقذه! قال أبو بكر: عندي غلام أسود جلد، على دينك، أعطيكه وآخذه. فأعتقه، فهو عتيقه ثلاث مرات.
ثم أعتق بعد ذلك من المعذبين في الله ست رقاب. منهم عامر بن فهيرة، شهد بدرا وهاجر مع رسول الله عليه السلام وأبي بكر. لأنه كان في موضع الثقة. حيث خرجا إلى الغار هاربين من المشركين متوجهين إلى المدينة. واستشهد يوم بئر معونة.
وأعتق زنيرة ثلاث مرات. فلما اشتراها وأعتقها ذهب بصرها، وكانت تعذب في الله فيمن يعذب بمكة، فقال المشركون: ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى! قالت: كذبوا ما يضران ولا ينفعان! فرد الله عليها بصرها. فزعم الزهري أن موليين لابن الغيطلة أسلما حين رد الله عليها بصرها. وقالا: هذا بلا شك من إله محمد وابن أبي قحافة!
ثم أعتق النهدية وابنتها وقد كانتا تعذبان في الله، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار. ومر بهما أبو بكر وقد بعثت العبدرية معهما بطحين وهي تقول: والله لا أعتقكما أبدا. قال أبو بكر: حلا يا أم فلان؟ قالت: حلا! أنت أفسدتهما فأعتقهما. قال: فبكأين هما يا أم فلان؟ قالت: بكذا وكذا. قال: فقد أخذتهما، وهما حرتان. أرجعا إليها طحينها. قالت: أونفرغ منه يا أبا بكر؟ قال: وذاك إن شئتما.
ومر بجارية بني مؤمل - حي من بني عدي بن كعب - وعمر بن الخطاب يعذبها لتترك الإسلام، وهو يضربها، فإذا مل قال: أعتذر إليك إني لم أتركك إلا ملالة! فابتاعها فأعتقها.
وأعتق أم عبيس.
فقال له أبو قحافة: أي بني، أراك تعتق رقابا ضعافا، فلو أنك إذ فعلت أعتقت رجالا جلدا منعوك وقاموا دونك؟ قال: يا أبت إنما أعتق المعذبين! فأنزل الله: {أما من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى} إلى قوله: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى. إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى. ولسوف يرضى}. فتفهم معنى قوله: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى. إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى. ولسوف يرضى} وتفهم معنى قوله: {ولسوف يرضى}.
وقد سمعت قول الله سبحانه حيث خاطب جماعة المسلمين وذكر الأموال وعظم قدرها في عيونهم، وشدة إخراجها عليهم، وأنه لو كلفهم ذلك لأخرجهم ثقل التكليف إلى غاية البخل بها والشح عليها والإيثار لحبسها، فقال: {لا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم، إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم} ثم قال: {ولا يسألكم أموالكم. إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم}. فتفهم معنى هذا الكلام وأن الله لم ينزله عبثا. ثم قال: {هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء} ألا تراه خاطب جميع المسلمين فقال: {ولا يسألكم أموالكم إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أصغانكم}.
ثم قد علمتم ما قد صنع أبو بكر بماله، وكان المال أربعين ألفا، فأنفقه على نوائب الإسلام وحقوقه، ولم يكن ماله ميراثا لم يكد فيه فهو غزير لا يشعر بعسر اجتماعه وامتناع رجوعه، ولا كان هبة ملك فيكون أسمح لطبيعته وأخرق في إنفاقه، بل كان ثمرة كده وكسب جولانه وتعرضه. ثم لم يكن خفيف الظهر قليل النسل قليل العيال، فيكون قد جمع اليسارين، [لأن المثل الصحيح السائر: قلة العيال أحد اليسارين!] بل كان ذا بنين وبنات وزوجة وخدم وأحشام، يعول مع ذلك أبويه وما ولدا، ولم يكن فتى حدثا فتهزه أريحية الشباب وغرارة الحداثة. ولم يكن بحذاء إنفاقه طمع يدعوه، ولا رغبة تحدوه، ولم يكن للنبي ﷺ قبل ذلك عنده يد مشهورة فيخاف العار في ترك مواساته وإنفاقه عليه، ولا كان من رهطه دنيا فيسب بترك مكانفته ومعاونته وإرفاقه. فكان [إنفاقه] على الوجه الذي لا نجد أبلغ في غاية الفضل منه، ولا أدل على غاية الصدق والبصيرة منه.
وقد تعلمون ما كان يلقى أصحاب النبي عليه السلام ببطن مكة من المشركين، وقد تعلمون حسن صنيع كثير منهم، كصنيع حمزة حين ضرب أبا جهل بقوسه، فبلغ في هامته، في نصرة النبي ﷺ، وأبو جهل يومئذ أمنع البطحاء، وهو رأس الكفر.
ثم صنيع عمر حيث يقول يوم أسلم: "والله لا يعبد الله سرا بعد اليوم!" حتى قال بعد موته عبد الله بن مسعود: "ما صلينا ظاهرين حتى أسلم عمر".
ثم كان الذي لقي في ذلك اليوم بعينه من المشركين، ثم مضيه من فوره حتى يقرع على أبي جهل الباب، فلما حس به أبو جهل خرج إليه وهو يقول: مرحبا بابن أختنا - وكانت أمه حنتمة بنت هاشم ذي الرمحين ابن المغيرة - قال: أتدري ما صرت بعدك يا أبا الحكم! قال: خير، فليكن. قال: إنه خير، إني آمنت بالله وبرسوله وخلعت الأنداد، وجعلت اللات والعزى، وصدقت محمدا. قال: فلا قرب الله قرابتك!
ألا ترى إلى قوة شهامته وجلده، وصدق نيته في كشف القناع، والمبادأة لرأس الكفر وسيد البطحاء عند نفسه ورهطه.
وقوله بعد ذلك لجميع المشركين: أما والله لو قد صرنا مائة لتركتموها لنا أو تركناها لكم - يعني مكة.
ثم صنيع [الزبير] في سله السيف شادا به مستقبل المشركين، يريد خبط من لقيه منهم. فتلقاه النبي ﷺ مقبلا فقال: ما لك يا زبير؟ قال: بأبي أنت وأمي، سمعت قائلا يقول: قد أخذ محمد وأوذي! فكان أول من شهر سيفا في الإسلام.
ثم صنيع سعد وضربه عظيما من عظمائهم على أم رأسه بلحي بعير، فكان أول من أراق دما في الإسلام. وهو الذي يقول لرسل علي حين أتوه يدعونه إلى بيعته: ثكلتني أمي، لئن كنت مع رسول الله ﷺ سادس ستة ما لنا طعام إلا ورق البشام. ثم جاءني أعراب الأوس تعلمني دين الله؟
وإنما ذكرت لك هذا لتعلم أقدار القوم والذي لقوا من الجهد والخوف والذل والتطراد والضرب. ولم نسمع لعلي في جميع ذلك ذكرا.
ولم يكن ذلك المكروه سنة ولا سنتين، ولكن ثلاث عشرة سنة، وهذا أمر لا يلحق ولا يدرك الفائت منه. كما قال الله: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى}.
فإذا كان من أنفق وقاتل قبل الفتح أعظم درجة، لأن النبي ﷺ قال: "لا هجرة بعد الفتح" فما ظنك بمن قاتل وأنفق قبل الهجرة، ومن لدن مبعث النبي ﷺ إلى الهجرة أعظم من القيام بأمر الإسلام بعد الهجرة [و] أفضل من القيام بأمر الإسلام بعد الفتح.
فإن قالوا: قد عرفنا أن أبا بكر قد أنفق قبل الهجرة ولا نعرفه قاتل قبل الهجرة. فقتال علي بعد الهجرة أفضل من إنفاق أبي بكر قبل الهجرة.
قلنا: إن أبا بكر وإن لم يقاتل قبل الهجرة فقد قتل مرارا وإن لم يمت قبل الهجرة. ولأنه لو جمع جميع المكروه الذي لقي أبو بكر ثلاث عشرة سنة لكان أكثر من عشرين قتلة.
ولو كان في ذلك الزمان القتال ممكنا والوثوب مطمعا لقاتل أبو بكر ونهض كما نهض في الردة. وإنما قاتل علي في الزمان الذي [قد] أقرن [فيه] أهل الإسلام لأهل الشرك، فطمعوا أن تكون الحرب سجالا، وقد أعلمهم الله أن العاقبة للمتقين، وأبو بكر مفتون مفرد [ومطرود مشرد، ومضروب معذب] في الزمان الذي ليس بالإسلام وأهله نهوض ولا حركة، ولذلك قال أبو بكر بعد أن استفاض الإسلام وضرب بجرانه وظهر أمره: "طوبى لمن مات في نأنأة الإسلام" يقول: في أيام ضعفه وقلته، حيث كانت الطاعة أعظم، لفرط الاحتمال، والبلاء أغلظ، لشدة الجهد، لأن الاحتمال كلما كان أشد وأدوم كانت الطاعة أفضل، والعزم فيه أقوى.
ولا سواء مفتون مشرد لا حيلة عنده، ومضروب معذب لا انتصار به ولا دفع عنده، ومباطش مقرن [يشفى غيظه ويرون غليله، وله مقدم يكنفه ويشجعه.
ولا سواء مقهور] لا يغاث، ولم ينزل القرآن بعد بظفره، وقد هتك اليأس لطول ما لقي حجاب قلبه. ونقض قوى طمعه حتى بقي وليس معه إلا احتسابه. ومقاتل في عسكر معه عز الرجاء وقوة الطمع، وطيب نفس الآمل.
فليس لعلي موقف من المواقف إلا ولأبي بكر أفضل منه إما في ذلك الموقف وإما في غيره. ولأبي بكر مواقف لا يشركه فيها علي ولا غيره.
وإنما محص علي وامتحن من لدن يوم بدر إلى آخر غزوات النبي ﷺ وبين المحنة في الدهر الذي كان أصحاب النبي ﷺ فيه مقرنين لأهل مكة ومشركي العرب ومعهم أهل يثرب أصحاب النخيل والآطام، والإرب والإقدام، والصبر والمواساة، والإيثار والمحاماة، والعدد الدثر والفعل الجزل، وبين الدهر الذي كانوا فيه بمكة يفتنون ويشتمون ويضربون ويشردون، ويجوعون ويعطشون، مقهورين لا حراك بهم، وأذلاء لا دفع عندهم، وفقراء لا مال لهم، ومغيظين ولا يمكنهم السفهاء، ومستخفين لا يمكنهم اللقاء - فرق بين.
ولقد كانوا في حال أخرجت لوطا - وهو نبي، والنبي خير من جميع الناس - إلى أن قال لقومه حين لقي منهم ما لقي: {لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد}. [وقال النبي صلى الله عليه وآله: "عجبت من أخي لوط كيف قال: {أو آوي إلى ركن شديد} وهو يأوي إلى الله سبحانه!
ثم لم يكن ذلك يوما ولا يومين، ولا شهرا ولا شهرين، ولا عاما ولا عامين، ولكن السنين بعد السنين.
وكان أغلظ القوم محنة وأشدهم احتمالا بعد رسول الله ﷺ أبو بكر الصديق، لأنه أقام ما أقام رسول الله ﷺ بمكة، وذلك ثلاث عشرة سنة. وإنما قلنا ذلك من أجل أن الناس اختلفوا في مقدار مبعث النبي ﷺ إلى هجرته. فقال قائل: خمس عشرة سنة، وقال آخرون: ثلاث عشرة سنة، وقال قوم: عشر سنين، فكان أعدل الأمور وأقسطها طرح الطرفين، والأخذ بأوسط الروايات، كما صنعنا في عمر علي بن أبي طالب، حيث وجدنا ولده جعفر بن محمد [و] هو دونه، يخبر أن عليا استشهد وهو ابن سبع وخمسين، وقالت علماء الرافضة: نحن أعلم به من ولده إلا الأئمة منهم. ولم يقل هذا القول إمام منهم قط، ولكن علي استشهد وهو ابن ثمان وخمسين سنة، ثم روى الناس بعد أنه استشهد وهو ابن ستين وابن ثلاث وستين وابن أربع وستين، أخذنا بأوسط ما قالوا فطرحنا سنيه وسني عمر وعثمان وأبي بكر والهجرة ومقام النبي ﷺ بمكة، فحصل العدد الذي أثبتناه في صدر ذكرنا القضية.
فإن قالوا: قد صنع علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمكة أفضل من جميع ما ذكرتم، ولقي أشد مما لقي أفضلهم، وذلك أن النبي ﷺ أباته في مضجعه وعلى فراشه والمشركون يرصدونه، وقد سقط إليهم أن النبي ﷺ يريد المدينة، فقد تحزموا واجتمعوا وقلبوا الرأي، فرأوا أن يبيتوه على فراشه إن لم يظهر لهم. فقال لعلي: "نم على فراشي وتغش ببردي الحضرمي، فإنهم إن رأوا حجمك فوق الفراش ودون البرد لم يستريبوا، وخفي لهم أمري، ولم يتبعوا أثري". فنام علي على فراشه ينتظر وقع السيوف، ويتوقع رضخ الحجارة، باذلا نفسه مصطبرا. وليس فوق بذل النفس درجة يلتمسها صابر، ولا يبلغها طالب. وإن كان أبو بكر قد أحسن في خروجه وهجرته وصحبته، وهربه مع النبي ﷺ، واستخفائه في الغار. فإن ذلك لن يبلغ من الاحتمال والخطار والخوف، قدر ما كان فيه علي رضي الله عنه، لأن طمع النجاة في أحدهما أقوى، والنفس له أرجى.
قيل لهم: لو كان الأمر كما تقولون في هذين الخوفين لم يقم صرف ما بينهما بقدر عشر ما لقي أبو بكر من جميع ما وصفنا وما صنع أبو بكر في ثلاثة عشر سنة، من كثرة الإنفاق، وإيثار الفقر على الغنى، والوحدة على الأنسة، والهوان بعد الكرامة، والخوف بعد الامن، والضرب والافتتان بعد الاكرام والتعظيم، مع عتق المعذبين وكثرة المستجيبين، ومع صرف وزن ما بين الطاعتين، لأن طاعة الشاب الغرير أو الحدث الصغير، الذي في عز صاحبه عزه، ليس كطاعة الحكيم المحتنك الأريب، الذي لا يرجع تسويده لمن سوده [و] إلى رهطه.
وفرق آخر: أن أمر الغار وقصة أبي بكر وصحبته مع النبي ﷺ وكونه معه فيه، نطق [به] القرآن وصح به الإجماع، كالصلوات الخمس، والزكاة المفروضة، والغسل من الجنابة، حتى إن من أنكر ذلك عند الأمة مجنون أو كافر، وأمر علي ونومه على الفراش إنما جاء مجئ الحديث، وكما تجئ روايات السير وأشعارها. وهذا لا يوازن ذا ولا يكايله.
وأول مراتب العالم أن يعرف المعارضة والمقابلة، والمنقوص والمتساوي، ولو أن رجلا من أوساط الناس أظهر شكا في قصة علي ومبيته، وقال: قد سمعت ذلك ولعله، ولكني مشفق للذي أعرف من أكاذيب الشيع، وتوليد حمال السير، لم يكن عليه بأس من الإمام.
ولو قال رجل لك، وهو رجل من أوسط الناس: والله ما أدري والله، لعل الله إنما عنى بقوله: {ثاني اثنين إذ هما في الغار} علي بن أبي طالب، لوجد عند الإمام غاية النكير.
وفرق آخر: أنه لو كان مبيت علي على فراش النبي ﷺ جاء مجئ كون أبي بكر في الغار مع النبي، لم يكن في ذلك كبير طاعة، فضلا عن أن يساوي أبا بكر أو يبرز عليه، لأن الذين نقلوا - كاذبين كانوا أو صادقين - أن النبي ﷺ أبات عليا على فراشه، هم الذين نقلوا أن النبي عليه السلام قال: "تغش ببردي، ونم في مضجعي، فإنه لن يخلص إليك شئ تكرهه" وهكذا لفظ هذا الحديث، لا يشك في ذلك أحد. ولم ينقل إلينا أن النبي ﷺ قال لأبي بكر: أنفق واحتمل، ولن تعطب ولن يصل إليك مكروه.
فإن قالوا: إن عليا وإن كان حدثا - كما تزعمون - أيام مكة، فإنه قد لحق السابق له ثم برز عليه بصنيعه يوم بدر وأحد والخندق، ويوم خيبر، وفي حروب النبي ﷺ، إلى أن قبضه الله سبحانه إلى جنبه، فجمع أمرين: كثرة التعرض للمنايا، وعظم الغناء بقتل الأقران والفرسان، والقادة والسادة، لأن من له من قتل الأنجاد والأمجاد ما ليس لغيره، فله من التعرض والاحتمال والصبر والاحتساب ما ليس لغيره.
قلنا: إن كثرة القتل وكثرة المشي بالسيف لو كان أشد المحن وأعظم الغناء وأدل على الرياسة، كان ينبغي أن يكون لعلي والزبير وأبي دجانة ومحمد بن مسلمة وابن عفراء والبراء بن مالك من عظم الغناء واحتمال المكروه بالقدر العظيم ما ليس للنبي ﷺ، لأن النبي لم يقتل بيده إلا رجلا واحدا. وقد علمنا أنه ليس أحد أشد احتمالا ولا أعظم غناء، ولا أظهر فضلا منه ﷺ.
وقد تجد الرجل يقتل الأقران والفرسان وهو لا يستطيع أن يرفع طرفه في ذلك العسكر إلى رجل آخر ليس فيه من قتل الأقران قليل ولا كثير، لمعان هي عندهم أكثر من مشي ذلك المقاتل بسيفه، وقتله لقرنه.
وإذا ثبت أن رئيس العسكر وأشباهه قد ثبتت لهم الرياسة واستحقوا التقديم بغير التقدم والمباشرة، ثبت أن قتل الأقران ليس بدليل على الفضيلة والرياسة. أوما تعلم أن مع الرئيس من الاكتراث والاهتمام وشغل البال والعناية والتفقد، ما ليس لغيره، لأنه المخصوص بالمطالبة، وعليه مدار الامر، وبه يستنصر المقاتل، وباسمه ينهزم العدو، وبتعبيته ورايته ومعرفته يفل الحد، ولأن اختيار الحكيم دليل على احتمال طبيعته واستقلال نفسه، ولأن فرته أو عردته أعظم من المأثم والعار من عردة غيره وفرة غيره.
[و] لو لم يكن من بليته وشدة ما محص به إلا أن القوم لو ضيعوا جميعا وحفظ ما أضيفت الهزيمة إلا إليه، ولا كان المطلوب غيره، ولا كان الذليل المهان غيره. ولهذا وأشباهه يكون الرئيس أعظم غناء، وأشد احتمالا، لأنك [لو] قذفت فضل صبر المقاتل الواحد في خصاله لم تجد له أثرا ولم تحس له حسا.
واعلم أن المشي إلى القرن بالسيف ليس هو على ما يتوهمه الغمر من الشدة والفضل، وإن كان شديدا فاضلا. ولو كان كما يظنون ويتوهمون ما انقادت النفس ولا استصحبت للقتال، لأن النفس المستطيعة المختارة التي قتالها طاعة وفرارها معصية قد عدلت كالميزان في استقامة لسانه وكفتيه، فإذا لم يكن بحذاء سيفه إلى السيف ومكروه ما يأتي به، ما يعادله ويوازنه لم يكن النفس أن تختار الإقدام على الكف، ولكن معه في وقت مشيه إلى القرن أمور تنفحه مشجعة، وإن لم يبصرها الناس وقضوا على ظاهر ما أبصروا من إقدام. والسبب المشجع ربما كان الغضب، وربما كان الشراب، وربما كان الغرارة والحداثة، وربما كان الإحراج، وربما كان الغيرة، وربما كان الحمية وحب الأحدوثة، وربما كان طباعا كطباع القاسي والرحيم، والسخي والبخيل، والجزوع من وقع السوط والصبور، وربما كان السبب الدين، ولكن لا يبلغ الرجل بقوة الدين في قلبه ما لم يشيعه بعض ما ذكرناه أن يمشي إلى السيف، لأن الدين مكتسب مجتلب، وليس بأصلي ولا طبيعي، ولأن ثوابه مؤجل، والخصال التي ذكرناها طبيعية أصلية. وثوابها معجل.
وقد يكون مع الإنسان أسباب محذرة مجبنة، فيكون ركونه وجلوسه طباعا لا يمتنع منه. وربما كانت الأسباب من المشجعات والمجبنات سواء، فيكون جلوسه عن الحرب وقتاله فيها اختيارا، وربما فضلت قوى مشجعاته حتى يكون إقدامه أشرا ومرحا، واهتزازا وطباعا، ولا يكون ذلك طاعة وإن كان في الحكم طاعة. وكذلك الجبن إذا أفرط على صاحبه حتى يكون فراره طباعا لا يكون معصية وإن كان في الحكم معصية.
ولم نرد بهذا الكلام تنقص علي رحمه الله ولا إخراجه من الغناء واحتمال المكروه. كما لم نرد تنقص الزبير وأبي دجانة وابن عفراء ومحمد بن مسلمة، ولكن هكذا صفة المستطيع المكلف، والمطيع والعاصي.
وإذا كان مع صاحب الإقدام من الأمور المشجعة أمور فاضلة على أسباب جبنه وجلوسه، كان عند الله غير مأجور وإن كان في الحكم الظاهر مأجورا.
وإن كانت الأسباب المشجعة في وزن الأسباب المجبنة كان مطيعا ولم يكن حيث وضعه القوم، لأنهم توهموا مع مشيه بالسيف إلى القرن احتمال المكروه كله، ورفعوا من أوهامهم الأسباب التي لولاها لم يمكنه المشي إلى القرن بالسيف.
ووجه آخر: أن عليا لو كان كما يقول شيعته، ما كان له بكثرة المشي إلى القرن بالسيف وبقتله له كثير طاعة، ولا احتمال مشقة، لأن الشيعة [تزعم] أن رسول الله ﷺ قال لعلي: "إنك ستقاتل من بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين". والناكثون طلحة والزبير وأصحابهما، والقاسطون معاوية وأصحابه، والمارقون عبد الله بن وهب وأصحابه.
فإن كانوا قد [صدقوا وما] كذبوا، فما عسى أن يبلغ من احتمال من هو من البقاء والسلامة على ثقة. فالزبير وطلحة وأبو دجانة وابن عفراء ومحمد بن مسلمة أعظم طاعة منه، لأنهم أشد احتمالا منه، لأنهم يقدمون والمنايا شارعة وهم يرجون ويخافون، وعلي على ثقة من أمره، ويقين من بقائه وسلامته، إلا أن النبي ﷺ لم يقل هذا القول إلا قبيل وفاته. ولا سبيل لهم إلى علم ذلك. فيقال لهم: فكذلك خصومكم يمكنهم أن يقولوا لكم: إن النبي ﷺ قال هذه الكلمة بعيد إسلامه، وإذا لم يكن في قولكم إن النبي ﷺ قالها له قبيل وفاته دليل، ولا في قول خصومكم إن النبي قالها بعيد إسلامه دليل، فأعدل الأمور وأنصفها بينكم وبينهم أن تجعلوا الخبر في النصف مما بين إسلامه إلى وفاة النبي ﷺ. فإذا كان ذلك كذلك فقد صار الزبير وطلحة وأبو دجانة ومحمد بن مسلمة وابن عفراء أفضل منه، لأن الفضل في احتمال المكروه.
وقد لزمكم أن تزعموا أن النبي ﷺ قال هذا الكلام لعلي قبل وقعة بدر، وأنتم إنما تفخرون بوقعة بدر وقتاله بعد ذلك. فما عسى يبلغ من قتال رجل قد وثق بالسلامة والبقاء إلى أن يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بعد وفاة رسول الله ﷺ بدهر.
فإذا كان رئيس الجيش أعظم غناء وأشد احتمالا، للذي وصفنا، فأشبه القوم حالا به أعظم غناء وأشدهم احتمالا، على قياس في الرئيس والكثير المشي بالسيف، ولا أحد أشبه بالرئيس ممن اختاره الرئيس وزيرا وصاحبا، ومكانفا ومعينا، لأن الرجل إذا كان في رأي العين صاحب أمر الرئيس والمتولى على الخاصة والقربة منه في ظعنه ومقامه، وخلواته، وهربه واستخفائه، وكان هو المبتدئ بالكلام عنده، والمفزع في الحوائج بعده، والثاني في الدعاء إلى الله ودينه، ولا نعلم هذه الخصال اجتمعت في غير أبي بكر الصديق رضي الله عنه، لأنه صاحبه في كتاب الله سبحانه، قال الله عز وجل: "إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا". فسماه الله صاحبا في كتابه ثم سماه النبي ﷺ صديقه من بين خلق الله، حتى غلب على اسمه واسم أبيه ولقبه ونسبه، حتى كان الناس أيام رسول الله وبعد وفاته يقولون: قال علي وفعل علي، وقال عثمان وفعل عثمان، وقال عمر وفعل عمر، وقال طلحة وفعل طلحة، وقال الزبير وفعل، وجميع العشرة الذين هم في الجنة، حتى إذا صاروا إليه قالوا: قال الصديق وقال أبو بكر الصديق، وفعل أبو بكر الصديق. ثم قول النبي ﷺ فيه، وهو القول الذي كان يعيده في كل دار ومنزل: "ما أحد أمنّ علينا بصحبته وماله من أبي بكر" وفي قوله: "ما أحد أمن علينا بصحبته وماله من أبي بكر" معان كثيرة، فهمه الناس أم ذهبوا عنه. فهذا هذا.
ثم كان النبي عليه السلام بمكة ثلاث عشرة سنة، في كل يوم ذر شارقه يأتي منزل أبي بكر إما صباحا وإما مساء. حتى كان اليوم الذي أذن الله سبحانه له في الهجرة، وإنه أتاه مهجرا فقال له أبو بكر: بأبي أنت وأمي، كيف جئت اليوم في هذا الوقت؟ ونزل عن سريره وجلس النبي ﷺ وجلس أبو بكر بين يديه، قال النبي: هل عندك أحد؟ قال: لا يا رسول الله، إلا أسماء وعائشة. قال: "فإن ربي قد أذن لي في الهجرة". فصان صحبته من خلق الله غيره. ثم لم يعلم بخروجه غير ابنتيه أسماء وعائشة، وغير ابنه عبد الله بن أبي بكر قتيل يوم الطائف، وكان هو الذي يتجسس لهما الأخبار ويأتي بها إليهما في الغار، لأنهما استخفيا في الغار ثلاثا ولم يطلعا على أمرهما غير عامر بن فهيرة مولى أبي بكر، بدري استشهد يوم بئر معونة، فإنه كان يؤنسهما ويحدثها ويخدمهما في تلك السفرة كلها. وكانت أسماء هي التي تأتيهم بأقواتهم في الغار، فكان صاحبه في الغار، وبمكة في طريقه إلى المدينة، وعلى ظهره ركب النبي ﷺ، والنفاثي أجيره وعامر بن فهيرة خادم النبي ﷺ ومؤنسه عتيقه ثلاث مرات ومولاه، والظهر ظهره، والمؤونة مؤونته، وصحبة النبي ﷺ مقصورة عليه، محبوسة له، مصونة عن سواه، يطلبان معا، وتجعل فيهما قريش شيئا سواء.
وقالت الأنصار: لما سمعنا بمخرج النبي ﷺ وقدومه كنا نخرج إلى ظاهر حرتنا ننتظره، حتى إذا لم نجد ظلا دخلنا، وذلك في أيام حارة، حتى إذا كان في اليوم الذي قدم فيه النبي ﷺ فعلنا ذلك ثم دخلنا منازلنا، فكان أول من أبصره رجل من يهود، فصاح: يا بني قيلة! فخرجنا إلى النبي ﷺ وهو في ظل نخلة، ومعه أبو بكر، في مثل سنه وهيئته، وأكثرنا لم يكن رآه، وركبه الناس وما نعرفه من أبي بكر حتى زال الظل عن النبي عليه السلام، فقام أبو بكر فأظله بردائه، فعرفناه عند ذلك. فهذا هذا.
ثم لما كان بعد ذلك في يوم بدر. ودلك أن النبي ﷺ لما عزم على محاربة قريش قال له سعد: يا نبي الله، لنبني لك عريشا فتكون فيه ونقاتل بين يديك، فأذن لهم فبنوه له، فعدل إليه بعد أن عبأهم وأقامهم على مصافهم وعلى مراتبهم. فدخله وأدخل معه أبا بكر وحده، فلما استقر في العريش قال له أبو بكر: بعض مناشدتك يا رسول الله فإن الله منجز لك ما وعدك. فخفق النبي ﷺ خفقة في العريش فانتبه وهو يقول: أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع!
فكان النبي ﷺ وأبو بكر من بين يديه خلق الله في العريش، والناس موقوفون على مراتبهم، فكانت هذه مرتبة أبي بكر. ورتب لسعد بن معاذ بعد أن كان قائما على رأسه على باب العريش متوشحا السيف في نفر من الأنصار يحرسون العريش ومن فيه مخافة كر العدو والجولة.
فإذا كان النبي ﷺ في ذلك اليوم في العريش، وغير ماش إلى السيف ومعه صاحبه وصديقه، وسيد الأنصار وأفضلهم على باب العريش، عرف أن عظم الغناء وشدة الاحتمال والسبب الدال على الرياسة غير الذي خصه القوم وجعلوه دليلا. فمن أولى أن يكون أشبههم برسول الله ﷺ في عظم الغناء واحتمال المكروه، والحال الرفيعة، ممن كان ثاني اثنين في التقدم في الإسلام، وثاني اثنين في الدعاء إلى الله ورسوله، وثاني اثنين في كثرة المستجيبين والاتباع، وثاني اثنين في الغار، وثاني اثنين في الهجرة، وثاني اثنين في العريش، وفي أشباه لهذا كثيرة.
وأما ما ذكرتم من يوم بدر وقتل على الأقران وفضله على من سواه بذلك، فقد قلنا في ذلك بما قد سمعتم.
ونحن ذاكرون وجها آخر ليزيد في الحجة ويكشف من الدلالة. نزعم أنه لم يشهد بدرا بعد رسول الله ﷺ [من له] مثل غناء أبي بكر ونباهته وكرم موضعه، لأن من شهد بدرا مثل الزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمن وعثمان، وبلال ومسطح بن أثاثة وعامر بن فهيرة، وكان في العريش، فلا أحد يعدله في النباهة، ولا في الغناء والرفعة، والاحتمال لقدر الخلافة، لأن الذين عددنا على ثلاثة أصناف: رجل أسلم على يده وبدعائه وشرحه فهو سبب حضوره وحسن بلائه، ورجل أسلم على يده وأعتقه بعد ذلك من رق العذاب ورق العبودية وشهد بدرا وقبل ذلك بمؤونته وكلفته. وإما ربيب ونسيب وابن خالة كمسطح بن أثاثة، فقد كان ربيبه وابن خالته وعلى يده أسلم، وبه استبصر، ولم يزل في مؤونته قبل بدر وبعد ذلك وفي أيامه، إلا ما كان من يمينه أيام حلف ألا يقربه ولا ينفق عليه ولا يطأ رحله، للذي كان كبر على عائشة مع حسان بن ثابت، حتى أنزل الله سبحانه على رسوله براءة عائشة، وأمر أبا بكر بالإنفاق على مسطح وعياله، وبالعفو عنه، وأن يعيده إلى رحله وتحت جناحه، فأنزل الله في محكم كتابه على نبيه يريد أبا بكر - وبين أن يفرد الله الآي ويخصه بمخاطبته وبين أن يريده في الجمهور فرق عظيم، كما أثنى على جملة المهاجرين والأنصار - فقال الله وهو يريد أبا بكر: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا ليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم}. قال أبو بكر: بلى يا رب. فرده إلى رحله وعفا عنه كما أمره الله، وأجرى عليه وعلى عياله مثل الذي كان يجريه.
وإنما ذكر الله في هذه الآية القربى لأنه كان ابن خالته، وجعل أهله وعياله مساكين أبي بكر، وهو أحد بني المطلب بن عبد مناف، وشأنه عظيم.
وكان أول من حث على قتال المشركين ببدر وتكلم فيه عند رسول الله ﷺ أبو بكر.
فإذا شهد بنفسه ورأيه وماله ومستجيبيه وأتباعه الذين هم أكفاء ضده عندكم، مع أن بعضهم قد اختير عليه وهو عثمان، والباقون لم يخايرهم ويواز [نهم] فيعرف موضع أفضلهم، وقد فخر عليه سعد فلم يعارضه. فأين مبلغ ما ذكرتم مما ذكرنا، إذا كان مثل سعد من مستجيبيه - وهو المستجاب الدعوة، وأول من أراق دما في الإسلام، وأول من رمى بسهم يوم بدر، وله يقول النبي ﷺ: "ارم فداك أبي وأمي"، فجمع له أبويه ولم يجمعهما لأحد قبله. وفيه يقول النبي ﷺ: "هذا خالي أباهي فيه، فليأت كل امرئ بخاله" وهو أزال كسرى عن قصره وملكه وعن مستقره. ومثل حواري رسول الله ﷺ وابن عمته، مع فروسيته وشدة بأسه، والذي عظم الله من شأنه ببدر حين نزلت الملائكة في زيه، عليها عمائم صفر.
ثم الذي كان منه ببدر حين أتى الخبر النبي ﷺ عن قريش بمسيرهم، فاستشار النبي ﷺ، فكان أول من قام أبو بكر، فتكلم وحث على الجهاد والنصرة، ثم قام عمر، ثم قام المقداد فقال: يا رسول الله، امض لما أراك الله، فوالله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون} ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون. فوالذي بعثك بالحق أن لو سرت بنا إلى برك ذات الغماد لجالدنا من دونه حتى نبلغه.
فإن قالوا: إن أبا بكر لم يشهد [له] احتمال كاحتمال علي، لأن عليا كان يمشي إلى السيف وأبو بكر وادع رافه في العريش، ودونه الحرس سعد بن معاذ وأصحابه، والركاب له مناخة.
قلنا: قد طعنتم على النبي ﷺ، لأن الشأن لو كان كما تقولون لكان النبي ﷺ وادعا وكان علي محتملا صابرا. وهذا كلام قد فرغنا منه مرة.
أوما علمت أن صاحب اللواء وإن كان لا يبارز ولا يمشي بالسيف أنه يحتاج من المعرفة بالحرب وعورتها، وإقبال أمرها وإدباره، ويحتاج مع اجتماع القلب واليقظة وقلة الحيرة، والثبات عند الجولة، والعلم بموضع الشدة والانحياز إلى أكثر مما يحتاج إليه المبارز، لأن حفظ الجميع أشد من حفظ الواحد، ولأن كل العدو يطالبه ويريد ختله، وكل ذلك بعلمه وعينه، لأن خطأه وضعفه أقرب إلى هلكة الجميع من ضعف المبارز وخطئه.
ولو كان الأمر كما تقولون ما كان أحد أسقط في الحرب ولا أصغر حظا ولا أقل أجرا ومكانا من الإمام الأكبر والرئيس الأعظم لبعد ما بين بلاد عدوه من بلاده، ولكان عامله أفضل منه.
مع أنكم تزيدون في كثرة القتلى وتعظمون شأنهم لتعظموا به من شأن علي، كصنيعكم في أمر علي ومرحب. حيث فخمتموه بالأشعار ونفختموه بالبلاغات، وسكتم عن قتيل الزبير في ذلك اليوم. ومرحب وياسر أخوان شهدا الوقعة، والنباهة لياسر. فقصدتم إلى الأخمل فرفعتموه وشهرتموه إذ كان قتيل علي، وقصدتم إلى الارفع فأخملتموه وأخفيتموه إذ كان قتيل الزبير. أوما علمت أن الزبير وياسرا التقيا فاضطربا بأسيافهما فلم يغنيا شيئا مرارا، حتى لحجا في موضع واعترضت بينهما شجرة، فجذباها ضربا وخبطا، ثم جمع الزبير نفسه ومكن سيفه فضرب رأس ياسر ضربة قد منها البيضة ومر السيف حتى عض ثنيتيه، فقيل له: يا أبا عبد الله، ما أجود سيفك! فغضب.
وقصدتم إلى عمرو بن عبد ود، فتركتموه أشد من عامر بن الطفيل، وعتيبة بن الحارث، وبسطام بن قيس.
وقد سمعنا بأحاديث حروب الفجار، والذي كان بين المطيبين والأحلاف، وما كان بين قريش ودوس، وأمر خزاعة وحلف الفضول، وجميع أمر قريش من خير وشر، فما سمعنا لعمرو بن عبد ود في شئ من ذلك ذكرا.
وكذا قتيل علي الوليد بن عتبة يوم بدر، وما علمنا الوليد حضر حربا قط قبلها ولا بعدها، ولا ذكر فيها بطائل.
فلو ذهبتم إلى أن عليا قد بارز وقتل، وأبلى واحتمل، كان ذلك جميلا، وكان قصدا مقبولا، ولكنكم أخرجتموه من حد الشجاعة، وظننتم أن السرف أمثل وأجل.
وزعمتم أن الذي منع العرب وقريشا أن تجعله الخليفة بعد النبي ﷺ أنه كان قتل أبناءها وإخوتها وأعمامها، وما يعلم موضع رجل واحد يوم توفي النبي ﷺ تسمع له الخاصة والعامة وترى له طاعة، قتل علي أباه أو ابنه أو أخاه، غير أبي سفيان بن حرب، فقد كان علي قتل ابنه حنظلة، وما كان أحد من علية قريش والعرب أقرب إلى أن يخالفه في الحق والباطل في ذلك الدهر من أبي سفيان، وقد كان أكره الناس لأبي بكر حين قال لبني هاشم وبني أمية: "رضيتم معشر بني عبد مناف أن يلي أموركم رجل من بني تيم" فإذا كان الذي قتل علي ابنه هو الذي أظهر كراهية أبي بكر من بين الناس، فكيف حولتم القضية وقلبتم المعنى؟
فإن ذكروا أبا حذيفة بن عتبة لأن عليا قتل أخاه. قيل: أيكون أبو حذيفة ممن أبى عليا بهذه العلة، وأبو حذيفة شهد بدرا فقاتل أباه وأخاه وعمه، واحتملت نفسه وعزمه وصحة إسلامه هذا الصنيع، ثم يجزع من أقل منه بعد الزيادة في الاستبصار، وبعد طول الدهر وموت الأحقاد؟ وهذا ما لا يشبه ولا يجوز. وكيف يجوز ذلك عليه وهو من المهاجرين الأولين، والسابقين الأولين، وشهد بدرا والمشاهد كلها، وقبض النبي ﷺ وهو عنه راض، واستشهد يوم اليمامة ولواء المهاجرين في يده.
وكيف يظن هذا بأبي حذيفة، ولم يرو عنه في كراهية على حرف قط، ولا قبض لذلك وجها ولا أظهر تعجبا؟
وكيف يظن هذا بالبدريين والمهاجرين الأولين ومنع على القيام بأمر الناس على هذا الوجه وعلى هذا المعنى كفر بالله ورسوله، وكيف يضطغن امرؤ على علي ويسلم قلبه لرسول الله ﷺ؟ لأنه إن كان يعتد صنيع علي ذنبا حتى يولد له حقدا والذي تفرد علي بذلك أعظم ذنبا وأجدر أن يولد حقدا. وهذا أفحش قبحا وأبين خطأ من أن يحوجنا إلى كشفه وتبيينه.
وكيف يجوز هذا على أبي حذيفة، ولا نعلم رجلا في الأرض أبعد من حمية الجاهلية منه، ولا أسمح نفسا بما وافق كتاب الله منه. ولقد بلغ من إخلاصه ورسوخ الإسلام في قلبه وحبه عليه وبغضته فيه أن طرح كل ما سواه، وأخرجه ذلك إلى أن زوج أخته فاطمة بنت عتبة ابن عبد شمس من سالم مولى أبي حذيفة، وقال له: والله إني لأزوجكها وأعلم أنك خير منها! فعاتبه على ذلك بعض من نكره ذكره فقال: أفي سالم تعاتبني وقد سمعت رسول الله ﷺ يقول: من أراد أن ينظر إلى رجل يحب الله بكل قلبه فلينظر إلى سالم.
مع أن لأبي بكر من حسن الأثر في حروب النبي ﷺ ومن احتمال المكروه وتجرع المرار ما ليس لأحد.
من ذلك أن أبا بكر خرج إلى ابنه عبد الرحمن بن أبي بكر ليبارزه يوم أحد، لأن عبد الرحمن طلع يوم أحد على فرس وهو مكفر في السلاح لا يرى منه إلا عيناه وهو يقول: [هل] من مبارز! ثلاثا، كل ذلك يقول: أنا عبد الرحمن بن عتيق. فنهض أبو بكر يسعى إليه بسيفه، فقال له النبي ﷺ حين رأى غضبه وحدته وعرف الذي عليه من الشدة في قتل ابنه: "شم سيفك وارجع إلى مكانك ومتعنا بنفسك".
وإنما يمكن أبا بكر بذل الجهد، فإذا فعل ذلك فلا حال أفضل من حاله.
فاجتمع له في ذلك أمران: أحدهما الثواب على شدة الاحتمال، والثاني صيانة النبي ﷺ وإشفاقه عليه، وقوله: "ارجع إلى مكانك ومتعنا بنفسك" فليس في الأرض معنى شريف فاضل من معاني الدين والدنيا إلا وهو في هذه الكلمة.
وأبو بكر الذي لما رمي النبي ﷺ في يوم أحد أقبل يسعى، وإذا إنسان قبل المشرق يطير طيرانا، فلما رآه أبو بكر قال: اللهم اجعله طلحة! فلما توافيا عند النبي ﷺ إذا هو أبو عبيدة بن الجراح، فبدره أبو عبيدة وقال: أسألك بالله يا أبا بكر إلا تركتني فوليتني نزعها - يعني حدائد الزرد اللواتي نشبن في وجهه [و] جبينه من المغفر - فقال النبي ﷺ: عليكم صاحبكم! يعني طلحة.
وثرم أبو عبيدة يومئذ من نزع حلقة امتنعت عليه.
ولصنيع طلحة وأبي بكر وموقفهما قالوا: "يوم أحد لبني تيم!" لأن الذين صبروا مع النبي ﷺ من المهاجرين والأنصار سبعة: أبو بكر وطلحة من تيم، وعبد الرحمن بن عوف من بني زهرة، وعلي من بني هاشم، والزبير من بني أسد، وأبو عبيدة من بني عامر. وإنما قالوا: "يوم أحد لبني تيم" لأنه لم يكن من كل قبيلة إلا رجل واحد من المهاجرين، وكان فيه رجلان من بني تيم كما ذكرنا.
وكان من الأنصار سبعة: الحباب بن المنذر بن الجموح، وأبو دجانة، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، والحارث بن الصمة، وسهل بن حنيف وأسيد بن حضير، وسعد بن معاذ.
وأبو بكر أول من تكلم يوم بدر وحث الناس على الجهاد.
وأبو بكر الذي لما قال النبي ﷺ يوم الحديبية: "كيف ترون يا معشر المسلمين في هؤلاء الذين قد ... إلينا من أطاعهم ليصدونا عن المسجد الحرام" قام أول الناس فقال: نرى - والله ورسوله أعلم - أن نمضي لوجهنا، فمن صدنا عن البيت الحرام قتلناه.
وأبو بكر الذي لما أتى بديل بن ورقاء الخزاعي يوم الحديبية في نفر من أصحابه فأقبل على النبي ﷺ قال: يا محمد، لقد اغتررت بقتال قومك وإن قريشا ستقاتلكم عن ذراريهم وأموالهم، قد استنفروا الأحابيش وخرجوا إلى بَلْدَح، معهم العوذ المطافيل، والله ما أرى معك أحدا له وجه، مع أني أراكم قوما لا سلاح لكم، ولو قد عض هؤلاء الحديد لقد أسلموكم، قال أبو بكر: عضضت ببظر اللات، أنحن نسلمه؟ قال له بديل: أما والله لولا يد لك عندي لأجبتك، والله إني وقومي لنحب أن يظهر محمد!
وأقبل عروة بن مسعود في نفر من قومه حتى أناخ راحلته عند النبي ﷺ وقال: إني تركت كعبا وعامرا على أعداد الحديبية معهم العوذ المطافيل، وما أرى معك أحدا أعرف وجهه ونسبه، وإنهم لخلقاء أن يخذلوك - والقوم سكوت - فغضب أبو بكر وقال: امصص ببظر اللات، أنحن نخذله؟ قال عروة: أما والله لولا يد لك عندي لأجبتك! وكان عروة قد استعان في حمالة، فكان الرجل يعينه بالفريضتين والثلاث، فمشى إلى أبي بكر فأعطاه عشر فرائض.
ألا ترى كثرة أياديه ونبله وامنعا، وحده وشهامته ورياسته؟ فبهذا وأشباهه يعرف قدر الرجل بمكة وفي قومه، وعند النبي ﷺ وجماعة أصحابه.
ولو لم يعلم من شدة قلبه وصواب رأيه وقوة عزمه وقلة وحشته ويمن بركته إلا أن كبار المهاجرين دخلوا عليه، منهم عمر وعثمان وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في جمع كثيف من المهاجرين، فقالوا بأجمعهم: يا خليفة رسول الله، إن العرب قد انتقضت عليك، وإنك لن تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر شيئا، اجعلهم عدة لأهل الردة ترمي بهم نحورهم، وأخرى أنا لا نأمن على المدينة أن يغار عليها وفيها الذراري والنساء، فلو استأنيت بغزو الروم حتى يضرب الإسلام بجرانه ويعود أهل الردة إلى ما خرجوا منه [أ] و يفنيهم السيف، ثم تبعث أسامة حينئذ، فتكون قد أنفذت الجيش كما أمر النبي ﷺ وقد دفعت بهم أهل الردة، ولأنا نخاف الروم أن تزحف إلينا يومنا هذا.
فلما استوعب أبو بكر كلامهم قال: هل منكم أحد يريد أن يقول شيئا؟ قالوا: قد سمعت مقالتنا. قال: والذي نفسي بيده لو ظننت أن السباع تأكلني لأنفذت هذا البعث، ولا بدأت بأولى منه، والنبي ﷺ ينزل عليه الوحي من السماء وهو يقول: "أنفذوا جيش أسامة".
فلما رأى إبطاءهم عن ذلك وتلكؤهم خرج وحده مغضبا نحو أهل الردة حتى لحقه المهاجرون والأنصار في المسلمين، فقالوا: تكفى يا خليفة رسول الله، وننفذ لأمرك، والصواب ما رأيت.
فلو لم تعلم من شدة قلبه واجتماع رأيه وقلة وحشته إلا هذا كان كافيا.
وأبو بكر الذي ولاه النبي ﷺ يوم حنين ميمنته، وولى عمر ميسرته، فلم يكن النبي ﷺ ليستكفيهما أهم المواضع إليه وهما لا يكفيانه.
ولقد انكشف الناس وثبتا في مواضعهما. وكان أقرب القوم إلى النبي ﷺ يومئذ - إذ كان لا بد لصاحب الميمنة والميسرة من أن يكون أبعد ممن يكون في القلب - أبو سفيان بن الحارث، والعباس بن عبد المطلب، والفضل بن عباس، وربيعة بن الحارث، وأيمن بن عبيد أخو أسامة بن زيد لأمه، وصبر مع النبي ﷺ بعد هؤلاء مائة وثلاثة وثلاثون من المهاجرين، وسبعة وستون من الأنصار.
ومما نعرف به شدة شكيمته وصدق وصرامة رأيه قوله للمسلمين يوم توفي النبي ﷺ حيث قام خطيبا وبالمدينة منافقون لا يألونهم خبالا يعضون عليهم الأنامل من الغيظ، وقد انتقض ما حول المدينة، فكان مما قال في خطبته:
من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، فليعبده، ومن كان يعبد محمدا أو يراه إلها فقد هلك إلهه، فاتقوا الله أيها الناس، واعتصموا بدينكم، وتوكلوا على ربكم، فإن دين الله قائم، وكلمة الله قائمة، والله ناصر من نصره، ومعز دينه، وإن كتاب الله بين أظهركم، وهو النور والشفاء، وبه هدى الله محمدا، وفيه حلال الله وحرامه.
ثم قال: والله ما نبالي من أجلب علينا من خلق الله، إن سيوف الله المسلولة ما وضعناها عن عواتقنا، ولنجاهدن من خالفنا، فقد جاهدنا مع رسول الله ﷺ، فلا يبقين مبق إلا على نفسه.
وإنما قال: "من كان يعبد محمدا أو يراه إلها فقد هلك إلهه" لأنه كان سمع من عثمان بن عفان وعمر بن الخطاب في ذلك كلاما قبيحا حتى ماج الناس في ذلك وقالوا: والله ما مات، ولكن الله رفعه كما رفع عيسى بن مريم، في كلام سنذكره بعد هذا إن شاء الله.
ومما يدل على خاصة مكانه وتقديم الناس له، ومعرفة الجميع لفضله، الذي كان من صنيع رسول الله ﷺ ومن صنيع جميع المسلمين، ومن صنيع كفار قريش به، حيث فزعت إليه في أمر أسارى بدر دون غيره. لأنهم لما حبسوا ببدر واقترع المسلمون عليهم طمعوا في الحياة، فقالوا بأجمعهم: لو بعثنا إلى أبي بكر فإنه أوصل قريش لأرحامنا، ولا نعلم أحدا آثر عند محمد منه! فبعثوا إلى أبي بكر فأتاهم فقالوا: يا أبا بكر، إن فينا الآباء والأبناء، والإخوان والعمومة، وبني العم، وأبعدنا قريب، فكلم صاحبك يمن علينا أو يفادينا، قال: نعم لا آلو كم إن شاء الله خيرا! ثم انصرف إلى النبي ﷺ. فقالوا: ولو بعثنا إلى عمر، فإنا لا نأمن أن يفسد علينا، فلعله أن يكف عنا شره! فأرسلوا إليه فجاءهم. فقالوا مثل قولهم لأبي بكر، فقال: لا آلوكم إن شاء الله شرا! ثم انصرف إلى النبي ﷺ وإذا الناس حول النبي، وأبو بكر يفثؤه ويلينه وهو يقول: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، قومك فيهم الآباء والأبناء، والعمومة والإخوان، وبنو العم، وأبعدهم منك قريب، فامنن عليهم من الله عليك، أو فادهم يستنقذهم الله بك من النار، فما أخذت منهم فهو قوة للمسلمين، ولعل الله أن يقبل بقلوبهم! ثم قام فتنحى ناحية وسكت النبي ﷺ وجاء عمر فجلس مجلس أبي بكر فقال: يا نبي الله، هم أعداء الله كذبوك وقاتلوك وأخرجوك، اضرب أعناقهم فإنهم رؤوس الكفر، وأئمة الضلالة، يعز الله بذلك الإسلام ويذل الشرك! فسكت النبي ﷺ وعاد أبو بكر إلى مجلسه وإلى مثل ذلك الكلام، ثم تنحى وقام عمر فجلس مجلسه وأعاد مثل الكلام الأول، ثم تنحى عمر وجلس أبو بكر، ثلاث مرات. فسكت النبي عليه السلام، ثم قام فدخل قبته فمكث ساعة وخرج والناس يخوضون، يقول بعضهم: القول ما قال أبو بكر، وبعضهم يقول: القول ما قال عمر. فخرج النبي ﷺ فقال: ما تقولون في صاحبيكم؟ دعوهما فإن لهما مثلا: مثل أبي بكر في الملائكة مثل ميكائيل ينزل بالرضا والعفو، ومثله في الأنبياء مثل إبراهيم كان ألين على قومه من العسل، أوقد له قومه النار فطرحوه فيها، فما زاد على أن قال: {أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون} وقال: {فمن تبعني فإنه منى ومن عصاني فإنك غفور رحيم} ومثله كمثل عيسى إذ يقول: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} ومثل عمر في الملائكة مثل جبريل ينزل بالسخط من الله والنقمة، ومثله في الأنبياء مثل نوح كان أشد على قومه من الحجارة إذ يقول: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} فدعا عليهم دعوة أغرق الله بها الأرض جميعا. ومثله مثل موسى إذ يقول: {ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم}. فهذا يدل على أنه كان المفزع والشفيع، والخاصة والثقة وموضع الفضيلة.
وقبل ذلك لما قص النبي ﷺ على أهل مكة كيف أسري به، قالت قريش على التكذيب له ﷺ: والله إن العير لتطرد شهرا من مكة إلى الشام ثم يكون إقبالها شهرا، وزعم محمد أنه مضى إلى بيت المقدس ورجع من ليلته! فأتوا بأجمعهم أبا بكر ليحتجوا بذلك عليه وليعرفوه خطأه في اتباعه عند أنفسهم، وظنوا أن الجواب في ذلك يمتنع إذ كان قد امتنع عليهم. فأتوا أبا بكر فقالوا: هلك صاحبك! - ألا ترى أنه المذكور بالصحبة، وموضع الحاجة، وأنه المبتدأ والمفزع - زعم أنه أتى بيت المقدس في ليلة وغدا علينا! قال أبو بكر: إنكم تكذبون عليه، ولئن كان قاله لقد صدق، فما تعجبون من ذلك؟ فوالله إنه ليخبرنا أن الخبر يأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه، فهذا أبعد من مصر. ثم نهض أبو بكر إلى النبي ﷺ ليسأله عن القضية، فأقبل النبي ﷺ يصف له وهو يقول: صدقت صدقت، أشهد أنك رسول الله. قال النبي ﷺ: وأنت الصديق. وقد كان أبو بكر الصديق أتى الشام وعرف طرقها وأمورها، وقلبها وعرف جميع ما فيها.
ثم الذي كان من تقديم النبي ﷺ له والمسلمين في قضية الحديبية. وذلك أنهم كتبوا كتابا: هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو، اصطلحا على وضع الحرب عشر حجج يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض، على أنه لا إسلال ولا إغلال، وعلى أن من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده فعل، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدها فعل، وعلى أنه من أتى منهم محمدا بغير إذن رده، ومن أتى قريشا من أصحاب محمد لم ترده، وعلى أن محمدا يرجع عامه هذا بأصحابه، ويدخل عليهم قابلا في أصحابه فيقيم ثلاثا، لا يدخل علينا السلاح إلا سلاح المسافر، السيوف في القرب. شهد أبو بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وأبو عبيدة بن الجراح ومحمد بن مسلمة؛ وشهد حويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص بن الأخيف.
ألا ترى أنه كان أول شاهد من المسلمين في صدر الكتاب، والناس كلهم بعده.
ونحر رسول الله ﷺ الجمل عن سبعة. فأول خلق الله سمى أبو بكر ثم عمر، ثم فلان ثم فلان. فهذا هذا.
ثم لما تحاجز الناس يوم أحد وأراد أبو سفيان الانصراف أقبل يسير على فرس له أنثى قد أشرف على أصحاب النبي ﷺ في عرض الجبل ينادي بأعلى صوته: أين ابن أبي كبشة؟ يعني النبي ﷺ. أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟ يوم بيوم بدر، ألا إن الأيام دول والحرب سجال، وحنظلة بحنظلة! قال عمر: ألا أجيبه يا رسول الله؟ قال: بلى. قال أبو سفيان: اعل هبل! قال عمر: الله أعلى وأجل. قال أبو سفيان: لنا عزى ولا عزى لكم! قال عمر: الله مولانا ولا مولى لكم.
فلو لم يكن أبو بكر أفضل من شهد أحدا وأنبه، أو أغيظ لأبي سفيان والمشركين، ما جعله أبو سفيان - وهو رئيس القوم - ثانيا، والذي يتلو النبي ﷺ في النداء والمخاطبة، حين يقول: أين ابن أبي كبشة؟ ثم يقول: أين ابن أبي قحافة. فهذا هذا.
وفي نزول أبي بكر قبر حمزة قبل كل نازل بأمر رسول الله ﷺ دليل على الفضيلة والنباهة، والقدر والوزارة.
ولما دخل أبو سفيان المدينة أتى النبي ﷺ وقال: يا محمد، إني كنت غائبا في صلح الحديبية فاشدد العهد وزدنا في المدة. قال: أولذلك قدمت يا أبا سفيان؟ قال: نعم. قال: فهل كان فيكم من حدث؟ قال: معاذ الله. قال النبي ﷺ: فنحن على مدتنا وصلحنا، لا نبدل ولا نغدر. فلما خرج من عنده بدأ بأبي بكر فقال له: هل لك إلى أن تجير بين الناس؟ قال أبو بكر: جواري في جوار رسول الله. ثم خرج من عنده فأتى عمر فكلمه بمثل ذلك، قال عمر: إني لو وجدت الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم! قال أبو سفيان: جزيت من ذي رحم شرا! ثم أتى عثمان، ثم أتى فاطمة، ثم أتى عليا.
ألا ترى كيف جعلوه المقصد والمعتمد قبل الناس وبعد رسول الله ﷺ، ولو لم يكن حال عند أبي سفيان من النبي ﷺ فوق كل حال ما بدأ به قبل جميع من نزع إليه. فهذا هذا.
ثم الذي كان من تقريب النبي عليه السلام، وإكرامه له يوم فتح مكة، وهي الدار التي خرجا منها هاربين معا ثم رجعا إليها آمنين معا، يتسايران ويتحدثان، حيث طلع النبي ﷺ على العباس وأبي سفيان، والنبي عليه السلام بين أبي بكر وأسيد بن حضير، أبو بكر عن يمينه. وقبل ذلك في الطريق كان بين أبي بكر وعمر، أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره. فلما صارت الخيل بذي طوى بين الخندمة إلى الحجون، مر النبي ﷺ وأبو بكر يسايره وحده، وإذا بنات أبي أحيحة قد نشرن شعورهن يلطمن وجوه الخيل بالخمر، فنظر النبي ﷺ إلى أبي بكر وتبسم وقال: كيف كان قال حسان:
يلطمهن بالخمر النساء *
قال أبو بكر:
تظل جيادنا متمطرات *
فهذه حاله وخاصته ومكانه وارتفاع قدره. ألا تراهما خرجا من مكة هاربين مستخفيين مصطحبين، ثم رجعا آمنين ظافرين معلنين مصطحبين.
وصعد أبو قحافة الجبل بصغرى بناته وهو يومئذ مكفوف، فبكت بنته فقال لها: لا تخافي فإن أخاك عتيقا أكبر الناس عنده! فلما دخلوا مكة أقبل أبو بكر بأبيه وهو يومئذ شيخ مكفوف له غديرتان كأن رأسه ثغامة، حتى هجم به على النبي ﷺ وقال: أتيتك بأبي يا رسول الله ليسلم. قال النبي ﷺ: هلا تركت الشيخ في رحله حتى آتيه. فمسح النبي ﷺ يده على صدره، ودعاه إلى الإسلام فأسلم.
وهذا كله يدل على تقديم النبي ﷺ له.
كما نقل الفقهاء أن النبي ﷺ أتي بعس من لبن وهو في أصحابه، وأبو بكر عن يساره ورجل من الأعراب عن يمينه، وأصحابه قد أحبوا سؤره، فشرب النبي وأهوى بالقدح نحو الأعرابي. قال عمر: أبو بكر يا رسول الله! قال النبي ﷺ: الأيمن فالأيمن.
ولم ينقلوا هذا الحديث ليخبروا عن فضيلة أبي بكر ولا عن قرب مقعده ولا عن تقديم عمر له، ولا أن عادة النبي ﷺ كانت التقديم له، ولا قال عمر ذلك على التذكير له. وإنما أرادوا أن يخبروا عن سنة النبي ﷺ في الشرب، وعن فضيلة اليمين على اليسار، وعن التعريف لحرمة المجلس.
ولو كان هذا الخبر في علي وعثمان ما كان الأمر إلا كما أخبروا أنهم لم يقصدوا في الحديث إلا تفضيل اليمين على اليسار.
فإن قالوا: فإن عليا كان أفقه من أبي بكر وأعلم بالحرام والحلال منه. والدليل على ذلك أن كثرة ما نقلوا إلينا من اختياراته وأقاويله في الحادثات، من الحلال والحرام، وأبواب الفقه والفتيا والتأويل، مع كثرة الرواية المسندة، وكان يسأل ولا يسأل، ولم يرجع عن شئ قط، وليس أحد من أصحاب النبي ﷺ إلا وله رجعة وأكثر من ذلك، ولم يسمع لأبي بكر بفتيا كثير ولا كثير رواية، ورأس الدين الفقه فيه والعلم به. فلما كان أبو بكر وعلي بن أبي طالب على ما وصفنا وذكرنا، علمنا أن أفقههما أفضل فضلا وأولى بالإمامة، لأن عمل الفقه أفضل من غيره، لأن أولى الناس بالمسلمين أعلمهم بدينهم، لأن من علم الدين لم يجهل أمر الدنيا، لأن أمور الدنيا مياسرة أو شبيه بعلم المياسرة، وعلم الدين مستنبط وتأويله غامض.
قالت العثمانية عند ذلك: أما العدل والقسط فأن ننظر يوم توفي النبي ﷺ، وأبو بكر وعلي حيان ظاهر أمرهما، معروف قدرهما واحتمالهما للعلم والعمل. فلعمري لئن كان لعلي من طول الصحبة وكثرة السماع ومفاوضة الرسول الأ [مر]، والمعرفة، وكثرة الإرشاد للأمة وصحة الرأي وكثرة الصواب، وكان الناس إليه أشد فزعا [و] ظهر من روايته وحاجة الناس إلى فقهه في حياة رسول الله ﷺ وأيام وفاته وأيام أبي بكر، أكثر مما ظهر من أبي بكر في ذلك الدهر، إنه لأفقه منه في الدين وأعلم بأبواب الدنيا.
[و] لئن كان إنما كثر مما نقل الناس عنه لأنه عاش والحادثات تحدث، وبقي حتى كان يستفتى ويفتي ويسأل ويجيب، ويروى عنه في الزمان الذي كان يستفتى فيه مثل أبي هريرة، وأنس بن مالك، وابن عمر، وابن الزبير، وعبد الله بن عمرو، فكان ذلك منه أيام أبي بكر وهي سنتان، وأيام عمر وهي عشر سنين، وأيام عثمان وهي اثنتا عشرة سنة، وأيام نفسه وهي خمس سنين، فليس في ذلك حجة ولا دليل، لأنك تحصي ما يقول الرجل في الدهر الطويل مع كثرة الحادثات، وما يقول الرجل في الدهر القصير مع قلة الحادثات. وإنما ينبغي أن ننظر يوم توفى النبي ﷺ من كان أفضل المسلمين، وأفقه في الدين، وأعرف بالأمور، وأصوب رأيا وأشد احتمالا في ذلك الوقت الذي اختير فيه للخلافة، ونحن نعلم أن عليا لو عاش إلى دهر الحسن وابن سيرين لكان قد ازداد فقها وعلما وتجربة على قدره يوم استشهد رضي الله عنه.
ولا يجوز أن نقدر الرجل بقدر طول الزمان وكثرة الحادثات، وبقدر قصر الزمان وقلة الحادثات. فلئن صح عندنا وعندكم أن أمورا حدثت، وبلايا نزلت في زمن أبي بكر وأيام وفاة النبي ﷺ، من حلال وحرام أو سياسة جند أو سد ثغر أو تدبير حرب، أو استصلاح عوام، أو ترتيب خواص، فظهر فيه من رأي علي وصوابه وحسن نظره وإرشاده ما لم يظهر من أبي بكر - فقد أفلح من زعم أن عليا كان أفقه منه فقها، وأصوب رأيا، وأشد للأمور احتمالا! مع أنا قد نجد عنده من دقائق الفتيا وغامضه وعويصه ما لم يبتل به أحد ولا يبتلى به أحد أبدا. ولعل ذلك لا يصاب عند الإمام إلا في جملة الأمور وأصولها. ثم لو دهم الناس عدو، أو حزبهم أمر، أو أعضل بهم ملم من فاتق يختطب الملك بتأويل قد زخرفه، ومن انتشار جند أو اضطراب عوام، أو بدعة شاملة، لم يكن عنده من الغناء والاحتمال والمعرفة بعلاج أدوائها والتأتي لاستصلاحها قليل وكثير. وإنما مدار الأمور على أصالة الرأي، واتساع الصدر، وقوة العزم.
فإن كنا لم نجد لعلي مما ذكرنا شيئا يفضل به أبا بكر في ذلك الدهر فإنا نستدل على صواب رأيه واتساع صدره، وأنه كان المفزع والمرشد بعد رسول الله في المعضلات وعند الشبهات والحادثات، والناس في ذلك الدهر بين مستمع مرشد وبين مستمع مسلم، وبين مطرق واجم وبين خائض قد رنحه الحادثات، واستبهم عليه وجه الصواب، كالذي كان من المسلمين لما اصطلحوا على القضية يوم الحديبية، لأنهم لما صاروا إلى الكتاب وتراضى النبي ﷺ وسهيل بن عمرو على أن يكتب في الكتاب: "وعلى [أن] من أتى قريشا ممن كان على دين محمد بغير إذن لم ترده إليه" فبلغ من أمر الناس والذي دخل عليهم أن اضطربت قلوبهم، حتى إن النبي ﷺ قال لأصحابه بعد انصراف سهيل بن عمرو: "قوموا فانحروا وأحلوا واحلقوا". يقولها ثلاثا، كل ذلك ينظرون في وجهه ويسمعون قوله ولا يطيعون أمره، حتى غضب النبي ﷺ فدخل على أم سلمة فأخبرها بذلك متعجبا، وكانت معه في تلك السفرة، قالت أم سلمة: "انطلق أنت يا رسول الله إلى الهدي فانحره، فإنهم سيقتدون بك". فكان أول من وثب عند الكتاب عمر وهو يقول: يا رسول الله، ألسنا بالمسلمين؟ قال النبي ﷺ: بلى. قال: فعلام نعطى الدنية في ديننا؟ قال النبي عليه السلام: أنا عبد الله ورسوله، ولن أخالف أمره". فأقبل أبو بكر على عمر فقال: يا عمر، الزم غرزه فإني أشهد أنه رسول الله، وأن الحق ما أمر [به]، ولن يضيعه الله.
ثم إن عمر بن الخطاب عاد إلى أبي بكر فسأله فقال أبو بكر: سلم لله ولرسوله واتهم رأيك.
وقال أبو عبيدة: لا نعطي الدنية أبدا! فقال أبو بكر: يا عم إنها ليست بدنية، ولو كانت دنية ما أعطاها النبي ﷺ وتأباها أنت، وما كان الله ليرضى بذلك.
أوما علمت أنه لم يكن في الجميع أشد في ذلك من علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب؟ وذلك أن عليا هو كان كاتب كتاب القضية، فلما كتب: "هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله" قال المشركون: لو نعلم أنك رسوله ما حاربناك، ولكن اكتب: "محمد بن عبد الله"، فقال النبي لعلي: امحها يا علي. فقال علي: والله لا محوتها أبدا! قال النبي ﷺ: أرني مكانها. فأراها فمحاها وكتب: "محمد بن عبد الله". قال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إن هذا كله حدب على الإسلام وغضب له، ولكنهم لم يطلعوا من الأمور ما تطلعه الرسل. فهذا موقف لأبي بكر مشهور.
وإنما عظمت الفتنة على أصحاب النبي ﷺ لأنهم خرجوا لا يشكون في الفتح، لرؤيا النبي ﷺ أنه حلق رأسه ودخل البيت وأخذ مفتاح الكعبة وعرف مع المعرفين، ثم تجهز في تلك الأيام وهو يريد مكة عندهم وقد كان تلا عليهم: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم} الآية. فلما رأوا الصلح والشرط وعاينوا الرجوع اضطربوا لذلك، مع الذي كان في نفوسهم من قوله: "إن أتى قريشا أحد ممن كان على دين محمد لم ترده، ومن أتى محمدا ممن هو على دين قريش رده". فأخرجهم ما ذكرت لك إلى ما ذكرت قبل.
وأقبل عمر على أبي بكر فقال: يا أبا بكر، أليس قد أخبرنا النبي ﷺ عن الله وتلا علينا القرآن: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين}؟ قال أبو بكر: نعم. قال عمر: فما باله رجع بنا ولم ندخلها؟ قال له أبو بكر: وهل قال لك متى؟ إنما قال: لتدخلن، وأنتم داخلوها لا محالة، وإنما كان لك مقالا لو ضرب لك أجلا فرأيت خلافه، واعلم أن الحق ما قال وصنع.
فلم يبق في قلب مخلص جهلا بموضع الحجة في ذلك، ولا في قلب مستريب دخله الشك شيئا إلا أصلحه. فبهذا وشبهه نعرف إخلاص الرجل وقدره، وسعة صدره، وكثرة علمه.
ثم أخرى، أنقذ الله به من الضلالة، والناس بين ساكت لا غناء عنده، أو خائض مستريب يحتاج إلى التعريف، أو موقن يحتاج إلى المادة وتلقين الحجة.
من ذلك أن النبي ﷺ لما توفي اقتحم الناس عليه في منزل عائشة، فلما نظروا إليه مسجى دخلهم أمر عظيم أذهلهم وحير عامتهم، حتى قالوا: لم يمت، وكيف يموت وهو شهيد علينا ونحن شهداء على الناس؟ وكيف يموت وقد قال الله: {ليظهره على الدين كله} ولم يظهر بعد؟
وكان عثمان بن عفان وعمر بن الخطاب يرددان هذه الآيات، وتوعدا أصحاب النبي ﷺ: من قال إنه مات. وثاروا في حجرة عائشة وعلى الباب: لم يمت!
وكان أول من رآه مسجى فأنكر موته عثمان، وقال: إنه والله ما مات، ولكن الله رفعه إليه كما رفع عيسى بن مريم! والله لا نسمع أحدا يقول مات إلا قطعنا لسانه!
واضطرب الناس وماجوا. وقام عمر في الناس خطيبا فقال: لا أسمعن أحدا يقول إن محمدا مات، وإن محمدا لم يمت، ولكن الله رفعه، أرسل إليه كما أرسل إلى موسى عليه السلام فلبث عند قومه أربعين ليلة، وإني لأرجو أن يقطع الله أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أن محمدا مات!
فبينما الناس هكذا إذ أقبل أبو بكر، على فرس له من السنح، فسمع مقالة عمر وما يقوله الناس وما خاضوا فيه، فبدأ بالنبي ﷺ فدخل عليه وهو مسجى، فكشف عن وجهه فقبله، ثم أقبل نحو المنبر وقال: أيها ... الحالف على رسلك! فلما رآه عمر قعد، وقام أبو بكر خطيبا ثم قال: أيها الناس اجلسوا وأنصتوا، ثم حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ﷺ ثم قال: أيها الناس، إن الله قد نعى نبيكم إلى نفسه وهو حي بين أظهركم ونعاكم إلى أنفسكم، فهو الموت حتى لا يبقى أحد، ألم تعلموا أن الله قال: {إنك ميت وإنهم ميتون}.
قال عمر: بأبي أنت وأمي! فسكت الناس وأظهروا التسليم، وعرفوا الحق وبكوا، كأنهم لم يكونوا سمعوا بهذه الآية قط.
ثم تلا: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} ثم تلا: {كل نفس ذائقة الموت} ثم تلا: {كل شئ هالك إلا وجهه} ثم مر في خطبته المشهورة المعروفة. فهذا هذا.
ثم أقبل على عمر وعثمان فقال: قال الله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} يقول: إنكم شهداء على من تلقون ممن لم يلق النبي ﷺ، كما كان النبي ﷺ عليكم شهيدا. وقال الله: {ليظهره على الدين كله} وإنما أراد دينه، والله متم نوره ومظهر دينه، فإذا أظهر دينه فقد أظهره.
فهذا علمه وقدره وفهمه وحاجة الناس إليه.
ثم الذي كان من مشي المهاجرين والأنصار إليه وكلامهم له، ليقبل الصلاة من العرب ويترك الزكاة، وقالوا: إنهم لو قد صلوا لقد زكوا. قال: والله لو منعوني عقالا مما أعطوه النبي ﷺ لجاهدنهم عليه. فقال له المهاجرون والأنصار: أوليس قد قال النبي عليه السلام: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها حقنوا بها دماءهم وأموالهم" قال أبو بكر: إن فيها "إلا بحقها" قالوا: صدقت. ألا ترى إلى أنه قد علم الجميع ما لم يعلموا، أو صيرهم إلى رأيه بقدر المخالفة له.
ونقلوا إلينا أن الأنصار قالت: يا خليفة رسول الله، أليس قد قال النبي ﷺ: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها حجبوا بها دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" قال أبو بكر: فهذا من حقها، والله لو كنت وحدي لجاهدتهم حتى أقتل أو يظهر الله الحق ويزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا.
ثم مضى نحو أهل الردة يريدهم مغضبا حتى لحقه المهاجرون والأنصار، فمنعوه وكفوه وتقدموا أمامه.
وهذا خبر نقله أصحاب الأخبار مرجئهم وشيعيهم إلا الروافض، فإنهم لا يطاقون، لأن من يجحد المستفيض الشائع بالأسانيد المختلفة في الدهر المتفاوت، ويوجب على خصمه له تصديق الشاذ الذي لا يعرف ولا يدعيه إلا أهل الغلو من الروافض، ممتنع الجانب، عسير المطلب، لا يطاق ولا يجارى.
ثم رأينا عليا يروي عنه، ويزكيه ويفضله، ولم نسمعه روى عن علي شيئا ولا زكاه ولا فضله، على أن عليا قد كان عنده فاضلا عاليا، عالما وجيها.
ثم الذي كان من قول عثمان بن عفان له. وذلك أن عثمان حزن على النبي ﷺ حزنا لم يحزنه أحد، فأقبل أبو بكر يعزيه للذي يرى به من عظيم ما فدحه وغمره، فقال عثمان: ما آسى على شئ، إنما آسى على أنني لم أسأل النبي ﷺ عما فيه نجاة هذه الأمة! قال أبو بكر: قد سألت النبي ﷺ عن ذلك: فقال: "من قبل الكلمة التي عرضتها على عمي فأباها".
ألا ترى إلى حاجة الجميع إليه واستغنائه عنهم.
ولو لم يعلم من سعة علمه إلا قوله للمهاجرين والأنصار حين أشاروا عليه بأن يقبل الصلاة وقالوا إنهم لو قد أقاموا الصلاة لآتوا الزكاة. قال أبو بكر: إن تميما إن أذن لها من الإسلام في نقض عروة لم ترض بمثله بكر بن وائل، ولو أعطيت كنانة وألفافها وأحابيشها أمرا لم ترض قيس حتى تزداد، ولئن سمعت قولكم لأنقضن الإسلام عروة عروة.
وفي مشيهم إليه في تأخير جيش أسامة يشيرون عليه ويقولون ما كتبنا في صدر الكتاب، وفي قوله: "لو بقيت وحدي حتى تأكلني الكلاب ما أخرت جيشا أمر رسول الله ﷺ بإنفاذه والوحي ينزل عليه". فلئن كان ما وصفنا لا يدل على جودة الرأي وصحة العزم وكثرة العلم، وعلى الشهامة والصرامة، واليمن والبركة، فما في الأرض دليل على فضيلة رجل ونقصه.
ومما يدل على سعة علمه وأنه كان المفزع دون غيره أن المهاجرين عامة وبني هاشم خاصة، اختلفوا في موضع دفن رسول الله ﷺ، فقال قائل: خير المدافن البقيع، لأنه كان كثيرا ما يستغفر لأهله. وقال آخرون: خير المواضع موضع مصلاه. وقال آخرون: عند المنبر. قال لهم أبو بكر: إن عندي فيما تختلفون فيه علما. قالوا: فقل يا أبا بكر. قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "ما مات نبي قط إلا دفن حيث يقبض" فخطوا حول فراشه ثم حولوا رأس رسول الله ﷺ بالفراش في ناحية البيت. فلم نجد الناس احتاجوا مع خبره إلى شاهد، ولم يختلف عليه في ذلك رجلان، ولا أظهر الشك في خبره إنسان واحد قريب ولا بعيد. هذا والمنزل منزل ابنته، وهو في موضع جر منفعة وكما تكون المنفعة، وهي المأثرة العظمى والشرف الأعلى.
فمن لم يتهم في خبره على هذه الحال ومع هذه العلة حتى قبلت شهادته وحده، لجدير ألا يتقدمه أحد في القدر والعلم والأمانة والصدق.
ومما يدل على أنه كان ثابتا عندهم قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وروايته عنه، وذلك أن عليا قال: كنت إذا سمعت من النبي عليه السلام حديثا ينفعني الله بما شاء منه، فإذا حدثني غيره استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، وإن أبا بكر حدثني - وصدق أبو بكر - أن النبي ﷺ قال: "ما من رجل يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين ويستغفر الله إلا غفر له".
وهذا حديث ما سمعت له براد إلا أهل الغلو من الروافض. وقد قال قوم منهم: إنما كان هذا من علي على التقية للعوام، لطاعة العوام لأبي بكر وعمر. وما في هذا من التقية؟ أن يصدق رجلا على خبره وأن يكذب غيره أو يؤمن غيره. وإن هذا من أخلاق الناس لموجود: أن يزكي بعض بعضا ويفضل. فنرى عليا يحمل عنه ويروي عنه ويزكيه ويفضله، ولم نره صنع بعلي من ذلك شيئا.
ولقد بلغ من تبطنه لأمر النبي ﷺ أن النبي ﷺ لما حاصر أهل الطائف قال عمر لأبي محجن: إنما أنت ثعلب في جحر يوشك أن يخرج! قال أبو محجن: هل هو إلا أن قطعتم حبلات عنب، وفي الماء والتراب ما يعيده. قال عمر: لا تقدر أن تخرج إلى ماء وتراب، ولا تبرح باب جحرك حتى تموت جوعا. قال أبو بكر: يا عمر لا تقل هذا فإن النبي ﷺ لم يؤذن له في فتح الطائف. فسأل عمر النبي ﷺ فقال: نعم لم يؤذن لي.
قالوا: ولم يكن علم ذلك من أمر رسول الله ﷺ غير أبي بكر، ولو علمه أحد غيره لكان عمر.
قالوا: في خطبة النبي ﷺ في شكاته التي توفي فيها والمسلمون شهود، وفي معرفته بالذي أراد النبي ﷺ بكلامه دون جميع الناس، دليل على أنه المخصوص بحسن المعرفة، وفضيلة الدراية.
وذلك أن أول ما تكلم به النبي ﷺ على المنبر أن قال: "والذي نفسي بيده، إن لقائم على الحوض الساعة". ثم تشهد فلما قضى تشهده كان أول ما تكلم به أن استغفر للشهداء الذين قتلوا بأحد، ثم قال: "إن عبدا من عباد الله خير بين الدنيا والآخرة فاختار ما عند الله". فبكى أبو بكر. قالوا: فتعجبنا من بكائه. وقال: بأبي أنت وأمي وبآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا. قالوا: فتعجب الناس من كلام أبي بكر وبكائه وقالوا: أخبر النبي ﷺ عن رجل!
قالوا: وكان أبو بكر أعلمنا برسول الله.
ولو لم يكن من صواب رأيه وصحة فراسته، وتوفيق الله إياه إلا توليته خالد بن الوليد حرب مسيلمة وطليحة وأهل الردة، وقد عوتب فيه من كل جانب - وعمر تناوله - وهو يقول: لا أشيم سيفا سله الله على أعدائه.
ثم اختياره عمر وفراسته فيه، حيث جعل له الأمر من بعده، وعوتب فيه ونوزع في أمره.
وكذلك قال عبد الله بن مسعود، الذي قال فيه النبي ﷺ: "رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد، وكرهت لها ما كره لها ابن أم عبد" قال: أفرس الناس ثلاثة: المرأة التي جاءت على استحياء حين قالت لأبيها في موسى: {يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين} وامرأة العزيز، وأبو بكر في عمر.
فهل رأيته ضام قوما قط وجامعهم فكان لهم الرأي دونه، وهل عوتب في شئ قط إلا والصواب ما عمل به دون رأي المعاتب له. وهل أشير عليه برأي قط إلا وهو المصيب دون المشيرين عليه؟
فأي فقه وأي علم أصلح وأي مذهب أحمد مما عددنا وكثرنا.
ثم أنتم لا تستطيعون أن تخبروا عن علي بن أبي طالب بموقف واحد من هذه الآراء، وكلمة واحدة من هذا الكلام ومن الصواب الذي حكينا عن أبي بكر في حياة النبي ﷺ، وعند وفاته، وفي أيام خلافته، حتى كأن عليا ورجلا من عرض المسلمين في ذلك الدهر سواء.
وما يخيل إلينا إلا أن الذي قطعه عن كثير من ذلك حداثة سنه، وتقديمه للمشيخة على نفسه.
فإن قالوا: إن عليا قد أشار على عمر بكذا. وقال له يوم كذا وكذا: كذا.
قلنا: إنا لم نكن في عمر وعلي، ولو قد صرنا إلى الإخبار عنهما تقدمنا بالذي يعرفكم فضيلة عمر، كما حكينا ووصفنا وتقدمنا في الأخبار عن فضيلة أبي بكر.
ولقد بلغ من صحة فكره وصدق ظنه وقوة حسه أنه كان يظن الأمر فيقع به أو قريبا منه. ولذلك قال عمر: إنك لن تنتفع بعقل المرء حتى تنتفع بظنه.
فمما يدل على صدق ظن أبي بكر وحس نفسه أن عائشة لما دخلت عليه في شكاته التي قبضه الله إليه فيها، أنشدت عنده شعرا تذكر فيه ما رأت في أبيها. قال أبو بكر: لا تقولي هذا يا بنية. ولكن قولي: {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد}، أي بنية إني كنت نحلتك جداد عشرين وسقا من مالي بالعالية، وإنك لم تحوزيه ولم تقبضيه، وإنما هو مال الوارث، وإنما هما أخواك وأختاك، قالت عائشة: إنما هي أسماء! قال: إنه ألقي في روعي أن ذا بطن بنت خارجة [جارية]، فوضعت جارية فسميت أم كلثوم.
وله مما كان يقع في خلده ويصدق فيه ظنه وتصح فيه فراسته أمور عجيبة.
ولو قالوا: إن عليا كان من فقهاء أصحاب النبي ﷺ لقد كان ذلك عدلا وقصدا، وحسنا جميلا، كما قال إبراهيم والشعبي: الفقه من أصحاب النبي ﷺ في ستة: في عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت.
وقد زاد قوم أبا الدرداء وأبا موسى. وقد قال مسروق: انتهى علم أصحاب رسول الله إلى هؤلاء الستة: عمر وعلي وعبد الله وأبي ومعاذ وزيد.
وقال الشعبي: كانت القضاة أربعة: عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري.
فلو أنهم كانوا يرضون بقول الفقهاء ورأي التابعين، ولم يسرفوا وقصدوا، كان ذلك قصدا. ولقد تعدوا فيه الحق حتى قالوا: لم يقل قط قولا يمكن أحسن منه، ولا قال قولا قط فرجع عنه، وقد علمنا أن له غير رجعة، لا اثنتين ولا ثلاثا، وأقاويل لا يجوزها أصحاب الفتيا، وما كان إلا كبعض فقهائهم الذين يكثر صوابهم ويقل خطاؤهم، ولم تكن لتجمع جميع هفوات إنسان وأخطاءه حتى تقرأه مجموعا إلا ظننت به العجز. وليس ذلك كذلك، لأنك لو قذفت بجميع ذلك في محاسنه لخفي عليك موضعه، ولصغر خطره وقدره.
وإنما حكينا هذا لأنهم جمعوا لعمر وعثمان أمورا أرادوا بها عيبهم ونقصهم، ولعمري إن الخطأ لخطأ حيث وقع، ولكن ربما كان خطأ لا يخرج صاحبه من الحكمة. والخطأ أمر لكل بني آدم فيه حظ ونصيب، وهو أمر لم يسلم منه نبي ولا صديق ولا شهيد ولا أحد من العالمين.
ومما نقررهم به مما رواه حمال الآثار من رجوعه وما لا يجوز من فتياه، قوله: أجمع رأيي ورأي عمر على عتق أمهات الأولاد، ثم رأيت أن أربهن.
ونقلوا جميعا أن عمر وعليا اختلفوا في الجد، فقال علي بقول، وقال عمر بقول، ثم رجع عمر إلى قول علي ورجع علي إلى قول عمر.
ونقلوا جميعا أن زيد بن ثابت قال لعلي وهو يحاجه في المكاتب: أرأيت إن زنى أكنت راجمه، قال: لا. قال: أرأيت إن شهد أتقبل شهادته؟ قال: لا. قال زيد: فهو إذن عبد ما بقي عليه درهم. فسكت علي.
وزعم أصحاب داود بن أبي هند، عن داود عن الشعبي، أن عليا رجع عن قوله: "في الحرام ثلاث".
وكلم علي عثمان أن يحجر على عبد الله بن جعفر في شئ كان اشتراه، وقد كان الزبير قال لعبد الله: خذه فأنا شريكك. فقال له عثمان: كيف أحجر على إنسان شريكه الزبير؟ فسكت علي.
وقال في المكاتب، إذا أدى من ثمنه شيئا: إنه يسترق بحساب ويعتق بحساب.
وقال في النصرانية تسلم وهي تحت النصراني قال: هو أحق بها ما لم يخرجها من دار الهجرة.
وقال في رجل قال لامرأته: "اختاري" واختارته، ثم قال: "اختاري" فاختارته، ثم قال الثالثة: "اختاري" فاختارته؟ قال: أفرق بينهما، فإن أنا فعلت كذا وكذا.
وقال في أعور فقأ عين صحيح، فأراد الصحيح أن يفقأ عين الأعور الذي فقأ؟ قال: لا يفقؤها إلا أن يؤدي نصف الدية.
وقال في الجد: إنه سادس ستة، وسابع سبعة، وكتب إلى عبد الله بذلك، وقال: قطع الكتاب واجعله سابعا.
وقال في جارية وثبت عليها امرأة رجل غائب فاقتضت عذرتها بإصبعها، ثم قذفتها لتسقطها من عين بعلها، وكانت خافت أن يتزوجها، فرفع ذلك إليه فقال لبعض بنيه: قل في هذه المسألة. قال: عليها صداق مثلها، قال: لو كلفت الإبل الطحن طحنت! فاشتد تعجب أصحاب عبد الله من هذه المقالة.
وكان يرى حك أصابع الصبيان إذا سرقوا.
وكان إذا قطع الرجل قطع القدم وترك العقب ليمشي عليه المقطوع، وليعتمد به. وكان يقطع اليد من أصول الأصابع ويدع الكف.
وزعم عبد الله بن سلمة وغيره، عن الأعمش، عن الشعبي أو عن غيره، أنه سئل عن رجل قال لامرأته: أنت طالق ألف تطليقة، وله أربع نسوة؟ قال: تبين بثلاث وتقسم الباقية على نسائه.
ويقال لهم: هل تعلمون أن الله ذكر آدم وهو أول النبيين فقال: {فنسي ولم نجد له عزما}.
وذكر موسى وقتله النفس. وذكر يونس بن متى فقال: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه}. فالدليل على أن يونس قد كان صنيع وأساء قوله: {سبحانك إني كنت من الظالمين} وقول الله: {فالتقمه الحوت وهو مليم}.
وذكروا داود وسليمان في قضية واحدة ذهب عنها داود وأصابها سليمان، حيث يقول الله: {وفهمناها سليمان} فلم يكن ذهاب داود بمخرجه من قول الله: {وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب}. وقد كان منه ما قد علمت، حتى أنزل الله عليه الملكين يكنيان عن قصته، ويزيدان وعظه في قصة: {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب}.
وقد عاتب الله جل ثناؤه نبيه في غير موضع فقال: {عبس وتولى}، وقال: {لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا} وقال: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر}.
وعاتبه في الاسرى وأخبره أنه قد تقدم أمره في إطلاقهم حتى قال: {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم}.
وقال الله وهو يريد جمع المأمورين والمنهيين: {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة}.
فإذا كان الله قد أخبر بما ترى عن المعصومين فلم يتتبع قوم على عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان خطاياهم وهفواتهم، وللعمرية والعثمانية أن يعودوا عليهم بمثل ذلك وأكثر منه؟
ومن أجهل من رجل زعم أن عليا لم يخط قط ولم يعص قط، ولم يضيع شيئا قط، وقد سمع الله يحكي أمور أنبيائه، ويذكر أحوال رسله؟ ولسنا نحتاج في هذا الباب إلى أكثر من هذا.
وكيف يقولون: علي فوق الناس كلهم في صواب الرأي، والفقه في الدين، ولا يكون كالرجل من عظماء السلف لضرب يخصه فيهما، ونحن إذا سألنا الفقهاء وأصحاب الآثار والعلماء عن أصحاب القرآن الذين كانوا مخصوصين بحفظه على عهد رسول الله ﷺ، قالوا: زيد بن ثابت وأبو زيد، وفلان وفلان. ولم يذكروه في باب المخصوصين بحفظ القرآن أيام حياة رسول الله ﷺ.
فإن سألناهم عن أصحاب الحروف والقراءات والوجوه، الذين بقراءتهم يقرأ الناس، وبقدر اختلافهم اختلف الناس، قالوا: زيد بن ثابت وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود. ولم يذكر معهم. لأنا شاهدنا الناس يقولون: هذا في قراءة عبد الله بن مسعود، وهكذا هو في مصحف عبد الله، وهذا في قراءة أبي، وهكذا هو في مصحف أبي، وهذا في قراءة زيد، وهكذا هو في مصحف زيد. ولم نرهم يقولون: هذا في قراءة علي، وهكذا هو في مصحف علي.
وإن سألناهم عن أصحاب التأويل والتفسير قالوا: عبد الله بن عباس، والحسن، وفلان وفلان. ولم يذكروه في هذا الباب.
وإن سألناهم عن أصحاب الرواية، والمشهورين بكثرة الإسناد عن رسول الله ﷺ قالوا: ابن عمر وعبد الله بن عمرو وجابر بن عبد الله وعائشة وأبو هريرة. ولم يذكر معهم في هذا الباب.
وإن كان الدليل على فقه المتبوع فقه أتباعه فعبد الله بن مسعود وعائشة أفقه منه، لأن أصحاب عبد الله وعائشة أفقه من أصحابه، فكيف صار أفقه خلق الله كلهم. والقصة على ما أنبأناكم ووصفنا لكم.
على أنه كان فقيها عالما، قد أخذ من كل باب بنصيب، ولا نقول فيه - إذ كنا عثمانية وعمرية - قولكم في عمر وعثمان. أوما تعلم أن الخبر مستفيض بأن النبي ﷺ قال: "أقرؤكم أبي"؟ فترى أبيا كان أقرأ منه. وقال: "أفرضكم زيد" فترى زيدا كان أفرض منه. وقال: "وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ" فترى معاذا كان عند النبي ﷺ أعلم منه. وقال: "وأقضاكم علي" فينبغي أن يكون علي أقضى منهم. وأنتم لا ترضون أن يكون زيد أفرض منه، ولا أبي أقرأ منه، مع أن" أقضاكم علي" ليس هو في حديث البصريين، فإن كان كما رواه البصريون فهؤلاء النفر أعلم منه. وإن كان كما رواه غيرهم فكل واحد أفقه من الآخرين فيما ذكرته. فهذا هذا.
فإن صرت إلى أن تسأل الناس عن الاختيار، وجودة الرأي، والقوة في السلطان، والضبط للعدو والعوام/ قالوا: أبو بكر وعمر.
وإن سألت عن الفتوح قالوا: أبو بكر وعمر وعثمان، لأن أبا بكر رد الإسلام في نصابه برد أهل الردة، وهو الفتح الأكبر، وقتل مسيلمة، وأسر طليحة، وغزا العدو ومنع الحوزة.
ولأن عمر دون الدواوين، وفرض الأعطية، وجند الأجناد، ومصر الأمصار، وجبى الفئ، وبلغت خيله إفريقية، وأوطأ خيله خراسان وأقصى كرمان، وأزال ملك بني ساسان.
ولأن عثمان هو الذي افتتح الثغور كلها، افتتح إرمينية، افتتحها حبيب بن مسلمة الفهري وافتتح أذربيجان، افتتحها المغيرة بن شعبة، وقد كان الأشعث معه فيها، وافتتح إفريقية، افتتحها له عبد الله بن سعد بن أبي سرح/ وافتتح سحستان، افتتحها له عبد الله بن سمرة.
فهذا باب المخصوصين بالفتوح.
وإن سألت عن الدهاة وأصحاب الإرب والمكايد قالوا: عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومعاوية بن أبي سفيان، ولم نذكر فيهم زيادا لأن زيادا لا صحبة له. فهذا باب الدهاة.
وروى الناس عن قبيصة بن جابر الأسدي، وكان علامة داهية حكما، أنه قال: "ما رأيت رجلا قط أخوف لله من أبي بكر، ولا أقوى في دين الله من عمر، ولا أصدق حياء من عثمان، ولا أوصل لرحم ولا أعطى من تلاد مال من طلحة، ولا أكثر مخارج في الأمور من معاوية، ولا أحضر جوابا ولا أكثر صوابا من عمرو" ولم نره ذكره.
ثم الذي كان من أسماء بنت عميس، ومن قولها - وعلي بن أبي طالب شاهد، لما تفاخر عندها بنوها من جعفر وأبي بكر وعلي، قال لها علي: اقضى بينهم - قالت: ما رأيت شابا أطهر من جعفر، ولا رأيت شيخا أفضل من أبي بكر، وإن ثلاثة أنت أخسهم لفضلاء.
فهذه قضيتها، ولم يرو عن علي في ذلك إنكار.
فإن قلتم: إن قولها ليس بحجة. قلنا: قد صدقتم لو كان ليس بحجة إلا قولها فقط، ولكن الأمور إذا جاءت من هاهنا وهاهنا كان اجتماعها دليلا على أنه لم يكن عندها مع فضله وصلاحه وسابقته وقرابته ذا رأي.
ولقد بلغه ذلك عن قريش حتى قام خطيبا معتذرا فقال في خطبته: "حتى قالت قريش: ابن أبي طالب شجاع ولكن لا علم له بالحرب، لله أبوهم! وهل منهم أحد أشد مراسا لها ولا أطول تجربة مني. لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، فها أنا الآن قد ذرفت على الستين، ولكنه لا رأي لمن لا يطاع".
وقال الأحنف بن قيس لما قدم عبيد الله بن علي بن أبي طالب، وهو قتيل المختار بن أبي عبيد في أيام فتنة ابن مخربة العبدي: ما هذا الذي أنتم فيه؟ قالوا: قدم عبيد الله بن علي يدعو الناس، قال: إن كان لا بد فجنبوها حسنا وأبا حسن، فإنا لم نجد عندهم علما بالحرب، ولا إنالة للمال.
وقيل لأبي برزة الأسلمي: لم آثرت صاحب الشام على صاحب العراق؟ قال: وجدته أطوى لسره، وأملك لعنان جيشه، وأنظر لما في نفسه.
وفي قول العباس بن عبد المطلب، وهو حليم قريش - وإذا كان حليم قريش فهو حليم العرب، والحلم اسم جامع للعلم والحزم - وذلك أنه لما قبض عمر وصلى صهيب بالناس دعا العباس عليا فقال: هل أحدثتم شيئا؟ فقال: فاحفظ عني، فإني لم أقدمك في شئ إلا رأيتك مستأخرا، من ذلك أني قلت له ورسول الله ﷺ ثقيل: ادخل عليه فسله، فإن يكن هذا الأمر فينا أعلمه الناس، وإن يكن في غيرنا أوصى بنا، فتركت ذلك وقد منيت بدهاة قريش، وقد حيل دوني، فلا يعرضن عليك شئ إلا قلت: لا لا، ولا يا أبتي، تعصر عينيك وتحك قفاك بعد فوت الامر.
ففيما ذكرنا دليل أنه كان لا يساوي أبا بكر ولا يجاريه، ولا يدانيه ولا يقاربه. وأنه في طبقة أمثاله طلحة والزبير، وعبد الرحمن وسعد.
فإن قالوا: فإن عليا كان أزهد فيما تناحر الناس عليه، ولأن أزهد الناس في الدنيا أرغبهم في الآخرة، ولأن أرغبهم في الآخرة أعلمهم بأحوال الآخرة.
قلنا: قد صدقتم في صفة الزهد، ولكن أبا بكر كان أزهد منه. وسندلكم على ذلك.
فمن ذلك أن أبا بكر كان ذا مال كثير، ووجه عريض، وتجارة واسعة، فأنفق ذلك في سبيل الخير وعلى أهله، إيثارا لله ولرسوله، وطلب ما عنده حتى لقى [الله] وما كنت تركته يوم مات غير بعير ناضح. وعبد صيقل، مع الخلافة وكثرة الفتوح والغنائم والخرج والصدقة.
وكان علي بن أبي طالب مقلا مخفقا يعال ولا يعول، فاستفاد الرباع والمزارع، والعيون والنخيل، ومات ذا مال وأوقاف، وما يحسب ماله ووقفه بينبع إلا مثل كل شئ ملكه أبو بكر مذ كان في الدنيا إلى أن فارقها، وتزوج فأكثر، وطلق فأكثر، حتى عابه بذلك معاوية، وجعله طريقا إلى تنقصه، وسبيلا إلى الطعن عليه، فقال وهو يكني عن ذكره ويريده، ليكون أسد لسهمه، وأوقع في قلب من سمعه: "إني والله ما أنا بنُكحة ولا طُلقة".
والآثار أن عليا رحمة الله عليه استشهد وعنده تسع عشرة سرية مطهَّمة وأربع نسوة عقائل.
ولا سواء من كان ذا مال فأنفقه، ومن كان مقلا فكسبه.
ولم يتزوج أبو بكر في خلافته امرأة ولا اتخذ سرية، ولا تفكه بشئ، ولا آثر لذة إن كان له طلقا مباحا.
ثم الذي كان من أبي بكر في عمالته: أنه كلف بني تيم ومن عنده أياديه ومنته أن يردوا ما أخذ من بيت المال فيه، لكي يجعل عمالته لله. وعلى ذلك احتذى عمر. وقد كان علي يأخذ عمالته، ولم يخبرنا أصحاب الآثار أنه ردها في بيت المال، ولا كلف ذلك بني هاشم في وصية. وهذا ما لا يختلف فيه رجلان من أصحاب الآثار، وحمال الأخبار.
وقد كان أخذ لقوحا وحبشية لرضاع بعض ولده فرد ذلك في بيت المال.
ولما بايع الناس أبا بكر غدا على سوقه كما كان يفعل، فقالوا: فلا بد أن نجعل لخليفة رسول الله ﷺ شيئا يقيمه، قالوا: برديه إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مكانهما، وظهره إذا سافر، ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل خلافته. قال: رضيت. فجمع ذلك كله وحفظه، ثم أمر بني تيم فردوه في بيت المال. فخرج من الدنيا خفيف الظهر، خميص البطن. فلما فعل ذلك قال عمر: رحم الله أبا بكر، لقد شق على من بعده!
فإن قالوا: أوليس قد كان علي ينضح بيت المال في كل جمعة ويصلي فيه ركعتين؟
قلنا: إنا لم نكن في ذكر الأمانة والخيانة، لأن أبا بكر وعليا يرتفعان عن هذا الضرب من المديح، وعن هذا الضرب من الثناء، وإنما كنا في ذكر الزهد في المباح، وفي الإيثار والرفض للفضول، لأن بين الرجل يعطي ما له وعليه، وبين من يعطي ما عليه ولا يعطي ما له فرق.
ومما يدل على فضله أن الله أنزل فيه من القرآن ما لم ينزله في أحد من المهاجرين والأنصار، كل ذلك يخبر عن فضله، ويدل فيه على مكانه منه، ويثني عليه ويزكيه ويعظمه. وليس من أفرد الله فيه الآي، وأفرده بالذكر كمن ذكره في جملة المؤمنين، وجمهور الأنصار والمهاجرين.
ولا سبيل إلى المعرفة بأن الله عنى بآية كذا وآية كذا فلانا دون غيره إلا بضربين: إما أن يكون اسمه وخاصة نسبه ونعته مسطورا في الآية، كما ذكر فرعون وأبا لهب، وفلانا وفلانا، وكما ذكر آدم ونوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا ﷺ وعليهم.
أو يكون المراد بالآية وإن لم يذكر اسمه، كما ذكر لقمان، وزيد. [وزيد] مشهور النسب معروف القصة أنه المراد بالآية، وبشهرة القصة والنسبة حتى لا يكون بين أهل ذلك الدهر في ذلك تنازع، ولا بين أصحاب التأويل والأخبار في دهرنا هذا، فيكون كأنه مسمى وإن لم يسم.
وقد كانت تحدث بين الناس أمور فينزل القرآن عقب ذلك، فيعلم المهاجرون والأنصار من المراد بهذا التنزيل. كالذي كان من شأن عائشة وما قرفت به، حتى أنزل الله لذلك السبب آيا كثيرا، وإن لم يكن الله سمى عائشة ولا من قرفها. وكالذي نزل من القرآن في قصة الغار وهجرة النبي ﷺ وأبي بكر، وهربهما من قريش، ونصرة الله لهما.
فكان مما أنزل الله في أبي بكر من تفضيله وتزكيته وإن لم يسمه قوله لجميع المؤمنين: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم}.
فلا يخلو قوله: {إلا تنصروه} من أحد وجوه: إما أن يكون خاطب به المشركين عامة، أو خص به الخاذلين العادين والباغين، أو يكون خاطب به المؤمنين.
ولا يجوز أن يكون عنى به المشركين، لأنه لا يجوز في الحكمة وفي المعروف من البيان أن يقول الرجل الحكيم المبين، للعدو المكاشف بعداوته، المظهر لضغنه، الباذل لرأيه وماله، المعاند في فعله: إلا تنصرني فقد نصرني فلان! لأن النصر لا يلتمس من العدو المكاشف، وإنما يلتمس من الولي أو من الخاذل.
وكيف يقول هذا وإنما غايته الانتصار منه بغيره.
وفي قول الله عز وجل: {إذ أخرجه الذين كفروا} دليل أن المخاطب بالكلام غير الذين كفروا به وجحدوه وأخرجوه. ولا يجوز أن يكون عنى الخاذلين له من قريش ومشركي مكة إلا والخاذلون قد كانوا هناك معروفين، بائنين من العادين المتوثبين المبادين بالعداوة المظهرين للمحاربة، ولا نعلمهم كانوا ببطن مكة صنفين متمايزين، [و] فريقين متباينين، حتى يكون كل حزب مشهورا بالذي هو عليه من الخذلان والعداوة، وليس بطن من بطون قريش إلا وقد لقى النبي ﷺ منه أعظم المكروه وإن كانوا في ذلك على طبقات: من مجتهد لا يبقى، ولا يفتر ولا يسأم، ومن رجل مائل معهم بضلعه، مبد معهم لضره، وإن كان لا يبلغ غلو الآخر وتصميمه وقلة إغفاله.
ولقد كانت خزاعة وثقيف على بعد أنسابها وأرحامها أحسن تقية من قريش في إظهار العداوة، والأرصاد بالمكروه، والثبات على البغي، كالذي بلغك عن الأخنس بن شريق وعروة بن مسعود وبديل بن ورقاء، من ركونهم إلى الصلح وحبهم للسلامة، مع قلة التسرع والتوثب، على أنهم قد أجلبوا وطعنوا، وكفروا وكذبوا، بعد الإفصاح لهم بالحجة، والإبانة لهم عن المحجة.
ولقد كان أبو لهب على قربه وقرابته شبيها بأبي جهل في الغلظة والقسوة والجفاء، وكثرة التدري وقلة السآمة.
ولم يكن أبو طالب يوم نزلت هذه الآية حيا مقيما فيكون الله جل ذكره عناه فيمن أطاعه من رهطه بهذا الكلام. على أنه لو كان حيا لقد كان معلوما أنه لم يكن هناك أحد أحسن ذبا، ولا أشد نصرا، ولا أظهر معونة، ولا أشد حماية منه.
ولم يكن الله ليعرف قوما موضع الخلة في النصرة، والتقصير في المدافعة، إلا وأدنى منازلهم أن يكونوا مقرنين لمن ناوأهم، مضطلعين بدفع من شاقهم.
ولا نعلم يوم كانت هذه القصة، ونزلت هذه الآية، وبمكة رجل من بني هاشم مطاع متبوع غير العباس بن عبد المطلب. ولا يجوز أن يقول الله للعباس ومن كان في ذراه ممن يسمع له وينفذ لأمره: {إلا تنصروه فقد نصره الله} وقد علم أن العباس وأشباهه من مشيخة بني عبد مناف لا أعوان لهم يومئذ من بني عبد مناف، لأن بني عبد مناف دِنيا على قربهم وقرابتهم، كانوا أشد الخلق على رسول الله، كأبي سفيان بن حرب، وعقبة بن أبي معيط، والحكم بن أبي العاص، وأبي أحيحة، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وفلان وفلان. ولم تكن أمية انمازت في ذلك الدهر من هاشم، وكان يقال للحيين: عبد مناف. [و] كان من أمر عثمان الذي بلغك.
فقد دل الكلام على أن الله إنما عنى بالآية المؤمنين دون الكافرين، إذ كانت مخاطبة العادي والخاذل على ما وصفنا. وليس أنه أراد تأنيب المؤمنين وتقريع المهاجرين، ولكنه أخبر عن تقصيرهم عن فضيلة أبي بكر إذ ظعنوا وأقام. وليس النقص في الفضل كالنقص في الفرض. فكأنه تعالى وعز قال: لو كنتم صبرتم مع نبيكم ما أقام إلى وقت الإذن، كصبر أبي بكر معه، ولم تخرجوا هاربين جازعين، ولدار نبيكم مهاجرين، كان أشد لصبركم، وأكمل لرغبتكم، وأنم لتقيتكم، وليس أنكم عصيتم في خروجكم، ولكن بعض الصبر والاحتمال أفضل من بعض، وكذلك الطاعة تطوعها وفرضها، كما قد علمتم أن بلالا وخبابا وعمارا حين فضهم المشركون عن دينهم جزع عمار وأعطاهم الرضا، مع انطواء قلبه على الإخلاص، وثلج صدره بالإيمان، ولكن عزمه كان منقوصا عن التمام، من غير أن يكون ذلك عصيانا ولا خلافا. ويدلك على ذلك قول الله: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان}. ولذلك قال النبي ﷺ لعمار: "إن عادوا فعد". يريد بن التوسعة والرخصة والإطلاق، وليس على الأمر والترغيب.
وكما بلغك عن الرجلين الواردين على مسيلمة، حين قال لأحدهما: أتعلم أني رسول الله؟ قال: نعم. قال: أفتعلم أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم، قال: فأمر به فقتل، وقال للآخر: أتعلم أني رسول الله؟ قال: نعم، قال: فتعلم أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم، فأمر بتخلية سبيله. فلما بلغ ذلك النبي ﷺ قال: أما الأول فمضى على عزمه ويقينه فهنيئا له، وأما الثاني فأخذ برخصة الله فلا تبعة عليه.
فعلى هذا المثال كان تقصير القوم، لا على وجه الخلاف والمعصية.
وذلك أن أبا بكر أقام بمكة ما أقام النبي ﷺ، وهاجر الناس الأول فالأول، فبعض أتى المدينة، وبعض أتى الحبشة، حين اشتد عليهم البلاء وطال الذل وقل الناصر، وقويت الضغائن، فكان النفر بعد النفر، والرجل بعد الرجل، يستأذن النبي ﷺ في الهجرة فيأذن له. وأقام أبو بكر وحيدا لا أنيس له، وذليلا لا ناصر له، وخائفا لا أمان معه، في كل يوم يزدادون عليه قوة ويزداد عنهم ضعفا فإذا بلح وبلغ المجهود، ولم يبق في قواه فضل يستعين به على الصبر، استأذن النبي ﷺ في المضي إلى إخوانه واللحاق بهم، فيقول له: "لعل الله أن يجعل لك صاحبا" فيزداد بها أبو بكر قوة، وتحدث له بها همة. وهذه كلمة ما قالها النبي ﷺ لمستأذن قبله، فيعلم أبو بكر عند ذلك أن النبي ﷺ إنما عناه، فيشجع من نفسه، ويشد من منته، طمعه في شرف الصحبة، وإكرامه إياه بفضيلة المرافقة.
وقد استأذن النبي ﷺ الناس [قبله] بسنين، فكان أولهم أبو سلمة بن عبد الأسد، وآخرهم عمر بن الخطاب، لقرب حال عمر في الفضل والصبر من حال أبي بكر. فكأنه خاطب المهاجرين، على التعريف لهم بفضيلة صبر أبي بكر على صبرهم، مشحذة لهم على إعطاء الجهد، وترغيبا لهم في غاية الصبر في مستقبل الأمور وحوادث الامتحان. فكأنه قال: إذا لم تستتموا الصبر، ولم تبلغوا غاية الجهد، ولم تصبروا ما أقام، فقد نصرته أنا إذ أخرجته ثاني اثنين.
والدليل على ما قلنا قول عمر لقريش حين بادأهم العداوة، ونصب لهم الحرب، وأحس من نفسه بالجلد وشدة الشكيمة، وقوة العزيمة: "أما والله أن لو قد صرنا مائة لتركتموها لنا إن تركناها لكم" يعني مكة.
فلو كان جميع من هاجر إلى الحبشة وأتى المدينة على مثل هذا العزم والاحتمال والدفع، وهم جميع، لكان ذل من أقام ووحشته أقل، ونفوسهم أطيب.
والدليل على فضيلة مقام أبي بكر على ظعنهم أنهم حيث هاجروا ونزلوا بالنجاشي والأنصار فنزلوا بأكرم منزول به، فكانوا في ذراه آمنين، رافهين وادعين، إلا ما كان من قصة جعفر، وسعاية عمرو، وإحماش النجاشي وتهييجه. فما كان ذاك إلا صدر نهار حتى جعل الله العاقبة للمتقين. وأبو بكر والنبي من الوحدة والقلة، والجفوة والوحشة، وخفة ذات اليد، والسب والإهانة، والخوف بالقدر الذي لا يأتي عليه قول وإن كثر، ولا يبلغه وهم وإن اتسع.
وهكذا روينا عن الضحاك وقتادة وأبي بكر الهذلي في تأويل هذه الآية: أن الله عاتب جميع المؤمنين بها غير أبي بكر. ولو لم يكن رواية ولم يفسر ذلك صاحب تأويل، لم يجز أن يكون تأويله غير الذي قلنا، للذي شرحنا وفصلنا.
ولو كانت هذه المخاطبة وقعت على الخاذلين والعادين، أو على الخاذلين دون العادين والمؤمنين، لقد كان لأبي بكر في الآية ما ليس لأحد، فكيف بها إن كانت في المهاجرين. لأن في قوله: {ثاني اثنين} معنى عظيما، وفي قوله: {فأنزل الله سكينته} معنى عظيم.
فإن قالوا: كل ما عظمتم فعظيم، ولكن بعضه لا يجوز إلا للنبي ﷺ دون أبي بكر. وهو قوله: {فأنزل الله سكينته عليه}.
قيل لهم: استكرهتم التأويل، وصرفتم الكلام عن سننه، وغير تأويلكم أشبه بكلام العرب، وأظهر في بيان الخطباء، ومراجعة الحكماء. وذلك أن النبي ﷺ كان هو الرابط الجأش، الثابت الجنان، الساكن النفس، وهو المعزي لأبي بكر، والمسهل عليه شدة حزنه، والمطيب لنفسه، والمسكن لحركة قلبه، للذي رأى وعاين من اكتراثه ومن اضطرابه، وقلة سكينته، وهذه الحال التي فيها قلب النبي ﷺ وخليفته، وأبو بكر على ما وصفنا وفرقنا، هي الفاصلة بين النبي ﷺ وبين خليفته، إذ كان الخليفة قد شارك النبي ﷺ في حضوره واحتماله، وبان منه النبي ﷺ بشدة عزمه وسعة صدره، وسكون قلبه، كالفصل الذي بين الخليفة وولي عهده.
وكذلك تعجل عمر الهجرة قبل أبي بكر، فكان بذلك أنقص فضلا منه، وتأخر بعد المهاجرين، فكان بذلك أتم فضلا منهم.
وفي قول الله: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه} دليل على أن السكينة نزلت على صاحبه، وأن الهاء التي في {عليه} مضمر فيها صاحبه. ولا يشبه أن تكون السكينة نزلت على من لم يخل من السكينة وقلة الاضطراب، وعلى المسهل على صاحبه والمطيب لنفسه والمبشر له بالنصر، حين يقول: {لا تحزن إن الله معنا}. وهو كما أخبر أبو معاوية الضرير، عن عبد العزيز بن سياه، عن حبيب بن أبي ثابت: في قول الله: {فأنزل الله سكينته عليه} قال: على أبي بكر، فأما النبي ﷺ فقد كانت السكينة عليه من قبل ذلك.
فإن قالوا: فكيف وقد قال الله على نسق الكلام: {وأيده بجنود لم تروها}، والمؤيد بالجنود في هذا الموضع لا يجوز أن يكون إلا النبي ﷺ، لأن الجنود الذين عنى الله ملائكته.
قيل لهم: وما تنكرون أن يكون الله أيد رجلا بالملائكة، بشفاعة النبي ﷺ وبشارته وبحق صحبته، كما أيد الله جميع أهل بدر بالملائكة. وكما زعموا أن الملائكة نزلت في زي الزبير، وليس أن الله حين أيد أبا بكر بالملائكة أنه أراه جبريل وميكائيل، ولكن ليعلمه النبي ﷺ أن بحضرته ملائكة قد أرسلهم الله ليمنعوه من المشركين، ليسكن بذلك روعه، وتهدأ نفسه، وليثق بحضور النصر وتعجيل الدفع.
وقد علمنا أن الله لم يجعل مع كل مؤمن ملكين يكتبان خيره وشره استذكارا، ولكن المؤمن إذا شعر بمكانهما كان أقطع له عن ركوب الأدناس وأدعى له إلى الاستحياء، وليعلم أن الأمر جد وليس بهزل.
فكذلك إحضار الملائكة لأبي بكر، ليكون بشارة النبي ﷺ له بذلك تسكينا لنفسه، وتعجيلا لبعض ما استحق بالاحتمال والمواساة والصبر، من الثواب المعجل دون المؤجل.
ولقد بلغ من ظهور قصة أبي بكر وصحبته ومرافقته وكونه مع النبي ﷺ في الغار، أن الروافض مع شدة الإقدام والجرأة على تكذيب الناقلين، لم تقدر على دفعه ورده، حتى قال منهم قائلون: إنما أخرجه النبي ﷺ خوفا من أن يدل عليه ويسعى بأمره إلى أعدائه، لأنه كان حسن من النبي بالهجرة، وعرف ميقاته الذي عزم عليه.
وكيف يجوز أن يخاطب الله الناس فيقول: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين} والذي به كان النبي ﷺ بائنا قد أبر على الأعداء وأربى على الكفار، لأن النفاق أعظم من التصريح. وهذا ما لا يجوز في عقل، ولا يسنح في فكر، ولا يجوز في التعارف، ولا يليق بالبيان.
وكيف والله يقول على اتصال اللفظ باللفظ والمعنى بالمعنى، وتركيب الآية الأخرى على الأولى: {وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا}.
ولا كافر أعظم كفرا، ولا أشد عنودا من ثانيه وصاحبه في الغار، ورفيقه في الطريق، والمعزي لشدة حزنه، إن كان الشأن على ما قالوا وكما وصفوا.
وإنما المنافقة أن يكون الرجل معتقدا لجحد الرسول وعداوته، ولكن الرسول هو الغالب على داره القاطع لمن بادأه بالعداوة، وناوأه في الفضيلة، فإنما يستبقي نفسه بنفاقه، وبتزميل حقده، وإخفاء ضغنه. فأما رجل مقيم بمكة قليل مفرد، وذليل مطرد، وخائف مشرد، بين استخفاء يعدل الموت، أو هرب يقطع الأحشاء، والذي هرب معه مقهور مخذول، والغالب على داره عدوه، فكيف كان أبو بكر منافقا والحال على ما وصفنا؟
ولولا كثرة الفساد وما عم الناس من الغلط وفحش الخطأ ما كان لذكر هذا وشبهه معنى.
والأثر المجتمع عليه من أصحاب السير والأشعار والأخبار، أن النبي ﷺ قال لحسان: أما قلت في أبي بكر شيئا؟ فأنشأ يقول:
إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة * فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
التالي الثاني المحمود مشهده * وأول الناس منهم صدق الرسلا
وثاني اثنين في الغار المنيف وقد * طاف العداة به إذ صعد الجبلا
خير البرية أتقاها وأطهرها * إلا النبي وأوفاها بما حملا
فجعله تاليا وثانيا وصاحبا.
وقال أبو محجن:
وسميت صديقا وكل مهاجر * سواك يسمى باسمه غير منكر
سبقت إلى الإسلام والله شاهد * وكنت جليسا بالعريش المشهر
وبالغار إذ سميت بالغار صاحبا * وكنت رفيقا للنبي المطهر
فجعله سابقا وصديقا وجليسا وصاحبا.
وقال كعب بن مالك:
سبقت أخا تيم إلى دين أحمد * وكنت لدى الغيران في الكهف صاحبا
فجعله سابقا وجعله صاحبا.
وقال النجاشي:
غداة أتى بدرا وحر جلادهم * وكان جليسا بالعريش مؤازرا
فلو لم تكن له مأثرة إلا ما دلت عليه هذه الآية، وإلا شرف هذه الصحبة، وموقع هذه الخاصة، ونبل هذه المرافقة، ومشاهده الثقة، لكان فوق الجميع في المكانة والفضيلة، وفي مرافقة النبي ﷺ.
سمع أهل مكة الهاتف بالليل على قرن الجبل وهو رافع عقيرته، يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه * خليلي صفاء طردا كل مطرد
هما نزلا في الصبح ثمت هجرا * وأفلح من أمسى رفيق محمد
ليهنئ بني كعب مكان فتاتهم * ومقعدها للمؤمنين بمرصد
وقال الحارث بن هشام:
رفيقان في المحيا وفي الموت ضمنا * بأكرم مثوى منزل ومكان
فهذا هذا.
ثم الذي كان من قصة مسطح بن أثاثة وقضيته، وكان ربيبه وابن خالته وفي مؤونته وتحت جناحه، فلما قرفت عائشة بالذي قرفت به وبلغك، آلى أبو بكر ألا ينظر في وجهه، ولا ينفق عليه ولا يكفله ولا يمون عياله، فلما أنزل الله عذر عائشة وبراءتها، ولم يرض لها بالطهارة والعفة حتى جعلها غافلة، فضلا على أن يكون خطر ذلك على بالها فتنفيه، إيثارا للحلال على الحرام، وأنزل الله على رسوله ﷺ في آية يأمر أبا بكر بالصفح عن مسطح، والتجاوز عن ذنبه، وتغمد ما كان منه، وأن يعيده في كنفه وعياله. فقال: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة}. فما ظنك بإمرئ يقول الله له وفيه هذا القول، ويصفه بهذه الصفة حتى يقول: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} فتلاها رسول الله ﷺ على أبي بكر، فلما انتهى إلى قوله: "ألا تحبون أن يغفر الله لكم" قال أبو بكر: بلى يا رب! فعفا عنه، فوجبت له المغفرة، وأعاده إلى نعمته، وجعل عياله في حشاه وتحت ظله.
فمن أعظم قدرا من رجل يفرد الله له الآي فيه معظما لشأنه، ذاكرا لفضله على لسان جبريل ومحمد عليهما السلام. فهذا هذا.
وقد أجمع أهل التأويل على أن الله عنى بقوله: {والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين} أبا بكر وعبد الرحمن بن أبي بكر وأمه.
وكان أبو بكر وأهل بيته أهل بيت إسلام: كان هو مسلما، وامرأته مسلمة، وأبواه مسلمان، وبناته مسلمات. وليس في العشرة الذين قال لهم النبي ﷺ إنهم في الجنة، ولا في قريش قاطبة رجل مؤمن مؤمن الأبوين غير أبي بكر الصديق، ولا في قريش خاصة والمهاجرين عامة صاحب ابن صاحب ابن صاحب غير عبد الله قتيل الطائف، ابن أبي بكر الصديق، ابن أبي قحافة المسلم يوم مكة، والقائل فيه رسول الله ﷺ لأبي بكر: "فهلا تركت الشيخ في منزله فأتيناه". وله صحبة.
واجتمع أهل التأويل على أن قوله: {أفمن يمشى مكبا على وجهه أهدى أم من يمشى سويا على صراط مستقيم} نزلت في أبي بكر وأبي جهل. ألا ترى أن أبا جهل رأس الكفر، فلم يقرن به ولم يوضع بإزائه من المسلمين إلا رأس مثله.
وقال الله: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى} الآية، يعني أبا بكر في إنفاقه المال وعتقه الرقاب والمعذبين، وقوله: {كذب وتولى} يعني أبا جهل، وليس في الأرض صاحب تأويل خالف تأويلنا ولا رد قولنا إن هذه الآية نزلت في أبي بكر.
وأما قوله: {قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما}. فزعم ابن عباس أن القوم الذين ذكرهم بنو حنيفة، وأبو بكر استنفر إليهم العرب، وضمهم إلى المهاجرين والأنصار، حتى أظفر الله يده وأظهر حكمه.
وأما غير ابن عباس فزعم أنهم فارس والروم.
فإن كان [ذلك] كذلك فإن أبا بكر هو المستنفر إلى قتال الروم. وإن كان عمر هو المقاتل لكسرى فإن ذلك راجع إلى أبي بكر بتأسيسه لعمر واختياره له.
وقد زعم جويبر عن الضحاك في قوله: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} قال: أبو بكر وعمر.
وقد زعم وكيع عن الفضل بن دلهم عن الحسن في قوله: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} قال: هم والله أبو بكر وأصحابه.
ومثل هذا كثير، ولم يجئ المجئ الذي يحتج به المنصف والمرشد. ولكن الحجة القاطعة في إجماع المفسرين في الآيات التي ذكرناها قبل في قصة الغار، والنصرة، وفي قصة مسطح، والعفو عنه والإنفاق عليه، وفي قصة عبد الرحمن بن أبي بكر وأبويه ودعائهما له إلى الإسلام ورده عليهما، وقصة أبي بكر وأبي جهل.
وقالت العثمانية: فإن زعمت الرافضة أن الله أنزل في علي آيا كثيرا، فكان مما أنزل فيه وفي ولده قوله: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}. فأولي الأمر علي وولده. فلعمري لئن كان أصحاب الأخبار قد أطبقوا على أنها نزلت في علي وولده إن طاعتهم لواجبة، وإن كان هذا شيئا تقوله متقول، أو جاء من وجه ضعيف، فهو مع ضعفه شاذ. وليس في ذلك لكم حجة، لأن الحديث قد يحتمله الرجل الواحد الثقة عن مثله، فيكون شاذا، ما لم يكن مستفيضا شائعا قد نقل عن المستفيض الشائع. وقد يكون الحديث يحتمله الرجلان والثلاثة وهم ضعفاء عند أهل الأثر فيكون الحديث ضعيفا لضعف ناقليه، ولا يسمونه شاذا، إذا كان قد جاء من ثلاثة أوجه، وإنما الحجة في المجئ الذي يمتنع فيه العمد والاتفاق. وهذا الجنس من الخبر هو الإجماع.
وليس يكون الخبر إجماعا من قبل كثرة عدد الناقلين، ولا من قبل عدالة المحدثين، وإنما هو العدد الذي نعلم أنهم لم يتلاقوا ولم يتراسلوا ولا تتفق ألسنتهم على خبر موضوع، مع اختلاف عللهم وأسبابهم، ثم يكون معلوما عند سامع ذلك الخبر من ذلك العدد، أنهم قد نقلوه عن مثلهم في مثل أسبابهم وعللهم.
فإذا كان معلوما أن فرعه كأصله كان ذلك موجبا لليقين ونافيا لعرو الشك واسترابة التقليد.
وهو كنحو ما نقلوا من قصة الغار وقصة مسطح.
فأما ما قالوا وادعوا أن الله عنى بقوله: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} عليا وولده دون جميع المهاجرين، فليس من شكل ما اشترطنا، ولا من فن ما بينا؛ لأن أصحاب التأويل زعموا أنها نزلت في عمال النبي ﷺ وولاته، وفي المسلمين، وفي أصحاب سراياه وأجنادهم كالعلاء بن الحضرمي وأبى موسى الأشعري وعتاب بن أسيد وخالد بن الوليد ومعاذ بن جبل، يأمر الناس بطاعة الأمراء والتسليم لولاة أمورهم.
حديث عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي قال: حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عن تأويل قول الله: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} فقلت: من أولو الامر؟ فقال: هم أصحاب محمد، قلت: إنهم يزعمون أنه علي، فقال: علي منهم.
وهذا من أثبت وأحسن ما يروون في تأويل هذه الآية، ومن أحرى ما جمع الفريقين على تقبله والرضا به، إذ قائله العالم المقبول عند الفريقين، والرئيس الذي لا أحد فوقه في عصره عند الروافض.
وزعم محمد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح عن ابن عباس، أن الله أنزلها في عبد الله بن حذافة السهمي.
فإذا كان تأويلها مشهورا بما ذكرنا من الاختلاف، فليس فيها للمتشيع حجة.
وزعموا أيضا أن الله أنزل في علي: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} يقول: في طاعة علي.
والكلام في هذا كالكلام فيما قبله. لأن أصحاب الأخبار والتأويل لا يعرفون ذلك.
والخبر المشهور عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وغيره أن الله أنزلها في ناس من مسلمي أهل الكتاب، كانوا بعد إسلامهم يقيمون السبت، ويعافون الذبيحة، لرسوخ العادة، وغلبة الألف، فأنزل الله فيهم: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} يقول: ادخلوا في جميع الشريعة، {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} وزينته لكم الحكم بألفكم له، ونشوكم كان فيه.
وزعموا أن الله أنزل: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}.
قيل لهم: أما ظاهر الكلام فيدل على ما قال أصحاب التأويل، كابن عباس وغيره، حين زعموا أنها نزلت في عبد الله بن سلام ورهط من مشركي أهل الكتاب، وذلك أنهم أتوا النبي ﷺ عند الظهر فقالوا: يا رسول الله، إن بيوتنا قاصية ولا نجد مسجدا دون هذا المسجد، وإن قومنا لما صدقنا الله ورسوله عادونا وتركوا مخالطتنا، وأقسموا ألا يكلمونا.
فبينما هم يشكون عداوة قومهم لهم إذ نزلت: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} فلما قرأها النبي ﷺ قالوا: رضينا بولاية الله ورسوله والمؤمنين. وأذن بلال للصلاة، فخرج النبي ﷺ إلى المسجد وهم معه، والناس من بين راكع وساجد، وقائم وقاعد، فتلا النبي ﷺ: {ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} الآية. فإن تكن هذه الآية كما قال ابن عباس ومجاهد، فليس لعلي فيها ذكر. وإن يكن الأمر ليس على ما قال ابن عباس فليس تأويل الرافضة بأقرب التأويل.
وقد عرفنا أن تأويل ظاهر هذا الكلام يشبه غير الذي قالوا، وليس لنا أن نجعله كما قالوا إلا بخبر عن النبي ﷺ، أو بإجماع من أصحاب التأويل على تفسيره، وذلك أن قوله: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} يدل على العدد الكبير، وأنتم تزعمون أنه عنى عليا وحده، وليس لأحد أن يجعل {الذين} لواحد إلا بخبر يجمع عليه. فإن لم يقدر على ذلك فليس له أن يحول معنى الكلام عن ظاهر لفظه، والذي عليه التعامل والتعارف. ولفظ الجميع معروف من لفظ المفرد. لأن الرافضة تزعم أن سائلا دخل المسجد فسأل الناس وعلي راكع، فلم يعط شيئا، فنزع علي خاتمه فأعطاه، فأنزل الله فيه: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}. وأنت إذا سمعت بتأويل ابن عباس وتأويلهم علمت أن تأويلهم بعيد من لفظ التنزيل، قرب تأويل ابن عباس منه.
ولو كان الأمر كما قالوا ما كان أحد أعلم به من ابن عباس ولا أشعر به منه.
وأنتم تزعمون أن عليا كان أزهد من أن يحول عليه الحول وعنده مال راهن يجب عليه فيه الزكاة.
ولو كان ذلك كذلك ما كان بلغ من قدر صنيع رجل في إعطاء درهم ودرهمين من زكاته الواجبة ما إن يبلغ به إلى هذا القدر الذي ليس فوقه قدر، أو يكون كان علي مشهورا بإعطاء الزكاة وهو يصلي.
ولو كان هذا هكذا لكان مشهورا مستفيضا. وكيف اتفق له ألا يزكي إلا وهو يصلي؟
وإن كان تطوع بإعطاء الخاتم على جهة الإيثار والمواساة فليس بمعروف في الكلام أن يكون الرجل إن تصدق بالدرهم والدرهمين متنفلا ومتطوعا أنه معط زكاة، لأن الزكاة عندنا ما وجب إخراجه وكان تطهيرا لسائر ماله، وسببا للنماء والبقاء. إلا أن يحمل الكلام على الشاذ، وعلى أبعد المجاز. وليس هكذا كلام الحكيم يريد أن يدل الأمة على إمامته، ويوجب عليهم طاعته.
ولا بد في هذه الآية من أحد ضربين: إما أن يكون لفظها يدل على ما قالوا دون ما قال غيرهم، وإما أن تكون قد نزلت في قصة مشهورة لعلي كقصة الغار حين كانت لأبي بكر.
فإن لم تجدوا إلى واحد من هذين سبيلا فلم يبق إلا أن تزعموا أن الرسول ﷺ قال للناس: إن هذه في علي فاعرفوا له حقه وفضيلته. ولو كان ذلك كذلك ما اختلف فيه أصحاب التأويل، ولا قال فيه ابن عباس الذي قال.
قالت العثمانية: قد زعمت الروافض أن الله أنزل هذه الآية في علي فاعرفوا له حقه وفضيلته.
ولو كان ذلك كذلك ما اختلف فيه أصحاب التأويل، ولا قال فيه ابن عباس الذي قال.
قالت العثمانية: وقد زعمت الروافض أن الله أنزل فيه: {قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب}.
ولا يجوز أن يقول: {ومن عنده علم الكتاب} وهو يعني عليا إلا وعلي قد كان أشهر من هناك بعلم الكتاب.
وكيف يكون ذلك وقد توفي النبي ﷺ وهو لم يجمع الكتاب بعد؟ وقد زعم الشعبي أنه لم يجمعه إلى أن مات.
وكيف يكون من المشتهرين بعلم الكتاب وأنت إذا سألت أصحاب الأخبار والتأويل عن أسماء أصحاب التأويل ذكروا ابن عباس ومن دون ابن عباس بطبقات كالحسن البصري ومجاهد والضحاك وعكرمة، وفلان وفلان وفلان، ولا يذكرونه في هذا الصنف، كما لا يذكرون فيه أبا بكر وعمر وعثمان، لأنهم لم يكونوا بالمشتهرين بالتأويل وحفظ القرآن ومعرفة معانيه، لأن غير ذلك كان أغلب عليهم منه، وقد أخذوا منه بنصيب. ولم يكونوا كمن تجرد لمعرفة التأويل حتى غلب عليه كما غلب على زيد بن ثابت الفرائض، وكما غلب علم التأويل على ابن عباس، وكما غلب كثرة الأسانيد وعدد الآثار على ابن عمر وجابر وعائشة، وكما غلب على أبي وعلى عبد الله القراءات.
ولو كان للناس أن يقولوا في هذه الآية على الظن وما هو أشبه لكان أولى الناس بها عبد الله بن عباس، لأنه كان أعلم الناس بالقرآن. ولو لم يكن عرفنا فضله فيه بالذي ظهر منه، لعرفنا فضله وإن بطن وغاب عن العيان لقول النبي ﷺ فيه: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل". فكيف وقد ظهر من علمه بمعانيه وغريبه، وإعرابه وقصصه ومحكمه ومتشابهه، وخاصه وعامه، وناسخه ومنسوخه، ومكيه ومدنيه، ما لم نجد عند أحد شطره ولا قريبا منه.
وقالت العثمانية: إنه لا يعجز أحد أن يعمد إلى كل آية في القرآن فيدعي أنها في أبي بكر وعمر كما ادعيتم ذلك في علي، وإنما الشفاء والبيان في صحة الشهادة، وظهور الحجة.
وزعمت العثمانية أن من الدليل على فضيلة أبي بكر على علي أن النبي ﷺ سماه "الصديق" دونه، وليس بعد اسم النبي اسم أنبه من الصديق، حتى كان لا يقال قال أبو بكر وفعل أبو بكر إلا والصديق متصل به، وحتى ربما قالوا قال الصديق وفعل الصديق، استغناء عن اسمه وكنيته.
ولقد قال النبي ﷺ: "الزبير حواري وابن عمتي، وطلحة حواري" وقال: "عثمان ذو النورين" فلم يقل المسلمون: قال عثمان ذو النورين، وقال الزبير الحواري، وقال ذو النورين، استغناء عن أسمائهما وكناهما.
فإن كان المسلمون أشاعوا اسم أبي بكر وتركوا أن يشيعوا اسم غير أبي بكر، لفضل رأوه في أبي بكر، فهو الذي قلنا وادعينا. وإن كان ذلك منهم لشئ رأوه في وجه رسول الله ﷺ وفي صنيعه بأبي بكر، فلا شئ أدل على الفضيلة والمباينة منه.
ولم يسمه النبي ﷺ عليا باسم ينسبه به، لأن ذلك لو كان لظهر كما ظهر اسم من ذكرنا. ولا سماه أحد من أصحاب رسول الله باسم بان به كما سمى أصحاب رسول الله أبا بكر خليفة رسول الله.
ولأبي بكر اسمان يدلان على الفضيلة والمباينة: أحدهما لم يسم به قط إلا نبي أو من يتلوه، والآخر لم يسم به أحد من الناس.
فأما الاسم الذي لم يسم به إلا نبي فقوله "الصديق" بإجماع من المسلمين على هذا الاسم أنه لأبي بكر دون غيره. وأما الاسم الذي لم يسم به مؤمن قط ولا بعده، فقول جميع الأمة: يا خليفة رسول الله.
فإن كان الذي نقل إلينا أنه [كان] يكتب في دهر النبي ﷺ: "من خليفة رسول الله" ويكتب إليه: "إلى خليفة رسول الله". وكما كان الحسن يحلف بالله أن النبي ﷺ هو تولى استخلافه، فلا منزلة أعظم منها قدرا، ولا أرفع منها شأنا.
وإن كان المسلمون أجمعوا له على ذلك لخاصة رأوها فيه، فكفى به شرفا وقدرا، ومزية وذكرا.
وإن زعم قوم أن الأسماء التي ارتضاها الرسول ﷺ وحبا بها أصحابه لا تدل على فضيلة ولا على خاصة كرامة، وجسروا على أن يقولوا إنه ليس في قول النبي ﷺ لحمزة إنه: "أسد الله وأسد رسوله" فضيلة، وليس في قوله: "الزبير حواري" فضيلة - فليس عندنا في ذلك إلا مثل ما لهم في صدور أهل القبلة من الإسقاط والإهانة.
فإن قالوا: إن اسم الصديق مولد موضوع محدث، أحدثته العثمانية والحشوية.
قيل لهم، فلعل قولهم: إن حمزة أسد الله وأسد رسوله، وإن جعفرا الطيار في الجنة، وإن الزبير حواري رسول الله، مولد موضوع صنعته الشيعة، وأحدثه أتباع الزبير يوم الجمل. لا فرق بين ذلك.
وكيف يكون اسم الصديق مولدا محدثا، وأكثر من تكلم به ليسوا بذوي نحلة فيتقدروا له، ولا بذوي معرفة فيعرفوا فضله، ولا ذوي قرابة فيطلبوا السبق به، مع الذي نجده في الأشعار الصحيحة القديمة، وليس بين الأشعار والأخبار فرق إذا جاءت مجئ الحجج.
وإنما ذكرنا الأشعار مع الأخبار ليعرفوا ظهور أمره، ووجوه دلائله وقهر أسبابه، وليكون آنس للقلوب، وأسكن للنفوس، وأقطع لشغب الخصم، ولجحد المنازع.
فمما جاء من الأشعار في ذلك قول شريح بن هانئ الحارثي، وكان معمرا وكان شيعيا، وهو يرتجز في بعض حروبه:
أصبحت ذا بث أقاسي الكبرا * قد عشت بين المشركين أعصرا
ثمت أدركت الرسول المنذرا * وبعده صديقه وعمرا
ويوم مهران ويوم تسترا * وباجميراوات والمشقرا
والجمع من صفينهم والنهرا * هيهات ما أطول هذا عمرا
ألا ترى أن هذا شريح بن هانئ سمى أبا بكر صديقا على ما لم يزل يسمى به.
وقال العجاج بن رؤبة، وهو أعرابي ليس بذي نحلة ولا صاحب خصومة، وقد أدرك الجاهلية:
عَهْدَ نبي ما عفا وما دثر * وعهد عثمان وعهدًا من عمر
وعَهدَ صديق رأى برا فبر * وعهد إخوان هم كانوا الوزر
وقال الحارث بن هشام بن المغيرة، حين بلغه وهو بمكة أن الأنصار قد كانوا اجتمعوا وقالوا لقريش في سقيفة بني ساعدة: منا أمير ومنكم أمير:
قبض النبي وبويع الصديق *
في قصيدة له طويلة، وهو التي يقول فيها:
وأراد أمرا دونه العيوق *
وإنما أردنا منها المعنى.
وقال أبو محجن في ذلك:
سميت صديقا وكل مهاجر * سواك يسمى باسمه غير منكر
وقال طريف بن عدي بن حاتم:
أبيدوا قريشا بالسيوف ليظهروا * معاهد دين الله بعد محمد
وصديقه التالي المعين بماله * طوي البطن محمود الضريبة مذود
وأول من صلى وصاحب حنكه * أصاخ لقول الصادق المتطرد
وبعد قتيل الهرمزان، وباركت * يد الله في ذاك الأديم المقدد
أقاموا طغاة حائرين عن الهدى * وليس يقوم الدين إلا بمهتد
فلما تولوا طامن الحق جأشه * وثاب إليهم كل غاو مطرد
أما قوله: "وثاب إليهم كل غاو مطرد"، فإن الغاوي مروان ابن الحكم، والمطرد أراد أباه الحكم بن أبي العاص طريد رسول الله ﷺ.
وقال حسان بن ثابت في ذلك أيضا، وهو يهجو بعض الشعراء:
لو كنت من هاشم أو من بني أسد * أو عبد شمس أو أصحاب اللوا الصِّيد
أو في الذؤابة من تيم وقعت بهم * أو من بني جمح الخضر الجلاعيد
أو من سرارة أقوام أولي حسب * لم تصبح اليوم نكسا مائل العود
لولا الرسول وروح القدس يحفظه * وأمر ربك حتم غير مردود
وأنني أحفظ الصديق مجتهدا * وطلحة بن عبيد الله ذا الجود
أتتكم خيلنا كاللوذ كالحة * تطوي السباسب بالشم المناجيد
من كل خيفانة طال اللجام بها * وكل مختطف الأقراب كالسِّيد
وقال طليحة الأسدي في ذلك:
ندمت على ما كان من قتل ثابت * وعكاشة الغنمي يا أم معبد
وأعظم من هذين عندي مصيبة * رجوعي عن الإسلام رأي المقيد
وتركي بلادي والخطوب كثيرة * طريدا وقدما كنت غير مطرد
فهل يقبل الصديق أني تائب * ومعط بما أحدثت من حدث يدي
وقال البارقي في ذلك أيضا:
بكر النعي بخير كندة كلها * بابن الأشج وخاله الصديق!
هؤلاء الذين ذكرنا: شريح بن هانئ والعجاج بن رؤبة والحارث بن هشام بن المغيرة وطريف بن عدي بن حاتم وحسان بن ثابت وطليحة الأسدي، ومن أشبههم، ليسوا بأصحاب خصومات ولا نظر في الفاضل والمفضول.
وإنما قدموه وسموه صديقا على ما لم يزل يسمى به. وهذا أكثر من أن نأتي عليه في كتابنا ونستقصيه.
والعجب من الروافض حين ترى ما قال رشيد الهجري والسيد الحميري ومنصور النمري حجة في أشعارها إذا كان ذلك القول في علي بن أبي طالب. وإذا قال حسان بن ثابت والعجاج والحارث بن هشام وأشباههم ممن ذكرنا في القدم والقدر في أبي بكر وعثمان وعمر وتقديمهم لم يكن حجة.
وفي قول عبد الله بن عباس لعائشة بعد الجمل في دار بني خلف الخزاعي حين أرسله علي بن أبي طالب إليها: "لم تقولين إنه ليس في الأرض موضع أبغض إلي من موضع أنتم به، ونحن جعلنا أباك صديقا وجعلناك أم المؤمنين" حجة في أن تسميته بالصديق قد كان مستعملا في ذلك الدهر.
وإذا أحببت أن تعلم قدر هذا الاسم الذي سمى به النبي ﷺ أبا بكر فانظر في كتاب الله. قال الله جل ثناؤه: {واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا. ورفعناه مكانا عليا} وقال: {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا} فذكر صديقيته قبل أن يذكر نبوته.
وقال في كتابه: {ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسول وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون}.
ولكن انظر كيف نبين للروافض الحجج بالآيات والإجماع ثم انظر أنى يؤفكون، أي يسخرون بهذه الفضيلة له على علي.
ثم الذي كان من تأمير النبي ﷺ أبا بكر عليه حين ولاه الموسم وبعثه أميرا على الحاج سنة تسع، وبعث عليا يقرأ على الناس آيات من سورة براءة. وكان أبو بكر الإمام وعلي المأموم، وكان أبو بكر الدافع بالموسم، ولم يكن لعلي أن يندفع حتى يدفع أبو بكر. ولا يستطيع خلق من الناس أن يزعم أن سنة تسع دفع بالناس غير أبو بكر، ولا يستطيع أحد أن يزعم أن سنة تسع لم يبعث النبي ﷺ بصدر سورة براءة مع علي بن أبي طالب ليقرأه على الناس إذا فرغ أبو بكر.
فإن قال قائل: ألا ترى أنه كان لعلي بن أبي طالب في ذلك الموقف من الفضل ما ليس له لخصلتين: إحداهما أن النبي ﷺ بعث معه بصدر براءة، وقال: "لا يبلغ عني إلا رجل مني". والأخرى فرط الاحتمال وشدة الخطار الذي احتمله علي حين يقوم بالبراءة وقطع العهد وقد وافى الموسم من قبائل العرب ومن الموتورين والناقمين والحنقين، العدد الذي لا يحصى، والقوة التي لا تدفع، فشمر عن ساقيه وأبدى صفحته، ففي هاتين الخصلتين دليل على أن له في ذلك ما ليس لأبي بكر، والمحنة عليه أشد.
قيل له: إن كان الشأن في شدة الخطار والتغرير والتعرض على ما قلتم، فنصيب أبي بكر في ذلك أوفر، والأمر عليه أخوف، وهو إليه أسرع، لأن أبا بكر كان هو الأمير والوالي والمتبوع، وعلي هو المؤتم والرعية والسامع والمطيع. وبين التابع والمتبوع والآمر والمأمور فرق.
وأما قولكم: إن النبي ﷺ قال حين بعث بصدر سورة براءة مع علي بن أبي طالب: "إنه لا يبلغ عني إلا رجل مني" فإنما قال هذا وليس بحضرته أبو بكر ليكون علي قد قدم عليه، لأن النبي ﷺ قد كان وجه أبا بكر قبل ذلك، ثم بعث عليا بعده فلحقه في الطريق.
وقد زعم ناس من العثمانية أن النبي ﷺ لم يقل ذلك لعلي تفضيلا منه له على غيره في الدين، ولكن النبي ﷺ عامل العرب على مثل ما كان بعضهم يتعرفه من بعض، وكعادتهم في عقد الحلف وحل العقد، فكان السيد منهم إذا عقد لقوم حلفا أو عاهد عهدا لم يحل ذلك العقد غيره، أو رجل من رهطه دنيا كأخ أو ابن أو عم أو ابن عم. فلذلك قال النبي ﷺ ذلك القول.
ثم الذي كان من تفضيله عليه وعلى الناس جميعا أيام شكاته، حيث أمره أن يؤم الناس ويقوم مقامه في صلاته وعلى منبره، حتى أن عائشة وحفصة أرادتا صرف ذلك عنه لعلل سنذكرها في موضعها إن شاء الله، فقال النبي ﷺ: "إليكن عني صواحب يوسف، أبى الله ورسوله إلا أن يصلي أبو بكر".
ولم يستطع أحد من الناس أن يقول إنه صلى بالناس في تلك الأيام غيره، ولا استطاع أحد أن يقول إن المأمور بالصلاة كان غيره، حتى قالوا بأجمعهم: اختاره رسول الله لديننا فاخترناه لدنيانا. وحتى قالوا: ولاه رسول الله صلاتنا، وزكاتنا تبع لصلاتنا، وهما معظما أمر الدين.
ولا يستطيع أحد أن يقول: إنه لما تقدم أبو بكر بالناس ليصلي بهم والنبي ﷺ مسجى قال له رجل واحد: وما لك تصلي بنا على غير عهد ولا سبب. ولا قال رجل من خلفه مثل ذلك، ولا قال رجل من الأنصار: منا مصل ومنكم مصل، كما قالوا: منا أمير ومنكم أمير.
فإن كان الناس مع كثرة الخير والشر فيهم تركوا مجاراته ومدافعته في قيامه في مقام رسول الله ﷺ لتبريزه كان عليهم عند أنفسهم، فكفى بذلك دليلا على الفضل وحجة على الاستحقاق.
وإن كان رضاهم بذلك وتسليمهم للذي ثبت عندهم من أمر رسول الله ﷺ وتقديمه إياه، فليس لأحد في ذلك متكلم، ولا لشاغب فيه متعلق، ولا لواقف فيه عذر، والقوم جميع، ومصلاهم واحد، وتقدمه ظاهر.
ولم تكن صلاة واحدة فيكون خلسة. والقوم كانوا أشد تقديما لذلك المقام من أن يدعوا رجلا لم يقهرهم بسيف، ولم يمتنع عليهم بعشيرة، ولم يفض فيهم الأموال، وليس معه فضل بائن، ولا سبب من من قرابة، ولا أمر من النبي ﷺ.
فإن صاروا إلى الاعتلال بالأحاديث وذكر الآثار قالوا: إنما نحتاج إلى المقابلة بين أفعال علي وأفعال غيره، لو كنا لا نجد له غير الأفعال. فإذا كنا قد وجدنا له من غير الأفعال ما هو أدل على الفضيلة من الأفعال، لم يكن لنا أن نتخطى الأفضل إلى الأنقص في دفع المتغلب وإقامة المستحق عند ظهوره وزوال التقية فيه. لا أنهم قابلوا بين جميع المهاجرين في القرب والبعد، ولا أنهم صنعوا العلم بفضله بعد موت النبي ﷺ. ولكنهم قوم قد كانوا من قبل ذلك بثلاث وعشرين سنة يرى بعضهم بعضا ويعرف بعضهم أمر بعض، يغزون معا ويقيمون معا، ويسمعون من النبي ﷺ القول بعد القول، ويرون أحوال الرجال عند النبي ﷺ، وفي المسلمين وفي أنفسهم، فعلموا بذلك فضل أبي بكر. فلما توفي النبي لم يحتاجوا مع علمهم الأول إلى أن يضعوا علما ثانيا.
ولو أن رجلا منا شاهد النبي ﷺ وأصحابه سنة واحدة ما خفي عليه من المقدم عنده وعند المسلمين، ومن أشبههم به هديا وعملا، وطريقة وعزما. فما ظنك بالسلف الطيب، والخيار المنتخبين، وأس الإسلام ومرسى قواعده.
وذلك أن أبا بكر لا يخلو حيث أسلم أن يكون أسلم قبل الناس، أو ثانيا، أو ثالثا. فإن كان إسلامه قبل الناس فقد تبين للثاني تقدمه، وللثالث تقدمهما عليه. فإذا كانوا ثلاثة لم يخف عليهم أيهم أفضل. ثم إن أسلم بعدهم نفر لم يخف أيضا قصة الثلاثة المتقدمين. وكلما أسلم قوم لم يخف عليهم حال الأفضل بالذي يرون عند من أسلم قبلهم. فكانوا كذلك ثلاثا وعشرين سنة.
فقد أيقنا أن القوم لم يؤتوا في تقديم أبي بكر من الجهل بموضع الفضل، أطاعوا الله في إقامته أم عصوه. وكذلك لو كانوا قدموا غيره ما كانوا إلا متعمدين. وذلك أن الأفعال إنما تدل على ظاهر عدالة الرجل وفضيلته، ولا تدل على باطن طهارته وإخلاصه.
وقول الرسول ﷺ في الرجل ومديحه له وإخباره عن فضله ومنزلته، والوحي ينزل عليه صباح مساء، أدل على طهارته وإخلاصه.
وإذا كان العبد كذلك كانت النفوس إليه أسكن، وكان من التبذل أبعد، مع السلامة من النفاق والدخل في الاعتقاد، لأن الغلط في خبر الرسول ﷺ ونصه وتبيينه وإقراره للرجل بالفضيلة والاستحقاق، أقل من الغلط فيما بين أقدار الناس، من الموازنة بين أفعالهم وعقولهم، وعلومهم وتجاربهم، وصلاح الناس عليهم، مع كثرة عدد الأفعال المتساوية والمتقاربة، ومع كثرة عدد المتساوين والمتقاربين من الرجال.
فمما يدل على تفضيل النبي ﷺ له قوله يوم غدير خم، وهو قابض على يده وقد أشخصه قائما لمن بحضرته: "من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم عاد من عاداه ووال من والاه". وقوله: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي من بعدي". وقوله: "اللهم آتني بأحب الناس إليك يأكل معي من هذا الطير" ثلاثا، كل ذلك يحجبه أنس، طمعا أن يكون أنصاريا، فأبى الله إلا أن يجعله الآكل والآتي والأحب. ومن ذلك أن النبي ﷺ حين آخى بين أصحابه فقرن بين الأشكال، وقرد بين الأمثال، جعله أخا من بين جميع أمته وعلية أصحابه.
قيل لهم: إن الأخبار لا بد فيها من التصادق كما لا بد في درك العقول من التعارف، فإن في عدم التعارف في حجج العقول والتصادق في حجج السمع عدم الإنصاف وبطلان الكلام.
وليس لكم أن ترفعوا خبرا له ضرب من الإسناد وتوجبون تصديق مثله. لأن كل واحد من الخصمين لا يعجزه دفع المستفيض بلسانه، فضلا عن دفع الشاذ، وإن كان ناقله عدلا في ظاهره، فإذا كان ناقله ذلك كذلك فأولى الأمور بكم وبهم الصدق، وليس كل من أراد الصدق في مثل هذا قدر عليه إلا بالتقدم في كثرة السماع واتساع الرواية.
وليس لأحد، وإن حسن عقله وصح فكره، أن يقول فيما لا يضاف علمه إلا من طريق الخبر، حتى يكون صاحب خبر وطالب أثر، فإذا صح عقله وكثر سماعه خفت مؤونته على نفسه وعلى خصمه.
أوما علمتم أن خصومكم، وهم أكثر منكم عددا، وأكثر فقيها ومحدثا، يروون أن النبي ﷺ قال: "ليس أحد أمنّ علينا بصحبته وذات يده من أبي بكر، ولو كنت متخذا من هذه الأمة خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، لكن ودا وإخاء إيمان". فإن كان هذا الحديث كما نقلوا لم يجز أن يكون النبي ﷺ آخا أحد إلا أن يكون الأخ غير الخليل، ولا نعلم الخليل إلا أخص منزلة وأقرب مودة. مع أن قوله: "ولكن" دليل على أنه قد كان آخاه.
وأعجب من هذا يروون أن النبي ﷺ قال في شكاته وقبيل وفاته: "إنه لم يكن نبي قبلي فيموت حتى يتخذ من أمته خليلا، وإن خليلي منكم ابن أبي قحافة".
ويروون أن النبي ﷺ قال: "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر".
وقد تعلمون أن إسناده عبد الملك، عن ربعي عن حذيفة، والآخر سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن عبد الله.
ويروون أن النبي ﷺ نظر إلى أبي بكر وعمر مقبلين، فقال: "هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، إلا الأنبياء والمرسلين، يا علي لا تخبرهما".
فزعموا جميعا أن عليا قال: ولو كانا حيين ما حدثتكم.
ويروون جميعا أن عليا قام في الناس خطيبا فقال: "ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، والثاني عمر، ولو شئت أن أخبركم بالثالث فعلت" فكنى عن ذكر عثمان.
ويروون أن النبي ﷺ لما أسس مسجد المدينة جاء بحجر فوضعه، ثم جاء أبو بكر بحجر فوضعه، ثم جاء عمر بحجر فوضعه، ثم جاء عثمان بحجر فوضعه، فسئل النبي ﷺ عن ذلك فقال: "هؤلاء أمراء الخلافة من بعدي".
وقالوا: لما قدم المدينة رسول الله ﷺ خط لأهل قباء مسجدهم بعنزة فوضع النبي ﷺ حجرا، ثم قال: يا أبا بكر ضع حجرا إلى جنب حجري، ثم قال: يا عثمان خذ حجرا فضعه إلى جنب عمر، ثم التفت إلى سائر الناس فقال: وضع رجل حجره حيث أحب.
ويروون أن النبي ﷺ قال يوم الحديبية: "مثل أبي بكر في الملائكة مثل ميكائيل ينزل بالرحمة، ومثله في الأنبياء مثل إبراهيم، ومثل عمر في الملائكة مثل جبريل ينزل بالسخط، وفي الأنبياء مثل موسى" والحديث طويل ولكني اختصرته.
ويروى أن النبي ﷺ وضع في كفة الميزان والأمة في الكفة الأخرى، فرجح بهم. ثم أخرج النبي ﷺ ووضع أبو بكر مكانه فرجح بالأمة، ثم أخرج أبو بكر ووضع عمر مكانه فرجح بالأمة، ثم أخرج فرفع الميزان.
وقالوا: إن النبي ﷺ قال: "أيها الناس، إن الله بعثني إليكم جميعا فقلتم: كذبت، وقال لي صاحبي: صدقت، فهل أنتم تاركي وصاحبي؟".
ومما يؤكد هذا قول النبي ﷺ: "ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا وقد كان له تردد وكبوة، إلا ما كان من أبي بكر فإنه لم يتلعثم".
وقالوا: إن النبي ﷺ قال: "إن أبا بكر لم يسؤني قط، فاعرفوا ذلك له" في كلام طويل.
فإن كان ما رويتم في فضيلة علي حقا، وما رووا في فضيلة أبي بكر حقا، فأبو بكر خير من علي، وعلي خير من أبي بكر. وهذا هو التناقض، والحق لا يتناقض. وفي هذا دليل أن النبي ﷺ لم يتكلم بذلك ولا قاله، لأن الخبر إذا خرج مخرج العام في تفضيل أبي بكر، وكذلك في تفضيل علي، فليس له وجه إلا ما قلنا، إلا أن يكون النبي ﷺ قد قال أحد القولين وصحت به الشهادة، ولم يقل الآخر، وإنما ولدته الرجال وصنعته حملة السير. ولا سبيل لنا إلى معرفة ذلك إذا كان الإسناد متساويا، وعند الرجال متقاربا. وليس في هذه الأحاديث كلها حديث يضطر خصمه إلى معرفة صحته، أو يكون النبي ﷺ قد تكلم بكثير من هاتين الروايتين وكان معناه وقصده فيها معروفا عند من كان بحضرته، حتى كان الجميع يعرفون خاصه من عامه. ولكن الناقلين احتملوها عن السلف مجردة بغير تأويل معانيها، فأدوها على اللفظ العام، فصار السامع يتناقض عنده إذا قابل بعضها ببعض، لجهله بأصول مخارجها، وكيف كان موقعها.
والذي فسرت لك مثل تعرف به سمت الحجة وقصد السبيل.
وهو كما نقلوا أن النبي ﷺ قال: "ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر" ولم يكن بالنبي ﷺ إلى استثناء نفسه حاجة، لمعرفته باستغناء الناس عن ذلك.
وقد عرفنا بوجه آخر أن حديث أبي ذر كان مخرجه مخرج العام وأنه خاص وإن لم تكن خصوصيته موجودة في لفظ الحديث، لأنك إذا سألت الشيع فقلت: أي الرجلين كان أصدق عند النبي ﷺ: أبو ذر أو علي؟ قالوا بأجمعهم: علي. وإنما ترك النبي ﷺ لعلمه بمعرفة المسلم بذلك من رأيه.
وكذلك لو سألت العثمانية فقلت: أي الرجلين كان أصدق عند النبي ﷺ: أبو بكر أو أبو ذر؟ قالوا: أبو بكر، كقول الشيع في علي.
فقد أجمع الصنفان جميعا أن غير أبي ذر أصدق من أبي ذر.
ومن ذلك قول النبي ﷺ: "منا خير فارس في العرب"، قالوا: من هو؟ قال: عكاشة بن محصن.
وليس بين الأمة تنازع أن زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب الطيار والزبير خير من عكاشة.
ومن ذلك قول النبي ﷺ: "يأتيكم خير ذي يمن، [عليه] مسحة ملك". فأتاهم جرير بن عبد الله.
فلو كان هذ اللفظ العام عاما في معناه، ولم يكن النبي ﷺ اتكل فيه على معرفة القوم، فترك لذلك الاستثناء والتفسير، لكان واجبا أن يكون جرير خيرا من سعد بن معاذ، ومن حمي الدبر، ومن غسيل الملائكة، ومكلم الذئب. وهذا ما لا يقوله مسلم.
ومن ذلك قول النبي ﷺ لأبي سفيان بن الحارث: "أبو سفيان خير أهلي" وقد علمنا أن حمزة والعباس وعليا وجعفرا خير من أبي سفيان.
ومن ذلك قول النبي ﷺ: "خير أهل الله عمر بن الخطاب" وقد أجمع المسلمون أن غيره خير منه، لأن الناس إما عمري وإما علوي، فالعلوي يقدم عليا، والعمري يقدم أبا بكر.
والجملة أنه لم يقل أحد قط: إن عمر خير الناس. فهذا باب قد فرغت [منه]، تعرف به أن النبي ﷺ قد يتكلم بالكلام المعروف المعنى عند من حضره، فإذا نقلوا الكلام وتركوا المعنى التبس على العابرين وجه المعنى فيه.
فمن ذلك ما يعرف، كالذي حكينا من حديث أبي ذر وعكاشة بن محصن وجرير، ومنه ما يجهل كحديث علي وأبي بكر.
وقد نقلوا عن النبي ﷺ في رجال كلاما وتفضيلا ما نقل مثله في أبي بكر وعلي اللذين فيهما التنازع.
من ذلك أنهم نقلوا عن النبي ﷺ أنه قال: "كم من ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك". وهذا كلام عظيم إن كان حقا، وليس عندنا فيه إلا أن نرده إلى الله ورسوله.
وقد قال النبي ﷺ في رجال كلاما لو كان قاله في أبي بكر وعلي لكان أصحابهما سيجعلونه في أول ما يحتجون به في الإمامة والتفضيل مثل قول النبي ﷺ: "رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد، وكرهت لها ما كره".
ومن ذلك قوله: "لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة".
وقوله في طلحة يوم أحد، حين واتاه السهم فوقى النبي ﷺ فقال حين أصابه السهم: حس! فقال النبي ﷺ: "لو قال باسم الله لرفعته الملائكة".
ومن ذلك دخول عثمان عليه وهو مكشوف الفخذ، فغطاها، فقيل له: يا رسول الله، لم تغطها من أبي بكر وعمر وغطيتها عند دخول عثمان. فقال: "كيف لا أستحي ممن تستحي منه الملائكة".
وقال: "اهتز العرش لموت سعد بن معاذ".
فهذا أيضا باب يعرف به أن الرجل ليس يستحق التقديم بالرواية والحديث، إذ كان هؤلاء دون أبي بكر وعلي في الفضل، وقد جاء فيهم ما لم يجئ فيهما.
ولقد رووا في رجل لم يهاجر، ولم يصحب، ولم يشهد المشاهد، ولم ينفق، ولم يتعرض، ولم يدع إلى الله ورسوله، إلا أنهم زعموا أنه كان يطلب الحنيفية قبل مبعث النبي ﷺ، وهو زيد بن عمرو بن نفيل، فزعموا أن النبي قال: "يبعث يوم القيامة أمة وحده".
وأي شئ أدل على كل فضيلة من قول النبي ﷺ لعمار: "لا تؤذوا عمارا فإنما عمار جلدة ما بين عيني".
ما أعطت الرافضة الطاعة أبدا، ولا رضوا من الناس بالأنصاف!
وقد علمنا أن حمزة وجعفرا وعليا كانوا أفضل من سعد بن معاذ، ولم يهتز لموتهم عرش الرحمن، وقتلوا شهداء، ولم تحم لحومهم الدبر، ولا غسلتها الملائكة.
فالله أعلم بمعاني هذه الأحاديث. ولعل النبي ﷺ قال في كل رجل قولا عدلا. وكان ذلك قولا معروفا مفهوما عند الحاضر، ولكنه أدى اللفظ وترك المعنى.
فإذا كانت الأحاديث في أسلافنا وأئمتنا على ما حكيت لك لا تمنع من معرفة وتدافع ما وصل إلينا منه، كان واجبا أن يكون المفزع في أمرهم إلى الخبر الذي يجئ مجئ الحجة، وترك ما سوى ذلك مما لا يبرئ من سقم ولا يبرد من حيرة. وإنما الخبر الصحيح الذي لا يعتمد بضعف الإسناد، ولا يترك لضعف الأصل، ولا يوقف فيه لكثرة المعارض والمناوئ، كنحو ما روينا من مآثرهم في مقاماتهم ومشاهدهم، وكصنيع على ومؤازرته ببدر، وككون أبي بكر في العريش. وهذا ما لا يتدافع ولا يتناقض، لأن قتل على الأقران ببدر ليس بناقض لكون أبي بكر في العريش، ولأن موقف على بأحد لا يدفع كون أبي بكر في الغار، ولأن صنيع على بخيبر لا يدفع إنفاق أبي بكر الأموال، وعتقه الرقاب.
فهذا وما أشبهه مما لا تجد له رادا ودافعا، وليس هذا من شكل ما قالوا: أن النبي ﷺ قال: "اقتدوا بالذين من بعدي بأبي بكر وعمر" ونقلهم أن النبي ﷺ قال لعلي: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى". وكما نقلوا أن النبي ﷺ آخى بين نفسه وبين علي، وأن النبي قال: "لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا" في أشباه لهذا قد حكيت لك في صدر الكتاب، لتعرف مجرى الكلام في السلف.
فإن قالوا: فلعل النبي قال: "اقتدوا بالذين من بعدي" وقد كان معلوما في [ذلك] الوقت أن عليا كان مستثنى في هذا القول.
قيل لهم: ولعله قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه" [و] قد كان معلوما في ذلك الوقت أن أبا بكر كان مستثنى.
فإن قالوا: الفرق في ذلك أنكم لا تنكرون روايتنا في علي، ونحن ننكر روايتكم في أبي بكر.
قيل لهم: إن العجز كل العجز أن تعيد على خصمك بشئ لا يعجزه. فإن أبوا إلا جحد الأخبار وتكذيب الآثار والإيجاب على الناس ما لا يوجبون لهم مثله فإن الذين نقلوا أن النبي ﷺ قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه" لم ينقلوا معه في الحديث: "اللهم وال من والاه وعاد من عاداه".
وإنما سمعنا هذه الزيادة من الشيع، ولم نجد له أصلا في الحديث المحمول.
روى الأعمش - وكان رافضيا - عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة عن أبيه قال: بعث النبي ﷺ عليا في سرية واستعمله عليهم، فلما جاء قال: كيف رأيتم صاحبكم؟ قال: فإما شكوته وإما شكاه غيري، وكنت رجلا مكبابا، فرفعت رأسي فإذا النبي ﷺ قد احمر وجهه وهو يقول: "من كنت وليه فعلي وليه".
فواحدة أن الذي روى هذا الأعمش، وهو ظنين في علي مضعف عند أهل الحجاز. وسعد بن عبيدة ليس هناك.
وثانية أنه لم يقل من كنت مولاه، وقال: "من كنت وليه" فإذا اختلفت الألفاظ دل ذلك على الوهن. ولم يقل: "اللهم عاد من عاداه ووال من والاه". ونحن نشهد أن من كان النبي ﷺ وليه فسعد بن معاذ وليه. وعلى أنهم قد رووا في شكاية أقوام في تلك الغزاة لعلي كلاما قبيحا.
ووجه آخر مما يدل في هذا الحديث على الاختلاف والوهن: أنهم نقلوا أن هذا القول في علي كان أن عليا جارى زيد بن حارثة في بعض الأمر، ولاحاه فيه، لأنه أغلظ له فرد عليه زيد مثل مقالته، فقال له علي: تقول هذا القول لمولاك؟ فقال زيد: إنما ولائي لرسول الله ﷺ، ولست لي بمولى. فأتى على النبي ﷺ، فشكا إليه زيدا، فقال النبي ﷺ: "من كنت مولاه فعلي مولاه". وصدق النبي ﷺ أن عليا مولى زيد، إذ كان النبي ﷺ مولاه، وكذلك العباس والفضل وعبد الله وقثم وتمام ومعبد.
وإذا كانوا هؤلاء موالي زيد لأن النبي ﷺ مولاه، فلعلم النبي ﷺ من ذلك ما ليس لهم جميعا فإنما أراد النبي ﷺ أن يعلم زيدا غلطه في ذلك القول، حين ظن أن ابن عم النبي ﷺ ليس مولاه.
فإذا كان أمر على وزيد مشهورا عند أصحاب الآثار، فإنما عنى مولى النعمة، وليس في هذا إخبار عن فضل على في الدين.
ولو كان النبي ﷺ قال كما زعمت الروافض: "اللهم عاد من عاداه ووال من والاه" كان هذا القول يدل على أن زيدا قد أتى جرما عظيما، فلم يكن ليتخطى دعاء النبي ﷺ على من عادى عليا إلى غيره إلا بعد وقوعه به. لأن زيدا هو المشتكى، ومن أجل صنيعه خرج النبي ﷺ إلى مثل هذا القول الشديد، وهذا الدعاء القاصم، ومن قوله ومذهبه غضب عليه، وعليه نص وإياه عنى.
وإنما يقول هذا ويجوزه من لا علم له بقدر زيد عند النبي ﷺ. أوما علمت أن زيدا أحد من روى الناس عنه ونقلوا أنه كان أقدم الناس إسلاما. وقد دللنا على فضيلة إسلامه على إسلام علي في صدر كتابنا، في كلام العثمانية.
وقد بلغ من قدره عند النبي ﷺ وتفضيله إياه أنه لم يكن في سرية قط إلا كان أميرها، ولا أقام ببلاد إلا وهو أميرها.
ويدلك على ذلك أن النبي ﷺ أمّره على جعفر الطيار، وعقد له يوم مؤنة، ثم عقد لابنه أسامة على كبار المهاجرين والأنصار، منهم عمر بن الخطاب وسعيد بن زيد وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص. حتى قال رجال من المهاجرين - وكان أشدهم في ذلك عياش بن أبي ربيعة -: يولي علينا هذا الغلام! فغضب عمر ورد عليهم، ثم أتى النبي ﷺ فقال: ألا أعجبك يا رسول الله من رجال يقولون كذا وكذا؟ فمشى النبي ﷺ إلى المنبر في شكاته التي توفي فيها فقال:
ما مقالة بلغتني عن بعضكم في أسامة وتأميره، ولئن طعنتم في إمارته لقد طعنتم في إمارة أبيه، وايم الله إن كان لخليقا للإمارة، وإن ابنه لخليق لها، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وابنه لمن أحب الناس إلي.
فهو الحِبّ وأبو الحب، وهكذا يقال بالمدينة: أسامة الحب.
ولذلك قال عمر لابنه عبد الله حين زاد في فريضة أسامة على فريضته، فقال له عبد الله: لم فضلته علي ونحن سيان؟ فقال عمر: إن أباه كان أحب إلى النبي ﷺ من أبيك، وكان هو أحب إلى النبي ﷺ منك.
وقالت عائشة عند وفاة النبي ﷺ: لو كان زيد حيا لاستخلفه النبي ﷺ عليكم.
هذا وأبوها الخليفة والمجعول إليه الإمامة.
ومما يدلك على فضيلة أبي بكر ومكانته وخاصته من النبي ﷺ وعظم شأنه عنده، أن النبي ﷺ [لما] آخى بين المهاجرين والأنصار آخى بينه وبين حمزة، وإليه أوصى حمزة يوم أحد. وقد تعلمون أن حمزة استشهد وهو أجل الناس في صدور المؤمنين، وأعظم في أنفس المهاجرين. وإن امرأ يكون كفئا لحمزة في الإخاء، وحمزة على ما وصفنا، لعظيم الشأن، رفيع المكان.
ولو لم يعرف من قدره إلا أن ذكره الله باسمه في كتابه، كما ذكر لقمان، ولم يفعل هذا لغيره من هذه الأمة، لقد كان ذلك دليلا على المنزلة والقربة، فكيف يجوز أن يكون في الحديث: "اللهم عاد من عاداه ووال من والاه" وحال زيد وصفته على ما ذكرنا وفسرنا؟ مع أن اللفظ في الحديث لو كان: "اللهم عاد من عاداه ووال من والاه"، لم يكن فيه دلالة تضطر إلى إمامته، وحجة تقهر العقول وتحملها على معرفة خاصته، ولكنه لفظ يدل على الفضل والقدر، وليس بالتفضيل الذي لا بعده، والتقديم الذي لا فوقه.
وإنما الكلام الذي لا بعده قول النبي ﷺ: "ما أحد أمنّ علينا بصحبته من أبي بكر" وقوله: "لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا" وقوله: "أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين".
فإذا كان هذا الحديث مختلفا في أصله وفي صحة مخرجه، ومختلفا في تأويله وفرعه، والحجة في أصله متدافعة، والحجة في فرعه متكافئة، فكيف يكون جحد على إمامته واستحقاقه وفضيلته على نظرائه.
ولو كان هذا الحديث مجتمعا على أصله وصحة مخرجه، ثم كان لفظه محتملا لضروب التأويل، ما كان للروافض فيه حجة تقطع الخصم وتظهر المباينة.
ولو كان هذا الحديث مجتمعا على أصله وصحة مخرجه وكان لا يحتمل من التأويل إلا معنى واحدا، ما اختلفت في تأويله العلماء، ولا اضطربت فيه الفقهاء، ولكان ذلك ظاهرا لكل من صح لبه، وحسن بيانه، ولا سيما إذا كان الحديث ليس مفصحا عن نفسه، ومعربا عن تأويله، إلا عن قصد الرسول وإرادته، لأن يكفيهم مؤونة الرواية والأسباب المشككة. فينبغي على هذا القياس أن يكون علماء العثمانية وفقهاء المرجئة تعرف من ذلك ما تعرف الروافض، ولكنها تجحد ما تعرف وتنكر ما تعلم.
ولو كان هذا الحديث مجتمعا على أصله ولكنه غامض التأويل، وعويص المعنى، لا يكاد يدركه إلا الراسخ في العلم، البارع في حسن الاستخراج، كان العذر في جهل إمامته وفضيلته على غيره واسعا مبسوطا لأكثر المسلمين، وجل الناقلين، ولكبراء المتكلمين.
وإنما صارت الروافض إلى إكفار الأنصار والمهاجرين بزعمهم أن النبي ﷺ نص على إمامته، ودل على فضيلته، فإنه لا بد للناس في كل عصر من إمام من ولده، لأن ذلك الموضع إذا كان مقنعا ومعلما كان أخف على الناس في المحنة، وأبعد من الخطأ والزلل، ولأن اختيار الله لهم لأنفسهم، لأنه لو كان ذلك لا يكون إلا بالنظر دون النص لم يصلوا إلى إقامته، لكثرة عدد الناس، ولكثرة عدد الفضل، ولما في ذلك من الاشكال عند الموازنة، والشغل عن العدو.
فإذا كان السبب في الإمامة هو الذي قالوا: فلا بد من حديث لا يحتمل التأويل، ولا يمنع من معرفة صحة أصله وصدق مخرجه.
فإن قالوا: فإنا سنأتيكم بمثل اللفظ الذي أتيتمونا به حتى لا يكون لفظ أدل على الغاية منه. من ذلك قول النبي ﷺ عند طائر أتي به فأراد أكله فأحب أن يشركه في أكله أحب الناس إلى الله فقال: "اللهم آتني بأحب عبادك إليك يأكل معي هذا الطائر" ثم قال لأنس: اخرج فانظر من ترى بالباب؟ فخرج فوجد عليا فلم يأذن له، ولم يُعلم النبي ﷺ مكانه طمعا أن يكون أنصاريا، ففعل النبي ﷺ ذلك ثلاثا، كل ذلك يحجبه أنس، ثم أدخله، فلما طلع قال: "اللهم وال".
قيل لهم: أما واحدة فإن هذا الحديث ساقط عند أهل الحديث، ولو كان صحيحا عندهم فلم يجئ إلا من قبل أنس فقط، وأنس وحده ليس بحجة، فلم يكن في ذلك مقال ولا متكلم.
وثانية: إن أولى الناس ألا يحتج بخبر أنس لأنتم معشر الشيع، لأن أنسا عندكم كافر كذاب.
ولقد بلغ من سوء قولكم فيه أنكم زعمتم أنه كذب على علي، كذبه وبهته بأمر، فدعا الله عليه ثم بصق في وجهه فبرص من قرنه إلى قدمه. وأنتم تكفرونه بعمله للحجاج، وتزعمون أنه ليس في الأرض أكفر بالله ولا أجحد لإمامة علي ولا أنقض لأمره ولا أقتل لشيعته من الحجاج ولا من ولاه، وأن من ولي لهما في طريقهما وحكمهما.
وأخرى أنه إن كان هذا الحديث كما تقولون وقد صدقتم على أنس، فقد زعم أنس بزعمكم أنه كذب النبي ﷺ في موقف واحد ثلاث مرات، وقد أمسك النبي ﷺ عن الطعام وهو يشتهيه، فأحب لشهوته له أن يشركه فيه أشبه الناس به، فدعا ربه، وأنه إذ دعا ربه ثلاث مرار كل ذلك يستجيب له، وكل ذلك يراه أنس ويكذب له ويصده عن حاجته، ويمنعه سرعة الاستجابة، وتعجيل قضاء الحاجة، وتسويغه أكل المشتهى من طعامه. كلما دعا دعوة: قال اخرج يا أنس فانظر من بالباب، ثقة منه بربه، واتكالا على الذي عنده له، ويرجع وقد كتمه وحجبه عنه، ومنعه سرور تعجيل الدعاء وأكل شهي الغذاء.
فإن كان أنس كما تقولون فقد ركب أمرا عظيما، وذهب مذهبا قبيحا. وكيف يصدق على النبي ﷺ من خلقه بهذا وكذبه في وجهه ثم لا تمنعه الأولى من الثانية، والثانية من الثالثة. هذا والوحي ينزل بأسرع من الطرف بلعن قوم ومدح آخرين.
وإن امرأ احتملت نفسه وشاع في طبعه أن يواجه النبي ﷺ بالكذب ثلاث مرات في أحب الناس وأوجبهم حقا عليه، لحري ألا يصدق عليه في معظم أمر الدين، مع أن الحديث نفسه هو أضعف حديث عند أصحاب الأثر من أن يحوجنا إلى الإطناب فيه والإخبار عنه.
ومتى ادعينا ضعف حديث وفساده فاتهمتم رأينا وخفتم ميلنا أو غلطنا، فاعترضوا حمال الحديث وأصحاب الأثر، فإن عندهم الشفاء فيما تنازعنا فيه، والعلم بما التبس علينا منه.
ولقد أنصف كل الإنصاف من دعاكم إلى المقنع مع قرب داره وقلة جوره. وأصحاب الأثر من شأنهم رواية كل ما صح عندهم، عليهم كان أولهم، مع أن هذا الأمر ليس يعرف من قبل الحديث، وإنما يعرف من الوجه الذي به يقضي على جميع الدين.
وإنما احتججنا عليكم في أنس بالذي سمعتم، لأنا وجدناكم تكفرونه حتى إذا جرى سبب يؤكد ما تقولون جعلتم كفره إيمانا، وكذبه تصديقا، وعداوته ولاية. ثم لم ترضوا بأن ألحقتموه بالأولياء وأخرجتموه من حدود الأعداء، حتى أقمتم خبره وحده مقام خبر من يكذب آيًا به، أو مقام خبر يمتنع الكذب في مجيئه لاختلاف علل أهله.
فأما نحن فإنا نرى أنه رجل عظيم الحرمة واجب الحق، إذ كان قد خدم النبي ﷺ صغيرا واعتصم به كبيرا، وكان من رهط صدق.
وأما ما حكيتم من ولايته للحجاج فقد ولي للحجاج وصلى خلفه من كان يرى إكفاره فضلا عن من يرى تفسيقه، وفي البراءة منه وفي التقية سعة، وفي الخوف عذر.
فأما الذي حكيتم من البياض الذي أصابه فإن المؤمن بعرض مصائب ما كان في دار الدنيا. وما كان الذي أصابه في جنب الذي كان فيه أيوب النبي ﷺ؟ وقد كان شعيب مكفوفا!
ولو كان على كما يقولون فأراد أنه كان إذا بصق على إنسان فأراد أن يبرص برص، لما كان بينه وبين عيسى بن مريم ﷺ فرق.
والعجب إن كان كما تزعمون، كيف لم يبصق على أبي موسى فيجذمه، أو على جيش صفين فيهزمه؟ بل كان علي أظهر سلما وأرجح حلما وأشد ورعا وأكثر فقها وأبين فضلا من أن يدعي هذا وشبهه.
وليس يمدح عليا بما لا يليق به إلا هازل أو جاهل.
وأما قولكم إن النبي ﷺ قال: "أنت مني كهارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" وأن النبي ﷺ أراد بهذا أن يعلم الناس أن عليا وصيه وخليفته، فإنا سنقول في ذلك، وبالله وحده نستعين.
نقول: إن خلافة الرجل لا تكون إلا في إحدى منزلتين: إما في حياة المستخلف وإما بعد موته. ولم يقل أحد إن النبي ﷺ استخلف عليا في غزوة من غزواته، في كثرة ما غزا وكثرة ما ولّى.
قالوا بأجمعهم: إن النبي ﷺ خلفه في غزوة تبوك، واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة، وقال قوم: المستخلف ابن أم مكتوم. وهم إن اختلفوا فلم يختلفوا أن عليا كان مقيما بالمدينة والأمير غيره، والإمام سواه.
ولولا أن خلفاء النبي ﷺ في غزواته يصاب عليهم بكل مكان، وفي كل سيرة، لقد كتبته لك في كتابي الذي رددت فيه على من صغر قدر الإمامة وزعم أنها غير واجبة، وأنها تصلح في العدد الكثير. وأما غير ذلك من كتبي فلم أنتحل فيه قولي، وجعلت الكتاب هو الذي عبر عن نفسه، وقمت مقام جميع الخصوم، وجعلت نفسي عدلا بينهم. ولو لم أكن على ثقة من ظهور الحق على الباطل لم أستحل كتمانه مع زوال التقية، وصلاح الدهر، وإنصاف القيم.
ثم رجعنا إلى كلامنا الأول فقلنا: لا بد لخلافة الرجل من إحدى منزلتين: إما في الحياة أو بعد الموت: فأما في الحياة فلا يستطيع أحد أن يقول: إن النبي ﷺ استخلف عليا في حياته. وليس يضع ذلك من علي، لأن أبا بكر وعمر الذين هما عندنا أولى بالأمر منه لم يستخلفهما النبي ﷺ قط في حياته. أو تكون الخلافة بعد الموت، فلا يجوز أيضا أن يكون النبي ﷺ عنى بقوله: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى" الخلافة لعلي بعده، والذي قد علم أن هارون قد مات قبل موسى: لأن هارون وموسى وأمهما ماتوا جميعا في شهر واحد، وكان موسى ﷺ آخرهم موتا. ولذلك قالت بنو إسرائيل لموسى: أنت قتلت هارون.
فإن قالوا: ومن يقول: إن هارون مات قبل موسى؟
قيل لهم: إن شئتم فاعترضوا أصحاب التفسير والسيرة، والتمسوا علم ذلك من قبل أصحاب ابن عباس، وإن شئتم فأهل الكتاب يهودهم ونصاراهم الذين ليس لهم في ذلك دفع مضرة ولا اجتلاب منفعة، ولو آثروا أن يجحدوا ما عرفوا، وأن يطبقوا على إنكار ما علموا، وكان ذلك ممكنا في القدرة، سائغا جائزا، لجحدوا أن بني إسرائيل أخذت موسى بقتل هارون تعنتا وبغيا، أو غلطا أو جهلا.
وهذا مشهور عند أهل الكتاب وأهل التفسير.
وليس أحد أحق بأن يصيب في الأمثال إذا ضربها، ولا أولى بحسن التشبيه إذا شبه، من خيرة الله وصفوته من رسله، فكيف يجوز أن يقول النبي ﷺ لعلي: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى" وهو يريد الخلافة، وهارون لم يكن من موسى خليفة من بعد موته، ولم يكن على خليفة النبي ﷺ في حياته. ففي أي المنزلتين وعلى أية الحالين يكون على خليفة إذ لم يكن استخلفه النبي أيام حياته. بل كيف يجعله من نفسه بمنزلة هارون من موسى وهو يريد الخلافة من بعده، وهارون لم يكن خليفة موسى بعده.
ولا بد للحديث مع سوء تأويلكم واضطراب حجتكم من ضربين:
إما أن يكون باطلا لم يتكلم به النبي ﷺ. وإما أن يكون حقا ومعناه غير ما قلتم. وتفسيره غير ما ادعيتم.
ولو أن النبي ﷺ أراد أن يجعل عليا خليفة من بعده إذ لم يكن جعله خليفة أيام حياته، لقال: "أنت مني بمنزلة يوشع بن نون إلا أنه لا نبي بعدي" لأن يوشع كان خليفة موسى في بني إسرائيل بعده، وكان نبيا قبل موت موسى وبعده.
فإن قالوا: إن النبي ﷺ لم يقصد إلى الخلافة ولم يرد الإمامة، ولكنه عنى الوزارة.
قلنا: إن وزارة هارون من موسى لا بد فيها من أحد أمرين:
إما أن يكون موسى هو جعل له ذلك وهو وزيره على جهة ما يتخذ الإمام وزيرا والملك وزيرا على معنى الاختيار والاستكفاء والثقة.
أو يكون وزيره على جهة المؤازرة والمكاتفة والتعاون، على أن كل واحد منهما وزبر صاحبه ومعاونه ومكاتفه، إذا غاب عن قومه كان الآخر خليفته، لا على أن موسى الجاعل ذلك له.
ولا منزلة لهارون من موسى إلا هاتين المنزلتين في جهة الخلافة والوزارة، لأن نبوة هارون لا تكون من قبل موسى، والنبوة لا تكون إلا من قبل الله.
وليس يخلو قول موسى لهارون: {اخلفني في قومي} عن ضربين: إما أن يكون هو جعله خليفته على جهة الاختيار والاستكفاء والثقة به، وإما أن يكون خليفة على أن يكون كل واحد منهما إذا غاب عن قومه كان الآخر خليفته.
فإن كانت وزارة هارون وخلافته لموسى إنما كانت منزلتين أنزله فيهما موسى، وليست لهارون من موسى منزلة غيرهما، فقال النبي ﷺ: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى" فكأنما قال: لك خلافتي ووزارتي، فكيف يقول: إلا أنه لا نبي بعدي، والنبوة منزلة من الله لهارون وليست منزلة لهارون من موسى. فإذا كان ذلك كذلك فكيف يستثني الحكيم المرشد الشئ من [غير] شكله؟ وهل يكون بعض من غير كله؟
وكيف يقول: قد جعلتك خليفتي ووزيرا، إلا أني لم أجعلك نبيا مثلي، ومنزلة النبوة ليست إليه كما كانت منزلة الخلافة والوزارة إليه. وإنما قوله: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى" يريد به: إن لك مني مثل الذي كان لهارون من موسى، وهو الخلافة والوزارة. فكيف يقول: "إلا أنه لا نبي بعدي" فيستثني ما لا يملكه ولا يجوز أن يملكه، مما قد ملكه ويجوز أن يملكه من هو دونه من خلفائه ومن خلفاء خلفائه.
أو يكون هارون كان وزير موسى على جهة المؤازرة والمعاونة، وعلى أن يكون كل واحد منهما وزير صاحبه وخليفته عند الغيبة وحضور الآخر، ليس أنه قد كان خليفة ووزيرا، وإن كان ذلك كذلك فليست لهارون من موسى منزلة من الوزارة والخلافة إلا ولموسى من هارون مثلها. وإذا كان ذلك كذلك فقد صارت خلافتهما ووزارتهما كنبوتهما أو رسالتهما. وإذا كان ذلك كذلك فكيف يجوز أن يقول النبي ﷺ لعلي: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى"، وليست لهارون من موسى منزلة إلا ولموسى مثلها من هارون؟ وكيف يجوز أن يقول النبي ﷺ ذلك لعلي ومنزلة هارون من موسى منزلة النبي من النبي، والشكل من الشكل، والمثل من المثل، وهي منزلة من الله كما أن نبوة موسى منزلة من الله؟
وكيف يقول: "إلا أنه لا نبي بعدي"، وسبيل النبوة سبيل منزلة هارون من موسى على ما حكيناه من التعاون والتآزر؟
وإذا كان هذا الحديث لو صح في أصله وأول مخرجه، وسلم من الزيادة والنقصان وجاء مجئ الحجة، لم يقدر القوم على أن يجعلوه دليلا موجبا وشاهدا صادقا على خلافته وإمامته دون غيره، فما ظنك به إن كان قد دخله من الخلل والضعف والاحتمال في الفساد ما يوجب تكذيبه ورده.
وأقل ما للعثمانية في هذا الحديث أن يساووكم في تأويلكم، وفي ذلك الخلاف بطلان حجتكم.
وقد زعم ناس من العثمانية أن هذا الحديث باطل من أجل أنه لا يحتمل من التأويل إلا ما حكيت لك، وأن النبي ﷺ لا يعلن ولا يظهر غير ما يضمر، ولا يتكلم بالفاسد، ولا يستكره المعاني، ولا يتكلم بالمتعقد، ولا يضرب مثلا ولا يشبه شيئا بشئ إلا وذلك الشئ وفق ما قال: لا يزيد عليه ولا ينقص عنه.
ووجه آخر: أن هذا الحديث لم يرو إلا عن عامر بن سعد.
فواحدة إن عامر بن سعد هذا لو كان بالفقه والحديث والفضل معروفا وكان كأمثاله من بني الصحابة كعبد الله بن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبي سلمة بن عبد الرحمن وغيرهم، ما كان ليكون وحده حجة في تأخير أبي بكر عن مقامه. فكيف وهو في غير سبيلهم وطريقهم.
ولو سمعنا هذا الخبر من سعد وحده ما كان إلا حجة على نفسه، كالحجة على علي في روايته أن النبي ﷺ قال في أبي بكر وعمر: "هذان سيدا كهول أهل الجنة".
وكيف يروي هذا سعد مع قوله في الإمامة: "ما أنا بقميصي هذا أحق مني بها" وهو يدعو عليا إلى الشورى والمخايرة والمكاثرة بالمحاسن، ويقول: "أعيدوها شورى كما كانت". ويعيب عليا بالاستبداد، ويقول: "كنت سابع سبعة مع النبي ﷺ، ما لنا طعام إلا ورق الشجر، ثم جاءني أعرابي يعلمني دين الله، ما أنا بقميصي هذا بأحق مني بها".
وإنما فخر بأنه كان سابع سبعة على علي لأن عليا لم يكن فيهم عنده، وكان إما حدثا صغيرا وإما على أمر غير ذلك.
وسعد من العشرة، ومن الستة، ومن السبعة، والمستجاب الدعوة، وقال له النبي ﷺ: "ارم فداك أبي وأمي". ومن كان لهذه الأمور مستحقا لم يجمع بين طلب مخايرة رجل ومكاثرته بالمحاسن وهو مقر أن النبي ﷺ جعل خصمه منه بمنزلة هارون من موسى، إلا أن يكون تأويل الحديث عند سعد وعند من شهد سعدا على غير معناكم.
وحديث عامر على غير ما يروون، وإنما قال: "أنت مني بمنزلة هارون بن موسى، إلا أنه ليس معي نبي" هكذا رووه عن عامر بن سعد على غير معناكم.
وفي قول النبي ﷺ: "هذا خالي أباهي به فليأت كل امرئ بخاله" تفضيل له على كل خال في الأرض، وقد كان علي خال جعدة بن هبيرة، ولم يستثن أحدا.
فإن قالوا: الدليل على ما قلنا أن النبي ﷺ لما آخى بين المهاجرين والأنصار آخى بينه وبينه، فلولا أنه كان أشبه الناس به هديا، وعلما وفضلا لم يجعله عدل نفسه دون غيره.
قيل لهم: أنتم ليس لكم علم بالأثر ولا بالخبر. وكيف يعرف الآثار والأخبار من يكفر الأسلاف، ويبرأ من التابعين، ويجحد كل ما لم يوافق هواه، ويدعي ما وافق هواه وإن كان باطلا، بل لا يرضى حتى يتقول الزور ويولد الباطل.
وليس شئ أيسر من أن يقول قائل: إن النبي ﷺ لما آخى بين أصحابه آخى بين نفسه وبين أبي بكر. ولكن الحق أحق ما خضع له واحتمل ما فيه. وهذه الفقهاء وأصحاب الآثار عرضة لكم، فإن لم يقولوا إن النبي ﷺ لما آخى بين المهاجرين والأنصار آخى بين علي وسهل بن حنيف فنحن أولى بجحد المعروف منكم. وقد قال الله: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.
وأنتم لستم أصحاب آثار، فاسألوا أصحاب الآثار إن كنتم لا تعلمون، فإن ذلك أمر مشهور لا خفاء به، ولا دافع له، أعني المؤاخاة بين علي وسهل بن حنيف.
ولثقة علي به استعمله على المدينة حين خرج عنها. ومن أجل سهل بن حنيف امتنع الزبير وطلحة أن يركبوا عثمان بن حنيف والي علي على البصرة بأكثر مما كانوا ركبوه به. ولذلك السبب صلى أبو أمامة بن سهل بن حنيف بالناس في مسجد الرسول ﷺ وعثمان محاصر، لرأي علي كان في ذلك، ولغلبته على الدار، وأنه كان يطاع بأكثر من طاعة الزبير وطلحة وسعد.
وإنما آخى النبي ﷺ بينه وبين سهل بن حنيف الأنصاري كما كان آخى بين عثمان بن عفان وأوس بن ثابت. ولذلك قال حسان يحامي دونه وينصره بالكلام والشعر، ويظهر الميل على علي حين قال:
يا ليت شعري وليت الطير تخبرني * ما كان شأن علي وابن عفانا
لنسمعن وشيكا في دياركم * الله أكبر يا ثارات عثمانا
ولذلك قال في كلام له وهو يعتمد رأي علي واختياره: ثكلت أم نزال حرب لقي ابن أبي طالب كفاحا، وسعدت أم نزال رأي لقي ابن أبي طالب سهوا. في كلام كثير، وشعر كثير.
وكما آخى النبي ﷺ بين أبى الدرداء وسلمان، وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، وبين حذيفة وعمار، وبين حمزة وزيد، وبين أبي بكر وعمر.
فإن قالوا: فلعل النبي ﷺ آخى بين علي وبين نفسه، وبين علي وبين سهل بن حنيف، وهذا ما لا يتدافع، كما كان يؤاخى بين الرجل المهاجري وبين الأنصاري، وقبل ذلك ما آخى بين المهاجرين بعضهم في بعض، فكان الرجل منهم تصير المؤاخاة بينه وبين اثنين: مهاجري وأنصاري.
قلنا لهم: أما واحدة فإنا لم نجد لقولكم إن النبي ﷺ آخى عليا إسنادا يثق به أصحاب الحديث، فضلا عن أن يكون جاء مجئ الحديث. ولو كان النبي عليه السلام حيث آخى بين المهاجرين ولم يرض لعلي إلا بنفسه لفضلِ علي على غيره وأنه أشبه الأمة به وأقربهم حالا من حاله، ثم آثر أن يؤاخي بينه وبين رجل من الأنصار كفعله بغيره من المهاجرين - كان ينبغي له أن يؤاخي بينه وبين أفضل الأنصار؛ إذ كان الذي يمنعه من أن يؤاخي بينه وبين بعض المهاجرين طلب أفضلهم، وكان ينبغي على هذا المذهب أن يؤاخي بينه وبين سعد بن معاذ.
فإن قالوا: سهل بن حنيف أفضل من سعد ومن حمي الدبر ومن غسيل الملائكة ومن مكلم الذئب ومن غيره، لم يكن هذا منكرا من مكابرتهم وجهلهم.
فإن قالوا: إنه جائز أن يؤاخى بين غير الأشكال في الفضل، وجائز ألا يؤاخى بين المتساوين والمتقاربين.
قيل لهم: فلعل أيضا النبي ﷺ لم يؤاخ بين نفسه وبين علي - إن كان آخاه كما زعمتم - من قبل تقارب الحال والمشاكلة في الأفعال. ولعل النبي ﷺ لم يؤاخ عليا رأسا إذا أجاز ألا يؤاخى بين الأشكال، ولا يقارب بين الأمثال. وأدنى ما فيه أن يكون ذلك قد كان جائزا.
فإن تركوا هذا أجمع وقالوا: كيف يجوز أن يكون أبو بكر هو الإمام وقد كان النبي ﷺ جعله في جيش أسامة. وما زال يقول في شكاته: "أنفذوا جيش أسامة" يعيد ذلك ويكرره، إلى أن قبضه الله إلى جنته.
قيل لهم: إن في أمر النبي ﷺ له أن يقوم مقامه في الصلاة بالمسلمين، وعائشة وحفصة قد اعتونتا ليصرفا ذلك إلى عمر، ويقولان: إن أبا بكر رجل رقيق لا يستطيع أن يقوم مقامك.
وهو قد ودع المسلمين في حطبته التي خطبها في شكاته حين قال: "إن عبدا من عباد الله خيره الله بين الدنيا والآخرة فاحتار الآخرة". فبكى أبو بكر، فعجب الناس منه وقالوا: قال رسول الله ﷺ: "إن عبدا من عباد الله" قالوا: وكان أبو بكر أعلمنا برسول الله ﷺ. هكذا الخبر. ثم جاء جبريل في شكاته فقال: يا محمد، هذا ملك الموت يستأذن عليك ولم يستأذن على آدمي قبلك. قال: ائذن له. فأذن له جبريل حتى وقف بين يدي النبي ﷺ ثم قال: يا محمد، إن الله أرسلني إليك وأمرني أن أطيعك فيما أمرتني به، فإن أمرتني قبض نفسك قبضتها، وإن كرهت ذلك تركتها. قالوا: فسمع النبي ﷺ يقول: "الرفيق الاعلى" فعلم أنه قد خير ﷺ.
ثم كان عند كل صلاة لا يجد عندها إفاقة يقول: "مروا أبا بكر يصلي بالناس" ويقول: "أبى الله إلا أبا بكر" وفي قوله:" أبى الله أن يصلي إلا أبو بكر" دليل أن ذلك من قبل الوحي، مع قوله لعائشة وحفصة حين أرادتا صرف ذلك إلى عمر: "أنتن صواحبات يوسف، أبى الله ورسوله أن يصلي إلا أبو بكر" بالغلظ. فلو كان الخطب في ذلك صغيرا ما أغلظ النبي ﷺ لهما ولا اشتد عليهما.
فإن قالوا: وما دعا عائشة إلى صرف هذا الأمر العظيم والمقام الشريف إلى عمر؟
قيل: فإنه ليس عندنا في ذلك إلا ما اعتذرت هي به لنفسها، فإنها قالت: إني والله ما أردت صرف ذلك على أني لم أعرف شرفه وخطره، ولكني خفت أن يتشاءم المسلمون به، وألا يحبوا رجلا قام مقامه أبدا.
فأما حديث الربيع بين صبيح عن الحسن فإنه زعم أنها قالت: خفت ألا يطبق حمل الخلافة، وظننت أن الناس سيريدون منه مثل ما تعودوا من النبي ﷺ، وعلمت أن أحدا لا يكون كالنبي.
فإن كان النبي ﷺ جعله في جيش أسامة فقد استثناه حين اشتكى من جميع الجيش، إذا استخلفه في مقامه وأمره بالصلاة لأمته، لأن من صلى في مقام النبي ﷺ وفي مسجده ومصلاه، في أعياده وسائر أيامه، فقد صلى بجميع الأمة، وتأمر على جميع البرية.
وإنما أدخلنا فيها صلاة الجمعة والعيدين لأن النبي ﷺ حين قال: "أبى الله ورسوله إلا أن يصلي أبو بكر" لم يستثن صلاة دون صلاة. فإذا كان الكلام عاما والنبي ﷺ على يقين من فراق الدنيا، والوحي ينزل عليه، فقد دخل في ذلك صلاة العيد والجمعة، لأن النبي يتكلم كلاما عاما.
وقد علم الله ورسوله أن الكلام العام يتخذه الناس حجة فيما يدل عليه العام.
وقد علم الله أن أبا بكر سيصلي بالناس في أعيادهم وسائر صلاتهم، وأنه سيحتج في استحقاق أبي بكر بقول النبي ﷺ: "أبى الله ورسوله أن يصلي إلا أبو بكر" فكان ذلك دليلا على أن الله قد أراد ذلك وأوجبه، وعناه وأحبه.
فهذا دليل على أن أبا بكر لم يخالف أمر الله بتخلفه عن جيش أسامة إن كان أبو بكر ممن كان في ذلك الجيش قبل شكاة النبي ﷺ وأمره له بالصلاة.
ووجه آخر يدل على ما قلنا. وهو أنا لم نجد أحدا من المسلمين ولا من الأنصار والمهاجرين ذكروا عنه في ذلك الدهر حرفا واحدا من ذكر تخلف أبي بكر، لا عاتبا زاريا، ولا مستفهما مسترشدا، ولا متعجبا ناقما، ولا مصوبا عاذرا. ولم يذكر أحد حديثا - ضعف إسناده أم قوي - أن أحدا احتج لأبي بكر ولا عليه.
ولا يكون رجل في مثل نباهة أبي بكر وقدره، وفي مثل نباهة ما صار إليه، لأنه لا موضع أولى بشدة الحسد وكثرة الطعن منه، وقد كان منه التخلف الذي لا يخفى موضعه، مع توكيد النبي ﷺ وشدته على ذلك، ثم لا يلجأ في تخلفه إلى حجة ولا أمر من النبي ﷺ، ثم يطبق جميع الخلق في ذلك على السكوت والرضا والاستحسان أكثر مما صاروا إليه.
هذا وبنو عبد مناف شهود، وخالد بن سعيد قد ترك بيعته ستة أشهر، وقال: أرضيتم معشر بني عبد مناف أن يلي عليكم رجل من تيم؟ وقال أبو سفيان بن حرب مثل ذلك. وقالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير. وقد سمع أبو قحافة رجة وهو بمكة، وهو مكفوف، فقال: ما هذا؟ قالوا: مات النبي ﷺ، قال: فما صنع الناس؟ قالوا: أقاموا ابنك. قال: فرضيت بنو عبد مناف بذلك؟ قالوا: نعم، قال: وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم. قال: فلا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع.
وفي إطباق الجميع على السكوت على التخلف بعينه، مع قول خالد وأبي سفيان، دليل على أنهم لو وجدوا غميزة أو خلافا أو معصية لم يدعوا الاحتجاج به، والخوض فيه. ولو كانت التقية قطعتهم عن ذلك لقطعتهم عن ذكر الطعن في إمامته، كما قطعتهم عن ذكر الطعن في تخلفه.
وفي رضا أسامة وتسليمه وسكوته وقناعته حتى لا يحكى عنه في ذلك كلمة واحدة، دليل على ما قلنا.
فإن قالوا: إن أسامة قد عرف صنيعه في تخلفه ولكنه كان في تقية منه، لأن أبا بكر لو لم يكن هو المطاع في العوام، والمقنع في الدهماء، ما تقدم بني عبد مناف، وكان أسامة لا يستطيع أن يبدي في دهر عمر من ذلك شيئا، لشدة عمر في تعظيم أبي بكر، لأن الطعن في أبي بكر راجع على عمر، وأن رعية عمر هم رعية أبي بكر، وكذلك كان أسامة في دهر عثمان، لأنه نسق واحد وسبيل واحدة.
قيل لهم: فما منعه أن يتكلم في دهر علي ومع علي يومئذ مائة ألف سيف يطيعه. وهل عندكم في أسامة أكثر من أن تدعوا على ضميره غير ما يدل عليه ظاهر عمله؟ وإن أولى الناس ألا يحتج بأسامة لأنتم، لأن أسامة هو الشاهد لطلحة على علي، حين قال علي: بايعتني ونكثت بيعتي؟ قال طلحة: "بايعتك واللج على قفي"، واستشهد أسامةَ. فقال أسامة: أما السيف على قفاه فلم أره ولكن بايع وهو كاره. في أمور كثيرة تدل على أن أسامة كان عمريا، ليس هذا موضع ذكرها. فهذا هذا.
وفي إطباقهم جميعا يدعونه خليفة رسول الله من تلقاء أنفسهم، لا مكرهين ولا مقهورين، لم يرفع عليهم سوط ولا شهر سيف، ولا سمعوا وعيدا، ولا رأوا لذلك أثرا، ولا رأوا منه إمرة لبعض العشائر، فيخافون أن يتقوى بهم عليهم، مع كثرة العدد واختلاف الأنساب وتفرق الأهواء، و [في] الذي قبله، دليل على ما قلنا، وحجة على الذي ادعينا.
ومما يقرب من قولنا قول النبي ﷺ: "أنفذوا جيش أسامة" فقد يعلم المستدل أن النبي ﷺ إنما قصد بذلك الأمر في خاصته والمطاعين، لأن قوله: "أنفذوا" دليل أنه قد كان هناك من ينفذ أمره، وإليه قصد بالأمر مقنعين غير ساخطين.
ولو كان الأمر إنما كان لأسامة وأصحابه كان اللفظ على غير هذا.
فإذا كان ذلك كذلك، فمن أولى بأن يكون من المخاطبين المطاعين من أبي بكر وخليله وصفيه، على ما كتبت لك في كتابي هذا، مع أنا لم نبلغه ولم نستقصه، إما بالخوف منا والكراهة لإطالة الكتاب، وإما بالتقصير منا في معرفة جميع محاسنه.
ووجه آخر: أنك لو جهدت أن تجد لحديث من زعم أن أبا بكر كان في جيش أسامة أصلا لم تجد، وإنما أتى عامة ذلك من قبل كون عمر في ذلك الجيش، لأن عمر وأبا عبيدة كانا من أول من انتدب في ذلك الجيش.
ولما كان الناس كثيرا ما يرون عمر يجري مع أبي بكر غلطوا في ذلك في مواضع كثيرة، حتى جر ذلك على أبي بكر فرار عمر يوم أحد، فقال من لا علم له: وفر يوم أحد أبو بكر وعمر. وموقف أبي بكر والنفر من المهاجرين في يوم أحد أشهر من أن يطمس عليه جاحد.
ومن ذلك أن عمر كان في جيش ذات السلاسل، فألحقوا به أبا بكر.
فإن أبوا إلا أن يكون قد كان في ذلك الجيش فالجواب على ما قلنا.
فإن قالوا: قد سمعنا مقالتكم. ولكن ما الدليل على أن النبي ﷺ أمر أبا بكر بالصلاة بالناس؟
قلنا لهم: إنه ليس لأنه كان مأمورا بالصلاة فقط، ولكنه صلى بالناس سبع عشرة صلاة إلى أن توفى النبي ﷺ. وذلك أن النبي عليه السلام بدئ يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر، ويوم الاثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول. وهذا هو السبب عندهم.
وزعم أصحاب السير والأخبار أن النبي ﷺ كان يأمر بلالا بالأذان، فإذا وجد إفاقة خرج يصلي بالناس، وإن اشتد ما به قال: "مروا أبا بكر يصلي بالناس" فكان النبي وأبو بكر يصليان على هذه الصفة.
فإن أنكروا أن يكون النبي ﷺ أمر أبا بكر أن يصلي و [ادّعوا] أن هذه الأخبار كلها باطل، وأن العلة في هذه الأيام كلها لم تمنع النبي ﷺ من الصلاة حتى مات.
قيل لهم: أرأيتم هذا الذي قلتموه وادعيتموه، أشئ استخرجتموه أو سمعتموه؟
فإن زعموا أنهم سمعوا قلنا لهم: فأتوا بفقيه واحد أو محدث يقول كما تقولون، ويحدث كما تزعمون. وجميع ما يدعى باطل.
وإن كان إذا اعترضوا المحدثين والناقلين لم يجدوا أحدا إلا وهو يخبر بما قلنا، فالحق أحق أن يتبع. ولا يجوز أن يقولوا: إنا استخرجنا معرفة هذا المعنى، لأن الاستخراج لا يكون إلا من عيان أو خبر.
أوليس قد كان النبي موضوعا على سريره حين زاغت الشمس يوم الاثنين إلى حين زاغت من يوم الثلاثاء، يصلى الناس عليه وهو على شفير قبره وأبو بكر يصلي بالناس؟
فإن أتوا بحديث واحد أنه صلى بالناس في غير ذلك الوقت غير أبي بكر فالقول كما قالوا. وإن أتوا بحديث واحد أنه صلى بالناس غير أبي بكر أول صلاة صلاها المسلمون [حين] اختلفوا في تأمير الأمراء واستخلاف الخلفاء عليهم، كما قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فالقول كما قالوا.
وهل يستطيعون أن يزعموا أنهم قالوا: منا مصل ومنكم مصل؟
والعجب كيف لم يقولوا: إن عليا لم يزل هو المصلي بالناس والمأمور بالصلاة، فغُصب حقه وظلم مقامه؟
وكيف يجوز أن يجئ رجل من أرضه وسمائه من غير نسب ولا سبب، حتى ينفذ من أشرف المقامات، بحضرة القرابة والعشيرة، من عم وابن عم، وقريب ونسيب، وجلة المهاجرين والأنصار، والعظماء وعلية قريش، ودهماء العرب، ثم لا يتكلم في ذلك رجل واحد؟ فإنما يقول هذا من لا يعرف قدر ذلك المقام في الصدور، وكيف طبائع قريش وأنفة العرب.
فإن قالوا: كيف يكون أبو بكر إماما ولم يجتمع المسلمون على إمامته والرضا به؟ وقد قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، وقال سلمان: "كرداذ ونكرداذ". وقال خالد بن سعيد: أرضيتم معشر بني عبد مناف هذا. وقال أبو سفيان بن حرب مثل مقالته، وخرج الزبير بسيفه شادا، فلما رآه عمر قال: دونكم الكلب. وجلس علي [في] منزله واعتل بأنه آلى ألا يبرح حتى يجمع القرآن.
قيل لهم: ليس الأمر على ما تقولون. ولو كان الأمر على ما تقولون ما كان خلاف هؤلاء ناقضا لأمره. لأن الرجل إذا كان أفضل الناس وأكمله وأنفعه للمسلمين وأرده عليهم، فعليهم إقامته والتسليم له والرضا به، لأن كل ما عددت لك من فضله هم كانوا أعلم به، إذ كانوا يسافرون معا ويقيمون معا، وكانوا أعنى بمعرفة الخير وأسرع إلى العلم به منا ومن أهل دهرنا.
ولو كان أبو بكر تنتقض إمامته، وكان عليه اعتزال ذلك المقام، بخلاف رجل أو رجلين أو ثلاثة، كان أولى الناس بأن يكون له في الإمامة سبب ولاحق ومتعلق علي بن أبي طالب، لأن سعد بن أبي وقاص كان أحد الشورى وأحد الأكفاء، وقد أباه وقال قولا أبين من قول خالد وأبي سفيان وسلمان، قال: "ما أنا بقميصي هذا أحق مني بها، أعيدوها شورى، أما بالسيف فلا أريدها" وقال لرسل علي حين أرادوه على بيعته: "ثكلت أم لم تلدني، لئن كنت سادس ستة مالنا طعام إلا ورق البشام، وقد جاءني أعراب الأوس تعلمني دين الله؟" في كلام كثير.
وخالفه طلحة والزبير وهما شريكاه، وأحدهما فارس النبي ﷺ، والآخر وقايته، فقال علي: بايعتماني؟ قال الزبير: ما بايعتك قط، إن كنت على يقين أنك أولى بها فاجعلها شورى بيعة وحق دعواك من باطله.
وقال طلحة: "بايعت واللج على قفي" حين رقى إليه العساكر وطعنت عليه عائشة واستحلت محاربته. ثم اجتمع على حربه أهل الشام قاطبة، فيهم عبد الله بن عمر [و] وكعب بن مرة البهزي وكان من فضلاء أصحاب النبي ﷺ، وهو الذي قال حيث قال النبي ﷺ: "ستكون فتنة هذا فيها يومئذ على الحق" وأومأ إلى رجل مقنع، فكشف عن رأسه فإذا هو عثمان، فلما قتل عثمان وهو يكف عن القتال استنصر، فكان يحدث هذا الحديث.
ومنهم واثلة بن الأسقع الليثي، وله صحبة ونسك، والنعمان بن بشير، ومسلمة بن مخلد، وحبيب بن مسلمة، وذو الكلاع، ومعاوية بن حديج.
ومن التابعين أبو مسلم الخولاني، وشرحبيل بن السمط، وعمرو بن وافد الغامدي الذي قال [فيه] مكحول: كأنه قد مات ودخل النار وحوسب ثم رد إلى الدنيا، فمعه خوف المجرب.
ثم خالف عليه خاصة إخوانه ونساك أصحابه وأهل البصائر من جنده وحمدت حتى أكفروه وخلعوا إمامته وولايته.
وفيهم مع نسكهم وجدهم نفر من أصحاب رسول الله ﷺ، منهم فروة بن نوفل الأشجعي وحرقوص بن زهير، وفيهم من التابعين مثل رئيسهم عبد الله بن وهب الراسبي وزيد بن حصن الطائي.
ولقد دعا محمد بن مسلمة إلى عونه، واعترض آخذا بسيفه، ثم كسره وقال: أضرب المسلمين بسيف ضربت به الكافرين؟
فدعا زيد بن ثابت إلى عونه فأبى وقال: أنت والله تعلم أن لو شحا أسد فاه لألقمته كفي دونك، فأما أن أضرب بسيفي لأؤكد لك ملكا فلا.
ودعا عبد الله بن عمر فقال حين أراده على بيعته: إني لن أنزع يدي من جماعة وأضعها في فرقة. وكذلك قال حين قيل له بعد ذلك: لو بايعت أخاك عبد الله بن الزبير. قال: إن أخي وضع يده في فرقة، وإني لن أنزع يدي من جماعة وأضعها في فرقة.
وطعن عليه سعد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعلى طلحة وقال: "فتنة عمياء يخبط أهلها". قال طلحة: ابن عمك كان أعلم بي وبك حين جعلني في الشورى وأخرجك منها. قال: إن ابن عمي خانك وأمنني.
ودعا إلى بيعته وعونه أسامة بن زيد فقال: إني إذن لمفتون!
وأسامة هو الذي كان طلحة استشهده على قوله: "قد بايعت واللج على قفي" فسئل أسامة عن ذلك. فكلمه طلحة بكلام غليظ.
وقول صهيب أيضا، وسلمة بن سلامة بن وقش. كل هؤلاء السبعة [ما منهم] إلا من شهد بدرا.
وزعم ابن سيرين والشعبي أنهما قالا: وقعت الفتنة بالمدينة وأصحاب النبي ﷺ أكثر من عشرة آلاف، فقال: فما يعدون من خف فيها عشرين رجلا. فسميا حرب علي وطلحة والزبير وصفين فتنة.
وكما قال الشعبي: من حدثك أنه شهد الجمل ممن شهد بدرا أكثر من أربعة نفر فكذبه. كان علي وعمار في ناحية، وطلحة والزبير في ناحية.
وقد تعلمون أنه لم يكن في الأرض عثماني إلا تعلمون أنه منكر لإمامته، وهم أكثر عددا وأكثرهم فقيها ومحدثا. ولقد كان الرجل من أصحاب الآثار يظن به التشيع فيترك ويضعف ويتهم عند أهل العلم، حتى أنه كان يطويه ويستره أكثر مما يستر السوء يكون بجلده.
فلو كان الفاضل الكامل تنتقض إمامته وتفسد عدالته من قبل خلاف أربعة أو خمسة، لما كان في الأرض أشد انتقاصا من إمامة علي.
وأما قولكم: إن الأنصار قالت لقريش والمهاجرين: منا أمير ومنكم أمير! فهذا إلى أن يكون حجة عليكم أقرب، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله لو كان أقام عليا وجعله خليفة ووصيا ونص على ذلك بغدير خم، أو في بعض المغازي، ما كان بلغ من حربهم وعنودهم أن يقولوا هذا الكلام والإمام قائم الحجة معروف المكان.
وكيف جاز أن يلغوا ذكره حتى لا يذكرونه في شئ من مخاطباتهم ومنازعاتهم إلا والقوم لم يكن عندهم فيه عهد ولا سبب. فهذه حجة قاطعة.
وأخرى: الذي رأينا من قلة مبالاتهم من أقامه المهاجرون كائنا من كان، لأن قولهم: منا أمير ومنكم أمير، قول قوم كأنهم قالوا: لا بد لنا معشر الأنصار من أمير على حال، وأنتم بعد أعلم بشأنكم فأمروا عليكم من بدا لكم. وليس في هذا طعن على خاصة أبي بكر، كما أنه ليس فيه تأكيد لإمامته دون غيره.
وهذا قول كان من نفر من الأنصار في سقيفة بني ساعدة، قبل أن يقوم فيهم أبو بكر خطيبا وواعظا، ومبينا ومحتجا. فلا يستطيع أحد أن يقول: إن أحدا منهم رد على أبي بكر خاصة كلمة واحدة. فليس في قولهم: منا أمير ومنكم أمير، خلاف على أبي بكر، وإن كان خلافا فإنما هو على الجميع.
وإن كان هذا الكلام منهم حجة ما كان إلا على من زعم أن الإمامة غير واجبة، أما على من زعم أنها لأبي بكر دون علي فإنها غير لازمة.
ولعمري لو كان القوم حيث قالوا: منا أمير ومنكم أمير قالوا: ولا يكون أميركم إلا علي أو فلان أو فلان، أو قالوا: الرأي لكم أن تجعلوا أميركم عليا أو فلانا أو فلانا، كان في ذلك ما يتعلق به متعلق ويشغب به شاغب. وهذا ما لا يحتج به عالم، لأن الحجة فيها للرافضة ألزم، وعليها أوكد.
أما قولهم أن سلمان قال ما قال، فإنما سلمان رجل من عرض المسلمين، لا يصلح أن يكون خليفة، ولا يجوز أن يكون في الشورى ومع الأكفاء، فتنتقض به مريرة أو تبرم به، لأسباب:
منها أنه ليس من المهاجرين، ولا ممن شهد بدرا ولا أحدا، ولا لقي في الله ما لقي نظراؤه عند الناس كبلال وصهيب وخباب وعمار، ولا كان من الذين آووا ونصروا، وذكروا في القرآن وقدموا.
وكان حديث الإسلام قليل المشاهد، وإنما أسلم حين انحسرت الشدة وانكشف عنهم معظم الكربة، ولكنه كان من الصالحين ومن الفضلاء المخلصين، وكان عند النبي ﷺ وجيها، وعند خلفائه مقربا، وقد قال النبي فيه قولا حسنا، ولكنه ليس من الأكفاء في الإمامة وموضع الشورى والخلافة، فيكون قوله حجة تنتقض به الإمامة، وطعنه عليه يصرف الخلافة.
ثم آخر: أنا قد وجدناه ولي لعمر بن الخطاب على المدائن، يقيم له الحدود ويجبي له الخراج، ويدعو له على المنبر، ويؤكد له خلافته، وينفذ أمره، مطيعا غير مكره، ومخلى غير مقصور، فولايته لعمر دليل على تصويب أبي بكر، ومطيع عمر أذعن لأبي بكر، ومعظم عمر أشد تعظيما لأبي بكر.
ولقد كان يخرج آذن عمر والناس ببابه فيجعله في الفوج الأول. حتى روي عن أبي سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو في ذلك كلام مشهور: من ذلك أنهم كانوا بباب عمر في جلة من قريش والعرب، مثل عيينة بن حصن وغيره، إذ خرج آذن عمر فقال: أين بلال؟ أين سلمان؟ أين صهيب؟ أين عمار؟ ادخلوا. فتغيرت وجوههم واستبان الجزع فيهم، فأقبل عليهم سهيل بن عمرو واعظا ومعربا ومذكرا، فقال: دعوا ودعينا، فأسرعوا وأبطأنا [ولئن حسدتموهم] على باب عمر لما أعد الله لهم في الجنة أعظم.
فما في الأرض عاقل يظن أنه يأذن لسلمان قبل أبي سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو، ويوليه بلاد كسرى وآل كسرى، وسلمان عنده ظنين في بيعة أبي بكر وناقم عليه.
وقد بارك عمر أبا بكر في خالد بن سعيد بن العاص، حين عقد له على أجناد الشام، لكلمته التي كانت في بيعة أبي بكر، حتى عزله.
فكيف يحتمل لسلمان الطعن والخلاف ثم لا يرضى له إلا بالولاية على بلاد كسرى، وسلمان لا يجري عند عمر مجرى خالد ولا قريبا؟
ففي هذا دليل على أن سلمان لم يقل: "كرداذ ونكرداذ". وإن كانت هذه الكلمة حقا كانت ترجمتها بالعربية: صنعتم ولم تصنعوا، يقول: قد أقمتم فاضلا مجزيا ولو كان غيره كان أفضل منه.
وأخرى فلو كان سلمان كان عنده أن النبي ﷺ كان قد استخلف عليا ونصبه إماما وجعله وصيا لم يقل: صنعتم ولم تصنعوا، إلا أن قوله: "صنعتم" تثبيت لإمامته، فكأنه قال: هو إمام، لو كان غيره كان خيرا لكم منه. وليس على هذا بني القول.
ولو احتج بهذا القول الزيدية كان أشبه من أن يحتج به الطاعن في إمامة أبي بكر حين قال: ارتد الناس كلهم عن الإسلام بإنكارهم إمامة علي والتسليم لمن أنكر، ما خلا أربعة نفر: سلمان والمقداد وأبو ذر وبلال. ثم زعموا أن حذيفة وعمارا تابا بعد عمر.
ولئن كان بلال كما قالوا من الطعن والخلاف على أبي بكر وعمر، لقد شاركهما حيث ولي لهما دمشق، لأن عمر كان ولى بلالا دمشق، فكان أنفذ لامره من أبي عبيدة.
وكيف يكون بلال طاعنا على أبي بكر وعمر حتى قد شهر بذلك من بين الخلق وعمر يوليه، ويقربه ويدنيه، ويقدم إذنه، ويلحق عطاءه بعطاء عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد، ويقول: "بلال سيدنا ومولى سيدنا" ومرة يقول: "أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا".
ولا يجوز هذا القول من عمر من يجوز طعن بلال على أبي بكر، إلا جاهل بعمر، جاهل بأمر السلطان، وعز الخلافة.
فأما ذكرهم المقداد، فما علمنا ولا علم أصحاب الآثار أنه نطق في خلافة أبي بكر وفي نقضها، وفي خلافة علي وتوكيدها، بحرف قط، ولا وقف في ذلك موقفا، ولا قام في إنكاره [أ] و تثبيته مقاما، وما ندري بأي سبب ادعوه، إلا أن يكونوا ذهبوا إلى أن عليا رحمة الله عليه ربما كانت له الحاجة إلى النبي عليه السلام، فيكبر النبي ﷺ ويعظمه عن مواجهته بها، فيكلف ذلك المقداد.
من ذلك حديث هشام بن عروة عن أبيه في الرجل إذا دنا من المرأة فأمذى ولم يمسها، فاستحيا علي أن يسأل النبي ﷺ عن هذا من أجل ابنته، فقدم المقداد فسأله، فقال النبي عليه السلام: "يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ". وغير ذلك.
والأغلب علينا أن المقداد لم يزل متنكرا لعلي، لأن المقداد حين خطب ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب إلى النبي ﷺ، بعث النبي إليها عليا بذلك يخبرها، وأنه قد رضيه لها، فكره علي ذلك، فرجع إلى النبي ﷺ وقال: رأيتها كارهة، فأرسل النبي إليها رسولا فقالت: أولم أخبر عليا أنني قد رضيت لنفسي بما رضي به النبي؟ فقام النبي ﷺ خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "يا علي قم فانظر من عن يمينك وعن شمالك. واعلم أنه ليس لك فضل على أسودهم وأحمرهم إلا بالدين". فهذا قد روي. والله أعلم.
ولم يرو عن المقداد الطعن على أبي بكر في خلافته ليؤكد بذلك لعلي شيئا.
وأقل ما ينبغي للمتكلم أن يعرف فروق الأمور، فإنه إذا عرف ذلك لم يتعلق من الأسباب إلا بأمتنها. فأما تجريد الباطل وكثرة الدعوى بلا سبب، فهذا جهد العاجز.
ولربما تعلقوا بالسبب الضعيف، كالذي وجدوا لعمار بن ياسر من عداوة عثمان، وصنيع عثمان به، فلما كان عثمان عندهم في طريق عمر وأبي بكر وفي حيزهما جعلوا طعن عمار عليه طعنا عليهما، واحتجاج عمار لعلي احتجاجا عليهما.
ولو اجتهدت أن تصيب لعمار موقفا واحدا أو كلمة طاعنة على أبي بكر وعمر وعثمان، فضلا عليهما قبل إحداثه وقبل أن يجرى بينهما ما جرى، ما قدرت عليه.
وهل كان لعمر وال أنفذ لطاعته من عمار؟ ولقد رفع عليه جرير بن عبد الله، فجمع بينهما طمعا في ظهور حجته، والضرح عن نفسه، فلما لم يجد ذلك عنده قال: ما عندنا خير لك يا أبا اليقظان.
ومن أجل ضعف عمار في الولاية وقوة المغيرة حين شكاهما أهل الكوفة قال عمر: "أعضل بي أهل الكوفة، إن وليت عليهم تقيا ضعفوه، وإن وليت عليهم قويا فجروه".
فإذا كان عمار يخطب على منبر الكوفة بتوكيد إمامة عمر، ويأمر الناس بطاعته، ويقيم الحدود والأحكام بأمره، ويفتح الفتوح بتأميره، فيرى القتل والسبي وإحلال الفروج، غير مكره بوعيد ولا مقصور بإيقاع، فأي دليل أدل مما حكيناه.
ولو أن طاعنا طعن في طاعة سهل بن حنيف وعثمان بن حنيف وأبي أيوب الأنصاري وأبي مسعود البدري، لعلي، هل كان عندكم في دفع ذلك إلا مثل ما عندنا من الدفع عن طاعة سلمان وبلال وعمار وأقل منه.
فأما أبو ذر فزعم أصحاب الآثار أنه كان يعظم عمر بن الخطاب تعظيما ما عظمه أحد قط. فمن ذلك أن عمر صافحه يوما فعصر يده وكان أيدا، فصاح: يا قفل الفتنة! ومسح من وجهه العرق بباطن راحته، وعمر موعوك وهو يقول: بأبي رحضاؤك لو قدمت صرنا هكذا - وشبك بين أصابعه - أوجعتني! فخلاه وقال: ما هذا؟ فقال سمعت النبي ﷺ يقول: "لن تزالوا بخير ما كان هذا بين أظهركم".
وقال عمر لشاب: غفر الله لك! فقام إليه أبو ذر فقال: استغفر لي! وهو حديث فيه أمور كثيرة.
ولو لم يجئ عن أبي ذر من هذا قليل ولا كثير لكان حكمه الرضا والتسليم، إذ لم نر منه طعنا ولا رأينا له متوعدا.
ولو اعترضتم مائة من أصحاب النبي ﷺ فقلتم: إنهم كانوا طعانين على أبي بكر مؤكدين لخلافة علي، ما كان عندنا في أمرهم حديث قائم ولا خبر شاهد، أكثر من أن حكم الممسك عن الطعن والخلاف هو الرضا والتسليم.
ولقد ينبغي لنا ولكم أن نتفكر في معنى كلمة سلمان فقد أكثرتم فيها، حيث قال صنعتم ولم تصنعوا، ومعنى هذا الكلام: إنكم قد أقمتم مجزيا وتركتم من هو أجزأ منه، فيجب أن نعرف الخلل الذي لم يسده أبو بكر ... التي لم يبلغها، والموضع الذي عجز عنه، ما هو؟ وأي ضرب هو؟ إلا أن امتحن بما لم يمتحن به أحد قبله، ولا يمتحن به أحد بعده، من قيامه في مقام رسول الله ﷺ، في عقب الذي تعود المسلمون من طريقته، وتعرفوا من سيرته في نفسه وفي أمته، ثلاثا وعشرين سنة - وهي السيرة التي لا تحتاج إلى الأخبار عن فضلها، والإطناب في تشريفها - فلم يغادر ولم ينحرف ولم يتغير، ولم يؤثر ولم يضعف.
وقد علمنا أن الذي عظم صغير ما كان من أمر عثمان، وشنع عظيم ما كان منه من الضعف وغير ذلك، الذي كان من إفراط جلد عمر، وشدة رأيه وشكيمته، ويقظته وخشونته، وثبات عزمه، وحمله نفسه على مذهب صاحبيه قبله. ولذلك قال عن ثلاث: "ما قتل عثمان غير عمر". فالفصل الذي بين النبي ﷺ وأبي بكر أكبر وأظهر من فصل ما بين عمر وعثمان. ولذلك قال عمر بن عبد العزيز: "ليس لله ستر أكثف ولا أسبغ من ستره على الصديق حين لم يتكشف إذ قام يعقب النبي ﷺ".
وقد تعلمون أن لو كان النبي غائبا عن المدينة في غزاة أو حجة، وارتدت العرب وانتقضت العهود وظهر النفاق وماج الناس، فوثب رجل من عرض أصحابه، فلم يزل باللين والشدة، والكف والإقدام، والبطش والحيلة، حتى رده في نصابه، وأعاده كأحسن عادته، ببذل النفس فما دونها، لقد كان صنع صنيعا عظيما، وفعل فعلا كبيرا.
فكيف برجل قام بأمر الإسلام، وقد هتكت أستاره وتقطعت أطنابه ومرجت عهوده، منفرد بالرأي غير مستعين عليه، ولا مستوحش إلى غيره، بل خالفه الجميع في صوابه وما أوجده الرأي، ودل عليه النظر من عزمه، وقد أبى إلا صرامة وبصيرة وثقة، والنبي ﷺ قد مات غير مخوف ولا متوقع قدومه، فرد أهل الردة قاطبة ما بين أعلى الحيرة إلى شحر عمان إلى أقاصي اليمن، وقمع النفاق بالمدينة وما حولها، وقتل مسيلمة واستفتح اليمامة، وأسر طليحة، ثم أوطأ خيله الشام، وجند الأجناد، ومنع الحوزة، ووطأ الأمر، وقتل العدو بكل مكان. ثم لم يستأثر بدرهم، ولم يكنز دينارا، ولم يخلف درهما، ولم يتفكه بغنيمة، وجعل عمالته مردودة على بيت مال المسلمين، ولذلك قال عمر: "رحم الله أبا بكر لقد شق على من بعده".
فما الشئ الذي لو كان علي هو القيم به كان أجزأ منه، وبلغ منه ما لم يبلغه. وكيف يكون علي أجزأ منه ولم تغلق الفتوح إلا في زمانه، ولم تكن الفتن إلا على رأسه، ولم تخرج الخوارج إلا عليه. وهذا باب الكلام فيه على علي، ولكنا إذا فعلنا ذلك فقد دخلنا في الذي عبنا.
مع أنك لو طفت في الآفاق تطلب لكرداذ ونكرداذ إسنادا. ولكنا قد روينا أن سلمان قال: "أصبتم الحق وأخطأتم المعدن" فنرى أنه إن كان قال هذا القول فإنما ذهب إلى أن الأمر لو كان في بيت النبي ﷺ وعلى التوارث الأقرب فالأقرب، كان أجدر ألا يطمع فيه ذؤبان العرب ودهاة العجم، على غابر الأيام، وتطاول الدهور.
وسلمان رجل فارسي، وهذا كان شاهد كسرى، فتوهم أن حكم الكتاب والسنة كحكم تدبير السر والقائمين بالملك، فإنما تكلم على عادته وتربيته.
ولعمري لقد كان في قوم قد ساسوا الناس سياسة ورتبوهم ترتيبا، يقطع عن الطمع في الملك بآيين: لم يجعلوا للصانع أن ينتقل عن صناعته إلى الكتابة، ولم يجعلوا للكاتب أن ينتقل من كتابته إلى القيادة، ولم يجعلوا لأبنائهم إلا مثل ما كان لآبائهم، ليعودوا الناس عادة يستوحشون معها إلى الخروج منها.
وإنما حسن هذا في ملكهم إذ كان بالرأي والغلبة، ولم يكن لأهله أمثل من التدبير والحكم، لم يكن شأنهم الأخذ بالكتاب والسنة. وسبيل الإمامة غير سبيل الملك.
فإن كان سلمان إلى هذا المعنى ذهب، وإياه عنى، فإنما قوله حجة للعباسية لا للعلوية.
وسنخبر عن مقالة العباسية ووجوه احتجاجهم بعد فراغنا من مقالة العثمانية، بغاية ما يمكن من الاستقصاء، وإنصاف البعض من بعض، لتكون أنت المختار لنفسك بعقلك، والأقاويل ظاهرة مجلية لذهنك. فلئن أعجزك الاختيار الأرجح بعد الكفاية إنك عن استنباطه وتخليصه أعجز.
وقد ذكر هشيم، عن العوام بن حوشب عن إبراهيم التيمي قال: قال سلمان حين بويع: "أصبتم حين بايعتم وحيد الناس، وأخطأتم حين عزلتموها عن أهل بيت نبيكم، ولو وضعتموها فيهم لأكلتم رغدا".
وهذا حكم من سلمان أن أبا بكر خير من علي ومن جميع الناس، والناس على خير الناس أصلح منهم على من دونهم.
وأخرى: أن سلمان حين قال: "كرداذ" كما زعمتم، لو لم يكن عندكم عظيم القدر نبيل الرأي، قدوة عند الاختلاف، لم تسمعوا قوله بهذا المكان، حتى صار مثل طعنه وخلافه، ينقض إمامة الأئمة، وتتخذونه على خصمائكم حجة.
وإن كان سلمان على ما قد وصفتم، وبالمكان الذي وصفتم من الحكمة والبيان، فما دعاه إلى أن يكلم العرب والاعراب بالفارسية، وهو عربي اللسان فصيح الكلام، وهو يعلم أنه لم يكن بحضرة المدينة فرس ولا من يتكلم بالفارسية ولا من يفهمها. وهو إنما أراد الاحتجاج عليهم والاعذار إليهم، وأن يقضي حق إمامة علي ويقوم بشأنه.
وقد ينبغي لمن بلغ من صدق نيته وفرط اجتماع لبه وشدة عزيمته أن يتكلم في دار التقية لا في دار العلانية، حتى خاطر بنفسه وبكل شئ يهوله، ومن شأنه أن يفهم الحجة، ويوضح الموعظة، ويبين عن موضع المظلمة، وإلا فسكوته أحسن من الفارسية.
وكيف فهمت معناه العرب وهي لا تعرف من الفارسية قليلا ولا كثيرا، ولم يكن للنبي ﷺ ترجمان يعبر عنه للفرس فيكون ذلك الترجمان كان حاضرا لكلامه، فيفسر للناس معناه.
وكيف نقلت عنه الصحابة إلى التابعين وكل من كان بحضرة القوم حين بايعوا أبا بكر لا يفهمون الفارسية، ويكون سلمان حين تكلم بها استرابوا عندها فسألوه عنها ففسرها. ولو كان ذلك كذلك لحكاه الذين نقلوا الحديث، فكان ذلك أحب إلى الروافض، لأنهم إنما نقلوه ليعرفوا من كان الطاعن على أبي بكر. والطعن كلما كثرت فيه المراجعة والمناقضة، وطال سببه، وعرف علمه، كان أدل على الشهرة والاستفاضة، وأن الأمر كان حقا معروفا.
فواحدة أن الأمر لو كان كذلك لكانت الروافض أسرع الناس إلى حكايته، لتستشهده على الدعوى، ولتقوي به الحديث، وتشد به الحجة.
وثانية: أن الناقلين أنفسهم كانوا سيحكونه، إذ كانوا إنما حكوا نفس الكلمة ليعرفوا أنه قد كان هناك خلاف، ويدلونا على أن سلمان كان ممن خالف، وممن له هذا القدر الرفيع الذي يحتج بخلافه.
وأخرى: أن ذلك لو كان قاله سلمان، وهو طعن على أبي بكر، كان مشهورا عند عمر وعثمان وأبي عبيدة وسعد وعبد الرحمن، وهؤلاء عندكم شيع أبي بكر. فكيف أطبقوا على ترك التكلم على سلمان، والدار دارهم والحكم حكمهم، ومعهم الرغبة والرهبة، مع أن الجرأة على سلمان أيسر وأسلم مغبة من الجرأة على أبي بكر. وقد أطبقت على طاعته الأمة خلا أربعة نفر: أحدهم سلمان، وليس سلمان معروفا بالنجدة وشدة الشكيمة، ولا وراءه ظهر يمنعه، فكيف لم يزجره عن ذلك زاجر، ولم يدفعه عن ذلك دافع، ولم يناظره مناظر، ولم يتعجب منه متعجب، ولم يرفع ذلك رجل إلى أبي بكر كما رفعوا إليه قول خالد بن سعيد.
فإن قلت: إن أبا بكر كان مداريا يتسع صدره لأكثر من هذا، كما اتسع صدره فلم يعاتب خالدا ولا أراده على بيعته. كيف سلم على حدة حكم، فأين جد عمر وحده وقلة احتماله، واعتقاده لمثل هذا؟ وكيف [سلم] طلحة مع شدة بأوه وصرامته.
ولا نعلم شيئا مما ادعوه أظهر باطلا ولا أفسد معنى من قوله "كرداذ ونكرداذ".
وأما ما ذكرتم من ترك خالد بيعة أبي بكر ثلاثة أشهر، فإن الذين نقلوا هذا هم الذين نقلوا أن خالدا يوم توفي النبي ﷺ كان على صدقات اليمن، فقدم بعد أن بايع الناس أبا بكر، فلما دخل المدينة استقبله عثمان وعلي، فقال لهما: أرضيتم معشر بني عبد مناف أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم؟ فلم يذكر لنا أنهما ردا عليه قولا، ولا أظهرا قبوله. ثم جلس عن بيعته لا يسأله ذاك أبو بكر ولا يدعو إليه، فبينما هو كذلك إذ مر أبو بكر بدار خالد مظهرا لبعض الأمر، وخالد في داره. فسلم عليه أبو بكر فقال له خالد: أتحب أن أبايعك؟ قال: أحب أن تدخل في صالح ما دخل فيه المسلمون. قال له خالد: موعدك العشية، فأتاه وهو على المنبر فبايعه.
ففي هذا وجوه من الكلام:
منه أن خالدا لم يطعن في إمامة أبي بكر من جهة الجزء والكفاية والكمال والفضل، ولا من طريق ما تفسد به الإمامة وتنتقض به الخلافة؛ وإنما ذكر الحسب وطرائق الجاهلية. وهذا الأمر إن كان مقصورا في قوم دون قوم، فليس هو في بني عبد مناف عامة. وإن كان ليس [مقصورا] في قوم، وليس لقول خالد معنى، فإن كان مقصورا في عبد مناف للشرف أو للقرابة، فالعباس أولى بذلك من علي وجميع عبد مناف.
ولو أراد عليا لم يقل: أرضيتم بني عبد مناف؟ لأن عثمان وعليا منافيان، بل كان يقول: أرضيتم معشر العترة، أو معشر بني هاشم ومعشر بني عبد المطلب. مع أنه لو قال ذلك لكان للعباس في ذلك القول من السبب ما ليس لعلي، لأن هذا الأمر إن صلح أن يخرج من رهط النبي ﷺ دنيا، ومن أقرب الناس إليه، إلى أقصى بني عبد مناف، لصلح أن يخرج إلى أقصى بنى كلاب. فإذا كان ذلك كذلك فتيم وعبد مناف سواء.
ومما يدلك على أن خالدا لم يقل شيئا، أن هذا الأمر إن كان إنما يستحق بالعلم والعمل والجزء والغناء فليس لذكر عبد مناف معنى.
وإن كان هذا الأمر لأفضل قريش كائنا من كان فلم يقل خالد شيئا، وليس لذكر عبد مناف معنى.
وإن يكن هذا الأمر في أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله فلم يصنع خالد شيئا.
وإن يكن هذا الأمر لرجل بعينه قد نصبه النبي ﷺ ودل عليه فلم يصنع خالد شيئا، لأنه كان ينبغي له أن يسير بالمنصوص أو بالمدلول عليه.
أو يكون هذا الأمر لا يصاب إلا من طريق الوراثة. فإن كان ذلك كذلك فلم يصنع خالد شيئا، لأن صاحب الوراثة أظهر أمرا وأشهر موضعا من أن يحتاج إلى كلمة ليست بأن تدل عليه بأقرب منها من أن تدل على خالد نفسه.
ووجه آخر: أنه قصد بكلامه إلى عثمان وعلي جميعا، ليهزهما معا. لأن هذا اللفظ الأغلب على ظاهره حب العصبية، والمحاماة على الأحساب، وترك التخاير بالأفعال، والتفاضل بالجزء والكمال.
ولعله أراد عثمان دون علي، أو لعله أراد نفسه والتذكير بها والتنبيه عليها، فإنه كان أشرف من عثمان وأقدم إسلاما منه، وكان من مهاجرة الحبشة، وكان ذا قدر عظيم، وهو ابن أبي أحيحة. وكان أبو أحيحة إذا اعتم بمكة لم يعتم بها أحد، إكبارا لقدره وتفضيلا لحاله.
وكان عثمان لائحا ... سعيد بن العاصي.
وظاهر كلام خالد وقع على عبد مناف جملة، وهو يرى أنه في السر منهم. فإن كنتم أردتم أن تخبروا عن خلاف خالد على أبي بكر وجلوسه عنه، فلقد كان ذلك حتى راجع من تلقاء نفسه، وثاب إليه عازب رأيه، فأناب إلى خطته، ودخل في صالح ما دخل فيه غيره. وما كان تخلفه عن بيعته إلا ريثما ذهبت عنه حميته، وانجاب عن ... وتيقظ من نومه.
وما ذلك بأعجب من اجتماع الأنصار وقوله للمهاجرين الأولين: "منا أمير ومنكم أمير"، والدار دارهم، والمهاجرون ضيفانهم ونزول فيهم. وهم أول الناس والعدد والصلاح والرأي، فكانوا مجلبين جادين مجدين، فما هو إلا أن هجم عليه الصديق وقام فيهم مرشدا ومحتجا، [حتى] استبدلوا بالخلاف طاعة، وبالضجة إطراقا، وبالأنفة خضوعا، وبالطيش حلما، وأنصتوا معا واستمعوا معا.
وكأن السائل إنما أراد تعريفنا أنه كان من خالد خلاف. فقد كان ذلك ثم رجع إلى نفسه وعرف موضع خطئه، غير مرغوب ولا مرهوب.
وإن كان إنما أراد أن يجعل هذا وشبهه حجة في إمامة على فليس لعلي رحمة الله عليه في ذلك من الحجة على إمامته قليل ولا كثير، إذ لم يذكروه في شئ من أمورهم، لا في يسير أمرهم ولا عسيره. ولو ذكروه ما كان لذكرهم دليل على أنه أولى بالإمامة من أبي بكر، مهما عددنا عليك من خصاله التي لا يفي بها علي ولا غيره.
وإنما كان يكون هذا الإدخال حجة لو قلنا: إن أحدا لم يخالف أبا بكر.
ورضى الجميع وسكونهم وصوابهم لم يكن ليتهيأ أبدا، حتى لا ينطق أحد بحرف واحد لا جاهل ولا عالم، ولا عصي ولا حاسد.
وكيف يتفق إطباقهم على سكون واحد والناس من بين حاسد وراض، وعصي وتقي، وحليم وسخيف، وغالط ومصيب، وعاقل وأحمق؟
وإذا كان النبي ﷺ مع رجاحته على جميع الخلق لم يسلم على أمته [من] المستجيبين له، فضلا على جاحديه والمنكرين له، كان أبو بكر أجدر ألا يسلم من رعيته.
ولقد قام رجل إلى النبي ﷺ فقال: والله يا محمد ما عدلت في الرعية، ولا قسمت بالسوية. وقال الله: {ومنهم من يلمزك في الصدقات} وقال: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات}.
وقال عباس بن مرداس:
أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع
فما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس من المجمع
في شعر له طويل.
وقال أبو حذيفة بن عتبة يوم بدر: يقتل أبناءنا وأعمامنا وينهانا عن عشيرته، والله لئن أدركته لألجمنه بالسيف!
وخالفوا عليه في يوم الحديبية في نحر الهدي، وحيث قالوا: "لا نعطي الدنية" مرة بعد مرة. في أمور كثيرة.
فليس في طعن الطاعن دلالة إذا كان المطعون عليه كاملا فاضلا.
وإجماع الناس كلهم على الصواب أمر لا ينال، ولكن إذا كانت الأمة قد أطبقت على طاعة رجل على غير الرغبة والرهبة، ثم لم يكن اغترارا ولا إغفالا، فليس في شذوذ رجل ولا رجلين دلالة على انتقاض أمره وفساد شأنه.
وليس يحتج بهذا وشبهه إلا رجل جاهل بطبائع الناس وعللهم، ولو كان هذا وشبهه ناقضا لإمامة أبي بكر، كانت إمامة علي أنقض وأفسد، لأن الدنيا انكفت بأهلها عليه وماجت بساكنيها ... من ولايته، وتداعت من أقطارها، تريد محاربته، حتى لقد نازعه فيها من ليس في مثل حاله ولا شرف موضعه، ولا في فضيلة دينه فناهضه الحرب، ونازله القتال ... بيعته، والتج عليه الخلاف من أهل طاعته، وموضع الجد في عسكره، فرد بأسه في أصحابه، وصرف كيده إلى جنده، وجلس خلي الذرع، رضي البال، [في] عجب الفاتن وسرور المخادع، وعز المصيب، وبأو الأريب. ثم بعث رسولا قد اختاره بالحكم عليه وله، وبعث خصمه رسولا قد اختاره بالحكم عليه وله. فكان رسوله المخدوع، ورسول خصمه المخادع. ثم رجعت الأمور إلى خصمه، وانتزعت منه ومن ولده مرة بالبطش، ومرة بالحيلة.
ثم كان يرى من خلاف أصحابه واضطراب جنده وتبديل أصحابه مثل ما يرى خصمه من طاعة خاصته، ونصرة جنده، وثبات عهد أصحابه. فلم يكن ذلك عارا عندنا ولا عندكم على علي، ولا دليلا على نقص رأيه وضعف حزمه، وسعة علمه وكثرة فضله، وقد أصابه من الخلاف والتعذر وانتشار الأمر واضطراب الحبل وظفر الأعداء وشماتة الحساد، ما قد رأيتم. ثم قد جئتم تشبثون بطعن سلمان، وقول أبي سفيان، وقعود خالد، كأنكم لم تعرفوا ما عند خصومكم، غرارة ونقصا.
وأعجب من هذا أنكم مرة تزعمون أن الذي حمل بني أمية على صرف الإمامة عن علي الضغن الذي في نفوسها، والأحقاد التي في صدورها، لقتل علي أبناءها وإخوتها وأعمامها. ومرة تعتلون وتحتجون في نقض إمامة أبي بكر بطعن عظيمي بني أمية في إمامته كعلي، كخالد بن سعيد وأبي سفيان بن حرب. وإذا شئتم كانا لكم، وإذا شئتم كانا عليكم.
وأما ما ذكرتم من قول أبي بكر: "ما كانت بيعتي إلا فلتة"، وقول عمر: "ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة وقى الله شرها" فإن الأمر على هذا واضح، والحجة فيه قائمة.
وهو أن النبي ﷺ لما توفي كان الناس على طبقات:
من رجل مؤمن عالم، ناصح لله ورسوله.
ومن رجل مطاع ليس له علم بالإمامة، وما السبب الذي به تنعقد من السبب الذي به تنحل.
ومن رجل مكانه في قريش أشرف من مكان أبي بكر، وليست غايته صلاح المسلمين، إنما غايته أن يكون الإمام من أقرب القبائل إليه، ليزداد هو وقومه بذلك شرفا وفخرا.
ومن رجل له قرابة فهو يرى أنها تغنيه عن العلم والعمل.
ومن رجل شديد في بأسه، ضعيف في دينه، مخف في ذات يده، بعيد الهمة حامل في هدوء الناس وأمنهم، فهو لا يألو إضرام الفتنة، وتهييج السفلة، يرى أن في الهيج ظهور نجدته، وخروجه من الخمول إلى النباهة، ومن الإقلال إلى الإكثار.
ومن رجل دخل في الإسلام مع من دخل في دين الله، دخل من الأفواج. لا يعرف حقيقته، ولا يستريح به إلى الثقة.
ومن رجل أخافه السيف، واتقى الذل والقتل بإسلامه ونفاقه، كمنافقي المدينة ومن حولها من أهل القرى والبادية، يعضون على المسلمين الأنامل بالغيظ، وهم البطانة لا يألون خبالا، يترقبون الدوائر، وينفرجون إلى الأراجيف، ويستريحون إلى الأماني.
ومن رجل صاحب سلم، يدين لمن غلب، لا يدفع مبطلا ولا يعين محقا. يرى أن صلاح خاصته هو صلاح العامة.
ثم الذي كان من وثوب الأنصار، وهم أهل العدد وأصحاب الدار والأموال، على أمر لو تابعهم المهاجرون عليه حتى يكون من كل فرقة أمير، لفتحت بذلك بابا من الفساد لا يقوى أحد على سده، ولكان الذي يقع بين الأوس والخزرج في الأمر أشد مما كان يخاف منها ومن قريش، لأن القرابة كلما كانت أمس، والجوار أقرب، كانت العداوة على قدر ذلك.
ولو أن الأنصار حين أتاهم أبو بكر فأظهروا الشقاق والخلاف ... عن الحق وجهلوه، ما كان لهم دون البوار مانع، ولكان غير مأمون وثوب من بالمدينة ومن حولها من المنافقين وأشباههم، من الحشو والطغام، ولكان غير مأمون أن ينضم إليهم من حول المدينة من المرتدين، ممن بدل إسلامه ساعة بلغته وفاة النبي ﷺ. ولو صاروا إلى ذلك لكانوا أقوى من المهاجرين والأنصار، إذ كانوا جميعا نشرا وقلوبهم شتى، وبأسهم بينهم. ولكان غير مأمون عند ذلك أن يغزوهم مسيلمة في أهل اليمامة قاطبة مع من حولها من أهل البادية. ثم كان غير مأمون أن يستمد بجميع أهل الردة ممن نكث ونصب العداوة.
وجميع ما قلنا إنه كان غير مأمون، لم نقله إلا بأسباب قد كانت هناك قائمة معروفة، فما عسى نقمه المهاجرون والأنصار على ما وصفنا ونزلنا.
فقد صدق أبو بكر وصدق عمر أن تلك البيعة كانت فلتة وأعجوبة وغريبة، إذ سلمت على كل ما وصفنا من أسباب الهلكة، وهي سربخ، وليس دونها ستر ولا رد. فكانت بيعته يمنا وبركة أنقذ الله بها من الهلكة، وجمع بها من الشتات، ورد بها الإسلام في نصابه، بعد تخلعه واضطرابه. فأماتت السخيمة، وأودعت القلوب السلامة، وجمعتها على الألفة.
وهذه مكرمة وعطية، ولا يجوز أن يحبو بها خالق العباد إلا نبيا أو خليفة نبي.
فأما قوله: "ما كانت بيعتي إلا فلتة وقى الله شرها"، فقول امرئ عالم بالعواقب، عالم بأسباب الفتن، شديد الشفقة منها، حامد لربه على السلامة منها.
أوما علمت أن أبا بكر بينا هو يخطب على المهاجرين في مسجد النبي ﷺ، والنبي مسجى، وهو يحتج عليهم ويعرفهم سرفهم، واعتداءهم في قولهم: "إن النبي ﷺ لم يمت"، وقد خاف أن يصير بهم الإفراط في التعظيم والغلو في الحب، أن يضارعوا مذهب النصارى، وخاف أن يكون آخر أمرهم أشد من أوله. وكان أشد الأمور عليه في ذلك أن مثل عمر وعبد الرحمن وعثمان، هم الذين كانوا خرجوا إلى ما لا ينبغي من القول، فبدرهم بالخطبة محتجا عليهم ومعرفا لهم مواضع غلطهم، ونحس إفراطهم، فحين تبين لهم خطؤهم وسلموا لاحتجاجه عليهم، أتاه آت فقال: إن الأنصار قد اجتمعت إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، يقولون: منا أمير ومنكم أمير، فراعه ذلك، وصور له الحزم كل مخوف، فعلم أن الداء الذي عنه نطقوا أشد علاجا من الداء الذي نطق عنه عمر وعثمان وعبد الرحمن، والنفر من المهاجرين الذين قالوا: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله لم يمت، وعلم أن إبراء كل سقم أهون من إبراء سقم الحمية والطمع في الملك، ولا سيما إذا شابهما سوء تأويل، وضافرهما الحس بالقوة. وهذا لهو الداء العضال والداهية العقام.
فلما انتهى إليه أمرهم، وعرف جميع ما عليه طبائعهم وعللهم، وطبائع أتباعهم، لم يكن شئ أهم إليه من البدار إليهم قبل أن يستفحل الشر، ويتمكن العزم. فمر حثيثا وتبعه عمر، ولحقه أبو عبيدة في نفر من قريش، فيمر بالناس حلقا عزين، وهم يبكون ويتحدثون، فيقبل عليهم فيقول: أنتم جلوس تفركون أعينكم وفي الإسلام العسا البدار، وقيل البوار.
فلو لم يتداركهم بحيطته ويقظته وصدق حسه، وأبطأ عنهم ريثما كانوا يتطارحون الرأي، ويستثيرون دفين الحسد حتى يتمكن ذلك الحسد، وتتمثل لهم صورة الظفر، فلو هجم عليهم أبو بكر في ضعف من بالمدينة من قريش، لم يكن في طاقتهم دفعهم، والدار دارهم، والبلاد بلادهم، والبادية باديتهم، ومن فيها تبع لهم، فكان من صنيع الله أن كان هو الذائد والقائم، والحارس، والعاطف والمداوي، ولم يكلهم الله إلى نظرهم واختيارهم، فيكون ذلك فسادهم وهلكتهم.
فإن قالوا: فما معنى قول أبو بكر للأنصار حين أتاهم: "إن هذا الأمر ليس بخلسة، قد علمتم معشر قريش [أنا] أكرم العرب أحسابا، وأيقنها أنسابا، وأنّا عترة النبي ﷺ وأصله، والبيضة التي تفقأت عنه"؟
فلم يذكر أبو بكر قريشا وأحسابها وعترة النبي ﷺ والبيضة التي تفقأت عنه، إلا وهو يرى أن له عليهم بهذا من الفضل ما ليس لهم، ومن السبب إلى الخلافة ما ليس لهم. فقد ينبغي أن يكون لبني هاشم على هذا القياس من الفضل والسبب ما ليس لبني تيم.
قلنا لهم: إن أبا بكر لم يقل هذا القول وهو يريد معنى مذهبكم فيه، مع أنكم قد قطعتم الكلام لأنه قال: "فإنه لم يكن فينا -فكان يوبخ به- وإنا نحن المهاجرون وأنتم الأنصار، وإن الله لم يذكرنا وإياكم في شئ من القرآن إلا بدأ بذكرنا قبلكم، فمنا الأمراء ومنكم الوزراء".
فلم يقل أبو بكر: "قد علمتم يا معشر قريش أنا أكرم العرب أحسابا وأيقنها أنسابا، وأنا عترة النبي وأصله"، وهو يريد أن يخبر أن الرياسة في الدين تستحق لغير الدين، والخلافة أعظم رياسات الدين، فعلى حسب ذلك تحتاج إلى العمل الصالح.
ولكن أبا بكر خطب على قوم كانوا يرون للحسب قدرا، وللقرابة سببا، فأتاهم من مأتاهم وأخذهم من أقرب مآخذهم، واحتج عليهم بالذي هو عندهم، ليكون أقطع للشغب، وأسرع للقبول. وليس في كل المواضع تفسير لحجة أمثل من إظهار الجملة، وتعريف الناس الغاية، وحملهم على أدق الحجج وأصوبها. ولربما أخفى الإمام كثيرا مما يريد بالناس عنهم، للذي ... من بعضهم عن فضله، وضيق صدورهم عن سعة فضله. بل يعلم أنه لو أطلعهم طلع إرادته، والذي عزم عليه من صلاحهم، كانوا أسرع إلى طلب بغضه من عدوهم.
وقد دل أبو بكر على مذهبه في الأحساب في أول خطبة خطبها على المهاجرين والأنصار، حين قال في كلامه:
" وعليكم بتقوى الله، فإن أكيس الكيس التقوى، وأحمق الحمق الفجور، وإني متبع ولست بمبتدع، فإن أحسنت فأعينوني، وإن زغت فقوموني، أيها الناس إنه لم يدع الجهاد قوم قط إلا ضربهم الله بذل، ولم تشع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم بالبلاء، أيها الناس اتبعوا كتاب الله، واقبلوا النصيحة، فإن الله يقبل التوبة، ويعفو عن السيئة، واحذروا الخطايا التي لكل بني آدم منها نصيب، ولكن خيرهم من اتقى الله، واتقوا يوما لا ينفع فيه حميم ولا شفيع يطاع".
ألا تراه ذكر جميع بني آدم ثم قال: "ولكن خيرهم أتقاهم"، كما قال الله: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ثم قال: "اتقوا يوما لا ينفع فيه حميم ولا شفيع"، فقد أخبر عن نفسه ومذهبه في ذلك المقام بغاية ما يتكلم به أصحاب التسوية. فكأن أبا بكر إنما قال: فإن كان هذا الأمر معشر الأنصار إنما يستحق بالحسب ويستوجب بالقرابة، فقريش أكرم منكم حسبا وأقرب منكم قرابة، وإن كان إنما يستحق بالفضل في الدين فالسابقون الأولون من المهاجرين المقدمون عليكم في جميع القرآن أولى به منكم. لأن أبا بكر ذكر في صدر كلامه الحسب والقرابة، وفي عجزه فضل المهاجرين على الأنصار. فلما أبصر القوم وجه الحجة، وقررهم بما لم يزل عليه قبل ذلك طبائعهم، لحقوا بالطاعة وأعطوا المقادة.
وكيف يكون كبار الأنصار أفضل من كبار المهاجرين، وقد سبقهم المهاجرون وأسلموا قبلهم بالسنين قبل السنين، والأنصار بعد على دين آبائهم، وعبادة أصنامهم. ثم الذي لقي المهاجرون في الله ببطن مكة -والأنصار وادعون في بيوتهم رافهون في ديارهم ناعم بالهم خلي سربهم لذيذ عيشهم- ثم هاجروا إلى دارهم، فكانوا معا في العبادة والجهاد، إلا ما فضلوا به من وحشة الاغتراب، وفراق الدار والأحباب. فللمهاجرين مثل ما للأنصار، وقد بانوا بسابقتهم. وإنما قدموا في القرآن لتقدمهم في الإسلام.
وكما أن المهاجرين الأولين ليسوا كغيرهم من المهاجرين، وكما أن من أسلم بعد الفتح ليس كمن أسلم قبله، فكذلك ليس من أسلم والناس كلهم كفار غيره، كمن أسلم وقد أسلم الناس قبله.
وأنت إذا تأملت قول الصديق للأنصار: "إن هذا الأمر ليس بخلسة" علمت أنه كان ثابت الجنان، رابط الجأش، واثقا بالحجة، عارفا بمواضع الإمامة، وإنما كانت غايته تقريرهم بفضيلة المهاجرين، لأنهم إذا صاروا إلى ذلك فلا حاجة به إلى ذكر نفسه وتعريفهم فضله، لأن تبريزه كان بينا على المهاجرين، وفضله كان ظاهرا على السابقين.
والدليل على ذلك أن خوض الأنصار وكلامها لم يكن إلا فيما بين جملة الأنصار وجملة المهاجرين، قالوا: منا أمير ومنكم أمير. فما هو إلا أن قررهم بفضيلة المهاجرين فلم يكن لهم بعد ذلك متكلم، حتى أطبقوا جميعا على بيعته هم والمهاجرون من بين جميع المهاجرين - فلا يستطيع أحد أن يدعي أن إنسانا قال من الأنصار: فإن كان لا بد أن يكون منكم الأمراء فليكن فلان، فإنه أفضل وأحق بقرابة أو بعمل - فسكتوا معا سكتة واحدة، وسلموا معا تسليما واحدا.
ولو أن الأنصار كانوا قد سلموا للمهاجرين في البدء فلم يفارقوا ولم يتمادوا، وكانوا كالمهاجرين في إطباقهم على أن الإمام منهم، ما كان ليظهر للناس من شهامة أبي بكر وصرامته واجتماع نفسه وقوة منته، وجلد رأيه، وقلة حيرته وتضجعه مثل الذي ظهر لهم. وإنما يعرف العاقل فضل العاقل في مضايق الأمور، وساعة الجولة، والعجلة والحيرة، وظهور الفتنة، وموجان السفلة، واضطراب العلية، واختلاط الخاصة بالعامة.
فهل أعضل به داء فلم يسد ثغره، أم هل نجم بلاء فلم يتول قمعه؟
وزعمت العثمانية أن أحدا لا ينال الرياسة في الدين بغير الدين. ولو جاز أن يعطي الله رجلا عطية ويفضله على غيره لنسبه، وعملهما سواء في دار الدنيا، جاز أن يفضله عليه في الآخرة.
وليس ذلك كالمعافى والمبتلى، لأن العافية والبلاء، والشكر والصبر، والثواب على الطاعة بهما والعقاب على المعصية فيهما، إذا وازنت بين عواجل أمورهما وأواجلها من كل وجوهها، رأيتهما سواء لا فضل بينهما.
وكذلك شأن المملوك والمالك، والفقير والغني، والمبتلى والمعافى.
فإن كان القريب القرابة والبعيد القرابة سبيلهما في النقص والفضل، والصبر والشكر، والثواب والعقاب، وجميع حلاتهما في العاجل والآجل، كالمعافى والمبتلى، والمالك والمملوك، والفقير والغنى، فليس بين القريب والبعيد فرق، وليس لقرابته فضيلة على غيره، ولا ينفعه شئ إلا كما نفعت المعافى والغني في ظاهر أمرهما، وما يقع العيان عليه منهما، وهما في الغنى والمصلحة، والنظر والصنع، سواء.
وليس على هذا بنى القوم أمرهم في القرابة، لأنهم زعموا أن القرابة سبب للرياسة في الدين، ولو قالوا إنها سبب للقدر والنباهة في الدنيا كان ذلك وجها، كما ترى من فضل حال المنيع الرهط، الجميل الرواء، والمعافى في بدنه الكثير المال، على الذليل الرهط الذميم في روائه، المبتلى في بدنه، القليل ذات اليد، وهما في مغيب أمرهما. وفيما لا يقع العيان عليه من شأنهما، سواء في صنع الله وفضله وعائدته.
[وإنما] كان لنا أن نزعم أن القرابة تنفع في الدين والحسب فتكون سببا إلى الرياسة فيهما، أن لو كنا رأينا من عظم قدر القرابة ونبل من أجله نال الرياسة الكبرى بالحسب. فإذا رأينا النبي ﷺ لم يستحق ذلك الموضع البائن العالي إلا بالفضل دون المركب كان من مت بقرابته أجدر ألا ينال الرياسة إلا بالفضل دون المركب، لأن النبي ﷺ لو كان نال ذلك بالهاشمية كان هو ورجل من عرض بني هاشم سواء.
ولو كان ناله بعبد المطلب لكان ولد عبد المطلب لصلبه أقرب إليه.
وقد نعلم أن ذلك لو كان لشخص بالهاشمية أو بالمطلبية لكان لعلي في ذلك ما ليس لأحد، لأنه ابن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، وأمه فاطمة ابنة أسد بن هاشم.
فلما وجدنا الأمر كما ذكرنا، علمنا أن النبي ﷺ لم يصيره مستحقا لأعظم الرياسات وأشرف المقامات إلا بالعمل، إذ كنا قد وجدنا من يساويه في الهاشمية لا يستحق مثل ماله.
وزعمت العثمانية أن لها في التسوية بين القريب والبعيد حججا كثيرة، قد عرفتها وسمعتها من أهلها.
ولكن كتابي هذا لم يوضع إلا في الإمامة، ولربما ذكرت من المقالة والملة والنحلة التي تعرض في الإمامة صدرا، طلبا للتمام وتعريفا لوجوه الإمامة وما دخل فيها.
والكلام في التسوية كلام يدخل في باب التعديل والتجوير، وهو باب يشتد الكلام فيه ويغمض، فإن أخبرنا عن فرعه ولم نخبر عن أصله لم ينتفع القارئ به، وصار وبالا عليه.
وقد زعم ناس من العثمانية أن الله بفضله ومنه كفى أكثر الناس مؤونة الروية، وتكلف غامض الكلام في التسوية، فأخبرهم في كتابه بأبين الكلام وأوضحه عن معاني التسوية، وما يجوز في عدله وحكمته. فقال وهو يريد أن يعلم الناس أنهم لا ينتفعون بصلاح آبائهم، ولا يضرهم فساد رهطهم فقال: {وإبراهيم الذي وفي. ألا تزر وازرة وزر أخرى. وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}.
فإذا كان كون الإنسان ابن نبي وابن خليفة نبي أو ابن عم نبي ليس من سعيه، فقد أخبر أنه لا شئ له في ذلك حين قال: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} فالسعي معروف، والكون من رهط دون رهط ليس من سعي المرء في شئ، ولذلك قال النبي ﷺ لقرابته حين جمعهم: "يا عباس بن عبد المطلب، ويا صفية بنت عبد المطلب، ويا فلان ويا فلان، إني لا أغني عنكم من الله شيئا".
ولو أن إنسانا من القرابة إذا هو عصى وعصى غيره بمثل معصيته غفر الله [له] لقرابته، ولم يغفر للآخر، وكان إذا أطاع وأطاع غيره بمثل طاعته أعطاه الله أكثر مما يعطي الآخر، لكانا إذا استويا فلم يطيعا جميعا ولم يعصيا، فكانا إما طفلين وإما مجنونين وإما نائمين، وإما ساهيين، أعطى القريب وفضله، ولم يعط الآخر شيئا ولم يسو بينه وبين من لم يطع ولم يعص، كما لم يطع القريب ولم يعص، لم يكن النبي ﷺ ليقول لعمه وعمته: إني لا أغني عنكم من الله شيئا.
ولذلك قال النبي ﷺ: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم".
ولذلك قال النبي ﷺ: الناس كلهم سواء كأسنان المشط. والمرء كثير بأخيه. ولا خير لك في صحبة من لا يرى لك مثل ما يرى لنفسه".
ولذلك قال حين بلغه أن عيينة قال: أنا ابن الأشياخ، أنا عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو، قال النبي ﷺ: "أشرف الناس يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم".
ولذلك أخذ وبرة من جنب بعير يوم حنين فقال: "والذي نفسي بيده ما أنا بهذا أحق من رجل من المسلمين".
وقد قال الله: {واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون}"، فلم يستثن من جميع النفوس نفسا واحدة، لا ابن نبي ولا ابن عمه.
وقال الله: {يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا}. والمولى كلمة واقعة على جميع، فمنه ابن عم المرء، ومنه خليفته، ومنه مولاه من فوق، ومنه مولاه من تحت، ومنه مولاه الذي ملكه قبل عتقه. فإذا قال الله: {يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا} فقد دخل فيه ابن العم وغيره، ولم يستثن الأنبياء دون المسلمين.
وقال: {يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتى الله بقلب سليم} وقال: {يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا} ثم قال: {إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور}.
فمن اغتر بعد هذا بالقرابة واتكل على غير العمل الصالح فقد رد تأديب الله وتعليمه.
ثم الذي رأينا من قصة ابن آدم حين قرب من أخيه قربانا فتقبل من أخيه ولم يتقبل منه، فقتله حسدا له وبغيا عليه. وكيف لم تنفعه قرابته من آدم حيث لعنه الله وبرئ منه، وجعله من أصحاب النار، ثم قال: {وذلك جزاء الظالمين}. لكي لا يتكل أحد ظالم بعده على قرابته، ولا يغتر بأن يكون ابن نبي، ولذلك أرسل الكلام على مخرج العموم. ولم يخرجه ذلك المخرج إلا وذلك إرادته.
فإن قالوا: إنه لم يكن لصلبه، ولو كان لصلبه لنفعه ذلك عنده.
قلنا: إنه ليس لأحد سمع الله يقول: {واتل عليهم نبأ ابني آدم} أن يجعلهما من عرض بني آدم بعد سبعين قرنا إلا بحجة.
وإن لم تكن له في ذلك حجة فليس له أن يزيل معنى ابن عن أصله، لأن الأصل المستعمل الموضوع أن يكون الابن للصلب، فإنما جاز أن يقال لابن الابن على التشبيه بالابن، [و] على الحمل عليه.
وكذلك الابن الذي هو على التبني والتربية، لأن رجلا لو قال: أتاني فلان بن فلان، لم يكن لأحد أن يقول: إنه لم يعن ابنه وربيبه، إلا بحجة، وإلا فالكلام موضوع على أصله وعلى المستعمل المعروف منه.
ثم صنيع الله بابن نوح. وهو كما علمت من أعظم الأنبياء قدرا ومنزلة ومكانا، حين عصى فيمن عصى، كيف غرقه فيمن غرق ممن لا قرابة له ولا ولادة.
فإن قالوا: إنه لم يكن ابنه، لأن الله قال: {إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح}، وذكر امرأة نوح وامرأة لوط فقال: {كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا}.
قيل لهم: إنه ليس لنا أن ندع قول الله: {ونادى نوح ابنه} إلى تأويل مختلف فيه. ولقولة الخيانة مخارج غير تأويلكم، وقد تفجر المرأة بعد أن صح منها لبعلها ولد كبير. وفي قوله: {فلم يغنيا عنهما من الله شيئا} دليل أن محبتهما كان الصفح عن خيانتهما، وأن محبتهما لم تغن عنهما شيئا.
ولا يشبه قولكم [في] نساء الأنبياء الذي نعرف من حسن اختيار الله لهم من طيب المناكح وطهارة المداخل. وهذا معنى طبائع الناس. لم يكن الله ليترك امرأة نبي تصير إلى تهجينه والتصغير بقدره، لأن الرسالة منظفة مصفاة، لا تحمل الأقذاء، ولا تعلق بها الأدناس، ولا يطوق المبطلين عليها الاعتماد.
وفي قول الله لإبراهيم، وهو شجرة الرسالة وخليل رب العزة، حين يقول له: {إني جاعلك للناس إماما} قال إبراهيم إما مستقيما وإما طالبا: {ومن ذريتي} قال: {لا ينال عهدي الظالمين}.
وأخبر أن عهد إمامته وخلافته لا ينال الظالم وإن كان من خير خلق الله.
ففي هذا دليل أن الرياسة في الدين لا تنال بغير الدين.
وقال الله: {ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون} ألا ترى أن الذرية وإن كانت كلها ذرية ومكانها من القرابة سواء، فمنها ولي ومنها عدو.
فإن تركوا هذا جانبا وقالوا: كيف تزعمون أن أبا بكر كان يرى التسوية، وكان لا يرى أن الفروسية أصل للإمامة والقرابة شعبة عن الخلافة، ولم يكن في الأرض رجل أبعد من هذا المذهب من خاصته وخليفته وصنيعته، والمحتذي على مثاله، عمر بن الخطاب، لأنه فضل القرشيات من نساء النبي ﷺ على غيرهن، وفضل العرب في العطاء على الموالي. وقال: "زوجوا الأكفاء" وكان أشد منه في أمر المناكح.
قيل لهم: إنه لم يكن على ظهر الأرض رجل كان أبعد مما قلتم من عمر، ولا [ظهر] منه خلاف ما ادعيتم مثل الذي ظهر منه.
والدليل على غلطكم وخطأ قولكم، أن عمر لما فرض الأعطية ودون الدواوين وقام إليه أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام، فقالا: يا أمير المؤمنين، أديوان كديوان بني الأصفر، إنك إن فعلت ذلك اتكل الناس على الديوان وتركوا التجارات والمعاش! فقال عمر: قد كثر الفئ والمسلمون.
ففرض للمهاجرين ومواليهم، وللأنصار ومواليهم، ممن شهد بدرا في ستة آلاف ستة آلاف، فكان عطاء عمر وعلي وعبد الرحمن وطلحة والزبير وأبي عبيدة بن الجراح، وعطاء بلال وسالم مولى أبي حذيفة وجميع الموالي سواء.
ثم فرض على قدر الفضل والغناء والسابقة، على قدر بعد الدار وقربها من المهاجر، ففرض لأهل اليمن في السبعمائة إلى الألف، وهم أبعد خلق الله منه ومن مضر أرحاما ونسبا، وإنما أرغبهم وزادهم لبعد دارهم من المهاجر، وكانوا أهل قرى ومزارع، فتركوا مطنبهم رغبة في الهجرة.
وفرض لمضر وبَليٍّ وكلب وطيء في الثلثمائة إلى الأربعمائة، فتسويته بين مضر وطيء دليل على ما قلنا.
وفرض لربيعة في خمسين ومائتين وقال: إنما هاجروا من أطناب بيوتهم. وربيعة أمس به وبمضر من بلي وطيء.
وفرض لأشراف الأعاجم: لدهقان نهر الملك، وهو فيروز بن يزدجرد، ولابن النخيرخان ولخالد وجميل ابني بصبهرى دهقان الفلوجة، ولبسطام بن نرسي دهقان بابل، وجفينة العبادي، ورفيل في ألفين ألفين.
وفرض للبوسحتان والهرمزان ولسياه وخش وأمقلاس في ألفين وخمسمائة، وهو أقصى شئ أخذه عربي قط، فقيل له في ذلك، فقال: قوم أعاجم أشراف، أحببت أن أتألف بهم غيرهم.
وفرض لسوى هؤلاء النفر من العجم من الحاشية والعوام ممن سُبي وأسر وخرج في الصلح مع رئيسه وقائده، في أقل مما فرض للأعراب وحاشية العرب وعوامهم، فقيل له في ذلك فقال: إن الأعرابي إلا يقاتل عن دينه قاتل عن رهطه وشقه وناحيته، وإن لم يكن ذا بصيرة في دينه قاتل محاماة عن حسبه وأصحابه، وقد أمنت تحوله إلى عدوه، فأقل ما عنده إذا لم يبل أن يكثر السواد ويكثف الجيش، وهو على حال أفقه في الدين وأفهم للتأويل، والعجمي ليس بذى بصيرة في الإسلام ولا يقاتل عن داره ولا يحامي عن حسبه ولا يدافع عن رهطه، وغير مأمون عليه التحول إلى أصحابه فيدل على العورة، وهو أجدر ألا يفهم تنزيلا ولا تأويلا.
وحمل قوما في البحر وآخرين في البر، ففضل على قدر المؤونة، وأعطى على قدر المشقة.
فهكذا كانت عطاياه، وهكذا كان تدبيره فيما نقلت العلماء وروت الفقهاء، ولا يشك في ذلك صاحب خبر، ولا يدفعه صاحب أثر.
فأما ما ذكروا من تهجينه أمر العجم، وتعظيمه أمر العرب، فإنما كان ذلك لأنه لما ندب الناس إلى قتال كسرى والأساورة تثاقلت عن ذلك العرب والأعراب وجميع المهاجرين والأنصار، هيبة لناحية كسرى والفرس، وخفوا لغزو الروم ونشطوا له، حتى انتدب أبو عبيد الثقفي أول من انتدب، فلذلك عقد على كبار المهاجرين الأولين والأنصار والبدريين، فلم يكن له هم إلا تصغير أمرهم وتهجين شأنهم والحط من أقدارهم ليرد ذلك من نفوس العرب.
وهكذا ينبغي أن يكون تدبير المدبر.
أوما علمت أن المغيرة بن شعبة لما سمع قيس بن مكشوح يقول حين عاين الفرس: وما رأيت كاليوم حديدا ولا عديدا! وهذا يوم القادسية، وقد كان قيس شهد قبل القادسية حروب الروم، وقيس يومئذ على الخيل، والمغيرة على الرجالة، فأقبل عليه المغيرة منتهرا له وهو يقول: إنما هذا زبد من زبد الشيطان!
وقد كان المغيرة قد عاين مثل الذي عاين قيس، ولكن التدبير كان غير الذي ذهب إليه قيس.
ومن الدليل على ما وصفنا من تدبير عمر، تركه الاستخفاف بأقدار العجم وإظهار احتقارهم والإزراء بهم، بعد جلولاء.
فمن ذلك أنه لما أتي بسيف كسرى وقبائه ومنطقته ألبسه سراقة بن مالك بن جعشم، ثم قال له: أدبر، ثم قال له: أقبل، فلما أقبل عليه عمر وعنده الناس، فقال: أما والله لرب يوم لو كان هذا من كسرى وآل كسرى لكان شرفا لك ولقومك. في أمور كثيرة من هذا الضرب لم يكن عمر لينطق بحرف منها وحربهم مخوفة ونفوس العرب لهم هائبة.
وهكذا تدبير الخلفاء ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ولو كانوا إذا لم يفهموا عن الأئمة لم يعترضوا عليهم ولم يخطئوهم ولم يجهلوهم كان أيسر.
ولا أعلم في الأرض جيلا أجهل بهذا وشبهه ممن ينتحل اسم الكلام وينصب نفسه للخصومات، ثم الروافض خاصة، ليس يعرفون من أمر الإمام إلا أنه يعلم ما يكون قبل أن يكون.
ومن الدليل على ما وصفنا به عمر، قوله لسعد بن أبي وقاص حيث وجهه إلى القادسية وأوصاه، قال: يا سعد سعد بن وهيب، إن الله عز وجل إذا أحب عبدا حببه إلى الناس، فاعتبر منزلتك من الله بمنزلتك أن يقال خال رسول الله ﷺ، فإن الناس في ذات الله سواء.
فأي قول أجمع وأدل، وأي فعل أشبه بالذي حكينا عنه من التسوية، من هذه الأقاويل والأفاعيل.
وكان سعد خال النبي، ولذلك قال النبي ﷺ وقد أخذ بيده: "هذا خالي أباهي به فليأت كل امرئ بخاله".
وفي قول عمر في المناكح: "ليس شئ من خصال الجاهلية إلا وقد تركته، ألا إني لست أبالي إلى من نكحت، وإلى من أنكحت" فإن شئت أن نقول: وأي أمر هو أوجب على العاقل المسلم الحر من ألا يبالي إلى من نكح وأنكح؟
قلت: وإن قلت إن هذا الكلام من عمر يدل على بقية عصبية فيه، فما تبرأ إليك منه حين جعله من خصال الجاهلية إلا وهو آب له وناه عنه، وزار عليه. وفي قوله هذا دليل على أنه قد اكترث لبقية عادة الجاهلية، وأنه راغب عنهما كما رغب عن أكبر منهما.
وفي قوله لعبد الله بن عمر حين فرض له في ألفين وفرض لأسامة في ألفين وخمسمائة، وابنه قرشي وأسامة مولى، حين قال له عبد الله: أتفضل علي أسامة في العطاء وأنا وهو سيان؟ قال: إن أسامة كان أحب إلى رسول الله منك، وكان أبوه أحب إلى رسول الله من أبيك.
ألا ترى أنه يدور مع الدين حيثما دار؟
وفي قول عبد الله بن عمر لأبيه:" تفضل على أسامة في العطاء وأنا وهو سيان" دليل على أن القوم كانوا لا يعرفون إلا الدين والسابقة، والغناء عن المسلمين.
وفي وصيته عند وفاته أن يصلي عليه صهيب، وفي أمره إياه بالصلاة بالناس في مقامه إلى أن يختار المسلمون رجلا، دليل على ما قلنا.
وصهيب مولى لعبد الله بن جدعان.
والدليل على أن صهيبا رجل من العجم قول رسول الله ﷺ: "بلال سابق الحبشة، وسلمان سابق فارس، وصهيب سابق الروم". وهذا حديث لم يختلف فيه فقيهان.
وفي خروج آذنه وحاجبه يوما إلى الناس، وقريش والعرب جلوس ببابه ينتظرون إذنه، فيهم أبو سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو وحكيم بن حزام والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن، فنادى بأعلى صوته: أين عمار؟ أين بلال؟ أين صهيب؟ أين سلمان؟ فينهضون مكرمين ومفضلين، وعلى الناس مقدمين، وتلك الجلة وتلك السادة جلوس لا ينطقون ولا ينكرون، فلما كثر ذلك عليهم تمعرت وجوههم وامتقعت ألوانهم، فأبصرهم سهيل فعرف ما قد أصابهم ونزل بهم، وكان حليما خطيبا فقال: لم تتمعر وجوهكم وتتغير ألوانكم، ولا ترجعون باللائمة على أنفسكم؟ دعينا ودعوا، فأبطأنا وأسرعوا، ولئن حسدتموهم على باب عمر للذي أعد الله لهم في الجنة أفضل!
ثم الدليل الذي ليس فوقه دليل، قوله وعنده أصحاب الشورى وكبار المهاجرين وجلة الأنصار وعلية العرب، وهو موف على قبره ينتظر خروج نفسه: "لو كان سالم حيا ما تخالجني فيه الشك". وسالم مولى امرأة من الأنصار، وكان حليفا لأبي حذيفة بن عتبة بمكة. فلذلك كان يقال: مولى أبي حذيفة، لأن حليف الرجل مولاه.
فإن كان هذا لا يدل على التباعد من الحمية والأعرابية والعصبية، ولا يدل على التسوية. فما عندنا ولا عند أحد شئ يدل على شئ! وإذا كان هذا مذهبه وقوله في الخلافة فما ظنك به فيما دون الخلافة؟
وهذا باب إن استقصيناه كثر وشغل الكتاب. وفيما قلنا مقنع لمن كان الحق له مقنعا، والصواب له مألفا.
فهل يقدر أحد أن يحكي عن علي مثل الذي حكينا عن عمر في التسوية أو شطره؟
إن أكبر ما رأينا في أيديكم عنه قوله: "إنني قرأت ما بين دفتي المصحف فلم أجد فيه لبني إسماعيل على بني إسحاق فضلا".
فهذا قول إن قاله علي فليس فيه دليل أنه أراد به الطعن على عمر وإظهار خلافه، لأن عليا قد ملك أكثر الأرض خمس حجج، فلو كان رأيه في خلاف عمر على ما تصفون، وكان عمر عنده لا يرى التسوية في العطاء، لقد كان غير دواوين عمر، وبدل أعطيته وفروضه وحولها إلى الحق عنده، أو نطق فيها بحرف، أو أظهر ذلك في هيئته إن لم ينطق به خطيبا ومحتجا.
وكيف يكون ذلك ولا أحد أعلم بصواب ما دبر عمر في ذلك من علي؟
وكيف يكون عمر لا يرى التسوية وقد صنع صنيعا لو قام مقامه أشد الناس سعيا - ما لم يجر عن الحق ويعدل عن السداد - ما كان عنده ولا في طاقته أكثر منه.
والعجب أنكم تزعمون أن عليا كان يرى التسوية، وأن عمر صاحب حمية، فأنتم تروون أن أكثر احتجاجه إنما كان بذكر قرابته وأمتن أسبابه ومصاهرته، مع أن القرابة هي التي أخرجتكم إلى هذا الإفراط كله، فأنتم تحبون بني هاشم وتفضلونهم للقرابة، وتوجبون لهم الإمامة للقرابة، ثم تزعمون أن عليا كان يرى أن ولد إسماعيل وإسحاق سواء، وكان يرى أن العرب والعجم سواء.
وكيف غضبتم على عمر لأنه فضل قريشا على العرب، والعرب على العجم، ولم تغضبوا على أنفسكم حين فضلتم بني عبد المطلب على بني هاشم، وفضلتم بني هاشم على بني عبد شمس؟
ففضلوا أيضا بني عبد شمس على سائر قصي، وسائر قصي على سائر كعب، وسائر كعب على سائر قريش، وكذلك سائر قريش على سائر مضر، وكذلك سائر مضر على ربيعة، وربيعة على ولد إسحاق، وولد إسحاق على ولد قحطان.
وإن شئتم ففضلوا ربيعة على اليمن، واليمن على العجم. وإذا أنتم قد دخلتم في كل ما عبتم.
فأما أن تفضلوا من شئتم على من شئتم - وإن كان من لم تفضلوا في القياس كمن فضلتم - فليس ذلك لكم، لأن القياس قد اعترض دون مشيئتكم وقضى عليكم.
ولو أن قائلا قال: أنا أزعم أن الناس كلهم بعد بني عبد المطلب لصلبه سواء، كما قلتم إن الناس كلهم بعد بني هاشم سواء، ما كان الذي قال أمس بالرسول وأولى بالحكم. فإن قلتم: فمن أين كان له أن يقف على جد عبد المطلب وليس بينه وبين هاشم إلا أب؟ فيقال لكم: وكيف كان لكم أن تقفوا على جد هاشم وبين هاشم وعبد مناف أب واحد؟ وكيف كان لكم أن تقطعوا التفضيل وحق القرابة من لدن هاشم، وهاشم وعبد شمس أخوان لأم وأب؟ ولذلك قال الشاعر:
عبد شمس كان يتلو هاشما * وهما بعد لأم وأب
فاجعلوه يتلو هاشما في حق القرابة واستحقاق الإمامة. وإذ جاز عندكم أن تتخطى الإمامة العم إلى ابن العم كان [ذلك] في الأخ للأم وللأب.
ثم زعمتم أن الدليل على أن عمر صاحب عصبية وحمية، رده لسلمان حين خطب إليه ابنته، وسلمان كان أعقل من أن يخطب إلى أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.
قلنا: جوابنا في هذا في خطبته إلى علي، وإن كان علي أشرف موضعا. مع أن القائم عن سلمان أنه كان يقول: قال لي النبي ﷺ: "يا سلمان لا تبغض العرب فتبغضني". وكان يقول: "أمرنا أن نأتم بكم ولا نؤمكم، وأمرنا أن نزوجكم ولا نتزوج منكم".
فليس في الأرض متعرب وصاحب عصبية إلا وأكبر ما يحتج به في المناكح حديث سلمان.
وقد تمنع الأشراف عقائل نسائها لأسباب غير التحريم، لا يكون ذلك عيبا عليهم في آدابهم، ولا نقصا في أديانهم.
وفي قول علي يوم الجمل حين رأى عبد الرحمن بن عتاب صريعا: "شفيت نفسي وجدعت أنفي، قتلت الصناديد من بني عبد مناف [وأفلتني الأعيار] من بني جمح!" فقال له رجل: لشد ما جزعت عليه يا أمير المؤمنين! قال: "إنه قد قامت عني وعنه نسوة لم يقمن عنك" دليل أنه قد كان يرى للأمهات قدرا كثيرا، وللمناكح خطرا عظيما.
وفي كراهته أن يتزوج المقداد ضباعة بنت الزبير، حتى كان من النبي إليه الذي كان، دليل على شدة تدبيره.
وإنما ينبغي أن يقضي بين أصحاب محمد من قد عرف أمورهم في جميع متقلبهم، لأنه غير مأمون على المتكلم إذا قل سماعه أن يخرجه الجهل [إلى] استصغار بعضهم أو تضليله والبراءة منه، فيهلك هلاك الدنيا والآخرة.
وإن أغنى الناس أن يكون أصحاب محمد خصومه لأنتم معشر أصحاب النظر والمتكلمين.
والذين نحلوا عمر العصبية رجلان: رافضي أحب أن يمقّته إلى العجم والموالي، ومتعرب عرف أن عمر عند الناس قدوة، فنحله ذلك ليكون له حجة. فاعرف ذلك.
وأما ما ذكروا من أن الزبير خرج شادا بسيفه يوم السقيفة، فإن كانوا صادقين فإن هذا لهو الطيش والتسرع إلى الفتنة. وتهييج الناس على إظهار السلاح.
وإنما أتى أبو بكر الأنصار واعظا ومحتجا، ومسكنا ومصلحا بألين الكلام وأحسن الهدي، لم يحمل سوطا ولا سيفا، ولم يظهر معازة ولا أراد المغالبة. فما وجه خروج الزبير بسيفه شادا نحوه؟ بل كان أشبه الأمور بالزبير وأولاها به، والذي يجب علينا أن نظنه به، أن يقوم محتجا ومصلحا. فإذا أبان عن حجته وأعذر في موعظته فلم ير ذلك ناجعا ولا مقبولا، ورأى شيئا يجوز به حمل السيف والشد به، كان من وراء ذلك.
وكيف علمتم أن الزبير إنما سل سيفه ليؤكد لعلي إمامته أو ليوطئ له خلافته؟ ولعله إنما أراد الأمر لنفسه دون غيره. ولعله إنما غضب لصرف الأمر من خاله وكبيره وشيخه العباس بن عبد المطلب. فكيف علمتم أنه إنما أراد صرفها عن أبي بكر خاصة؟ وكيف يشد على رجل لم يقل بايعوني ولا أظهر الحرص عليها، وإنما كره أن يبقى الناس نشرا، وعلم أن على الأنصار أن يسمعوا للمهاجرين. وقد قال للناس: "بايعوا أي هذين شئتم" يعني أبا عبيدة وعمر. إلا أن يكون الزبير قال: ولم كنت أنت المحتج على الأنصار والمعرف لهم فضل المهاجرين عليهم دون علي!
ويقال لهم عند ذلك: أما بادي الرأي والذي لا نشك فيه نحن ولا أحد ممن خالفنا، فالذي كان من مناصبة الزبير لعلي ومحاربته له دون الإمامة، وزعمه أنه أفضل منه وأولى بها منه، ولو جعلها شورى لفرعه وبرز عليه.
ثم الذي لا يشك الناس فيه من طاعته لعمر، وإنما عمر شعبة من شعب أبي بكر. ولقد بلغ من تعظيمه لعمر وطاعته له وإكباره لقدره، أنه محا نفسه من الديوان لما قتل عمر تسلبا عليه ورفعا لقدره أن يلي منه من الإعطاء والمنع أحد كما كان يليه منه عمر. كما محا نفسه من الديوان حكيم بن حزام لما توفى النبي ﷺ. وكذلك محا نفسه من الديوان عبد الله بن الزبير حين قتل عثمان.
ولقد بلغ من طاعته لعمر أنه بعثه مددا لعمرو بن العاص، فجعل عمرا الأمير عليه ينفذ لأمره ويصلي بصلاته.
والذي يدلك على انبتاته في هوى أبي بكر، وانقطاعه إليه بمودته الخاصة التي كانت بين أبي بكر وبينه، وذلك أن عبد الله بن مسعود أوصى إليه حين مات. وعبد الله عمري محض، وهو القائل في عثمان حين برز على الشورى: "ما ألونا أن جعلناها [في أعلا] نا ذا فوق". فإذا كان هذا قوله في عثمان وعلي، فما ظنك به في أبي بكر وعمر.
ثم أوصى إليه عثمان بن عفان [و] هو أصل العمرية والعثمانية، والمباينة لعلي وشيعته عندهم. وأوصى إليه عبد الرحمن بن عوف، وهو المختار لعثمان على علي، وصاحب أبي بكر، والدافع بالموسم في خلافة أبي بكر من بين جميع المهاجرين.
هذا مع أسباب الزبير الواشجة بأبي بكر: فمن ذلك إسلامه على يديه، واحتماله مؤونته في مصاهرته، حيث رغب إليه في تزويج ابنته أسماء ذات النطاقين، فولدت عبد الله - وعبد الله كنيته أبو خبيب - وعروة وغيرهما. وكان عبد الله أول مولود ولد في الهجرة، فسماه الزبير باسم جده أبي بكر، لأن اسم أبي بكر عبد الله ولقبه عتيق، وإنما لقب بعتيق لعتق وجهه ودقة محاسنه. ثم كني [ابن] الزبير بأبي بكر بكنية جده. فكان عبد الله بن الزبير يكنى أبا بكر تيمنا منهم بكنيته وتبركا باسمه.
وقالت عائشة رضي الله عنها: ألا تكنيني يا رسول الله؟ قال: "بلى، اكتني بابنك" يعني عبد الله بن الزبير. فكانت عائشة تكنى بأم عبد الله. ولذلك كانت تقول: قال ابني، وفعل ابني، وكادوا يوم الجمل أن يقتلوا ابني.
فيقال للرافضة: أما العيان والوجود فهو الذي خبرناكم به. وأما ما ادعيتم من [أن] الزبير سل سيفا ليؤكد إمامة علي فقد ينبغي أن تأتوا على ذلك ببرهان. فأما معاداة الزبير له ومحاربته إياه وفخره عليه، فهذا ما لا يدفع عنه، ولقد فخر عليه حين دعاه إلى الشورى وأبى ذلك علي فقال: أسلمت بالغا مدركا وأسلمت ناشئا طفلا، وكنت أول من سل سيفا في الإسلام ببطن مكة وأنت مستخف في الشعب يكفلك الرجال ويمونك الأقارب من هاشم، وكنت فارسا وكنت راجلا، وكنت شجاعا وكنت بطلا. ولئن كنت تزعم [أنك ابن عمه] إني لابن عمته. وأنا عابر البحر يوم الحبشة، وفي هيئتي نزلت الملائكة. وأنا حواري رسول الله ﷺ وفارسه.
خبرني بهذا الكلام أبو زفر، عن ضراب أن الزبير كان احتج به.
وخبرني جماعة من العثمانية عن محمد بن عائشة، أن الزبير كان احتج به، وقد سقط عني بعضه لطول العهد بسماعه.
وقالت العثمانية: العجب أن الروافض ربما احتجت علينا بأن الزبير سل سيفه ومضى قدما في تأكيد بيعة علي وخلع سواه، ونقص من أبي بكر.
فيقال لهم: فما منعكم أن تقولوا لما مات النبي ﷺ وجحد السلف إمامة علي: كفر الناس خلا خمسة نفر أولهم الزبير في نفسه وفضيلته على غيره، وأكبر ما كان منه من سل السيف والشد به، وهذا موقف لم يقفه بلال ولا أبو ذر. وأنتم على ثقة أن ذلك كان، وأن السيف لم يحمل إلا لنصرة علي دون العباس وجميع بني عبد مناف وما ولد قصي.
وكيف لم يكن أدنى منازل الزبير أن يكون قد كان مؤمنا وليا إلى أن جحد إمامة علي بعد مقتل عثمان، فيكون سبيله شبيها بسبيل حذيفة وعمار، لأنهما كانا عندكم كافرين حتى تابا في زمن عثمان، فكان يكون الزبير مؤمنا إلى أن كفر عند مقتل عثمان.
وإنما صار حذيفة وعمار عند الرافضة وليين لأنهما قالا بزعمهم: والله ما دخل عثمان حفرته إلا كافرا، وإنه لحيفة على الصراط يوم القيامة، يتأذى به أهل الجمع.
فإن كانوا إنما صاروا إلى توليهما بعد إكفارهما من أجل تصديق هذا الحديث فإن الذين رووه هم الذي رووا أنهما قالا: والله ما دخل عثمان حفرته إلا كافرا، وإنه لجيفة على الصراط يتأذى به أهل الجمع؛ وإنه لا يلي هذا الأمر بعد عمر إلا كل أصفر أبتر. فإن كانا قد تابا بقولهما الأول لقد ارتدا بقولهما الثاني حين قالا: وإنه لا يلي هذا الأمر من بعد عمر إلا كل أصفر أبتر.
ولو لم يكن ذلك كذلك بل كانا مرتدين فتابا فتوليتموهما عند توبتهما وعاديتموهما قبل ذلك على طاعتهما لعمر، فما بالكم لم تقولوا مثل ذلك في الزبير أنه لم يزل مؤمنا حتى جحد إمامة علي بعد؟ مع أن سل الزبير سيفه، وعدوه نحو أبي بكر وأصحابه، وقول عمر: "دونكم الكلب" حتى أخذ سيفه وخطر، إنما هو حديث وجدناه في بعض السيرة، وليس من الأخبار المستفيضة، وليس مما يحققه أصحاب الحديث.
وإن قالوا: فما قول أبي بكر في خطبته التي خطب بها في أول خلافته: "وليتكم ولست بخيركم"؟ وهل يخلو هذا القول من الصدق والكذب. فإن كان صدقا فهو خلاف قولكم في تفضيله على جميع أئمتكم، والرجل كان أعلم بنفسه وبأهل دهره، وإن كان كاذبا فأي كذب أقبح من كذب إمام على منبر جماعة؟ ومن أحق بألا يليهم ويحمل إمامة دينهم ودنياهم ممن يكذب على منبر الرسول من غير أن يكرهه أحد أو يريده عليه، أو يكون في تقية كخائف السوط والسيف؟ بل ما يدعوه إلى الكذب، والكذب مقبح في العقل مقبح في الدين، ولم يكن هناك رهبة تسوقه ولا رغبة تقوده؟ على أن كذب الرعية أسخف وأقبح، وهو لا يخلو من أن يكون صادقا فلا يسعه أن يتقدم من هو خير منه وقد مكنه تقديمه، أو يكون كاذبا فالقول فيه على ما قلنا.
قلنا: إن العثمانية تذكر لذلك وجوها:
فمنها: أن الحسن كان يقول: "والله أعلم أنه كان خيرهم، ولكن المؤمن يهضم نفسه". فزعم الحسن أنه إنما تهضم نفسه ووضع منها لأن الخلف المشفق كثيرا ما يزرى على نفسه ويعيب عليها ويستبطئها، ويظهر المقت لها والخوف عليها. فهذا كان مذهب الحسن.
وأما قتادة فزعم أنه قوله: "وليتكم ولست بخيركم" إنما أراد في الحسب، ليعلمهم أنه إذ يليهم بالحسب فإنما وليهم بالسابقة. لأنهم قد كانوا أكثروا من قولهم: أرضيتم معشر بني عبد مناف أن تلي عليكم تيم؟ وأراد في أول مقام قامه أن يعلمهم [أن] ذلك المقام لا ينال بأن يكون صاحبه خير الناس حسبا ومركبا، إنما ينال بأن يكون خير الناس علما وعملا.
وأما غيرهما فزعم أن من عادة الخائفين الوجلين المشفقين أن يقول الرجل منهم: كل أحد خير مني؟ ثم يبكي على تضييعه، ويستعظم صغير ذنوبه كأنه ليس في الأرض مذنب سواه، وأكثر ما يقول ذلك عند ذكر بعض ذنوبه أو عند بعض ما يعارضه به الشيطان والإنسان، من تزكيته وتقريظه وإظهار تفضيله لنفسه وإحسانه، والعجب بحاله. لأنه ليس بعد أن يرى العبد أن ذنبه من قبل ربه مذهب هو أعظم من استكبار الطاعة واستصغار المعصية. فعند ذلك يعارضه المؤمن بتقريع نفسه وتأنيبها، وتوقيفها على ما فرط منها، وتذكيرها مساويها، واستعظام كل ما كان من تقصيرها وإساءتها، واستصغار كل ما كان من عظيم إحسانها وطاعتها، فيقول: كل أحد خير مني. وما أشبه من الكلام.
وهذا الضرب من اللفظ، إذا كان على هذا الوجه فليس في مجرى الكذب وقول الزور، وإن كان القائل: "كل أحد خير مني" خيرا من كل أحد.
فكأن أبا بكر لما خطب الناس وقام مقام رسول الله ﷺ، وسلم عليه المهاجرون والأنصار وعلية قريش وسادة العرب قياما على أقدامهم، وصفوفا على مراتبهم، يقولون: السلام عليك يا خليفة رسول الله، وألقيت إليه أزمة الأمور، وأعطوه المقادة، وأسمحت نفوسهم له بالطاعة وقد صرفوها عن القرابة وعن أهل الشرف، رأى بسطة عيشه من عز الخلافة وبأو الإمامة، ما لا يعرف قدره غيره، ولا تأتي الصفة على كنهه، وللشيطان هناك مداخل ومخاتل، ودس وتحريك وطمع، ليس يقوى بشري على دفع تلك الفتنة، وتسكين تلك الحركة، والنهوض بتلك المحنة، إلا بغاية الزري على النفس والهضم لها، والبخس والتخون منها، وتناسي ذكر جميع محاسنها، واجتلاب ذكر جميع مساويها. فبالحري إذا صنع ذلك أن يرد من غربه وطوائع نفسه، وحركة همته، وانتشار عزمه، وانتقاض مرته.
وهذه حال لا يمتحن بها إلا الخلفاء، ولا يختبر بها إلا الأئمة الهدّى، لأن معهم من قوة المنن ومن فضول الأحلام، وشدة الورع وكثرة العلم، وثبات النفس، والمعرفة بما أداه الطائع، وإماتة الشهوات، وقمع ... ما يقام به موريه مكايد الشيطان وتعظيم الإنسان، وعز السلطان. والنفس لا تسمح بإعطاء ما عليها حتى تمنعها ما لها.
وإن كان قول أبي بكر: "وليتكم ولست بخيركم" إنما أراد به مداواة قلبه والزري على نفسه، فليس بكذب وإن كان خيرهم، إذ كان إنما أراد إصلاح قلبه، وعلاج دائه، والبعد من تقرير القوم بنقصهم عن فضله، والفخر عليهم بتبريزه. فإنما أراد أن يكون سبيله سبيل من يظهر التعلم إذا علم، وسبيل من يتواضع إذا عظم. فجمع بذلك حسن الأدب، والبعد من التزكية. والتحبب إلى المستمع، والتواضع لربه، والمداواة لقلبه، والظفر بعدوه، وإحراز دينه.
وقد يكون إخلاص ظاهر لفظه على شئ ومعناه غيره، فلا يكون ذلك كذبا، لمعرفة القائل بفهم المستمع عنه. وهذا باب كثيرا ما يستعمله العرب.
يقول الرجل لامرأته: ألقيت حبلك على غاربك! وهو يعني طلاقها وليس هناك حبل ألقي على غارب.
ويقول: ما لي في هذا الأمر ناقة ولا جمل! وليس ذلك يريد. ولست منها في عير ولا نفير! وليس ذلك يريد.
وقال عمر في الصداق ما بلغكم، فلما احتجت عليه المرأة بقول الله: {وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا} قال: كل أحد أفقه من عمر.
وهذا القول ينبغي أن يكون على قياسكم هذا كذبا. ولا نعلم أحدا رواه عن عمر إلا على التفضيل له. ووجهه قائم معروف.
فإن قالوا: ما معنى قول أبي بكر: "بايعوا أي هذين شئتم"، يعني عمرو وأبا عبيدة.
قيل لهم: إن أبا بكر إنما قال هذا الكلام للأنصار ومن حضر بعد أن قرر الأنصار بفضل المهاجرين عليهم، وأن الأمراء منهم. فعلم عند ذلك أنه بائن عند الأنصار من جميع المهاجرين كما بان عند المهاجرين، ولكنه كان سائسا رفيقا، فكره أن يقول بايعوني، ليكونوا هم الذين يطلبون منه ذلك ويريدونه عليه، ويظهرون حب تقديمه، لتكون النفوس بطاعته أسمح، وفيها أرغب، ولمذهبه أحمد، ولأن ذلك عندهم أبعد من الاستبداد عليهم، والافتيات بالأمر دونهم، والحرص على التأمر عليهم. ولذلك مشى في الناس بعد بيعته ثلاثا يقول: هل من مستقيل فيقال؟
وقد قال في خطبته بعد البيعة:
وقد كانت بيعتي فلتة، وخشيت الفتنة، وايم الله ما حرصت عليها يوما ولا ليلة، ولا سألتها الله في سر ولا علانية، وما لي فيها راحة، وقد قلدت أمرا عظيما ما لي به طاقة، ولوددت أن أقوى الناس عليها مكاني.
ألا ترى زهده فيها، وقلة حرصه عليها، وكيف يخبر أنه لو لم يخش الفتنة ما قبلها، ولود أن أقوى الناس عليها مكانه؟
وقوله: "لوددت أن أقوى الناس عليها مكاني" يقول: وددت أنه لو كان في الناس من هو أقوى عليها مني. ليس أنه يرى أن في الأرض يومئذ رجلا هو أقوى عليها منه.
ومثل هذا في كلام العرب كثير.
وقال الراجز وذكر إبله فقال، إذا كانت عليها مغارضها:
يشربن حتى تنقض المغارض *
يقول: يشربن حتى لو [كانت عليها مغارضها] سمعت لها نقيضا. والبعير لا يورد وعليه غرضه وبطانة.
ثم رجعنا إلى الحديث الأول.
فكأن أبا بكر حين قال: "بايعوا أي هذين شئتم" علم أن عمر وأبا عبيدة لا يستجيزان تقدمه والتأمر عليه، كما بلغنا من قول عمر في أبي بكر، يوم جمع المهاجرين والأنصار يستشيرهم في غزو الروم حيث خالفوه وأبى أبو بكر إلا إنفاذ ذلك الجيش والتعريف لهم بالحجة فيه، حين يقول: "الحمد لله الذي يخص بالخير من يشاء من خلقه. والله ما استبقنا إلى شئ من الخير إلا سبقنا إليه، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم".
وقال أيضا يوم السقيفة حين قال أبو بكر: بايعوا أي هذين شئتم: "والله لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلى من أن أتقدم أبا بكر".
وقال: "والله لأن أضجع فأذبح كما يذبح الجمل أحب إلى من أن أتقدم أبا بكر".
ولقد بلغ من تعظيمه له وتقديمه إياه أنه قال حين سئل عن الكلالة: "والله إني لأستحي الله أن أرى خلاف رأي أبي بكر".
وأنت لم تجد أبا عبيدة تقدمه في موقف قط، وقد وجدت أبا بكر قد تقدم أبا عبيدة في مواقف كثيرة، في حياة رسول الله ﷺ وبعد وفاته، كما حكينا لك قبل هذا. ولم نجد ذكر أبي بكر وعمر في موضع قط إلا وأبو بكر المقدم عليه، مع مقامات لأبي بكر شريفة ليس لعمر فيها ذكر.
فبين أن يكون أبو بكر يأمرهم بذلك أمرا أو يطلب إليهم طلبا، وبين أن يجعله إليهم فيكونوا الطالبين له والراغبين إليه، وليكون ذلك من تلقائهم وطيب أنفسهم، فرق عظيم.
وأية بيعة أثبت من بيعة عقدها عمر والنبي يقول: "ضرب بالحق على لسانه" و "الشيطان يفرق من حسه" و "اللهم أعز الإسلام بعمر"؟ وأية بيعة أثبت من بيعة عقدها أبو عبيدة والنبي يقول: "لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح".
وأية بيعة أثبت من بيعة عقدها عبد الرحمن بن عوف وقد سماه رسول الله ﷺ "الأمين". فإذا كان أمين رسول الله ﷺ في أمته، والفاروق الذي فرق الله به بين الحق والباطل، حيث قال: "لا يعبد الله سرا بعد اليوم" قد عقدا بيعته وأكدا أمره، فما عسى أن يبلغ قول قائل؟ ولو كان ذلك عن مواطأة من أبي بكر لأبي عبيدة كما واطأ معاوية عمرو بن العاص، ما استعمل عليه خالد بن الوليد أميرا أيام حياته حتى عزله عمر بن الخطاب، ولكان كما صنع معاوية بعمرو حين أطعمه مصر.
وأية بيعة أثبت من بيعة عقدها عبد الله بن مسعود، والنبي ﷺ يقول: "رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد، وكرهت لها ما كره ابن أم عبد". فإذا رضي ابن أم عبد بيعة رجل فقد رضيها النبي عليه السلام، إذ كان النبي قد قال: "رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد، وكرهت لها ما كره ابن أم عبد".
ولقد بلغ من تقديمه لأبي بكر وعمر وعثمان أنه قال عند اختيار الناس لعثمان: "ما ألونا أن جعلناها في أعلانا ذا فوق".
ولقد بلغ من تعظيمه لعمر وتقديمه له، أنه قال: "لقد خشيت الله في حب عمر". وقال: "ما صلينا ظاهرين حتى أسلم عمر". وقال بعد موت عمر: "إن عمر كان للإسلام حصنا حصينا يدخل الناس فيه ولا يخرجون منه، فلما مات انثلم ذلك الحصن فصار الناس يخرجون منه ولا يدخلون فيه". وقال: "إذا ذكر الصالحون فحي هلا بعمر".
فإذا كان عمر وعثمان من أتباع أبي بكر وشيعته وأوليائه، وهذا قوله فيهما وتفضيله لهما، فما ظنك به في أبي بكر؟
ولو أن رجلا واحدا من نحو من ذكرنا عقد لعلي إمامة، أو نطق فيه بكلمة، لأكلت الشيع والروافض هذه الأمة فضلا عن أن تحتج يرضاه واختياره. فهذا هذا.
ثم الذي نقلوا إلينا من تثبيت علي بيعة أبي بكر. وذلك أنهم قالوا: لما بويع أبو بكر وبايعه علي وبنو هاشم، قام أبو بكر فطاف في الناس ثلاثا يقول: "أيها الناس، قد أقلتكم بيعتي"! قالوا: يقول علي من بين الناس: "والله لا نقيلك ولا نستقيلك، قدمك رسول الله ﷺ تصلى بالناس فمن ذا يؤخرك؟".
ثم الذي نقله الناس عن علي حين قال على منبره: "ألا إن خير هذه الأمة أبو بكر، والثاني عمر، ولو شئت أن أخبركم بالثالث فعلت".
ونقلوا جميعا أن عليا قال: بينا أنا يوما عند رسول الله ﷺ إذ أقبل أبو بكر وعمر فقال النبي: "هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، ما خلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما بالذي قلت يا علي". قالوا: قال علي: لولا أنهما قد ماتا ما حدثتكم.
قال الشعبي: قال علي: "إن أبا بكر كان أواها منيبا، وإن عمر ناصح الله فنصحه الله".
ونقلوا أن عليا قال - ودخل على عمر وقد مات وهو مسجى - فقال: رحمك الله يا عمر! والله ما أحد أحب إلى أن ألقى الله بمثل صحيفته من هذا المسجى صاحب السرير!
وبلغه أن رجلا تناول أبا بكر وعمر، فقال للرجل: لو سمعت منك الذي بلغني لألقيت أكثرك شعرا.
وقال: لو أتيت برجل يشتمهما لجلدته حد المفتري.
ثم الذي نقله جميع أصحاب الآثار أنه قال: كنت إذا سمعت من النبي ﷺ حديثا نفعني الله بما شاء منه، فإذا حدثني غيره عنه استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، وإن أبا بكر حدثني - وصدق أبو بكر - حدثني أن النبي ﷺ قال: "ما من رجل يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين ويستغفر الله إلا غفر له".
ألا ترى كيف أورده بالتصديق وقلة التهمة، وأقامه مقام التقليد ورفع الاسترابة.
فهذا مذهب علي فيهما وتعظيمه لهما.
ثم الذي كان من تزويجه أم كلثوم بنت فاطمة بنت رسول الله ﷺ، من عمر بن الخطاب، طائعا راغبا، وعمر يقول: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إنه ليس سبب ولا نسب إلا منقطع إلا نسبي". قال علي: إنها والله ما بلغت يا أمير المؤمنين. قال: إني والله ما أريدها لذاك! فأرسلها إليه فنظر إليها قبل أن يتزوجها، ثم زوجها إياه، فولدت منه زيد بن عمر، وهو قتيل سودان مروان، فلما أتى النعي أم كلثوم كمدت عليه حزنا حتى ماتت، وقالت: واحربها! قتل أبوها علي بن أبي طالب، وقتل زوجها عمر بن الخطاب، وقتل ولدها زيد بن عمر.
ثم تسمية علي أولاده بأسمائهم، كما يتبرك الرجل بأسماء أئمته وقادته، حين سمى بعمر وعثمان وأبي بكر، فأعقب عمر ولم يعقب أبو بكر وعثمان.
ثم الذي كان من قبوله ولاية عمر حين استخلفه على المدينة، ومضى عمر معسكرا يريد جيش مهران بعد وقعة قس الناطف، فأتاه علي إلى معسكره فأشار عليه فيمن أشار بأن الرأي أن يرجع إلى المدينة ولا يلقاهم بنفسه وحده، بل يكون للمسلمين فيئة. فرجع عمر.
وإنما أراد عمر بذلك تحريك الناس ليجدوا ويعزموا.
فإن قالوا: هذا كله باطل، أو قالوا: إن هذا الذي حكيتموه وإن كان حقا فإنما كان على التقية. فقد قلنا في ذلك أجمع بالذي يكتفى به.
والعجب أنهم يوجبون على الناس تصديقهم أن سلمان قال: "كرداذ ونكرداذ" وأن الزبير خرج شادا بسيفه ليؤكد إمامة علي، وأن الأنصار إنما خالفت على المهاجرين نقضا من استبداد أبي بكر، وأن أبا سفيان بن حرب وخالد بن سعيد إنما قالا: "أرضيتم معشر بني عبد مناف أن يلي عليكم تيم"، نصرة لعلي دون جميع بني عبد مناف، فإن الله رد عليه الشمس، وإن النبي قال: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى"، وجعل إليه طلاق نسائه، وأنه قسم النار، وصاحب العرض، والقائم على الحوض. فيوجبون علينا أن نصدقهم في هذا، ولا يوجبون على أنفسهم لحمال الآثار أن عليا قال في الخلية والبرية، والبائنة، والبتة، وطلاق الحرج، وأمرك بيدك، والحرام، أنها كثلاث تطليقات، ويوجبون على طلاب الحديث أن عليا كان لا يرى الطلاق إلا طلاق السنة.
وهذا أمر ما سمعنا به قط عن علي إلا منهم.
وليس بأعجب من استشهاد خصومهم العيان والاجماع وما عليه الوجود، واستشهادهم القصد والضمير والغيب، وجعلهم له يوازن الظاهر والشائع.
وذلك أن القائل إذا قال: أسلم أبو بكر كهلا وأسلم علي طفلا. قالوا: كان علي وهو ابن سبع سنين أرجح عقلا من أبي بكر وهو ابن إحدى وأربعين سنة. فتركوا العيان وعارضوا الشاهد بالغائب.
وإن قال قائل: إن أبا بكر كان مع النبي في الغار وقد نطق به القرآن وثبته الاجماع. قالوا: فإن عليا أباته النبي على فراشه.
وإن قلت: إن النبي سمى أبا بكر بالصديق تفضيلا له ولم يجعل له اسما يفضله به. قالوا: بلى، قد كان النبي سماه الصديق الأكبر، ولكن الناس منعوه ذلك وظلموه، حين لم يسيروه ويشيعوه.
وإن قلت: إن النبي اشتكى أياما وليالي، كل ذلك يأمر أبا بكر بالصلاة، وهو حاضر ولا يأمره، قالوا: لأن عليا كان مشغولا بتمريضه.
وإن قلت: إن الناس لما افتتنوا بعد موت النبي وعظموا شأنه حتى دعاهم الإفراط إلى أن قالوا: لم يمت، ولكنه يغيب مثل ما غاب موسى عن قومه. فكان أبو بكر هو المتكلم والمحتج والمحامي حتى عرفهم الحق وتنبهوا من الوسنة. قالوا: لأن عليا قد كان اشتد حزنه حتى قطعه عن الاحتجاج والتعريف.
فإن قلت: حين أظهروا الفرقة والدار دارهم، لو تركهم أبو بكر ولم يعرفهم فضل المهاجرين عليهم، لكان في ذلك أشد الفتنة وأكبر الفساد، فعاجلهم وتجرد للاحتجاج عليهم، حين كان كل إنسان همه هم نفسه، وعلي بمعزل حتى كأنه كان غائبا. قالوا: لأن عليا قد كان عرف حسد قريش وبغيها عليه، وطاعتها وحبها لأبي بكر، فلم يكن ليقدح في غير مقدح، أو ينفخ في غير فحم.
فإن قلنا: إن إظهار علي الرضا بالشورى دليل على طاعة عمر. قالوا: إنما ذلك للتقية.
فإن قيل: فلم رضي بعبد الرحمن مختارا وعبد الرحمن عنده من عدوه، وأدنى منازله أن يكون كان مخوفا عنده، وأدنى من ذلك أن يكون الغلط غير مأمون عليه.
قلنا: وهلا أظهر من الخلاف شيئا يسير إلينا، وهلا نطق بحرف واحد بقدر ما يتخذه الناس بعد حجة، ولم يكن بلغ أقصى خلافهم فيرى وعيدا أو إيقاعا.
فإن قلت: إن عليا قال لأسماء بنت عميس - وهي يومئذ امرأته - حين تفاخر ولدها من أبي بكر وجعفر وعلي عندها: اقضي بين ولدك. فقالت: ما رأيت شابا كان أطهر من جعفر، ولا رأيت شيخا كان أفضل من أبي بكر، وإن ثلاثة أنت أخسهم لفضلاء! فلم ينكر ولم يحتج، ولم يفرق ولم يتعجب، والكلام يؤثر والقضية تظهر.
قالوا: إن فضله أظهر في الناس من أن يحتاج إلى الاحتجاج، وإنما قالت ذلك مازحة، كما تمزح المرأة مع زوجها وتحرش به.
فإن قلت: إن عليا قد بايع أبا بكر وأعطاه صفقته طائعا غير مكره، والحكم السابق من الله ورسوله أن المدعى عليه إذا أقر ولم ينكر، ولم ير الوالي أثر جنون ولا إكراها، أن إقراره جائز عليه، فكذلك علي إذا كان قد بايع وليس على رأسه سيف ولا سوط، فحكمه حكم الراضي المسلم.
قالوا: قد كان هناك إكراه ظاهر، ولكن الناس تكاتموه وأخفوه فيما بيننا وبينهم، إذ كان الجمهور الأكبر معهم.
فإن قلت: قد صدقناكم في قولكم إنه قد كان في تقية من أبي بكر وعمر وعثمان، رأيتم أيام سلطان نفسه ومعه مائة ألف سيف تطيعه وأهل الأرض كلهم رعيته ما خلا الشام، لم كان يظهر تزكية أبي بكر وعمر على منبره وفي مجلسه؟
قالوا: للتقية من رعيته، إذ كان أكثرهم على هواهم وطاعتهم.
قلنا: قد عرفنا أن تركه لعنهم والبراءة منهم والإخبار عن استبدادهم وظلمهم على التقية، فما حمله على تزكيتهم والأخبار عن محاسنهم، والرواية الحسنة فيهم، وقد كان له في السكوت سعة، وعن الكلام مندوحة؟ ولقد تعدى في مديح أبي بكر وعمر حتى قال لابن طلحة: "إني لأرجو أن أكون أنا وأبوك ممن قال الله: {إخوانا على سرر متقابلين}".
وإن قلنا: إن في تسميته بنيه بأسمائهم دليل على تعظيمه لهم.
قالوا: لأنه قد كان علم أن شيعته سيحتاجون في آخر الزمان إلى الترحم على أبي بكر وعمر وعثمان، تقية من شيعتهم، فسمى بنيه بأسمائهم، حتى يكون ذلك الترحم واقعا عليهم. ولأن ينصب لهم من إذا قصدوا إليه بالترحم أصابوا الحق ولم يحتاجوا إلى الإلطاط.
وإن قلنا: إنه زوج عمر غير مكره، ولا شئ أدل على الخاصة والصفاء من المشاركة والمصاهرة.
قالوا: قد كان هناك توعد وتخوف، وقد قال بعضهم: إن هذا باطل وإن عليا لم يزوج عمر قط. ونبئت عن بعضهم أنه قال: قد كان ذلك على التقية، ولكن الله صانها فأخفاها ورفعها.
فقيل له: فخبرنا عن التي رأوها في منزل عمر وعلى فراشه، وولدت منه زيدا، ما هي، وأي شئ كانت؟
قال: شيطانة في صورة امرأة.
وإن قلت لهم: كيف زعمتم أنه كان أشد أهل الأرض قلبا، وأنتم تزعمون أنه كان يتقي كل شئ، حتى ليسلم حرمته إلى كافر من غير أن يشهر عليه سيف أو يضرب بسوط. وقد رأينا من هو في دون حاله في النجدة والشجاعة، والحمية والبصيرة، يمتنع حتى يقتل في دون هذا. وقد تعلمون أنه لم يُكْلم ولم يخدش، فضلا على أن يجرح ويقتل، في جميع المقامات التي زعمتم أنه إنما استجاز واستحل من التقية.
وأعجب من جميع هذا أنا رأيناكم تزعمون أن أبا بكر وعثمان كانا من أجبن البرية وأبعده من حمية، وقد رأينا صنيع أبي بكر في الردة كيف نهض بالقليل في محاربة الكثير، وكيف أشاروا عليه بأن يستعين بجيش أسامة حتى إذا رد الردة أعاد الجيش إلى حاله. وكيف قال لهم حين قالوا له: إنا قد أمنا غزو الروم إيانا في يومنا هذا، ولسنا نأمن مع ارتداد جميع العرب أن نغزى في عقر دارنا! قال: لو بقيت حتى يأكلني الكلاب وحدي ما أخرت جيشا أمر رسول الله ﷺ بإنفاذه.
ثم رأينا عثمان، وهو عندكم أضعف من أبي بكر وأجبن، قد كان محاصرا معطشا مخذولا قد قهره عدوه، والسيوف تلمع على بابه، وقد أفضوا إلى داره، وتسلقوا عليه من خوختة، وهم يريدون نفسه أو خلع الخلافة من عنقه، فصبر حتى قتل كريما محتسبا وهو يقول: "لا أنزع قميصا قمصنيه الله!" وهو يرى الجد وليس معه أمان من قبله.
وقد يزعمون أن عليا قد كان يعلم أنه لا يقتل ولا يموت حتى يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، ومع ذا يزعمون أن الله قد كان أسر إليه علم كل ما يحدث في هذه الأمة من الفتن والهيج. وهذا لا يشبه اتخاذه أبا موسى حكما عليه وله، مع غباء أبي موسى وعداوته كانت له، ولا سيما إذا قرنه بعمرو بن العاص. وما ظنك برأي عمرو، وقد كان فيه معونة.
ففي جميع ما قلنا دليل على أن القوم إما أن يكونوا مالكين لأهوائهم.
فإن قالوا: ما الدليل على إسلام أبي بكر فضلا على تقديمه وتفضيله ومباينته؟ ومن أين لكم أن تزعموا أنه قد كان مسلما وأنتم وخصومكم مجمعون على أنه قد كان كافرا، ثم ادعيتم أنه قد أسلم بعد كفره وأنكر ذلك خصومكم، فليس لكم أن ترجعوا عما اجتمعتم عليه إلا بإجماع منكم يوازنه. وقد ينبغي أن تطرحوا موضع الفرقة وتقضوا بموضع الجماعة، وقد جامعتمونا أن عليا لم يزل مؤمنا.
قيل لهم: إنا لو كنا عرفنا أنه قد كان مرة كافرا من قبل خبر أصحابنا ومجامعة خصومهم لهم، وكان علم ذلك لا يصاب إلا بمجامعتهم لأصحابنا، لقد كان الذي قلتم واجبا وقياسا صحيحا. ولكنا عرفنا أنه قد كان كافرا بقدر من الخبر قد يكذب مثله، وبه ثبت عندنا أنه قد كان في الدنيا، فضلا على أن يكون كان له فعل يسمى كفرا وإيمانا. وإنما الحجة في المجئ الذي لا يكذب مثله، ثم لا نلتفت بعد ذلك إلى موافق ولا إلى مخالف، ولا إلى عقل ولا إلى نظر. ثم نظرنا فإذا الوجه الذي منه علمنا أنه قد كان في الدنيا، منه علمنا أنه قد كان مرة كافرا، و [هو] الوجه الذي منه علمنا أنه قد أسلم بعد كفره. ولو أنا عرفنا كفره بنا وبخصومنا، لما عرفنا إيمانه إلا بنا وبهم.
ووجه آخر من الجواب: أنكم قد جامعتمونا على أنه قد كان يشهد الشهادة، ويأكل الذبيحة، ويظهر الإسلام، في حيث النفاق مستخف وثوب الإسلام داج، والكفر ذليل والإسلام عزيز، [ثم] ادعيتم بعد أن أقررتم أنه قد كان يظهر الإسلام في دار الإسلام، أنه كان مستسرا بالكفر، وأنه كان من المؤلفة قلوبهم.
فالواجب بالقياس أن يحكم له بالإسلام على ظاهر ما اجتمعنا عليه من جملته. ولا ندع موضع الإجماع إلى قولكم وحدكم: إنه قد كان إسلامه على نفاق، لأن الجماعة لا تنزل إلى فرقة، ولأن الحجة لا تترك إلا بحجة.
فإن قالوا: فإن أبا بكر لم يشهد قط الشهادة، ولا صلى [إلى] القبلة.
قلنا: ما تقولون في رجل رأيناه كافرا في دار الكفر، ثم رأيناه بعد ذلك في دار الإسلام وفي زي أهله، وحكم الإسلام غال، ومعلوم أن من عادة أهله قتل من كفر، كيف يكون حكم ذلك الرجل؟
فإن قالوا: ولكنا نقف في مغيبه.
قلنا: اجعلوا أبا بكر ذلك الرجل.
فإن قالوا: فإن أبا بكر لم يزل يظهر الكفر في دار الإسلام، كما كان يظهر الكفر في دار الكفر.
قلنا: لا بد لكفره من وجهين: إما أن يكون كان يظهره على عهد وذمة فلذلك لم تقتلوه، أو يكون كان على غير عهد وذمة.
فإن ادعوا أن كفره كان على عهد وذمة كما جعل الله ورسوله للنصارى ولليهود، خرجوا إلى ما لا نحتاج مع فحشه إلى الكلام فيه. وإن زعموا أنه كان على غير عهد وذمة وحكم الإسلام ظاهر، فما أشبه هذا القول بالقول الأول.
ويقال لهم: خبرونا عن أبي بكر، هل يخلو من أن يكون لم يقل قط في دار الإسلام: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أو يكون قد قال ذلك مرة واحدة؟
فإن زعموا أنه قد قالها مرة واحدة ثم تركها، قيل لهم: فقد أقررتم وجامعتم خصومكم على أنه قد شهد الشهادة، فليس لكم أن تخرجوه إلى نفاق أو إلى ترك، إلا لمجامعة خصومكم لكم، إذ كانت الفرقة لا تنقض الجماعة.
فإن قالوا: فإنه لم يقل لا إله إلا الله محمد رسول الله مرة قط من دهره، لا على نفاق ولا على غيره، بل كان يظهر عبادة الأصنام، ثم مع ذلك سلم على حكم الكتاب والسنة، وعلى حكم الدار. فليس عندنا في ذلك إلا إسقاطه وتحريم كلامه وإمضاء حكم مثله فيه.
بل قد ثبت إسلامه بعد الوجوه التي ذكرتها بوجوه:
منها أن الله أثنى على عباده الصالحين، فخص بتفضيله السابقين والمهاجرين الأولين. وقد اجتمعت الأمة أنه من المهاجرين الأولين مع فضيلة هجرته، إذ كانت هجرته وهجرة رسول الله ﷺ معا. فهذا وجه.
ثم الذي رأينا من ذكر الله وثنائه على أهل بدر. وقد أجمع المسلمون أنه كان ممن شهد بدرا، مع ما فضل من الكون في العريش، ولا موضع أدل على الخاصة من ذلك الموضع في ذلك الموقف، مع ما شهد به من مستجيبيه وعتقائه ومواليه، ولقد بلغ من قدر من شهد بدرا أن عامة الفقهاء تحدث: "أن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم" فلذلك كان الحسن يقول: إن طلحة والزبير وعليا في الجنة معا وإن لم يكونوا كانوا في الدنيا، لأنهم عتقاء الله من النار، ولم يكن الله ليعتق عبدا ثم يعيده في رقه. ولذلك كان الحسن وحوشب وهاشم الأوقص وبكر ابن أخت عبد الواحد يقولون إذا ذكروا يوم الجمل: "هلكت الأتباع ونجت القادة". فهذا هذا.
ثم الذي كان من ذكر الله وحسن ثنائه على من بايع تحت الشجرة.
وأي شئ أعجب من اجتماع السلف مهاجريها وأنصاريها خلا أربعة نفر على تقديم رجل في مقام رسول الله ﷺ ليقضي في أبشارهم وأشعارهم، وفروجهم وأموالهم، ويحمل أماناتهم، ويدعونه خليفة رسول الله، حتى تترك الشريف المطاع ذا السابقة والقدم وتولي مكانه الخامل القليل المقصر، فلا يراد ولا يدافع، ولا يراجع ولا يستفهم، وهو المعروف عندهم بجحد الرسول وعبادة الأوثان، وليس بذي عشيرة منيعة.
ولا يستطيع أحد أن يزعم أنه قد كان واطأ العشائر ليصرفوا إليه عونهم على أن يؤثرهم ويفضلهم، ولو كان ذلك لظهر علمه ولم يخف أثره. ومثل هذا لا يستطاع كتمانه وستره وتزميله.
وكيف وقد سوى بين الرفيع والوضيع، والذليل [و] المنيع؟ فلم يؤثر قريبا ولم يول نسيبا.
ولو استعان بطلحة وولاه وفضله لقد كان لذلك موضعا، وللولاية والتقديم أهلا، بل صنع ضد ما يصنعه أصحاب الميل والأثرة، والعصبية والمواطأة.
ولو كان قريب القرابة لجاز لقائل أن يقول: إنما قدم لقرابته.
ولو كان عصبية لقالوا: إنما استحق بوراثته.
ولو كان منيع الرهط لقالوا: إنما قدم لكثرة قبيلته.
ولو كان استعان بقوم على مواطأة وشريطة، كصنيع معاوية بذي الكلاع وعمرو بن العاص، لقالوا: إنما قدم رهبة ممن واطأه، ورغبة فيمن أكد هواه.
[و] ولى بني مخزوم أعناق العرب وقتال أهل الردة، وحرب مسيلمة ومحاربة طليحة، دون رهطه. ولو ولى ذلك طلحة لكان لذلك أهلا، ولكن الطاعن قد كان يجد سببا.
وكذلك عمر بن الخطاب لو كان أدخل في الشورى سعيد بن زيد كما كلم في ذلك، وأدخل في الرقباء عبد الله بن عمر كما كلم في ذلك، لكان لذلك أهلا، ولكن الطاعن قد كان يجد متعلقا.
وولى خالد بن الوليد حرب مسيلمة وطليحة وبني تميم وأهل البادية، وولى عكرمة ردة عمان، وولى المهاجر بن أبي أمية ردة أهل نجير واليمن. وما زال عمر يعاتبه في خالد فيقول أبو بكر: "لا أشيم سيفا سله الله على الكفار". فهذا هذا.
والعجب لهذه الأمة كيف اختلفت في رجلين أحدهما خير خلق الله، والآخر شر خلق الله، وكيف اختلفت في رجلين أحدهما لم يزل مؤمنا والآخر لم يزل كافرا، ثم كان المقدم الخسيس الكافر على الرفيع المسلم!
[وهم] أصحاب القرآن وخاصة الرسول من الصحابة والبدريين والأنصار والمهاجرين، وهم الذين قال فيهم التابعون: خير هذه الأمة أصحاب محمد ﷺ، ابتلوا فصبروا، وأنعم عليهم فشكروا.
والعجب كيف رأوا تفضيل علي على أبي بكر وعمر مديحا له. وإنما كان يكون علي عاليا رفيعا متقدما زاهدا عالما سائسا أن لو كان أفضل من فضلاء، وأعلم من علماء، وأعقل من عقلاء، وأزهد من زهاد، وأسوس من ساسة، فأما أن يكون أفضل من أنقص الناس، وأزهد من أرغب الناس، وخيرا من شر الناس، وأعلم من أجهل الناس، فليس في هذا التفضيل درك فيتكلفه متكلف، ويقوم به قائم.
والعجب من رجلين بينهما هذا التفاوت والتباين ثم شهد المتكلمين من سمعهما يتنازعان فيهما، فيحسب الحاضر أن شرهما خيرهما، وهو الأريب الأديب الذاهب مع التعارف عن التناكر. وكيف التبس الأمر وأشكل أن لم يكن الأمر مشكلا ملتبسا.
وكيف يجوز أن يكون أبو بكر لم يزل كافرا، أو يكون كفر بجحده إمامة علي وكفر معه المهاجرون والأنصار، وقد أجمع أصحاب الأخبار وحمال الآثار أن النبي ﷺ قال: "إن من أمتي سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب" فقام عكاشة بن محصن فقال: يا رسول الله، ادع الله يجعلني منهم. قال: أنت منهم. فقتل مع خالد بن الوليد يوم بزاخة في إمرة أبي بكر وطاعته والإقرار بخلافته، قتله طليحة بن خويلد الأسدي. فكيف يجوز أن تكون إمامة أبي بكر معصية فضلا على أن تكون كفرا والمقتول في طاعته والمنقاد لأمره من أهل الجنة.
ثم تزعم الروافض أن من الدليل على أن عليا كان المحق دون طلحة والزبير، أن النبي ﷺ [قال] وذكر زيد بن صوحان: "زيد. وما زيد! يسبقه عضو منه إلى الجنة" فقتل يوم الجمل. فجعلوا الدليل على صواب علي في قتاله أن زيدا قتل في طاعته.
قيل لهم: ففي قول النبي: "يسبقه عضو منه إلى الجنة" دليل أن ذلك العضو لم يسبق إلى الجنة إلا وقد قطع في طاعة الله. وقد أجمعوا أن يده قطعت يوم نهاوند، في طاعة عمر.
وهذا باب كبير إن تتبعه متتبع. ولكنا أردنا أن ندل على جميع الأبواب في تفضيل الشيخين، ونفي التنقص عنهما.
وإن سأل سائل فقال: هل على الناس أن يتخذوا إماما وأن يقيموا خليفة؟
قيل لهم: إن قولكم "الناس" يحتمل الخاصة والعامة، فإن كنتم قصدتم إليهما، ولم تفصلوا بين حاليهما، فإنا نزعم أن العامة لا تعرف معنى الإمامة وتأويل الخلافة. ولا تفصل بين فضل وجودها ونقص عدمها، ولأي شئ ارتدت ولأي أمر أملت، وكيف مأتاها والسبيل إليها، بل هي مع كل ريح تهب، وناشئة تنجم، ولعلها بالمبطلين أقر عينا [منها] بالمحقين.
وإنما العامة أداة للخاصة، تبتذلها للمهن، وتزجي بها الأمور، وتطول بها على العدو، وتسد بها الثغور. ومقام العامة من الخاصة مقام جوارح الإنسان من الإنسان، فإن الإنسان إذا فكر أبصر، وإذا أبصر عزم، وإذا عزم تحرك أو سكن وهدأ بالجوارح [دون القلب. وكما أن الجوارح] لا تعرف قصد النفس ولا تروى في الأمور، ولم يخرجها ذاك من الطاعة للعزم، فكذلك العامة لا تعرف قصد القادة ولا تدبير الخاصة، ولا تروى معها، وليس يخرجها ذلك من طاعة عزمها، وما أبرمت من تدبيرها.
والجوارح والعوام وإن كانت مسخرة ومدبرة فقد تمتنع لعلل تدخلها، وأمور تصرفها، وأسباب تنقضها، كاليد يعرض لها الفالج، واللسان يعتريه الخرس، فلا تقدر النفس على تسديدهما وتقويمهما، ولو اشتد عزمها وحسن تأتيها ورفقها. وكذلك العامة عند نفورها وتهييجها وغلبة الهوى والسخف عليها، وإن حسن تدبير الخاصة وتعهد الساسة. غير أن معصية الجارحة أيسر ضررا وأهون أمرا، لأن العامة إذا انكفت بالخاصة وتنكرت للقادة، وتشزنت على الراضة، كان البوار الذي لا حيلة له، والفناء الذي لا بقاء معه.
وصلاح الدنيا وتمام النعمة، في تدبير الخاصة وطاعة العامة، كما أن كمال المنفعة وتمام درك الحاجة بصواب قصد النفس وطاعة الجارحة، لأن النفس لو أدركت كل بغية، وأوفت على كل غاية، وفتحت كل مستغلق، واستثارت كل دفين، ثم لم يطعها اللسان بحسن العبارة، واليد بحسن الكتابة، كان وجود ذلك المستنبط - وإن جل قدره وعظم خطره - [وعدمه] سواء.
فالخاصة تحتاج إلى العامة كحاجة العامة إلى الخاصة. وكذلك القلب والجارحة. وإنما العامة جنة للدفع، وسلاح للقطع، وكالترس للرامي، والفأس للنجار. وليس مضى سيف صارم بكف امرئ صارم بأمضى من شجاع أطاع أميره وقلد إمامه. وما كلب أشلاه ربه وأحمشه كلابه بأفرط تنزقا ولا أسرع تقدما ولا أشد تهورا من جندي أغراه طمعه وصاح به قائده.
وليس في الأعمال أقل من الاختيار، ولا في الاختيار أقل من الصواب، فلباب كل عمل اختياره، وصفوة كل اختيار صوابه، ومع كثرة الاختيار يكثر الصواب. فأكثر الناس اختيارا أكثرهم صوابا، وأكثرهم أسبابا موجبة أقلهم اختيارا، وأقلهم اختيارا أقلهم صوابا.
فإن قالوا: فقد ينبغي للعوام ألا يكونوا مأمورين ولا منهيين، ولا عاصين ولا مطيعين.
قيل لهم: أما فيما يعرفون فقد يطيعون ويعصون.
فإن قالوا: فما الأمر الذي يعرفون من الأمر الذي يجهلون؟
قيل: أما الذي يعرفون فالتنزيل المجرد بغير تأويله، وجملة الشريعة بغير تفسيرها، وما جل من الخبر واستفاض، وكثر ترداده على الأسماع، وكروره على الافهام. وأما الذي يجهلون فتأويل المنزل، وتفسير المجمل، وغامض السنن التي حملتها الخواص عن الخواص من حملة الأثر وطلاب الخبر، مما يتكلف معرفته ويتتبع في مواضعه، ولا يهجم على طالبه، ولا يقهر سمع القاعد عنه.
والخبر خبران: خبر للخاصة فيه فضل على العامة، كالصلوات الخمس، وصوم رمضان، وغسل الجنابة، وفي المائتين خمسة. وخبر تفضل فيه الخاصة العامة، وهو كما سن الرسول في الحلال والحرام وأبواب القضاء والطلاق والمناسك والبيوع والأشربة والكفارات، وأشباه ذلك.
وباب آخر يجهله العوام ويخبط فيه الحشو، ولا تشعر بعجزها و [لا] موضع دائها. ومتى جرى سببه أو ظهر شئ منه تسنمت أعلاه، وركبت حومته، كالكلام في القدر والتشبيه، والوعد والوعيد. لأنها قد تحجم [عن] دعوى الفتيا، ولا تتهافت فيها، [ولا] تتسكع فيما لا يعرف منها، ولا تستوحش من الكلام في [التعديل والتجوير، ولا تفرغ من الكلام في] الاختيار والطباع، ومجئ الأخبار وكل ما جرى سببه من دقيق الكلام وجليله في الله وفي غيره.
ولو برز عالم على جادة منهج وقارعة طريق، فنازع في النحو واحتج في العروض، وخاض في الفتيا، وذكر النجوم والحساب والطب والهندسة وأبواب الصناعات، لم يعرض له ولم يفاتحه إلا أهل هذه الطبقات.
ولو نطق بحرف في القدر حتى يذكر العلم والمشيئة والاستطاعة والتكليف، وهل خلق الله الكفر وقدره أو لم يخلقه ولم يقدره، لم يبق حمال أغثر ولا نطاف غث، ولا خامل غفل، ولا غبي كهام، ولا جاهل سفيه، إلا وقف عليه ولاحاه، وصوبه وخطاه، ثم لم يرض حتى يتولى من أرضاه، ويكفر من يخالف هواه. فإن جاراه محق، أو أغلظ له واعظ، واتفق أن يكون بحضرته أشكاله، استعوى أمثاله، فأشعلوها فتنة، وأضرموها نارا.
فليس لمن كانت هذه صفته أن يتحيز مع الخاصة، مع أنه لو حسنت نيته لم تحتمل فطرته معرفة الفصول وتمييز الأمور.
فإن قالوا: ولعلهم لا يعرفون الله ورسوله كما لا يعرفون عدله من جوره، وتشبيهه بخلقه من نفي ذلك عنه، وكما لا يعرفون [القرآن و] تفسير جمله وتأويل منزله.
قيل لهم: إن قلوب البالغين مسخرة لمعرفة رب العالمين، ومحمولة على تصديق المرسلين، بالتنبيه على [مواضع] الأدلة، وقصر النفوس على الروية، ومنعها [عن] الجولان والتصرف، وكل ما ربث عن التفكير، وشغل عن التحصيل، من وسوسة أو نزاع شهوة، لأن الإنسان ما لم يكن معتوها أو طفلا فمحجوج على ألسنة المرسلين عند جميع المسلمين، ولا يكون محجوجا حتى يكون عالما بما أمر به، عارفا بما نهي عنه. لأن من لم يعلم في أي الضربين سخط الله وفي أي النوعين رضاه، ثم ركب السخط أو أتى الرضا، لم يكن ذلك منه إلا على الاتفاق. وإنما الاستحقاق مع القصد. والله يتعالى أن يعاقب من لم يرد خلافه ولم يعرف رضاه، أو يحمد من لم يعتمد رضاه ولم يقصد إليه.
ولم يكن الله ليعدل صنعته ويسوي أداته، ويفرق بينه وبين المنقوص في بنيته وتركيبه، إلا ليفرق بين حاله وحال الطفل والمعتوه. وليس للمعرفة وجه إلا لتبصيره وتخييره، ولولا ذاك لم يكن للذي خص به من الإبانة، وتعديل الصنعة، وإحكام البنية معنى. والله يتعالى عن فعل ما لا معنى له.
وفي قول الله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} دليل على ما قلنا.
وليس لأحد أن يخرج بعض الجن والإنس من أن يكون خلق للعبادة إلا بحجة. ولا حجة إلا في عقل، أو كتاب، أو خبر.
فإن قالوا: فإن كان الله إنما أبانهم بالتعديل والتسوية للعبادة والاختيار مع الأمة فحكمهم حكم المسلمين المتعبدين، وإنما الإمام إمام المسلمين والمتعبدين.
قلنا: إنما يلزم الناس الأمر فيما عرفوا سبيله، وليس للعوام خاصة معرفة بسبيل إقامة الأئمة فيلزمها أمر، أو يجرى عليها نهي.
والعامة وإن كانت تعرف جمل الدين بقدر ما معها من العقول فإنه لم يبلغ من قوة عقولها وكثرة خواطرها أن ترتفع إلى معرفة العلماء، ولم تبلغ من ضعف عقولها أن تنحط إلى طبقة المجانين والأطفال.
وأقدار طبائع العوام والخواص ليست مجهولة فنحتاج إلى الإخبار عنها بأكثر من التنبيه عليها، لأنكم تعلمون أن طبائع الرسل فوق طبائع الخلفاء، وطبائع الخلفاء فوق طبائع الوزراء، وكذلك الناس على منازلهم من الفضل، وطبقاتهم من التركيب في البخل والسخاء، والبلدة والذكاء، والغدر والوفاء، والجبن والنجدة، والجزع [والصبر] والطيش والحلم، والكبر والتيه، والحفظ والنسيان، والعي والبيان.
ولو كانت العامة تعرف من الدين والدنيا ما تعرف الخاصة، كانت العامة خاصة، وذهب التفاضل في المعرفة، والتباين في البنية. ولو لم يخالف بين طبائعهم لسقط الامتحان وبطل الاختبار، ولم يكن في الأرض اختيار. وإنما خولف بينهم في الغريزة ليصبر صابر، ويشكر شاكر، وليتفقوا على الطاعة. ولذلك كان الاختلاف هو سبب الائتلاف.
ويقال لهم عند ذلك: إنكم قد أكثرتم في أمر العوام، وخلطتم في الحكم عليهم. فمرة تزعمون أنا نكذب عليهم حين نزعم أنهم غير محجوجين، لأنهم بزعمكم لا يفصلون بين الأمور، ولا يفرقون بين الكاذب المحتال وبين الصادق المحق. وجعلتم الدليل على ذلك أنكم اعترضتموهم بزعمكم فسألتموهم عن الدليل والحجة، والفرق والعلة، فلم تجدوهم يشعرون بما يلزم فيها ولا يعرفون بابها، وكيف الكلام فيها.
وإنا معشر أصحاب المعرفة قد تعمدنا الكذب عليهم، حين زعمنا أنهم يعرفون ذلك، ويفرقون بين معانيه، ومرة تزعمون أنهم يعرفون ما يعرفه الخواص والعلماء، ويعلمون ما يعلمه المتكلمون والفقهاء، من إقامة الأئمة وعقد الخلافة. فمرة تخرجونهم من جميع المعرفة، ومرة تجعلونهم في غاية المعرفة. وأعدل الأمور في ذلك وأقسطها أن تزعموا أنهم يعرفون جمل الشرائع الظاهرة الجلية وجمل السنن الواضحة المستفيضة، ويجهلون تفسير جملها وتأويل منزلها، وكل منصوص لم يظهر كظهور الحج، ولم يشهر كشهرة صوم رمضان، وغسل الجنابة، وتحريم الخمر والخنزير والميتة والدم.
ولكن دعونا جانبا، واضربوا عما نقول صفحا، وقربوا جميع القولين لنتعاون عليهما، فأيهما كان أثبت على الامتحان، وأنفى للقذى، وأحسن مغزى، وأجد على الأيام، وأصح على التقليب، دِنّا به، وحامينا عليه، وتقربنا به، وآثرناه على ما سواه.
على أنا لا نستملي حق ذلك وصدقه إلا منكم، ولا نحتج عليكم إلا بما تقرون به على أنفسكم.
خبرونا عن العوام: هل يخلو أمرهم من أن يكونوا محجوجين أو غير محجوجين؟ فإن كانوا غير محجوجين فقد دخلوا في أكثر مما عابوا. وإن كانوا محجوجين فهل تخلو الحجة الذي بها قطع الرسول عذرهم من ضربين: إما أن تكون المعرفة بصدق الرسول وفصل ما بينه وبين المتنبي كما نقول. وإما أن تكون الحجة في الدليل على المعرفة، وليست بالمعرفة.
فإن زعموا أن الحجة هي المعرفة فقد وافقوا وأصابوا، وإن زعموا أنها الدليل على المعرفة فليخبرونا عن ذلك الدليل ما هو؟
فإن قالوا: هو كلام الذئب، وحنين العود، وإظلال الغمامة، وقصة الميضأة، وخد الشجرة، وكلام الذراع، وعجز الشعراء عن تأليف القرآن، والبشارات برسالته في الكتب.
قلنا: قد صدقتم فيما ذكرتم من هذه الآيات والأعاجيب، ولكن [لا] تخلو عقول العوام من أن تكون قد عرفت هذا كله وأقرت به، أو لم تعرفه ولم تقر به، ولم تودع العلم بصحة مجيئه.
فإن زعموا أنها لم تعرف ذلك ولم تقرر به، قيل لهم: فمن أين زعمتم أن الحجة لهم قاطعة، والفريضة لهم لازمة، ولا يعرفوا الحق ولا الدليل عليه.
وإذا كانت المعرفة لا تستطاع إلا بالدليل، والدليل معدوم، والتكليف لازم، فقد كلفوا ما لا يستطاع، ولم يضع الكلام بيننا وبين الجبرية.
وإن كان الله قد قرر عقولهم بالآيات، وعرفهم صدقها وصحة مجيئها، فإنما الفرق بيننا وبينهم أنا نزعم أن العاقل إذا كان قد جرب بعض التجربة أنه لا يمتنع من تصديق من أحيا الموتى، وأبرأ الأكمه، وفلق البحر، وأنطق السباع. وأنتم تزعمون أنه يمتنع، ويجوز أن يعتقد أنه أكذب العالمين وأبطل المبطلين، مع ما أراه من عظيم البرهان وعجيب الآيات. ولعل قوم موسى كلما زادهم موسى آية وأردفها بعلامة، ازدادوا جهلا بصدقه واستبصارا في تكذيبه.
وكيف يستطيع ذلك من صحت فطرته، وقد جرب من أمور الدنيا بعض التجربة، وعرف ما يحدث في العادة وغير العادة.
وإن كانت العامة قد قررت بأعلام الأنبياء، وعرفت الآيات كما زعمتم، فقد كان ينبغي لنا إذا سألناهم عن صدقها وصحة مجيئها وإن لم نفصل بينها وبين جبلة المبطل، أن يخبرونا عنها وينزلوا لنا أمرها. فما بالنا إذا سألناهم لم نرهم يعرفونها. ولا يحصلون مجيئها، ولا يخبرونا عن صدقها.
فإن كان لكم أن تقضوا على العامة بالجهل بين النبي والمتنبي. لأنهم لم تروهم يحسنون الفروق، ويفصلون بين الأمور، فقد ينبغي لنا أيضا أن نقضي عليهم بالجهل، وأنهم لم يعرفوا الدلالة، ولم يقرروا بشئ من الآيات والأعاجيب.
فإذا كان القوم عندكم محجوجين قد قرروا وعرفوا، ونحن لا نجد عندهم على المسألة من ذلك شيئا، وجاز لكم أن تزعموا ما زعمتم، فلم لا يجوز لنا أن نزعم أنهم [كانوا] عارفين وإن لم نجد ذلك عندهم على المسألة.
ولولا أني قد ذكرت هذا الباب مفسرا في "كتاب المعرفة" لأخبرت من أي وجهة جاز أن يكون بعض العارفين لا يخبر عن كل ما في نفسه ومن أين امتنع ذلك عليه.
فإن قالوا: قد فهمنا قولكم في العامة، فما تقولون في الخاصة؟ فهل كلفها الله ذلك أم لم يكلفها كما لم يكلف العامة؟ وفي ذلك سقوط التكليف عن الجميع.
قلنا: بل نقول: إن على الناس إقامة الإمام، نريد الخاصة. ولا نقول أيضا إن على الخاصة إقامة الإمام إلا على الإمكان.
فإن قالوا: وما سبب عجز الخاصة وإمكانها؟
قلنا: من ذلك أن تكون العامة عليها مع جند الباغي المتغلب.
فإن قالوا: فهل يلزمها فرض الإقامة إذا كانت العامة كافة عن العون عليها.
قلنا: قد يلزمها في ذلك ولا يلزمها في أخرى.
وإن قالوا: ففي أية الحالين يلزمها؟
قلنا: إذا كان المستحق للإمامة والمستوجب للخلافة معروف الموضع، مكشوف الأمر، وكانت التقية عنها زائلة.
فإن قالوا: وكيف لا تكون التقية عنها زائلة، وهي على حال أكثر عددا من جند المتغلب والباغي، والعامة كافة ممسكة لا لها ولا عليها.
قلنا: إنه ليس في حال أكثر عددا. فإذا كانوا أكثر عددا وكانت التقية زائلة، فعليهم إقامته.
فإن قالوا: فلم جعلتم لهم التقية، وأسقطتم عنهم الفرض في الحال التي هم فيها أكثر عددا؟
قلنا: لأسباب، منها أن العدو إذا كان معدا ذا سلاح وعتاد وكراع، وكانوا على هيئة وأمرهم جميع، فقليل مجتمع أكثر من كثير نشر. مع أن معهم أنفذ السلاحين، وأوفر العتادين: الضَّرا والدُّربة، وحسن التدبير والمعرفة، بطول الممارسة وكثرة الحاجة.
ومنها أن الخاصة، وإن عرفت موضع المستحق، وظهر لها المستوجب، وكانوا أكثر جماحا، فكل واحد منهم على ثقة من محل صاحبه به وخذلانه له. ولا بد، ما دامت التقية، من التواكل والتخاذل، وإن اتفق رأي الجميع في المغيب على النصرة. وليس ينتفع باتفاق أهوائهم ما لم يتشاعروا.
فإن قالوا: إن كان الأمر كما تصفون وجب ألا يقيموا إماما أبدا، لأنهم كما لا ينفكون من التقية، كذلك لا ينفكون من التخاذل.
قلنا: ليس الأمر كما تقولون، لأن تقية بعض الخاصة لبعض قد تزول بأسباب كثيرة: منها أن تسوء سيرة المتسلط الباغي فيهم ويفحش جوره، ويكثر تعضيله واستئثاره وقهره، حتى يكون ذلك إحراجا لهم وسببا للكلام والشكاية والتلاقي، لأنهم قد عموا بالإحراج معا ليكون كل واحد من المحرجين يتكل على رأي صاحبه. لعلمه بالذي لقي من المكروه الذي هو فيه، من ثوران النفس وتهييج الطبيعة، فلا يزال بهم ذلك حتى يتفقوا في الظاهر كاتفاقهم في الباطن، إذ كان الإحراج قد شملهم وعمهم، وبلغ أقصاهم بعد أدناهم. وعند التلاقي تزداد النفوس حمية وغضبا وبصيرة. فإذا تباثوا وتكاشفوا وشاع ذلك من شأنهم، وشهر من أمرهم، علموا أن ذلك قد ظهر لعدوهم، والمتسلط عليهم. فإذا علموا ذلك علموا أنهم قد لحجوا في الحرب، ونشبوا في المناصبة. فإذا علموا ذلك لم يجدوا بدا من بذل المال، وإعطاء الجهد. وإنما هي أسباب ترامى، وعلل تداعى، وأمور تهيج أمورا، وأسباب توجب أفعالا، فعند ذلك تمكن الشدة، ويجب الفرض. ومدار الأمر على الإمكان، فمتى بطل بطل الفرض، ومتى وجد وجد الفرض.
وربما كان سبب تكاشفهم ما يعرفون من ضعف جند الباغي عليهم، والمستبد عليهم بأمرهم.
ولضعفهم أسباب: فربما كان لاختلاف يقع بينهم. وربما كان لعدو يدهمهم وينازعهم ملكهم، وربما كان للخلل يدخل عليهم. والرقة تصيبهم، من موت أعلامهم أو قتل قوادهم، وربما كان لضعف رأي مدبرهم وسياسة سائسهم، أو موت قيمهم.
فبهذا وأشباهه تتكاشف الناس، وتظهر على ألسنتهم ضمائرهم، وتبدو أسرارهم ونفوسهم من قبل ذلك حنقة عليهم، متدينة بخلعهم والاستبدال بهم، وإنما أمسكت عن الإنكار وأظهرت التسليم ريثما تجد فرصة وترى خلة، ويستجمع الأمر، وتزول التقية. مع أنا نعلم أن العامة أسخف أحلاما وأخف حركة وأشد طيشا، أن تؤثر الكف والعزلة والتسليم والمجانبة، عند حرب المحقين المتسلطين. ولو كانت تطيق ذلك ويجوز عليها ما كانت العامة بعامة، ولكانت العامة خاصة. ولكنا أجبنا على قدر مجرى المسألة.
وإنما البلية العظمى والداهية الكبرى، أن تنماز العامة حتى يصير بعضها مع الخاصة، وبعضها مع البغاة والظلمة.
والجملة أنهم متى أقرنوا لعدوهم وأمكنهم منعهم، والرجل المستحق ظاهر لهم معروف عندهم، فعليهم إقامته والدفع عنه.
فإن قالوا: ومن لهم بمعرفة الرجل الذي لا بعده؟
قيل: إنه ليس على الناس أن يصنعوا المعرفة، وإنما عليهم إذا عرفوه واستطاعوا إقامته أن يقيموه، ولا بد للناس أن يقوم فيهم - إذ فرض ذلك عليهم - رجل يصلح لجباية خراجهم، وإقامة صلاتهم، وسد ثغورهم، وتنفيذ أحكامهم.
فإن قالوا: فكيف تعرفون فضله ولم تقابلوا بينه وبين غيره، وأهل الفضل كثير، والفضل ممنون مستفيض؟
قيل: كما بان عند المعتزلة عمرو بن عبيد، وكما بان الحسن بن حي عند الزيدية من بينها، وكما بان مرداس بن أدية عند جميع الخوارج من بينهم، وكما علمتم من حال غيلان بدمشق، وحال عبد الله بن المبارك بخراسان. وليس أن المعتزلة اجتمعت من أقطار الأرض فقالت نعم جميعها، ولا وضعت فيه شورى، ولا تساوى منهم نفر فاحتاجوا إلى القرعة. وكذلك الزيدية في الحسن بن حي، والخوارج في مرداس بن أدية. ولكن الأمور ترد على القلوب، وتهجم على العقول على طول الأيام، [إما] بالخبر الذي يشفي من الشك ويبرئ السقم، وإما بالعيان الذي يثلج الصدور ويضطر العقول.
وقد علمنا نحن على حداثة أسناننا وتقادم الناس قبلنا، أن جالينوس قد كان بائنا في طبه، وأن الارسطاطاليس كان البائن في المنطق.
وكذلك علمنا أن قيس بن زهير كان داهية قيس في الجاهلية، وأن الحارث بن ظالم كان فاتكها، وأن هرم بن سنان كان جوادها، وأن النابغة كان شاعرها، وأن الحارث بن كلدة كان أطبها، وأن عامر ابن الطفيل كان أفرسها. ولم نضع قط في هذا شورى، ولا وضعه من كان قبلنا، ولا استجمعت قيس فقابلت بين خصال هؤلاء وبين جميع قيس، لتعرف الفضيلة بالموازنة والمقابلة، ولا احتاجوا في ذلك إلى الإقراع والمساهمة.
وإذا كنا مع تقادم الأخبار نعرف البائن في كل عصر، والمقدم في كل أمر، فعلى شبيه ما وصفنا يعرف الناس فضيلة المستوجب. والخير لا يستطاع كتمانه، والشر لا بد من ظهوره.
واعلم أنه لا يمكن أن يكون رجل أعلم الناس بالدين والدنيا ثم لا يسمع به، لأنه لا يصير كذلك إلا بالاختلاف إلى العلماء، وبطول مجاثاة الفقهاء، وكثرة درس كتب الله وكتب الناس، ومنازعة الخصم ومقاولة الأكفاء. وهذا كله مما يظهر أمره، ويشهر مكانه.
ثم الذي يدخل العالم من خيلاء العلم وعز الحق، وسرور الظفر بما أعيا الناس معرفته، حتى لا يستطيع أن يكتمه وإن اشتد عزمه، وقل رياؤه ونفجه، لأن للعلم سورة، ولانفتاحه بعد استغلاقه فرحة، لا يضبطها بشرى، وإن اشتدت حنكته، وقويت منته، وفضلت قوته.
وإنك لتجد كثيرا من العقلاء يخاطرون بأعناقهم، لبعض العظمة يجدونها في أنفسهم على خصومهم وأكفائهم، حتى لا يمتنعون من إظهارها والفخر بها، فما ظنك بالعالم إذا كان بائنا بنفسه، وكان في دولته، وتعظيم الناس موكل بصاحبه، كيف يستطيع كتمانه وإماتته، مع ما أخذ الله على العالم من حسن الإرشاد واحتمال المؤونة، واستنقاذ الناس من الجهالة، ومن القيام بحق العلم تعليم الجاهل. فهذا كله يغني عن لقاء الكل للكل.
ولو أشكل أمره ولم يبن من أمثاله، وهو للناس أصلح من غيره، فقد أمكن البأس إذ لو كان ظاهرا لهم إقامته لنبه الله على مواضع فضله، ولأذكر الناس ما سقط عنهم من تدبيره، ولبعث الهمم على حبه وطلب محاسنه.
وكيف يجوز أن يكون أكمل الناس خفي العلم ومغيب العمل، وهو لا يكون كذلك حتى تكثر تجربته ويكثر صوابه، ويشتد حلمه، ويحسن تدبيره، ولا بد من كثرة حج وغزو، وصلاة وصوم وصدقة، وذكر وقراءة قرآن، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وحدب على الأولياء وغلظة على الأعداء، إن دام فقره دامت قناعته وقل إسفافه، وإن دام غناه دام بذله وقل طغيانه. وليس من هذا شئ إلا وهو يشهر صاحبه ويظهر للناس مكانه، ويدعو إلى محبته وتعظيمه.
وإن زعموا أنه يجوز أن يكون خير الناس أو أعلم الناس، وإن لم يعرف بشئ مما ذكرنا، فقد صار خير الناس من لم يعمل خيرا قط.
فإن قالوا: فما تقولون إن وجدوا عشرة سواء؟
قلنا: قد يكون أن تجدوا عشرة متقاربين، فإذا صاروا إلى الموازنة بان الأفضل من الأنقص. وقليلا ما يكون ذلك، كما وجدنا الستة الشورى الذين اختارهم عمر والمهاجرون والأنصار معه، فقد كانوا في طبقة واحدة. ولكن أهل الطبقة قد يتفاضلون بأمر بين لا خفاء به، كما نظروا فاختاروا عثمان غير مكرهين ولا محمولين.
ولكن لا يجوز بوجه من الوجوه أن يتفق عشرة سواء في الحقيقة، وعند الموازنة الصحيحة، لأن في اتفاق ذلك بطلان الإمامة. ولو جاز أن يتفق عشرة سواء لجاز أن يكون الرقباء والشهود عليهم سواء. ولو جاز أن تستوي حالاتهم وأفعالهم جاز أن يقولوا لما ينبغي أن يقولوا فيه نعم: "لا" معا، ولما ينبغي لهم أن يقولوا فيه لا: "نعم" معا.
وفي هذا فساد الاختيار والإقراع، فإذا فسد الاختيار والإقراع ولم يكن الرجل بائنا فلا سبيل إلى إقامته، ولم يكن الله ليفرض أمرا ولا يجعل إليه سبيلا، ولم يكن الله ليكلف الناس أمرا إلا وذلك الأمر مصلحة لهم. فكيف يمنعهم مصلحتهم، بل كيف يظهر لهم فرض الإمامة وقد أمكنتهم الشدة، والمعلوم عنده أن العالم سيتهيأ فيه ويتفق ما لا يمكن معه أداء الفرض، ولا بلوغ المصلحة.
ولو جاز أن يتفق عشرة سواء في الحقيقة وعند الموازنة في جميع الخصال، ما كان إحياء الموتى وإبراء الأكمه أعجب منه، ولا أخرج من العادة، وإنما جعل الله ذلك لرسله فقط.
ولو جاز أن يتفق في العالم شئ يكون جاعلا من الرسالة جاز ذلك في أمور كثيرة. ولو جاز ذلك اختلط الكاذب بالصادق، والحجة بالشبهة، وهذا ما لا يجوز على الله تبارك اسمه، وتعالى جده.
ولو عرفوا موضع الإمام بعينه ثم قال الشامي: لا يكون إلا منا، وقال العراقي: لا يكون إلا منا، وقال الحجازي: لا يكون إلا منا، وكذلك التهامي والجزري، وكذلك إذا قال القرشي: لا يكون إلا منا، وقال الحسيني: لا يكون إلا منا، وقال الحسني: لا يكون إلا منا، وكذلك الفلاني والفلاني. وكذلك أن لو قال الأباضي: لا يكون إلا منا، وكذلك لو قال الصفري والأزرقي والنجدي والزيدي، والفلاني والفلاني - لما وصل أهل الحق إلى إقامته إلا بأن يكونوا في عدد الجميع وفي عتادهم.
والإمام يقام من ثلاثة أوجه:
فوجه كالذي حكينا ووصفنا.
ووجه آخر مثل ما أقام المسلمون عثمان بن عفان حين اختار عمر ستة متقاربين فاختاروا منهم رجلا، فلولا أن الستة كانوا بائنين عند الجميع لم يطبقوا ذلك الإطباق، لأنه لم يقل واحد: كان ينبغي أن يكون منا، ولم يقل واحد من الرقباء ولا من الفقهاء والخاصة: فينا واحد كان ينبغي أن يكون معهم، ولا قالوا: فيهم واحد كان ينبغي أن يكون معنا. فهذا دليل أن الستة كما كانوا بائنين عند عمر كانوا بائنين عند الخاصة.
ووجه آخر، وهو مثل إقامة الناس لأبي بكر، ليس على أن النبي ﷺ جعل شورى كما وضعها عمر، ولا على جهة ما حكينا من أمر الخاصة والعامة بإقامة الإمام والنص عليه، لأن ذلك أسلم وأخف في المؤونة وأبعد من الغلط والفتنة، وقد وجدتم ما هو أغمض معنى وأدق مسلكا، وأغوص مستخرجا، وأفحش مأثما، غير مفسر ولا منصوص عليه، كالكلام في التعديل والتجوير، وفصل ما بين الطباع والاختيار، والكلام في التشبيه ونفيه، وفي مجئ الأخبار وحجج العقول.
ونحن لم نر أحدا قط ألحد ولا تزندق من قبل الغلط في كلام الإمامة والاختلاف فيها. ومن وجدناه قد ارتد زنديقا أو دهريا من قبل هذه الأبواب أكثر من أن نحصي لهم عددا، أو نقف منهم على حد.
فإذ جاز أن يتركنا وأشد الاأمرين لنكون نحن الذين نستنبطه ونتكلف معرفته، ليكون عاجل سروره وريثه وآجل ثوابه وعظيم جزائه، كان الذي هو أظهر للعقول، وأسهل على الطالب، وألين كنفا للواطئ، وأقرب مأخذا للمسترشد، أولى بذلك.
ولا بد لهم من أن يقولوا أحد أمرين: إما أن يقولوا: إنا إذ وجدنا نصب الإمام والنص عليه أسلم لنا من الخطأ، فالواجب علينا أن نزعم أن الله قد فعل ذلك، وإن لم نجد خبرا نضطر إليه، ولا قرآنا ينص عليه، والإمامة مختلفة في ذلك، فإنما أوجبنا ذلك من قبل حسن الظن بالله، وإن لم يكن في القرآن آية تدل على أن الله لم ينصب إماما، ولا في الخبر.
وإما أن تقولوا إن ذلك قد كان وقع منه، وإنما عرفناه بالأخبار والآثار والكتاب.
فإن كانوا إنما حكموا على الله بفعل ذلك لأنه أسلم لهم من الخطأ، وأبعد لهم من الغلط، إلا أنهم قد وجدوا بذلك خبرا قائما، وكتابا دالا، فإن كان ذلك كذلك فلم أوجبوا على الله فعل ما هو أيسر وأظهر، وقد وجدوا الله لم يصنع ذلك فيما هو أغمض وأشكل، كالذي وصفنا قبل هذا من الكلام في التعديل والتجوير والتشبيه ومجئ الأخبار.
وقد علموا مع ذلك أن أكثر الناس لم يؤتوا في هلكتهم إلا من قبل سرف شهواتهم، وغلبة طبائعهم.
وكيف لم يحكموا على الله بغير ما وجدوا من رفع مؤونتها، وقمع دواعيها، حتى لا يلحج الناس طبائعهم، ولا تورطهم شهواتهم، وإنما يحكم بهذا وأشباهه على الله من لا علم له بالله وتدبيره، لأن الله لو أسقط عن الناس كل ما أثقل ظهورهم، واستبشعته نفوسهم، وخالف أهواءهم، لسقط الامتحان، وبطل الاختبار، إذ لم يكن هناك حلاوة تجتنب، ومرارة تركب، ولذيذ يؤخر، وكريه يقدم.
وإن ذهب السائل إلى غير هذا الوجه، وزعم أنه إنما قال إن الله قد نص على إمامة علي لأن الخبر به جاء المجئ الذي لا يكذب مثله. ولولا أن الخبر صحيح جاز عنده أن يكون الله يطوقهم النظر، ويضع لهم الدلالة، ولا ينصهم على شئ ولا يفسره لهم، كفعله فيما هو أدق وأخفى، وأعظم إثما وأشد خطرا.
قيل لهم: إنكم وإن سمعتم فلستم بأعلم بالأخبار من غيركم. ولئن كنتم مجيبين بخبر قد سمعناه معكم فلم يحجنا كما حجكم، إنه لعجب. وإن كان الخبر قد حج جميع من خالفكم مع كثرتهم وأطبقوا على كتمانه وجحده واتفقوا عليه، إن هذا لأعجب.
وكيف تحُجون بخبر لا تستطيعون أن تقيموا حجته على من خالفكم. فإن كنتم إنما حجكم سلفكم فحجوا أهل عصركم ومن معكم، كما حجكم من قبلكم من أسلافكم.
وقد نفضنا القرآن من أوله إلى آخره فلم نجد فيه آية تنص على إمامة، ولا أنها إذ لم تنص كانت دالة عند النظر والتفكير، ولا أنها إذ لم تدل بالنظر والتفكير وكان ظاهر لفظها غير ذلك على ما قلتم كان أصحاب التأويل والتفسير مطبقين على أن الله أراد بها إمامة فلان.
فهذا باب لا تقدرون من قبله على حجة. وليس لكم في باب الخبر والإجماع متعلق ولا سبب، مع قول الأنصار: منا أمير ومنكم أمير. وقول المهاجرين: بل منا الأمراء ومنكم الوزراء.
ثم وجدنا أبا بكر وهو متكلم قريش وصاحب أمر المهاجرين، والمنازع عنهم يوم السقيفة، يقول للناس بعد سكون الأنصار وارتداعهم: بايعوا أي هذين شئتم - يعنى عمر وأبا عبيدة - فلم نجده ادعاها لنفسه، ولا أبى أن تكون لغيره. ولم يقل إنسان من الأنصار ولا من المهاجرين، ولا من أفناء الناس: إن النبي ﷺ قد كان جعلها لفلان وحض عليها له. ولا أنهم إذا لم يدعوا النص قال قائل إن النبي ﷺ قد كان قال قولا يوم كذا وكذا يدل على أنها لفلان، ولم ينطق بذلك أحد بعد تلك الأيام كما لم ينطق أحد فيها.
ثم وجدنا أبا بكر حين أراد أن يجعلها إلى عمر من بعده كيف يمشي إليه رجال المهاجرين وعلية السابقين، ليصرفها إلى من هو ألين جانبا وأخفض جناحا وأقل هيبة، ويقولون: يا خليفة رسول الله، إن الحاجة للأرمل والأرملة، والضعيف والضعيفة، وعمر رجل مهيب في صدور الناس، والله ما نريد صرفها عنه ألا يكون سبقَ إلى كل يوم خير! قال أبو بكر: أبربي تهددوني، أما إذا لقيته فقال لي: من استخلفت على عبادي؟ قلت: استخلفت عليهم خير أهلك عندي.
فلم يجر بينهم مما يقولون حرف واحد.
ثم أن عمر بعد ذلك جعلها شورى بين ستة وجعل إليهم الخيار، وسلم ذلك جميع المسلمين، فيهم الزهري والتيمي والهاشمي والأموي والأسدي، على أنها إن وقعت للأسدي لم يكن منكرا عند الجميع، وكذلك الزهري والأموي.
وأعجب من هذا أجمع وأدل على الاختلاف، وأبعد من النص والاجماع، قول عمر في شكاته وهو موف على قبره وعنده المهاجرون الأولون: "لو أدركت سالما مولى أبي حذيفة ما تخالجني فيه الشك". حين ذكر دعابة علي وبخل الزبير وبأو طلحة وحب عثمان لرهطه.
ثم الذي كان من منازعة سعد بن أبي وقاص لعلي، وتركه بيعته ودعائه له إلى وضع الشورى، والتخاير بالأعمال والجزء، فلم تجدوا أحدا من الناس يقول من وراء سعد أو في وجهه: ولم يخايرك وقد اختاره الرسول دونك.
وقد كان ينبغي لأصحاب علي ومن معه من المهاجرين والبدريين وسائر الصحابة والتابعين، ألا يمسكوا عن ذكر هذه الحجة، وإن أمسك عنها الناس وأضاعوها، وعاندوا أو غلطوا فيها. ولم نعلم هذا وأشباهه إلا دليلا قاطعا لمن لم يمنع قلبه معرفة الحق ولسانه الإقرار به، في محاربة طلحة والزبير وعائشة وعلي، وما أراقوا من الدماء. ولم يقل واحد من الناس: ولم تقاتلون رجلا أو تطلبون مخايرته وقد نصبه النبي ﷺ وفسر أمره وبين شأنه. [وهذا] دليل على ما قلنا، وبرهان لما ادعينا.
ولقد قال رجل لعمر بن علي: خبرني عن وصية رسول الله ﷺ إلى أبيك، قال: والله إن هذا الكلام ما سمعت به قط إلا الساعة.
وقد تعلمون أن الأمة كلها مع اختلاف أهوائها ونحلها، لا تعرف مما تدعون من أمر النص والوصية قليلا ولا كثيرا، وإنما هذه دعوى مقصورة فيكم، لا يعرفها سواكم. وإن أشد الناس عليكم في الوصية والنص لَلزيدية مع تشيعها وإفراطها وشدة إقدامها على عثمان، وسوء قولها وشدة عداوتها للزبير وطلحة.
فلو كان النبي ﷺ نصبه للناس وبين أمره واحتج له، لم يكن هناك اختلاف ولا ارتياب ولا تحير، ولا احتج بذلك المحجوجون على شاذ إن شذ ومفارق. [وفي] هذا وأقل منه ما يردع ذا اللب، ويكف ذا الحجا.
وزعمت الرافضة أن النبي ﷺ أوصى إلى رجل بعينه، وأمر أمته بالوصية في تركاتهم، لأن ذلك أجمع للشمل، وأدعى إلى الألفة، وأمنع للفساد، وأقطع للشغب، وأذهب للضغائن، وأبعد من الغلط؛ إلا أن الله قد كان يعلم أن النبي ﷺ متى أوصى إلى ذلك المستحق تكفر أمة محمد ﷺ إلا ثلاثة أنفس، وأن الوصي سيضعف عن القيام بالحق، وسيترك مع القيام بيديه إظهاره بلسانه، وأنه لا يرضى بالكف عن شتمه الكافرين حتى يزكيهم على منبره. فسبحان الله ما أعجب هذا القول!
وإن تركوا الكتاب وأضربوا عن الإجماع واحتجوا بالرواية، فما أحد أجحد لها ولا أرد لمعرفتها منهم. مع أن رواية غيرهم أكثر، وعلى ألسنة أصحاب الحديث أظهر.
ولو كانت روايتهم ورواية خصومهم سواء ما كان تأويلهم بأقطع لتأويل خصومهم من تأويل خصومهم لتأويلهم. مع أن الحديث إن كان يحتمل ضروب التأويل فغلط في حق ذلك من باطله رجلٌ فليس بكافر ولا مكابر، لأن ذلك الحديث لو كان صحيحا لم يكن بأبين من القرآن ولا أوضح.
وقد يختلف الناس في تأويله ولا يكفرون ولا يكابرون، فكيف يكفر من غلط في تأويل حديث لو كان رده لم يكن عاصيا.
وإن كانت إمامة علي لا تثبت عندهم إلا من قبل الرواية، فقد أفلح خصم الرافضة واستراح من كد المنازعة.
وقد زعم ناس من العثمانية أن الله قد اختار للناس إماما، ونصب لهم قيما، على معنى الدلالة والإيضاح عنه بالعلامة، لا على النص والتسمية، لأن الله إذا قال: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} - وقد عرفنا صفة العدالة - فمتى رأيناها في إنسان علمنا أنه الذي كان عنى الله بالآية وإن لم يسمه فيها. وكذلك قول الرسول: "ليؤمكم خياركم" فقد عرفنا الله الخيار من الشرار، والفضل من النقص، فمتى وجدنا الفضيلة في رجل فهو الذي عناه النبي ﷺ وإن لم يذكره باسمه.
ولا يهمل الناس ويتركهم سدى من وضع لهم الأدلة ونبههم على موضع البرهان وعرفهم أبواب الصلاة.
ولو قلنا إن النبي ﷺ قد اختار للناس إماما على معنى أنه إذ أمر أبا بكر بأن يتقدم المسلمين في مصلاه ومقامه ومنبره فقد استخلفه، جاز ذلك في الكلام. وباب الجواب في هذه المسائل كثير. لأنه لا يجوز أن يكونوا لم يعلموا ذلك وقد علموا ما هو أخفى وأدق وأيسر خطبا وأقل نفعا، وهم القوم الذين لا يؤتون من نصيحة وحسن معرفة. وكيف يؤتون منهما وبهم عرفنا النصيحة والمعرفة.
فإن قالوا: فإنما كان خيرا للناس أن يختاروا لأنفسهم أو يختار النبي لهم.
قلنا: لو كان النبي قد اختاره لهم لقد كان ذلك خيرا لهم من اختيارهم لأنفسهم. فإذ لم يختره لهم فترك اختياره خير لهم، لأنه إذا كان أن لو كان اختاره لهم فقد دل تركه الاختيار أن تركه الاختيار لهم خير لهم، إذ كان قد كان اختار الترك دون الاختيار، وترك الاختيار ربما كان اختيارا. وهو في هذه المواضع اختيار، لأن النبي ﷺ لم يكن ليختار لهم ترك النص والتسمية إلا وترك النص والتسمية خير من النص والتسمية.
وإنما هذا مثل قائل لو قال لنا: أرأيتم التأويل الذي قد ضل من أجله عالم، والتشبيه، والوعد والوعيد، والقدر، والأسماء، والأحكام التي قد كفر من أجلها بشر، وبسببها تناحر الناس، وإنما كان خيرا لهم أن يعرفوه بأسره، وينصوا على حقيقته، ويكفوا المؤونة فيه، حتى كان لا يقع خلاف، ولا يوجد خطأ، ولا يشيع فساد، ولا يتفانى الناس أو يتركوا ونظرهم، ويخلوا واختيارهم.
قلنا: الخيرة فيما صنع الله. فلو كان الله بيّن ذلك بالنص والتفسير دون الدلالة ووضع العلامة، كان ذلك خيرة، لأنا نعلم أن الله لا يصنع إلا ما هو خير.
فلو لم يفعل ذلك ولم ينص عليه فتركه الأمر على ما نحن عليه خير لنا وأفضل. فكيف أوجبتم على الله وحكمتم عليه.
هذا جمل جوابات العثمانية بجمل مسائل الرافضة والزيدية. ولولا أن فيما قدمنا غنى عما أخرنا لقد فسرنا كما أجملنا. وإنما ملاك وضع الكتاب إحكام أصله، وألا يشذ عنه شئ من أركانه، فأما استقصاؤه حتى لا يجري بين الخصمين منه إلا شئ قد وضع بعينه، فهذا ما لا يمكن الواضع ولا يحتمل الكتاب. ولو أمكن الواضع واحتمله الكتاب لكان طوله قاطعا لنشاط القارئ، ومجلبة لنعاس المستمع، إلا لمن صحت إرادته، وأفرطت شهوته، وقوي طبعه، وحسن احتسابه.
وقد أعيتنا هذه الصفة في المعلمين، فكيف [في] المتعلمين.
وعلى أن للنحل صورا كصور الناس، فكما أن بعض الصور أشد مشاكلة لطبعك، وآنق في عينك، وأخف على نفسك، فكذلك النحل في مقابلة الأهواء، ومشاكلة الشهوات، والخفة على النفوس.
فاحذر حوادث الشهوات، واتصال المشاكلة، فإنه أخفى من الدقيق، وأدق من الخفي.
هذا إذا كان المعنى مجردا والمذهب عاريا، فكيف إذا موهه صاحبه، وزخرفه واضعه، بأعذب الألفاظ وأشهاها، وأحسن المخارج وأعفاها، فشفى كل واحد منهما صاحبه، وحببه إلى سامعه. فإن وافق ذلك منه تعظيم لسلفه، وهوى في قائله، فقد أسمحت نفسه بالتقليد، واستسلمت للاعتقاد.
فاحذر في هذه الصفة، ولا تستخفن بهذه الوصية.
واعلم أن واضع الكتاب لا يكون بين الخصوم عدلا، ولأهل النظر مألفا، حتى يبلغ من شدة الاستقصاء لخصمه مثل الذي يبلغ لنفسه، حتى لو لم يقرأ القارئ من كتابه إلا مقالة خصمه لخيل له أنه الذي اجتباه لنفسه، واختاره لدينه.
ولولا اتكالي على انقطاع الباطل عن مدى الحق وإن استقصيته وبلغت غايته، ما استجزت حكايته وقمت مقام صاحبه.
ونحن مبتدئون في كتاب المسائل وبالله ذي المن والطول نستعين، وعليه نتوكل. هذه جمل أقوال العثمانية. والحمد لله كثيرا دائما، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه، وآله الطاهرين وصحبه، وسلم تسليما. ==========
المختار في الرد على النصارى
المختار في الرد على النصارى
للجاحظ
اختيار عبيد الله بن حسان (مع الجاحظ في رسالة الرد على النصارى لإبراهيم عوض)
الحمد لله الذي من علينا بتوحيده، وجعلنا ممن ينفي شبهة خلقه وسياسة عباده، وجعلنا لا نفرق بين أحد من رسله، ولا نجحد كتابا أوجب علينا الإقرار به، ولا نضيف إليه ما ليس منه، إنه حميد مجيد، فعال لما يريد.
أما بعد. فقد قرأت كتابكم، وفهمت ما ذكرتم فيه من مسائل النصارى قبلكم، وما دخل على قلوب أحداثكم وضعفائكم من اللبس، والذي خفتموه على جواباتهم من العجز، وما سألتم من إقرارهم بالمسائل، ومن حسن معونتهم بالجواب.
وذكرتم أنهم قالوا: إن الدليل على أن كتابنا باطل، وأمرنا فاسد، أننا ندعي عليهم ما لا يعرفونه فيما بينهم، ولا يعرفونه من أسلافهم، لأنا نزعم أن الله جل وعز قال في كتابه على لسان نبيه محمد ﷺ: {وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله}، وأنهم زعموا أنهم لم يدينوا قط بأن مريم إله في سرهم، ولا ادعوا ذلك قط في علانيتهم. وأنهم زعموا أنا ادعينا عليهم ما لا يعرفون، كما ادعينا على اليهود ما لا يعرفون، حين نطق كتابنا، وشهد نبينا: أن اليهود قالوا: إن عزيرا ابن الله، وإن يد الله مغلولة، وإن الله فقير وهم أغنياء. وهذا ما لا يتكلم به إنسان، ولا يعرف في شيء من الأديان.
ولو كانوا يقولون في عزير ما نحلتمون وادعيتموه، لما جحدوه من دينهم، ولما أنكروا أن يكون من قولهم، ولما كانوا بإنكار بنوة عزير أحق منا بإنكار بنوة المسيح، ولما كان علينا منكم بأس بعد عقد الذمة، وأخذ الجزية.
وذكرتم أنهم قالوا: ومما يدل على غلطكم في الأخبار، وأخذكم العلم عن غير الثقات، أن كتابكم ينطق: أن فرعون قال لهامان: ابن لي صرحا. وهامان لم يكن إلا في زمن الفرس، وبعد زمن فرعون بدهر طويل، وإن ذلك معروف عند أصحاب الكتب، مشهور عند أهل العلم. وإنما اتخذ صرحا ليكون إذا علاه أشرف على الله. وفرعون لا يخلو من أن يكون جاحدا لله تعالى، أو مقرا به. فإن كان دينه عند نفسه وأهل مملكته نفي الله وجحده، فما وجه اتخاذ الصرح وطلب الإشراف، وليس هناك شيء ولا إله؟ وإن كان مقرا بالله عارفا به، فلا يخلو من أن يكون مشبها أو نافيا للتشبيه. فإن كان ممن ينفي الطول والعرض والعمق والحدود والجهات، فما وجه طلبه له في مكان بعينه، وهو عنده بكل مكان؟ وإن كان مشبها فقد علم أنه ليس في طاقة بني آدم أن يبنوا بنيانا أو يرفعوا صرحا يخرق سبع سموات بأعماقهن، والأجزاء التي بينهن، حتى يحاذي العرش ثم يعلوه.
وفرعون وإن كان كافرا فلم يكن مجنونا، ولا كان إلى نقص العقل من بين الملوك منسوبا. على أن الحكم قد يقوم بعقول الملوك بالفضيلة على عقول الرعية.
وذكرتم أنهم قالوا: تزعمون أن الله تعالى ذكر يحيى بن زكريا يخبر أنه لم يجعل له من قبل سميا، وأنهم يجدون في كتبهم وفيما لا يختلف فيه خاصتهم وعامتهم أنه كان من قبل يحيى بن زكريا غير واحد يقال له يحيى، منهم يوحنا بن فرح.
وزعمتم أنهم قالوا لكم: إنكم ذكرتم أن الله قال في كتابه لنبيكم: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم، فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، وإنما عنى بقوله أهل الذكر أهل التوراة، وأصحاب الكتب يقولون: إن الله قد بعث من النساء نبيات، منهم مريم بنت عمران، وبعث منهم حنة، وسارة، ورفقى.
وذكرتم أنهم قالوا: زعمتم أن عيسى تكلم في المهد، ونحن على تقديمنا له، وتقريبنا لأمره وإفراطنا بزعمكم فيه، على كثرة عددنا وتفاوت بلادنا واختلافنا فيما بيننا، لا نعرف ذلك ولا ندعيه، وكيف ندعيه ولم نسمعه عن سلف ولا ادعاه منا مدع.
ثم هذه اليهود لا تعرف ذلك، وتزعم أنها لم تسمع به إلا منكم، ولا تعرفه المجوس، ولا الصابئون، ولا عباد البددة من الهند وغيرهم، ولا الترك والخزر، ولا بلغنا ذلك عن أحد من الأمم السالفة، والقرون الماضية، ولا في الإنجيل، ولا في ذكر صفات المسيح في الكتب والبشارات به على ألسنة الرسل.
ومثل هذا لا يجوز أن يجهله الولي والعدو، وغير الولي وغير العدو، ولا يضرب به مثل، ولا يروح به الناس، ثم يجمع النصارى على رده، مع حبهم لتقوية أمره. ولم يكونوا ليضادوكم فيما يرجع عليهم نفعه. وكيف لم يكذبوكم في إحيائه الموتى، ومشيه على الماء، وإبراء الأكمه والأبرص؟ بل لم يكونوا ليتفقوا على إظهار خلاف دينهم وإنكار أعظم حجة كانت لصاحبهم، ومثل هذا لا ينكتم ولا ينفك ممن يخالف وينم.
والكلام في المهد أعجب من كل عجب، وأغرب من كل غريب، وأبدع من كل بديع؛ لأن إحياء الموتى والمشي على الماء، وإقامة المقعد، وإبراء الأعمى، وإبراء الأكمه قد أتت به الأنبياء، وعرفه الرسل، ودار في أسماعهم. ولم يتكلم صبي قط، ولا مولود في المهد. وكيف ضاعت هذه الآية، وسقطت حجة هذه العلامة من بين كل علامة؟
وبعد، فكل أعجوبة يأتي بها الرجال، والمعروفون بالبيان، والمنسوبون إلى صواب الرأي، تكون الحيلة في الظن إليها أقرب، وخوف الخدعة عليها أغلب. والصبي المولود عاجز في الفطرة، ممتنع من كل حيلة، لا يحتاج فيه إلى نظر، ولا يشبهه من شاهده بدخل.
فصل منه
وسنقول في جميع ما ورد علينا من مسائلكم، وفيما لا يقع إليكم من مسائلهم، بالشواهد الظاهرة، والحجج القوية، والأدلة الاضطرارية. ثم نسألهم بعد جوابنا إياهم عن وجوه يعرفون بها انتقاض قولهم، وانتشار مذهبهم، وتهافت دينهم.
ونحن نعوذ بالله من التكلف وانتحال ما لا نحسن، ونسأله القصد في القول والعمل، وأن يكون ذلك لوجهه، ولنصرة دينه، إنه قريب مجيب.
فأنا مبتدىء في ذكر الأسباب التي لها صارت النصارى أحب إلى العوام من المجوس، وأسلم صدورا عندهم من اليهود، وأقرب مودة، وأقل غائلة، وأصغر كفرا، وأهون عذابا. ولذلك أسباب كثيرة، ووجوه واضحة، يعرفها من نظر، ويجهلها من لم ينظر.
أول ذلك أن اليهود كانوا جيران المسلمين بيثرب وغيرها، وعداوة الجيران شبيهة بعداوة الأقارب في شدة التمكن وثبات الحقد، وإنما يعادي الإنسان من يعرف، ويميل على من يرى، ويناقض من يشاكل، ويبدو له عيوب من يخالط. وعلى قدر الحب والقرب يكون البغض والبعد، ولذلك كانت حروب الجيران وبني الأعمام من سائر الناس وسائر العرب أطول، وعداوتهم أشد.
فلما صار المهاجرون لليهود جيرانا، وقد كانت الأنصار متقدمة الجوار، مشاركة في الدار، حسدتهم اليهود على النعمة في الدين، والاجتماع بعد الافتراق، والتواصل بعد التقاطع، وشبهوا على العوام، واستمالوا الضعفة، ومالئوا الأعداء والحسدة، ثم جاوزوا الطعن وإدخال الشبهة، إلى المناجزة والمنابذة بالعداوة، فجمعوا كيدهم، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في قتالهم، وإخراجهم من ديارهم، وطال ذلك واستفاض فيهم وظهر، وترادف لذلك الغيظ، وتضاعف البغض، وتمكن الحقد.
وكانت النصارى لبعد ديارهم، من مبعث النبي ﷺ ومهاجره، لا يتكلفون طعنا، ولا يثيرون كيدا، ولا يجمعون على حرب. فكان هذا أول أسباب ما غلظ القلوب على اليهود، ولينها على النصارى.
ثم كان من أمر المهاجرين إلى الحبشة، واعتمادهم على تلك الجنبة ما حببهم إلى عوام المسلمين. وكلما لانت القلوب لقوم غلظت على أعدائهم، وبقدر ما نقص من بغض النصارى زاد في بغض اليهود.
ومن شأن الناس حب من اصطنع إليهم خيرا أو جرى على يديه، أراد الله بذلك أو لم يرده، وبقصد كان أم باتفاق.
وأمر آخر، وهو من أمتن أسبابهم وأقوى أمورهم، وهو تأويل آية غلطت فيها العامة حتى نازعت الخاصة، وحفظتها النصارى واحتجت بها، واستمالت قلوب الرعاع والسفلة، وهو قول الله تعالى: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى} إلى قوله: {وذلك جزاء المحسنين}
وفي نفس الآية أعظم الدليل على أن الله تعالى لم يعن هؤلاء النصارى ولا أشباههم: الملكانية واليعقوبية، وإنما عنى ضرب بحيرا وضرب الرهبان الذين كان يخدمهم سلمان.
وبين حمل قوله {الذين قالوا إنا نصارى} على الغلط منهم في الأسماء وبين أن نجزم عليهم لأنهم نصارى فرق.
كما ذكر اليهود أنه جاء الإسلام وملوك العرب رجلان غساني ولخمي، وهما نصرانيان، وقد كانت العرب تدين لهما، وتؤدي الإتاوة لهما، فكان تعظيم قلوبهم لهما راجعا إلى تعظيم دينهما.
وكانت تهامة، وإن كانت لقاحا لا تدين الدين، ولا تؤدي الإتاوة، ولا تدين للملوك، فإنها كانت لا تمتنع من تعظيم ما عظم الناس، وتصغير ما صغروا.
ونصرانية النعمان وملوك غسان مشهورة في العرب، معروفة عند أهل النسب، ولولا ذلك لدللت عليها بالأشعار المعروفة، والأخبار الصحيحة.
وقد كانت تتجر إلى الشام، وينفذ رجالها إلى ملوك الروم، ولها رحلة في الشتاء والصيف، في تجارة مرة إلى اليمن، ومرة قبل الشام، ومصيفها بالطائف، فكانوا أصحاب نعمة، وذلك مشهور مذكور في القرآن وعند أهل المعرفة. وقد كانت تهاجر إلى الحبشة، وتأتي باب النجاشي وافدة، فيحبوهم بالجزيل، ويعرف لهم الأقدار. ولم تكن تعرف كسرى، ولا تأنس بهم.
وقيصر والنجاشي نصرانيان، فكان ذلك أيضا للنصارى دون اليهود. والآخر من الناس تبع للأول في تعظيم من عظم، وتصغير من صغر.
وأخرى أن العرب كانت النصرانية فيها فاشية، وعليها غالبة، إلا مضر، فلم تغلب عليها يهودية ولا مجوسية، ولم تفش فيها النصرانية، إلا ما كان من قوم منهم نزلوا الحيرة يسمون العباد، فإنهم كانوا نصارى، وهم مغمورون مع نبذ يسير في بعض القبائل. ولم تعرف مضر إلا دين العرب، ثم الإسلام.
وغلبت النصرانية على ملوك العرب وقبائلها: على لخم، وغسان، والحارث بن كعب بنجران، وقضاعة، وطي، في قبائل كثيرة، وأحياء معروفة. ثم ظهرت في ربيعة فغلبت على تغلب وعبد القيس وأفناء بكر، ثم في آل ذي الجدين خاصة.
وجاء الإسلام وليست اليهودية بغالبة على قبيلة، إلا ما كان من ناس من اليمانية، ونبذ يسير من جميع إياد وربيعة. ومعظم اليهودية إنما كانت بيثرب وحمير وتيماء ووادي القرى، في ولد هارون، دون العرب.
فعطف قلوب دهماء العرب على النصارى الملك الذي كان فيهم، والقرابة التي كانت لهم. ثم رأت عوامنا أن فيها ملكا قائما، وأن فيهم عربا كثيرة، وأن بنات الروم ولدن لملوك الإسلام، وأن في النصارى متكلمين وأطباء ومنجمين، فصاروا بذلك عندهم عقلاء وفلاسفة وحكماء، ولم يروا ذلك في اليهود.
وإنما اختلفت أحوال اليهود والنصارى في ذلك لأن اليهود ترى أن النظر في الفلسفة كفر، والكلام في الدين بدعة، وأنه مجلبة لكل شبهة، وأنه لا علم إلا ما كان في التوراة وكتب الأنبياء، وأن الإيمان بالطب وتصديق المنجمين من أسباب الزندقة والخروج إلى الدهرية، والخلاف على الأسلاف وأهل القدوة، حتى إنهم ليبهرجون المشهور بذلك، ويحرمون كلام من سلك سبيل أولئك.
ولو علمت العوام أن النصارى والروم ليست لهم حكمة ولا بيان، ولا بعد روية، إلا حكمة الكف، من الخرط والنجر والتصوير، وحياكة البزيون، لأخرجتهم من حدود الأدباء، ولمحتهم من ديوان الفلاسفة والحكماء؛ لأن كتاب المنطق والكون والفساد، وكتاب العلوي، وغير ذلك، لأرسطاطاليس، وليس برومي ولا نصراني. وكتاب المجسطي لبطليموس، وليس برومي ولا نصراني. وكتاب إقليدس لإقليدس، وليس برومي ولا نصراني. وكتاب الطب لجالينوس، ولم يكن روميا ولا نصرانيا. وكذلك كتب ديمقراط وبقراط وأفلاطون، وفلان وفلان. وهؤلاء ناس من أمة قد بادوا وبقيت آثار عقولهم، وهم اليونانيون، ودينهم غير دينهم، وأدبهم غير أدبهم. أولئك علماء، وهؤلاء صناع أخذوا كتبهم لقرب الجوار، وتداني الدار، فمنها ما أضافوه إلى أنفسهم، ومنها ما حولوه إلى ملتهم. إلا ما كان من مشهور كتبهم، ومعروف حكمهم، فإنهم حين لم يقدروا على تغيير أسمائها زعموا أن اليونانيين قبيل من قبائل الروم، ففخروا بأديانهم على اليهود، واستطالوا بها على العرب، وبذخوا بها على الهند، حتى زعموا أن حكماءنا أتباع حكمائهم، وأن فلاسفتنا اقتدوا على أمثالهم، فهذا هذا.
ودينهم -يرحمك الله- يضاهي الزندقة، ويناسب في بعض وجوهه قول الدهرية، وهم من أسباب كل حيرة وشبهة. والدليل على ذلك أنا لم نر أهل ملة قط أكثر زندقة من النصارى، ولا أكثر متحيرا أو مترنحا منهم. وكذلك شأن كل من نظر في الأمور الغامضة بالعقول الضعيفة: ألا ترى أن أكثر من قتل في الزندقة ممن كان ينتحل الإسلام ويظهره، هم الذين آباؤهم وأمهاتهم نصارى. على أنك لو عددت اليوم أهل الظنة ومواضع التهمة لم تجد أكثرهم إلا كذلك.
ومما عظمهم في قلوب العوام، وحببهم إلى الطغام، أن منهم كتاب السلاطين، وفراشي الملوك، وأطباء الأشراف، والعطارين والصيارفة. ولا تجد اليهودي إلا صباغا، أو دباغا، أو حجاما، أو قصابا، أو شعابا.
فلما رأت العوام اليهود والنصارى توهمت أن دين اليهود في الأديان كصناعتهم في الصناعات، وأن كفرهم أقذر الكفر، إذ كانوا هم أقذر الأمم.
وإنما صارت النصارى أقل مساخة من اليهود، على شدة مساخة النصارى، لأن الإسرائيلي لا يزوج إلا الإسرائيلي، وكل مناكحهم مردودة فيهم، ومقصورة عليهم، وكانت الغرائب لا تشوبهم، وفحولة الأجناس لا تضرب ولا تضرب فيهم، لم ينجبوا في عقل ولا أسر ولا ملح. وإنك لتعرف ذلك في الخيل والإبل والحمير والحمام.
ونحن -رحمك الله- لم نخالف العوام في كثرة أموال النصارى، وأن فيهم ملكا قائما، وأن ثيابهم أنظف، وأن صناعتهم أحسن.
وإنما خالفنا في فرق ما بين الكفرين والفرقتين، في شدة المعاندة واللجاجة، والإرصاد لأهل الإسلام بكل مكيدة، مع لؤم الأصول، وخبث الأعراق.
فأما الملك والصناعة والهيئة، فقد علمنا أنهم اتخذوا البراذين الشهرية، والخيل العتاق، واتخذوا الجوقات، وضربوا بالصوالجة، وتحذفوا المديني، ولبسوا الملحم والمطبقة، واتخذوا الشاكرية، وتسموا بالحسن والحسين، والعباس وفضل وعلي، واكتنوا بذلك أجمع، ولم يبق إلا أن يتسموا بمحمد، ويكتنوا بأبي القاسم. فرغب إليهم المسلمون، وترك كثير منهم عقد الزنانير، وعقدها آخرون دون ثيابهم، وامتنع كثير من كبرائهم من إعطاء الجزية، وأنفوا مع أقدارهم من دفعها، وسبوا من سبهم، وضربوا من ضربهم.
وما لهم لا يفعلون ذلك وأكثر منه، وقضاتنا أو عامتهم يرون أن دم الجاثليق والمطران والأسقف وفاء بدم جعفر وعلي والعباس وحمزة. ويرون أن النصراني إذا قذف أم النبي ﷺ بالغواية أنه ليس عليه إلا التعزير والتأديب، ثم يحتجون أنهم إنما قالوا ذلك لأن أم النبي ﷺ لم تكن مسلمة. فسبحان الله العظيم ما أعجب هذا القول وأبين انتشاره. ومن حكم النبي ﷺ: أن لا يساوونا في المجلس، ومن قوله: وإن سبوكم فاضربوهم، وإن ضربوكم فاقتلوهم. وهم إذا قذفوا أم النبي عليه السلام بالفاحشة لم يكن له عند أمته إلا التعزير والتأديب. وزعموا أن افتراءهم على النبي ليس بنكث للعهد، ولا بنقض للعقد.
وقد أمر النبي عليه السلام أن يعطونا الضريبة عن يد منا عالية في قبولنا منهم، وعقدنا لذمتهم، دون إراقة دمهم. وقد حكم الله تعالى عليهم بالذلة والمسكنة.
أوما ينبغي للجاهل أن يعلم أن الأئمة الراشدين والسلف المتقدمين لم يشترطوا عند أخذ الجزية وعقد الذمة عدم الافتراء على النبي ﷺ وأمته، إلا لأن ذلك عندهم أعظم في العيون وأجل في الصدور من أن يحتاجوا إلى تخليده في الكتب، وإلى إظهار ذكره بالشرط، وإلى تثبيته بالبينات. بل لو فعلوا ذلك لكان فيه الوهن عليهم، والمطمعة فيهم، ولظنوا أنهم في القدر الذي يحتاج فيه إلى هذا وشبهه.
وإنما يتواثق الناس في شروطهم، ويفسرون في عهودهم ما يمكن فيه الشبهة، أو يقع فيه الغلط، أو يغبى عنه الحاكم، وينساه الشاهد، ويتعلق به الخصم، فأما الواضح الجلي، والظاهر الذي لا يخيل فما وجه اشتراطه، والتشاغل بذكره. وأما ما احتاجوا إلى ذكره في الشروط، وكان مما يجوز أن يظهر في العهد فقد فعلوه، وهو كالذلة والصغارة، وإعطاء الجزية، ومقاسمة الكنائس، وأن لا يعينوا بعض المسلمين على بعض، وأشباه ذلك. فأما أن يقولوا لمن هو أذل من الذليل، وأقل من القليل، وهو الطالب الراغب في أخذ فديته، والإنعام عليه بقبض جزيته وحقن دمه: نعاهدك على أن لا تفتري على أمة رسول رب العالمين، وخاتم النبيين، وسيد الأولين والآخرين. فهذا ما لا يجوز في تدبير أوساط الناس. فكيف بالجلة والعلية، وأئمة الخليقة، ومصابيح الدجى، ومنار الهدى، مع أنفة العرب، وبأو السلطان، وغلبة الدولة، وعز الإسلام، وظهور الحجة، والوعد بالنصرة.
على أن هذه الأمة لم تبتل باليهود، ولا المجوس، ولا الصابئين كما ابتليت بالنصارى. وذلك أنهم يتبعون المتناقض من أحاديثنا، والضعيف بالأسناد من روايتنا، والمتشابه من آي كتابنا، ثم يخلون بضعفائنا، ويسألون عنها عوامنا، مع ما قد يعلمون من مسائل الملحدين، والزنادقة الملاعين، وحتى مع ذلك ربما [تجرءوا] إلى علمائنا، وأهل الأقدار منا، ويشغبون على القوي، ويلبسون على الضعيف.
ومن البلاء أن كل إنسان من المسلمين يرى أنه متكلم، وأنه ليس أحد أحق بمحاجة الملحدين من أحد.
وبعد، فلولا متكلمو النصارى وأطباؤهم ومنجموهم ما صار إلى أغبيائنا وظرفائنا ومجاننا وأحداثنا شيء من كتب المنانية، والديصانية، والمرقونية، والفلانية، ولما عرفوا غير كتاب الله تعالى، وسنة نبيه ﷺ، ولكانت تلك الكتب مستورة عند أهلها، ومخلاة في أيدي ورثتها. فكل سخنة عين رأيناها في أحداثنا وأغبيائنا فمن قبلهم كان أولها.
وأنت إذا سمعت كلامهم في العفو والصفح، وذكرهم للسياحة، وزرايتهم على كل من أكل اللحمان، ورغبتهم في أكل الحبوب وترك الحيوان، وتزهيدهم في النكاح، وتركهم لطلب الولد، ومديحهم للجاثليق والمطران والأسقف والرهبان بترك النكاح وطلب النسل، وتعظيمهم الرؤساء علمت أن بين دينهم وبين الزندقة نسبا، وأنهم يحنون إلى ذلك المذهب.
والعجب أن كل جاثليق لا ينكح، ولا يطلب الولد. وكذلك كل مطران، وكل أسقف. وكذلك كل أصحاب الصوامع من اليعقوبية، والمقيمين في الديارات والبيوت من النسطورية. وكل راهب في الأرض وراهبة، مع كثرة الرهبان والرواهب، ومع تشبه أكثر القسيسين بهم في ذلك، ومع ما فيهم من كثرة الغزاة، وما يكون فيهم مما يكون في الناس، من المرأة العاقر، والرجل العقيم. على أن من تزوج منهم امرأة لم يقدر على الاستبدال بها، ولا على أن يتزوج أخرى معها، ولا على التسري عليها. وهم مع هذا قد طبقوا الأرض، وملئوا الأفاق، وغلبوا الأمم بالعدد، وبكثرة الولد. وذلك مما زاد في مصائبنا، وعظمت به محنتنا. ومما زاد فيهم، وأنمى عددهم، أنهم يأخذون من سائر الأمم، ولا يعطونهم، لأن كل دين جاء بعد دين، أخذ منه الكثير، وأعطاه القليل.
فصل منه
ومما يدل على قلة رحمتهم وفساد قلوبهم أنهم أصحاب الخصاء من بين جميع الأمم، والخصاء أشد المثلة، وأعظم ما ركب به إنسان، ثم يفعلون ذلك بأطفال لا ذنب لهم، ولا دفع عندهم. ولا نعرف قوما يعرفون بخصاء الناس حيث ما كانوا إلا ببلاد الروم والحبشة، وهم في غيرهما قليل، وأقل قليل. على أنهم لم يتعلموا إلا منهم، ولا كان السبب في ذلك غيرهم. ثم خصوا أبناءهم وأسلموهم في بيعهم. وليس الخصاء إلا في دين الصابئين، فإن العابد ربما خصى نفسه، ولا يستحل خصاء ابنه. فلو تمت إرادتهم في خصاء أولادهم في ترك النكاح وطلب النسل كما حكيت لك قبل هذا لانقطع النسل، وذهب الدين، وفتن الخلق.
والنصراني وإن كان أنظف ثوبا، وأحسن صناعة، وأقل مساخة، فإن باطنه ألأم وأقذر وأسمج، لأنه أقلف، ولا يغتسل من الجنابة، ويأكل لحم الخنزير، وامرأته جنب لا تطهر من الحيض، ولا من النفاس، ويغشاها في الطمث، وهي مع ذلك غير مختونة.
وهم مع شرارة طبائعهم، وغلبة شهواتهم ليس في دينهم مزاجر كنار الأبد في الآخرة، وكالحدود والقود والقصاص في الدنيا. فكيف يجانب ما يفسده ويؤثر ما يصلحه من كانت حاله كذلك. وهل يصلح الدنيا من هو كما قلنا؟ وهل يهيج على الفساد إلا من وصفنا؟!
ولو جهدت بكل جهدك، وجمعت كل عقلك أن تفهم قولهم في المسيح، لما قدرت عليه، حتى تعرف به حد النصرانية، وخاصة قولهم في الإلهية.
وكيف تقدر على ذلك وأنت لو خلوت ونصراني نسطوري فسألته عن قولهم في المسيح لقال قولا، ثم إن خلوت بأخيه لأمه وأبيه وهو نسطوري مثله فسألته عن قولهم في المسيح لأتاك بخلاف أخيه وصنوه. وكذلك جميع الملكانية واليعقوبية. ولذلك صرنا لا نعقل حقيقة النصرانية، كما نعرف جميع الأديان.
على أنهم يزعمون أن الدين لا يخرج في القياس، ولا يقوم على المسائل، ولا يثبت في الامتحان؛ وإنما هو بالتسليم لما في الكتب، والتقليد للأسلاف. ولعمري، إن من كان دينه دينهم ليجب عليه أن يعتذر بمثل عذرهم.
وزعموا أن كل من اعتقد خلاف النصرانية من المجوس والصابئين والزنادقة فهو معذور، ما لم يتعمد الباطل ويعاند الحق. فإذا صاروا إلى اليهود قضوا عليهم بالمعاندة، وأخرجوهم من طريق الغلط والشبهة.
فصل منه
فأما مسألتهم في كلام عيسى في المهد: أن النصارى مع حبهم لتقوية أمره لا يثبتونه، وقولهم إنا تقولناه ورويناه عن غير الثقات، وإن الدليل على أن عيسى لم يتكلم في المهد أن اليهود لا يعرفونه، وكذلك المجوس، وكذلك الهند والخزر والديلم. فنقول في جواب مسألتهم عند إنكارهم كلام المسيح في المهد مولودا:
يقال لهم: إنكم حين سويتم المسألة وموهتموها، ونظمتم ألفاظها، ظننتم أنكم قد أنجحتم، وبلغتم غايتكم. ولعمري لئن حسن ظاهرها، وراع الأسماع مخرجها، إنها لقبيحة المفتش، سيئة المعرى.
ولعمري أن لو كانت اليهود تقر لكم بإحياء الأربعة الذين تزعمون، وإقامة المقعد الذي تدعون، وإطعام الجمع الكثير من الأرغفة اليسيرة، وتصيير الماء جمدا، والمشي على الماء، ثم أنكرت الكلام في المهد من بين جميع آياته وبراهينه لكان لكم في ذلك مقال، وإلى الطعن سبيل. فأما وهم يجحدون ذلك أجمع، فمرة يضحكون، ومرة يغتاظون ويقولون: إنه صاحب رقى ونيرجات، ومداوي مجانين، ومتطبب، وصاحب حيل وتربص خدع، وقراءة كتب، وكان لسنا مسكينا، ومقتولا مرجوما، ولقد كان قبل ذلك صياد سمك، وصاحب شبك، وكذلك أصحابه. وأنه خرج على مواطأة منهم له، وأنه لم يكن لرشدة. وأحسنهم قولا، وألينهم مذهبا من زعم أنه ابن يوسف النجار. وأنه قد كان واطأ ذلك المقعد قبل إقامته بسنين، حتى إذا شهره بالقعدة، وعرف موضعه في الزمنى، مر به في جمع من الناس كأنه لا يريده، فشكا إليه الزمانة وقلة الحيلة وشدة الحاجة، فقال: ناولني يدك. فناوله يده، فاجتذبه فأقامه، فكان تجمع لطول القعود، حتى استمر بعد ذلك. وأنه لم يحي ميتا قط، وإنما كان داوى رجلا يقال له لاعازر إذ أغمي عليه يوما وليلة، وكانت أمه ضعيفة العقل قليلة المعرفة، فمر بها، فإذا هي تصرخ وتبكي، فدخل إليها ليسكتها ويعزيها، وجس عرقه فرأى فيه علامة الحياة، فداواه حتى أقامه، فكانت لقلة معرفتها لا تشك أنه قد مات، ولفرحها بحياته تثني عليه بذلك، وتتحدث به.
فكيف تستشهدون قوما هذا قولهم في صاحبكم حين قالوا: كيف يجوز أن يتكلم صبي في المهد مولودا، فيجهله الأولياء والأعداء.
ولو كانت المجوس تقر لعيسى بعلامة واحدة وبأدنى أعجوبة، لكان لكم أن تنكروا علينا بهم، وتستعينوا بإنكارهم. فأما وحال عيسى في جميع أمره عند المجوس كحال زرادشت في جميع أمره عند النصارى، فما اعتلالهم به، وتعلقهم في إنكارهم؟
وأما قولكم: وكيف لم تعرف الهند والخزر والترك ذلك؟ فمتى أقرت الهند لموسى بأعجوبة واحدة، فضلا عن عيسى؟ ومتى أقرت لنبي بآية، أو روت له سيرة، حتى تستشهدوا الهند على كلام عيسى في المهد؟ ومتى كانت الترك والديلم والخزر والتتر والطيلسان مذكورة في شيء من هذا الجنس، محتجا بها على هذا الضرب؟
فإن سألونا عن أنفسهم فقالوا: ما لنا لا نعرف ذلك ولم يبلغنا عن أحد بتة؟ أجبناهم بعد إسقاط نكيرهم وتشنيعهم، وتزوير شهودهم.
وجوابنا أنهم إنما قبلوا دينهم عن أربعة أنفس: اثنان منهم من الحواريين بزعمهم: يوحنا ومتى. واثنان من المستجيبة وهما: مارقش ولوقش، وهؤلاء الأربعة لا يؤمن عليهم الغلط ولا النسيان، ولا تعمد الكذب، ولا التواطؤ على الأمور، والاصطلاح على اقتسام الرياسة، وتسليم كل واحد منهم لصاحبه حصته التي شرطها له.
فإن قالوا: إنهم كانوا أفضل من أن يتعمدوا كذبا وأحفظ من أن ينسوا شيئا، وأعلى من أن يغلطوا في دين الله تعالى أو يضيعوا عهدا.
قلنا: إن اختلاف رواياتهم في الإنجيل، وتضادها في كتبهم، واختلافهم في نفس المسيح، مع اختلاف شرائعهم، دليل على صحة قولنا فيهم وغفلتكم عنهم.
وما ينكر من مثل لوقش أن يقول باطلا، وليس من الحواريين، وقد كان يهوديا قبل ذلك بأيام يسيرة، ومن هو عندكم من الحواريين خير من لوقش عند المسيح في ظاهر الحكم بالطهارة، والطباع الشريفة، وبراءة الساحة.
فصل منه
سألتم عن قولهم: إذا كان تعالى قد اتخذ عبدا من عباده خليلا، فهل يجوز أن يتخذ عبدا من عباده ولدا، يريد بذلك إظهار رحمته له، ومحبته إياه، وحسن تربيته وتأديبه له، ولطف منزلته منه، كما سمى عبدا من عباده خليلا، وهو يريد تشريفه وتعظيمه، والدلالة على خاص حاله عنده.
وقد رأيت من المتكلمين من يجيز ذلك ولا ينكره، إذا كان ذلك على التبني والتربية والإبانة له بلطف المنزلة، والاختصاص له بالمرحمة والمحبة، لا على جهة الولادة، واتخاذ الصاحبة. ويقول: ليس في القياس فرق بين اتخاذ الولد على التبني والتربية وبين اتخاذ الخليل على الولاية والمحبة. وزعم أن الله تعالى يحكم في الأسماء بما أحب، كما أن له أن يحكم في المعاني بما أحب.
وكان يجوز دعوى أهل الكتاب على التوراة والإنجيل والزبور، وكتب الأنبياء صلوات الله عليهم في قولهم: إن الله قال: "إسرائيل بكري" أي هو أول من تبنيت من خلقي. وأنه قال: "إسرائيل بكري، وبنوه أولادي". وأنه قال لداود: "سيولد لك غلام، ويسمى لي ابنا، وأسمى له أبا". وأن المسيح قال في الإنجيل: "أنا أذهب إلى أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم"، وأن المسيح أمر الحواريين أن يقولوا في صلواتهم: "يا أبانا في السماء، تقدس اسمك". في أمور عجيبة، ومذاهب شنيعة، يدل على سوء عبادة اليهود، وسوء تأويل أصحاب الكتب، وجهلهم مجازات الكلام، وتصاريف اللغات، ونقل لغة إلى لغة، وما يجوز على الله، وما لا يجوز. وسبب هذا التأويل كله الغي والتقليد، واعتقاد التشبيه.
وكان يقول: إنما وضعت الأسماء على أقدار المصلحة، وعلى قدر ما يقابل من طبائع الأمم. فربما كان أصلح الأمور وأمتنها أن يتبناه الله أو يتخذه خليلا، أو يخاطبه بلا ترجمان، أو يخلقه من غير ذكر، أو يخرجه من بين عاقر وعقيم. وربما كانت المصلحة غير ذلك كله. وكما تعبدنا أن نسميه جوّادا ونهانا أن نسميه سخيا أو سريا وأمرنا أن نسميه مؤمنا ونهانا أن نسميه مسلما، وأمرنا أن نسميه رحيما ونهانا أن نسميه رفيقا. وقياس هذا كله واحد، وإنما يتسع ويسهل على قدر العادة وكثرتها. ولعل ذلك كله قد كان شائعا في دين هود وصالح وشعيب وإسماعيل، إذ كان شائعا في كلام العرب في إثبات ذلك وإنكاره.
وأما نحن -رحمك الله- فإنا لا نجيز أن يكون لله ولد، لا من جهة الولادة، ولا من جهة التبني. ونرى أن تجويز ذلك جهل عظيم، وإثم كبير؛ لأنه لو جاز أن يكون أبا ليعقوب لجاز أن يكون جدا ليوسف، ولو جاز أن يكون جدا وأبا، وكان ذلك لا يوجب نسبا، ولا يوهم مشاكلة في بعض الوجوه، ولا ينقص من عظم، ولا يحط من بهاء، لجاز أيضا أن يكون عما وخالا؛ لأنه إن جاز أن يسميه من أجل المرحمة والمحبة والتأديب أبا، جاز أن يسميه آخر من جهة التعظيم والتفضيل والتسويد أخا، ولجاز أن يجد له صاحبا وصديقا؛ وهذا ما لا يجوزه إلا من لا يعرف عظمة الله، وصغر قدر الإنسان. وليس بحكيم من ابتذل نفسه في توقير عبده، ووضع من قدره في التوفر على غيره. وليس من الحكمة أن تحسن إلى عبدك بأن تسيء إلى نفسك، وتأتي من الفضل ما لا يجب بتضييع ما يجب. وكثير الحمد لا يقوم بقليل الذم. ولم يحمد الله ولم يعرف إلهيته من جوز عليه صفات البشر، ومناسبة الخلق، ومقاربة العباد.
وبعد، فلا يخلو المولى في رفع عبده وإكرامه من أحد أمرين: إما أن يكون لا يقدر على كرامته إلا بهوان نفسه، ويكون على ذلك قادرا، مع وفارة العظمة، وتمام البهاء. وإن كان لا يقدر على رفع قدر غيره إلا بأن ينقص من قدر نفسه فهذا هو العجز، وضيق الذرع. وإن كان على ذلك قادرا فآثر ابتذال نفسه والحط من شرفه فهذا هو الجهل الذي لا يحتمل. والوجهان عن الله جل جلاله منفيان.
ووجه آخر تعرفون به صحة قولي، وصواب مذهبي. وذلك أن الله تبارك وتعالى لو علم أنه قد كان فيما أنزل من كتبه على بني إسرائيل: إن أباكم كان بكري وابني، وإنكم أبناء بكري، لما كان تغضب عليهم إذ قالوا: {نحن أبناء الله}، فكيف لا يكون ابن ابن الله ابنه، وهذا من تمام الإكرام، وكمال المحبة، ولا سيما إن كان قال في التوراة: بنو إسرائيل أبناء بكري. وأنت تعلم أن العرب حين زعمت أن الملائكة بنات الله كيف استعظم الله تعالى ذلك وأكبره، وغضب على أهله، وإن كان يعلم أن العرب لم تجعل الملائكة بناته على الولادة واتخاذ الصاحبة. فكيف يجوز مع ذلك أن يكون الله قد كان يخبر عباده قبل ذلك بأن يعقوب ابنه، وأن سليمان ابنه، وأن عزيرا ابنه، وأن عيسى ابنه؟
فالله تعالى أعظم من أن يكون له أبوة من صفاته، والإنسان أحقر من أن تكون بنوة الله تعالى من أنسابه.
والقول بأن الله يكون أبا وجدا وأخا وعما للنصارى ألزم، وإن كان للآخرين لازما، لأن النصارى تزعم أن الله هو المسيح بن مريم، وأن المسيح قال للحواريين: إخوتي. فلو كان للحواريين أولاد لجاز أن يكون الله عمهم، بل قد يزعمون أن مرقش هو ابن شمعون الصفا، وأن زوزري ابنته، وأن النصارى تقر أن في إنجيل مرقش: "مازاذ، أمك وإخوتك على الباب" وتفسير "مازاذ" معلم. فهم لا يمتنعون من أن يكون الله تبارك وتعالى أبا وجدا وعما.
ولولا أن الله قد حكى عن اليهود أنهم قالوا: إن عزيرا ابن الله، ويد الله مغلولة، وإن الله فقير ونحن أغنياء، وحكى عن النصارى أنهم قالوا: المسيح ابن الله، وقال: قالت النصارى المسيح ابن الله. وقال: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} لكنت لأن أخر من السماء أحب إلي من أن ألفظ بحرف مما يقولون. ولكني لا أصل إلى إظهار جميع مخازيهم، وما يسرون من فضائحهم، إلا بالإخبار عنهم، والحكاية منهم.
فإن قالوا: خبرونا عن الله، وعن التوراة، أليست حقا؟ قلنا: نعم. قالوا: فإن فيها إسرائيل بكري وجميع ما ذكرتم عنا معروف في الكتب.
قلنا: إن القوم إنما أتوا من قلة المعرفة بوجوه الكلام، ومن سوء الترجمة، مع الحكم بما يسبق إلى القلوب. ولعمري أن لو كانت لهم عقول المسلمين ومعرفتهم بما يجوز في كلام العرب، وما يجوز على الله، مع فصاحتهم بالعبرانية، لوجدوا لذلك الكلام تأويلا حسنا، ومخرجا سهلا، ووجها قريبا. ولو كانوا أيضا لم يعطلوا في سائر ما ترجموا لكان لقائل مقال، ولطاعن مدخل، ولكنهم يخبرون أن الله تبارك وتعالى قال في العشر الآيات التي كتبتها أصابع الله: "إني أنا الله الشديد، وإني أنا الله الثقف، وأنا النار التي تأكل النيران، آخذ الأبناء بحوب الآباء، القرن الأول والثاني والثالث إلى السابع". وأن داود قال في الزبور: "وافتح عينك يا رب" و "قم يا رب"، و "أصغ إلي سمعك يا رب". وأن داود خبر أيضا في مكان آخر عن الله تعالى: "وانتبه الله كما ينتبه السكران الذي قد شرب الخمر". وأن موسى قال في التوراة: "خلق الله الأشياء بكلمته، وبروح نفسه". وأن الله قال في التوراة لبني إسرائيل: "بذراعي الشديدة أخرجتكم من أهل مصر". وأنه قال في كتاب إشعياء: "احمد الله حمدا جديدا، احمده في أقاصي الأرض، يملأ الجزائر وسكانها، والبحور والقفار وما فيها، ويكون بنو قيدار في القصور، وسكان الجبال -يعني قيدار بن إسماعيل- ليصيحوا ويصيروا لله الفخر والكرامة، ويسبحوا بحمد الله في الجزائر". وأنه قال على إثر ذلك: "ويخرج الرب كالجبار، وكالرجل الشجاع المجرب، ويزجر ويصرخ، ويهيج الحرب والحمية، ويقتل أعداءه، يفرح السماء والأرض". وأن الله قال أيضا في كتاب إشعياء: "سكتُّ، قال: هو متى أسكت، مثل المرأة التي قد أخذها الطلق للولادة أتلهف، وإن تراني أريد أحرث الجبال والشعب، وآخذ بالعور في طريق لا يعرفونه". وكلهم على هذا اللفظ العربي مجمع. ومعنى هذا لا يجوزه أحد من أهل العلم، ومثل هذا كثير تركته لمعرفتكم به.
وأنت تعلم أن اليهود لو أخذوا القرآن فترجموه بالعبرانية لأخرجوه من معانيه، ولحولوه عن وجوهه، وما ظنك بهم إذا ترجموا: {فلما آسفونا انتقمنا منهم}، و {لتصنع على عيني}، و {السموات مطوية بيمينه}، و {على العرش استوى}، و {ناضرة إلى ربها ناظرة}، وقوله: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا}، و {كلم الله موسى تكليما}، و {وجاء ربك والملك صفا صفاْ.
وقد تعلم أن مفسري كتابنا وأصحاب التأويل منا أحسن معرفة وأعلم بوجوه الكلام من اليهود ومتأولي الكتاب. ونحن قد نجد في تفسيرهم ما لا يجوز على الله في صفته، ولا عند المتكلمين في مقاييسهم، ولا عند النحويين في عربيتهم. فما ظنك باليهود مع غباوتهم وغيهم وقلة نظرهم وتقليدهم؟ وهذا باب قد غلطت فيه العرب أنفسها، وفصحاء أهل اللغة إذا غلطت قلوبها، وأخطأت عقولها، فكيف بغيرهم ممن لا يعلم كعلمها؟ سمع بعض العرب قول جميع العرب: القلوب بيد الله، وقولهم في الدعاء: نواصينا بيد الله وقوله جل ذكره: {بل يداه مبسوطتان}، وقولهم: هذا من أيادي الله ونعمه عندنا. وقد كان من لغتهم أن الكف أيضا يد، كما أن النعمة يد، والقدرة يد، فغلط الشاعر فقال:
هون عليك فإن الأمور ** بكف الإله مقاديرها
وقد كان إبراهيم بن سيار النظام يجيب بجواب، وأنا ذاكره إن شاء الله، وعليه كانت علماء المعتزلة. ولا أراه مقنعا ولا شافيا. وذلك أنه كان يجعل الخليل مثل الحبيب ومثل الولي، وكان يقول: خليل الرحمن مثل حبيبه ووليه وناصره. وكانت الخلة والولاية والمحبة سواء. قالوا: ولما كانت كلها عنده سواء جاز أن يسمي عبدا له ولدا، لمكان التربية التي ليست بحضانة ولمكان الرحمة التي لا تشتق من الرحم. لأن إنسانا لو رحم جرو كلب فرباه لم يجز أن يسميه ولدا ويسمي نفسه أبا، ولو التقط صبيا فرباه جاز أن يسميه ولدا ويسمي نفسه له أبا، لأنه شبيه ولده وقد يولد لمثله مثله، وليس بين الكلاب والبشر أرحام. فإذا كان شبه الإنسان أبعد من الله تعالى من شبه الجرو بالإنسان كان الله أحق بأن يجعله ولده وينسبه إلى نفسه.
قلنا لإبراهيم النظام عند جوابه هذا وقياسه الذي قاس عليه في المعارضة والموازنة بين قياسنا وقياسه: أرأيت كلبا ألف كلّابه وحامى وأحمى دونه، فأحياه بكسبه ولزمه على خلائقه واستأثره بالصيد دونه، هل يجوز أن يتخذه بذلك كله خليلا مع بعد التشابه والتناسب؟ فإذا قال: لا، قلنا: فالعبد الصالح أبعد شبها من الله من ذلك الكلب المحسن إلى كلّابه، فكيف جاز في قياسك أن يكون الله خليل من لا يشاكله لمكان إحسانه ولا يجوز للكلّاب أن يسمي كلبه خليلا أو ولدا لمكان حسن تربيته له وتأديبه إياه ولمكان حسن الكلب وكسبه عليه وقيامه مقام الولد الكاسب والأخ والبار؟ والعبد الصالح لا يشبه الله في وجه من الوجوه. والكلب قد يشبه كلّابه لوجوه كثيرة، بل ما أشبهه به مما خالفه فيه.. وإن كانت العلة التي منعت من تسمية الكلب خليلا وولدا بعد شبهه من الإنسان.
فلو قلتم: فما الجواب الذي أجبت فيه والوجه الذي ارتضيته؟
قلنا: إن إبراهيم صلوات الله عليه وإن كان خليلا فلم يكن خليله بخلة كانت بينه وبين الله تعالى، لأن الخلة والإخاء والصداقة والتصافي والخلطة وأشباه ذلك منفية عن الله تعالى عز ذكره فيما بينه وبين عباده. على أن الإخاء والصداقة داخلتان في الخلة، والخلة أعم الاسمين وأخص الحالين. ويجوز أن يكون إبراهيم خليلا بالخلة التي أدخلها الله على نفسه وماله. وبين أن يكون خليلا بالخلة وأن يكون خليلا بخلة بينه وبين ربه فرق ظاهر وبون واضح. وذلك أن إبراهيم عليه السلام اختل في الله تعالى اختلالا لم يختلله أحد قبله، لقذفهم إياه في النار وذبحه ابنه وحمله على ماله في الضيافة والمواساة والأثرة وبعداوة قومه والبراءة من أبويه في حياتهما وبعد موتهما وترك وطنه والهجرة إلى غير داره ومسقط رأسه، فصار لهذه الشدائد مختلا في الله وخليلا في الله. والخليل والمختل سواء في كلام العرب.
والدليل على أن يكون الخليل من الخَلة كما يكون من الخُلة قول زهير بن أبي سلمى وهو يمدح هرما:
وإن أتاه خليل يوم مسألة ** يقول لا عاجز مالي ولا حرم
وقال آخر:
وإني إلى أن تسعفاني بحاجة ** إلى آل ليلى مرة لخليل
وهو لا يمدحه بأن خليله وصديقه يكون فقيرا سائلا يأتي يوم المسألة ويبسط يده للصدقة والعطية، وإنما الخليل في هذا الموضع من الخَلة والاختلال لا من الخُلة والخلال.
وكأن إبراهيم عليه السلام حين صار في الله مختلا أضافه الله إلى نفسه وأبانه بذلك عن سائر أوليائه، فسماه خليل الله من بين الأنبياء كما سمى الكعبة بيت الله من بين جميع البيوت، وأهل مكة أهل الله من بين جميع البلدان، وسمى ناقة صالح عليه السلام ناقة الله من بين جميع النوق. وهكذا كل شيء عظمه الله تعالى من خير وشر وثواب وعقاب، كما قالوا: دعه في لعنة الله وفي نار الله وفي حرقه. وكما قال للقرآن كتاب الله، وللمحرم شهر الله. وعلى هذا المثال قيل لحمزة رحمة الله ورضوانه عز ذكره عليه أسد الله، ولخالد رحمة الله عليه سيف الله تعالى.
وفي قياسنا هذا لا يجوز أن الله خليل إبراهيم كما يقال إن إبراهيم خليل الله.
فإن قال قائل: فكيف لم يقدموه على جميع الأنبياء إذ كان الله قدمه بهذا الاسم الذي ليس لأحد مثله؟
قلنا: إن هذا الاسم اشتق له من عمله وحاله وصفته. وقد قيل لموسى عليه السلام كليم الله، وقيل لعيسى روح الله، ولم يقل ذلك لإبراهيم ولا لمحمد صلوات الله عليهما وإن كان محمد صلى الله عليه وسلم أرفع درجة منهم، لأن الله تعالى كلم الأنبياء عليهم السلام على ألسنة الملائكة، وكلم موسى كما كلم الملائكة فلهذه العلة قيل كليم الله. وخلق في نطف الرجال أن قذفها في أرحام النساء على ما أجرى عليه تركيب العالم وطباع الدنيا، وخلق في رحم مريم روحا وجسدا على غير مجرى العادة وما عليه المناكحة، فلهذه الخاصة قيل له روح الله.
وقد يجوز أن يكون في نبي من الأنبياء خصلة شريفة ولا تكون تلك الخصلة بعينها في نبي أرفع درجة منه، ويكون في ذلك النبي خصال شريفة ليست في الآخر. وكذلك جميع الناس كالرجل يكون له أبوان فيحسن برهما وتعاهدهما والصبر عليهما، وهو أعرج لا يقدر على الجهاد وفقير لا يقدر على الإنفاق، ويكون آخر لا أب له ولا أم له وهو ذو مال كثير وخلق سوي وجلد ظاهر، فأطاع هذا بالجهاد والإنفاق وأطاع ذلك ببر والديه والصبر عليهما. والكلام إذا حرك تشعب وإذا ثبت أصله كثرت فنونه واتسعت طرقه. ولولا ملالة القارىء ومداراة المستمع لكان بسط القول في جميع ما يعرض أتم للدليل وأجمع للكتاب، ولكنا إنما ابتدأنا الكتاب لنقتصر به على كسر النصرانية فقط.
فصل منه
قلنا في جواب آخر: إن كان المسيح إنما صار ابن الله لأن الله خلقه من غير ذكر، فآدم وحواء إذ كانا من غير ذكر وأنثى أحق بذلك، إن كانت العلة في اتخاذه ولدا أنه خلقه من غير ذكر.
وإن كان ذلك لمكان التربية فهل رباه إلا كما ربى موسى، وداود، وجميع الأنبياء. وهل تأويل رباه إلا غذاه، ورزقه، وأطعمه، وسقاه، فقد فعل ذلك بجميع الناس. ولم سميتم سقيه لهم وإطعامه إياهم تربية؟ ولم رباه وأنتم لا تريدون إلا غذاه ورزقه، وهو لم يحضنه، ولم يباشر تقليبه، ولم يتول بنفسه سقيه وإطعامه، فيكون ذلك سببا له دون غيره، وإنما سقاه لبن أمه في صغره، وغذاه بالحبوب والماء في كبره.
فصل منه
والأعجوبة في آدم عليه السلام أبدع، وتربيته أكرم، ومنقلبه أعلى وأشرف، إذ كانت السماء داره، والجنة منزله، والملائكة خدامه. بل هو المقدم بالسجود، والسجود أشد الخضوع. وإن كان بحسن التعليم والتثقيف؛ فمن كان الله تعالى يخاطبه، ويتولى مناجاته دون أن يرسل إليه ملائكته ويبعث إليه رسله، أقرب منزلة، وأشرف مرتبة، وأحق بشرف التأديب وفضيلة التعليم.
وكان الله تعالى يكلم آدم كما كان يكلم ملائكته، ثم علمه الأسماء كلها؛ ولم يكن ليعلمه الأسماء كلها إلا بالمعاني كلها، فإذا كان ذلك كذلك فقد علمه جميع مصالحه ومصالح ولده، وتلك نهاية طباع الآدميين، ومبلغ قوى المخلوقين.
فصل منه
فأما قولهم إنا نقول على الناس ما لا يعرفونه، ولا يجوز أن يدينوا به، وهو قولنا إن اليهود قالت: إن الله تعالى فقير ونحن أغنياء. وأنها قالت: إن يد الله مغلولة، وإنها قالت: إن عزيرا ابن الله. وهم مع اختلافهم وكثرة عددهم، ينكرون ذلك ويأبونه أشد الإباء.
قلنا لهم: إن اليهود لعنهم الله تعالى كانت تطعن على القرآن، وتلتمس نقضه، وتطلب عيبه، وتخطىء فيه صاحبه، وتأتيه من كل وجه، وترصده بكل حيلة، ليلتبس على الضعفاء، وتستميل قلوب الأغبياء. فلما سمعت قول الله تعالى لعباده الذين أعطاهم قرضا، وسألهم قرضا على التضعيف، فقال عز من قائل: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له}. قالت اليهود على وجه الطعن والعيب والتخطئة والتعنت: تزعم أن الله يستقرض منا، وما استقرض منا إلا لفقره وغنانا، فكفرت بذلك القول إذ كان على وجه التكذيب والتخطئة، لا على وجه أن دينها كان في الأصل أن الله فقير، وأن عباده أغنياء. وكيف يعتقد إنسان أن الله عاجز عما يقدر عليه، مع إقراره بأنه الذي خلقه ورزقه، وإن شاء حرمه، وإن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه. وقدرته على جميع ذلك كقدرته على واحد.
ومجاز الآية في اللغة واضح، وتأويلها بين. وذلك أن الرجل منهم كان يقرض صاحبه لإرفاقه، ليعود إليه مع أصل ماله اليسير من ربحه، ثم هو مخاطر به إلى أن يعود في ملكه. فقال لهم بحسن عادته ومنته: آسوا فقراءكم، وأعطوا في الحق أقرباءكم، من المال الذي أعطيتكم، والنعمة التي خولتكم، بأمري إياكم وضماني لكم، فأعتده منكم قرضا وإن كنت أولى به منكم، فأنا موفيكم حقوقكم إلى ما لا ترتقي إليه همة ولا تبلغه أمنية. على أنكم قد أمنتم من الخطار، وسلمتم من التغرير.
والرجل يقول لعبده: أسلفني درهما، عند الحاجة تعرض له، وهو يعلم أن عبده وماله له. وإنما هذا كلام وفعال يدل على حسن الملكة، والتفضل على العبد والأمة، وإخبار منه لعبده أنه سيعيد عليه ما كانت سخت به نفسه.
وهذا ليس بغلط في الكلام ولا بضيق فيه، ولكن المتعنت يتعلق بكل سبب، ويتشبث بكل ما وجد.
وأما إخباره عن اليهود أنها قالت: يد الله مغلولة، فلم يذهب إلى أن اليهود ترى أن ساعده مشدودة إلى عنقه بغل. وكيف يذهب إلى هذا ذاهب ويدين به دائن، لأنه لا بد أن يكون يذهب إلى أنه غل نفسه أو غله غيره. وأيهما كان، فإنه منفي عن وهم كل بالغ يحتمل التكليف، وعاقل يحتمل التثقيف. ولكن اليهود قوم جبرية، والجبرية تبخّل الله مرة، وتظلمه مرة، وإن لم تقر بلسانها، وتشهد على إقرارها، بقولهم: يد الله مغلولة، يعنون بره وإحسانه. وقولهم: مغلولة، لا يعني أن غيره حبسه ومنعه، ولكن إذا كان عندهم أنه الذي منع أياديه وحبس نعمه، فهي محبوسة بحبسه، وممنوعة بمنعه. والذي يدل على أنهم أرادوا باليدين النعمة والإفضال، دون الساعد والذراع، جواب كلامهم حين قال: {بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} دليلا على ما قلنا، وشاهدا على ما وصفنا.
فإن قالوا: فكيف لم يقل إن اليهود بخّلت الله وجحدت إحسانه، دون أن يقال إن يد الله مغلولة؟ قلنا: إن أراد الله الإخبار عن كفر قوم وسخط عليهم، فليس لهم عليه أن يعبر عن دينهم وعيوبهم بأحسن المخارج، ويجليها بأحسن الألفاظ. وكيف وهو يريد التنفير عن قولهم، وأن يبغضهم إلى من سمع ذلك عنهم. ولو أراد الله تعالى تليين الأمر وتصغيره وتسهيله، لقال قولا غير هذا. وكل صدق جائز في الكلام. فهذا مجاز مسألتهم في اللغة، وهو معروف عند أهل البيان والفصاحة.
وأما قولهم: إن اليهود لا تقول إن عزيرا ابن الله. فإن اليهود في ذلك على قولين: أحدهما خاص، والآخر عام في جماعتهم.
فأما الخاص، فإن ناسا منهم لما رأوا عزيرا أعاد عليهم التوراة من تلقاء نفسه، بعد دروسها وشتات أمرها، غلوا فيه، وقالوا ذلك، وهو مشهور من أمرهم. وإن فريقا من بقاياهم لباليمن والشام وداخل بلاد الروم. وهؤلاء بأعيانهم يقولون: إن إسرائيل الله ابنه، وإذا كان ذلك على خلاف تناسب الناس، وصار ذلك الاسم لعزير بالطاعة والعلامة والمرتبة لأنه من ولد إسرائيل.
والقول الذي هو عام فيهم إن كل يهودي ولده إسرائيل فهو ابن الله، إذ لم يجدوا ابن ابن قط إلا وهو ابن.
فصل منه
فإن قالوا: أليس المسيح روح الله وكلمته، كما قال عز ذكره: {وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} أوليس قد أخبر عن نفسه حين ذكر أمه أنه نفخ فيها من روحه؟ أوليس مع ذلك قد أخبر عن حصانة فرجها وطهارتها؟ أوليس مع ذلك قد أخبر أنه لا أب له، وأنه كان خالقا، إذ كان يخلق من الطين كهيئة الطير، فيكون حيا طائرا؟ فأي شيء بقي من الدلالات على مخالفته لمشاكلة جميع الخلق، ومباينة جميع البشر؟
قلنا لهم: إنكم إنما سألتمونا عن كتابنا، وما يجوز في لغتنا وكلامنا، ولم تسألونا عما يجوز في لغتكم وكلامكم. ولو أننا جوزنا ما في لغتنا ما لا يجوز، وقلنا على الله تعالى ما لا نعرف، كنا بذلك عند الله والسامعين في حد المكاثرين، وأسوأ حالا من المنقطعين، وكنا قد أعطيناكم أكثر مما سألتم، وجزنا بكم فوق أمنيتكم.
ولو كنا إذا قلنا: عيسى روح الله وكلمته، وجب علينا في لغتنا أن يجعله الله ولدا، ونجعله مع الله تعالى إلها، ونقول: إن روحا كانت في الله فانفصلت منه إلى بدن عيسى وبطن مريم. فكنا إذا قلنا: إن الله سمى جبريل روح الله وروح القدس، وجب علينا أن نقول فيه ما يقولون في عيسى. وقد علمتم أن ذلك ليس من ديننا، ولا يجوز ذلك بوجه من الوجوه عندنا، فكيف نظهر للناس قولا لا نقوله، ودينا لا نرتضيه.
ولو كان قوله جل ذكره: {فنفخنا فيه من روحنا} يوجب نفخا كنفخ الزق، أو كنفخ الصائغ في المنفاخ، وأن بعض الروح التي كانت فيه انفصلت فاصلة إلى بطنه وبطن أمه، لكان قوله في آدم يوجب له ذلك، لأنه قال: {وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله}.. إلى قوله: {ونفخ فيه من روحه} وكذلك قوله: {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين}.
والنفخ يكون من وجوه، والروح يكون من وجوه. فمنها ما أضافه إلى نفسه، ومنها ما لم يضفه إلى نفسه. وإنما يكون ذلك على قدر ما عظم من الأمور، فمما سمى روحا وأضافه إلى نفسه، جبريل الروح الأمين، وعيسى بن مريم. والتوفيق كقول موسى حين قال: إن بني فلان أجابوا فلانا النبي ولم يجيبوك. فقال له: إن روح الله مع كل أحد.
وأما القرآن فإن الله سماه روحا، وجعله يقيم للناس مصالحهم في دنياهم وأبدانهم، فلما اشتبها من هذا الوجه ألزمهما اسمهما فقال لنبيه ﷺ: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} وقال: {تنزل الملائكة والروح}
فصل منه
قد قلنا في جواباتهم وقدمنا مسائلهم بما لم يكونوا ليبلغوه لأنفسهم، ليكون الدليل تاما والجواب جامعا، وليعلم من قرأ هذا الكتاب، وتدبر هذا الجواب، أنا لم نغتنم عجزهم، ولم ننتهز غرتهم. وأن الإدلال بالحجة، والثقة بالفلج والنصرة، هو الذي دعانا إلى أن نخبر عنهم بما ليس عندهم، وألا نقول في مسألتهم بمعنى لم ينتبه له منتبه، أو يشر إليه مشير، وألا يوردوا فيما يستقبلون، على ضعفائنا ومن قصر نظره منا، شيئا إلا والجواب قد سلف فيهم، وألسنتهم قد أدلت به.
فيقال لهم: هل يخلو المسيح أن يكون إنسانا بلا إله أو إلها بلا إنسان أو أن يكون إلها وإنسانا؟
فإن زعموا أنه كان إلها بلا إنسان قلنا لهم: فهو الذي كان صغيرا فشب والتحى، والذي كان يأكل ويشرب وينجو ويبول، وقُتل بزعمكم وصلب، وولدته مريم وأرضعته، أم غيره هو الذي كان يأكل ويشرب على ما وصفنا؟
فأي شيء معنى الإنسان إلا ما وصفنا وعددنا، وكيف يكون إلها بلا إنسان وهو الموصوف بجميع صفات الإنسان؟ وليس القول في غيره ممن صفته كصفته إلا كالقول فيه كاشتمالها على غيره.
وإن زعموا أنه لم ينقلب عن الإنسانية ولم يتحول عن جوهر البشرية ولكن لما كان اللاهوت فيه صار خالقا سمي إلها، قلنا لهم: خبرونا عن اللاهوت أكان فيه وفي غيره أم كان فيه دون غيره؟
فإن زعموا أنه كان فيه وفي غيره فليس هو أولى بأن يكون خالقا ويتسمى إلها من غيره. وإن كان فيه دون غيره فقد صار اللاهوت جسما.
وسنقول في الكسر عليهم إذا صرنا إلى القول في التشبيه، وهو قول منعلهم والذي كان عليه جماعتهم إلا من خالفهم من متكلميهم ومتفلسفيهم، فإنهم يقولون بالتشبيه والتجسيم فرارا من كثرة الشناعة وعجزا عن الجواب، وكفى بالتشبيه قبحا. وهو قول يعم اليهود وإخوانهم من الرافضة وشياطينهم من المشبهة الحشوية والنابتة. وهو بعد متفرق في الناس. والله تعالى المستعان.

===============================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب المنقذ من الضلال أبو حامد الغزالي

  كتاب المنقذ من الضلال أبو حامد الغزالي بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، الذي يفتتح بحمده كل رسالة ومقالة، والصلاة على محمد المصطفى...